الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-28-6
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٨٧

يمكن الاستدلال به على نفي حجّية الخبر الواحد ، إذ ذلك دور واضح.

ب ـ انّ خبر ابن أبي يعفور مخالف للقرآن الكريم وليس عليه شاهد منه ـ إذ القرآن الكريم يقول في مفهوم آية النبأ انّ خبر العادل حجّة ـ بل الشاهد منه على العكس فيلزم أن لا يكون حجّة لأنّه بنفسه يقول انّ ما ليس عليه شاهد فالذي جاء به اولى به ، وحيث انه ليس عليه شاهد بل الشاهد على العكس فيلزم من قبول مضمونه سلب الحجّية عنه ، أي يلزم من حجّيته عدم حجّيته (١).

المجموعة الثالثة

ما ورد بلسان نفي الحجّية عن الخبر فيما إذا كان مخالفا للكتاب ، فقد ورد في رواية جميل : « الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة ، انّ على كل حقّ حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه » (٢).

وهذه المجموعة لها السمات التالية : ـ

أ ـ انّها لا تسلب الحجّية عن الخبر بجميع حصصه كما هو الحال في المجموعة الثانية بل هي كالمجموعة الاولى تنفي الحجّية عن حصة واحدة من الخبر وهي

__________________

(١) كما ويمكن الايراد على هذه المجموعة مضافا إلى ما تقدّم بأنّ مضمونها لا يمكن قبوله ، إذ لازمه عدم حجّية الأخبار التي لا يوجد لها مضمون في القرآن الكريم ولا يصدق ان عليها شاهدا من كتاب الله ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به ، وكيف يلتزم بعدم حجّية الخبر الدالّ على انّ صلاة الصبح ركعتان أو انّ الشكّ في الثنائية مبطل أو انّ الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجّسه شيء أو ..

(٢) الوسائل : ج ١٨ أبواب صفات القاضي باب ٩ حديث ٣٥.

٤٢١

الخبر المخالف للقرآن الكريم.

ب ـ انّ ذكر القرآن الكريم ليس لخصوصية فيه وإنّما ذلك من باب انّه مصداق للدليل القطعي ، وعليه فالمدار في سلب الحجّية عن الخبر هو مخالفته للدليل القطعي سواء كان ـ الدليل القطعي ـ هو القرآن الكريم أم السنّة النبوية الشريفة المتواترة.

ج ـ انّ المراد في المجموعة الاولى من الخبر المخالف هو خصوص المخالف للقرآن الكريم بنحو المباينة الكلية بقرينة استنكار الأئمّة عليهم‌السلام وتحاشيهم من نسبة الخبر المخالف لهم وإلاّ فالمخالف بالعموم من وجه لا وجه للتحاشي عنه. هذا في المجموعة الاولى ، وأمّا هذه المجموعة فحيث لا تشتمل على لسان التحاشي بل على لسان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة فلا وجه لحمل المخالف فيها على خصوص المباين الكلي بل يشمل المخالف بنحو العموم من وجه أيضا.

اعتراضان

وقد اعترض على هذه المجموعة باعتراضين : ـ

الأوّل

انّ هذه المجموعة لا تسلب الحجّية عن خصوص الخبر المخالف للقرآن الكريم بل عن مطلق الامارة المخالفة سواء كانت خبرا أم غيره فانّ لسانها لم يذكر فيه لفظ الخبر بل قيل : « فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه ». وعليه فتكون النسبة بين هذه المجموعة ودليل حجّية الخبر هي العموم من وجه ـ حيث انّ هذه المجموعة تسلب الحجّية عن مطلق الامارة المخالفة أعم

٤٢٢

من أن تكون خبرا أو غيره ، ودليل حجّية الخبر يثبت الحجّية لمطلق الخبر أعم من أن يكون مخالفا للكتاب أو موافقا ، ومادة الاجتماع التي يتعارضان فيها هي الخبر المخالف الذي هو محل بحثنا ـ لا العموم والخصوص المطلق كي تخصص هذه المجموعة دليل حجّية الخبر بخصوص الخبر غير المخالف.

ويمكن الجواب عن هذا الاعتراض بما يلي : ـ

أ ـ انّ هذه المجموعة وإن كانت نسبتها إلى دليل حجّية الخبر نسبة العموم والخصوص من وجه إلاّ أنّها تقدّم عليه من باب الحكومة والنظر فانّها فرضت الفراغ عن حجّية الخبر في الجملة وتنظر إلى الحجّية الثابتة في الجملة وتحدّدها بخصوص الخبر الموافق ، فهي نظير دليل لا تصل فيما لا يؤكل لحمه الناظر الى دليل وجوب الصلاة لبيان مانعية لبس ما لا يؤكل لحمه من صحة الصلاة وانّ مطلق الصلاة ليس مصداقا للواجب بل خصوص الصلاة التي لا تشتمل على لبس ما لا يؤكل لحمه.

