الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-28-6
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٨٧

النهي ، والعرف متى ما واجه أمرا ونهيا متوجهين إلى شيء واحد حمل الأمر على الترخيص والنهي على الكراهة ـ فلو قيل صل صلاة الليل ولا تصل صلاة الليل فالعرف يحمل الأمر على الاستحباب والنهي على الترخيص في تركها ـ وفي مقامنا يحمل العرف أمر صل في المحمل على الترخيص في أداء الصلاة في المحمل والنهي على كراهة الصلاة في المحمل. وما دام الجمع العرفي بين الخبرين ممكنا في مقامنا فلعلّ تخيير الإمام عليه‌السلام في الأخذ بأحد الخبرين يختص بهذا المورد ـ أي بمورد التعارض غير المستقر الذي يمكن فيه الجمع العرفي ولا يعمّ موارد التعارض المستقر ـ وذلك باعتبار ان المكلف مرخص واقعا في المقام في أداء الصلاة في المحمل وعلى الأرض فلأجل هذا الترخيص الواقعي بين أداء الصلاة في المحمل وأدائها على الأرض خيّر الإمام عليه‌السلام في الأخذ بأحد الخبرين ، وواضح انّ هذا لا يستلزم التخيير بين الخبرين في الموارد التي لا يكون المكلّف فيها مرخّصا واقعا بين الفعل والترك كما هو الحال في موارد التعارض المستقر التي يكون فيها كل من الأمر والنهي إلزاميا.

الرواية الثانية

وفي الرواية الثانية يكتب الحميري إلى الإمام الحجّة ( صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيّبين الطاهرين ) عن المصلّي فيما إذا قام من التشهّد هل عليه أن يكبّر أو يكفيه أن يقول بحول الله وقوّته أقوم وأقعد فكتب عليه‌السلام : انّ في ذلك حديثين أحدهما يقول انّ المصلّي كلّما انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير وثانيهما يقول إذا جلس المصلّي من السجدة الثانية وأراد أن يقوم فليس عليه

٤٤١

تكبير. وبعد ذلك ذكرت الرواية : « وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ». ثم ذكر الإمام عليه‌السلام في آخر الرواية « وبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا » (١).

وفقرة الاستدلال واضحة ، وهي قوله : « وبأيّهما أخذت من جهة التسليم (٢) كان صوابا ». ولعلّ دلالة هذه الرواية على التخيير في الأخذ بأحد الخبرين أوضح من دلالة الرواية السابقة حيث ورد فيها « وبأيّهما أخذت ... » ، فإنّ التعبير بالأخذ قد يستشعر منه الأخذ في مقام الحجّية دون التخيير الواقعي بينهما في مقام العمل.

هذا ويمكن مناقشة الاستدلال بهذه الرواية بأنّ الاستدلال بها ليس بلحاظ كلام السائل ، إذ لم يفترض فيه ـ كلام السائل ـ وجود خبرين متعارضين وإنّما فرض ذلك في جواب الإمام عليه‌السلام ـ حيث قال ان في ذلك خبرين وبايهما اخذت من باب التسليم كان صوابا ـ ولكن التمسّك به ـ جواب الإمام عليه‌السلام ـ غير ممكن لامور ثلاثة : ـ

أ ـ انّ الإمام عليه‌السلام وإن حكم بالتخيير إلاّ أنّ المقصود من التخيير هو التخيير الواقعي لا الظاهري لنفس النكتة المتقدّمة في الرواية المتقدّمة سابقا ، فإنّ الواقعة ما دامت معينة فالسؤال عنها يكون ظاهرا في السؤال عن حكمها الواقعي وهكذا جواب الإمام عليه‌السلام ظاهر في بيان الحكم الواقعي إذ ذلك هو المناسب للإمام عليه‌السلام العارف بالأحكام الواقعية.

__________________

(١) الوسائل : كتاب الصلاة باب ١٣ من أبواب السجود ، حديث ٨.

(٢) أي من جهة التسليم والانصياع للحقّ.

٤٤٢

ب ـ انّ جواب الإمام عليه‌السلام اشتمل على جملة « وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ». وهذه الجملة هل هي من تتمّة الحديث الثاني المنقول عن الإمام الصادق عليه‌السلام أو هي تبرّع من الإمام الحجّة المنتظر عليه‌السلام؟ انّ في ذلك احتمالين.

