الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-28-6
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٨٧

البحراني ـ الذي ليس دأبه الطعن ـ في نفس الرواية وفي مؤلف غوالي اللئالي وفي الكتاب نفسه.

هذا مضافا إلى أنّ اقتصار ابن أبي جمهور على نقل الرواية عن العلاّمة وعدم نقل غيره لها عن العلاّمة بل ولا نقل العلاّمة نفسه لها في كتبه الكثيرة يصلح أن يكون مؤشرا قويا إلى ضعفها.

نتيجة ما تقدّم

والنتيجة من كل ما تقدّم هو انّ عدد المرجّحات اثنان هما : الموافقة للكتاب والمخالفة للعامة ، إذ الرواية الثالثة وهي المرفوعة ضعيفة السند ، والمقبولة وإن ذكرت مرجّحين إضافيين ـ الترجيح بالصفات والترجيح بالشهرة ـ إلاّ أنّ الترجيح بالصفات هو من مرجّحات الحاكم ، والشهرة ليست من المرجّحات بل من المسقطات. وعليه فمتى ما توفّر هذان المرجّحان ـ الموافقة والمخالفة ـ أخذ بهما وإلاّ فيرجع بعد تعارض الروايتين وفقدان المرجّح إلى ما تقتضيه القاعدة وهو التساقط (١).

وفي الختام

وفي الختام نذكر عدّة نقاط : ـ

__________________

(١) فإنّه وإن ذكر قدس‌سره ابتداء انّ القاعدة تقتضي حجّية كل من الخبرين بنحو مشروط إلاّ أنّه بعد ذلك رجع إلى ما تبنّاه المشهور وهو التساقط

٤٦١

النقطة الاولى

انّ من هجر أخبار الترجيح وحملها على استحباب إعمال المرجّحات وأخذ بإخبار التخيير ـ كالآخوند (١) ـ وقع الخلاف بينهم في أنّ التخيير هل هو منسوب إلى الحجّية بحيث يكون التخيير تخييرا في حجّية أحد الخبرين أو هو منسوب إلى العمل بحيث يكون المكلّف مخيّرا في العمل بأحد الخبرين.

فإن كان التخيير منسوبا إلى الحجّية فحيث انّ الحجّية حكم اصولي فيكون التخيير تخييرا في المسألة الاصولية ، وأمّا إذا كان التخيير منسوبا إلى العمل فهو حكم فرعي فقهي ، إذ يكون حاله حال التخيير بين شرب الماء وتركه فكما انّ هذا تخيير في مقام العمل وهو حكم فقهي كذلك التخيير في العمل بهذا الخبر أو ذاك يكون حكما فقهيا.

وقد تسأل عن الفارق العملي بين التخييرين.

والجواب : انّ التخيير في الحجّية يمكن أن يقال باختصاصه بالمجتهد ولا يعمّ العامي ، لأنّ الحجّية حكم اصولي فإذا قيل باختصاص الأحكام الاصولية بالمجتهد وعدم عموميّتها للعامي لزم كون التخيير بالالتزام بأحد الخبرين مختصا بالمجتهد فإذا فرضنا انّ أحد الخبرين يدلّ على وجوب الجمعة والآخر على حرمتها واختار المجتهد الخبر الأوّل الدالّ على الوجوب فسوف يفتي مقلّديه

__________________

(١) وأمّا السيد الشهيد فهو لم يقل بالتخيير بل قال بلزوم إعمال المرجّحات ـ أي موافقة الكتاب ومخالفة العامة ـ عند وجودها وإلاّ فيتمسّك بالقاعدة وهي التساقط ، وأمّا التخيير فلا ينتهى إليه.

٤٦٢

بوجوب الجمعة ، وبذلك يتعيّن على مقلّديه الإتيان بصلاة الجمعة ولا يحقّ لهم تركها ، وهذا بخلافه في التخيير العملي ، فإنّه لا يختص بالمجتهد بل يعمّ العامي ، ويمكن للمجتهد أن يفتي مقلّديه بالتخيير في العمل بأحد الخبرين فإذا اختار العامي الخبر الدال على الوجوب لزمه أداء الجمعة بينما لو اختار الخبر الآخر لزمه تركها ، ولعلّ المجتهد يختار الخبر الدال على الوجوب فيلزمه أداء الجمعة بينما العامي يختار الخبر الدال على الحرمة فيتعيّن عليه تركها.

