الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-28-6
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٨٧

قوله ص ٢٨١ س ٣ : أنّ المجعول : ليس المراد من المجعول الحكم الفعلي بل الحكم الذي جعله الشارع.

قوله ص ٢٨١ س ٦ : ولأنّه منوط إلخ : الصواب : لأنّه منوط إلخ بحذف الواو.

قوله ص ٢٨١ س ١٤ : على ما تقدم في الواجب المشروط : الحلقة الثالثة ح ١ ص ٣٣٢.

قوله ص ٢٨١ س ١٦ : على ما عرفت سابقا : ص ٢٥٢ من الحلقة.

قوله ص ٢٨٦ س ٧ : يعالج مورد إلخ : أي ينفي موضوع الأصل الثاني. هذا فيمّا إذا كان أحد الأصلين مخالفا للآخر. وقد يكونان متوافقين فيكون العلاج بنحو الإثبات لا النفي.

قوله ص ٢٨٦ س ١٢ : ولا يتعرض إلى الثبوت التقديري : عطف تفسير لقوله فلا ينفي الحرمة المعلّقة. والمقصود من الثبوت التقديري الحرمة المعلقة.

٢٠١
٢٠٢

استصحاب عدم النسخ

٢٠٣
٢٠٤

استصحاب عدم النسخ

قوله ص ٢٨٧ س ١ : تقدم في الحلقة السابقة إلخ : ومن جملة أقسام الاستصحاب التي وقع الإشكال فيها استصحاب عدم النسخ. وقبل أن نوضح الإشكال لا بدّ من استذكار ما قرآناه في الحلقة الثانية ص ٢٩٩ عن النسخ.

إنّ كل حكم يحتوي على مرحلتين : مرحلة المصلحة والارادة ، ومرحلة الإعتبار والجعل. والنسخ تارة ينظر إليه مرتبطا بالمصلحة واخرى ينظر له مرتبطا بالجعل.

والمراد من النسخ المرتبط بالمصلحة أن يعتقد الإنسان وجود مصلحة في شيء معين ثم يتبين له بعد ذلك انتفاء المصلحة ، كما لو قرر شخص تأسيس مشروع معين لاعتقاده وجود المصلحة في ذلك وشرع فيه ثم تجلى في الاثناء عدم وجود المصلحة فيحصل له التراجع. إن تكشّف انتفاء المصلحة هو نسخ يرتبط بالمصلحة ، وهو مستحيل في حق الله سبحانه لأن لازمه الجهل فلا يمكن أن يعتقد سبحانه وجود المصلحة في حكم ويشرعه ثم ينكشف له عدم وجودها.

أجل يمكن أن يفترض أنّ الله سبحانه يعلم منذ البداية بأنّ المصلحة ثابتة في الحكم إلى أمد معين فإذا انتهى الأمد انتهت المصلحة وكان ذلك نسخا لها إلاّ أنّه نسخ لها بنحو المجاز. إذن النسخ المرتبط بالمصلحة بمعناه الحقيقي مستحيل في حق الله سبحانه وبمعناه المجازي ممكن.

٢٠٥

وأمّا النسخ المرتبط بالجعل فهو على قسمين أيضا : حقيقي ومجازي.

أمّا الحقيقي فالمقصود منه أن يجعل الله سبحانه الحكم إلى الأبد بحسب لسان الدليل ، فلسان الدليل مطلق ولا يقيد بفترة محددة ـ ولكنه سبحانه يعلم أنّ المصلحة تقتضي جعله لفترة محددة ـ ثم في الأثناء يأتي الناسخ فيرفعه.

وأمّا المجازي فهو أن يجعل الحكم من الأوّل محددا بمدة معينة ثم ينتهي الأمد فيرتفع الحكم.

وإنّما كان هذا نسخا بنحو المجاز لأنّه لم يجعل مستمرا منذ البداية ليكون رفعه نسخا.

ثم ان نسخ الجعل بكلا قسميه الحقيقي والمجازي ممكن في حق الله سبحانه ، فالحقيقي منه ممكن أيضا ، إذ من الوجيه أن يشرّع الله سبحانه الحكم من دون تقييده بمدة إظهارا لهيبته وأهميته ـ وإن كان في الواقع يعلم عدم اقتضاء المصلحة لاستمراره ـ ثم يرفعه في الإثناء.

