الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-28-6
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٨٧

للمورد المذكور من دليل البراءة ، حيث ان أدلّة البراءة لا تشتمل على كلمة « أبدا » ليكون ظهورها مساويا لظهور الاستصحاب في شمول مادّة الاجتماع.

قوله ص ٣٥٦ س ٣ : امّا بافتراض الشرطين علّتين مستقلّتين : أي امّا ان نأخذ بإطلاق المنطوقين ونحكم بأنّ كل شرط علّة مستقلّة للجزاء ، ولازم ذلك تقييد المفهوم.

قوله ص ٣٥٦ س ١١ : وثبت بالدليل : أي عرفنا ذلك من الخارج.

قوله ص ٣٥٧ س ٣ : وتحركين : عطف تفسير.

قوله ص ٣٥٧ س ٨ : مادّة الأمر في أعتق : وهي العتق.

قوله ص ٣٥٨ س ١١ : والإرادة : عطف تفسير على الوضع.

قوله ص ٣٥٩ س ٣ : أو حكمين : بكسر الحاء وسكون الكاف.

قوله ص ٣٥٩ س ٩ : عن إرادتها : أي إرادة سعة الحكم.

قوله ص ٣٥٩ س ١٠ : يستدعي التخلّف الأوّل : أي تخلّف بيان أصل الحكم عن إرادته.

قوله ص ٣٥٩ س ١١ : يستدعي التخلّف الثاني : أي تخلّف بيان سعة الحكم عن إرادتها.

قوله ص ٣٥٩ س ١١ : تعيّن ذلك : أي تقديم الشمولي.

قوله ص ٣٥٩ س ١٣ : عقلا وشرعا : هما تمييز لكلمة « المقدورة ».

قوله ص ٣٦٠ س ٨ : ان حرمة إكرام الفقير الفاسق : الأولى حذف كلمة « الفقير » فإن دليل حرمة إكرام الفاسق يقول : لا تكرم الفاسق ولا يقول لا تكرم الفقير الفاسق وإلاّ صارت نسبته إلى دليل الواجب نسبة الأخص المطلق إلى

٣٨١

الأعم لا الأخص من وجه إلى الأعم من وجه.

قوله ص ٣٦١ س ٤ : ولكن أخذ إلخ : هذا مناقشة للقول بالورود.

قوله ص ٣٦١ س ١١ : ومن أمثلة ذلك : أي من أمثلة قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي.

قوله ص ٣٦٢ س ٥ : خاصّة : أي وأمّا حالة العلم التعبّدي بالخلاف الحاصلة بسبب جريان الاستصحاب فهي باقية تحت دليل حجيّة الأمارة.

قوله ص ٣٦٢ س ٨ : فيجعل : الصواب : فبجعل.

قوله ص ٣٦٢ س ١٠ : كما تقدّم : أي ص ٣٣٧ حيث اختار قدس‌سره الاتجاه الثاني الذي يقول بأنّ نكتة تقدّم الحاكم هي النظر لا غير.

قوله ص ٣٦٢ س ١١ : في المقام : هذا حشو لا حاجة لذكره. ثمّ ان ذكر الخبر والظهور هو من باب كونهما المصداقين البارزين للأمارة.

قوله ص ٣٦٣ س ٧ : عموما : أي في غير مورد الأصل المخالف من الموارد التي يكون القطع الموضوعي مأخوذا فيها.

قوله ص ٣٦٣ س ١٥ : كما تقدّم في الحلقة السابقة : ص ٤٤٢.

قوله ص ٣٦٤ س ٥ : كذلك : أي جعل الطريقيّة والغاء الشكّ كما هو الحال في قاعدة الطهارة.

قوله ص ٣٦٤ س ٦ : مفاده : أي مفاد المسببي.

قوله ص ٣٦٤ س ١٢ : موضوع الحكم : المراد من الحكم هو الحكم بطهارة الثوب فإن موضوعه هو طهارة الماء.

قوله ص ٣٦٤ س ١٢ : في مرتبة أسبق : أي قبل ان تصل النوبة إلى الغاء

٣٨٢

الشكّ.

