الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-28-6
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٨٧

الرواية على قاعدة « الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني » لا على الاستصحاب.

ردود على الاعتراض الثاني

وقد ردّ هذا الاعتراض بعدّة ردود نذكر منها ثلاثة : ـ

الردّ الأوّل

ما ذكره الشيخ العراقي من اختيار الشقّ الأوّل ، أي كون المقصود إجراء الاستصحاب لاثبات وجوب الركعة المتّصلة. وهذا وإن كان مخالفا لمذهب الشيعة ومشتملا على التقية إلاّ أنّه لا مقتضي لحمل كبرى لا تنقض اليقين بالشكّ على التقية بل يحمل تطبيقها في المورد على التقية.

وبكلمة اخرى : انّ الإمام عليه‌السلام صدر منه مطلبان : كبرى لا تنقض اليقين بالشكّ ، وتطبيق الكبرى المذكورة على مورد الشكّ بين الثلاث والأربع لإثبات وجوب الركعة المتّصلة ، والمطلب الثاني وإن كان من اللازم حمله على التقية إلاّ أن المطلب الأوّل لا يلزم فيه ذلك لعدم مخالفة أصل كبرى لا تنقض لمذهب الشيعة ، ومعه فيؤخذ بالكبرى ويهجر تطبيقها على المورد.

ثمّ إنّ الشيخ العراقي نفسه أورد على هذا الردّ المقترح من قبله بأنّ الأمر

__________________

ـ ويرده : انّ هذا البيان لا يثبت لزوم الإتيان بالركعة الرابعة بنحو الانفصال بل يقتضي لزوم الإتيان بها بنحو الاتصال ، حيث انّ الواجب على المكلّف الركعة المتصلة فإذا شكّ في تحقّقها لزمه الإتيان بها بنحو الاتصال

٤١

يدور بين احتمالين فأمّا أن تكون كبرى لا تنقض غير مشتملة على التقيّة ، وبذلك تكون التقية ثابتة في تطبيقها لإثبات وجوب الركعة المتّصلة ، أو تكون الكبرى هي المشتملة على التقية دون التطبيق ، فإنّ الكبرى إذا كان الإمام عليه‌السلام قد ذكرها لأجل التقية فتطبيقها على المورد لا يكون مشتملا على تقية ثانية زائدة على التقية الثابتة في نفس الكبرى.

وإذا دار الأمر بين الاحتمالين المذكورين : أي بين كون التقية في التطبيق دون أصل الكبرى وبين كونها ـ التقية ـ في الكبرى دون التطبيق فالتمسّك بأصالة عدم التقية في الكبرى الذي لازمه ثبوت التقية في التطبيق (١) معارض بأصالة عدم التقية في التطبيق الذي لازمه ثبوت التقية في الكبرى.

وأجاب الشيخ العراقي عن إشكال المعارضة هذا : بأنّ أصالة عدم التقية في التطبيق لا تجري لتكون معارضة لأصالة عدم التقية في الكبرى ؛ إذ عدم التقية في التطبيق لا أثر له حتّى يجري الأصل لإثباته ، فإنّ التطبيق يدور أمره بين احتمالين : بين أن يكون غير جدي ومشتملا على التقية ، وبين أن يكون جديا لا تقية فيه والتقية في الكبرى ، وعلى كلا التقديرين لا يكون ـ التطبيق ـ ذا أثر فيما لو كان جدّيا لكبرى جدية ، بأن كان التطبيق والكبرى معا جدّيين إذ حينذاك يمكن الانتفاع به ، امّا إذا كان ذا تقية أو كان جدّيا والتقية في الكبرى فلا يكون نافعا إذ ما الفائدة في تطبيق غير جدّي ، وعليه فأصالة عدم التقية في الكبرى تجري دون معارضة ، وذاك هو المطلوب.

__________________

(١) وهذا الاحتمال هو النافع في المقام إذ المهم أن تكون الكبرى صادرة من الإمام عليه‌السلام لا للتقية وإن كان تطبيقها مشتملا على ذلك

٤٢

هذا تمام الكلام في ردّ الشيخ العراقي على الاعتراض الثاني.

ويمكن مناقشته بأنّ حمل الرواية على التقية بعيد جدّا ومخالف للظاهر من ناحيتين : ـ

١ ـ انّ فقرة لا تنقض اليقين بالشكّ وردت في الفرع الثاني الذي تبرّع الإمام عليه‌السلام ببيانه (١) دون طلب مسبق من زرارة ، وواضح انّ التبرّع لا يلتئم والتقية ، إذ لو كان عليه‌السلام يتقي فيما ذكره في الفرع الثاني لما كان يتبرّع ببيانه بل يسكت عنه ، فتبرّع الإمام عليه‌السلام به دليل على عدم اشتماله على التقية.