ب ـ لو سلّمنا عدم حكومة هذه المجموعة على دليل حجّية الخبر فنقول انّ النسبة بين هذه المجموعة ودليل حجّية الخبر وإن كانت هي العموم من وجه ويتعارضان في مادة الاجتماع وهي الخبر المخالف للكتاب إلاّ أنّنا ندّعي انّه لا بدّ في مادة الاجتماع من ترجيح المجموعة والحكم بعدم حجّية الخبر.

والوجه في ذلك : انّ الخبر هو الفرد البارز والمتيقن من الامارات التي قيل عنها « فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف فدعوه ». فلو لم نرجّح في مادة الاجتماع المجموعة وجعلناها ـ المجموعة ـ مختصة بغير الخبر بحيث يكون المقصود من قوله عليه‌السلام : « فما وافق كتاب الله ... » انّ غير الخبر من الامارات إذا

٤٢٣

وافق كتاب الله ... فاللازم من ذلك إخراج الفرد البارز والمتيقن عن المجموعة وجعلها مختصة بالفرد الذي ليس ببارز ولا متيقن وهو بعيد بل مستهجن ، وهذا بخلاف ما لو اخرجنا مادة الاجتماع من دليل حجّية الخبر فإنّه لا يلزم اختصاصه بالفرد غير البارز بل يبقى شاملا لفرد بارز وهو الخبر الموافق للكتاب.

الثاني

انّ هذه المجموعة حيث انّها تسلب الحجّية عن الخبر المخالف فمقتضى إطلاقها عدم حجّية المخالف بجميع أقسامه بما في ذلك المخصص والمقيد والحاكم ولا تختص بالمباين الكلي والأعم من وجه ، وهذا ما لا يمكن الالتزام به ، فإنّه لا إشكال في قبول الأخبار المخصّصة أو المقيّدة للقرآن الكريم ، كيف لا!! ويلزم بقاء العمومات القرآنية على عمومها ، وهذا ما لا نحتمله أبدا.

وقد أجاب الأعلام عن هذا الاعتراض بوجهين : ـ

أ ـ انّ المخصص والمقيّد والحاكم لا يصدق عليه عنوان المخالف (١) حتّى يكون مشمولا للمجموعة الثالثة التي تسلب الحجّية عن المخالف فإنّ المخصص وأخويه قرينة على المراد من العام والمطلق والمحكوم ، والقرينة لا يصدق عليها انّها مخالفة لذي القرينة.

ب ـ انّا نجزم بصدور أخبار مخصّصة أو مقيّدة أو حاكمة على العمومات القرآنية جزما إذ لم يترك أهل البيت ( صلوات الله عليهم ) دليلا قرآنيا بلا تخصيص

__________________

(١) أي عرفا. وليس المراد عدم صدق عنوان المخالف عليها عقلا ودقة ليرد ما يأتي بعد قليل من صدقه عليها.

٤٢٤

أو تقييد أو حاكم ، وهذا بنفسه يصلح أن يكون قرينة على أنّ المراد من المخالف الذي سلبت عنه الحجّية هو المخالف بنحو التباين أو الأعم من وجه وإلاّ فكيف صدر منهم عليهم‌السلام المخصص والمقيّد والحاكم.

وإذا لم يصلح هذا قرينة على ما نقول فلا أقل من أن يقال هكذا : انّا نجزم بأنّ عمومات القرآن الكريم لم تبق بأجمعها على عمومها بل بعضها خصّص وإن كنّا لا نعرف العام المخصّص على سبيل التفصيل بل على سبيل الإجمال (١). وبعد العلم بتخصيص بعضها يسقط عموم كل واحد منها عن الحجّية فإنّ أصالة العموم في الأوّل معارضة بأصالة العموم في الثاني ـ وهذا نظير ما لو كان لدينا أواني عشرة علمنا بطروّ النجاسة على واحد منها فإنّ أصالة الطهارة لا يمكن جريانها في أي إناء من الأواني لمعارضتها بجريانها في البقية ـ وبسقوطها عن الحجّية لا يصدق حينئذ على الأخبار المخصّصة عنوان المخالف ، إذ بعد فرض سقوط الأدلة القرآنية عن الحجّية فهي مخالفة إذن لأي شيء؟ وإذا لم يصدق على الأخبار المخصصة عنوان المخالف فتكون باقية على الحجّية.

مناقشة الوجهين

ويمكن مناقشة الوجهين المذكورين بما حاصله : انّ في المراد من عنوان المخالفة في المجموعة الثالثة ثلاثة احتمالات : ـ

__________________

(١) دعوى طرو التخصيص على بعض عمومات القرآن قضية واضحة لكل مسلم فإنّ كل مسلم يعرف ان عمومات القرآن لم تبق جميعا على عمومها بل بعضها خصّص جزما وإن كان لا يعرف على سبيل التفصيل العام الطارىء عليه التخصيص.