فإن أخذ بالاحتمال الثاني (١) وقيل انّها تبرّع من الإمام الحجّة عليه‌السلام فلا يتحقّق تعارض بين الخبرين المنقولين عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، إذ الحميري سأل عن القيام بعد التشهّد هل يحتاج إلى تكبير أو لا ، وواضح انّ الحديث الأوّل المنقول عن الإمام الصادق عليه‌السلام يشمل بإطلاقه حالة القيام بعد التشهّد ويدلّ على أنّ المصلّي كلّما انتقل من حالة إلى اخرى بما في ذلك القيام بعد التشهّد فعليه التكبير ، بينما الحديث الثاني لا يدلّ على نفى التكبير حيث انّه ـ الحديث الثاني ـ يقول انّ المصلّي بعد السجدة الثانية إذا قام مباشرة (٢) فليس عليه تكبير ، وهذا لا يشمل القيام بعد التشهّد الذي ليس فيه قيام من السجدة الثانية مباشرة.

وإذا اتّضح انّ الحديث الأول يدل على ثبوت التكبير في القيام بعد التشهد بينما الحديث الثاني ساكت عن ذلك فلا يتحقّق تعارض بين الحديثين بالنسبة إلى القيام بعد التشهّد الذي هو مورد سؤال الحميري. وما دام التعارض غير متحقّق فلا معنى لحكم الإمام الحجّة عليه‌السلام بالتخيير بينهما ، إذ التخيير فرع التعارض وإذ لا تعارض لا تخيير.

ومن هنا نستكشف انّ الإمام الحجّة عليه‌السلام حينما حكم بالتخيير فليس مراده

__________________

(١) قدّمنا الاحتمال الثاني على الأوّل خلافا لما في الكتاب لكونه أوضح للطالب.

(٢) القيام مباشرة من السجدة الثانية يتحقّق في الركعة الاولى أو الثالثة من الرباعية.

٤٤٣

التخيير الظاهري الثابت بين الخبرين وإنّما مراده الإباحة التي هي عبارة عن التخيير الواقعي فكأنّه عليه‌السلام يريد أن يقول : يباح لك التكبير أخذا بالخبر الأوّل وعدم التكبير أخذا بالخبر الثاني وبأيّهما أخذت كان صوابا حيث انّ الإباحة تلتئم مع الأخذ بكل واحد من الحديثين. هذا كلّه على الاحتمال الثاني.

وإن أخذنا بالاحتمال الأوّل وقلنا بأنّ جملة « وكذلك التشهّد الأوّل ... » جزء من الحديث الثاني (١) فالتعارض بين الحديثين ثابت ، حيث انّ الأوّل يثبت التكبير في الانتقال من كل حالة بما في ذلك الانتقال إلى القيام بعد التشهّد بينما الثاني ينفي ذلك ، وما دام التعارض متحقّقا فحكم الإمام المنتظر عليه‌السلام بالتخيير وجيه من هذه الناحية ولكن لو نظرنا إلى الحديثين المنقولين عن الإمام الصادق عليه‌السلام وجدنا انّ التعارض وإن كان متحقّقا بينهما بيد انّه تعارض غير مستقر أي يوجد جمع عرفي بينهما ـ فإنّ الحديث الثاني أخصّ من الحديث الأوّل ، حيث إنّ الأوّل يثبت التكبير في الانتقال من كل حالة بينما الثاني ينفي التكبير في حالة معينة وهي حالة الانتقال من السجدة أو التشهّد إلى القيام فيجمع عرفا بينهما بتخصيص الأوّل بالثاني ويكون الثاني مقدّما من جهة التخصيص ، بل وهناك جهة اخرى لتقديمه وهي الحكومة ، فالحديث الثاني حاكم وناظر إلى

__________________

(١) ويشهد لهذا الاحتمال انّ الحميري ما دام قد سأل عن القيام بعد التشهّد فلا بدّ وأن يكون كلا الحديثين الذين ينقلهما الإمام الحجّة عليه‌السلام يرتبطان بذلك ولا معنى لأن يرتبط خصوص الحديث الأوّل بذلك دون الثاني ، بل انّ قول الإمام عليه‌السلام انّ في ذلك ـ أي في القيام بعد التشهّد الذي هو المورد ـ حديثين يدل على أن كلا الحديثين يرتبط بذلك لا خصوص الأوّل وإلاّ لما صدق انّ في ذلك حديثين.

٤٤٤

الأوّل ، نظير ما لو قيل أكرم كل عالم ثمّ قيل انّ الحكم بإكرام كل عالم لا يشمل العالم الفاسق فكما انّ هذا يتقدّم بالحكومة والنظر إلى دليل أكرم كل عالم كذاك حديث « انّ الانتقال من السجدة أو التشهّد ليس فيه تكبير » حاكم وناظر إلى دليل « التكبير ثابت في الانتقال من كل حالة لاخرى » ـ ونحن لا نحتمل انّ الإمام عليه‌السلام يحكم بالتخيير في موارد الجمع العرفي ، وكيف يحتمل أن يقال أنت مخيّر في العمل بالحاكم أو بالمحكوم بل لا إشكال في لزوم العمل بالحاكم وتقديمه على المحكوم ولا يحتمل التخيير بينهما.

