الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-28-6
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٨٧

ببقائها مساء.

والجواب : انّ المفروض في المقام دلالة خبر الثقة صباحا على ثبوت الطهارة فإذا ضممنا إلى هذه الامارة على الحدوث الملازمة بين الحدوث والبقاء المستفادة من دليل الاستصحاب فسوف تكون تلك الامارة على الحدوث امارة على البقاء.

وأشكل السيد الخوئي على الآخوند بأنّه ما المراد من الملازمة المجعولة في دليل الاستصحاب؟ فإن كان المقصود منها الملازمة الواقعية ـ بمعنى أنّ دليل الاستصحاب يقول انّ الشيء إذا كان حادثا فيما سبق واقعا فهو باق واقعا ـ فهو باطل إذ لازمه أن يكون الاستصحاب امارة حيث انّه ينظر إلى الواقع ويحكم بالبقاء واقعا ويقول انّ الشيء باق واقعا ويكون نظير خبر الثقة ، فكما أنّه امارة لنظره إلى الواقع غاية الأمر قد يصيبه وقد لا يصيبه كذلك الاستصحاب يكون ناظرا إلى الواقع وبذلك يكون امارة لا أصلا عمليا.

وإن كان المقصود منها الملازمة في مرحلة التنجز ، بمعنى انّ الاستصحاب يقول انّ الشيء إذا كان منجزا في الزمان السابق فهو باق على المنجزية لا حقا فلازمه عند العلم إجمالا بنجاسة أحد الإنائين والعلم بعد ذلك تفصيلا بأنّ النجس هو الإناء الأوّل الحكم بتنجز الاجتناب عن الإناء الثاني أيضا ، حيث انّه حين حصول العلم الإجمالي تنجز وجوب الاجتناب عن كلا الإنائين فإذا زال العلم الإجمالي وعلم تفصيلا بنجاسة الإناء الأوّل زال التنجز الثابت بسبب العلم الإجمالي عن الإناء الثاني ويحدث تنجز بسبب الاستصحاب ، فالاستصحاب يقول عند ذلك : ما دام الإناء الثاني قد ثبت التنجز له في الزمان السابق بسبب

٨١

العلم الإجمالي فأنا أحكم ببقاء التنجز له في الزمان اللاحق (١) ، حيث انّي أجعل ملازمة بين حدوث التنجز وبقائه.

وواضح انّ هذا لا يمكن الالتزام به إذ لم يقل أحد انّ التنجز يبقى في أطراف العلم الإجمالي حتّى بعد زواله ـ العلم الإجمالي ـ بسبب العلم التفصيلي.

ويمكن الجواب عن كلام السيد الخوئي هذا بأنّ هناك احتمالا ثالثا في الملازمة ، فالاستصحاب لا يجعل الملازمة الواقعية ولا الملازمة في التنجز وإنّما يجعل الملازمة بين الحدوث الواقعي والبقاء الظاهري فهو يقول إن كان الشيء حادثا واقعا فهو باق في مرحلة الظاهر. وبناء على هذا لا يلزم أي إشكال.

وإذا بطل جواب السيد الخوئي فلا بدّ وأن نتصدّى نحن للردّ على ما ذكره الآخوند فنقول : انّ ما ذكره الآخوند يرجع إلى إنكار ركنية اليقين وأنّ اليقين ليس ركنا في باب الاستصحاب. ومثل هذه الدعوى لا بدّ للآخوند من إثباتها إذ كيف ينكر ركنية اليقين والحال أنّ حديث لا تنقض اليقين قد أخذ كلمة اليقين ، وظاهر ذلك أنّ اليقين معتبر بنحو الموضوعية لا المرآتية لحدوث الحالة السابقة.

والآخوند قد تصدّى لإثبات هذه الدعوى وقال انّ اليقين بما أنّه يصلح أن يكون كاشفا ومرآتا عن المتيقّن فأخذه في دليل الاستصحاب يكون بهذا الاعتبار ، أي بما أنّه طريق ومرآة لحدوث الحالة السابقة ولا يكون معتبرا بنحو الموضوعية.

ويعلّق السيد الشهيد على كلام الآخوند هذا قائلا : انّ كلام الآخوند لا بدّ

__________________

(١) طبيعي هذا يتمّ فيما لو كان الإناء الثاني يحتمل نجاسته بنحو الشبهة البدوية وأمّا إذا كان يقطع بعدم نجاسته بعد حصول العلم التفصيلي فلا مجال لجعل الملازمة بين الحدوث والبقاء في التنجز

٨٢

من إصلاحه أوّلا وبعد ذلك نأخذ بمناقشته.

أمّا إصلاحه فالآخوند ذكر أنّ اليقين يصلح أن يكون مرآة ، وهذا صحيح ولكن مجرّد صلاحية اليقين لذلك لا يثبت به أنّه قد أخذ بالفعل بنحو المرآتية. بل لا بدّ من إثبات ذلك من طريق الظهور بأن يقال انّ ظاهر حديث لا تنقض انّ اليقين قد أخذ بما هو مرآة إلى حدوث الحالة السابقة ولا يكفي مجرّد الصلاحية بلا ضمّ دعوى الظهور ، إذ يبقى كل من احتمال الموضوعية واحتمال المرآتية ثابتا ومع ثبوتهما فلا يمكن جريان الاستصحاب في موارد قيام الامارة لاحتمال أنّ اليقين معتبر بنحو الموضوعية.