قوله ص ٣٦٤ س ١٤ : بنفسها : أي لا بما انها تلغي الشكّ وتوجب جعل العلميّة.

قوله ص ٣٤٤ س ١٧ : بالجمع العرفي : المراد من الجمع العرفي هنا هو الحكومة.

قوله ص ٣٦٥ س ١٢ : بالاداة : أي بواسطة كلمة « ابدأ » التي هي موضوعة لافادة العموم.

٣٨٣
٣٨٤

التعارض المستقر على ضوء دليل الحجّية

قوله ص ٣٦٦ س ١ : نتناول الآن التعارض إلخ : ذكرنا فيما سبق انّ التعارض على قسمين : مستقر وغير مستقر. ولحدّ الآن كان كلامنا في التعارض غير المستقر حيث كنا نتحدث عن قاعدة الجمع العرفي التي هي عبارة اخرى عن مورد التعارض غير المستقر.

وامّا التعارض المستقر فالمراد به التعارض الذي لا يمكن رفعه بالجمع العرفي كما هو الحال في الدليلين المتباينين أو الدليلين الذين بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه.

وفي التعارض المستقر يسري التنافي إلى دليل الحجّية بمعنى انّ دليل الحجّية لا يمكن انّ يشملهما معا كما ولا يمكن ان يشمل احدهما.

ثم انّ البحث في التعارض المستقر يقع من زاويتين : ـ

أ ـ حكم المتعارضين بمقتضى القاعدة الاولية ، أي لو قطعنا النظر عن الأخبار العلاجية ـ التي تحكم بالتخيير بين المتعارضين أو ترجيح ما يشتمل على المرجح ـ وقصرنا النظر على دليل حجّية خبر الثقة وهو مفهوم آية النبأ مثلا فهل المناسب الحكم بحجّية كلا المتعارضين أو أحدهما أو لا هذا ولا ذاك.

ب ـ حكم المتعارضين بمقتضى القاعدة الثانوية ، أي لو لا حظنا الأخبار العلاجية فهل المناسب الحكم بالتخيير أو الأخذ بما يشتمل على المرجح. وفي

٣٨٥

البداية نتحدث عن حكم المتعارضين من الزاوية الاولى ، أي التحدث عن حكمهما لو قصرنا النظر على دليل حجّية خبر الثقة مثلا وقطعنا النظر عن الاخبار العلاجية وامّا التحدث من الزاوية الثانية فيأتي ص ٣٨١ من الحلقة.

٣٨٦

المتعارضان بمقتضى القاعدة الأولية

والمعروف بين الاصوليين انّ القاعدة الاولية تقتضي تساقط المتعارضين عن الحجّية.

والوجه في ذلك : انّ شمول دليل الحجّية ـ كمفهوم آية النبأ مثلا ـ لكلا المتعارضين غير ممكن ، وشموله لهذا بالخصوص دون ذاك ترجيح بلا مرجح ، وشموله لأحدهما غير المعين باطل أيضا لأنّ مفهوم آية النبأ مثلا يقول خبر هذا العادل حجّة وذاك حجّة والثالث حجّة وهكذا ولا يقول انّ أحد اخبار العدول بلا تعيين حجّة ، فمفاد دليل الحجّية هو حجّية كل خبر على سبيل التعيين لا حجّية احد الاخبار على سبيل التخيير. وبعد بطلان هذه الشقوق الثلاثة يتعين الشق الرابع وهو التساقط.

ثم انّ شقوق هذا البيان حيث انها ثلاثة ولا ينتهى إلى التساقط إلاّ بعد ابطالها فلنأخذ بالتحدث عن كل واحد منها.

الشق الأوّل

امّا الشق الأوّل ـ وهو عدم امكان شمول دليل الحجّية لكلا المتعارضين ـ فما ذكره المشهور في توجيهه قد يقال انّه تام في بعض الحالات وغير تام في بعض الحالات الاخرى.

٣٨٧

توضيح ذلك : انّ الدليلين المتعارضين لا يخلوان من احدى حالات ثلاث : ـ

أ ـ ان يكون مفاد احدهما حكما إلزاميا ومفاد الآخر نفي ذلك الحكم الالزامي ، كما إذا قال أحدهما انّ صلاة الجمعة واجبة وقال الآخر انّها غير واجبة.

