الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-28-6
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٨٧

يخبر عنها فسواء كان يخبر عن الوجوب أو الحرمة أو الزوجية أو الطهارة أو الصحة أو البطلان أو غير ذلك فهو ـ الخبر ـ حجّة لقوة الكشف ولا أثر لنوعية المنكشف. انّ مثل هذه الحالة يكون الحكم الظاهري فيها امارة.

وأمّا في الأصل العملي فقوّة الملاك ناشئة من قوة المحتمل بقطع النظر عن درجة الكشف ، فحينما يدور الأمر بين احتمال الحرمة واحتمال الإباحة يقدّم احتمال الإباحة مثلا لا لأنّ درجة الكشف عنه قويّة ، إنّ هذا لا معنى له ، إذ ليس الأصل طريق له كاشفية قويّة عن الإباحة بل تقدّم الإباحة لأنّها بنفسها عند المقارنة بالحرمة أهم في نظر المولى.

ثمّ إنّ هناك حالة ثالثة ، وهي أن يلحظ الشارع قوة الاحتمال وقوة المحتمل معا ويشرّع الحكم الظاهري على ضوء مجموع القوّتين. ومثل هذه الحالة تسمّى بالأصل المحرز أو الأصل التنزيلي (١).

ومثال ذلك قاعدة الفراغ ، فإنّ الشارع حكم على المصلّي بعد فراغه من الصلاة بعدم اعتداده بالشكّ لو عرض ـ الشكّ ـ له بعد الفراغ ، وذلك لقوة الكاشفية ؛ إذ الفراغ نفسه له كاشفية عن الإتيان بالعمل بكامل أجزائه دون نقيصة أو زيادة ، ولكن هذه القوة في الكاشفية ليست وحدها صاحبة الدور الفعال وإلاّ فقد يحصل للمكلّف كاشفية قويّة أيضا لو طرء له الشكّ أثناء الصلاة ـ فقد يحصل له التردّد في الإتيان بالركوع أثناء الصلاة ويفرض حصول الظنّ القوي له بإتيانه وبالرغم من ذلك يجب عليه الإتيان به من جديد ما دام التردّد في المحل وان فرض حصول ظنّ قوي له بإتيانه ـ بيد أنّه لا تنفعه الكاشفية القوية

__________________

(١) لا فرق بين الأصل التنزيلي والمحرز في نظر السيد الشهيد وإن فرّق بينهما الميرزا

٦١

هذه ما دام لم يفرغ من صلاته.

إذن نفس الفراغ من الصلاة المنضمّ له قوّة الكاشفية يشكّلان بمجموعهما معا الأرضية لقاعدة الفراغ.

من خلال كل هذا نعرف : انّ حجّية الامارة حكم ظاهري وليد قوة الكشف. وحجّية الأصل حكم ظاهري وليد قوّة المحتمل. والأصل المحرز أو التنزيلي حكم ظاهري وليد قوة الاحتمال والمحتمل معا.

٣ ـ انّ الامارة حجّة في لوازمها غير الشرعية بينما الأصل لا يكون حجّة في إثبات لوازمه غير الشرعية. هذا هو المعروف بين الاصوليين. ونريد أن نعرف نكتة ذلك ، فلما ذا صارت الامارة حجّة في لوازمها غير الشرعية ولم يصر الأصل كذلك؟

ذكر صاحب الكفاية نكتة مرّت الإشارة في القسم الأوّل إلى عدم تماميتها.

والصحيح أن يقال : انّ حجّية الامارة بما أنّها نشأت من قوّة الكشف فمن اللازم حجّيتها في لوازمها غير الشرعية أيضا لأنّ درجة كشف خبر الثقة عن نبات لحية الولد مثلا التي هي المدلول الالتزامي تساوي درجة كشفه عن حياته التي هي المدلول المطابقي ، فدرجة الكشف في كليهما تساوي ٧٠% مثلا. وهذه الدرجة لئن كانت سببا لحجّية خبر الثقة في مدلوله المطابقي فيلزم أن تكون سببا لحجّيته في مدلوله الالتزامي أيضا. هذا كلّه في الامارة.