وبعد هذا الاصلاح يأخذ قدس‌سره بمناقشة الآخوند قائلا : انّه ما المقصود من أخذ اليقين في حديث لا تنقض بما هو مرآة للمتيقن؟ إنّ في ذلك احتمالين : ـ

أ ـ أن يكون المقصود من المرآتية المرآتية الواقعية ، بمعنى أنّ اليقين مرآة واقعا وحقيقة للمتيقن. وهذا وإن كان صحيحا ولكن في خصوص اليقين القلبي ـ فاليقين القائم في قلب الشخص مرآة للمتيقّن ولذا لا يلتفت الإنسان حين حصول اليقين له إلى صفة اليقين بل إلى المتيقن ـ وليس تامّا في مفهوم اليقين المأخوذ في حديث لا تنقض فإنّه ليس مرآة حقيقة إلى المتيقّن وإنّما هو مرآة لأفراد اليقين.

ب ـ وإن كان المقصود من المرآتية أنّ العرف قد يستعمل أحيانا كلمة اليقين ويريد منها المتيقّن فهذا وإن كان صحيحا ولكنّه يحتاج إلى قرينة ، فإنّ كلمة اليقين المأخوذة في حديث لا تنقض ظاهرة في موضوعية اليقين وحملها على المرآتية يحتاج إلى قرينة خاصّة أو قرينة عامة ، وكلتاهما مفقودة.

أمّا فقدان القرينة الخاصّة فواضح حيث لم تقترن قرينة خاصّة بكلمة اليقين

٨٣

تدل على أنّ المراد منها المتيقن.

وأمّا فقدان القرينة العامّة فلأنّ القرينة العامّة ليست هي إلاّ مناسبات الحكم والموضوع ، ومن الواضح انّها ـ مناسبات الحكم والموضوع ـ لا تأبى عن دخالة اليقين بنحو الموضوعية في جريان الاستصحاب.

ثمّ ذكر السيد الشهيد انّه كان من المناسب للآخوند لإثبات عدم ركنية اليقين بنحو الموضوعية في الاستصحاب التمسّك برواية عبد الله بن سنان حيث لم يعلل الإمام عليه‌السلام الحكم بعدم وجوب غسل الثوب باليقين السابق بل بنفس الحالة السابقة حيث قال : انّك أعرته إيّاه وهو طاهر. هذا هو المناسب لا ما ذكره من أنّ ظاهر كلمة اليقين في الروايات اعتبار اليقين بما هو مرآة إلى المتيقن فإنّ هذا غير مقبول بعد عدم مساعدة القرينة الخاصّة والعامة عليه.

جواب جملة من المحقّقين

٣ ـ وقد ذكر جملة من المحقّقين في دفع الإشكال انّ كلمة اليقين المذكورة في قوله عليه‌السلام : « لا تنقض اليقين بالشكّ » يراد بها مطلق الحجّة على ثبوت الحالة السابقة فكأنّه قيل لا تنقض الحجّة على الحالة السابقة بالشكّ ، وتخصيص اليقين بالذكر من باب أنّه أحد مصاديق الحجّة وإلاّ فلا خصوصية له.

وبناء على هذا متى ما قامت الامارة صباحا على طهارة الثوب جرى الاستصحاب عند طروّ الشكّ في بقاء النجاسة مساء لأنّ جريان الاستصحاب لا يتقوّم بوجود خصوص اليقين حتّى يقال بعدم ثبوته في موارد الامارة وإنّما يتقوّم بقيام الحجّة سابقا ، والمفروض انّ الحجّة ثابتة سابقا لأنّ دليل حجّية الامارة يحقّق

٨٤

مصداقا حقيقيا من مصاديق الحجّة.

وهذا الجواب يختلف عن الجواب السابق للآخوند ، ففيما سبق كان ينكر الآخوند ركنية اليقين ويقول انّ دليل الاستصحاب يريد جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء ولا يريد الحكم بالبقاء عند اليقين بالحدوث ، وأمّا في هذا الجواب فيسلم بركنية اليقين ولكن يفسّر اليقين بمطلق الحجّة.

كما ويختلف هذا الجواب عن الجواب الأوّل للميرزا في أنّ قيام الامارة على الجواب الأوّل يكون حاكما على دليل الاستصحاب لأنّه بقيام الامارة يتحقّق فرد تعبّدي لليقين وتتّسع دائرة اليقين المعتبر في الاستصحاب اتساعا تعبّديا لا حقيقيا بينما على هذا الجواب يكون قيام الامارة واردا على دليل الاستصحاب إذ بقيام الامارة يتحقّق فرد حقيقي للحجّة وتتّسع دائرة اليقين اتساعا حقيقيا. ونحن نعرف أنّ الفرد المتحقّق إن كان فردا تعبّديا فالباب باب الحكومة وإن كان فردا حقيقيا فالباب باب الورود.