٤٢٥

١ ـ ان يراد بها انّ الخبر المخالف للدلالة القرآنية ليس حجّة حتّى ولو كانت الدلالة القرآنية غير حجّة قبل ورود الخبر المخالف ، فلو فرض قبل ورود الخبر المخالف انّ الدلالة القرآنية لم تكن حجّة لبعض الأسباب فالخبر المخالف لها لا يكون حجّة.

٢ ـ ان يراد بها ان الدلالة القرآنية إذا كانت حجّة قبل ورود الخبر المخالف فهو غير حجّة ما دام مخالفا للدلالة التي هي حجّة قبل وروده.

٣ ـ أن يراد بها انّ الدلالة القرآنية إذا كانت حجّة قبل ورود الخبر المخالف وبعده ـ ولا يكفي حجّيتها قبل وروده ـ فهو غير حجّة.

ولا شكّ في أنّ أظهر الاحتمالات هو الثاني ، إذ الأوّل باطل جزما فإنّ الدلالة القرآنية إذا لم تكن حجّة في نفسها وكان وجودها كعدمها فلا وجه لسقوط الخبر المخالف لها عن الحجّية. وهل يحتمل انّ المخالفة لغير الحجّة موجبة للاسقاط عن الحجّية!!!

وهكذا الثالث باطل أيضا ، إذ لو كان اللازم حجّية الدلالة القرآنية حتّى بعد ورود الخبر المخالف فمقتضى ذلك أن تبقى المجموعة الثالثة التي تنهى عن الخبر المخالف بلا مصداق لأنّ الظهور يسقط عن الحجّية بعد وجود المخصّص له أو المقيّد أو الحاكم أو المعارض بنحو المباينة الكلية ولا يوجد ظهور يبقى على الحجّية بعد وجود المخصص ونحوه ، ومعه يلزم أن لا يبقى لدينا خبر مخالف لدلالة قرآنية معتبرة.

فالمتيقن على هذا هو الاحتمال الثاني ، أي انّ الدلالة القرآنية متى ما كانت حجّة في نفسها فالخبر المخالف لها ساقط عن الحجّية.

٤٢٦

ولنعد إلى صلب الموضوع وهو انّه يوجد في المراد من عنوان الخبر المخالف ثلاثة احتمالات.

فإن أخذنا بالاحتمال الأوّل ـ وهو انّ الدلالة القرآنية ولو لم تكن حجّة في نفسها لا يكون الخبر المخالف لها حجّة ـ فالمناسب بطلان كلا الوجهين السابقين المذكورين من قبل الأعلام.

أمّا وجه بطلان الأوّل ـ وهو انّ المخصص واخويه لا يصدق عليهما عنوان المخالف ـ فلأنّ المخصص الذي هو قرينة منفصلة وإن أوجب بعد وروده تخصيص العام وإسقاط دلالته عن الحجّية إلاّ أنّ المفروض انّ الدلالة القرآنية التي هي ليست حجّة في نفسها توجب أيضا إسقاط الخبر المخالف لها عن الحجّية.

وأمّا انّ الثاني ـ وهو انّه بعد العلم بطرو التخصيص على بعض العمومات القرآنية تسقط جميعها عن الحجية ولا يصدق على الخبر المخصّص عنوان المخالف للدلالة المعتبرة ـ باطل ، فلأنّ العلم الإجمالي بطروّ التخصيص على بعض العمومات القرآنية وإن أوجب سقوط جميع العمومات القرآنية عن الحجّية إلاّ أنّ المفروض انّ المخالفة للدلالة القرآنية غير المعتبرة أيضا توجب سلب الحجّية عن الخبر.

وإن أخذنا بالاحتمال الثاني ـ وهو انّ الخبر المخالف للدلالة القرآنية المعتبرة في نفسها ليس حجّة ـ فالوجه الأول باطل والثاني صحيح.

امّا انّ الثاني صحيح فلأنّ الأخبار المخالفة والمخصصة للقرآن حتى لو قطعنا النظر عنها فمع ذلك لا تكون العمومات القرآنية حجّة للعلم الإجمالي الثابت لدى

٤٢٧

كل مسلم بطرو التخصيص على بعض العمومات القرآنية (١) ، ومع عدم حجّية العمومات القرآنية في نفسها فلا تكون الأخبار المخصصة ساقطة عن الحجّية لعدم مخالفتها لما هو حجّة في نفسه.

وأمّا انّ الأوّل ليس بصحيح فباعتبار انّه لو قطعنا النظر عن الخبر المخصص أو المقيّد أو الحاكم فالعمومات القرآنية حجّة في نفسها ويصدق على الخبر المخصص مثلا انّه مخالف لما هو حجّة في نفسه (٢).

وإن أخذنا بالاحتمال الثالث ـ وهو انّ الخبر المخالف للدلالة القرآنية التي هي حجّة بعد وروده أيضا ليس حجّة ـ فكلا الوجهين صحيح.