وفي هذه الحالة يصح ما ذكره المشهور من عدم إمكان شمول دليل الحجّية لهما معا ، إذ لازم شموله لهما تنجز وجوب صلاة الجمعة وعدم تنجزه ، وهو مستحيل.

ب ـ ان يكون مفاد كل واحد منهما حكما ترخيصيا ويعلم إجمالا ببطلان أحد الترخيصين ، كما إذا قال احدهما صلاة الجمعة غير واجبة وقال الآخر صلاة الظهر غير واجبة.

وهنا يصح ما ذكره المشهور أيضا ، إذ لازم شمول دليل الحجّية لهما معا الترخيص في تركهما معا ، أي ترك صلاة الجمعة وترك صلاة الظهر ، وهو باطل لانّه ترخيص في المخالفة القطعية العملية.

ج ـ ان يكون مفاد كل واحد منهما حكما إلزاميا. وهذه الحالة لها شقان فتارة يكون الحكمان الالزاميان متنافيين تنافيا ذاتيا ، كما إذا كان احدهما يقول صلاة الجمعة واجبة ويقول الآخر صلاة الجمعة محرمة. وفي هذا الشق يصح كلام المشهور أيضا ، إذ لازم شمول دليل الحجّية لهما صيرورة صلاة الجمعة واجبة ومحرمة ، وهو غير ممكن.

واخرى يكون الحكمان الالزاميان متنافيين تنافيا عرضيا ، كما إذا كان

٣٨٨

احدهما يقول صلاة الجمعة واجبة ويقول الآخر صلاة الظهر واجبة ، فانّه لا تنافي بين الحكمين المذكورين بالذات ، إذ أي محذور في ثبوت الوجوب لصلاة الجمعة وثبوته لصلاة الظهر أيضا ، غاية الأمر حيث نعلم من الخارج بعدم وجوب كلتا الصلاتين المذكورتين يحصل التنافي بينهما.

وفي هذا الشق يمكن ان يقال بعدم صحّة كلام المشهور ، إذ لا محذور في شمول دليل الحجّية لكلا الخبرين فانّ غاية ما يلزم إتيان المكلّف بكلتا الصلاتين ، وهو ممّا لا محذور فيه ، لعدم لزوم مخالفة عملية قطعية من ذلك بل كل ما يلزم هو المخالفة الالتزامية ، وهي غير محرمة ، وهذا بخلافه في حاله رقم ( ب ) ، فانّ اللازم من شمول دليل الحجّية فيها لكلا المتعارضين المخالفة العملية القطعية وهي غير جائزة.

والخلاصة : انّ كلام المشهور صحيح في الحالة الاولى والثانية والثالثة بشقها الأوّل وغير صحيح في الحالة الثالثة بشقها الثاني. هكذا قد يقال.

جواب التوهم

ويمكن الجواب عن التوهم المذكور بانّ المحذور لا يمكن فقط في انّ لازم شمول دليل الحجّية لكلا المتعارضين ثبوت وجوب الجمعة ووجوب الظهر ليقال بانّ ذلك لا يشكّل محذورا ما دام لا يلزم من ثبوتهما مخالفة عملية قطعية بل يلزم محذور ثان ، وهو انّ الدليل الأوّل الذي يقول الجمعة واجبه له مدلول مطابقي وهو ثبوت وجوب الجمعة ، ومدلول التزامي وهو نفي وجوب الظهر ، وهكذا الدليل الثاني له مدلول مطابقي وهو وجوب الظهر ، ومدلول التزامي وهو نفي

٣٨٩

وجوب الجمعة. وشمول دليل الحجّية لكلا الدليلين بما لهما من مدلول مطابقي والتزامي يلزم منه ثبوت المتنافيين ، أي ثبوت الوجوب للجمعة ونفيه ، وثبوت الوجوب للظهر ونفيه. وبالجملة المحذور لا يكمن فقط في ثبوت المدلولين المطابقيين بل يمكن في انّ المدلول المطابقي لكل واحد من الدليلين يتنافى والمدلول الالتزامي للآخر ، ولازم حجّتيهما معا ثبوت المتنافيين.