هذا حصيلة الجواب الثالث.

ويرده : انّ حمل كلمة اليقين على مطلق الحجّة الجامعة بين اليقين والامارة حمل على خلاف الظاهر وبحاجة إلى قرينة وهي مفقودة.

جواب السيد الشهيد

وبعد أن اتّضح الخلل في الأجوبة الثلاثة السابقة يبقى على السيد الشهيد التصدّي بنفسه للجواب عن المشكلة. وحاصل ما ذكره انّ المشكلة يمكن حلّها في بعض موارد الامارات وتبقى ثابتة في بعض آخر من الموارد.

٨٥

موارد العلاج

أمّا الموارد التي يمكن فيها علاج المشكلة فهي الصور الأربع التالية. وفي هذه الصور الأربع يسلّم قدس‌سره بأنّ استصحاب الحالة السابقة الثابتة بالامارة لا يمكن جريانه بيد أنّه يمكن إبراز بديل عنه يمكن الاستعانة به عوضا عنه.

ولتوضيح الصور الأربع نقول : انّ الامارة تارة تكون ثابتة في شبهة موضوعية واخرى في شبهة حكمية.

مثال الأوّل : الامارة الدالّة على نجاسة ثوب معيّن صباحا ، فإنّ الثوب المعيّن موضوع خارجي جزئي ، ومتى ما كان الموضوع جزئيا فالشبهة موضوعية.

مثال الثاني : خبر زرارة الحاكم بنجاسة الماء المتغيّر ، فإن الماء الكلّي ـ لا الماء الخارجي المعيّن ـ موضوع كلّي ، ومتى ما كان الموضوع كلّيا فالشبهة حكمية.

ثمّ انّ الشكّ في البقاء تارة يكون شكّا في البقاء بنحو الشبهة الموضوعية واخرى بنحو الشبهة الحكمية.

مثال الأوّل : أن يشكّ في المثال الأوّل السابق في عروض الغسل على الثوب المتنجس أو يشكّ في المثال الثاني في زوال التغيّر ، فإنّ الشكّ في هذين المثالين شكّ في البقاء بنحو الشبهة الموضوعية ، إذ الحكم الكلّي معلوم ولا شكّ فيه فيعلم انّ الثوب لو غسل طهر ولكن يشكّ في الموضوع الخارجي فلا يعلم هل طرأ الغسل خارجا أو لا. وهكذا في مثال الماء المتغير يعلم مثلا بأنّ زوال التغيّر مطهّر ولكن يشكّ في تحقّق زوال التغيّر وعدمه.

٨٦

ومثال الثاني : تطهير الثوب المتنجس بالماء المضاف أو الشكّ في أنّ زوال التغير عن الماء بنفسه ـ أي لا بإلقاء كر عليه ـ مطهر أو لا ، فإنّ الشكّ في البقاء في هذين المثالين ناشىء من الشكّ في الحكم الكلّي فلا يعلم أنّ الغسل بالماء المضاف مطهر أو لا ، وهكذا لا يعلم أنّ زوال التغيّر بنفسه عن الماء مطهر أو لا.

ثمّ إنّ مجموع الصور على هذا أربع حاصلة من ضرب الصورتين الاوليتين في الصورتين الأخيرتين. وبعد هذا نأخذ باستعراض حال هذه الصور بالتفصيل.

الصورة الاولى

وفي هذه الصورة نفترض انّ الامارة امارة في شبهة موضوعية وأنّ الشكّ في البقاء شكّ بنحو الشبهة الموضوعية أيضا.

ومثال ذلك : ما إذا أخبر الثقة صباحا بأنّ الثوب قد تنجّس وشككنا مساء في طروّ الغسل عليه.

وفي هذه الحالة نعترف بأنّ استصحاب بقاء التنجس لا يجري ، إذ بقيام الامارة لا يحصل اليقين بثبوت التنجّس كي يستصحب ولكن يمكن التعويض عن ذلك باستصحاب آخر ، وذلك بأحد الشكلين التاليين : ـ

أ ـ أن نقول ما هو الغرض من إجراء استصحاب بقاء التنجّس مساء في الثوب؟ ليس الغرض إلاّ إثبات بقاء تنجّسه ، ونحن في هذا الشكل سوف نثبت بقاء التنجس مساء بلا اعتماد على استصحاب التنجّس السابق ، بأن يقال : انّ ثبوت التنجس مساء يحتاج إلى ركنين : أحدهما : ملاقاة النجاسة للثوب ، وثانيهما عدم طرو الغسل عليه. وكلاهما متوفّر فيثبت بقاء التنجس مساء.

٨٧

أمّا توفّر الركن الأوّل فباعتبار الامارة حيث فرضنا انّ الثقة شهد بملاقاة النجاسة للثوب.