٢ ـ انّ الإمام عليه‌السلام أخذ بتكرار الفقرات في الفرع الثاني ، الأمر الذي يدلّ على وجود مزيد اهتمام ـ فإنّ المتكلّم إذا كان له اهتمام بمطلب معيّن يأخذ ببيانه بعبارات مختلفة وبأساليب متنوعة ـ ومن الواضح انّ التقية لا تتناسب ومزيد الاهتمام ؛ إذ الاهتمام يكون بالمطلب الواقعي ، فالمطلب الواقعي يستحق مزيد الاهتمام دون غير الواقعي الصادر للتقية.

الرد الثاني

ما ذكره الآخوند. وحاصله : انّ استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة يترتّب عليه أثران : ـ

أ ـ وجوب الإتيان بركعة رابعة.

ب ـ أن يكون الإتيان بالركعة الرابعة متّصلا بالصلاة. وبكلمة ثانية : يلزم

__________________

(١) المراد من الفرع الثاني ما ذكره الإمام عليه‌السلام بقوله : وإذا شكّ بين الثلاث والأربع وقد أحرز الثلاث الخ

٤٣

أن يكون الإتيان بالركعة الرابعة قبل التشهّد والتسليم. وبكلمة ثالثة : انّ التشهّد والتسليم الحاصل قبل الإتيان بالركعة المشكوكة مانع ومبطل للصلاة.

ومقتضى إطلاق لا تنقض اليقين بالشكّ وجوب ترتيب كلا الأثرين ؛ إذ لم يقيد الإمام عليه‌السلام إجراء الاستصحاب بلحاظ خصوص الأثر الأوّل بل أطلق وقال لا تنقض اليقين بالشكّ ، ومقتضى إطلاقه لزوم ترتيب كلا الأثرين فيلزم الإتيان بركعة رابعة ، كما ويلزم أن تكون متّصلة إلاّ أنّ ترتيب الأثر الثاني ـ أي الإتيان بالركعة الرابعة متّصلة بسابقها ـ حيث انّه مخالف لمذهب الشيعة فيخصص إطلاق لا تنقض بلحاظ خصوص الأثر الأوّل.

إذن إجراء الاستصحاب في المورد ممكن ولكن بلحاظ خصوص الأثر الأوّل لا كلا الأثرين ، وهو معنى معقول وصحيح.

وأشكل غير واحد على كلام الآخوند هذا بأنّ الإتيان بالتشهّد والتسليم ما بين الركعة الثالثة والركعة لا إشكال في كونه مانعا ومبطلا للصلاة إلاّ أنّ هذه المانعية فيها احتمالان : أن تكون مانعية واقعية ، وأن تكون مانعية علمية.

والمراد من المانعية العلمية انّ الإتيان بالتشهّد والتسليم قبل الركعة الرابعة مانع ومبطل للصلاة فيما إذا علم المصلّي انّه لم يأت بعد بالركعة الرابعة ، امّا إذا لم يعلم بذلك وكان شاكّا فلا يكون مبطلا حتّى وإن فرض واقعا أنّه لم يأت بالركعة الرابعة.

والمراد من المانعية الواقعية انّ الإتيان بالتشهّد والتسليم قبل الركعة الرابعة مبطل للصلاة سواء علم المكلّف بأنّه في الركعة الثالثة ولم يأت بالركعة الرابعة أم كان غير عالم بذلك.

٤٤

وباتّضاح الاحتمالين نقول : انّ بني على أنّ المانعية مانعية واقعية فما ذكره الآخوند من إجراء الاستصحاب لترتيب خصوص الأثر الأوّل دون الأثر الثاني ـ أي إجراء الاستصحاب لإثبات أصل وجوب الإتيان بركعة اخرى بلا قيد الاتصال ـ أمر غير معقول وليس بصحيح ؛ إذ الإتيان بركعة رابعة متّصلة يعلم بعدم مطلوبيته ، فإنّ المكلّف إن كان قد أتى واقعا بأربع ركعات فالإتيان بالركعة الاخرى المشكوكة يكون إتيانا بركعة خامسة ، والخامسة غير مطلوبة جزما ، وإن كان قد أتى بثلاث فالإتيان بالرابعة وإن كان مطلوبا ولكن شريطة اتصالها بالركعات السابقة وعدم الفصل بالتشهّد والتسليم امّا مع الفصل بالتشهّد والتسليم فهي باطلة وغير مطلوبة ، إذ الإتيان بالتشهّد والتسليم قبل الركعة الرابعة مبطل للصلاة حتّى في صورة شكّ المكلّف وعدم علمه بأنّ تشهّده وتسليمه واقع قبل الإتيان بالركعة الرابعة.

