الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-28-6
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٨٧

والدليل على التقييد له أشكال ثلاثة : ـ

١ ـ ان يكون دالا على التقييد بلسان التقييد ، كما لو قال المولى اعتق رقبة ثم قال انّ الحكم السابق مقيد بالايمان.

وفي هذا الشكل يتقدم الدليل المقيد من باب النظر والحكومة حيث انّه بلسانه ناظر إلى الدليل المطلق ويكون داخلا في القسم الأوّل من أقسام الجمع العرفي وهو الحكومة.

٢ ـ ان لا يكون لسانه لسان التقييد وانّما يثبت حكما موافقا لدليل المطلق ولكن في دائرة أضيق ، كما لو قيل اعتق رقبة ثم قيل اعتق رقبة مؤمنة ، فانّ كلا الدليلين يقول اعتق رقبة إلاّ انّ الثاني يقول ذلك في دائرة أضيق.

وفي هذا الشكل تارة يفرض عدم العلم بوحدة الحكم بل يحتمل صدور حكمين من قبل المولى احدهما يدل على وجوب عتق مطلق الرقبة والثاني يدل على وجوب عتق الرقبة المؤمنة من باب انّها الفرد الأفضل ، فعتق الكافرة واجب وعتق المؤمنة واجب أيضا إلاّ انّ عتق المؤمنة أفضل فردي الواجب.

وفي مثل ذلك لا يتحقق تعارض بين المطلق والمقيد اذ لا محذور في صدور حكمين احدهما مطلق وثانيهما مقيد بالفرد الأفضل (١).

واخرى يفرض العلم بوحدة الحكمين ، وفي مثله يحصل التعارض إذ الحكم الواحد لا يمكن ان يكون مطلقا ومقيدا ، وهذا بدون فرق بين كون المقيد متصلا أو منفصلا. غاية الأمر إذا كان متصلا فلا ينعقد ظهور للمطلق في

__________________

(١) انّما اكتفي في رفع التعارض بعدم العلم بوحدة الحكم ولم يشترط العلم بتعدد الحكم من باب انّه إذا لم يعلم بوحدة الحكم فمقتضى ظهور كل أمر في انّه تاسيسي لا تأكيدي التعدد

٣٢١

الاطلاق بخلاف ما إذا كان منفصلا فإنّه ينعقد ظهور للمطلق في الاطلاق ولكن يقدم ظهور المقيد عليه للقاعدة العرفية المتقدمة وهي انّ كل كلام على تقدير اتصاله بكلام آخر إذا كان رافعا لظهوره فعلى تقدير انفصاله يقدم عليه ، وهنا كذلك فانّ دليل اعتق رقبة مؤمنة على تقدير اتصاله بدليل اعتق رقبة يرفع ظهوره في الاطلاق فيتقدم عليه في صورة انفصاله.

أجل هناك رأي ينسب للشيخ الأعظم الانصاري يقول انّ المقيد المنفصل يتقدم على المطلق لا من باب انّه على تقدير اتصاله يزيل ظهور المطلق في الاطلاق بل من باب انّ المطلق لا يبقى له ظهور في الاطلاق على تقدير ورود المقيد بلا فرق بين كونه متصلا أو منفصلا ، فكما انّ المقيد المتصل يزيل ظهور المطلق في الاطلاق ويتقدم عليه من هذا الباب أي من باب انّه يزيل ظهور المطلق من اساسه كذلك الحال في المقيد المنفصل فانّه بمجرد صدوره من المتكلم يزول ظهور المطلق في الاطلاق ويتقدم عليه من هذه الناحية.

ويعتمد هذا الرأي على الاعتقاد بانّ قرينة الحكمة التي هي المنشأ للظهور الاطلاقي ترتكز على عدم ذكر المقيد المتصل والمنفصل لا خصوص عدم ذكر المقيد المتصل.

ولكن تقدم في القسم الأوّل من هذه الحلقة في بحث حجّية الظهور ص ٢٩٠ ابطال هذا الرأي وقلنا : الصحيح انّ المقيد إذا كان منفصلا فظهور المطلق في الاطلاق لا يزول ولكن مع ذلك يتقدم المقيد عليه في نظر العرف للقاعدة العرفية المتقدمة.

٣ ـ ان يكون الدليل المقيد دالا على إثبات حكم مضاد للحكم المطلق ، كما

٣٢٢

لو قيل اعتق رقبة ثم قيل لا تعتق الرقبة الكافرة (١). وفي هذا الشكل إذا فرض انّ الدليل المقيد ارشادي ، أي يرشد إلى انّ الحكم الأوّل مقيّد بعدم الكفر ـ وكأنّه يقول ارشدك إلى انّ الحكم الأوّل مقيد بعدم الكفر ـ فلا إشكال في تقدمه على المطلق من باب النظر والحكومة ويكون حاله حال الشكل الأوّل الذي يتقدم فيه الدليل المقيد من باب النظر والحكومة.

