الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-28-6
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٨٧

١ ـ الرأي المشهور وهو أنّ الطبيعي موجود في الخارج بالحصص ، بمعنى أنّ زيدا فيه حصّة من طبيعي الإنسان ، وعمروا فيه حصّة اخرى ، وبكرا فيه حصّة ثالثة وهكذا ، ففي كل فرد حصّة من الطبيعي تختص به.

٢ ـ رأي الرجل الهمداني الذي التقى به ابن سينا في مدينة همدان ، حيث ينقل ابن سينا أنّه التقى في مدينة همدان بشيخ عزيز أو غريز المحاسن يظن أنّ الطبيعي موجود في الخارج بوجود واحد متّحد مع أفراده ، فللإنسان وجود واحد متّحد مع زيد وعمرو وبكر و ... وحمل عليه ابن سينا حملة شعواء (١) وكل من جاء بعد ابن سينا وقف مؤيّدا له في مقابل الهمداني. والسبب واضح ، فإنّ الطبيعي لو كان موجودا في الخارج بوجود واحد متّحد مع الأفراد فلازمه صيرورة الشيء الواحد أبيض أسود وحيّا ميّتا وطويلا قصيرا ، فإنّ زيدا وبكرا إذا فرض أنّ أحدهما أبيض والآخر أسود فلازم اتّحاد الإنسان معهما أن يكون الإنسان الذي هو شيء واحد أبيض وأسود. وهكذا إذا كان أحدهما حيّا والآخر ميّتا يلزم أن يكون الإنسان الذي هو متّحد معهما حيّا وميّتا.

وباختصار : يلزم أن يكون الإنسان الذي هو شيء واحد مجمعا للصفات

__________________

(١) حكاية ابن سينا مع الرجل الهمداني نقلها السبزواري في شرح المنظومة في قسم المنطق ص ٢٣ وفي قسم الحكمة ص ٩٩. قال في قسم المنطق : وقد صادف الشيخ في مدينة همدان رجلا من العلماء كبير السن عزيز المحاسن يقول انّ الطبيعي موجود بوجود واحد عددي في ضمن أفراده وقال في قسم الحكمة « ... كما زعمه الرجل الهمداني الذي صادفه الشيخ الرئيس بمدينة همدان ونقل أنّه كان يظن ان الطبيعي واحد بالعدد ومع ذلك موجود في جميع الأفراد ويتصف بالاضداد وشنع عليه الشيخ وقدح في مذهبه »

٢٢١

المتقابلة المتضادّة. وعلى هذا فالاتّجاه الصحيح في وجود الطبيعي هو الإتّجاه المشهور القائل بأنّ الطبيعي موجود في الخارج بالحصص.

إحتمالان في رأي الرجل الهمداني

ثمّ ان في مقصود الشيخ الهمداني القائل بوجود الطبيعي لا بالحصص احتمالين : ـ

أ ـ ان يكون الإنسان موجودا في الخارج بوجود واحد ، وذلك الوجود الواحد متّحد مع الأفراد المتعدّدة ، فالواحد يكون متّحدا مع الإثنين والثلاثة والأربعة و ...

ب ـ أن يكون الإنسان موجودا في الخارج بوجود مستقل مغاير لوجود الأفراد ، فالإنسان له وجود واحد ثابت في السماء مثلا أو في عالم آخر مناسب له وأفراده موجودة في الأرض ، والشجر له وجود واحد ثابت في السماء مثلا وافراده موجودة في الأرض ، وهكذا.

وظاهر المشهور الذين أوردوا على الرجل الهمداني بأنّ لازم رأيه انصاف الشيء الواحد بالصفات المتضادّة فهمهم الاحتمال الأوّل ، بل عبارة السبزواري المذكورة في شرح المنظومة هو الاحتمال الأوّل أيضا حيث قال « موجود في جميع الأفراد ». هذا ولكن ظاهر كلام السيّد الشهيد فيما يأتي الاحتمال الثاني.

نسبة الأب إلى الأبناء المتعدّدين

ثمّ انّه على رأي الرجل الهمداني تكون نسبة الطبيعي إلى الأفراد كنسبة

٢٢٢

الأب الواحد إلى الأبناء المتعدّدين ، حيث انّ الطبيعي شيء واحد ، بينما أفراده متعدّدة ، ويمكن أن نصطلح على نسبته اليها ـ الأفراد المتعدّدة ـ بنسبة الأب الواحد إلى الأبناء المتعددين. وأمّا على رأي المشهور القائل بوجود الطبيعي بالحصص فنسبة الطبيعي إلى أفراده هي كنسبة الآباء المتعدّدين إلى الأبناء المتعدّدين ، فكل فرد بمثابة الأبن الواحد ، والحصّة من الطبيعي الموجودة ضمنه بمثابة الأب الواحد المختص بابنه ، والحصّة الثانية من الطبيعي الموجودة ضمن الفرد الثاني بمثابة الأب الثاني للإبن الثاني وهكذا.