إن قلت : نسلّم ان لازم شمول دليل الحجّية لكلا الدليلين حصول المعارضة والمنافاة إلاّ أنّ منشأ هذه المعارضة هي الدلالة الالتزامية لكل من الدليلين وإلاّ فلو قصرنا النظر على المدلولين المطابقيين فلا معارضة ـ إذ لا مانع من ثبوت الوجوب للجمعة وللظهر ـ ، وما دامت المنافاة ناشئة من المدلولين الالتزاميين فلنطرح الدلالتين الالتزاميتين ونقول انّ دليل الحجّية يشمل الدلالتين المطابقيين فقط دون الالتزاميتين.

قلت : انّ المعارضة في المقام ليست واحدة بل توجد معارضتان فالدليل الأوّل يقول بمدلوله المطابقي الجمعة واجبة ، وهذا يتعارض والمدلول الالتزامي للدليل الثاني الذي يقول الجمعة ليست واجبة ، وهذه معارضة اولى. والدليل الثاني يقول بمدلوله المطابقي الظهر واجبة وهذا يتعارض والمدلول الالتزامي للدليل الأوّل الذي يقول الظهر ليست واجبة. وهذه معارضة ثانية.

ونحن إذا لا حظنا المعارضة الاولى وجدنا انّ المعارضة والمنافاة ثابتة بين المدلول المطابقي للدليل الأوّل والمدلول الالتزامي للدليل الثاني ، ونسبه المعارضة والمنافاة لكل منهما واحدة ، وترجيح شمول دليل الحجّية للمدلول المطابقي دون الالتزامي ليس أولى من العكس فلماذا لا يقال بأنّ دليل الحجّية يشمل المدلول

٣٩٠

الالتزامي دون المطابقي ما دامت منافاة كل واحد منهما للآخر بدرجة واحدة.

وهكذا الكلام في المعارضة الثانية فإنّ منافاة كل منهما للآخر ما دامت بدرجة واحدة فشمول دليل الحجّية للمدلول المطابقي دون الالتزامي ليس أولى من العكس ، بل المناسب سقوط كلا المتعارضين في المعارضة الاولى وسقوطهما أيضا في المعارضة الثانية.

إن قلت : إنّ المرجح لسقوط المدلول الالتزامي في كلتا المعارضتين عن الحجّية موجود ، وهو انّا نجزم بأنّ المدلولين الالتزاميين في كلتا المعارضتين ساقط عن الحجّية حتما ، إذ دليل الحجّية امّا أن لا يكون شاملا للمدلولين الالتزاميين ، وبذلك يلزم سقوطهما عن الحجّية ، وامّا أن لا يكون شاملا للمدلولين المطابقيين ، وبذلك يلزم سقوط المدلولين الالتزاميين عن الحجّية أيضا لأنّ المدلول الالتزامي تابع للمدلول المطابقي في الحجّية فإنّ سقطت الدلالتان المطابقيتان عن الحجّية ولم يشملهما دليل الحجّية سقطت الدلالتان الالتزاميتان عن الحجّية أيضا.

إذن الدلالتان الالتزاميتان لا إشكال في سقوطهما عن الحجّية ، وهذا بخلاف الدلالتين المطابقتيين فإنّه لا جزم بسقوطهما عن الحجّية ، وكفى بهذا مرجّحا لشمول دليل الحجّية للمدلولين المطابقيين دون الالتزاميين.

قلت : إنّا لو لا حظنا المعارضة الاولى لم نجد المدلول الالتزامي فيها ـ الذي هو أحد طرفي المعارضة ـ مدلولا التزاميا للمدلول المطابقي الواقع طرفا لمعارضته حتّى يكون سقوط المدلول المطابقي عن الحجّية موجبا لسقوطه أيضا عن الحجّية وإنّما هو مدلول التزامي للمدلول المطابقي الواقع طرفا في المعارضة الثانية.