والخلاصة من كل هذا : إنّ النسخ المرتبط بالمصلحة بمعناه الحقيقي لا يمكن في حق الله سبحانه. وأمّا النسخ المرتبط بالجعل فهو ممكن في حقه بكلا معنييه الحقيقي والمجازي.

الشكّ في نسخ الجعل على قسمين

ثم إنّه بعد أن اتضح أنّ نسخ الجعل أمر ممكن في حق الله سبحانه نقول : انّ الشكّ في نسخ الجعل له قسمان : ـ

١ ـ إنّ يشكّ في نسخ نفس الجعل ، كما هو الحال في وجوب التوجه إلى بيت

٢٠٦

المقدس فإنّه كان ثابتا فيمّا سبق فإذا شككنا في رفعه وتبدله إلى وجوب التوجه للكعبة المشرفة كان ذلك شكا في أصل النسخ.

٢ ـ أن يعلم بعدم حصول نسخ الجعل ولكن مع ذلك يحتمل ارتفاع الحكم لا من ناحية نسخ الجعل بل من ناحية تقيد الحكم منذ البداية بفترة معينة ، كما هو الحال في الشكّ في بقاء وجوب الجمعة زمن الغيبة ، فإنّ الشكّ في بقاء ذلك لم ينشأ من ناحية احتمال نسخ جعل الوجوب وإنّما هو ناشيء من ناحية احتمال ضيق الحكم المجعول وتحدده بفترة الحضور.

إذن الشكّ في بقاء الحكم تارة ينشأ من احتمال نسخ الجعل واخرى ينشأ من جهة احتمال ضيق المجعول وتقيده بفترة محددة.

وبعد اتضاح هذين القسمين نأتي إلى الاستصحاب لنرى أنّه هل يمكن أن يجري فيهما لإثبات عدم تحقق النسخ ـ فإنّ نقطة البحث هي هذه ، أي في إمكان استصحاب عدم النسخ ـ أو لا؟

أمّا بالنسبة إلى القسم الأوّل ، وهو الشكّ في نسخ أصل الجعل فالاستصحاب لا مانع منه فيمكن أن يقال مثلا ان جعل وجوب التوجه إلى بيت المقدس كان ثابتا فيما سبق فإذا شكّ في نسخه جرى استصحاب بقاء الجعل وعدم نسخه لأنّ أركان الاستصحاب فيه متوفرة فيوجد يقين سابق بثبوت الجعل وشكّ في بقائه فيجري استصحابه.

أجل قد يستشكل فيه من ناحية أنّ استصحاب بقاء الجعل لا تكون له فائدة إلاّ إذا قصد من خلاله إثبات بقاء الوجوب الفعلي وإلاّ فمجرد بقاء جعل وجوب التوجه إلى بيت المقدس بلا أن يكون فعليا لا فائدة فيه ، ومن الواضح انّ

٢٠٧

استصحاب بقاء الجعل لإثبات بقاء الوجوب الفعلي لا يتم إلاّ بنحو الملازمة العقلية والأصل المثبت إذ لا توجد آية ولا رواية تقول انّ الجعل إذا كان باقيا فالحكم الفعلي يكون باقيا أيضا وإنّما ذلك مما يحكم به العقل.

ويمكن دفع هذا الإشكال بأنّ إثبات فعلية الحكم لا داعي له فإنّ المهم إثبات تنجز الحكم ، وواضح انّ التنجز لا يتوقف على سبق فعلية الحكم بل يكفي فيه ـ كما تقدم ص ٢٨٤ من الحلقة ـ العلم بالجعل والعلم بتحقق الموضوع ، فإذا استصحب الجعل وعلم من خلاله بقائه في حق المكلّف وعلم بالصغرى ـ أي علم المكلّف بأنّ التوجه إلى هذه الجهة توجه إلى بيت المقدس ـ كفى ذاك في التنجز بلا حاجة إلى إثبات الفعلية ليلزم محذور الأصل المثبت.

وبالجملة : التمسك باستصحاب بقاء الجعل وعدم نسخه لا محذور فيه.