يقول السبزواري عند بيانه لرأي المشهور في مقابل رأي الهمداني :

ليس الطبيعي مع الافراد

كالأب بل أبا مع الافراد

عودة إلى الكتاب

بعد اتّضاح المقدّمة السابقة نعود إلى الكتاب من جديد لتوضيح الاشكال في استصحاب الموضوع الكلّي.

وحاصل الاشكال : ان الآثار الشرعيّة مترتّبة على عنوان الحدث الأكبر أو الحدث الأصغر وليست مترتّبة على عنوان الحدث الكلّي فوجوب الغسل مثلا مترتّب على عنوان الحدث الأكبر لا على عنوان الحدث الكلّي ، وهكذا وجوب الوضوء مثلا مترتب على عنوان الحدث الأصغر لا على كلي الحدث. وما دام الأثر لم يترتب على كلّي الحدث فالاستصحاب لا يمكن أن يجري فيه لأنّه يشترط في جريانه ترتب الأثر الشرعي على المستصحب.

والجواب عن الإشكال المذكور : انّه ما المقصود من عدم ترتب الأثر على

٢٢٣

الكلّي؟ فهل المقصود انّه في لسان الأدلة لم يرتّب الأثر على الكلّي بل رتّب على العناوين الخاصة؟

وإذا كان هذا المقصود فجوابه إنّا نفترض أنّ الأثر في لسان الأدلة مترتب على العنوان الكلّي كحرمة مس المصحف ، فإنّه لم يترتب على عنوان الحدث الأكبر أو الحدث الأصغر وإنّما هو مترتب على عنوان الحدث الكلّي الجامع بين الأصغر والأكبر.

أو أنّ المقصود انّه حتى لو فرضنا ترتّب الأثر الشرعي في لسان الأدلة على عنوان الحدث الكلّي فمع ذلك لا يجري الاستصحاب في عنوان الحدث الكلّي باعتبار أنّ عنوان الحدث الكلّي أخذ في لسان الأدلة بما هو مرآة للخارج ولم يترتب عليه بما هو صورة ذهنية ، وما دام الأثر مترتبا على العنوان الذهني بما هو مرآة للخارج فلازم ذلك أنّ الاستصحاب يجري في الأمر الخارجي لا في الأمر الذهني ، وحيث انّ الموجود في الخارج هو الفرد الجزئي دون الكلّي فنتيجة ذلك هو أنّ الاستصحاب يجري في الفرد الجزئي ـ كالحدث الأصغر أو الأكبر ـ دون الأمر الكلّي.

وإذا كان هذا هو المقصود فجوابه انّ الكلام المذكور صحيح من جهة وفاسد من جهة اخرى ، فهو صحيح حينما قال إنّ الاستصحاب لا يمكن أن يجري في الصورة الذهنية للحدث الكلّي بما هي صورة ذهنية بل يجري فيه بما هو مرآة للخارج ، إنّ هذا صحيح لأنّ الصورة الذهنية بما هي صورة ذهنية ليست محطا للاثار.

وأمّا جهة الفساد فهو إنّه ذكر أنّ الاستصحاب إذا كان يجري في الصورة الذهنية بما هي مرآة للخارج فهذا لازمه جريان الاستصحاب في نفس الخارج.

٢٢٤

ووجه الفساد : ان صبّ الحكم على العنوان بما هو مرآة للخارج ليس معناه صبّ الحكم على نفس الخارج ، إذ الخارج لا يمكن أن ينصبّ عليه الحكم ، فالوجوب لا يمكن أن ينصب على الصلاة الخارجية مثلا ، فإنّ الوجوب ثابت قبل أن يأتي المكلّف بالصلاة ولا يتوقف على الإتيان بالصلاة ، وفي ذلك دلالة واضحة على تعلّق الحكم بالصورة الذهنية للصلاة بما هي عين الخارج وليس متعلقا بنفس الخارج. وفي المقام يقال كذلك ، أي يقال إنّ الاستصحاب حكم من الإحكام ولا يمكن تعلقه بنفس الخارج بل هو متعلق بالعنوان الذهني بما هو مرآة للخارج ، ومعه فيندفع الإشكال إذ الاستصحاب دائما يجري في العنوان الذهني بما هو مرآة للخارج غاية الأمر في استصحاب الجزئي يجري الاستصحاب في الصورة الذهنية للحدث الأكبر مثلا بما هي مرآة للخارج وفي استصحاب الكلّي يجري الاستصحاب في الصورة الذهنية لكلّي الحدث بما هي مرآة للخارج.

الفارق بين استصحاب الكلّي واستصحاب الفرد

هناك سؤال يقول إنّ الكلّي ما دام متحدا مع الفرد في الخارج ولا يوجد وجودان أحدهما للكلّي والآخر للفرد فما هو الفارق بين استصحاب الكلّي واستصحاب الفرد ، فإنّ الكلّي ما دام عين الفرد في الخارج فكيف يكون الاستصحاب تارة استصحابا للكلّي واخرى استصحابا للفرد؟ ويمكن ذكر ثلاثة اجوبة عن هذا التساؤل هي : ـ

١ ـ ما تبناه السيد الشهيد ، وهو أنّ الاستصحاب لا ينصب على الخارج ليقال إنّ الخارج واحد فكيف يكون الاستصحاب استصحابا للكلّي تارة