إذن لأجل ان يحصل الاختلاف بين هذا الشكل والشكل الأوّل لا بدّ من فرض النهي في هذا الشكل نهيا تكليفيا لا إرشاديا.

ثم انّه في هذا الشكل يتقدم الدليل المقيد على الدليل المطلق سواء إحرز وحدة الحكم أم لا ، ولا حاجة إلى اعتبار إحراز وحدة الحكم إذ لا يمكن للمتكلم ان يقول في أحد الحكمين يجب عتق مطلق الرقبة بما في ذلك الكافرة ويقول في حكم ثان لا يجوز عتق الكافرة ، فانّ المنافاة واضحة.

وقد تسأل لماذا يتقدم الدليل المقيد في هذا الشكل على الدليل المطلق في حالة احراز وحدة الحكم وكذا في حالة عدم احراز ذلك؟

انّ النكتة هي القاعدة العرفية المتقدمة التي تنص على انّ كل كلام على تقدير اتصاله بكلام ثان إذا رفع ظهوره ففي حالة انفصاله يتقدم عليه عرفا من باب القرينية.

__________________

(١) ويعبر عن هذه الحالة بالمطلق والمقيد المختلفين سلبا وإيجابا فانّ المطلق موجب بينما المقيد سلبي ، وهذا بخلافه في الحالة السابقة فانّ المقيد موافق للمطلق في الايجاب إذ كلاهما إيجابي

٣٢٣

التخصيص

والقسم الثالث من أقسام الجمع العرفي هو التخصيص. وهو على ثلاثة أشكال أيضا كما مرّ في التقييد : ـ

١ ـ ان يكون التخصيص بلسان التخصيص ، كما لو قال المتكلّم أكرم العلماء ثم قال انّ الحكم باكرام العلماء مختص بالعدول.

وفي هذا الشكل لا إشكال في تقدم الدليل المقيد من جهة النظر والحكومة.

٢ ـ ان لا يكون التخصيص بلسان التخصيص وانّما يفرض توجه الحكم في الخاص إلى عنوان أضيق من عنوان العام مع اتفاقهما في السلب والإيجاب ، كما إذا قال المتكلّم اكرم العلماء ثم قال اكرم العلماء العدول.

وفي هذا الشكل إذا فرض عدم إحراز وحدة الحكم فيحكم بتعددهما بمقتضى ظهور كل حكم في التأسيس ولا يتحقق التعارض بينهما لنفس النكتة المتقدمة في التقييد. واذا احرز وحدتهما تحقق التعارض بينهما وحكم بتقدم الخاص للقاعدة العرفية المتقدمة ، فانّ الخاص على تقدير اتصاله بالعام يرفع ظهوره في العموم ففي حالة انفصاله يقدم بالقرينية.

٣ ـ نفس الشكل الثاني مع افتراض الاختلاف في السلب والإيجاب بان يفرض انّ الحكم في الخاص نقيض لحكم العام ـ مثل اكرم كل عالم ولا تكرم النحوي ـ أو ضد له مثل اكرم كل عالم ويحرم اكرام النحوي (١). وفي هذا الشكل

__________________

(١) التعبير بـ « يحرم اكرام النحوي » اولى من تعبير السيد الشهيد « لا يجب اكرام النحوي » فانّ ـ

٣٢٤

يقدم الخاص أيضا للقاعدة العرفية المتقدمة.

وبهذا اتضح انّه في جميع الاشكال الثلاثة يقدم الخاص عند معارضته للعام للقاعدة العرفية ـ كما في الشكلين الأخيرين ـ أو للحكومة كما في الشكل الأوّل ، غاية الأمر مع فرض اتصال الخاص بالعام لا ينعقد للعام ظهور في العموم ومع انفصاله ينعقد له ظهور في العموم ولكن يقدم الخاص عليه للقاعدة العرفية القاضية بقرينية الخاص المنفصل على تقدير ازالته للظهور حالة الاتصال.

نقطتان وقع الخلاف فيهما

كل ما ذكرناه فيما سبق لم يقع محلا للخلاف وانّما وقع الخلاف في نقطتين : ـ

١ ـ انّ الخاص حينما حكم بتقدمه على العام فهل نكتة تقدمه هي كونه خاصا فالخصوصية بما هي خصوصية موجبة لتقدمه أو انّ نكتة تقدمه هي الأظهرية فالخاص بما انّه أظهر من العام يقدم عليه ، فلو قيل مثلا اكرم كل عالم ثم قيل اكرم العالم العادل فالخاص ظاهر في وجوب اكرام العالم العادل وظهوره في ذلك أقوى من ظهور العام فانّ العام لم يرد في خصوص العالم العادل بخلاف الخاص.