وأمّا الأصل فحيث انّ حجّيته لم تنشأ من قوّة الكشف بل نشأت من قوّة المحتمل فلا وجه لأن يكون حجّة في لوازمه غير الشرعية إذ من الممكن اختصاص قوّة المحتمل بالمدلول المطابقي دون المدلول الالتزامي.

٦٢

عود إلى عرض المشكلة

بعد الفراغ من النقاط الثلاث السابقة نعود لعرض المشكلة في حقيقة الاستصحاب.

انّ الاستصحاب لا يمكن أن يكون امارة لأنّ حجّية الامارة حكم ظاهري ناشىء من قوة الكشف ، ومن الواضح انّ ثبوت الحالة السابقة في باب الاستصحاب ليس له كاشفية قويّة عن البقاء ، ولذا لا يحصل من ثبوت الشيء سابقا الظنّ ببقائه لا حقا وإن ادّعى البعض ذلك.

وأمّا انّ الاستصحاب لا يمكن أن يكون أصلا عمليا فلأنّ حجّية الأصل حكم ظاهري ناشىء من قوّة المحتمل ، ومن الواضح انّه لا تحدّد لنوعية الحكم في الحالة السابقة المتيقنة ولا لنوعية الحكم المحتمل حدوثه في الحالة اللاحقة ، ومع عدم تحدّده فلا يمكن تحديد أهمية المحتمل ، أجل في مثل أصالة الإباحة حيث يدور الأمر بين احتمالين الإباحة والحرمة فالتقديم بأهمية المحتمل وجيه بخلافه في المقام.

هذا توضيح المشكلة.

والحل أن يقال : انّ الحكم الظاهري هو الحكم الناشئ من التزاحم بين الحكمين أو بين الملاكين ، وفي باب الاستصحاب يوجد مثل هذا التزاحم ، حيث انّ احتمال البقاء يزاحم احتمال عدم البقاء ، غاية الأمر لا يمكن تقديم أحد الاحتمالين لقوّة الاحتمال لعدم ثبوتها ـ كما تقدّم ـ ولا لقوة المحتمل لعدم تحدّد المحتمل ولكن من الممكن تقديم أحد الاحتمالين لنكتة اخرى كنكتة العادة والالفة

٦٣

وميل الطبع ، فإنّ طبع كل إنسان يميل إلى بقاء الحالة السابقة وعادته تقتضي ذلك أيضا ، فلو كان لشخص احتفال سنوي يقيمه كل سنة في يوم معيّن ففي السنوات الجديدة نذهب إلى ذلك الاحتفال في اليوم المقرّر دون فحص عن انعقاده وعدمه وما ذاك إلاّ لاقتضاء العادة والطبع.

وقد تقول : انّ حكم المولى بالاستصحاب إذا كان وليد النكتة المذكورة فلا يكون حكما ظاهريا لأنّ الحكم الظاهري هو الحكم الناشئ من التزاحم بين الحكمين أو الملاكين ، وهنا نشأ الحكم بالبقاء من النكتة المذكورة.

والجواب : انّ الحكم ببقاء الحالة السابقة لم ينشأ من النكتة المذكورة بل نشأ من التزاحم بين الاحتمالين : احتمال البقاء واحتمال الارتفاع. أجل النكتة المذكورة سبب لتقديم احتمال البقاء وترجيحه على احتمال الارتفاع. هذا هو دور النكتة المذكورة وليست هي السبب المباشر للحكم بالاستصحاب.

وعليه فالاستصحاب حكم ناشئ من التزاحم بين الحكم السابق والحكم اللاحق المحتمل حدوثه مع افتراض ترجيح الحكم السابق للنكتة المتقدّمة.