٢٢٥

وللجزئي اخرى بل ينصب على العنوان الملحوظ بما هو مرآة للخارج ـ والوجه في عدم صبه على الخارج هو أنّ الاستصحاب حكم من الاحكام ، والحكم لا يمكن أن يتعلق بالخارج مباشرة ، فالوجوب مثلا لا يمكن أن يتعلق بالصلاة الخارجية والاّ يلزم عدم ثبوته قبل الإتيان بها ـ ومادام هو منصبا على العنوان فالفرق واضح ، حيث يقال إنّ العنوان الذي ينصب عليه الاستصحاب تارة يكون عنوانا تفصيليا ملحوظا بما هو حاك عن الخارج واخرى يكون عنوانا إجماليا ملحوظا بما هو حاك عن الخارج.

فإن كان عنوانا تفصيلا كعنوان الحدث الأكبر كان الاستصحاب استصحابا للجزئي ، وإن كان عنوانا إجماليا كعنوان الحدث فالاستصحاب استصحاب للكلّي ، فالاختلاف إذن بين استصحاب الكلّي واستصحاب الجزئي إنّما هو في العنوان الذي ينصب عليه الاستصحاب ، ومجرد كون الخارج المحكي بالعنوانين واحدا ـ فإنّ الخارج المحكي بالعنوان التفصيلي هو الفرد والخارج المحكي بالعنوان الإجمالي هو طبيعي الحدث ، وواضح انّ الطبيعي وفرده موجودان في الخارج بوجود واحد ـ غير مهم بعد ما كان العنوانان اللذان يتمركز عليهما الاستصحاب مختلفين.

وقد تقول متى يحق لنا إجراء الاستصحاب في العنوان التفصيلي ومتى يحق اجراؤه في العنوان الإجمالي؟ والجواب : انّ هذا يتبع الأثر الشرعي ، فإن كان مترتبا في لسان الأدلة على عنوان الحدث الكلّي الإجمالي جرى الاستصحاب في العنوان الإجمالي وكان الاستصحاب من قبيل استصحاب الكلّي ، وإن كان مترتبا على العنوان التفصيلي كعنوان الحدث الأكبر جرى الاستصحاب في الفرد دون الكلّي.

٢٢٦

٢ ـ ان التفرقة الصحيحة بين استصحاب الكلّي واستصحاب الجزئي هي ما تقدم بيد أنّه يفرق بينهما على ضوء رأي الرجل الهمداني في كيفية وجود الكلّي الطبيعي في الخارج ، فإنّ المنسوب إليه أن للكلّي وجودا في الخارج مستقلا عن وجود الافراد ، فللافراد في الخارج وجود وللكلّي وجود آخر يغاير وجود الأفراد (١).

وبناء على هذا يكون الفرق بين استصحاب الكلّي واستصحاب الفرد واضحا ، فإنّه في استصحاب الكلّي يكون مصب الاستصحاب وجود الكلّي المغاير لوجود الفرد بينما في استصحاب الجزئي يكون مصب الاستصحاب هو وجوب الفرد المغاير لوجود الكلّي.

والجواب عن هذه التفرقة واضح ، فإنّ الكلّي ليس له في الخارج وجود مغاير لوجود الفرد بل وجود الكلّي عين وجود الفرد.

هذا مضافا إلى أنّه حتى لو سلمنا اختلاف وجود الكلّي عن وجود الفرد فان التفرقة المذكورة باطلة ، اذ الاستصحاب لا ينصب على الخارج ليفرق بين استصحاب الكلّي واستصحاب الجزئي بلحاظ عالم الخارج.

٣ ـ ما ذكره الشيخ العراقي قدس‌سره من أنّ كل فرد خارجي يتركب من شيئين :

الحصة من الطبيعي والمشخصات الخاصة ، فزيد مثلا مركب من الحصة ومن المشخصات الخاصة به. والاستصحاب إذا اجري في الحصة كان ذلك استصحاب الكلّي وإذا اجري في مجموع الوجود المركب من الحصة والمشخصات كان ذلك

__________________

(١) هذا يدل على أنّ السيد الشهيد يختار الاحتمال الثاني في تفسير رأي الشيخ الهمداني

٢٢٧

استصحاب الفرد.

والجواب : إنّ الاستصحاب لا ينصب على الخارج ـ إذ الاستصحاب حكم ، والحكم لا ينصب على الخارج كما تقدم ـ ليحتاج إلى التفرقة بلحاظ عالم الخارج وإنّما ينصب على العنوان ، ومعه فاللازم التفرقة على ضوء العنوان فيقال إنّ الاستصحاب إذا كان منصبا على العنوان التفصيلي فهو استصحاب الجزئي وإن كان منصبا على العنوان الاجمالي فهو استصحاب الكلّي.

قوله ص ٢٩٠ س ٢ : بين شيئين خارجيين : كالحدث الأصغر والحدث الأكبر فإنهما شيئان وموضوعان خارجيان ، والجامع بينهما هو طبيعي الحدث.

قوله ص ٢٩٠ س ٢ : إذا كان له أثر شرعي : هذا قيد راجع إلى الجامع بين الشيئين الخارجيين.