وقد تقول ما هي الثمرة في هذا الخلاف ما دام الخاص يتصف دائما بكلتا النكتتين فهو دائما خاص وأظهر؟

انّه يمكن أحيانا فرض الثمرة ، كما لو قيل لا يجب اكرام الفقراء ثم قيل اكرم الفقير القانع ، فانّه لو كان المدار على الأخصية فاللازم تقدم الخاص لأنّه اخص

__________________

ـ حكم الخاص في كلا المثالين نقيض حكم العام وليس احدهما ضدا والآخر نقيضا

٣٢٥

بينما لو كان المدار على الأظهرية فالحكم بتقدمه مشكل ، فانّ تخصيصه للعام بحاجة إلى ظهورين : ظهوره في الشمول لمورده أي للفقير القانع وظهور صيغة اكرم في الوجوب ، إذ لو لا دلالة اكرم على الوجوب لا يمكن استفادة وجوب اكرام خصوص الفقير القانع ليكون مخصصا للعام ، ونحن إذا سلمنا اقوائية الظهور الأوّل ـ أي ظهور الخاص في الشمول لمورده ـ من ظهور لا يجب اكرام الفقراء في الشمول للفقير القانع فلا نسلم اقوائية ظهور صيغة اكرم في الوجوب من ظهور لا يجب اكرام الفقير في نفي الوجوب ، فانّ كلمة « لا يجب » صريحة في نفي الوجوب ودلالتها على نفي الوجوب أقوى من دلالة أكرم على الوجوب ، فلو كان المدار على اقوائية الظهور فلا يمكن الحكم بتقدم الخاص لأنّ ظهوره الثاني في الوجوب اضعف من ظهور لا يجب في نفي الوجوب.

والصحيح : انّ الموجب لتقدم الخاص ليس هو أظهريته بل أخصيته ، والنكتة في ذلك انّ الموجب لتقدمه هو القاعدة العرفية المتقدمة ، وهي انّ الخاص حيث يزيل ظهور العام على تقدير اتصالة فعلى تقدير انفصاله يكون قرينة مقدمة على العام ، ومن الواضح انّ هذه القاعدة العرفية لا تختص بحالة ما إذا كان ظهور الخاص اقوى بل تشمل كلتا الحالتين فالخاص وان لم يكن اقوى ظهورا متى ما اتصل بالعام ازال ظهوره ورفع التعارض فيكون في حالة انفصاله قرينة متقدمة على العام حتى على تقدير عدم اقوائية ظهوره.

أجل نحن بهذا لا نريد ان ننكر قدسية الأظهرية وانها من موجبات التقدم على الدليل الظاهر بل نحن نسلم بانّ الاظهرية من القرائن الصالحة لتقدم الاظهر في المواطن الاخرى بيد انا ندعي انّ الخاص في مقامنا يتقدم لا من باب أظهريته بل من باب أخصيته.

٣٢٦

كبرى انقلاب النسبة

٢ ـ والنقطة الاخرى التي وقع فيها الخلاف هي انّه لو كان لدينا عامان أحدهما يقول مثلا يجب اكرام الفقراء وثانيهما يقول لا يجب اكرام الفقراء فالنسبة بين هذين الدليلين هي المعارضة والتباين فإذا فرضنا ورود دليل ثالث أخص من الدليل الأوّل يقول لا يجب اكرام الفقراء الفساق (١) فهذا الدليل الثالث يخصص الدليل الأوّل جزما ويصبح مضمون الدليل الأوّل يجب اكرام خصوص الفقراء العدول. وهذا ممّا لا إشكال فيه.

وانّما الإشكال في أنّ النسبة بين الدليلين الأولين العامين هل تلحظ بعد تخصيص العام الأوّل بالدليل الثالث أو تلحظ قبل تخصيصه بذلك ، فانا لو أردنا ان نلحظ النسبة قبل التخصيص بالدليل الثالث كانت نسبة التباين بينما لو أردنا لحاظها بعد التخصيص بالدليل الثالث كانت نسبة العموم والخصوص المطلق ، فانّ العام بعد تخصيصه بالدليل الثالث يصبح هكذا : يجب اكرام الفقراء العدول ، ونسبته إلى الدليل الثاني القائل لا يجب اكرام الفقراء هي نسبة الأخص المطلق إلى الأعم.