كما وانّه يلزم بناء على كون التخيير تخييرا في الحجّية ان المجتهد إذا اختار الخبر الأول ثبت مضمونه ـ وهو الوجوب ـ في حقّه وجاز له نسبته إلى الله سبحانه بأن يقول انّ حكم الله سبحانه هو الوجوب ، وامّا بناء على كون التخيير تخييرا في العمل فلا يصح له نسبة الوجوب إلى الله سبحانه إذ المكلّف مخيّر في مقام العمل ولا تكون حجّية أحد الخبرين ثابتة في حقّه ليسوغ له نسبة مؤداه إلى الله سبحانه.

ثمّ إنّه ما دمنا ننكر القول بالتخيير من الأساس فلا داعي لتحقيق انّ الحقّ هو نسبة التخيير إلى الحجّية أو نسبته إلى العمل.

النقطة الثانية

وأيضا اختلف القائلون بالتخيير في أنّه ابتدائي أو استمراري ، يعني انّ المجتهد لو اختار الخبر الأوّل الدالّ على وجوب الجمعة مثلا فهل له بعد ذلك حق اختيار الخبر الثاني الدالّ على الحرمة. وهكذا العامي لو اختار الخبر الأوّل مثلا فهل له الحقّ في اختيار الخبر الثاني؟ فإن كان له الحقّ في ذلك فالتخيير إذن

٤٦٣

استمراري ، وإن لم يكن له الحقّ المذكور فهذا معناه انّ التخيير ابتدائي ثابت ابتداء وليس مستمرا.

وقد اختار البعض انّه استمراري وتمسّك لذلك بالاستصحاب ، أي أنّه لو اختير الخبر الأوّل مثلا وشكّ في بقاء حقّ اختيار الخبر الثاني استصحب بقاء حقّ الاختيار.

ويمكن التعليق على ذلك بأنّ التخيير لو كان تخييرا في الحجّية فجريان الاستصحاب قابل للتأمّل ، وأمّا لو كان تخييرا في العمل بأحد الخبرين فلا محذور في استصحابه.

أمّا انّ التخيير لو كان تخييرا في الحجّية فاستصحابه قابل للتأمّل فذاك باعتبار أنّ استصحاب حق التخيير استصحاب تعليقي ، وقد تقدم تأمّل البعض في جريانه.

والوجه في كونه تعليقيا ان حقّ التخيير في الحجّية يرجع في روحه إلى أنّ المكلّف لو اختار الخبر الأوّل كان هو الحجّة في حقّه ، ولو اختار الخبر الثاني كان هو الحجّة في حقّه ، فالمكلّف إذا اختار في اليوم الأوّل الخبر الأوّل وشكّ في اليوم الثاني في بقاء حق اختيار الخبر الثاني فهذا معناه أنّه يشكّ في اليوم الثاني في أنّه لو اختار الخبر الثاني فهل يكون حجّة في حقّه أو لا ، وحينئذ يجري الاستصحاب ويقول في اليوم الثاني : انّ الخبر الثاني كان هو الحجّة في حقّي قبلا ـ أي قبل اختيار الخبر الأوّل ـ لو اخترته والآن ـ أي بعد اختيار الأوّل ـ لو شككت في بقاء ذلك استصحبته فيثبت بذلك في اليوم الثاني انّي إن اخترت الخبر الثاني فهو الحجّة في حقّي ، وواضح انّ هذا الاستصحاب تعليقي ، إذ المستصحب ـ وهو إن

٤٦٤

اخترت الخبر الثاني كان هو الحجّة في حقّي ـ قضية تعليقية تشتمل على كلمة « إن » الشرطية (١).