امّا صحّة الوجه الثاني فلنفس ما تقدّم على الاحتمال الثاني ولا نكرّر.

وامّا صحّة الوجه الأوّل فلأن العام القرآني بقطع النظر عن الحيثية القرآنية لا يبقى على الحجّية بعد ورود الخاص ، ومع عدم بقائه على الحجية فلا يصدق

__________________

(١) اللهم إلاّ أن يقال انّ هذا العلم الإجمالي بطروّ المخصص على بعض العمومات منحل إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي حيث عثرنا بالتفصيل على مخصصات بقدر ما هو المعلوم بالإجمال ويبقى الشكّ في تخصيص الباقي شكا بدويا ، ومعه فلا مانع من حجّية العمومات التي لم يعلم بطروّ المخصصات عليها.

(٢) هذا ولكن يمكن أن يقال انّ العام بقطع النظر عن الخاص وإن كان حجّة في نفسه إلاّ أن الخاص لا يصدق عليه عرفا انّه مخالف للعام. ولئن كان يصدق عليه عنوان المخالف فذاك عقلا ودقة وامّا عرفا فلا ، وعليه فالخبر الخاص أو المقيد أو الحاكم لا يكون مشمولا للمجموعة الثالثة لعدم صدق عنوان المخالف عليه عرفا.

ونحن نستغرب من السيد الشهيد قدس‌سره رفضه للردّ الأوّل المذكور من قبل الأعلام فإنّه ردّ عرفي يطابق الوجدان ولا محيص عنه.

٤٢٨

على الخبر الخاص عنوان المخالف كيما يسقط عن الحجّية.

النتيجة النهائية

وحيث انّ المستظهر من الاحتمالات الثلاثة المتقدّمة هو الاحتمال الثاني فالرد الأوّل لا يكون صحيحا (١) وإنّما الصحيح هو الرد الثاني.

جواب ثان عن المجموعة الثالثة

بعد انّ أجاب قدس‌سره عن المجموعة الثالثة بالردّ الثاني ـ الذي تقدّمت الإشارة له ص ٣٨٧ س ٧ من الحلقة ـ تصدى الآن لذكر ردّ آخر عليها.

وحاصله : انّ المجموعة الثالثة وإن كان عنوان الخبر المخالف المذكور فيها مطلقا وشاملا لجميع أقسام المخالف بما في ذلك المخصص والمقيّد والحاكم إلاّ أنّه يوجد مخصص لهذا الإطلاق يخرج هذه الثلاثة ـ المخصص والمقيّد والحاكم ـ من بين أقسام المخالف ، وذاك المخصص هو رواية عبد الرحمن عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه » (٢) ، حيث تدل على انّ الخبر المخالف للكتاب الكريم لو لم يكن معارضا بخبر مثله فهو حجّة وإنّما المانع من حجّيته هو معارضته بخبر آخر مثله ، إذ لو كانت المخالفة للكتاب الكريم كافية وحدها

__________________

(١) تقدّم انّ رفض الردّ الأوّل مخالف للوجدان العرفي.

(٢) الوسائل : كتاب القضاء الباب ٩ من أبواب صفات القاضي حديث ٢٩.

٤٢٩

لإسقاط الخبر عن الحجّية حتّى ولو لم يكن معارضا بمثله فلا داعي لقوله عليه‌السلام : « إذا ورد عليكم حديثان ... » بل كان المناسب أن يقال : إذا ورد عليكم حديث مخالف للكتاب فدعوه ولو لم يكن له معارض.

وبالجملة الرواية المذكورة تدل على انّ الخبر المخالف للكتاب حجّة عند عدم معارضته بمثله.

ولا نريد أن ندعي من خلال هذا الكلام انّ الرواية المذكورة يستفاد منها حجّية كل خبر مخالف للكتاب حتّى ولو كان مباينا له ، انّ هذا باطل ، إذ الرواية ليست في مقام البيان من هذه الناحية ليتمسّك بإطلاقها لإثبات حجّية كل خبر مخالف للكتاب ، وإنّما يستفاد منها انّ الخبر المخالف ـ إذا فرض عدم معارضته بمثله ـ هو في الجملة حجّة ، والقدر المتيقن من ذلك هو الخبر المخصّص والمقيّد والحاكم.

وإنّما قلنا انّ هذه الرواية ـ أي رواية عبد الرحمن ـ أخصّ من أخبار المجموعة الثالثة باعتبار انّ المجموعة الثالثة تسلب الحجّية عن كل خبر مخالف سواء كان مباينا كليا أو أعمّ من وجه أو أخص مطلقا أو مقيدا أو حاكما ، وهذه الرواية يستفاد منها من باب القدر المتيقن حجّية ثلاثة أقسام من المخالف وهو الأخص مطلقا والمقيّد والحاكم ، وحيث انّ مفاد هذه الرواية أضيق من مفاد المجموعة الثالثة فيكون ـ مفاد الرواية ـ أخصّ منه فيخصّص المجموعة الثالثة التي تسلب الحجّية عن كل خبر مخالف بخصوص الخبر المخالف بنحو المباينة أو الأعم من وجه.