__________________

(١) انّما لم يكن هذا الدليل الثالث اخص من الدليل الثاني باعتبار انّه موافق له فذاك يقول لا يجب اكرام الفقراء وهذا يقول أيضا لا يجب اكرام الفقراء ، غاية الأمر الفساق منهم ، فكلاهما ينفيان وجوب اكرام الفساق ويتفقان على ذلك فلا معنى للتخصيص

٣٢٧

وبالجملة هل تلحظ النسبة بين الدليلين الأولين قبل انقلابها إلى نسبة العموم والخصوص المطلق أو تلحظ بعد انقلابها إلى نسبة العموم والخصوص المطلق؟

ويمكن طرح هذا التساؤل بشكل ثان : انّ النسبة التي يراد الحصول عليها بين الدليل الأوّل والثاني ـ كنسبة الأخصية أو غيرها مثلا ـ هل تلحظ بين ظهوري الدليلين الأولين بما هما ظهوران أو تلحظ بين ظهورهما بالمقدار الذي يكونان حجّة فيه؟

فان كان المدار على الظهورين بما هما ظهوران فمعنى ذلك مراعاة النسبة بين الدليلين قبل انقلابها ، وان كان المدار على الظهورين بالمقدار الذي يكونان حجّة فيه فمعنى ذلك مراعاة النسبة بعد انقلابها فانّه بعد تخصيص الثالث للأوّل يصير ظهور الأوّل حجّة فيما عدا الفساق. إذن يوجد في هذه المسألة احتمالان.

ومن البديهي انّ الفتوى التي يفتي بها الفقيه تختلف باختلاف هذين الاحتمالين ، فانّه لو كان المدار على النسبة بعد الانقلاب فاللازم هو الحكم بعدم وجوب اكرام الفقير الفاسق ووجوب اكرام الفقير العادل.

امّا عدم وجوب اكرام الفقير الفاسق فللتمسك بالدليل الثالث الذي لا معارض له.

وامّا وجوب اكرام الفقير العادل فللدليل الأوّل ، فإنّه بعد تخصيصه بالثالث يصبح مضمونه هكذا : يجب اكرام الفقير العادل ، وهذا المضمون يخصص الدليل الثاني الذي يقول لا يجب اكرام الفقراء فتصبح نتيجة الدليل الثاني بعد تخصيصه بالدليل الأوّل هكذا : لا يجب اكرام الفقراء الفساق. هذا لو لا حظنا النسبة بعد الانقلاب.

٣٢٨

امّا لو لا حظناها قبل الانقلاب فاللازم هو الحكم بعدم وجوب اكرام الفقير الفاسق وعدم وجوب اكرام الفقير العادل.

امّا عدم وجوب اكرام الفقير الفاسق فللدليل الثالث الذي لا معارض له.

وامّا عدم وجوب اكرام الفقير العادل فلأنّ الدليل الأوّل وان دلّ على وجوب اكرامه إلاّ انّه معارض بالدليل الثاني ، ومع المعارضة يرجع إلى ما تقتضيه الاصول العملية وهو البراءة من حرمة أو وجوب اكرامه (١).

ولنرجع إلى التساؤل المطروح من جديد وهو انّ المدار هل على النسبة بعد انقلابها أو على النسبة قبل انقلابها؟

وقبل الاجابة نلفت النظر إلى انّ طرح هذا التساؤل وجيه لو كان الدليل الثالث المخصص للأوّل منفصلا عنه دون ما إذا كان متصلا به ، إذ في صورة الاتصال لا ينعقد للدليل الأوّل ظهور في العموم ابدا حتى يقال انّ المدار هل على الظهور في العموم الثابت قبل التخصيص أو على الظهور الحجّة الثابت بعد التخصيص.

وبعد اتضاح هذا نقول : انّ في الجواب عن التساؤل السابق يوجد اتجاهان : ـ

١ ـ الاتجاه القائل بانّ المدار على الظهورين بالمقدار الذي يكونان حجّة فيه ، أي انّ المدار على النسبة بعد انقلابها. ومن أنصار هذا الاتجاه الشيخ النائيني قدس‌سره.

٢ ـ الاتجاه القائل بانّ المدار على الظهورين بما هما ظهوران ، أي المدار على

__________________

(١) وسنذكر فيما بعد مثالا شرعيا واقعيا لذلك

٣٢٩

النسبة قبل انقلابها. ومن أنصار هذا الاتجاه الشيخ الآخوند قدس‌سره.

امّا الاتجاه الأوّل فاستدل له النائيني بانّ المعارضة بين الدليل الأوّل والدليل الثاني لا تتحقق إلاّ بين ظهوريهما بالمقدار الذي يكونان حجّة فيه فانّ المعارضة لا تتحقق إلاّ بين الحجّتين ولا معنى لتحققها بين الحجّة واللاحجّة فما لا يكون حجّة لا يعارض الحجّة ، وظهور الدليل الأوّل حيث انّه ليس حجّة في العموم بل هو حجّة في خصوص العدول فالمعارضة تتحقق بين ظهور الدليل الأوّل في خصوص العدول وبين ظهور الدليل الثاني وهي نسبة الأخص المطلق إلى الأعم ولا معنى لتحققها بين ظهور الدليل الأوّل في العموم للفساق والعدول وظهور الدليل الثاني. هذا حصيلة ما أفاده قدس‌سره.