وامّا انّ التخيير لو كان تخييرا في العمل فاستصحابه يجري بلا محذور فذاك من جهة انّ التخيير في العمل بأحد الخبرين يشبه تماما تخيّر المكلّف في فعل شرب الماء وتركه ، فكما انّ هذا التخيير عبارة اخرى عن الإباحة التي هي حكم فعلي غير تعليقي ويجوز استصحابه دون أي محذور كذلك التخيير في العمل بأحد الخبرين هو عبارة اخرى عن إباحة العمل بهذه الرواية أو بتلك التي هي حكم فعلي تنجيزي.

ثمّ انّه مادمنا ننكر القول بالتخيير من الأساس فالبحث عن كون التخيير ابتدائيا أو استمراريا يكون بلا داعي.

النقطة الثالثة

إذا تمّت دلالة روايات التخيير على التخيير وهكذا تمت دلالة روايات الترجيح على لزوم إعمال المرجّحات كموافقة الكتاب ومخالفة العامة فسوف يقع

__________________

(١) قد يقال إن بالإمكان إجراء الاستصحاب بنحو لا يكون تعليقيا بل تنجيزيا ، وذلك بأن يقول المكلّف انّ الخبر الثاني كان لي حقّ اختياره سابقا والآن استصحب بقاء حقّ الاختيار ، ومثل هذا الاستصحاب تنجيزي لأنّ المستصحب ـ وهو حقّ اختيار الخبر الثاني ـ ليس أمرا تعليقيا مشتملا على « إن » الشرطية.

والجواب : انّ حقّ اختيار الخبر الثاني وإن كان بحسب الصورة أمرا تنجيزيا وليس تعليقيا إلاّ أنّه بحسب الروح تعليقي ، فإن كون المكلّف له حقّ اختيار الخبر الثاني معناه أنّه إن اختار الخبر الثاني كان هو الحجّة في حقّه.

٤٦٥

التعارض بينهما ، إذ الاولى تحكم بلزوم التخيير وترفض إعمال المرجحات بينما الثانية تقتضي العكس.

فبينما هي تريد علاج التعارض بين الروايات نجد ابتلائها هي في نفسها بالتعارض فهي كما قلنا سابقا أشبه بطبيب يداوي الناس وهو عليل.

ومن هنا يقع التسأوّل عن كيفية علاجها ورفع التعارض الواقع فيما بينها.

واختار الشيخ الآخوند في العلاج حمل روايات الترجيح على الاستحباب فقال انّ روايات الترجيح تدل على أنّ إعمال المرجّحات شيء مستحسن وليس بلازم ، وهذا لا ينافي التخيير الذي حكمت به روايات التخيير. واستشهد على ما ذكره بعدّة قرائن من جملتها انّ الروايات التي تذكر المرجّحات اختلفت في عدد المرجّحات فبعضها يذكر أربعة مرجّحات وبعضها يذكر أقل من ذلك ، وهكذا تختلف في كيفية ترتيب المرجّحات ، فبعضها يقدّم هذا ويؤخر ذاك وبعضها يقدّم ويؤخر بالعكس ، وهذا الاختلاف في الكم والكيف شاهد صدق على أنّ إعمال المرجّحات شيء مستحب وليس بواجب. هذا ما ذكره الآخوند.

ويردّه : انّ حمل الأحكام الإرشادية على الاستحباب شيء مرفوض عرفا وإنّما القابل لذلك هو الأحكام التكليفية ، فمثلا لو قال أحد الدليلين لا بأس بشرب العصير العنبي المغلي وقال الدليل الآخر العصير العنبي نجس فلا يقبل العرف حمل الدليل الثاني على استحباب النجاسة ، فإنّ النجاسة لا معنى لحملها على الاستحباب ، وهذا بخلاف ما لو كان الدليل الثاني يقول لا تشرب العصير العنبي ، فانّه لا يأبى عن حمله على كراهة شرب العصير. وهكذا الحال في المقام ، فإنّ روايات الترجيح التي تأمر بالأخذ بالخبر الموافق للكتاب أو المخالف للعامة

٤٦٦

هي مرشدة إلى حجّية الخبر الموافق للكتاب أو المخالف للعامة ، ومن الواضح انّ العرف يأبى عن حمل ذلك على الاستحباب فلا معنى لاستحباب حجّية الموافق أو المخالف.