٣٩١

وهكذا لو لا حظنا المعارضة الثانية لم نجد المدلول الالتزامي فيها متفرعا على المدلول المطابقي الواقع طرفا لمعارضته بل هو متفرّع على المدلول المطابقي الثابت في المعارضة الاولى فلا يلزم من سقوط المدلول المطابقي الواقع طرفا لمعارضته عن الحجّية سقوطه عن الحجّية (١).

الشق الثاني

وامّا الشق الثاني ـ وهو انّ شمول دليل الحجّية للواحد المعين ترجيح بلا مرجّح ـ فهو لا يتمّ غالبا ، فهناك ثلاث حالات لا يتمّ فيها وحالة واحدة يتم فيها. أمّا الحالات الثلاث التي لا يتمّ فيها فهي : ـ

١ ـ إذا علمنا بأنّ نكتة حجّية خبر الثقة غير ثابتة لا في هذا الخبر ولا في ذاك حالة تعارضهما فيسقطان عن الحجّية بلا حاجة إلى التمسّك بمحذور

__________________

(١) إن قلت : انّ البيان المذكور مقبول ولكنّه لا يمنع من حصول الجزم بسقوط الدلالتين الالتزاميتين عن الحجّية ، فإنّ سقوط المدلول المطابقي الثابت في المعارضة الاولى عن الحجّية يوجب سقوط مدلوله الالتزامي الثابت في المعارضة الثانية عن الحجّية. وهكذا سقوط المدلول المطابقي الثابت في المعارضة الثانية عن الحجية يوجب سقوط مدلوله الالتزامي الثابت في المعارضة الاولى.

قلت : لا نسلّم حصول الجزم بسقوط المدلولين الالتزاميين عن الحجّية ، إذ من الممكن واقعا عدم شمول دليل الحجّية للدليل الأوّل ـ الذي يقول صلاة الجمعة واجبة ـ بكلا مدلوليه المطابقي والالتزامي ، أي عدم شمول دليل الحجّية للمدلول المطابقي الثابت في المعارضة الاولى والمدلول الالتزامي الثابت في المعارضة الثانية واختصاصه بشمول الدليل الثاني بكلا مدلوليه المطابقي والالتزامي

٣٩٢

الترجيح بلا مرجّح. فمثلا لو علمنا بسبب الارتكاز العقلائي انّ النكتة التي من أجلها حكم الشارع بحجّية خبر الثقة هي إفادته للظنّ الشخصي والكاشفية الشخصية عن الواقع ففي حالة التعارض لا تكون النكتة المذكورة ثابتة في الخبرين فلا يمكن أن يكون كلا الخبرين مفيدا للظنّ الشخصي بالواقع وإلاّ يلزم حصول الظنّ الشخصي بثبوت المتنافيين. ومع عدم إفادة هذا الخبر ولا ذاك للظنّ الشخصي يسقطان معا عن الحجّية بلا حاجة لملاحظة محذور الترجيح بلا مرجّح ، بل حتّى لو قلنا بأنّ الترجيح بلا مرجّح أمر ممكن ولا محذور فيه لا يمكن الحكم بحجّية الخبرين لعدم ثبوت نكتة الحجّية فيهما.

إذن في هذه الحالة يسقط الخبران المتعارضان عن الحجّية بملاحظة لملاحظة محذور الترجيح بلا مرجّح.

٢ ـ ان نعلم بواسطة الارتكاز العقلائي وبقطع النظر عن دليل حجّية خبر الثقة انّ النكتة التي من اجلها اثبت الشارع الحجّية لخبر الثقة ليست هي افادته للظن الشخصي بل هي قابليته وشأنيته في نفسه لافادة الظن وهو ما يصطلح عليه بالظن النوعي.

وفي مثل هذه الحالة تكون نكتة حجّية خبر الثقة ثابتة في كلا الخبرين ، فانّ كلا منهما صالح في نفسه لإفادة الظن حتى مع فرض المعارضة ، ولكن إذا فرضنا انّ راوي خبر رقم (١) اوثق من راوي خبر رقم (٢). وفرضنا انّ الأوثقية توجب الجزم ولا أقل احتمال ان يكون ثبوت نكتة الحجّية فيه أقوى من ثبوتها في خبر رقم (٢) ـ باعتباران الأوثقية إذا لم توجب الجزم بقوة افادة الخبر للظن فلا أقل من احتمال استلزامها لذلك ـ فلا يكون شمول دليل الحجّية للخبر رقم (١)

٣٩٣

فقط ترجيحا بلا مرجح ، فانّ الخبر رقم (٢) لا يخلو ملاكه واقعا من احدى حالتين فامّا ان يكون مساويا لملاك خبر رقم (١) أو أضعف ، وعلى كلا التقديرين لا يكون حجّة.