وفيه : انّ دعوى انّ المعارضة لا تتحقق إلاّ بين الحجّتين وان كانت دعوى مقبولة صحيحة إلاّ انّه لا بدّ من التمييز بين مسألتين : مسألة المعارضة بين الظهورين الأولين ، ومسألة قرينية الأوّل على تخصيص الثاني ، فالمعارضة وان كانت لا تتحقق بين الظهورين إلاّ بمقدار ما يكونان حجّة فيه إلاّ انّ قرينية الأوّل على تخصيص الثاني من المحتمل ان لا تدور مدار الظهورين بالمقدار الذي يكونان حجّة فيه وانّما تدور مدار الظهورين في حدّ انفسهما ، بمعنى انّ ظهور الدليل الأوّل متى ما كان خاصا في نفسه (١) صلح حينذاك لتخصيص الثاني ولا تكفي أخصيته الناشئة من تخصيصه بالدليل الثالث وخروج الفساق منه. انّ هذا الاحتمال وجيه بل هو المطابق للمرتكزات العرفية.

__________________

(١) كما اذا ورد منذ البداية خاصا وبلسان يجب اكرام الفقراء العدول

٣٣٠

والوجه في ذلك : ان العرف حينما يقدم الأخص على الأعم لا يقدمه إلاّ من باب أظهريته في الشمول لمورده من الأعم (١) ، ومن الواضح انّ مجرد خروج الفساق من الدليل الأوّل بسبب الدليل الثالث لا يصيّر ظهوره ـ أي الأوّل ـ في العدول أقوى من ظهور الدليل الثاني في العدول ليقدم عليه وانّما يكون ظهور الدليل الأوّل في العدول أقوى لو فرض وروده منذ البداية في خصوص العدول بلسان يجب اكرام الفقراء العدول ، ولكن هذا خلاف المفروض ، فانّ المفروض انّ الدليل الأوّل ورد منذ البداية عاما للعدول والفساق وخرج منه بعد ذلك بسبب الدليل الثالث الفساق وذلك لا يوجب اقوائية ظهوره في العدول من ظهور الدليل الثاني في العدول ليصير مخصصا له.

قوله ص ٣٣٦ س ٦ : مفهومها : أي الحكومة.

قوله ص ٣٣٦ س ٦ : وملاكه : عطف تفسير لنكتة التقديم.

قوله ص ٣٣٧ س ٥ : منجزة : أي ليست شرطية. والمقصود من كلمة فعلية ومنجزة واحد.

قوله ص ٣٣٨ س ٧ : ظهور تصديقي : وهو الظهور في الاستعمال ، أي لا يبقى للمحكوم ظهور في استعماله في معناه الثابت له لو لا الحاكم.

قوله ص ٣٣٨ س ٩ : لما عرفت : من القاعدة العرفية.

قوله ص ٣٣٨ س ١٦ : حقيقة : أي واقعا. وهو قيد لـ « ناظرا ».

__________________

(١) الظاهر انّ ما أفاده السيد الشهيد هنا من انّ الأخص يقدم على الأعم من باب أظهريته وقوة دلالته يتنافى وما تقدم منه قدس‌سره في النقطة السابقة من انّ الأخصية ـ لا بما هي موجبة للأظهرية ـ موجبة لتقدم الأخص

٣٣١

قوله ص ٣٣٨ س ١٧ : ان يكون التقبل العرفي : أي انّ العرف لا يقبل مفاد الحاكم كنفي الحكم الضرري مثلا إلاّ بعد افتراض ثبوت احكام أولية في المرتبة السابقة إذ ثبوت نفي الحكم الضرري دون ثبوت احكام سابقة ينظر لها لغو وبلا معنى.

ثم انّ عدم تقبل العرف لمفاد الحاكم إلاّ مع افتراض سبق حكم لا يختص بهذا الوجه بل يعم الوجهين السابقين أيضا.

قوله ص ٣٣٩ س ١ : افتراض : الافتراض هنا بمعنى الوجود لا بمعنى مجرد الفرض ولو لم تكن له واقعية.

قوله ص ٣٣٩ س ١ : مدلول الدليل الحاكم : المراد من المدلول هو الحكم.

قوله ص ٣٣٩ س ٢ : لا ينجس إلخ : المناسب في التعبير : لا ينجّس الماء ميتة ما لا نفس له.