وعلى هذا فالصحيح في توجيه الجمع بين الروايات هو تطبيق قانون الإطلاق والتقييد ، فإنّ الروايات الآمرة بالتخيير مطلقة وتدل بإطلاقها على أنّ الحكم بالتخيير يعمّ حالة وجود المرجّح وحالة عدمه فتقيد بصورة فقدان المرجّح وتصير النتيجة : تخيّر إن لم يكن مرجّح.

النقطة الرابعة

انّ الأخبار التي تأمر بالتخيير أو التي تأمر بإعمال المرجّحات ـ وبكلمة جامعة : اخبار العلاج ـ هل تختص بصورة التعارض المستقر التي لا يمكن فيها الجمع العرفي ـ كما في المتباينين أو العامين من وجه ـ أو تعمّ صورة الجمع العرفي أيضا التي يكون التعارض فيها غير مستقر كما هو الحال في العام والخاص المطلق؟

نسب إلى الشيخ الطوسي في استبصاره وعدّته عمومية الأخبار لموارد الجمع العرفي فإذا ورد حديث عام والآخر خاص رجّح العام إن كان مخالفا للعامة أو موافقا للكتاب ، ومع التساوي يتخيّر في العمل بأحدهما. والمستند لهذا الرأي ليس إلاّ التمسّك بالإطلاق وعدم تقييد اخبار العلاج بصورة عدم إمكان الجمع العرفي.

وفي مقابل ذلك قيل بالاختصاص بموارد عدم إمكان الجمع العرفي. واستدل

٤٦٧

على ذلك بأنّ ظاهر أخبار العلاج تحيّر السائل عند مواجهته للخبرين المتعارضين ، فانظر إلى قول زرارة في مرفوعته : « يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ » ، إنّ تعبيره هذا واضح في تحيّره ، ومعلوم أنّه في موارد العام والخاص التي يجمع فيها العرف بالتخصيص لا تحيّر للعرف بل يخصّص العام بالخاصّ ، وهذا قرينة واضحة على اختصاص اخبار العلاج بالمتعارضين اللذين يتحيّر العرف اتجاههما ، ولا يكون ذلك إلاّ في موارد التعارض المستقر كالمتباينين أو العام والخاص من وجه.

هذا ولكن الأولى الاستشهاد على اختصاص اخبار العلاج بموارد التعارض المستقر ببيان آخر (١) حاصله : انّه لو رجعنا إلى رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله التي تقول : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه ... » (٢) لاستفدنا منها انّ الخبر لا يسقط عن الحجّية بمجرّد مخالفته للقرآن الكريم فلو لا وجود الخبر الثاني المعارض له لكان من اللازم الأخذ به وإنّما الذي أوجب التوقّف عن الأخذ

__________________

(١) إذ البيان السابق يمكن التأمّل فيه من ناحية أنّه في موارد التعارض غير المستقر وإن كان لا تحيّر للعرف اتجاه المتعارضين حيث يجمع بينهما بالتخصيص مثلا إلاّ أنّ السائل كزرارة يحتمل عدم رضا الشارع بطريقة الجمع العرفي ولذلك سأل عن الموقف الشرعي.

هذا مضافا إلى أنّ بعض الروايات لم يسأل فيها الراوي عن حكم المتعارضين ليقال بأنّ سؤاله ظاهر في التحيّر بل ابتدأ الإمام عليه‌السلام ببيان حكم المتعارضين وتقديم الموافق أو المخالف كما هو الحال في الرواية الاولى أي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

(٢) عدم الاستشهاد بالرواية الثانية والثالثة يتّضح من خلال مراجعتهما.