إذن حكم الإمام المنتظر عليه‌السلام بالتخيير مع انّ أحدهما حاكم والآخر محكوم دليل واضح على أنّ التخيير لا يراد به التخيير الظاهري الثابت بين الخبرين بل التخيير الواقعي بمعنى الإباحة فكأنّه عليه‌السلام يريد أن يقول : يباح لك التكبير أخذا بالحديث الأوّل وعدمه أخذا بالحديث الثاني وبأيّهما أخذت كان صوابا.

ج ـ لو سلّمنا دلالة الرواية على انّ المراد من التخيير في كلام الإمام المنتظر عليه‌السلام هو التخيير بين الخبرين لا بمعنى الإباحة فنقول انّ الخبرين اللذين نقلهما عن جدّه الإمام الصادق ( صلوات الله عليهم أجمعين ) هما مقطوعا الصدور (١) ـ وإلاّ فلا يحتمل أن يكون الخبر الذي ينقله بنفسه عليه‌السلام مظنونا بالنسبة إليه بل انّ التعبير بالحديثين يدل على انّ نسبتهما إلى الإمام الصادق عليه‌السلام قطعية ـ ويحتمل انّ التخيير الذي حكم به عليه‌السلام يختص بخصوص الخبرين مقطوعي

__________________

(١) لا يقال كيف يكونان مقطوعي الصدور مع انّهما متعارضان.

فإنّه يقال : لا محذور في ذلك ما دامت دلالتهما ظنية وعلى مستوى الظهور لا قطعية.

٤٤٥

الصدور من جهة مزيد الاهتمام بهما ولا يعمّ الخبرين مظنوني الصدور بل الحكم فيهما هو التساقط لعدم مزيد الاهتمام بهما.

وبالجملة انّ محل كلامنا هو في مطلق الخبرين المتعارضين بما في ذلك المظنونان ولا يختص بالمقطوعين بل انّ صورة الظنّ بالصدور هي الصورة المهمّة والشايعة عادة.

الرواية الثالثة

والرواية الثالثة مرسلة الحسن بن الجهم عن الإمام الرضا عليه‌السلام : « قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيّهما الحقّ قال : فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيّهما أخذت » (١).

وهذه الرواية أحسن حالا من الرواية السابقة لعدم ورود أي واحد من الإشكالات الثلاثة السابقة عليها ، فإنّ الواقعة لم يفرض كونها واقعة جزئية معيّنة حتى يكون ظاهر السؤال والجواب النظر إلى حكمها الواقعي ، وبذلك لا يرد الإشكال الأوّل ، كما وانّه لم يفترض حكومة أحد الحديثين على الآخر حتى لا يحتمل ثبوت التخيير بينهما ، وبهذا لا يرد الإشكال الثاني ، كما وانّه لم يفترض انّ الحديثين قطعيان فلا يرد الإشكال الثالث.

إذن هذه الرواية أحسن الروايات دلالة على التخيير المطلوب ، وهو التخيير في الأخذ بأحد الخبرين إلاّ أنّها مع الأسف ضعيفة بالإرسال ، فإنّ

__________________

(١) الوسائل : كتاب القضاء باب ٩ من أبواب صفات القاضي حديث ٤٠.

٤٤٦

الطبرسي نقلها في الاحتجاج عن الحسن بن الجهم بدون ذكر السند.

قوله ص ٣٩٠ س ١٣ : ومن الواضح الخ : أي ولكن يردّ هذا الاحتمال ، أي احتمال ثبوت الحجّية للجامع بنحو صرف الوجود.

قوله ص ٣٩١ س ٢ : في الحالة المذكورة : أي المشار لها في السطر الأوّل بقوله : « في حالة ترك الالتزام بشيء منهما ».

قوله ص ٣٩٢ س ٥ : من قبله : أي من قبل السائل.

قوله ص ٣٩٢ س ٥ : على الحكم الخ : أي الحكم بجواز الصلاة في المحمل الذي تعارض فيه الخبر الأوّل والثاني المنقولان عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، فالسؤال إذن سؤال عن واقعة معينة فرض فيها اختلاف الخبرين.

ومن هنا يتّضح انّ الألف واللام في كلمة « الخبران » للعهد والإشارة إلى الخبرين المنقولين عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

قوله ص ٣٩٢ س ١٣ : فيما إذا الخ : متعلّق بقوله « المناسب ».

قوله ص ٣٩٣ س ١ : بحمل : متعلّق بقوله جمع عرفي.

قوله ص ٣٩٣ س ٤ : بالمعنى المدعى : وهو التخيير بين خبرين متعارضين تعارضا مستقرا.

قوله ص ٣٩٥ س ٣ : وعدم استحكام الخ : الواو استينافية. وكلمة « عدم » مبتدأ خبرها « أمر واضح ».