وماذا يكون الاستصحاب بعد هذا

وبعد أن عرفنا انّ الاستصحاب حكم ظاهري يبقى علينا أن نعرف انّه من أي القسمين للحكم الظاهري فهل هو امارة أو أصل؟

الصحيح انّه أصل ، إذ الأصل مصطلح يطلق على كل حكم ظاهري لا يكون حجّة في إثبات لوازمه فليس هو امارة بل أصل. أمّا لماذا لم يكن الاستصحاب حجّة في إثبات لوازمه غير الشرعية ، وبما انّ الاستصحاب

٦٤

لا يكون حجّة في إثبات لوازمه غير الشرعية؟ انّ الجواب واضح ، حيث انّ النكتة التي على ضوئها رجّح الشارع احتمال البقاء على احتمال الارتفاع يمكن اختصاصها بالمدلول المطابق دون المدلول الالتزامي ، فحياة الولد مثلا بما أنّها ثابتة سابقا فمن الوجيه أن نقول انّ الطبع الإنساني يميل إلى بقائها في الزمان اللاحق ، وأمّا نبات اللحية فحيث انّه لم يكن ثابتا سابقا فلا معنى لأن يقال انّ الطبع الإنساني والعادة يقتضيان ثبوته في الزمان اللاحق.

وإن شئت قلت : انّ ثبوت المدلول المطابقي إذا كان لأجل قوّة في الكشف فمن الحقّ ثبوت المدلول الالتزامي أيضا لأنّ قوّة الكشف في المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي واحدة. أمّا إذا لم يكن ثبوت المدلول المطابقي لقوّة في الكشف بل كان لقوّة المحتمل أو للنكتة السابقة فلا معنى لثبوت المدلول الالتزامي لإمكان اختصاص النكتة بخصوص المدلول المطابقي دون المدلول الالتزامي.

قوله ص ٢٣٢ س ١ : قد عرفنا سابقا الخ : في القسم الأوّل ص ٣٤ ـ ٣٥ من الحلقة وفي هذا القسم ص ١١ ـ ١٣.

قوله ص ٢٣٢ س ٤ : وكاشفيّته : عطف تفسير على قوّة الاحتمال.

قوله ص ٢٣٢ س ١١ : وإدخالها : بالنصب عطفا على « إدخالها » في السطر الثامن.

قوله ص ٢٣٣ س ١١ : تقرّر نتائج التزاحم : فإنّه إذا وقع تزاحم بين احتمال الإباحة واحتمال الحرمة وكانت نتيجة التزاحم هي تقدّم الإباحة لاهميّتها فالمولى يصدر قانون أصالة الإباحة الذي هو قانون يحكم بالإباحة التي هي النتيجة الثابتة بعد وقوع التزاحم بين الحرمة والإباحة.

٦٥

قوله ص ٢٣٣ س ١١ : والملاكات : أشبه بعطف التفسير على الأحكام ؛ إذ لك الحقّ أن تقول انّ التزاحم يقع بين الأحكام كما ولك الحقّ أن تقول انّه يقع بين ملاكات الأحكام فكلاهما صحيح.

قوله ص ٢٣٣ س ١٢ : في مقام الحفظ : حيث انّ كل واحد من الملاكين يريد حفظ نفسه بتشريع حكم على طبقه عند الاختلاط ، أي عند وقوع الاشتباه بين المصلحة والمفسدة أو قل بين الحرمة والإباحة.

قوله ص ٢٣٣ س ١٥ : نكتة نفسية : وهي كل نكتة ترتبط بالنفس ، كاقتضاء طبع كل إنسان وميله إلى بقاء الشيء الذي له ثبوت سابق.

قوله ص ٢٣٤ س ٥ : في تعيين كيفية جعله : فترجيح الحكم على طبق الحالة السابقة نشأ من تلك النكتة ، وأمّا أصل جعل الحكم الظاهري فهو وليد التزاحم بين الاحتمالين احتمال البقاء واحتمال الارتفاع.

قوله ص ٢٣٤ س ٧ : على القاعدة : فإنّ القاعدة الأوليّة في الأصل تقتضي عدم حجّيته في لوازمه غير الشرعية.