٤٦٨

به هو معارضته بالخبر الآخر ـ إذ لو كانت معارضته للقرآن الكريم بمجرّدها توجب سقوطه عن الحجّية حتّى ولو لم يكن له خبر معارض لكان من اللازم أن يقول الإمام عليه‌السلام : إذا ورد عليكم خبر مخالف للكتاب فدعوه حتّى وإن لم يكن هناك خبر ثان معارض له ـ ولازم هذا ان تكون مخالفة الخبر للكتاب الكريم بشكل ومخالفته للخبر الثاني بشكل ثان ، إذ لو كانت المخالفتان من نمط واحد ، بأن كانت مخالفة الخبر للكتاب الكريم بنحو العموم والخصوص المطلق ، وهكذا مخالفته للخبر الثاني كانت بهذا النحو لما كان وجه للتأمّل في حجّية الخبر من ناحية معارضته للخبر الثاني ، إذ كما انّ مخالفته للكتاب الكريم لم توجب التأمّل في حجّيته فكذاك مخالفته للخبر الثاني يلزم أن لا توجب ذلك.

وإذا ثبت انّ مخالفة الخبر للكتاب الكريم تغاير مخالفته للخبر الثاني فنقول : انّ مخالفة الخبر للكتاب الكريم بما انّها بنحو العموم والخصوص المطلق ـ إذ لو كانت بنحو التباين أو العموم من وجه فمن اللازم سقوطه عن الحجّية في نفسه حتّى ولو لم يكن له معارض لما تقدّم من أخبار العرض التي تقول ما خالف قول ربّنا فهو زخرف ـ فلا بدّ وأن تكون مخالفته للخبر الثاني امّا بنحو التباين أو بنحو العموم من وجه ، أي لا بدّ وأن تكون المعارضة بنحو مستقر. وبهذا يثبت المطلوب وهو انّ اخبار العلاج لا تشمل إلاّ الخبرين اللذين بينهما معارضة مستقرة.

النقطة الخامسة

انّ التعارض المستقر تارة يكون مستوعبا ، كما هو الحال في المتباينين ،

٤٦٩

واخرى يكون غير مستوعب ، كما هو الحال في العامين من وجه.

والقدر المتيقن من اخبار العلاج هو الخبران المتعارضان بنحو التباين.

ولكن هل تشمل العامين من وجه أيضا أو لا؟ قد يقال بعدم شمولها لهما ، فإنّ من جملة المرجحات الترجيح بالأوثقية وأخواتها التي هي مرجحات صدور إحدى الروايتين ، ومثل هذا المرجّح ـ أي المرجّح الصدوري ـ لو شمل أحد الخبرين ، بأن فرض كون راويه أوثق فقدّم من حيث الصدور وحكم بعدم صدور الخبر الآخر الذي راويه ليس بأوثق فحينئذ نسأل هل ان الخبر غير الأوثق يحكم بعدم صدوره من حيث مادة الاجتماع ـ التي هي مادة التعارض ـ ومادتي الافتراق أو يقال بسقوطه من حيث مادة الاجتماع فقط؟ وكلاهما باطل.

أمّا طرحه من حيث مادة الاجتماع ومادتي الافتراق فذاك لأنّه بلا موجب ، إذ أقصى ما يقتضيه التعارض هو سقوط الخبر غير الأوثق في مادة المعارضة ، وأمّا سقوطه في مادتي الافتراق فهو بلا داع.

وامّا طرحه من حيث مادة الاجتماع فقط فذاك من ناحية أنّه يلزم التفكيك في الصدور الواحد ، فإنّ الخبر إذا كان صادرا فهو صادر بلحاظ مادة الاجتماع ومادتي الافتراق ، وإن كان غير صادر فهو غير صادر بلحاظ مادة الاجتماع ومادتي الافتراق ، وامّا كونه صادرا بلحاظ مادتي الافتراق وعدم كونه صادرا بلحاظ مادة الاجتماع فهو غير ممكن.

هكذا قد يقال في وجه عدم شمول أخبار العلاج للعامين من وجه.

بيد انّ السيد الخوئي في مباني الاستنباط ج ١ ص ٤٩٨ نقل عن شيخه النائيني القول بالتفصيل بين المرجّحات الصدورية والمرجحات المضمونية ،

٤٧٠

فالمرجّحات الصدورية كالترجيح بالأوثقية لا يمكن أن تشمل العامين من وجه لما تقدّم من المحذور ، وهو أنّ سقوط غير الأوثق بلحاظ كلتا المادتين بلا موجب (١) وبلحاظ مادة الاجتماع فقط غير ممكن (٢).