هذا على تقدير كون المانعية مانعية واقعية.

وانّ بني على أنّ المانعية علمية فالإتيان بركعة اخرى منفصلة بالتشهّد والتسليم وإن كان من المحتمل مطلوبيته ولكن بناء على هذا الاحتمال لا يلزم التبعيض في آثار الاستصحاب وتخصيص دليل الاستصحاب بخصوص الأثر الأوّل ، إذ بناء على المانعية العلمية يكون استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة ذا أثر واحد ، وهو الأثر الأوّل فقط وليس له أثران ـ لأنّه بناء على هذا الاحتمال لا يكون وصل الركعة المشكوكة وعدم فصلها بالتشهّد والتسليم لازما ، فإنّ الوصل لازم في صورة العلم وأمّا عند الشكّ وإجراء الاستصحاب فلا يكون لازما ـ حتّى يقال بأنّ الاستصحاب يجري ولكن يلزم تخصيصه بلحاظ الأثر

٤٥

الأول ، كلا بناء على هذا الاحتمال لا يلزم ذلك بل يلزم التصرّف في الدليل المانع من الإتيان بالتشهّد والتسليم قبل الركعة الرابعة ، إنّ ذلك الدليل يلزم تقييده بخصوص العالم ، فالعالم بأنّه لم يأت بالركعة الرابعة يكون الإتيان بالتشهّد والتسليم في حقّه مبطلا للصلاة دون الشاكّ.

والخلاصة : انّه على تقدير كون المانعية واقعية فالاستصحاب وإن كان له أثران إلاّ أنّ تخصيصه بخصوص الأثر الأوّل أمر غير معقول للعلم بعدم مطلوبية الإتيان بالركعة المشكوكة المنفصلة ، وعلى تقدير كون المانعية علمية فلا يلزم ما ذكره من تخصيص دليل الاستصحاب بخصوص الأثر الأوّل بل المحذور اللازم هو تخصيص الدليل المانع من التشهّد والتسليم قبل الركعة الرابعة بخصوص العالم (١).

الرد الثالث

ما ذكره الميرزا ، وهو انّ وصل الركعة الرابعة بالثالثة لا يجب واقعا في حقّ كل مصل لم يأت بالركعة الرابعة بل هو واجب واقعا في حقّ من لم يأت بالرابعة شريطة علمه بذلك ، فموضوع الحكم بوجوب الركعة الرابعة المتّصلة هو عدم الإتيان بالرابعة+ العلم بعدم الإتيان بها. وأمّا من لم يأت بالرابعة واقعا وكان شاكا في ذلك فهو موضوع للحكم واقعا بوجوب الركعة المنفصلة ، فموضوع

__________________

(١) إن قلت : ما المحذور في الالتزام بتخصيص دليل المانعية بخصوص العالم؟

قلت : انّ هذا إذا كان هو المقصود للآخوند فهو نفس ما سننقله عن الشيخ النائيني في الردّ الثالث ، وما نناقشه به يكون مناقشة له أيضا

٤٦

الحكم بوجوب الركعة الرابعة المنفصلة واقعا هو عدم الإتيان بالرابعة+ الشكّ في الإتيان بها.

والإمام عليه‌السلام في الرواية كأنّه يريد أن يقول لزرارة انّ الواجب عليك واقعا الركعة الرابعة المنفصلة لأنّ كلا جزئي موضوعها ثابت في حقّك ، أمّا الشكّ فهو ثابت بالوجدان ، وأمّا عدم الإتيان بالركعة الرابعة فهو ثابت بالاستصحاب. فالإمام عليه‌السلام أجرى الاستصحاب ليثبت به الجزء الأوّل من الموضوع ، وبالتالي ليثبت به ـ بعد انضمام الشكّ الوجداني إليه ـ وجوب الإتيان بركعة رابعة منفصلة.

وإن شئت قلت : انّ الاعتراض الثاني الذي نحن بصدد الردّ عليه كان يقول انّ إجراء الاستصحاب لإثبات الركعة المتّصلة مخالف لمذهب الشيعة ، وإجرائه لإثبات المنفصلة لا يقوى عليه لأنّ الأثر الشرعي لعدم الإتيان بالركعة الرابعة المتّصلة هو وجوب الركعة الرابعة المتّصلة لا المنفصلة. والميرزا في الجواب يقول إنّا نختار الشقّ الثاني ، أي يجري الاستصحاب لإثبات الركعة المنفصلة. والإشكال بأنّه لا يقوى على ذلك حيث انّه يثبت وجوب المتّصلة دون المنفصلة مدفوع بأنّه لا يراد من الاستصحاب إثبات وجوب الركعة المنفصلة بل يراد إثبات أحد جزئي موضوع وجوب الركعة المنفصلة وهو عدم الإتيان بالرابعة.