قوله ص ٢٩٠ س ١٢ : بحده : أي بما هو جامع في مقابل النظر إليه بما هو موجود ضمن هذا الفرد بالخصوص أو ضمن ذاك الفرد بالخصوص.

قوله ص ٢٩٠ س ١٣ : ليس محطا للاستصحاب : لأنّ المفروض ترتّب الأثر على الجامع الكلّي وليس مترتبا على الفرد ليجري الاستصحاب في الفرد.

قوله ص ٢٩٠ س ١٤ : وهذا الاعتراض إلخ : هذا جواب الإشكال.

قوله ص ٢٩٢ س ٤ : وبما ذكرناه إلخ : أي من قوله في السطر الأوّل انّ الاستصحاب حكم شرعي ولا بدّ وأن ينصب التعبد فيه على عنوان.

قوله ص ٢٩٢ س ٩ : فهو إنّما يتعلق به : أي بالواقع الخارجي.

قوله ص ٢٩٢ س ١٠ : هو الواقع : أي هو الخارج الذي لو حظ من خلال العنوان التفصيلي المشير له.

٢٢٨

قوله ص ٢٩٢ س ١٧ : على دعوى التعدد في الواقع : أي تعدد وجود الكلّي ووجود الفرد وتغايرهما في مقام الخارج.

أقسام استصحاب الكلّي الثلاثة

قوله ص ٢٩٣ س ١١ : الجهة الثانية : في أقسام استصحاب الكلّي إلخ : ذكرنا سابقا أن الكلام في استصحاب الكلّي يقع فى جهتين تقدمت الاولى منهما وهذه هي الجهة الثانية. ويراد فيها تقسيم استصحاب الكلّي إلى أقسامه الثلاثة.

ونحن سابقا ذكرنا تقسيم استصحاب الكلّي إلى أقسامه الثلاثة. والسيد الشهيد هنا يذكر التقسيم المذكور بمنهجة اخرى ولكنها من حيث الروح لا تختلف عن المنهجة السابقة. أجل قد يضيف قدس‌سره بعض الزوائد التي لا تؤثر على الروح شيئا.

وحاصل ما ذكره : إنّ الشكّ في بقاء الكلّي له منشآن فتارة ينشا الشكّ في بقاء الكلّي من الشكّ في حدوث الفرد واخرى لا ينشأ من الشكّ في حدوث الفرد.

مثال الشكّ في البقاء الناشئ من الشكّ في حدوث الفرد : ما لو علمنا بوجود حيوان ذي خرطوم في الحجرة مردد بين البق والفيل ، فإنّه بعد مضي فترة يشكّ في بقاء الكلّي ، والشكّ في بقائه ناشئ من الشكّ في حدوث الفرد فحيث لا يعلم أنّ الفرد الحادث هو البق أو الفيل يشكّ في البقاء والاّ فلو لم يكن هناك شكّ بل كان يعلم بأنّ الحادث هو البق لجزم بارتفاع الكلّي ، ولو علم بإنّه الفيل لجزم ببقائه (١).

__________________

(١) وفي الكتاب ذكر بدل مثال البق والفيل مثال من خرج منه سائل مردد بين البول والمني فإنّه ـ

٢٢٩

ومثال ثاني لذلك : ما لو علم بدخول زيد في المسجد ثم علم بخروجه وشكّ فى دخول عمرو مقارنا لخروج زيد ، فإنّ كلّي الإنسان في هذا المثال يشكّ في بقائه ، والشكّ المذكور ناشئ من الشكّ في حدوث عمرو فلإجل احتمال حدوث عمرو ودخوله في المسجد يشكّ في بقاء الكلّي.

ومثال الشكّ في الكلّي الذي لم ينشأ من الشكّ في حدوث الفرد : ما لو علم بدخول زيد في المسجد وشكّ بعد ذلك في خروجه ، فإنّه في هذا المثال يشكّ في بقاء كلّي الإنسان في المسجد وليس منشأ الشكّ الشكّ في حدوث الفرد ، إذ الفرد الحادث معلوم بل الشكّ في بقاء الكلّي ناشئ من الشكّ في ارتفاع الفرد وخروجه من المسجد.

ومثال ثاني لذلك : ما إذا علم بدخول شخص في المسجد يشكّ أنّه زيد أو عمرو ، وعلى تقدير كونه زيدا فمن المحتمل خروجه وعلى تقدير كونه عمروا فمن المحتمل خروجه أيضا. وفي هذه الحالة سوف يشكّ في بقاء كلّي الإنسان في المسجد ، وسبب الشكّ في البقاء ليس هو الشكّ في حدوث الفرد إذ حتى لو كان الفرد الحادث معلوما فمع ذلك يشكّ في بقاء الكلّي ، فلو علمنا بأنّ الداخل للمسجد هو زيد لشككنا في بقاء الكلّي ، ولو علمنا بأنّ الداخل هو عمرو لشككنا في بقاء الكلّي أيضا ، وهذا معناه أنّ الشكّ في بقاء الكلّي ليس مسببا عن حدوث الفرد وإنّما هو مسبب عن احتمال ارتفاع الفرد الداخل.