وأمّا سقوط المرجّحات المضمونية كالترجيح بموافقة الكتاب أو مخالفة العامة ـ فإنّ مضمون الخبر هو الذي يتّصف بأنّه موافق للكتاب أو مخالف للعامة ـ فلا محذور في شمولها للعامين من وجه فيمكن أن يقال انّ دلالة الخبر المخالف للكتاب لا يؤخذ بها في مادة الاجتماع ويؤخذ بها في مادة الافتراق ، إذ دلالة الخبر متعدّدة فله دلالة في مادة الاجتماع ودلالة اخرى في مادة الافتراق ، ولا محذور في الأخذ بأحدى الدلالتين وطرح الاخرى.

قوله ص ٣٩٧ س ١١ : حكما : بفتح الحاء والكاف والميم.

قوله ص ٣٩٧ س ١٢ : رد : فعل ماضي.

قوله ص ٣٩٨ س ٢ : المجمع عليه : أي المشهور بقرينة قوله فيما بعد : ويترك

__________________

(١) بل الموجب موجود ، فإنّ أخبار العلاج إذا كان لها إطلاق يشمل العامين من وجه يدلّ على سقوط الخبر غير الأوثق من حيث مادة الاجتماع ومادة الافتراق معا فسقوطه في كلتيهما يكون مع الموجب وهو إطلاق أخبار العلاج وشمولها للعامين من وجه.

وهذا هو وجه تضعيف كلام النائيني الذي يستشعر ـ التضعيف ـ من تعبير السيّد الشهيد : « وقد نقل ... ».

(٢) بل هو ممكن لما تقدّم ص ٣٧٦ من الحلقة من عدم المحذور في سقوط السند الواحد بلحاظ مادة الاجتماع فقط.

والوجه في ذلك انّ التعبّد سهل المؤونة فيمكن التعبّد بصدور الخبر بلحاظ مادة الاجتماع دون مادة الافتراق.

٤٧١

الشاذ الذي ليس بمشهور.

قوله ص ٣٩٨ س ٤ : فإنّ المجمع الخ : لا داعي لنقل هذه الجملة إلى قوله :

« إلى الله » إلاّ التبرّك.

قوله ص ٣٩٨ س ١٠ : حكامهم : يقرأ بالرفع. وقوله : « الخبرين » مفعول به.

قوله ص ٣٩٩ س ٣ : بوجوه : المناسب : بوجهين.

قوله ص ٣٩٩ س ١٢ : وتأكيد موردها : عطف تفسير للكاشفية.

قوله ص ٤٠٠ س ٢ : كالترجيح بالشهرة : المناسب التعبير : وليس صحيحا بالنسبة إلى الشهرة ، فإنّ غير الصفات الذي يكون موردا للإشكال ليس هو إلاّ الشهرة ـ كما يستفاد ذلك من قوله ص ٣٩٩ س ٣ « وبالشهرة » وأيضا قال : « هذين الترجيحين » ـ وإلاّ فالموافقة للكتاب والمخالفة للعامة لم يعمّم الإشكال لهما من ناحية انّ رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قد دلّت على الترجيح بهما بدون أن يرد عليها أي إشكال.

قوله ص ٤٠٠ س ١١ : كما هو عمل المشهور : أي تطبيق الترجيح بالصفات على خصوص الراوي المباشر عن الإمام عليه‌السلام.

قوله ص ٤٠٠ س ١٦ : اختلاف : الصواب : اختلال.

قوله ص ٤٠١ س ٥ : وغيرها : المناسب حذف ذلك.

قوله ص ٤٠٢ س ١٢ : أو الحديثان : لعلّ الفارق بين الخبرين والحديثين انّ الثاني خاص بالرواية المنقولة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخلاف الأوّل. ويحتمل أنّ الثاني يختصّ بالرواية القطعية الصدور بخلاف الأوّل.