وهذا البيان من الميرزا وإن كان وجيها ومعقولا في نفسه إلاّ أنّه يمكن مناقشته بأنّه خلاف ظاهر الرواية ، فإنّه لو كان مقصودا لاحتاج إلى بيان أكبر فيلزم بيان انّ الشاكّ تلزمه الركعة المنفصلة فيما إذا لم يأت بالرابعة مع انّا نلاحظ انّ الإمام عليه‌السلام لم يبيّن ذلك ولم يقل انّ الركعة المنفصلة واجبة في حقّ الشاكّ إذا لم يأت

٤٧

بالرابعة إنّما وأخذ ببيان جريان الاستصحاب فقط والحال انّ اللازم للإمام عليه‌السلام لو كان ما ذكره الميرزا مقصودا له بيان ذلك فإنّ تمام النكتة كامنة في ذلك ـ أي كون الشاكّ يجب عليه الركعة المنفصلة فيما إذا لم يأت بالرابعة ـ وليس لجريان الاستصحاب أثر كبير ، إذ لو كان واقعا تجب الركعة المنفصلة في حقّ الشاكّ الذي لم يأت بالركعة الرابعة فيمكن إحراز كلا جزئي الموضوع بلا حاجة إلى استصحاب ، فإنّ الجزء الأوّل وهو الشكّ محرز بالوجدان والجزء الثاني وهو عدم الإتيان بالركعة الرابعة يمكن إحرازه بأصالة الاشتغال بلا حاجة إلى استصحاب ؛ إذ الإتيان بالركعة الرابعة واجب ، وإذا شكّ المكلّف في إتيانه بالواجب فمقتضى أصالة الاشتغال عدم إتيانه به ، نظير من شكّ في أنّه صلّى صلاة الظهر أو لا ، فإنّه لا يحتاج لإثبات وجوب الإتيان بها إلى إجراء الاستصحاب بل قاعدة الاشتغال تحكم عليه بلزوم الإتيان بها ولو لم نقل بحجّية الاستصحاب.

حمل الرواية على قاعدة الاشتغال اليقيني

وبعد أن اتّضح انّ الردود الثلاثة على الاعتراض الثاني قابلة للمناقشة يتجلّى انّ الاعتراض الثاني ـ الذي كان يقول بأنّه لا يمكن إرادة الاستصحاب من الرواية إذ إجراء الاستصحاب لإتيان الركعة المتصلة مخالف لمذهب الشيعة وإجراؤه لإثبات الركعة المنفصلة لا يقوى عليه ـ تامّ ، وإذا كان تاما فلا يمكن حمل الرواية على الاستصحاب ويتعيّن حملها على ما ذكر في الاعتراض الأوّل ، أي حملها على إرادة قاعدة « الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني » ، فإنّ إرادة هذه القاعدة من الرواية وإن كان مخالفا لظاهر الرواية من ناحيتين أشرنا

٤٨

لهما عند ردّ الاعتراض الأوّل إلاّ أنّ ذلك متعيّن بعد عدم إمكان إرادة الاستصحاب.

وإذا حملنا الرواية على قاعدة « الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني » تنحل مشكلة تكرار الإمام عليه‌السلام للفقرات ونحصل على تفسير وجيه لها ، فالإمام عليه‌السلام بعد أن أمر زرارة بتحصيل الفراغ اليقيني أراد أن يلمّح من بعيد إلى كيفية حصول الفراغ اليقيني ، فهو باللسان الصريح حيث لا يمكنه أن يقول ابن على الأكثر وأت بركعة منفصلة لمخالفة ذلك للعامة ـ حيث يذهبون إلى لزوم البناء على الأقل والإتيان بركعة متّصلة ـ أخذ بذكر إشارات وتلمحيات لذلك فقال ولا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ... كل ذلك تنبيها لزرارة على لزوم الإتيان بالركعة المشكوكة منفصلة لا متّصلة (١).