__________________

ـ بعد الوضوء يشكّ في بقاء الحدث فيستصحب بقاء الحدث الكلّي. ثم إنّ السيد الشهيد ذكر لكلّ واحدة من صورتي الشكّ مثالا واحدا ، ونحن ذكرنا مثالين لأنّه يساعد بعد ذلك على فهم الاقسام

٢٣٠

القسم الأوّل من استصحاب الكلي

وبعد اتضاح هذه الامثلة نقول : إن كان الشكّ في بقاء الكلّي غير ناشئ من الشكّ في حدوث الفرد فهذا هو القسم الأوّل من استصحاب الكلّي. وله شقان : ـ

أ ـ أن يعلم مثلا بدخول زيد في المسجد ويشكّ في خروجه ، ولإجل الشكّ في خروجه يشكّ في بقاء الكلّي فيستصحب ـ الكلّي ـ إذا كان له أثر شرعي.

ب ـ إن يعلم بأنّه قد دخل المسجد أمّا زيد ـ وعلى تقدير دخوله يشكّ في خروجه ـ أو عمرو ، وعلى تقدير دخوله يشكّ في خروجه أيضا ولإجل ذلك يشكّ في بقاء الكلّي فيستصحب.

وعلى تقدير كلا الشقين فالاستصحاب هو من قبيل القسم الاوّل من استصحاب الكلّي إذ في كليهما يعلم بحدوث الكلّي ضمن فرد ويشكّ في بقائه للشكّ في زوال الفرد.

وقد يستشكل في جريان استصحاب الكلّي في الشق الثاني بناء على رأي الشيخ العراقي في تفسير استصحاب الكلّي باستصحاب الحصة. ووجه الإشكال انّه في الشق الثاني نعلم بأنّ المسجد قد دخله أمّا زيد أو عمرو ، ومع هذا التردد فالحصة من الإنسان التي دخلت المسجد لا تكون متيقنة فلا يعلم إنّ الحصة الحادثة من الإنسان هل هي الحصة ضمن زيد أو الحصة ضمن عمرو. وهذا معناه أن الركن الأوّل من أركان الاستصحاب ـ وهو اليقين بالمستصحب ـ غير متوفر فلا يجري الاستصحاب. اللهم الاّ إذا لم نعتبر في جريان الاستصحاب اليقين بالمستصحب واكتفينا بالحدوث فإنّ الاستصحاب يجري بناء على هذا إذ

٢٣١

يعلم بحدوث إحدى الحصتين واقعا (١).

وهذا الإشكال يختص بما لو فسرنا استصحاب الكلّي بتفسير الشيخ العراقي ، أمّا لو فسرنا الكلّي بما ذكره الشيخ الهمداني ـ وهو انّ للأنسان وجودا واحدا وسيعا مغايرا لوجود الافراد ـ فلا يرد الإشكال المذكور لأنّ ذلك الوجود الوسيع الواحد متيقن الحدوث ويشكّ في بقائه فيجري استصحابه دون أي إشكال.

وهكذا لا يرد الإشكال المذكور بناء على رأي السيد الشهيد في تفسير استصحاب الكلّي ـ وهو إجراء الاستصحاب في العنوان الاجمالي الملحوظ بما هو عين الخارج ـ فإنّ عنوان الإنسان عنوان واحد متيقن الحدوث ومشكوك البقاء فيجري استصحابه.

ثم إنه ينبغي الالتفات إلى أن هذا الإشكال لو تم فهو يتم في خصوص الشق الثاني بناء على تفسير الشيخ العراقي لاستصحاب الكلّي ـ وهو تفسيره باستصحاب الحصة ـ وأمّا في الشق الأوّل فلا إشكال حتى بناء على تفسيره ، إذ في الشق الأوّل تكون الحصة من الإنسان متعينة وهي الحصة الموجودة ضمن زيد فإنها معلومة الحدوث مشكوكة البقاء فيجري استصحابها فلا إشكال حتى على رأي الشيخ العراقي فضلا على رأي السيد الشهيد والهمداني.

الشكّ في بقاء الكلّي الناشئ من حدوث الفرد

هذا كله فيمّا إذا كان الشكّ في بقاء الكلّي غير ناشئ من الشكّ في حدوث الفرد.

__________________

(١) يمكن أن يقال إن اليقين بالحصة متوفر فإنّ هناك حصة متعينة في الواقع ـ وإن كانت هي مرددة لدينا بين الحصة في زيد والحصة في عمرو ـ وتلك الحصة لنا يقين بحدوثها فيجري استصحابها

٢٣٢

وأمّا إذا كان ناشئا من الشكّ في حدوث الفرد فهو ذو حالتين : الحالة الاولى هي ما يسمى بالقسم الثاني من استصحاب الكلّي ، والحالة الثانية هي ما يسمى بالقسم الثالث من استصحاب الكلّي.

القسم الثاني من استصحاب الكلي

امّا الحالة الاولى التي تسمى بالقسم الثاني من استصحاب الكلّي فهي أن يعلم علما إجماليا بحدوث امّا البق أو الفيل ، وبعد مضي فترة يشكّ في بقاء الكلي لأجل الشكّ في حدوث الفرد ، فإنّ الفرد الحادث إن كان هو البق فالكلّي مرتفع وإن كان هو الفيل فالكلّي باق.