ولكن هل يمكن التمسك بالإطلاق اللفظي لإثبات بقاء الجعل بأن يقال انّ مقتضى إطلاق دليل « توجّه إلى بيت المقدس » أنّ وجوب التوجه ثابت في جميع الازمنة؟ والجواب : كلا لا يمكن ، فإنّ الإطلاق إنّما يصح التمسك به فيمّا إذا شكّ في تقييد مفاد الدليل بأن يكون مفاد الدليل ثابتا ويشكّ في تقييده ، فمفاد اعتق رقبة مثلا وجوب عتق الرقبة ، فإذا شكّ في تقييد الوجوب المذكور بالإيمان كان مقتضى الإطلاق عدمه ، أمّا إذا لم يكن الشكّ في تقييد مفاد الدليل بل كان الشكّ في أصل ثبوت مفاد الدليل وعدمه فلا معنى للتمسك بالإطلاق ، ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ الشكّ في نسخ وجوب التوجه إلى بيت المقدس شكّ في بقاء مفاد دليل توجّه إلى بيت المقدس وعدمه ، فانّ مفاد الدليل المذكور هو وجوب التوجه إلى بيت المقدس ، والشكّ في نسخه وعدمه شكّ في بقاء مفاد الدليل

٢٠٨

المذكور وعدمه وليس شكا في تقييد مفاد الدليل بعد إحراز ثبوته.

هذا كله بالنسبة إلى القسم الأوّل من قسمي الشكّ في بقاء الحكم.

وأمّا بالنسبة إلى القسم الثاني وهو الشكّ في بقاء الحكم من جهة احتمال تقييد الحكم المجعول بفترة محددة فمثاله الشكّ في بقاء وجوب الجمعة إلى زمن الغيبة.

وفي هذا القسم يجوز جزما التمسكّ بإطلاق الدليل لنفي التقييد بالفترة المحددة ، إذ الشكّ في القسم المذكور يرجع إلى الشكّ في تقييد مفاد دليل « يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله » بخصوص فترة الحضور وليس شكا في زوال مفاد الدليل.

وأمّا بالنسبة إلى الاستصحاب فقد يشكل على استصحاب بقاء الجعل وعدم نسخه بانّ الافراد الذين عاشوا زمن الحضور هم غير الأفراد المتواجدين زمن الغيبة ، فالموضوع ليس واحدا ، ومع اختلاف الموضوع لا يجري الاستصحاب.

ونفس هذا الكلام يأتي في استصحاب أحكام الشرائع السابقة كما لو اريد استصحاب حكم ثابت في شريعة عيسى عليه‌السلام فقد يستشكل بأنّ الناس الذين عاشوا زمن تلك الشريعة هم غير الناس المعاصرين لهذه الشريعة فلا يجري الاستصحاب لعدم وحدة الموضوع. اللهم إلاّ إذا فرض أنّ شخصا أدرك كلتا الشريعتين ـ كما هو الحال في حق سلمان المحمدي بناء على ادراكه لشريعة عيسى عليه‌السلام ـ فإنّ استصحاب بقاء حكم شريعة عيسى عليه‌السلام يجري في حقه لوحدة الموضوع وعدم تغايره ، أمّا بالنسبة إلى غيره فلا يجري الاستصحاب لتغاير الموضوع.

هذا هو الإشكال في استصحاب عدم النسخ. وكل ما ذكرناه في هذا البحث إلى الآن فهو تمهيد لبيان هذا الاستصحاب وتمهيد لبيان الإشكال الوارد

٢٠٩

عليه وانّ الموضوع ما دام ليس واحدا فلا يجري الاستصحاب.

ولعل أوّل من آثار هذا الإشكال هو الشيخ الأعظم في رسائله.

جوابان عن إشكال الاستصحاب

وهناك جوابان عن الإشكال المذكور هما : ـ

١ ـ إنّ الحكم في الزمان السابق لم يكن ثابتا للافراد والاشخاص الموجودة في ذلك الزمان (١) حتى يقال بأنّ تلك الافراد الموجودة في الزمان السابق تغاير الافراد الموجودة في هذا الزمان وإنّما الحكم ثابت لكل فرد من الافراد سواء كان موجودا في الزمان السابق أو في الزمان اللاحق. وبكلمة اخرى هو ثابت لعنوان المكلّف المقدر الوجود أعم من أن يكون موجودا في ذلك الزمان أو لا (٢).

وبناء على هذا يكون الموضوع واحدا غاية الأمر يكون وجوده متقدما زمانا في القضية المتيقنة ومتاخرا في القضية المشكوكة.