قوله ص ٤٠٣ س ٤ : موافقان للاحتياط : بأن كان أحدهما دالاّ على

٤٧٢

الحرمة والآخر على الوجوب. امّا إذا كان أحدهما دالاّ على إباحة الشيء والآخر على حرمة ذلك الشيء فالخبر الدالّ على الإباحة يكون مخالفا للاحتياط فإنّ الاحتياط يقتضي الترك بينما الدال على الحرمة موافق للاحتياط. وإذا كان كلاهما دالاّ على الإباحة فكلاهما يكون مخالفا للاحتياط.

قوله ص ٤٠٥ س ٣ : سابقا : أي قبل اختيار الخبر الأوّل.

قوله ص ٤٠٥ س ٣ : وهو الآن : أي بعد اختيار الخبر الأوّل.

قوله ص ٤٠٥ س ٣ : استصحابا : مفعول لأجله.

قوله ص ٤٠٥ س ٣ : وعلى أي حال : أي سواء كان الاستصحاب تعليقيا أم تنجيزيا.

قوله ص ٤٠٦ س ٦ : وبقطع الخ : المقصود : أي وبقطع النظر الخ.

قوله ص ٤٠٧ س ٧ : رأسا : أي في مادة الاجتماع والافتراق.

تمّ هذا الشرح بيد الفقير إلى رحمة ربّه الغني باقر الايرواني في اليوم الخامس والعشرين من شهر رجب عام ألف وأربعمائة واثني عشر هجرية ٢٥ / رجب المرجب / ١٤١٢ ه‍ في بلدة قم الطيبة. واشكر الله سبحانه على هذا التوفيق.

٤٧٣
٤٧٤

محتويات الكتاب

الاستصحاب................................................................... ٥

تحديد الاستصحاب........................................................... ٧

قاعدة اليقين والمقتضي والمانع................................................... ٧

أدلة الاستصحاب............................................................. ٩

الرواية الاولى............................................................... ١٠

الرواية الثانية................................................................ ١٢

اإشكال وجواب............................................................. ٢٢

تفصيل الكلام في فقرتي الاستدلال............................................ ٢٤

الفقرة الاولى................................................................ ٢٤

الجهة الاولى................................................................. ٢٤

الجهة الثانية................................................................. ٢٦

الجهة الثالثة................................................................. ٣٠

الجهة الرابعة................................................................ ٣١

٤٧٥

الفقرة الثانية................................................................ ٣٢

الرواية الثالثة................................................................ ٣٧

اعتراضات على الرواية الثالثة................................................. ٣٨

الاعتراض الأوّل............................................................. ٣٨

الاعتراض الثاني............................................................. ٣٩

ردود على الاعتراض الثاني................................................... ٤١

الردّ الأوّل.................................................................. ٤١

الرد الثاني.................................................................. ٤٣

الرد الثالث................................................................. ٤٦

حمل الرواية على قاعدة الاشتغال اليقيني........................................ ٤٨

الاعتراض الثالث............................................................ ٥٠

الرواية الرابعة............................................................... ٥٣

روايات اخرى.............................................................. ٥٤

مقامات خمسة............................................................... ٥٥

الاستصحاب................................................................ ٥٧

أصل أو امارة............................................................... ٥٧

الاستصحاب أصل أو امارة.................................................... ٥٩

عود إلى عرض المشكلة....................................................... ٦٣

وماذا يكون الاستصحاب بعد هذا............................................. ٦٤

كيفية الاستدلال بالاستصحاب............................................... ٦٦

٤٧٦

أركان الاستصحاب........................................................... ٧٣

أركان الاستصحاب......................................................... ٧٥

الركن الأول أو اليقين السابق................................................. ٧٧

جواب الميرزا................................................................ ٧٨

جواب الآخوند.............................................................. ٨٠

جواب جملة من المحقّقين...................................................... ٨٤

جواب السيد الشهيد......................................................... ٨٥

موارد العلاج............................................................... ٨٦

الصورة الاولى............................................................... ٨٧

الصورة الثانية............................................................... ٨٩

الصورة الثالثة............................................................... ٩٠

الصورة الرابعة.............................................................. ٩١

الخلاصة.................................................................... ٩٢

بعض الصور لا يجري فيها الاستصحاب البديل................................. ٩٣

الركن الثاني أو الشكّ في البقاء................................................ ٩٧