والمشهور في هذا القسم من استصحاب الكلّي جريانه وهو الصحيح. ولكن هناك اعتراضات خمسة على جريانه نذكرها مع الإجابة عليها (١) : ـ

الاعتراض الأوّل

إنّه بناء على تفسير الشيخ العراقي للكلّي ـ وهو تفسيره بالحصة ـ لا يوجد يقين بالحصة الحادثة إذ لا يعلم أنّ الحصة الحادثة هي الحصة ضمن البق أو الحصة ضمن الفيل ، ومع عدم اليقين بالمستصحب يكون الركن الأوّل من أركان الاستصحاب مختلا فلا يجري (٢) ، بل ويمكن أن يقال باختلال الركن الثاني أيضا وهو الشكّ في البقاء. والوجه في ذلك : انّ الحيوان الحادث إن كان هو الفيل فهو

__________________

(١) وفي الرسائل والكفاية ذكر اعتراضان من هذه الخمسة

(٢) تقدم فيما سبق الإشكال في ذلك وأنّ الحصة الحادثة في عالم الواقع يمكن استصحابها

٢٣٣

باق جزما ولا يوجد شكّ في ارتفاعه وإن كان هو البق فيجزم بارتفاعه ولا يوجد شكّ في بقائه.

إذن استصحاب الكلّي من القسم الثاني لا يجري بناء على تفسير الكلّي بالحصة لاختلال ركنين من أركان الاستصحاب فيه وهما اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء.

ويرده : إنّ الاعتراض المذكور مبني على تفسير الكلّي بالحصة ولا يتم بناء على تفسير السيد الشهيد له باستصحاب العنوان الإجمالي الملحوظ بما هو عين الخارج ، فإنّ العنوان الإجمالي كعنوان الحيوان ذي الخرطوم عنوان واحد يعلم بحدوثه ويشكّ في بقائه.

الاعتراض الثاني

إن الركن الثاني من أركان الاستصحاب ـ وهو الشكّ في البقاء ـ غير متوفر في استصحاب الكلّي من القسم الثاني ، إذ الشكّ لا يكون شكا في البقاء إلاّ إذا كان متعلقا بعين ما تعلق به اليقين ، وفي استصحاب الكلّي من القسم الثاني لا يكون الشكّ متعلقا بعين ما تعلق به اليقين إذ اليقين الثابت هو يقين إجمالي متعلق امّا بوجود البق أو بوجود الفيل ، أي هو متعلق بالواقع المردد لأنّ العلم الاجمالي يتعلق بالواقع المردد بينما الشكّ ليس متعلقا بذلك فليس لنا شكّ متعلق ببقاء أمّا البق أو الفيل إذ البق نجزم بعدم بقائه ولا نشكّ في بقائه ، ولئن كان لنا شكّ في البقاء فهو متعلق بخصوص الفيل إذ الفيل وإن كنا نجزم ببقائه على تقدير حدوثه إلاّ إنّا حيث نشكّ في أصل حدوثه فمن الصواب أن نقول لنا شكّ في بقائه باعتبار الشكّ

٢٣٤

في أصل حدوثه.

ويرده : إنّ اليقين في مقامنا وإن كان يقينا إجماليا إلاّ إنّا لا نسلم أنّ العلم الإجمالي يتعلق بالواقع المردد وإنما هو يتعلق بالجامع ، فالجامع بين الفيل والبق وهو عنوان الحيوان ذي الخرطوم أو عنوان أحدهما معلوم حدوثا مشكوك بقاء.

أمّا العلم بحدوثه فواضح. وأمّا الشكّ في بقائه فلعدم العلم بكيفية حدوثه وانّه حدث ضمن البق حتى يكون مرتفعا أو ضمن الفيل حتى يكون باقيا.

الاعتراض الثالث :

إنّ الكلّي لا يتحقق إلاّ ضمن الفيل أو ضمن البق. والبق حيث لا يحتمل بقائه فلا معنى لاستصحاب الكلّي المتحقق ضمنه ، والفيل حيث لا يحتمل ارتفاعه فلا معنى أيضا لاستصحاب الكلّي المتحقق ضمنه فلم يبق إلاّ أن تستصحب الصورة الذهنية للكلّي بما هي صورة ذهنية ، وهذا باطل فإنّ الصورة الذهنية بما هي صورة ذهنية ليست محطا للآثار لتستصحب.

ويرده : إنّ الاستصحاب كما تقدم يجري في العنوان بما هو مرآة للخارج ، وعنوان البق وعنوان الفيل اللذان هما عنوانان تفصيليان وإن كان لا يمكن جريان الاستصحاب فيهما لأنّ العنوان الأوّل يعلم بعدم بقائه والثاني يعلم بعدم ارتفاعه إلاّ أنّ عنوان الحيوان ذي الخرطوم الذي هو عنوان إجمالي يشكّ في بقائه فيجري فيه الاستصحاب.