قوله ص ٣٨١ س ٢ : أحدها : هذا القسم لا ينظر إلى الخبرين المتعارضين

٤٣٠

بل ينظر إلى الخبر المعارض لظاهر القرآن الكريم دون أن يعارض بخبر مثله. وقد تقدّمت الإشارة لذلك فيما سبق.

قوله ص ٣٨١ س ٢ : الدليل القطعي السند : وهو القرآن الكريم والسنّة المتواترة للرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قوله ص ٣٨١ س ٥ : عمّا قد : تقدّمت الإشارة إلى النكتة في ذكر كلمة « قد » سابقا.

قوله ص ٣٨٢ س ١١ : على تقدير ثبوت الإطلاق فيه : أي لو كان مستند دليل حجّية السند إطلاقا لفظيا ولكن تقدّم انّه السيرة التي لا إطلاق فيها.

قوله ص ٣٨٣ س ١٦ : على ذلك : أي على التخصيص والتقييد.

قوله ص ٣٨٤ س ٣ : يرويه من نثق به الخ : لعلّ هذا تفسير لاختلاف الحديث.

قوله ص ٣٨٥ س ٧ : المعارض : المناسب التعبير بالمخالف ، لأنّ رواية جميل سلبت الحجّية عن الخبر المخالف للكتاب دون المعارض له.

قوله ص ٣٨٥ س ١٢ : التي تقتضي الخ : وهي المخالفة بنحو التباين الكلي.

قوله ص ٣٨٧ س ٢ : تعارضا مستقرا : أي بنحو التباين أو العموم من وجه. وقوله : « أو غير مستقر » : أي بنحو التخصيص أو التقييد أو الحكومة.

قوله ص ٣٨٧ س ١٥ : لأنّ القرينة المنفصلة : هذا إشارة إلى بيان عدم صحّة الوجه الأوّل. والمراد من القرينة المنفصلة : المخصص والمقيّد والحاكم.

قوله ص ٣٨٨ س ٧ : لمقتضي : بكسر الضاد. وكان بالإمكان الاستغناء عن هذه الكلمة بتعبير : واجدة للحجّية الخ.

٤٣١

قوله ص ٣٨٨ س ٨ : لأنّ مقتضى الخ : هذا بيان لصحّة الوجه الأوّل. وأمّا بيان صحّة الوجه الثاني فلم يشر له لاتّضاحه من خلال ما ذكره على الاحتمال الثاني.

قوله ص ٣٨٨ س ٩ : القرينة المنفصلة : وهي المخصّص أو المقيّد أو الحاكم.

قوله ص ٣٨٨ س ١٠ : واختصت المخالفة الخ : أي ولازم بقاء العام على الحجّية بعد ورود القرينة المنفصلة انّ الخبر المخالف للكتاب إنّما يسقط عن الحجّية بسبب مخالفته للكتاب فيما إذا كانت مخالفته على وجه لا تصلح للقرينية كما إذا كان مبائنا أو أعمّ من وجه حيث انّ العام لا يسقط عن الحجّية بعد ورود عام مبائن له أو أعمّ من وجه (١).

قوله ص ٣٨٨ س ١٣ : بعد الاعتراف الخ : لأنّه لم يقبل قدس‌سره الوجه الأوّل المشار له ص ٣٨٧ س ٤ من الحلقة الذي كان يقول انّ الخبر المخصّص أو المقيّد أو الحاكم لا يصدق عليه عنوان المخالف.

قوله ص ٣٨٨ س ١٤ : للمعارضة غير المستقرة : أي للمخصّص والمقيّد والحاكم.

قوله ص ٣٨٨ س ١٦ : في نفسه : المقصود أي لو لا المعارضة بخبر مثله.

قوله ص ٣٨٩ س ٦ : لو لا التعارض : المقصود : أي لو لا التعارض. وهو تفسير لقوله : « في نفسيهما ».

قوله ص ٣٨٩ س ٧ : في الحجّية الاقتضائية : وهي الحجّية الثابتة للخبر

__________________

(١) عدم سقوط العام عن الحجّية بعد ورود المبائن له أو الأعمّ من وجه أوّل الكلام.

٤٣٢

على تقدير عدم معارضته بخبر آخر مثله.

قوله ص ٣٨٩ س ١٠ : وهو مورد القرينية : أي مورد المخصّص والمقيّد والحاكم.