وامّا توفّر الركن الثاني فبتوسّط الاستصحاب حيث انّه توجد لحظة سابقة نجزم فيها بعدم غسل الثوب. وهذه اللحظة إن لم تكن قبل يوم أو يومين فهي لا أقل موجودة قبل سنة أو سنتين حين شراء الثوب من بائع الأقمشة. وإذا كان اليقين بعدم طروّ الغسل ثابتا في تلك اللحظة فنستصحبه إلى زمان الشكّ.

وبذلك يتوفر كلا الركنين وتثبت نجاسة الثوب مساء ، غاية الأمر أحد الركنين ثابت بالامارة والآخر ثابت بالاستصحاب (١).

والخلاصة : انّه لئن تعذّر علينا إجراء استصحاب التنجس السابق ومن ثمّ إثبات بقاء التنجّس في الثوب مساء فبإمكاننا إثبات ذلك بالطريق المتقدّم.

ب ـ انّ الامارة التي أخبرتنا صباحا بتنجّس الثوب هي في الحقيقة تخبر عن مطلبين : أحدهما ملاقاة النجاسة للثوب. وثانيهما انّ ذلك التنجس باق إلى الأبد ما لم يطرء الغسل.

ويمكن أن نصطلح على المطلب الأوّل بالمدلول المطابقي للامارة وعلى المطلب الثاني بالمدلول الالتزامي.

والامارة كما هي حجّة في الأوّل حجّة في الثاني أيضا. وعند قيام الامارة لئن لم يحصل لنا يقين بالمطلب الأوّل ـ أي بملاقاة النجاسة للثوب ـ فلا يجري

__________________

(١) ويصطلح على مثل استصحاب عدم طرو الغسل بالاستصحاب الموضوعي ، لأنّ عدم طرو الغسل موضوع ـ أو بالأحرى جزء لموضوع الحكم بالتنجيس ـ وليس حكما شرعيا فالاستصحاب الجاري فيه استصحاب موضوعي

٨٨

استصحابه فلنا يقين بالمطلب الثاني ؛ إذ نجزم بعد قيام الامارة بحكم الشارع ببقاء التنجس في الثوب ما دام لم يغسل. ونحن نستصحب هذا البقاء التعبّدي المتيقّن فنقول هكذا : انّ الثوب كان محكوما صباحا جزما ببقاء التنجس فيه تعبّدا ما دام لم يغسل فإذا شكّ في طروّ الغسل فهذا معناه الشكّ في بقاء ذلك التعبّد الشرعي بالبقاء فنجري الاستصحاب فيه أي في البقاء التعبّدي.

وإن شئت قلت : إنّ لنا شكّين : شكّا في بقاء التعبّد بالنجاسة ، وشكّا في طرو الغسل ، والشكّ الأوّل مسبب عن الشكّ الثاني. وفي الشكل الأوّل اجري الاستصحاب في الشكّ الثاني بينما في الشكل الثاني اجري في الشكّ الأوّل.

الصورة الثانية

وفي هذه الصورة نفترض انّ الامارة امارة في شبهة حكمية بينما الشكّ في البقاء شكّ بنحو الشبهة الموضوعية.

ومثال ذلك : ان يدلّ خبر زرارة على نجاسة الماء المتغيّر. وهذه شهادة على مطلب كلّي. ونفترض انّ لدينا صباحا في الخارج ماء معيّنا متغيّرا ونشك في زوال تغيّره مساء. وفي هذه الصورة يجري الاستصحابان السابقان دون أي فرق.

أمّا الاستصحاب بشكله الأوّل فبأن يقال انّ بقاء النجاسة في المساء تحتاج إلى ركنين : أحدهما : ثبوت النجاسة عند تغيّر الماء ، وثانيهما بقاء التغير. والركن الأوّل ثابت بالامارة والركن الثاني ثابت بالاستصحاب فيستصحب بقاء التغيّر ، فإنّ التغيّر كان ثابتا على سبيل اليقين صباحا فإذا شكّ في بقائه مساء جرى استصحابه.

٨٩

وامّا الاستصحاب بشكله الثاني فبأن يقال انّ الامارة على نجاسة الماء المتغيّر تدل بالالتزام على بقاء النجاسة تعبّدا ما دام لم يزل التغير فإذا شكّ في بقاء التعبّد بالنجاسة بسبب الشكّ في زوال التغير استصحب البقاء التعبّدي السابق.

الصورة الثالثة

وفي هذه الصورة نفترض انّ الامارة امارة في شبهة موضوعية بيد انّ الشكّ في البقاء شكّ بنحو الشبهة الحكمية.

مثال ذلك : أن تدل الامارة على نجاسة ثوب معيّن صباحا ثمّ في المساء يغسل بمائع مضاف. انّ المشكوك في المثال المذكور بما أنّه شيء خارجي معيّن وهو الثوب فالامارة المتعلّقة به امارة في شبهة موضوعية ولكن الشكّ في بقاء نجاسته حيث انّه ناشئ من الشكّ في الحكم الشرعي ـ حيث انّ الشكّ في حصول التطهير بالمائع المضاف شكّ في حكم كلي ـ فالشبهة من حيث البقاء شبهة حكمية.