أجل لو فسّرنا استصحاب الكلّي بما اختاره الشيخ العراقي ـ وهو تفسيره باستصحاب الحصة ـ لكان جريان استصحاب الكلّي في المقام محلا للإشكال إذ

٢٣٥

يصير من قبيل استصحاب الفرد المردد ، لان الحصة المعلومة سابقا والتي يراد استصحابها مرددة بين كونها الحصة الثابتة ضمن البق أو الثابتة ضمن الفيل.

الاعتراض الرابع

إنّ استصحاب الكلّي حتى ولو فرض تواجد جميع أركان الاستصحاب فيه ـ كاليقين السابق والشكّ اللاحق ـ فمع ذلك لا يجري من جهة وجود أصل حاكم عليه ، فإنّ الشكّ في بقاء الكلّي ناشئ من احتمال حدوث الفيل إذ لإجل احتمال حدوث الفيل نحتمل بقاء الحيوان ذي الخرطوم وإلاّ فبقطع النظر عن ذلك لا يحصل الشكّ في بقاء الحيوان ذي الخرطوم ، وعليه فالشكّ في بقاء الكلّي شكّ مسببي بينما الشكّ في حدوث الفيل شكّ سببي ، والأصل الجاري في الشكّ السببي يسمى بالأصل السببي ، وهو حاكم على الأصل الجاري في الشكّ المسببي المعبر عنه بالأصل المسببي. وفي المقام حيث نشكّ في حدوث الفيل فمقتضى الأصل عدم حدوثه (١) ، وهذا الأصل حاكم على استحصاب بقاء الحيوان ذي الخرطوم ، إذ بأصالة عدم حدوث الفيل يثبت عدم حدوث الفيل ويحصل العلم تعبدا بعدم بقاء الحيوان ذي الخرطوم ، ومعه لا يجري استصحاب بقاء الحيوان ذي الخرطوم لارتفاع موضوعه وهو الشكّ في البقاء وتبدله إلى العلم بارتفاعه.

ويرده : انّ الأصل السببي إنّما يكون حاكما على الأصل المسببي فيما إذا كانت السببية سببية شرعية لا عقلية وإلاّ كان من قبيل الأصل المثبت ، وفي المقام

__________________

(١) المراد من أصل عدم حدوث الفيل استصحاب عدم حدوثه

٢٣٦

السببية عقلية إذ لا توجد آية أو رواية تقول إذا لم يكن الفيل حادثا فالحيوان ذو الخرطوم لا يكون باقيا وإنّما ذلك ثابت من باب الملازمة العقلية.

الاعتراض الخامس

إنّ استصحاب بقاء الكلّي لو كان قابلا للجريان في نفسه ـ لتوفر جميع الاركان فيه من اليقين السابق والشكّ اللاحق ـ فمع ذلك لا يجري من جهة وجود معارض له ، فإنّ عدم بقاء الكلّي يتحقق بانتفاء كلا فرديه ، وفي المقام كلا الفردين يمكن إثبات انتفائهما ، فإنّ بقاء البق منتف بالوجدان ، وبقاء الفيل منتف باستصحاب عدم حدوثه ، وبضم ذاك الوجدان إلى الأصل يثبت انتفاء كلا فردي الكلّي وبالتالي يثبت انتفاء نفس الكلّي. وعليه فاستصحاب عدم حدوث الفيل المنضم إلى الوجدان معارض لاستصحاب بقاء الكلّي.

وبكلمة مختصرة : إنّ استصحاب بقاء الكلّي لا يجري لمعارضته باستصحاب عدم حدوث الفيل المنضم إلى الوجدان.

ويرده : إنّ استصحاب عدم حدوث الفيل المنضم إلى الوجدان لا يثبت إنتفاء بقاء الكلّي إلاّ بالملازمة العقلية والأصل المثبت ، فإنّه لا توجد آية أو رواية تقول إذا كان الفيل لم يحدث وكان البق منتفيا بالوجدان فالحيوان ذو الخرطوم لا يكون باقيا وإنّما ذلك ثابت بالملازمة العقلية.

وإنّ شئت قلت : إنّا لو سألنا استصحاب عدم حدوث الفيل وقلنا له هل تقول بعد ضم الوجدان إليك إنّ الكلّي ليس بثابت شرعا لأجاب كلا ، ومادام استصحاب عدم حدوث الفيل لا يقول بعدم بقاء الكلّي فلا مانع من استصحاب

٢٣٧

بقاء الكلّي لعدم وجود أصل ينفي بقائه شرعا. وعليه فاستصحاب بقاء الكلّي يجري بدون وجود أصل معارض له.

أجل لو فرض أنّ الأثر لم يترتب شرعا على بقاء الكلّي وإنّما كان مترتبا على بقاء الفيل وبقاء البق ـ كما لو فرض أنّ المكلّف نذر أنّ الفيل لو كان باقيا فاتصدق بدينارين ولو كان البق باقيا فأتصدق بدينار ولم ينذر أن الحيوان ذا الخرطوم لو كان باقيا فأتصدق ـ ففي مثل هذه الحالة لا يجري استصحاب بقاء الكلّي لعدم ترتب أثر على بقائه بل يجري الأصل لنفي الفردين فيقال نحن نشكّ في بقاء الفيل والأصل عدم بقائه والبق غير باق جزما فلا يجب التصدق لا بالدينارين ولا بالدينار.