روايات العلاج

قوله ص ٣٨٩ س ١٣ : ويمكن تصنيف الخ : ذكرنا سابقا انّ الروايات على قسمين. والقسم الأوّل منها هو الناظر إلى معارضة الخبر للكتاب الكريم من دون معارضته بخبر آخر مثله. وقد اتّضح انّ سلب الحجّية لا يشمل الخبر المخالف للكتاب بنحو التخصيص أو التقييد أو الحكومة وذلك لوجهين أحدهما أشار له قدس‌سره ص ٣٨٧ س ٧ وثانيهما أشار له ص ٣٨٨ س ١٣. وإلى الآن كان الكلام في القسم الأوّل. وأمّا القسم الثاني فهو ناظر إلى صورة معارضة الخبر بخبر آخر مثله.

وروايات هذا القسم المسماة بروايات العلاج يمكن تصنيفها إلى مجموعات متعدّدة كروايات التخيير ، وروايات الترجيح ، وروايات التوقف ، وروايات الأخذ بالاحتياط ، غير انّه قصر قدس‌سره كلامه على أهمّ هذه وهي روايات التخيير وروايات الترجيح.

روايات التخيير

والمراد من روايات التخيير الروايات التي تثبت الحجّية لأحد الخبرين لا على سبيل التعيين.

٤٣٣

والكلام في هذه الروايات يقع في مقامين : ـ

أ ـ في تصوير جعل الحجّية بنحو التخيير واقعا وفي عالم الثبوت ، إذ قد يقال بعدم إمكان ذلك.

ب ـ في دلالة الروايات بالفعل على ثبوت الحجّية التخييرية بعد إمكانها واقعا.

البحث الثبوتي

أمّا بالنسبة إلى البحث الثبوتي فقد يقال انّ جعل الحجّية بنحو التخيير أمر غير ممكن ثبوتا.

والوجه في ذلك : انّ الحجّية بنحو التخيير امّا أن تكون راجعة إلى جعل حجّية واحدة أو تكون راجعة إلى جعل حجّتين مشروطتين ، وكلاهما غير ممكن.

امّا ان جعل الحجّية الواحدة أمر غير ممكن فذلك باعتبار انّ جعل الحجّية الواحدة لا يخلو من أحد احتمالات ثلاثة كلّها باطلة.

أ ـ أن تكون الحجّية الواحدة ثابتة للخبر رقم (١) دون الخبر رقم (٢).

وهذا باطل ، لأنّ لازم هذا الاحتمال كون الحجّية الثابتة تعيينية ، أي ثابتة لأحد الخبرين بالخصوص وليست تخييرية.

ب ـ أن تكون الحجّية الواحدة ثابتة لأحد الخبرين. ونفرض انّها ثابتة للأحد الثابت في الخبر الأوّل وللأحد الثابت في الخبر الثاني (١).

__________________

(١) وملاحظة الأحد ـ الذي هو الجامع ـ بهذا الشكل يصطلح عليه بالجامع بنحو مطلق ـ

٤٣٤

وهذا باطل أيضا ، لأنّ لازمه ثبوت الحجّية لكلا الخبرين المتعارضين وهو مستحيل ، إذ المتعارضان بعد فرض تعارضهما لا يمكن حجّيتهما معا وإلاّ لزم ثبوت المتعارضين (١).

ج ـ أن تكون الحجّية الواحدة ثابتة للأحد بما هو أحد ، أي لأحد الخبرين بما هو أحد الخبرين من دون ملاحظة الأحد ثابتا في هذا الخبر أو في ذاك الخبر (٢).

وهذا باطل أيضا ، فإنّ ثبوت الحجّية للخبر يعني انّه حجّة في إثبات مدلوله وما يكشف عنه ، وواضح انّ الأحد بما هو أحد بدون ملاحظته ساريا في هذا الخبر أو ذاك لا مدلول له يكشف عنه ليمكن ثبوت الحجّية له بمعنى التعبّد بثبوت مدلوله الذي يكشف عنه.

وأمّا ان جعل حجّتين مشروطتين أمر غير ممكن فذاك باعتبار انّ جعل الحجّتين المشروطتين فيه احتمالان كلاهما باطل.

أ ـ ان تجعل الحجّية للخبر الأوّل مشروطة بالالتزام به كما وتجعل حجّية ثانية للخبر الثاني مشروطة بالالتزام به. وهذا الاحتمال باطل لأنّ لازمه انتفاء كلتا الحجّتين عن الخبرين إذا لم يلتزم بهذا ولا ذاك والحال انّه لا إشكال في ثبوت إحدى الحجّتين.

__________________

ـ الوجود.

والمراد من كلمة « مطلق الوجود » الإستغراقية والشمول.

(١) هذا مضافا إلى استحالة ثبوت الواحد للاثنين وإلاّ يلزم صيرورة الواحد اثنين.

(٢) ويسمى ملاحظة الجامع بهذا الشكل بالجامع بنحو صرف الوجود.