قوله ص ٢٣٤ س ٨ : محضا : إذا لو حظت قوّة الاحتمال فقط كان المورد امارة ، وإذا لو حظت قوّة المحتمل فقط فالمورد أصل عملي ، وإذا لو حظت قوّة الاحتمال وقوّة المحتمل فالمورد أصل تنزيلي. واللوازم غير الشرعية تثبت في الحالة الاولى فقط ، أي في حالة قوة الاحتمال فقط دونه في بقية الحالات.

كيفية الاستدلال بالاستصحاب

قوله ص ٢٣٤ س ١٢ : وقد يتوهّم انّ النقطة السابقة الخ : لاستيضاح

٦٦

المقصود من هذا المبحث نطرح السؤال التالي : لو كان مورد من الموارد مشتملا على الاستصحاب وأصالة الحلّ ـ كما إذا كان حيوان معيّن محرما سابقا لكونه جلاّلا وشكّ في بقائه على الحرمة لا حقا لاحتمال زوال الجلل عنه ، فإنّ مقتضى الاستصحاب بقاؤه على الحرمة بينما مقتضى أصالة الحل كونه حلالا ـ واريد التعرّف على النسبة بينهما وأنّها نسبة العموم والخصوص المطلق حتّى يطبق قانون التخصيص ، أو نسبة العموم من وجه أو نسبة التباين حتّى يطبق قانون التعارض فهل النسبة تلحظ بين نفس الاستصحاب وأصالة الحلّ أو تلحظ بين دليل الاستصحاب ـ وهو رواية زرارة التي تقول « لا تنقض اليقين بالشكّ » ـ وأصالة الحلّ ، فإنّها قد تختلف باختلاف الحالتين المذكورتين ، إذ لو لوحظ نفس الاستصحاب وأصالة الحل كانت النسبة هي العموم والخصوص المطلق ، فإنّ أصالة الحلّ كما تشمل الحيوان الذي حالته السابقة الجلل تشمل غيره من الموارد التي لا يكون فيها حالة سابقة متيقّنة ، بينما استصحاب حرمة الحيوان المذكور يختصّ بالحيوان المذكور ولا يشمل بقية الموارد ، فإنّ كبرى الاستصحاب الكلية وإن كانت لا تختص بالحيوان المذكور إلاّ أنّ الاستصحاب الجاري في الحيوان المذكور يختص بالحيوان المذكور ولا يشمل غيره فإنّ بقية الموارد لئن كان يجري فيها الاستصحاب فذاك استصحاب آخر غير الاستصحاب الجاري في الحيوان المذكور.

هذا كلّه لو لا حظنا نفس الاستصحاب وأصالة الحل.

وأمّا لو لا حظنا دليل الاستصحاب وأصالة الحلّ فالنسبة هي العموم من وجه ، إذ رواية زرارة التي تقول « لا تنقض اليقين بالشكّ » تشمل جميع الموارد

٦٧

التي فيها يقين سابق وشكّ لاحق بلا فرق بين أن يكون المورد ممّا يشكّ فيه في ثبوت الحلية أو لا يشكّ فيه في الحلية وإنّما يشكّ في قضايا اخرى ليست موردا لأصالة الحل ، كما لو شكّ في بقاء الكرية أو العدالة أو غير ذلك. وهكذا أصالة الحل تشمل موارد اليقين بالحالة السابقة التي يجري فيها الاستصحاب والموارد التي ليس فيها يقين سابق.

والخلاصة انّه في موارد اجتماع الاستصحاب وأصالة الحلّ هل تؤخذ النسبة بين نفس الاستصحاب وأصالة الحل أو تؤخذ النسبة بين دليل الاستصحاب وأصالة الحل؟

نقل الشيخ الأعظم في رسائله (١) عن السيد بحر العلوم قدس‌سره انّ النسبة تلحظ بين نفس الاستصحاب وأصالة الحلّ باعتبار انّ الاستصحاب دليل على الحكم كخبر الثقة ، فكما انّ خبر الثقة دليل على الحكم وتؤخذ النسبة بينه وبين معارضه لا بين آية النبأ الدالّة على حجّية خبر الثقة وبين المعارض كذلك الحال في الاستصحاب تؤخذ النسبة بينه وبين المعارض لا بين دليل حجّية الاستصحاب والمعارض.