٤٤٧
٤٤٨

روايات الترجيح

قوله ص ٣٩٦ س ١١ : المجموعة الثانية الخ : كان الكلام فيما سبق في استعراض روايات التخيير. والآن يقع الكلام في روايات الترجيح. وهي على أنحاء ثلاثة : ـ

أ ـ ما دلّ على لزوم الترجيح بمرجّحات ترتبط بصفات الراوي ، كالترجيح بالأوثقية والأفقهية ونحوهما ، فإنّ هذه الصفات صفات للراوي ، فالراوي تارة يكون أوثق وأفقه واخرى غير أوثق ولا أفقه.

ب ـ ما دل على لزوم الترجيح بمرجّحات ترتبط بنفس الرواية ، كالترجيح بالشهرة ، فإنّ الشهرة صفة للرواية حيث يقال انّ الرواية مشهورة أو غير مشهورة.

ج ـ ما دلّ على لزوم الترجيح بمرجّحات ترتبط بمضمون الرواية ، كالترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ، فإنّ الموافقة والمخالفة صفتان لمضمون الرواية ، فإنّ مضمون الرواية تارة يكون موافقا أو مخالفا للكتاب أو للعامة.

وبعد اتضاح هذا نأخذ باستعراض ثلاث روايات تدل على لزوم الترجيح

الرواية الاولى

وهي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « إذا ورد

٤٤٩

عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه » (١). والرواية المذكورة تشتمل على مرجّحين هما موافقة الكتاب ومخالفة العامة. وقد تقدّم في الحلقة الثانية ص ٤٦٥ الحديث عن هذه الرواية واتّضح انّها تامّة الدلالة على المرجحين المذكورين.

الرواية الثانية

وهي رواية عمر بن حنظلة (٢). والرواية المذكورة طويلة المتن واسعة المضمون إلاّ أنّ عمر بن حنظلة ـ مع الأسف ـ لم تثبت وثاقته ولكن الذي يهوّن الخطب انّ الأصحاب تلقّوا الرواية المذكورة بالقبول الحسن ، ومن هنا اصطلح عليها بالمقبولة فقيل مقبولة عمر بن حنظلة.

ونسجّل من الرواية المذكورة خمس فقرات ترتبط بمحلّ البحث : ـ

١ ـ سأل ابن حنظلة الإمام الصادق عليه‌السلام عن رجلين وقع بينهما نزاع في دين أو ميراث هل يمكن التحاكم إلى قضاة الجور؟ فأجابه عليه‌السلام بالرفض فسأله إذن لمن نتحاكم؟ فقال عليه‌السلام : إلى رجل من الشيعة روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا.

٢ ـ قال : فإن اختار أحدهما حاكما وثانيهما حاكما آخر واختلف الحاكمان في

__________________

(١) الوسائل : كتاب القضاء باب ٩ من أبواب صفات القاضي حديث ٢٩.

(٢) اصول الكافي : ج ١ ، ص ٦٧ ، حديث ١٠.

٤٥٠

الحكم بسبب استناد كل منهما إلى حديث من أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام؟ فقال عليه‌السلام : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما ...

٣ ـ فقال ابن حنظلة انّهما متساويان من ناحية الصفات المذكورة ، فأجاب عليه‌السلام : ينظر إلى الرواية التي يستند إليها كل واحد من الحكام فيؤخذ بالرواية المشهورة وتترك الرواية الشاذّة النادرة.

٤ ـ قال ابن حنظلة : انّ الروايتين متساويتان من حيث الشهرة فأجاب عليه‌السلام : يؤخذ بالرواية الموافقة للكتاب والمخالفة للعامة.

٥ ـ فقال ابن حنظلة : انّ حكّام العامة يوافقون كلتا الروايتين ، فأجاب عليه‌السلام : « ارجئه حتى تلقى امامك ».

والرواية المذكورة تختلف عن الرواية الاولى من حيث عدد المرجّحات ، فبينما كانت الاولى تذكر مرجّحين هما : موافقة الكتاب ومخالفة العامة نجد هذه الرواية تذكر قبل هذين المرجّحين مرجّحين آخرين هما : ـ

أ ـ الترجيح بصفات الراوي كالأوثقية والأفقهية.

ب ـ الترجيح بالشهرة ، فالرواية المشهورة هي المقدّمة.

ومن هنا قد يقال بحصول المعارضة بين هذه الرواية والرواية الاولى ، فالاولى تدل على انّ عدد المرجّحات اثنان والثانية تدل أنّها أربعة ، اذن روايات العلاج بينما كانت تريد علاج التعارض بين الروايات أصبحت هي مبتلاة بالتعارض فهي أشبه بالطبيب الذي يداوي الناس وهو عليل.