قوله ص ٣٣٩ س ٢ : بالنسبة إلى أدلة الاحكام : هذا يرجع إلى « لا ضرر ».

وقوله وأدلة التنجيس يرجع إلى قوله « لا ينجس الماء إلخ ».

قوله ص ٣٤٠ س ٥ : للمقيد : متعلق بثبوت. ولعل الاولى حذفه.

قوله ص ٣٤٠ س ١٠ : وحينئذ فان كان الخطابان إلخ : كان من المناسب ذكر صورة الاتصال قبل قوله « وقع التعارض بين الظهور الأوّل ... » والتقدير هكذا : وفي هذه الحالة ان لم تعلم وحدة الحكم فلا تعارض. وان علمت وحدة الحكم المدلول للخطابين فان كان الخطابان متصلين لم ينعقد للأوّل ظهور في الاطلاق لأنّه فرع عدم ذكر ما يدل على القيد في الكلام ، والخطاب الآخر المتصل يدل على القيد فلا تجري قرينة الحكمة لاثبات الاطلاق. وان كان الخطابان

٣٣٢

منفصلين انعقد الظهور في كل منهما ووقع التعارض بين ظهور الأوّل في الاطلاق بقرينة الحكمة وظهور الثاني في احترازية القيود لما تقدم في بحث الاطلاق من انّ الاطلاق إلخ.

قوله ص ٣٤١ س ٧ : متقدمة : الصواب : متقومة.

قوله ص ٣٤١ س ٩ : في حصة من المطلق : فانّ الكافرة حصة من مطلق الرقبة ، والدليل المقيد يثبت الحكم المضاد في هذه الحصة من المطلق.

قوله ص ٣٤١ س ١٢ : لا ارشادا إلى مانعية : لعل الأوضح التعبير التالي : لا ارشادا إلى تقيد الحكم بعتق الرقبة بالايمان.

قوله ص ٣٤٢ س ٢ : بالاداة : التقييد بذلك للاحتراز عن المطلق فانّه قد يستفاد منه العموم أيضا ـ كما في قوله تعالى أحل الله البيع ـ ولكن بمقدمات الحكمة لا بالأداة.

قوله ص ٣٤٢ س ٨ : اكرما كل عالم : الصواب : اكرم كل عالم.

قوله ص ٣٤٣ س ١ : وعلى أي حال : أي سواء كان الخاص متكفلا لإثبات سنخ حكم العام في دائرة أخص أو مثبتا لنقيضه أو لضده فلا خلاف إلخ.

قوله ص ٣٤٣ س ٣ : ظهور تصديقي : أي ظهور استعمال العام في العموم.

قوله ص ٣٤٣ س ٧ : مباشرة : أي لا بما انّها موجبة لا قوائية الظهور.

قوله ص ٣٤٣ س ٨ : لمورده : أي لمورد الخاص.

قوله ص ٣٤٣ س ٩ : في الشمول له : أي لمورد الخاص.

قوله ص ٣٤٣ س ١٦ : من ظهور العام في العموم : المناسب : اقوى من ظهور العام في الشمول لمورد الخاص.

٣٣٣

قوله ص ٣٤٣ س ١٦ : ولكن قد لا يكون الثاني كذلك : العبارة موهمة. والمقصود : انّ ظهور اكرم في الوجوب ليس اقوى من ظهور لا يجب في نفي الوجوب.

قوله ص ٣٤٤ س ٧ : ثم انّ المراد بالأخصية إلخ : هذا شروع في البحث عن كبرى انقلاب النسبة. وكان من المناسب الاشارة إلى ذلك تحت عنوان صغير.

وهذا البحث من الابحاث التي قد يتكرر حاجة الفقيه لها في مقام الاستنباط.

قوله ص ٣٤٤ س ٨ : بين مفادي الدليلين إلخ : لعل التعبير الأوضح : بين ظهوري الدليلين بما هما ظهوران.

قوله ص ٣٤٤ س ١٠ : من قبيل : والمثال الشرعي لذلك ما دلّ على انّ الله سبحانه خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه ، كما ورد ذلك في مرسلة حريز ، وما دلّ على عدم تنجس الماء ما دام كرا حتى ولو تغير ، من قبيل ما دلّ على انّ الماء إذا بلغ قدر كر فلا بنجسه شيء ، وهما متعارضان بنحو العموم من وجه ، ومادة المعارضة هي ماء الكر المتغير ، فالاوّل يثبت النجاسة والثاني ينفيها ، فلو كنا نحن وهذين الدليلين لكنّا نحكم بالطهارة على ماء الكر المتغير لأصالة الطهارة ، ولكن يوجد دليل ثالث أخص من الأوّل ، ويتمثل ذلك الدليل الثالث في مجموعة من روايات تدل على انّ الماء القليل ينجس بمجرد الملاقاة وان لم يتغير.