وفي هذه الصورة لا يجري الاستصحاب بشكله الأوّل السابق ويجري بشكله الثاني.

امّا انّه لا يجري بشكله الأوّل فلأنّ المطهر شرعا إن كان هو الغسل بالمطلق فهو ممّا يقطع بعدم حصوله على الفرض فلا معنى لإجراء استصحاب عدم حصوله فإنّ جريان الاستصحاب فرع الشكّ ، وإن كان هو الغسل بالمائع الأعمّ من المطلق والمضاف فهو ممّا يقطع بحصوله فلا معنى لجريان الاستصحاب فيه أيضا (١).

__________________

(١) وقد تقول لماذا لا يجري الاستصحاب في عنوان المطهر الشرعي فيقال انّ المطهّر الشرعي نشكّ في طروّه فنستصحب عدمه ونقطع النظر عن حيثية الإطلاق والإضافة؟ ـ

٩٠

وأمّا انّه يجري بشكله الثاني فلأنّ الامارة حينما دلّت صباحا على نجاسة الثوب فقد دلّت على نجاسته الظاهرية وبقائها تعبّدا إلى أن يطرأ المطهر الواقعي ، وحيث إنّنا نشكّ في حصول المطهر الواقعي ـ للشكّ في حصول التطهير واقعا بالغسل بالمائع المضاف ـ فيجري استصحاب بقاء النجاسة الظاهرية أو بكلمة اخرى يجري استصحاب البقاء التعبّدي.

الصورة الرابعة

وهذه الصورة عكس الصورة الاولى ، أي تكون الامارة امارة في شبهة حكمية ويكون الشكّ في البقاء شكّا بنحو الشبهة الحكمية.

مثال ذلك : ان تدلّ الامارة على حصول التنجس بملاقاة الشيء المتنجّس (١) ويفرض انّ لدينا ثوبا معيّنا صباحا لاقى اليد المتنجّسة ، وعند المساء غسلناه بالمائع المضاف. انّ حصول التنجس بملاقاة المتنجّس حيث انّه حكم شرعي كلّي فالامارة الدالة عليه امارة في شبهة حكمية ، والشكّ في البقاء حيث انّه ناشىء من الشكّ في حكم الشارع بمطهريّة الغسل بالمائع المضاف فالشبهة من

__________________

ـ والجواب : انّ المزيل للنجاسة شرعا امّا الغسل بالمطلق أو الغسل بمطلق المائع ، وأمّا عنوان المطهر فليس مركزا للأثر كي يجري الاستصحاب فيه ، وإذا كنّا نعبّر بعنوان المطهر أحيانا ونقول نستصحب عدم طروّ المطهر فذاك مرآة إلى عدم الغسل بالماء المطلق

(١) حصول التنجّس بملاقاة العين النجسة كالدم والبول ممّا لا إشكال فيه ولا كلام وإنّما الكلام بين الفقهاء في أنّ البول إذا لاقى اليد وجفّ لسبب وآخر ولاقت اليد الحاملة لرطوبة العرق بعد ذلك ثوبا أو أي شيء آخر فهل يتنجس الثوب أو لا. وهذا هو المبحث المعروف بأنّ المتنجس ينجس أو لا

٩١

حيث البقاء شبهة حكمية أيضا.

وهذه الصورة لا تختلف من حيث الحكم عن الصورة الثالثة المتقدّمة فالاستصحاب بشكله الأوّل لا يجري وبشكله الثاني يجري.

اما انّه بشكله الأوّل لا يجري فلنفس ما سبق حيث انّ المطهّر الشرعي إن كان هو الغسل بالماء المطلق فذاك ممّا يقطع بعدم حصوله فلا معنى لإجراء استصحاب عدمه ، وإن كان هو الغسل بالسائل الأعمّ من المطلق والمضاف فذاك ممّا يقطع بحصوله ولا معنى أيضا لجريان الاستصحاب فيه.

وامّا انّه بشكله الثاني يجري فلأنّ الامارة حينما دلّت على حصول التنجّس بملاقاة المتنجّس وفرض انّ الثوب لاقى اليد المتنجّسة فقد حصل القطع بالتنجّس الظاهري وحصل القطع ببقائه تعبّدا ما لم يطرأ المطهر الشرعي الواقعي فإذا شكّ في طروّه ـ للشكّ في أنّ الغسل بالمضاف مطهر أو لا ـ جرى استصحاب التنجس الظاهري أو بكلمة اخرى البقاء التعبّدي للتنجس.

الخلاصة

والخلاصة التي اتّضحت بعد استعراض هذه الصور الأربع انّ النجاسة الواقعية التي دلت الامارة عليها وإن لم يمكن استصحابها لعدم حصول القطع بها ـ إذ الامارة لا تفيد القطع ـ إلاّ أنّه يمكن التعويض عن ذلك باستصحاب آخر ، فإنّ النجاسة الظاهرية لمّا كان بقاؤها مغيى بعدم طروّ المطهر فالاستصحاب يمكن إجراؤه بشكلين ، فامّا أن يجرى في عدم طرو المطهر وهو استصحاب موضوعي ، أو يجرى في نفس النجاسة الظاهرية.