٤٣٥

ب ـ انّ تجعل الحجّية للخبر الأوّل بشرط ترك الالتزام بالخبر الثاني ، كما وتجعل للخبر الثاني بشرط ترك الالتزام بالأوّل.

وهذا باطل أيضا لأنّ لازمه ثبوت كلتا الحجّتين في حقّ المكلّف عند تركه الالتزام بكل منهما والحال هو يعلم بثبوت أحدى الحجتين في حقّه لا كلتيهما إذ لا يمكن ثبوت المتعارضين معا في حقّ المكلّف.

جواب الإشكال

ويمكن الجواب عن الإشكال الثبوتي المذكور باختيار جعل حجّتين مشروطتين ، فلأجل أن لا يلزم الإشكال يمكن للمولى التوصّل إلى ذلك عن طريق تشريع جعلين فأوّلا يجعل الوجوب لأحد الالتزامين بأن يقول يجب على المكلّف الالتزام بأحد الخبرين ولا يحق له ترك التزامهما معا. وهذا الوجوب وجوب طريقي بمعنى انّه لم ينشأ عن مصلحة في نفس الالتزام بأحدهما وإنّما شرّع لغرض ان لا يلزم ثبوت كلتا الحجّتين في حقّ المكلّف عند تركه الالتزام بكلا الخبرين كما أشرنا إلى ذلك في الاحتمال الثاني المتقدّم. هذا هو الجعل الأوّل.

وثانيا يجعل الحجّية للخبر الأوّل عند ترك الالتزام بالخبر الثاني ويجعل الحجّية للخبر الثاني عند ترك الالتزام بالخبر الأوّل. وبهذا يتمّ التوصل إلى الحجّية التخييرية دون أي إشكال.

٤٣٦

البحث الاثباتي أو روايات التخيير

وبعد أن ثبت إمكان جعل الحجّية بنحو التخيير واقعا ننتقل إلى عالم الإثبات ـ أي الروايات ـ لنرى هل يمكن أن نستفيد من الروايات جعل الحجّية لأحد الخبرين بنحو التخيير أو لا؟ توجد في هذا المجال عدّة روايات نذكر منها ثلاثا : ـ

الرواية الاولى

وهي رواية ابن مهزيار حيث يحدث انّي قرأت في رسالة وجهها عبد الله بن محمّد إلى أبي الحسن الهادي عليه‌السلام عن نافلة الفجر (١) هل يجوز الإتيان بها في المحمل الثابت على ظهر الدابة أو لا بدّ من الإتيان بها على وجه الأرض فإنّ الأصحاب قد اختلفوا في ذلك بسبب اختلافهم في الروايات المنقولة عن الإمام الصادق عليه‌السلام ففي بعضها يقول ـ الإمام الصادق عليه‌السلام ـ : صلّها في المحمل وفي بعضها الآخر يقول : لا تصلّهما إلاّ على الأرض فاعلمني كيف تصنع أنت يا سيدي لاقتدي بك؟

__________________

(١) الوارد في الرواية ركعتا الفجر. والمراد بهما في مصطلح الروايات نافلة الفجر التي هي ركعتان قبل صلاة الصبح والتي قال عنها الصدوق والمحقّق في المعتبر ـ حسب نقل صاحب الحدائق في حدائقة ج ٦ ص ٣٧ ـ انّها أفضل من صلاة الليل

٤٣٧

فكتب عليه‌السلام في الجواب : موسّع عليك بأية عملت (١).

وفقرة الاستدلال : قوله عليه‌السلام : موسّع عليك بأيّة عملت » حيث يدل على أنّ المكلّف عند تعارض الخبرين يتخيّر في الأخذ بأي واحد منهما شاء.

وقبل مناقشة الاستدلال بالرواية المذكورة نشير إلى مقدّمة حاصلها : انّ التخيير له نحوان : ـ

أ ـ التخيير الثابت في مثل شرب الماء حيث نقول انّ المكلّف مخير واقعا بين شرب الماء وعدمه. ومثل هذا التخيير يسمّى بالتخيير الواقعي وهو عبارة اخرى عن الإباحة ، فإنّ إباحة أي شيء من الأشياء تعني تخيّر المكلّف بين الفعل والترك.

ب ـ التخيير الثابت في الأخذ بهذا الخبر أو بذاك ، فلو فرض وجود خبرين أحدهما يقول صلاة الجمعة واجبة وثانيهما يقول صلاة الجمعة محرّمة فالمكلّف مخيّر بينهما بمعنى انّه لو اختار الأوّل ثبت في حقّه وجوب الجمعة ويكون ملزما بالإتيان بها ولا يكون فعلها وتركها مباحا له ، وإذا اختار الثاني ثبتت في حقّه الحرمة ويكون ملزما بالترك ولا يباح له فعلها وتركها.

ومثل هذا التخيير يسمّى بالتخيير الظاهري لأنّه تخيير في الأخذ بأحدى الحجّتين ، وحيث انّ الحجّية حكم الظاهري فالتخيير في الحجّية يعني التخيير في الحكم الظاهري.