فبناء على قبول كبرى انقلاب النسبة يلزم تخصيص الدليل الأوّل بالثالث

٣٣٤

وبذلك يخرج القليل من الدليل الأوّل ويبقى الكر تحته فقط ويصير مضمونه : خلق الله ماء الكر طهورا لا ينجسه شيء إلاّ ما غيّر ـ وهذا المضمون أخص مطلقا من الدليل الثاني لأنّ الأوّل يقول الكر بالخصوص لا ينجس إلاّ بالتغير والثاني يقول ماء الكر لا ينجس مطلقا. وبعد تخصيص الثاني بالأوّل تكون النتيجة انّ ماء الكر انّما لا ينجس فيما لو لاقته نجاسة ولم يتغير وينجس لو تغير ، وهذه عكس النتيجة السابقة التي نحصل عليها لو لم نلحظ انقلاب النسبة.

قوله ص ٣٤٤ س ١٥ : ظهوره التصديقي : أي ظهوره الاستعمالي.

قوله ص ٣٤٥ س ٤ : فهما متساويان : لعل الأوضح : فهما متباينان. والمراد بالتساوي هنا ليس التساوي بالمعنى المذكور في المنطق بل بمعنى انّه ليس احدهما أخص من الآخر. وبتعبير أصرح المقصود من التساوي هنا التباين.

قوله ص ٣٤٦ س ٢ : الداخلتين في مجال المعارضة : يمكن ابدال هذا التعبير بقوله : بمقدار الحجّية.

قوله ص ٣٤٦ س ٨ : في بعض مدلوله : وهو الفساق.

قوله ص ٣٤٦ س ٩ : للبعض الآخر : وهو العدول. والمقصود : انّ سقوط العام الأوّل في الفساق لا يجعله كأنّه وارد منذ البداية في خصوص الفقراء العدول.

٣٣٥
٣٣٦

أحكام عامة للجمع العرفي

قوله ص ٣٤٧ س ١ : للجمع العرفي بأقسامه إلخ : للجمع العرفي ثلاثة احكام يشترك فيها جميع اقسامه. وهي : ـ

١ ـ لا يمكن الجمع العرفي إلاّ عند تمامية شرطين : ـ

أ ـ ان يكون الدليلان كلامين أو ما بحكم الكلامين.

والمراد من ما بحكم الكلامين مثل ظهور الحال.

ثم انّ الوجه في هذا الشرط واضح ، فانّ مثل التقرير ليس له لسان ليفسر به التقرير الآخر ، وهذا بخلافه في الكلام وما بحكمه فانّ له لسانا يمكن تفسير الكلام الآخر به.

ب ـ ان يكون الدليلان صادرين من متكلم واحد أو من متكلمين تجمعهما جهة واحدة كالامامين الباقر والصادق عليهما‌السلام اللذين يمثلان الشرع الاسلامي الذي هو جهة واحدة.

والوجه في هذا الشرط واضح أيضا ، إذ المتكلم الواحد يعقل انّ يفسر بعض كلامه بعضه الاخر ، وامّا المتكلمان فلا معنى لأن يفسر كلام أحدهما كلام الآخر.

٢ ـ انّ مورد الجمع العرفي هو التعارض بين الظهورين فمتى ما كان ظاهران احدهما يعارض الآخر امكن الجمع العرفي بينهما بتعديل دلالة احدهما بما

٣٣٧

يتناسب ودلالة الآخر ، امّا إذا لم يكن التعارض تعارضا بين الظهورين وانّما كان بين الصدورين فلا معنى للجمع العرفي ، كما إذا علمنا انّ احدى الروايتين لم تصدر من المعصوم عليه‌السلام لبيان الحكم الواقعي واشتبهت الروايتان ولم يمكن تمييز الصادرة عن غير الصادرة فلا معنى للتوفيق بينهما بالجمع العرفي لما ذكرنا من اختصاصه بتعارض الدلالتين ولا معنى لتطبيقه عند تعارض الصدورين بل يلزم تطبيق أحكام باب التعارض عليهما بان يقدم المشهور أو الموافق للكتاب الكريم ونحو ذلك.

٣ ـ انّ الدليلين المتعارضين اللذين يمكن الجمع العرفي بينهما ـ كالعام والخاص ـ لا يخلوان من أحد حالات أربع : ـ

أ ـ ان يكون كل من العام والخاص (١) قطعي الصدور ، كما إذا كانا واردين في القرآن الكريم.