٩٢

وإن شئت قلت انّ الاستصحاب امّا أن يجري لإثبات عدم تحقّق الغاية أو لإثبات بقاء الحكم المغيى. وعرفنا انّ الاستصحاب بشكله الثاني ـ أي استصحاب المغيّى ـ يجري في جميع الصور الأربع وأمّا بشكله الأوّل فيجري في الصورة الاولى والثانية فقط.

بعض الصور لا يجري فيها الاستصحاب البديل

وقد عرفنا انّ الاستصحاب البديل يجري في صور أربع. ويمكن أن نقدّم جامعا للصور الأربع المذكورة فإنّه في جميعها يفرض وجود حكم له قابلية الاستمرار إلى الأبد ما لم تطرأ الغاية الرافعة له ، فإنّ نجاسة الثوب أو الماء قابلة شرعا للبقاء إلى يوم القيامة ما دام لم تحصل الغاية الرافعة لها. هذا هو الجامع. وقد اتّضح انّ الاستصحاب يجري بأحد شكلين.

وهناك صورة لا يمكن فيها جريان الاستصحاب البديل ، وهي ما لو فرض انّ الحكم ليست له قابلية البقاء إلى الأبد ولم يتحدّد استمراره بغاية معيّنة.

مثال ذلك : ما لو قال المولى لعبده اجلس في المسجد إلى زوال الشمس ، فإذا امتثل العبد ذلك وجلس إلى الزوال ولكنّه شكّ بعد ذلك في استمرار الوجوب ـ من جهة احتمال انّ التقييد بالزوال لبيان الفرد الأفضل لا لارتفاع الوجوب حقيقة بعده ـ فلا يجري الاستصحاب ؛ إذ لا توجد غاية يشكّ في حصولها ليستصحب عدمها كما ولا يوجد حكم مغيى ليستصحب بقاؤه.

وفي هذه الصورة يبقى الإشكال ـ وهو أنّه كيف يجري الاستصحاب في مورد الامارة ـ مستحكما ؛ إذ لا يمكن استصحاب الحكم الواقعي لعدم حصول

٩٣

اليقين به ولا استصحاب الحكم الظاهري لأنّ الامارة في هذه الصورة لا تدلّ على حكم ظاهري مغيى بغاية معينة إذ لا تدلّ على بقاء الوجوب ظاهرا ما لم تحصل الغاية الرافعة له.

ولا يمكن التخلّص من الإشكال إلاّ برفض ركنية اليقين كما رفضها من قبل الآخوند ولكن لا لما ذكره من الوجه ـ وهو أنّ التعبير باليقين في الروايات اريد به المرآتية لحدوث الحالة السابقة ، انّ هذه الدعوى خلاف ظاهر كلمة اليقين في الموضوعية وتحتاج إلى قرينة وهي مفقودة ـ بل للاستناد إلى رواية عبد الله بن سنان المتقدّمة حيث علّل الإمام عليه‌السلام عدم وجوب غسل الثوب الذي أعاره للذمي بحدوث الحالة السابقة دون اليقين بها ، إذ قال عليه‌السلام انّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم يقل انّك أعرته إيّاه وأنت مستيقن بطهارته.

قوله ص ٢٣٧ س ١ : من أدلّته المتقدّمة : وهي روايات لا تنقض اليقين بالشكّ.

قوله ص ٢٣٧ س ٤ : مصحّح للتعبّد بها : إذ بدون الأثر العملي لا يصحّ التعبّد ببقاء الحالة السابقة.

قوله ص ٢٣٨ س ٤ : إذا تمّ الاستدلال الخ : وقد كان تامّا في نظر السيد الشهيد.

قوله ص ٢٣٨ س ١٠ : في الجملة : أي على نحو القضية المهملة فلم تدلّ على أنّها تبقى بعد زوال التغيّر أو لا.

قوله ص ٢٣٨ س ١١ : بعد زوال التغيّر : أي من قبل نفسه ، فإنّ تغيّر الماء تارة يزول بإلقاء كرّ عليه ، وهذا لا إشكال في حصول الطهارة به ، واخرى يزول

٩٤

بنفسه بدون إلقاء كرّ طاهر عليه ، وهذا هو محلّ الشكّ.

ثمّ انّ المقصود من الماء المتغيّر في المثال المذكور هو الماء البالغ قدر كرّ ، وأمّا غير البالغ فلا إشكال في تنجّسه وإن لم يتغيّر ، كما ولا إشكال في بقاء نجاسته عند زوال تغيّره من قبل نفسه.

قوله ص ٢٣٨ س ١٥ : وإلغاء احتمال الخلاف : عطف تفسير للطريقيّة.

قوله ص ٢٣٨ س ١٥ : وبهذا : أي بسبب صيرورة الامارة علما وطريقا ببركة دليل حجّيتها.