هذا ولكن يمكن أن يقال انّ دلالة الرواية الثانية إن تمّت على هذين المرجّحين الجديدين ـ بأن دفع ما يأتي من الإشكالين الموجّهين إلى هذين

٤٥١

المرجّحين ـ فبإمكانها أن تتقدّم على الرواية الاولى بالتقييد ، فإنّ الرواية الاولى مطلقة حيث تدل على أنّ المدار على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة فالموافق والمخالف هو المقدّم سواء فرض انّه يوجد قبل ذلك مرجّح آخر أو لا ، وهذا الإطلاق يقيّد بالرواية الثانية ، بأن يقال انّ الموافق للكتاب والمخالف للعامة هو المقدّم فيما إذا لم يكن الخبر الآخر مشتملا على الشهرة أو الأوثقية.

اعتراضان على الترجيح بالشهرة وصفات الراوي

هذا وقد يعترض على هذين المرجّحين ، أي الترجيح بالشهرة وصفات الراوي باعتراضين : ـ

١ ـ انّ مقبولة ابن حنظلة وإن دلّت على الترجيح بصفات الراوي والشهرة إلاّ أنّها بقرينة الفقرة الخامسة التي تقول : « ارجئه حتى تلقى امامك » تختص بزمان حضور الإمام عليه‌السلام ولا تعم زماننا هذا الذي هو زمان الغيبة ، وواضح انّ المهم هو زمان الغيبة لانه محل ابتلائنا.

ويمكن دفع هذا الاعتراض بوجهين : ـ

أ ـ انّ اختصاص الفقرة الأخيرة بزمان الحضور لا يشكّل بمجرّده قرينة على اختصاص الفقرات السابقة بذلك ولا يوجب تقييد إطلاقها ـ الشامل لزمان الغيبة والحضور ـ بخصوص زمان الحضور.

ب ـ انّ الترجيح بالأوثقية لا يحتمل اختصاصه بزمان الحضور فإنّ الأوثقية إنّما توجب الترجيح من باب أنّها تستلزم قوّة صحّة حكم الحاكم ، وواضح انّ هذه القوّة كما هي ثابتة في زمان الحضور ثابتة في زمان الغيبة ايضا. وهكذا الشهرة إنّما توجب الترجيح من باب أنّها تستلزم قوّة صحّة الرواية وذلك

٤٥٢

لا يختص بعصر الحضور. هذا كلّه في الاعتراض الأوّل (١).

٢ ـ انّ الترجيح بالصفات وبالشهرة ليسا من مرجّحات الراوي والرواية وإنّما هما من مرجّحات الحكم والحاكم فالإمام عليه‌السلام ذكرهما من باب انّهما مرجّحان لحكم الحاكم الأول على حكم الحاكم الثاني أو بالعكس ولم يذكرهما كمرجّحين لهذه الرواية على تلك. وواضح انّ كلامنا إنّما هو في مرجّحات إحدى الروايتين على الاخرى لا في مرجّحات حكم هذا الحاكم على الآخر.

ويمكن الجواب بأنّ الاعتراض المذكور وجيه بالنسبة إلى صفات الراوي وليس وجيها بالنسبة إلى الشهرة ، أي انّا نسلّم انّ صفات الراوي هي من مرجّحات الحكم والحاكم لا الراوي والرواية ولا نسلّم ذلك بالنسبة إلى الشهرة بل ندّعي انّ الشهرة ذكرها الإمام عليه‌السلام كمرجّح للراوي والرواية لا للحكم والحاكم. إذن لنا دعويان : ـ

أ ـ وجاهة الاعتراض الثاني بالنسبة إلى صفات الراوي كالأوثقية والأعدلية.

ب ـ عدم وجاهته بالنسبة إلى الشهرة.

الدعوى الاولى

امّا وجاهة الاعتراض الثاني بالنسبة إلى صفات الراوي فذلك باعتبار

__________________

(١) الظاهر انّ هذا الاعتراض لا يختصّ بخصوص هذين المرجّحين ـ أي الصفات والشهرة ـ بل يعمّ المرجّحين الآخرين وهما الموافقة للكتاب والمخالفة للعامة.

اللهمّ إلاّ أن يقال انّ الموافقة للكتاب والمخالفة للعامة حيث وردتا في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله وهي مطلقة من حيث زمان الحضور والغيبة لذا لا إشكال فيهما من هذه الناحية.

٤٥٣

بيانين : ـ

أ ـ انّ الإمام عليه‌السلام أضاف الصفات إلى الحاكم دون الراوي حيث قال : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما ... » ، فانظر إلى كلمة الحكم وإلى ضمير أعدلهما وأفقههما الراجع إلى الحاكمين دون الراويين.