والسيد الخميني قدس‌سره في رسائله (٢) فصّل فوافق بحر العلوم على تقدير وخالفه على تقدير آخر ، حيث ذكر انّ الاستصحاب على تقدير كونه امارة على الحكم ـ بتقريب انّ حدوث الحالة السابقة في الزمان السابق امارة على بقائها في الزمان اللاحق ـ يكون حاله حال خبر الثقة ويلزم أخذ النسبة بينه وبين أصالة

__________________

(١) راجع ص ٣٢٠ طبع رحمت الله

(٢) راجع : ج ١ ، ص ٧٤

٦٨

الحلّ كما قال السيد بحر العلوم.

وأمّا إذا قيل بأنّ الاستصحاب أصل عملي عبّدنا به الشارع بمقتضى لا تنقض اليقين بالشكّ دون أن يكون له أي امارية على البقاء فمن المناسب أخذ النسبة بين دليل الاستصحاب وبين أصالة الحلّ ، إذ بناء على هذا التقدير لا يكون نفس الاستصحاب دليلا على الحكم وإنّما الدليل على الحكم هو رواية لا تنقض اليقين بالشكّ فيلزم أخذ النسبة بين رواية لا تنقض وأصالة الحل.

إذن باختصار يمكننا أن نقول : انّ السيد الخميني قدس‌سره قد ربط بين المسألتين بين مسألتنا ـ وهي مسألة أخذ النسبة ـ وبين المسألة السابقة ، وهي أنّ الاستصحاب أصل أو امارة.

وفيه : انّ نسبة العموم والخصوص حينما يراد أخذها بين الدليلين فمن اللازم ملاحظة الكلامين الصادرين من المتكلّم الواحد ويقارن بين نفس الكلامين وتؤخذ النسبة بينهما بعد المقارنة.

وفي مقامنا حيث انّ الكلام الصادر من الشارع المرتبط بالاستصحاب هو قوله « لا تنقض اليقين بالشكّ » والكلام الصادر منه المرتبط بأصالة الحلّ هو قوله « كل شيء لك حلال » فلا بدّ من ملاحظة النسبة بين هذين الكلامين.

وهذا من دون فرق بين أن نبني على أنّ الاستصحاب أصل أو امارة. ولا معنى لملاحظة النسبة بين نفس الاستصحاب وأصالة الحلّ ، إذ نفس الاستصحاب ليس هو الكلام الصادر من الشارع لتؤخذ النسبة بينه وبين أصالة الحل وإنّما الصادر منه « لا تنقض اليقين بالشكّ ».

والخلاصة انّ النسبة بما أنّه يراد ملاحظتها بين كلامي الشخص الواحد

٦٩

فلا بدّ من ملاحظة نفس كلامي الشخص الواحد (١) ولا معنى لملاحظتها بين أمر لم يصدر منه ـ وهو نفس الاستصحاب في مقامنا ـ وبين المعارض.

قوله ص ٢٣٤ س ١٤ : وانّ المعول فيه : أي في الاستصحاب. ثمّ انّ هذا تقريب لا مارية الاستصحاب.

قوله ص ٢٣٤ س ١٥ : هو الحالة السابقة : أو قل استصحاب الحالة السابقة ، وهي استصحاب حالة الحرمة في الحيوان الجلاّل.