__________________

(١) ولربّ قائل يقول انّ الشيخ العراقي حينما ذكر في الردّ الأوّل انّ تطبيق الاستصحاب لإثبات الركعة المتّصلة محمول على التقية دون أصل الكبرى أورد عليه السيد الشهيد بأنّ الحمل على التقية مخالف لظاهر الرواية من ناحيتين : اولاهما انّ الإمام قد تبرّع بالفرع الثاني ، والتبرّع يتنافى والتقية. وثانيتهما : انّ الإمام عليه‌السلام أبدى مزيد اهتمام بالمطلب ، وهو لا يتناسب والتقية لأنّ في التقية بيانا لمطلب غير واقعي ، وبيان المطلب غير الواقعي لا يستحقّ مزيد اهتمام.

هذا ما ذكره السيد الشهيد سابقا فكيف رجع الآن وعاد يقول بأنّ التكرار في الجمل قد حصل بسبب التقية.

والجواب : انّ حمل التطبيق على التقية الذي قال به الشيخ العراقي معناه انّ الإمام عليه‌السلام قد ذكر مطلبا غير واقعي ـ حيث انّ تطبيق الاستصحاب لإثبات وجوب الركعة المتّصلة مطلب غير واقعي ذكر للتقية ـ تبرّعا واهتم به بالتكرار ، والإيراد على مثل هذه المقالة بأنّ بيان المطلب غير الواقعي لا يتناسب والتبرّع كما ولا يتناسب والاهتمام بالتكرار ايراد صحيح. وهذا ـ

٤٩

الاعتراض الثالث

ما ذكره الشيخ العراقي. وحاصله : لو فرضنا انّ الشيعة تقول بوجوب الركعة المتصلة فمع ذلك لا يمكن إجراء الاستصحاب لإثبات وجوب الركعة المتّصلة وتصحيح الصلاة به إذ اللازم على المصلّي الإتيان بالتشهّد والتسليم في آخر الركعة الرابعة ، ومن الواضح ان استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة لا يقول انّ هذه الركعة المشكوكة المأتي بها هي رابعة ليكون التشهّد والتسليم واقعا في الرابعة بل أقصى ما يقول انّ الشاكّ لم يأت بالرابعة فيترتّب على ذلك الأثر الشرعي وهو وجوب الاتيان بركعة رابعة ، وامّا انّ الركعة المأتي بها هي رابعة فذاك ليس أثرا شرعيا ـ إذ لا توجد آية أو رواية تقول من لم يأت بالرابعة فالركعة التي يأتي بها هي رابعة ـ وإنّما ذلك أثر عقلي ، فإنّ العقل يحكم بأنّ من لم يأت بالرابعة فما يأتي به هو الرابعة.

إذن استصحاب عدم الإتيان بالرابعة لإثبات أنّ الركعة المأتي بها هي رابعة وأنّ التسليم والتشهّد فيها واجب أصل مثبت (١) وهو ليس بحجّة.

والسيد الخوئي ( دام ظلّه ) أجاب عن الإشكال المذكور بأنّ بالإمكان إثبات أنّ الركعة المأتي بها رابعة وأنّ التشهّد والتسليم واقع في الرابعة ، وذلك بأنّ

__________________

ـ بخلافه فيما ذكره السيد الشهيد ، فإنّ حمل الرواية على بيان قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني حمل لها على مطلب واقعي ، ومن الواضح انّ بيان المطلب الواقعي لا يتنافى والتبرّع به كما ولا يتنافى ومزيد الاهتمام

(١) المراد بالأصل المثبت : كل أصل يجرى لإثبات لازم غير شرعي لمتعلّقه

٥٠

يقال انّ المكلّف بعد أن يأتي بالركعة المشكوكة يحصل له العلم بأنّه قد تلبس جزما بالركعة الرابعة أمّا الآن أو قبل قليل ـ حيث انّه لو كان قد أتى سابقا بأربع ركعات فالتلبّس بالركعة الرابعة حصل سابقا ، ولو كان قد أتى سابقا بثلاث ركعات فالتلبّس بالركعة الرابعة يحصل الآن أي حينما يأتى بالركعة المشكوكة ـ فإذا شكّ في انتفاء تلبّسه بالركعة الرابعة استصحب بقائه على التلبّس بالركعة الرابعة. وبذلك يثبت أنّه باق على التلبّس بالركعة الرابعة ويتمّ المطلوب.

وفيه : إنّا نسلّم انّ المكلّف له يقين بتلبّسه بالركعة الرابعة أمّا الآن أو قبل قليل ، ولكنّه في نفس الوقت له يقين بعدم تلبّسه بالركعة الرابعة أمّا الآن أو قبل قليل ـ إذ لو كان قد أتى سابقا بأربع ركعات فهو الآن غير متلبّس بالرابعة وإن كان قد أتى سابقا بثلاث ركعات فهو سابقا غير متلبّس بالرابعة ـ وهذان اليقينان متلازمان ، فمن له ذاك اليقين له هذا اليقين أيضا. وكما أنّ استصحاب بقاء التلبس بالرابعة يجري كذلك استصحاب بقاء عدم التلبس بالرابعة يجري فيتعارض الاستصحابان ويتساقطان (١).