ب ـ انّ الأعدلية والأوثقية لو كانتا من مرجّحات الراوي والرواية دون الحكم والحاكم فمن المناسب تطبيق الإمام عليه‌السلام لهما ـ الأعدلية والأوثقية ـ على جميع الوسائط في سلسلة السند ولا أقل على خصوص الراوي المباشر عن الإمام عليه‌السلام ، فلو كان الراوي المباشر عن الإمام عليه‌السلام في الرواية الاولى زرارة وفي الثانية محمّد بن مسلم فمن المناسب ملاحظة الأعدلية والأوثقية في زرارة ومحمّد ابن مسلم أو ملاحظتهما في جميع الوسائط بينما نرى انّ الإمام لاحظهما في أوّل سلسلة السند ، أي في هذا الحاكم وذاك الحاكم.

واحتمال انّ الإمام عليه‌السلام طبّق ذلك على الحاكمين من باب أنّهما راويان مباشران عن الإمام عليه‌السلام ضعيف إذ لم يفرض فيهما ذلك ، أي انّهما راويان مباشران. ولئن كانا راويين فهما راويان غير مباشرين ، والمناسب حينئذ تطبيقهما على جميع الوسائط أو خصوص الراويين المباشرين كما هو ـ أي تطبيقهما على خصوص الراويين المباشرين ـ عمل المشهور ومقتضى القاعدة.

أمّا انّ عمل المشهور جار على ذلك ـ أي تطبيق الأوثقية والأعدلية على خصوص الراويين المباشرين كزرارة ومحمّد بن مسلم ـ فواضح فانّهم يقولون هذه الرواية مقدّمة على تلك لأنّ الراوي لها أعدل أو أوثق ويقصدون من الراوي لها مثل زرارة ومحمّد بن مسلم الذي هو راو مباشر.

٤٥٤

وأمّا انّ ذلك تقتضيه القاعدة ـ أي انّ القاعدة تقتضي ملاحظة الأعدلية والأوثقية في خصوص الراوي المباشر دون جميع الوسائط ـ فباعتبار انّ المعارضة ثابتة بين زرارة ومحمّد بن مسلم ، فلو كان زرارة ينقل عن الإمام عليه‌السلام وجوب الجمعة ومحمّد بن مسلم ينقل حرمتها فالمعارضة ثابتة بين نقليهما ، فإنّ صلاة الجمعة موضوع واحد وأحدهما ينقل حرمته والآخر وجوبه ، وما دامت المعارضة ثابتة بين نقليهما فمن المناسب ملاحظة انّ أيّهما أعدل أو أفقه ، وبقية الوسائط لا معارضة بينها ليلاحظ انّ أيهّما أعدل أو أوثق ، فإنّ الناقل عن زرارة لا ينقل وجوب الجمعة بل ينقل انّي سمعت زرارة ، وهكذا الناقل عن محمّد بن مسلم لا ينقل حرمة الجمعة بل ينقل انّي سمعت محمّد بن مسلم ، أي انّ موضوع نقليهما ليس شيئا واحدا ليتحقق التعارض بينهما وبالتالي لتطبق الأعدلية والأوثقية عليهما بل موضوع نقل هذا مغاير لموضوع نقل ذاك.

وإن شئت قلت في تبيان وجه عدم المعارضة بين نقليهما ـ أي نقل الناقل عن زرارة ونقل الناقل عن محمّد بن مسلم ـ انّ نقل الناقل عن زرارة ـ لو كان زرارة هو الأعدل ـ حاكم ومقدّم على نقل الناقل عن محمّد بن مسلم ، ومع حكومة أحد النقلين على الآخر فلا معارضة بينهما لتلاحظ الأوثقية والأعدلية.

والوجه في حكومة نقل الناقل عن زرارة : انّ الناقل عن زرارة حينما يقول حدثني زرارة فهو كأنّه يقول حدّثني الأعدل الذي بثبوت نقله لا يكون نقل الناقل عن محمّد بن مسلم حجّة لأنّ محمّد بن مسلم حسب الفرض مفضول وليس أفضل ، والمفروض أيضا انّ حجّية نقل المفضول مشروطة بعدم المعارضة بنقل الأفضل ، وإذا كان زرارة هو الأفضل والأعدل فالناقل عنه حينما يقول

٤٥٥

حدّثني زرارة فهو كأنّه يقول حدثني الأفضل وبالتالي كأنّه يقول انّ شرط حجّية نقل محمّد بن مسلم مختل لأنّ شرط حجّية نقله عدم المعارضة بنقل الأفضل ـ وهو زرارة ـ والمفروض ثبوته.

والخلاصة : انّ القاعدة تقتضي ملاحظة الأوثقية والأعدلية في الراويين المباشرين عن الإمام عليه‌السلام دون بقية الوسائط فإنّ نقل الناقل عن زرارة بعد كونه حاكما على نقل الناقل عن محمّد بن مسلم فلا معارضة بينهما لتلاحظ أوثقية وأعدلية أحدهما (١).