قوله ص ٢٣٥ س ٣ : انسياقا مع هذا التصوّر : أي انّ السيد بحر العلوم

__________________

(١) إنّما قيّدنا الكلامين بكونهما كلامين لشخص واحد باعتبار انّ الخاصّ لا يتقدّم على العامّ إلاّ من جهة كونه قرينة على التصرّف فيه ، ومن الواضح انّ الخاصّ لا يكون قرينة على التصرّف في العالم إلاّ في حالة صدور الكلامين من شخص واحد ، أمّا إذا صدرا من شخصين فلا يكون الخاص قرينة على التصرّف في العام بل يقع بينهما التعارض ، فمثلا إذا قال الثقة انّ كل نقطة من نقاط الدار نجسة وقال ثقة آخر انّ نقطة رقم (٢) من الدار طاهرة فمضمون خبر الثقة الثاني وإن كان أخص من مضمون خبر الثقة الأوّل إلاّ أنّه لا يطبّق عليهما قانون التخصيص إذ ما دام لم يصدرا من متكلّم واحد فلا يكون الخاص قرينة على التصرّف في العام.

إن قلت : بناء على لزوم صدور الكلامين من شخص واحد يلزم عدم تطبيق قانون التخصيص على الروايات الصادرة من أهل البيت عليهم‌السلام حيث انّ العام قد يصدر من إمام والخاصّ يصدر من إمام آخر.

قلت : كل الأئمّة عليهم‌السلام نور واحد ويعدّون بمثابة الشخص الواحد.

هذا توضيح ما أفاده السيد الشهيد.

ويمكن أن نقول انّ ما أفاده قدس‌سره من اشتراط صدور الكلامين من متكلّم واحد وإن كان متينا إلاّ أنّ التأكيد عليه غير ضروري فإنّ دفع التفصيل السابق لا يتوقّف على ذلك وإنّما يتوقّف على نكتة أنّ النسبة تؤخذ بين الكلامين الصادرين من الشخص لا بين ما لم يصدر منه والمعارض

٧٠

حينما قال ان النسبة تؤخذ بين نفس الاستصحاب وأصالة الحل كان ذلك منه مبنيا على اعتقاده بأنّ الاستصحاب امارة كخبر الثقة.

قوله ص ٢٣٥ س ١٦ : في غير مجال القرينية : ومجال القرينية هو ما إذا كان الكلامان صادرين من شخص واحد.

قوله ص ٢٣٦ س ٧ : لأنّ مفاد الأدلة كلام الشارع : فمفاد لا تنقض اليقين بالشكّ ـ وهو عدم جواز نقض اليقين بالشكّ بشكل عام ـ هو الصادر من الشارع وليس الاستصحاب في شخص المورد هو الصادر من الشارع.

٧١
٧٢

أركان الاستصحاب

٧٣
٧٤

أركان الاستصحاب

قوله ص ٢٣٧ س ١ : وللاستصحاب على الخ : للاستصحاب أركان أربعة على ما يستفاد من روايات « لا تنقض اليقين بالشك » : ـ

١ ـ اليقين السابق. والوجه في ركنيّته واضح حيث انّ الروايات اعتبرت اليقين وقالت لا تنقض اليقين.

٢ ـ الشكّ اللاحق. والوجه في ركنيّته واضح أيضا لأنّ الروايات عبّرت بكلمة الشكّ وقالت لا تنقض اليقين بالشكّ.

٣ ـ أن يكون المشكوك عين المتيقن ، كما إذا علمنا بعدالة زيد سابقا ثمّ شككنا في بقاء عدالته. أمّا إذا علمنا بعدالة زيد سابقا ثمّ شككنا في عدالة عمرو فلا يجري الاستصحاب.

والوجه في ذلك : انّه بدون فرض الاتحاد لا يصدق عنوان النقض فلا يصدق أنّ الشكّ نقض اليقين أو لم ينقضه إلاّ مع اتحاد متعلّقهما.

٤ ـ وجود الأثر الشرعي للحكم بالبقاء. وركنيّة هذا يمكن أن تبيّن ببيانات مختلفة كما سيأتي ، منها أنّه إذا لم يترتّب أثر شرعي على بقاء الشيء فالحكم ببقائه يكون لغوا.