وبعد بطلان جواب السيد الخوئي عن الاعتراض الثالث فالصحيح في الجواب أن يقال : إنّ إجراء استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة لإثبات أنّ الركعة المأتي بها هي الرابعة وإن كان أصلا مثبتا إلاّ أنّ ثبوت اللوازم العقلية

__________________

(١) عبارة الكتاب لم توضح المطلب بشكل كامل كما أوضحناه.

ثمّ إنّه يمكن الإيراد على السيد الخوئي أيضا بأنّ استصحاب بقاء التلبس بالرابعة لا ينفع إذ أقصى ما يثبت انّ التلبس بالرابعة باق ولا يثبت انّ هذه الركعة المأتي بها هي الركعة الرابعة وأنّ التشهّد والتسليم المأتي بهما واقعان في آخر الركعة الرابعة

٥١

بالاستصحاب ليس قضية مستحيلة عقلا بل متى ما دلّ الدليل على ثبوت اللوازم العقلية بالاستصحاب في بعض الموارد قبلنا ذلك ورضخنا له. وفي المقام يقال بما انّ جريان استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة لا ينفع إلاّ بعد ثبوت اللازم العقلي فهذا بنفسه دليل على ثبوت اللازم العقلي في مورد الرواية ، ففي مورد الرواية بالخصوص يقال بثبوت اللازم العقلي ـ أي أنّ الركعة المأتي بها هي الرابعة ـ بدليل انّ إجراء الإمام عليه‌السلام لاستصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة لا ينفع إلاّ بثبوت اللازم العقلي.

قوله ص ٢٢٣ س ١٠ : فإنّ ذلك يبدو غامضا بعض الشيء : ولا يرتفع هذا الغموض إلاّ بحمل الرواية على قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني كما تأتي الإشارة لذلك ص ٢٢٨ س ٧ من الحلقة.

قوله ص ٢٢٤ س ٩ : كما هو الحال في غير الشاك : أي العالم بأنّه لم يأت بالرابعة حيث يجب عليه الإتيان بركعة رابعة متّصلة.

قوله ص ٢٢٥ س ١١ : على أي حال : أي سواء كان التطبيق جديا أم لم يكن جديا ، فإنّه على كلا التقديرين لا يصدق على التطبيق أنّه جدي لكبرى جدية بل أمّا هو غير جدي أو انّ كبراه غير جدية.

قوله ص ٢٢٦ س ٥ : فإجراء الخ : الأولى : وإجراء الخ.

قوله ص ٢٢٦ س ١١ : للواجب الواقعي : وهي الركعة الرابعة المتّصلة.

قوله ص ٢٢٧ س ١ : إلى نقيضها : أي إلى عدم المانعية ، فالشاكّ لا يكون إتيانه بالتشهّد والتسليم قبل الركعة الرابعة مبطلا لصلاته.

٥٢

قوله ص ٢٢٧ س ١ : وذلك تخصيص في دليل المانعية الواقعية : وإذا كان هذا هو مقصود الآخوند ـ وإن كان تعبيره لا يساعد عليه ، حيث انّه عبّر : يلزم التخصيص في دليل الاستصحاب ـ فهو نفس ما ذكره الميرزا ويرد عليه نفس ما أورد عليه.

قوله ص ٢٢٧ س ١١ : بعد افتراض كونه إلخ : أي بعد افتراض كون وجوب الركعة المفصولة ثابتا للموضوع المركب من عدم الإتيان بالرابعة+ الشكّ.

قوله ص ٢٢٩ س ١٤ : كانت بنفسها : أي الرواية.

الرواية الرابعة

والرواية الرابعة من الروايات التي يستدل بها على حجّية الاستصحاب رواية عبد الله بن سنان ، حيث يقول انّ أبي ـ أي سنان ـ سأل الإمام الصادق عليه‌السلام عمّا إذا أعار شخص ثوبه للذمّي وهو يعلم بأنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فهل يجب عليه غسله للصلاة إذا استرجعه؟ فأجاب عليه‌السلام بعدم وجوب ذلك معلّلا بقوله : « فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن انّه نجس » (١).