امّا عدم حجّيته في صورة ضعفه فواضح ، وامّا عدم حجّيته في صورة المساواة فلإنّه في صورة تساوي الملاكين لا يمكن ثبوت الحجّية للخبرين.

وبالجملة : في هذه الحالة لا بأس بشمول دليل الحجّية لاحد الخبرين ـ أي خبر رقم (١) ـ بلا لزوم محذور الترجيح بلا مرجح.

٣ ـ ان يفرض انّ نكتة حجّية خبر الثقة لم تكن معلومة لنا والارتكاز العقلائي لم يتمكن من تحديدها فلا يدرى انها افادة الظن الشخصي ـ ويترتب على ذلك عدم ثبوت ملاك الحجّية لا في هذا ولا في ذاك لعدم إمكان افادتهما معا للظن الشخصي ـ أو افادة الظن النوعي ليترتب على ذلك ثبوت ملاك الحجّية في كلا الخبرين.

وفي هذه الحالة وان كنا لا نجزم بثبوت ملاك الحجّية في الخبرين ـ لاحتمال انّ الملاك هو افادة الظن الشخصي المفقود في الخبرين ـ بل يحتمل انتفاؤه في كليهما بيد انّا لو كنا نجزم أو لا أقل نحتمل انّ ملاك الحجّية على تقدير ثبوته واقعا في الخبرين فثبوته في خبر رقم (١) اقوى من ثبوته في خبر رقم (٢) لفرض أوثقية راوي خبر رقم (١) ففي مثل ذلك لا يكون شمول دليل الحجّية لخبر رقم (١) مستلزما لمحذور الترجيح بلا مرجح ، إذ خبر رقم (٢) نعلم بعدم حجّيته لأنّ حاله لا تخلو واقعا من أحد أمرين فامّا ان لا يكون ملاك الحجّية واقعا ثابتا فيه أو يكون ثابتا فيه بنحو ضعيف ، وعلى كلا التقديرين لا يكون حجّة ، وهذا

٣٩٤

بخلافه في خبر رقم (١) فانّا نحتمل ثبوت ملاك الحجّية فيه بنحو قوي.

وبالجملة انّه في هذه الحالة (١) أيضا لا يكون شمول دليل الحجّية لأحد الخبرين موجبا للترجيح بلا مرجح.

إذن في هذه الحالات الثلاث لا نحتاج إلى محذور الترجيح بلا مرجح وانّما نحتاج اليه في حالة واحدة ، وهي ما إذا لم نحتمل ثبوت الملاك القوي في احدهما بالخصوص بل كنا نحتمل قوة الملاك في كل منهما بدرجة واحدة.

الشق الثالث

وامّا الشق الثالث ـ وهو عدم ثبوت الحجّية للواحد غير المعين ـ فقد ذكر في وجه بطلانه انّ ثبوت الحجّية للواحد غير المعين خلاف مفاد دليل الحجّية فانّ مفاد مفهوم آية النبأ مثلا هو الحجّية التعيينية ، أي حجّية هذا الفرد وذاك الفرد وليس مفاده الحجّية التخييرية ، أي حجّية الجامع وهو أحد الخبرين. هذا ما قيل في وجه بطلان هذا الشق.