هذه هي أركان الاستصحاب على سبيل الاجمال. والتفصيل أن يقال : ـ

٧٥
٧٦

الركن الأول أو اليقين السابق

الوجه في اعتبار اليقين السابق واضح حيث انّ الروايات اعتبرت ذلك. وعلى هذا فمجرّد ثبوت الحالة السابقة بدون يقين بها لا يكفي في جريان الاستصحاب.

لا يقال : انّ الروايات وإن اعتبرت اليقين السابق إلاّ أنّ ذلك من باب أنّه مرآة لحدوث الحالة السابقة ولا خصوصية له.

فإنّه يقال : هذا خلاف الظاهر ، فإنّ ظاهر كل عنوان مأخوذ في الدليل أنّه مأخوذ فيه على نحو الموضوعية لا الطريقية والمرآتية.

أجل إذا نظرنا إلى رواية عبد الله بن سنان التي هي الرواية الرابعة من الروايات الأربع السابقة لم نجد فيها ذكرا لليقين ، فالإمام عليه‌السلام لم يقل انّك أعرته الثوب وأنت على يقين من طهارته وإنّما علّل بنفس الحالة السابقة حيث قال انّك أعرته إيّاه وهو طاهر. وعلى هذا فالرواية المذكورة يمكن أن يستفاد منها أنّ المناط في جريان الاستصحاب هو حدوث الحالة السابقة ، فمتى ما كانت الحالة حادثة سابقا جرى استصحابها وإن لم يكن المكلّف على يقين من حدوثها.

وإذا تمّت دلالة هذه الرواية على الاكتفاء بحدوث الحالة السابقة بلا اشتراط اليقين أمكن أن تكون قرينة على التصرّف في بقية الروايات فتحمل كلمة اليقين المذكورة في بقية الروايات على أنّها مرآة لحدوث الحالة السابقة

٧٧

وليست ملحوظة بنحو الموضوعية.

والباعث لهذا الكلام الطويل هو الإشارة إلى أنّ اليقين لو كان معتبرا في جريان الاستصحاب بلا اكتفاء بحدوث الحالة السابقة تتولّد مشكلة حاصلها أنّ الثقة لو شهد صباحا بطهارة الثوب مثلا فلا إشكال في الحكم بالطهارة ، فإذا حدث عند المساء شكّ في بقاء تلك الطهارة فمن المتفق عليه فقهيّا جريان الاستصحاب فيقال انّ الطهارة كانت ثابتة صباحا وعند الشكّ في بقائها مساء يجري استصحابها.

وجريان هذا الاستصحاب وقع موردا للإشكال حيث انّ الطهارة حينما شهد بها الثقة صباحا لم يحصل اليقين بثبوتها إذ خبر الثقة لا يفيد اليقين بل يفيد الظنّ ، ومع عدم حصول اليقين بالطهارة فكيف تستصحب إلى المساء.

هذا حاصل الإشكال فيما يرتبط بركنية هذا الركن. وقد سجّل في الكتاب من أجوبة الأعلام ثلاثة : أولها للميرزا وثانيها للآخوند وثالثها لجملة من المحقّقين.

جواب الميرزا

١ ـ وأجاب الميرزا مستفيدا من مسلكه مسلك جعل العلمية بأنّ الامارة حينما تقوم على طهارة الثوب صباحا نحصل لنا العلم بالطهارة ـ حيث انّ الامارة على مسلك جعل العلمية تفيد العلم ـ وبعد حصول العلم بالطهارة فبالإمكان استصحابها ويرتفع الإشكال.

وإن شئت قلت : انّ حديث لا تنقض اليقين بالشكّ أخذ في موضوعه

٧٨

اليقين ، وبعد قيام الامارة على طهارة الثوب تحصل ببركة دليل حجّية الامارة على يقين تعبّدي بالطهارة ، وبذلك يتّسع موضوع اليقين المأخوذ في حديث لا تنقض ، فبعد أن كان اليقين منحصرا بفرد واحد وهو اليقين الوجداني يصبح شاملا لفرد ثان وهو اليقين التعبّدي الحاصل من طريق الامارة. واتّساع الموضوع هذا هو ما يعبّر عنه بالحكومة فإنّها تعني كون أحد الدليلين موجبا لتوسعة أو تضييق موضوع الدليل الآخر تعبّدا.