قوله ص ٢٣٨ س ١٥ : القطع الموضوعي : كالقطع المأخوذ في روايات الاستصحاب فإنّه قطع مأخوذ في موضوع الاستصحاب حيث قيل : « لا تنقض اليقين بالشكّ ».

قوله ص ٢٣٨ س ١٦ : على الدليل المتكفّل الخ : وهو دليل الاستصحاب حيث جعل الحكم بالبقاء مرتّبا على القطع بالحالة السابقة.

قوله ص ٢٣٩ س ١ : ومعنى الحكومة هنا : أي انّ الحكومة في محل كلامنا موسّعة وإن كانت في مورد آخر مضيقه.

قوله ص ٢٣٩ س ٢ : ومن مصاديق ذلك : أي من مصاديق الحكومة.

قوله ص ٢٣٩ س ٣ : وحكومة دليل الخ : عطف تفسير لسابقه.

قوله ص ٢٣٩ س ٥ : وقد تقدّم الخ : هذا ردّ على كلام النائيني. وقد تقدّم ذلك في القسم الأوّل ص ٨٢.

قوله ص ٢٣٩ س ١٠ : على ما قيل في تفسيره : التعبير بذلك لتعدّد الاحتمالات في مقصود الآخوند.

٩٥

قوله ص ٢٤٠ س ٦ : انّ مردّ هذا الوجه : أي الوجه الثاني الذي ذكره الآخوند.

قوله ص ٢٤٠ س ٨ : فلا بدّ له : أي لهذا الوجه.

قوله ص ٢٤٣ س ٥ : أركانه فيه : أي في الجزء الآخر.

قوله ص ٢٤٥ س ٨ : والغسل بالمضاف : الصواب : والغسل بالمطلق.

قوله ص ٢٤٥ س ١٢ : نفس المجعول : وهو البقاء التعبّدي.

قوله ص ٢٤٥ س ١٤ : ورافعا : عطف تفسير لغاية.

قوله ص ٢٤٦ س ٧ : المستفاد من دليل الحجّية : وهو الحكم بوجوب البقاء إلى الزوال.

٩٦

الركن الثاني أو الشكّ في البقاء

قوله ص ٢٤٧ س ١ : والشكّ في البقاء الخ : والركن الثاني من أركان الاستصحاب الشكّ في البقاء. ويمكن تقريب ركنية هذا الركن بأحد بيانين : ـ

أ ـ أن نقطع النظر عن الروايات التي أخذت الشكّ في لسانها ونستدل على ذلك بالبرهان التالي (١) :

انّ الاستصحاب بما انّه حكم ظاهري فيعتبر في موضوعه الشكّ. والشكّ المذكور حيث انّه لا يمكن أن يكون هو الشكّ في أصل حدوث الحالة السابقة ـ وإلاّ كان المورد من موارد قاعدة اليقين لا الاستصحاب ـ فلا بدّ وأن يكون هو الشكّ في بقائها ، وهذا هو المطلوب.

ب ـ انّ نتوجّه إلى الروايات ونقول انّ الشكّ في البقاء معتبر في الاستصحاب لأنّ الروايات أخذته في لسانها وقالت لا تنقض اليقين بالشكّ.

وهل يوجد فارق عملي بين هذين البيانين أو هما واحد من هذه الناحية؟ نعم يوجد فارق عملي في موردين : ـ

المورد الأوّل

انّه بناء على البيان الأوّل يمكن جريان الاستصحاب في الفرد المردّد بينما

__________________

(١) هذا البيان الأوّل ذكر في عبارة الكتاب ثانيا وما ذكرناها ثانيا ذكر أوّلا ، وذاك غير مهمّ

٩٧

على البيان الثاني لا يمكن ذلك. ولأجل ان يتجلّى ذلك لا بدّ أوّلا من إيضاح المقصود من استصحاب الفرد المردّد ، وإيضاح الفرق بينه وبين استصحاب الكلّي من القسم الثاني.

انّ استصحاب الكلّي من القسم الثاني يعني اليقين بوجود الكلّي سابقا ضمن أحد فردين أحدهما متيقن الارتفاع والآخر مشكوك الارتفاع (١) ، كما لو علم بوجود كلي الإنسان في المسجد امّا ضمن زيد أو ضمن خالد ، ونفرض إنّا نعلم انّه لو كان ضمن زيد فهو مرتفع جزما زمان الشكّ لأنّ زيدا نفرض رؤيته خارج المسجد زمان الشكّ ، وإن كان ضمن خالد فهو محتمل البقاء لأنّ خالدا نحتمل بقائه في المسجد إلى زمان الشكّ ، انّ تردّد الفردين بهذا الشكل يوجب التردّد في بقاء الكلّي. وهذا ما يسمّى باستصحاب الكلّي من القسم الثاني. والمعروف فيه جريان الاستصحاب في الكلّي لليقين بحدوثه والشكّ في بقائه. أجل الفردان لا يجري فيهما الاستصحاب لأنّ زيدا معلوم الارتفاع وخالدا مشكوك الحدوث.