الدعوى الثانية

وأمّا عدم وجاهة الاعتراض الثاني بالنسبة إلى الشهرة فلأنّ الإمام عليه‌السلام وإن كان في بداية الرواية وجّه نظره إلى مرجّحات الحاكم والحكم إلاّ انّه من الفقرة الثالثة ـ التي ذكر فيها الشهرة ـ قطع نظره عن مرجّحات الحكم والحاكم وأخذ ينظر إلى مرجّحات الراوي والرواية فلاحظ تعبير الفقرة الثالثة حيث يقول عليه‌السلام : « ينظر إلى ما كان من روايتهما ... المجمع عليه بين أصحابك ... » أي ينظر إلى الرواية المجمع عليها (٢) فيؤخذ بها وتترك الرواية غير المشهورة.

إشكال على الترجيح بالشهرة

هذا ولكن الشهرة وإن كانت من مرجّحات الرواية لا الحكم والحاكم للبيان

__________________

(١) لا يخفى انّ عبارة الكتاب في هذا المقام غامضة جدا وقاصرة عن أداء المطلب.

(٢) المقصود من المجمع عليه هو المشهور كما يتجلّى ذلك من خلال ملاحظة بقية عبائر المقبولة.

٤٥٦

المتقدّم إلاّ أنّه مع ذلك لا يمكن عدّها من المرجّحات ، إذ إنّ كلامنا في مرجّحات إحدى الحجّتين على الحجّة الاخرى لا في مسقطات إحدى الروايتين عن الحجّية.

توضيح ذلك : انّ الرواية إذا كانت مشهورة وينقلها كثير من الرواة فذلك ممّا يوجب الاطمئنان بصدورها بل القطع وبذلك تسقط الرواية الاخرى غير المشهورة عن الحجّية ، فإنّ شرط حجّية الرواية فيما إذا كانت ظنيّة الصدور عدم معارضتها بنقل نص قطعي الصدور فيما إذا كانت المعارضة مستقرة ـ كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك ص ٣٨١ ـ ٣٨٩ من الحلقة تحت عنوان روايات العرض على الكتاب.

إذن الشهرة وإن كانت من مرجّحات الرواية إلاّ أنّها ليست من مرجّحات حجّة على حجّة بل موجبة لسقوط الرواية غير المشهورة عن الحجّية ، وكلامنا في المرجّح دون المسقط.

أجل لو فرض انّ الشهرة لم تكن بمعنى اشتهار نقل الرواية بل بمعنى اشتهار الفتوى على طبقها بين العلماء فهي لا توجب الاطمئنان أو القطع بصدور الرواية ، ولكن الظاهر انّ المقصود من الشهرة هو شهرة الرواية من حيث نقلها لا شهرة العمل بها لأنّ الشهرة لم تنسب في المقبولة إلى العمل بل إلى نفس الرواية.

إن قلت : انّ الشهرة إذا كانت موجبة للقطع بصدور الرواية فمن المناسب ذكرها في المقبولة أوّل المرجّحات والحال انّ الإمام عليه‌السلام عدّ أوّل المرجّحات صفات الراوي وهي الأعدلية وأخواتها وعدّ ثاني المرجّحات الشهرة ، وهذا ليس مناسبا لأنّ اعمال الإمام عليه‌السلام للترجيح بصفات الراوي في المرحلة الاولى يدلّ على أنّه عليه‌السلام قد فرض كلتا الروايتين حجّة وأراد ترجيح إحداهما على الاخرى بالأوثقية وأخواتها ، ومن الواضح انّ هذا ـ أي فرض كلتا الروايتين

٤٥٧

حجّة ـ يتنافى وكون إحدى الروايتين مشهورة والاخرى غير مشهورة بناء على كون الشهرة من موجبات سقوط الرواية غير المشهورة عن الحجّية.

قلت : صحيح انّ المناسب ذكر الشهرة في بداية المرجّحات والإمام عليه‌السلام قد فعل ذلك أيضا أي أنّه ذكر الشهرة أوّل المرجّحات. ووجه ذلك واضح فإنّ مرجّحات الرواية ابتدأ بها الإمام عليه‌السلام من الفقرة الثالثة التي تشتمل على الشهرة ، وأمّا صفات الراوي التي ذكرها قبل ذلك فلم يذكرها من باب مرجّحات الرواية بل من باب أنّها مرجّحة لأحد الحاكمين على الآخر فكأنّ الإمام عليه‌السلام يريد أن يقول انّه عند تعارض الحاكمين لا بدّ من ترجيح الأوثق والأعدل ، وعند التساوي من هذه الناحية لا بدّ من إعمال المرجّحات بين الروايات وأوّلها الشهرة.