ويمكن ان يقال في مناقشته انّ مصداق الحجّية التخييرية لا ينحصر بثبوت الحجّية للجامع ـ أي أحد الخبرين ـ ليقال انّ ذلك خلاف المفاد العرفي لدليل حجّية الخبر بل هناك مصداق ثان وهو ان يكون هذا الفرد من الخبر حجّة ان كان الخبر الآخر كاذبا ، وذاك الفرد من الخبر حجّة أيضا ان كان هذا الخبر

__________________

(١) فرق هذه الحالة عن سابقتها انّه في السابقة كنا نحرز بسبب الارتكاز العرفي توفر ملاك الحجّية في كلا الخبرين ، وامّا في هذه الحالة فلا يحرز توفره فيهما وانّما يحتمل ثبوته فيهما كما ويحتمل عدم ثبوته فيهما.

٣٩٥

كاذبا ، فالحجّية تكون ثابتة لكل واحد من الفردين ـ لا للجامع وهو عنوان أحد الخبرين ـ مشروطة بكذب الآخر. وثبوت الحجّية التخييرية بهذا النحو لا يخالف مفاد الدليل ، غاية الأمر يخالف اطلاقه ـ فانّ مقتضى اطلاق دليل الحجّية انّ هذا الفرد من الخبر حجّة سواء كان الثاني صادقا أم كاذبا ـ وهذا لا محذور فيه فانّ الضرورة تدعو إلى التقييد المذكور ، وحيث انّ الضرورة تقدر بقدرها فلا نرفع اليد عن أصل دليل الحجّية بالنسبة إلى كل واحد من الخبرين وانّما نرفعها عن إطلاقه.

أجل لا بدّ من الالتفات إلى ان هذا التقييد يصح في حالة التضاد ولا يصح في حالة التناقض.

مثال التناقض : صل ولا تصل. وفي هذه الحالة لا يصح التقييد المذكور فلا يمكن ان يقال انّ دليل صل حجّة ان كان دليل لا تصل كاذبا ، إذ لازم كذبه صدق الأوّل فتكون حجية دليل صل منوطة بصدقه ، وهذا غير معقول ، فانّ الحجّية لا تثبت للدليل بشرط صدقه ، إذ على تقدير صدقه لا يحتاج إلى إثبات الحجّية بل يكون إثباتها لغوا.

ومثال التضاد : تجب صلاة الجمعة وتحرم صلاة الجمعة. وفي هذه الحالة يمكن التقييد المذكور إذ كذب الثاني لا يستلزم صدق الأوّل لامكان ان تكون صلاة الجمعة مستحبة.

ان قلت : انّ إثبات الحجّية التخييرية بهذا الشكل الجديد المقترح لغو وبلا فائدة ، فانّا حيث لا نميز الخبر الكاذب فلا يمكن ان نعرف الخبر الثابت له الحجّية.

قلت : ان عدم المعرفة بالخبر الثابت له الحجّية لا تلزم منه اللغوية ، إذ

٣٩٦

احيانا ينتفع به في بعض المجالات ، كما لو كان أحد الدليلين يقول صلاة الجمعة واجبة والآخر يقول صلاة الجمعة محرمة ، فانّ أحد الدليلين إذا كان حجّة واقعا ـ ولو لم يمكن تشخيصه ـ فاللازم من ذلك انتفاء الإحتمال الثالث ، فاستحباب صلاة الجمعة أو كراهتها الذي هو احتمال ثالث يمكن نفيه ما دام أحد الدليلين الأولين حجّة.

خلاصة ما تقدم

إتضح من كل ما تقدم الامور التالية : ـ

١ ـ انّ شمول دليل الحجّية لأحد الدليلين بالخصوص ـ كخبر رقم (١) ـ لا يكون ترجيحا بلا مرجح ما دمنا نجزم أو نحتمل انّ ملاك الحجّية فيه أقوى.

٢ ـ انّا إذا لم نجزم ولم نحتمل قوة الملاك في أحد الدليلين فلا يمكن ثبوت الحجّية لهما بشكل مطلق.

٣ ـ انّ ثبوت الحجّية لكلا الخبرين بشكل مطلق وان لم يكن ممكنا ولكن ذلك لا يمنع من ثبوتها لهما بشكل مشروط في صورة التضاد دون التناقض.