وفي مثل هذه الحالة لا تعارض بينهما من حيث الصدور لانّ المفروض انّ كلا منهما قطعي. وامّا من حيث الدلالة فلا تعارض بينهما أيضا فانّ شمول دليل حجّية الظهور للعام لا يعارض بشموله للخاص بل العرف بعد ما كان يأول ظهور العام لحساب الخاص ويجمع بينهما بالحمل على التخصيص فلازم ذلك انّ دليل حجّية الظهور يشمل ظهور الخاص فقط ولا يشمل ظهور العام فالخاص حجّة في ظهوره دون العام.

__________________

(١) ورد في عبارة الكتاب التعبير بالقرينة وذي القرينة. ونحن ابدلنا كلمة القرينة بالخاص وكلمة ذي القرينة بالعام. وانّما ذكرنا العام والخاص من باب المثال للدليلين الذين يمكن الجمع العرفي بينهما لا لخصوصية فيهما وإلاّ فيمكن ابدالهما بالمطلق والمقيد أو بالحاكم والمحكوم

٣٣٨

ب ـ ان يكون كل من العام والخاص ظني السند ، كما إذا كان كل واحد منهما من قبيل اخبار الاحاد.

وفي هذه الحالة لا تعارض بينهما أيضا لا من حيث الدلالة ولا من حيث السند.

امّا عدم التعارض بينهما من حيث الدلالة فلما تقدم في الحالة السابقة من انّ دليل حجّية الظهور يشمل الخاص دون العام.

وامّا عدم التعارض بينهما من حيث السند فلأنّه بعد ما كان العرف يجمع بينهما بحمل العام على الخاص فلا يبقى مانع من شمول دليل حجّية الخبر لكليهما ويثبت بذلك صدورهما معا فانّ المعارضة بين السندين انّما تتحقق لو بقي العام على عمومه والخاص على خصوصه إذ شمول دليل الحجّية لكلا الخبرين غير ممكن حينئذ فلا يمكن التعبد بصدور العام بما هو عام والخاص بما هو خاص ، امّا بعد تعديلهما عرفا فلا محذور في شمول دليل حجّية السند ـ وهو مفهوم آية النبأ مثلا ـ لهما معا.

ج ـ ان يكون الخاص قطعي السند والعام ظني السند ، كما إذا كان الخاص واردا في القرآن الكريم والعام من قبيل الخبر الواحد.

وفي هذه الحالة لا تعارض بينهما أيضا لا من حيث الدلالة ولا من حيث السند.

امّا من حيث الدلالة فلنفس النكته المتقدمة.

وامّا من حيث السند فلأنّه بعد إجراء التعديل العرفي بينهما لا محذور في التعبد بصدور العام.

٣٣٩

د ـ عكس الصورة السابقة بان يكون الخاص ظني السند والعام قطعي السند ، كما إذا كان الخاص من قبيل خبر الواحد والعام واردا في الكتاب الكريم.

وفي هذه الحالة قد يقال بانّ المقابل لظهور العام ليس هو فقط ظهور الخاص ليقال بانّ ظهور الخاص مقدم على ظهور العام للجمع العرفي وانّما المقابل لظهور العام أمران : ظهور الخاص وسند الخاص ، إذ المفروض انّ سند الخاص ظني فلإجل ان يتقدم الخاص على العام لا بدّ من ثبوت ظهوره وصدوره معا ولا يكفي ثبوت ظهوره دون صدوره ، فانّ الخاص إذا لم يثبت ظهورا أو لم يثبت صدورا كفى ذلك في تقدم العام عليه فتقدم العام يكفي فيه امّا عدم ثبوت الخاص من حيث الظهور أو عدم ثبوته من حيث الصدور.

وإذا اتضح أنّ تقدم الخاص على العام بحاجة إلى ثبوت الخاص ظهورا وصدورا فمعنى ذلك أنّ المعارض لظهور العام ليس هو ظهور الخاص فقط بل هو مجموع الأمرين من ظهور الخاص وسند الخاص ، ومن الواضح انّ التسليم بتقدم الخاص على ظهور العام لا يستلزم التسليم بتقدم مجموع الأمرين ـ ظهور الخاص المنضم إلى سند الخاص ـ على ظهور العام.

وان شئت قلت : انّا لا نريد ان نقول انّ شمول دليل حجّية الظهور للعام يعارضه شمول دليل حجّية الظهور للخاص حتى يقال بانّ العرف يقدم ظهور الخاص على ظهور العام ، بل المعارض لذلك هو دليل حجّية صدور الخاص فشمول دليل حجّية الظهور للعام معارض بشمول دليل حجّية الصدور للخاص (١) ومن هنا استشكل البعض في تخصيص العام الوارد في القرآن الكريم

__________________

(١) المراد من دليل حجّية الظهور هو السيرة العقلائية الجارية على التمسك بالظهور ، كما وان ـ

٣٤٠