ويمكن أن نذكر الرد على هذا الاعتراض بمنهجة اخرى فنقول : إنّ بقاء الكلّي امّا أن يكون له أثر أو لا يكون له أثر بل الأثر مترتب على الافراد.

فعلى الأوّل يجري استصحاب بقاء الكلّي ولا يعارضه استصحاب عدم حدوث الفيل المنضم إلى الوجدان إلاّ من باب الأصل المثبت.

وعلى الثاني لا يكون استصحاب بقاء الكلّي قابلا للجريان في نفسه ـ لعدم ترتب أثر عليه ـ حتى يعارض باستصحاب عدم حدوث الفيل. هذا كله في الحالة الاولى من القسم الثاني.

القسم الثالث من استصحاب الكلّي

وأمّا الحالة الثانية من القسم الثاني فهي تتمثل في استصحاب الكلّي من القسم الثالث كما لو علم مثلا بدخول زيد في المسجد وعلم بخروجه أيضا وشكّ

٢٣٨

شكا بدويا (١) في دخول عمرو امّا مقارنا لخروج زيد أو قبل خروجه (٢).

والمشهور بين الاصوليين عدم جريان الاستصحاب المذكور لأنّ طبيعي الإنسان وإن كان موجودا في الخارج إلاّ أنّه موجود بالحصص وواضح أن الحصة من الإنسان الموجودة ضمن زيد يعلم بارتفاعها فلا يمكن جريان استصحابها ، والحصة من الانسان الموجودة ضمن عمرو يشك في اصل حدوثها فلا ايمكن جريان استصحابها أيضا.

أجل لو أخذنا برأي الرجل الهمداني القائل بأنّ الطبيعي موجود بوجود واحد ـ امّا مغاير لوجود أفراده أو متحد مع أفراده ـ فيمكن جريان استصحابه لأنّه بدخول زيد في المسجد يحصل العلم بوجود الكلّي في المسجد فإذا خرج زيد واحتمل دخول عمرو فسوف يحتمل ان ذلك الوجود باق في المسجد فيجري استصحابه.

ان قلت : إنّه بناء على رأي السيد الشهيد القائل بأن الاستصحاب يجري في العنوان فعنوان الإنسان حيث إنّه عنوان واحد مهما اختلفت الأفراد فاستصحاب بقاء كلّي الإنسان في المسجد يكون ممكنا ووجيها.

قلت : إنّ الاستصحاب وإن كان يجري في العنوان ولكنّه لا يجري فيه بما هو عنوان وإنّما يجري فيه بما هو حاك عن الخارج ، ومن الواضح انّ عنوان الإنسان بما هو حاك عن الحصة الخارجية من الإنسان الثابتة ضمن زيد مرتفع جزما ،

__________________

(١) وهذا بخلافه في القسم الثاني من استصحاب الكلّي فإنّه كان يعلم إجمالا بحدوث امّا الفيل أو البق

(٢) المراد من القبلية ما يشمل حالة احتمال دخول عمرو مقارنا لدخول زيد

٢٣٩

وبما هو حاك عن حصة الإنسان ضمن عمرو مشكوك الحدوث ، وليس العنوان واحدا ليقال إنّه معلوم الحدوث مشكوك البقاء.

وهذا كلّه بخلافه في استصحاب الكلّي من القسم الثاني فإنّه لا توجد حصة معلومة الارتفاع وحصة اخرى مشكوكة الحدوث بل هناك حصة واحدة يعلم يحدوثها ويشكّ في ارتفاعها إذ لعلّ الحصة الحادثة هي الحصة ضمن الفيل التي تصلح للبقاء.

قوله ص ٢٩٥ س ١٠ : المسبب : بكسر الباء الاولى.

قوله ص ٢٩٥ س ١١ : كما في المثال المتقدم : أي ص ٢٩٣ س ١٧ بقوله ومثال الثاني إلخ.

قوله ص ٢٩٦ س ٣ : بل لعدم الشكّ إلخ : المناسب : بل ولعدم الشكّ في البقاء أيضا.

قوله ص ٢٩٦ س ٥ : وقد تقدم إلخ : هذا مناقشة في الاعتراض المذكور.

قوله ص ٢٩٦ س ١١ : وهذا إنّما يتواجد : أي الشكّ في الواقع على ترديده.

قوله ص ٢٩٦ س ١٢ : على كل تقدير : أي على تقدير الفرد القصير والفرد الطويل.

قوله ص ٢٩٧ س ٧ : تبعا لأخذه إلخ : أي لإجل أخذ العنوان موضوعا للأثر بما هو حاك عن الواقع.

قوله ص ٢٩٧ س ١١ : نظرا إلى أن إلخ : الظاهر البدوي للعبارة أنّه تعليل لكون المقام من باب استصحاب الفرد المردد ولكنه بعيد ، فإنّ كون المقام من استصحاب الفرد المردد بناء على تفسير الكلّي بالحصة واضح لا يحتاج إلى

٢٤٠