خلاصة النظرية العامّة

وعلى هذا فالنظرية العامة ـ وبكلمة اخرى : القاعدة الأوليّة ـ في التعارض المستقر يمكن صياغتها بالشكل التالي : إذا كان ملاك الحجّية أقوى في أحد الدليلين جزما أو احتمالا فهو الحجّة وإلاّ فكل منهما حجّة بنحو مشروط. وهذا كما لا يخفى يخالف نظرية المشهور ، فإنّهم يرون انّ القاعدة تقتضي تساقط

٣٩٧

المتعارضين.

هذا ما نذكره الآن مؤقتا وإلاّ فسيأتي ص ٣٧٩ من الحلقة موافقة المشهور في اقتضاء القاعدة للتساقط دون الحجّية المشروطة.

قوله ص ٣٦٦ س ٢ : يسري إلى دليل الحجّية : بمعنى انّه لا يمكن ان يشملهما معا كما ولا يمكن ان يشمل احدهما.

قوله ص ٣٦٧ س ١٨ : المدلول المطابقي : أي وجوب الجمعة الذي هو مدلول مطابقي للخبر الأوّل ووجوب الظهر الذي هو مدلول مطابقي للخبر الثاني.

قوله ص ٣٦٨ س ١٢ : سقوط الطرفين معا : أي سقوط المدلول المطابقي والالتزامي معا في المعارضة الاولى والثانية لا سقوط خصوص المدلول الالتزامي في المعارضة الاولى والثانية.

قوله ص ٣٦٨ س ١٤ : سواء رفعنا إلخ : تفسير لقوله « على أي حال ».

قوله ص ٣٦٩ س ١٥ : بقطع النظر عن دليل الحجّية : أي انّ مفهوم آية النبأ مثلا وان لم يفهم منه انّ نكتة حجّية خبر العادل هي افادته للظن النوعي مثلا إلاّ انّ العقلاء بارتكازهم يحكمون بانّ النكتة التي من أجلها جعل الشارع الحجّية لخبر العادل هي افادته للظن النوعي.

قوله ص ٣٧٠ س ٨ : وانّما الطريق إلى إحرازه إلخ : العبارة موهمة حيث تدل على انّ الارتكاز العقلائي وان لم يحدد نكتة الحجّية ولكن مفهوم آية النبأ مثلا يحدد ذلك ، وهذا جزما غير مراد ، فانّ دليل الحجّية إذ كان يحدد الملاك فلا معنى لقوله بعد ذلك انّ ملاك الحجّية في هذه الحالة نحتمل ثبوته في كلا الخبرين

٣٩٨

ونحتمل عدم ثبوته بل لا بدّ وان يجزم امّا بثبوته أو بعدم ثبوته.

قوله ص ٣٧٠ س ١٤ : على تقدير ثبوته : أي لو كان ملاك الحجّية ثابتا واقعا في الخبرين.

قوله ص ٣٧٠ س ١٤ : ومن أمثلة ذلك : أي احتمال اقوائيّة الملاك.

قوله ص ٣٧٠ س ١٥ : الطريقية : وعلى تعبيرنا الظن النوعي.

قوله ص ٣٧٠ س ١٦ : لا يحتمل كونها إلخ : أي وانّما يحتمل وجودها في الأوثق والأفقه خاصة أو وجودها في كليهما بشكل متساوي.

قوله ص ٣٧١ س ١٢ : إذا لم يكن كذب كل من الدليلين إلخ : أي إذا لم يكن بينهما تناقض بل تضاد.

قوله ص ٣٧٢ س ٧ : دون احتمال مماثل في الآخر : أي بدون ان نحتمل الأقوائية في الآخر.

قوله ص ٣٧٢ س ٨ : في غير ذلك : أي إذا لم يجزم ولم يحتمل الأقوائية في احدهما.

قوله ص ٣٧٢ س ٩ : منجزا : أي مطلقا وبشكل غير مشروط.

قوله ص ٣٧٢ س ١٠ : مع ذلك : أي مع عدم إمكان شمول دليل الحجّية لهما بشكل منجز.

قوله ص ٣٧٢ س ١٣ : هذه هي النظرية العامّة إلخ : ولكن سيأتي ص ٣٧٩ من الحلقة التراجع عنها وانّ القاعدة الاولية تقتضي التساقط كما ذكر المشهور.

٣٩٩
٤٠٠