النتيجة المقبولة

ومن خلال كل هذا يتّضح انّ المرجّحين الإضافيين اللذين تشتمل عليهما المقبولة ، وهما الترجيح بالصفات والترجيح بالشهرة لا يمكن عدّهما من المرجّحات.

أمّا الترجيح بالصفات فباعتبار أنّه من مرجّحات الحاكم دون الرواية.

وأمّا الشهرة فباعتبار أنّها من مسقطات الرواية غير المشهورة عن الحجّية وليست من مرجّحات حجّة على حجّة.

الرواية الثالثة

والرواية الثالثة من الروايات الدالة على المرجّحات رواية زرارة التي نقلها

٤٥٨

ابن أبي جمهور الاحسائي في كتابه غوالي اللئالي عن العلاّمة الحلّي قدس‌سره (١) ، والعلاّمة بدوره رفعها إلى زرارة من دون ذكر السند ، ومن هنا سمّيت الرواية المذكورة بمرفوعة زرارة.

والرواية هذه تشتمل على خمس فقرات هي : ـ

١ ـ يأتي عنكم الخبران المتعارضان. فقال عليه‌السلام : خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر.

٢ ـ فقال زرارة هما متساويان من هذه الناحية. فقال عليه‌السلام : خذ بالأعدل والأوثق.

٣ ـ فقال هما متساويان من هذا الجانب. فقال عليه‌السلام : خذ بما خالف العامة.

٤ ـ فقال هما متساويان : فقال عليه‌السلام : خذ بالخبر الموافق منهما للاحتياط.

٥ ـ فقال هما متساويان. فقال عليه‌السلام : إذن فتخيّر أحدهما.

ومن خلال هذا يتّضح انّ عدد المرجّحات المذكورة في هذه الرواية أربعة وهي بالترتيب التالي : الشهرة ، صفات الراوي ، مخالفة العامة ، موافقة الاحتياط. وفي حالة التساوي من جهة جميع هذه المرجّحات حكم عليه‌السلام بالتخيير.

وقد يعترض على هذه الرواية بنفس الاعتراض المذكور في المقبولة فيقال انّها ذكرت أوّل المرجّحات الشهرة والحال أنّها ليست من المرجّحات إذ إحدى الروايتين إذا كانت مشهورة في مقام النقل فالاخرى التي هي غير مشهورة تسقط عن الحجّية ، لأنّ شرط حجّية الرواية ذات السند الظني عدم معارضتها

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة الجزء الأوّل أبواب المقدّمات ص ٦٢.

٤٥٩

بنص قطعي الصدور ـ فيما إذا كانت المعارضة مستقرة ـ كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك تحت عنوان روايات العرض على الكتاب. وعليه فالشهرة ليست من المرجّحات بل من مسقطات الرواية غير المشهورة عن الحجّية.

ويردّه : انّ الشهرة في هذه الرواية لا نفسّرها بشهرة النقل الموجبة للقطع بالصدور بل بشهرة العمل على طبق الرواية ، وواضح انّ شهرة العمل على طبق الرواية لا توجب القطع بالصدور.

وممّا يدل على أنّ المقصود من الشهرة هو شهرة العمل لا شهرة النقل انّ زرارة فرض بعد ذلك إنّ كلتا الروايتين مشهورة وأيضا الإمام عليه‌السلام أخذ بإعمال المرجّحات الاخرى بعد افتراض زرارة شهرتهما معا ، وواضح انّ الشهرة إذا كانت شهرة في النقل وموجبة للقطع بالرواية فكيف فرض زرارة كلتا الروايتين قطعية!! انّ هذا معناه القطع بالمتنافيين وهو مستحيل (١).

وأيضا مع فرض كون كلتا الروايتين قطعية لا معنى لإعمال الترجيح بالأوثقية وأخواتها من صفات الراوي ، فإنّ الأوثقية إنّما عدّت من المرجّحات لأنّها توجب قوة احتمال صدور الرواية ، ومع افتراض القطع بصدور الرواية لا يكون احتمال الصدور ضعيفا ليحاول تقويته بالأوثقية.

هذا ولكن الذي يهوّن الخطب انّ الرواية المذكورة ضعيفة السند ، إذ سند العلاّمة إلى زرارة غير معلوم. وقد طعن في هذه الرواية (٢) الشيخ يوسف

__________________

(١) يمكن أن يقال انّ القطع بصدور الروايتين لا يستلزم القطع بتحقّق المتنافيين لاحتمال كون الدلالة ظنّية ، ولعلّه من أجل هذا لم يشر في عبارة الكتاب إلى لزوم المحذور المذكور

(٢) كما نقل ذلك الشيخ الأعظم في رسائله

٤٦٠