وفيه : إنّا حتّى لو سلّمنا بمسلك جعل العلمية فلا نسلّم بحكومة دليل حجّة الامارة على دليل الاستصحاب فإنّ اليقين المأخوذ في دليل الاستصحاب يقين موضوعي ـ أي هو مأخوذ في موضوع الاستصحاب حيث قيل لا تنقض اليقين .. ودليل حجّية الامارة لا ينزل الامارة منزلة العلم بكلا قسميه بل ينزله منزلة العلم الطريقي فقط دون الموضوعي (١) إذ المدرك لحجّية خبر الثقة هو السيرة العقلائية ، والعقلاء حينما يعتبرون خبر الثقة علما وينزلونه منزلة العلم فمقصودهم تنزيله منزلة العلم الطريقي في المنجزية والمعذرية لا تنزيله منزلة العلم الموضوعي ، إذ العلم الموضوعي لا تداول له في حياة العقلاء ولم نجد حتّى مثالا

__________________

(١) العلم الطريقي هو العلم الذي لا يؤخذ في موضوع الحكم وإنّما دوره دور الطريق إلى الواقع فينجز عند الإصابة ويعذّر عند الخطأ ، فمثلا إذا كان لدينا سائل هو خمر في الواقع ولكن لم نعلم بذلك فهو حرام واقعا ، غاية الأمر حيث لا نعلم بحرمته فلا تكون حرمته منجزة أي لا نستحق العقوبة لو تناولناه.

وأمّا العلم الموضوعي فهو العلم المأخوذ في موضوع الحكم ومن دونه حصوله لا يكون الحكم ثابتا واقعا لا أنّه ثابت ولكنّه غير منجز. ومثاله اليقين المأخوذ في باب الاستصحاب فإنّه من دونه لا يجري الاستصحاب واقعا

٧٩

واحدا له وإنّما المتداول بينهم هو العلم الطريقي فيتمسّكون بالعلم بما أنّه طريق إلى الواقع ومنجز ومعذر.

وما دام العلم الموضوعي لا تداول له في حياة العقلاء فحينما ينزّل العقلاء خبر الثقة منزلة العلم فمرادهم تنزيله منزلة العلم الطريقي إذ هو الشايع عندهم لا تنزيله منزلة العلم الموضوعي لعدم شيوعه عندهم.

وعليه فدليل حجّية الامارة وهو السيرة العقلائية لا يكون حاكما على دليل حجّية الاستصحاب الذي أخذ في موضوعه القطع لأنّ الحكومة فرع نظر الدليل الحاكم إلى الدليل المحكوم ، وقد اتّضح أنّه لا نظر لدليل حجّية خبر الثقة إلى القطع الموضوعي لعدم شيوعه في حياة العقلاء. وقد تقدّم سابقا توضيح هذا المطلب في القسم الأوّل من هذه الحلقة ص ٨٢.

جواب الآخوند

٢ ـ وأجاب الآخوند بأن جريان الاستصحاب لا يتوقّف على وجود اليقين ، فاليقين ليس ركنا من أركان الاستصحاب.

والوجه في ذلك : انّ مضمون دليل الاستصحاب جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء ، فكأنّه يقول انّ الشيء إذا كان حادثا سابقا فهو باق.

وقد تقول : انّ مجرّد جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء لغو وبلا فائدة ، إذ ما الفائدة في أن يقال إذا كانت الطهارة مثلا ثابتة صباحا فهي باقية إلى المساء ، إنّ هذا غير نافع حيث لا يمكن الحكم في المساء ببقاء الطهارة إذ هي محكومة بالبقاء على تقدير حدوثها صباحا ، وحيث لا يعلم بحدوثها صباحا فلا يمكن الحكم

٨٠