وبوضوح فردي التخيير يتّضح انّ التخيير النافع في مقامنا هو التخيير

__________________

(١) الوسائل : كتاب الصلاة الباب ١٥ من أبواب القبلة حديث ٨.

٤٣٨

الظاهري الثابت بين الخبرين دون التخيير الواقعي الذي يعني الإباحة.

هذه هي المقدّمة التي أردنا عرضها. وبعد هذا نأخذ بذكر مناقشتين على الاستدلال بالرواية : ـ

١ ـ انّ ظاهر الرواية وإن كان هو التخيير إلاّ أنّ المقصود منها التخيير الواقعي ـ أي إباحة الصلاة في المحمل أو على الأرض ـ دون التخيير الظاهري بمعنى الأخذ بأحد الخبرين. ووجه الظهور في ذلك هو السؤال والجواب فسؤال الراوي بقطع النظر عن جواب الإمام عليه‌السلام ظاهر في السؤال عن التخيير الواقعي ، وهكذا جواب الإمام عليه‌السلام بقطع النظر عن السؤال ظاهر في التخيير الواقعي.

امّا انّ سؤال السائل بقطع النظر عن جواب الإمام عليه‌السلام ظاهر في السؤال عن التخيير الواقعي فذلك لبيانين : ـ

أ ـ انّ الواقعة المسؤول عنها ما دامت واقعة معينة ـ وهي الصلاة في المحمل ـ فالسؤال عن حكمها ظاهر في السؤال عن حكمها الواقعي ، ولو كان المقصود السؤال عن حكمها الظاهري فلا بدّ من فرض الواقعة كلية غير معينة بأن يقول السائل هكذا : لو تعارض خبران في مورد من الموارد فما هو الحكم.

وما دام السؤال ظاهرا ـ بسبب تعيين الواقعة ـ في السؤال عن الحكم الواقعي فلا وجه لصرف الإمام عليه‌السلام نظره عن بيان الحكم الواقعي إلى بيان الحكم الظاهري.

ب ـ توجد في السؤال جملة هي ظاهرة بل صريحة في السؤال عن الحكم الواقعي وهي قوله : « فاعلمني كيف تصنع أنت لاقتدي بك » فإنّ هذا واضح في السؤال عن الحكم الواقعي الذي يسير الإمام عليه‌السلام على طبقه.

٤٣٩

وامّا انّ جواب الإمام عليه‌السلام ـ حتّى بقطع النظر عن سؤال السائل ـ ظاهر في الجواب عن الحكم الواقعي فذاك باعتبار انّ الإمام عليه‌السلام عالم بالأحكام الواقعية وهو منصوب ومتصد لبيانها ، ولا معنى لأن يعرض عليه‌السلام عن بيان الأحكام الواقعية إلى بيان الأحكام الظاهرية ، فإنّ بيان الأحكام الظاهري وظيفة المجتهد الذي هو جاهل بالأحكام الواقعية ، فالمجتهد قد يسأل عن حكم واقعة معيّنة فيجيب بأنّي لا أعلم حكمها الواقعي ولكن حيث انّه يوجد فيها خبران متعارضان فالمكلّف مخيّر في الأخذ بأحد الخبرين ، انّ مثل هذا الجواب مناسب للمجتهد دون الإمام عليه‌السلام بل الإمام عليه‌السلام متى ما أجاب فجوابه ظاهر في بيان الحكم الواقعي فيما إذا فرض انّ القضية التي وجّه له السؤال عن حكمها واقعة معينة ، وامّا إذا كانت كلية غير معينة ـ كما لو سئل عليه‌السلام عن الواقعة الكلية التي تعارض فيها خبران ـ فجوابه ظاهر في بيان الحكم الظاهري وهو التخيير مثلا. وفي مقامنا حيث انّ الواقعة قد فرضت معينة فجواب الإمام عليه‌السلام ظاهر في النظر إلى بيان الحكم الواقعي.

٢ ـ لو سلّمنا انّ الإمام عليه‌السلام ناظر في جوابه إلى بيان الحكم الظاهري وهو التخيير في الأخذ بأحد الخبرين فنقول انّ محل كلامنا هو في الخبرين المتعارضين تعارضا مستقرا ـ أي الذين لا يمكن الجمع العرفي بينهما ـ وإن حكمهما هل هو التخيير أو لا ، وواضح انّ رواية ابن مهزيار وإن فرض فيها وجود خبرين متعارضين والإمام عليه‌السلام وإن أجاب التخيير في الأخذ بأحدهما إلاّ أنّ التعارض بين الخبرين المفروضين في الرواية ليس تعارضا مستقرا بل هو غير مستقر حيث انّه يمكن الجمع العرفي بينهما فإنّ أحد الخبرين يدل على الأمر والآخر يدل على

٤٤٠