المورد الأوّل................................................................. ٩٧

المورد الثاني............................................................... ١٠١

صياغة جديدة للركن الثاني................................................. ١٠٦

الشبهات الحكمية في ضوء الركن الثاني....................................... ١١١

٤٧٧

الركن الثالث أو وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة............................. ١١٥

الإشكال في الشبهات الموضوعية............................................. ١١٦

الإشكال في الشبهات الحكمية............................................... ١١٨

الركن الرابع أو الأثر العملي................................................ ١٢٧

الصيغة الثالثة.............................................................. ١٢٧

الصيغة الثانية.............................................................. ١٢٨

الصيغة الاولى............................................................. ١٢٩

عود إلى الصيغة الثانية...................................................... ١٣٢

عود إلى الصيغة الثالثة...................................................... ١٣٥

الأصل المثبت............................................................... ١٤٣

مقدار ما يثبت بالاستصحاب............................................... ١٤٥

الآثار الشرعية............................................................. ١٤٩

الكلام على الإحتمال الأوّل................................................. ١٤٩

الكلام على الإحتمال الثاني................................................. ١٥١

الكلام على الاحتمال الثالث................................................ ١٥٤

عودة إلى الإحتمال الثاني.................................................... ١٥٤

الآثار غير الشرعية......................................................... ١٥٦

إتضح مما سبق............................................................. ١٥٨

استثناء مما تقدم............................................................ ١٥٨

٤٧٨

بناء على امارية الاستصحاب................................................ ١٥٩

تفصيل الشيخ الأعظم والنراقي............................................... ١٦٣

عموم جريان الاستصحاب.................................................. ١٦٥

القول الأوّل............................................................... ١٦٥

القول الثاني............................................................... ١٦٨

الجواب عن التفصييل المذكور............................................... ١٧١

الجواب عن مشكلة الشيخ العراقي........................................... ١٧٣

الجواب عن تفصيل السيد الخوئي............................................ ١٧٥

الاستصحاب التعليقي........................................................ ١٧٩

استصحاب الحكم المعلق :.................................................. ١٨١

تنبيه مهم................................................................. ١٨٣

الاعتراضات على الاستصحاب التعليقي...................................... ١٨٤

الاعتراض الأوّل........................................................... ١٨٤

جوابان عن الاعتراض الأوّل................................................ ١٨٥

الرد على الشيخ العراقي.................................................... ١٨٨

الجواب عن الاعتراض الأوّل................................................ ١٩٠

الاعتراض الثاني............................................................ ١٩١

جوابان عن الاعتراض الثاني................................................. ١٩٢

الاعتراض الثالث.......................................................... ١٩٤

٤٧٩

جوابان عن الاعتراض الثالث................................................ ١٩٥

استصحاب عدم النسخ...................................................... ٢٠٣

استصحاب عدم النسخ..................................................... ٢٠٥

الشكّ في نسخ الجعل على قسمين........................................... ٢٠٦

جوابان عن إشكال الاستصحاب............................................ ٢١٠

استصحاب الكلّي........................................................... ٢١٣

استصحاب الكلي.......................................................... ٢١٥

عودة إلى الكتاب.......................................................... ٢١٧

الكلام في جهتين........................................................... ٢١٨

الجهة الاولى............................................................... ٢١٨

الاشكال في باب الموضوعات................................................ ٢٢٠

إحتمالان في رأي الرجل الهمداني............................................ ٢٢٢

نسبة الأب إلى الأبناء المتعدّدين.............................................. ٢٢٢

عودة إلى الكتاب.......................................................... ٢٢٣

الفارق بين استصحاب الكلّي واستصحاب الفرد.............................. ٢٢٥

أقسام استصحاب الكلّي الثلاثة.............................................. ٢٢٩

القسم الأوّل من استصحاب الكلي.......................................... ٢٣١

الشكّ في بقاء الكلّي الناشئ من حدوث الفرد................................. ٢٣٢

القسم الثاني من استصحاب الكلي........................................... ٢٣٣

الاعتراض الأوّل........................................................... ٢٣٣

٤٨٠