وقد يقال انّ الرواية لا يمكن استفادة حجّية الاستصحاب منها ، إذ لعلّ الإمام عليه‌السلام كان ناظرا عند حكمه بطهارة الثوب وعدم وجوب غسله إلى قاعدة الطهارة لا إلى الاستصحاب ، ومع وجود هذا الاحتمال يبطل الاستدلال بالرواية.

والجواب : انّ في الرواية قرينة تدل على أن نظر الإمام عليه‌السلام متوجّه إلى

__________________

(١) وسائل الشيعة : باب ٧٤ من أبواب النجاسات ، حديث ١

٥٣

الاستصحاب دون قاعدة الطهارة. والقرينة هي قوله : « انّك أعرته إيّاه وهو طاهر » فلو كان النظر متوجها إلى قاعدة الطهارة فلا موجب لملاحظة الحالة السابقة للثوب وأنّك أعرته إيّاه وهو طاهر بل كان من المناسب الاقتصار على قوله : « انّك ما دمت لم تستيقن أنّه نجّسه فلا بأس أنّ تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه » إذ في قاعدة الطهارة لا يحتاج إلى النظر للحالة السابقة بل يحكم بالطهارة ما دام لا يعلم بالنجاسة فعلا.

وقد يقال في حقّ هذه الرواية إنّها وإن دلّت على حجّية الاستصحاب بالبيان السابق ولكن ليس في لفظها ما يستفاد منه عموم حجّية الاستصحاب في جميع الأبواب ، ففي الروايات السابقة كان يوجد ذلك ، حيث كان عليه‌السلام يقول : « لا تنقض اليقين بالشكّ » ، والألف واللام في كلمة اليقين والشكّ حيث انّها استغراقية فتدلّ على أنّ كل يقين لا ينقض بكل شكّ ، أمّا هذه الرواية فهي لا تشتمل على كلمة اليقين والشكّ كي يستفاد منها العموم. هذا ما قد يقال.

ويمكن الجواب بأنّ الرواية اشتملت على التصريح بالتعليل حيث قالت : « فإنّك أعرته إيّاه وهو ... » ، والتعليل عادة لا يكون عرفا إلاّ بالمطلب الارتكازي ، وواضح انّ المرتكز في الذهن انّ كل يقين لا ينقض بالشكّ لا خصوص اليقين بطهارة الثوب ، فهي بالتعليل تريد الإشارة إلى ذلك المطلب الارتكازي الذي يعمّ كل يقين.

روايات اخرى

ثمّ انّ الاصوليين ذكروا للاستدلال على حجّية الاستصحاب روايات

٥٤

اخرى غير هذه الروايات الأربع إلاّ أنّه لا حاجة إليها بعد وفاء هذه الأربع بالمطلوب.

مقامات خمسة

وبعد أن ثبتت كبرى حجّية الاستصحاب يقع الكلام في مقامات خمسة : ـ

١ ـ هل الاستصحاب امارة أو أصل. وفي هذا المقام نتكلّم أيضا عن مبحث بعنوان « كيفية الاستدلال بالاستصحاب ».

٢ ـ ما هي أركان الاستصحاب.

٣ ـ ما هي الآثار الثابتة بالاستصحاب ، فهل تثبت به خصوص الآثار الشرعية أو تثبت به الآثار العقلية أيضا؟

٤ ـ هل الاستصحاب حجّة مطلقا ومن دون تفصيل أو هو حجّة في خصوص موارد الشكّ في الرافع كما ذهب إليه الشيخ الأعظم قدس‌سره أو في خصوص موارد الشبهات الموضوعية دون الشبهات الحكمية كما ذهب إليه الشيخ النراقي والسيد الخوئي؟

٥ ـ التحدّث عن بعض مصاديق الاستصحاب وتطبيقاته ، كاستصحاب الحكم التعليقي أو استصحاب عدم النسخ أو استصحاب الكلي.

قوله ص ٢٢٩ س ١٥ : سأل أبي : وهو سنان. وسنان وإن لم تثبت وثاقته إلاّ أنّ ذلك ليس بمهم ؛ إذ ولده وهو عبد الله بن سنان من الأجلّة الأعاظم وهو يقول انّ أبي حينما سأل كنت حاضرا في المجلس وينقل بنفسه الحوار فلسنا بحاجة بعد هذا إلى ثبوت وثاقة الوالد.