وامّا استصحاب الفرد المردّد فيقصد منه إجراء الاستصحاب في الفرد الواقعي فيقال انّا لا نستصحب كلّي الإنسان ولا زيدا ليقال انّه معلوم الارتفاع ولا خالدا ليقال انّه مشكوك الحدوث بل نستصحب بقاء ذلك الفرد الداخل في المسجد واقعا ، فذاك الفرد المعيّن الذي دخل المسجد واقعا وفي علم الله سبحانه والذي هو مردّد بحسب علمنا نستصحب بقائه.

وقد تسأل متى يحقّ لنا استصحاب الكلّي دون الفرد المردّد ومتى يحقّ

__________________

(١) أو متيقن البقاء فإنّ ذلك لا يؤثّر في حقيقة استصحاب الكلي من القسم الثاني

٩٨

العكس؟ والجواب : انّ الأثر الشرعي تارة يكون مترتّبا على الكلّي ـ كما لو دلّ الدليل متى ما كان إنسان في المسجد فيجب إكرامه ـ واخرى يكون مترتّبا على الفرد كما لو دلّ الدليل متى ما كان زيد في المسجد فيجب إكرامه ومتى ما كان خالد في المسجد فيجب إكرامه.

فإن كان الأثر الشرعي مترتّبا على الكلّي فلا بدّ من إجراء الاستصحاب في الكلّي لأنّ الفرد لا أثر له ليجري الاستصحاب فيه ، وإن كان الأثر الشرعي مترتّبا على كل واحد من الفردين فلا بدّ من إجراء الاستصحاب في الفرد دون الكلّي لعدم ترتّب الأثر عليه.

وبهذا اتّضح الفارق بين استصحاب الكلّي واستصحاب الفرد المردّد.

والمعروف عدم جريان الاستصحاب في الفرد المردّد. ولكن ما هي النكتة في ذلك؟

انّ النكتة هي انّ ذلك الفرد الواقعي الذي يراد استصحابه امّا أن يلحظ بما هو مرآة لذلك الفرد الثابت واقعا في علم الله سبحانه ـ فإذا كان الداخل في المسجد واقعا زيدا فالاستصحاب يكون جاريا في زيد وإن كان الداخل واقعا خالدا فالاستصحاب يكون جاريا في خالد ـ أو أن يلحظ الفرد بما هو عنوان الفرد وبقطع النظر عن المرآتية. وكلاهما باطل.

أمّا الأوّل فلأنّ إجراء الاستصحاب في عنوان الفرد بما هو مرآة لزيد وعمر لا يكون ممكنا إلاّ فيما إذا كان كلا الفردين ـ زيد وعمرو ـ مشكوك البقاء ولا يمكن جريانه فيما إذا كان أحد فرديه لا يوجد شكّ في بقائه بل يقطع بارتفاعه ، كما هو الحال في المقام حيث انّ عنوان الفرد لو كان مرآة لزيد فيقطع بارتفاعه.

٩٩

وامّا الثاني فلأنّ إجراء الاستصحاب في عنوان الفرد بما هو عنوان الفرد وبقطع النظر عن مرآتيته غير ممكن بعد ما كان الأثر الشرعي مترتّبا على عنوان زيد وخالد دون عنوان الفرد (١).

وإن شئت قلت : انّ الاستصحاب في عنوان الفرد بما هو مرآة لا يجري من جهة انّ الشكّ في البقاء لا يكون متحقّقا على كلا التقديرين بل على أحد التقديرين دون الآخر. والاستصحاب في عنوان الفرد بما هو عنوان الفرد لا يجري من جهة انّ الشكّ في البقاء وإن كان متحقّقا إلاّ أنّ الركن الرابع وهو ترتّب الأثر الشرعي ليس بمتوفّر.

وبعد اتّضاح الوجه في عدم جريان الاستصحاب في الفرد المردّد نعود إلى بيان الفارق العملي بين البيانين السابقين.

انّ الفارق العملي هو انّه بناء على البيان الأوّل يمكن إجراء الاستصحاب في الفرد المردّد دون أي محذور بخلافه بناء على البيان الثاني فإنّه لا يمكن جريانه.

امّا انّه يمكن جريانه على البيان الأوّل فلأنّ البيان الأوّل كان يقول انّ الشكّ في البقاء يعتبر ركنا في الاستصحاب من جهة أنّه ـ الاستصحاب ـ حكم ظاهري ، انّ هذا البيان وإن كان لازمه اعتبار الشكّ لتقوّم الحكم الظاهري بالشكّ إلاّ أنّه لا يلزم في الشكّ الذي يتطلّبه الحكم الظاهري أن يكون شكّا في

__________________

(١) هذا مضافا إلى أنّه لو فرض ترتّب الأثر على عنوان الفرد بما هو عنوان الفرد فالاستصحاب فيه وإن جرى إلاّ أنّه من قبيل استصحاب الكلّي فإنّ عنوان الفرد هو من قبيل عنوان الإنسان فكما انّ الاستصحاب في عنوان الإنسان استصحاب في الكلّي لا في الفرد المردّد كذلك الاستصحاب في عنوان الفرد دون أي فرق

١٠٠