٥٥

قوله ص ٢٣٠ س ١ : وأنا أعلم أنّه يشرب إلخ : يمكن أن يستفاد من هذه الفقرة طهارة الكتابي ؛ إذ على تقدير نجاسته لا حاجة إلى ذكر الفقرة المذكورة ؛ لكفاية نجاسته الذاتية للشكّ في بقاء الثوب على الطهارة. والفقرة المذكورة وإن وردت في كلام السائل لا في كلام الإمام عليه‌السلام إلاّ أنّ سكوت الإمام عليه‌السلام وإمضائه يكفي لتقرير الارتكاز. وهذا مطلب لا يرتبط بالمقام ذكرناه كفائدة جانبية.

قوله ص ٢٣٠ س ١٠ : فقرة الاستدلال : وهي قوله : « فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ... ».

قوله ص ٢٣٠ س ١١ : وانصراف فحواها : الضمير راجع إلى فقرة الاستدلال. والفحوى : المعنى.

قوله : ص ٢٣٠ س ١٥ : وسنخها : هذا عطف تفسير لروح.

٥٦

الاستصحاب

أصل أو امارة

٥٧
٥٨

الاستصحاب أصل أو امارة

قوله ص ٢٣٢ س ١ : قد عرفنا سابقا الخ : وقع الحديث بين الاصوليين في أنّ الاستصحاب يرجع في حقيقته إلى الامارة أو إلى الأصل.

ويقوى هذا التساؤل على مبنى السيد الشهيد في حقيقة الامارة والأصل حيث يشكل بناء عليه عدّ الاستصحاب من الامارات كما ويشكل عدّه من الاصول العملية.

وقبل عرض وجه المشكلة نذكر نقاطا ثلاث تقدّمت في القسم الأوّل من الحلقة الثالثة يتجلّى باتّضاحها البحث. وهي : ـ

١ ـ ما هي حقيقة الحكم الظاهري في نظر السيد الشهيد؟ لتوضيح حقيقة الحكم الظاهري نقول انّ الشارع المقدّس شرّع الحرمة للخمر فقال شرب الخمر حرام ، وشرّع الإباحة للخل فقال : شرب الخل مباح ، ولكن إذا اشتبه حال المائع فلم يعلم انّه خمر أو خلّ فماذا يحكم الشارع عليه؟ لا يمكن للشارع أن يترك مثل هذه الحالة بلا تشريع حكم لها بل امّا أن يحكم بحرمة السائل المشتبه أو يحكم بإباحته. ولكن بماذا يحكم هل يحكم بالحرمة أو بالإباحة؟

انّ الشارع في مثل هذه الحالة يأخذ بالمقارنة بين مفسدة الخمر ومصلحة الخل ، فإذا كانت المفسدة هي الأهمّ في نظره من مصلحة الخلّ فللحفاظ عليها يصدر حكما عاما بوجوب الاحتياط وترك كل سائل مشتبه ، وإن كانت

٥٩

المصلحة هى الأهم في نظره من مفسدة الخمر يصدر حكما عاما بإباحة كل مشتبه.

وإن شئت قلت : انّ المصلحة والمفسدة يقع بينهما التزاحم في مقام الحفظ ، فمفسدة الخمر تقول بلسان للحفاظ عليّ احكم على كل مشتبه بالحرمة ، بينما مصلحة الخل تقول بالعكس ، فهي تقول بلسان حالها للحفاظ عليّ احكم بإباحة كل مشتبه.

وبعد وقوع هذا التزاحم في مقام الحفظ يأخذ المولى بالمقارنة بين المصلحة والمفسدة ، فإن رأى المصلحة أهم أصدر حكما بإباحة كل مشتبه ، وإن رأى المفسدة أهم أصدر حكما بحرمة كل مشتبه.

إذن على ضوء هذا يمكننا أن نقول في تحديد حقيقة الحكم الظاهري انّه حكم ناشىء للحفاظ على الملاك الأهمّ عند تزاحم الملاكين في مقام الحفظ.

٢ ـ ما الفرق بين الامارة والأصل؟ هناك فرق بين الأصل والامارة في نظر الميرزا قرأناه في القسم الأوّل نعرض عن ذكره الآن ونأخذ بعرض الفرق في نظر السيد الشهيد.

انّه يرى أنّ كلا من حجّية الامارة وحجّية الأصل حكم ظاهري وليد الملاك الأهمّ. هذه نقطة اشتراك بينهما ويفترقان في أنّ قوة الملاك في باب حجّية الامارة ناشئة من قوة الكشف والاحتمال بينما قوة الملاك في حجّية الأصل ناشئة من قوة المحتمل والمنكشف.

فمثلا حينما يخبر الثقة عن قضيّة معيّنة فإخباره له كشف بدرجة ٧٠% ، وبسبب قوّة الكشف هذه ثبتت الحجّية لخبره بقطع النظر عن نوعية القضية التي

٦٠