٢ ـ إنّه يمكن الإشارة إلى الشخص الموجود في هذا الزمان المتأخر ويقال إنّ هذا كان لو وجد في الزمان السابق لثبت له الحكم وهو الآن لو وجد لثبت الحكم له أيضا فالمستصحب هو القضية الشرطية بخلافه في الجواب السابق فإنّ المستصحب هو الحكم المنجز (٣).

__________________

(١) والحكم المجعول بهذا الشكل يصطلح عليه بأنّه مجعول بنحو القضية الخارجية ، فإنّه في القضية الخارجية يكون الحكم منصبا على الأفراد الموجودة بالفعل حين الحكم

(٢) والحكم المجعول بهذا الشكل يصطلح عليه بأنّه مجعول بنحو القضية الحقيقية ، فإنّه في القضية الحقيقية يكون الحكم منصبا على مطلق الأفراد سواء كانت موجودة بالفعل أم لا

(٣) قد يشكل على الاستصحاب التعليقى المذكور بأنّ المتيقن هو أنّه لو وجد المكلّف في ـ

٢١٠

هذا ولكن إجراء الاستصحاب بكلا هذين الشكلين يتوجه له إشكال ، وهو أنّه معارض باستصحاب عدم التكليف الثابت قبل البلوغ ، فإنّ كل شخص موجود في هذا الزمان يمكن أن يشار له ويقال هذا قبل أن يبلغ سن التكليف لم يكن وجوب صلاة الجمعة ثابتا في حقه فإذا شكّ في بقاء ذلك جرى استصحاب بقاء عدم الوجوب وكان ذلك معارضا لاستصحاب بقاء التكليف بأحد الشكلين السابقين. وهذه المعارضة تشبه تماما المعارضة المتقدمة في الاستصحاب التعليقي ، حيث قيل انّ استصحاب بقاء الحرمة المشروطة إلى حالة الزبيبية معارض باستصحاب الحلية الفعلية الثابتة قبل غليان الزبيب ، وكما كانت تلك المعارضة مانعة من حجّية الاستصحاب التعليقي كذلك المعارضة في المقام مانعة من حجّية استصحاب بقاء التكليف إلى زمن الغيبة.

قوله ص ٢٨٧ س ٢ : مبادئ الحكم : وهي المصلحة والإرادة. وأمّا النسخ بمعناه المجازي بالنسبة إلى مبادئ الحكم فهو ممكن.

قوله ص ٢٨٧ س ٢ : ومعقول بالنسبة إلى الحكم في إلخ : بلا فرق بين

__________________

ـ الزمان السابق لثبت له الحكم وأمّا أنّه لو وجد الآن فيثبت له الآن فهذا لم يكن متيقنا سابقا حتى يستصحب.

والجواب : إنّ مثل هذا الإشكال يعم كل استصحاب تعليقي فالزبيب مثلا حينما يشار له ويقال لو غلى في السابق حرم وهو الآن أيضا لو غلى حرم يأتي فيه مثل هذا الإشكال حيث يقال إن الزبيب كان يحرم لو غلى في الزمان السابق وأمّا أنه يحرم لو غلى الآن أي في حال الزبيبية فهو لم يكن متيقنا سابقا.

وحل الإشكال : انّ خصوصية التغاير من حيث الزمان لا تؤثر على الاستصحاب ، فالموضوع ما دام واحدا يجرى فيه الاستصحاب وإن اختلف من حيث الزمان

٢١١

معناه الحقيقي والمجازي فإنّ كليهما معقول بالنسبة إلى عالم الجعل.

قوله ص ٢٨٧ س ٣ : وعليه فالشكّ إلخ : أي مادام النسخ بلحاظ عالم الجعل معقولا حتى بمعناه الحقيقي.

قوله ص ٢٨٨ س ١١ : وعلاج ذلك : هذا جواب الإشكال.

قوله ص ٢٨٨ س ١٣ : مباشرة : قيد لقوله « تنصب ».

قوله ص ٢٨٨ س ١٤ : على الموضوع الكلي : وهو عنوان المكلّف حيث انّ الحكم ينصب على كل مكلّف قدّر وفرض وجوده.

قوله ص ٢٨٨ س ١٥ : وفي هذه المرحلة : أي مرحلة صبّ الحكم على الموضوع الكلي المقدر الوجود.

قوله ص ٢٨٨ س ١٦ : وتأخر الموضوع إلخ : عطف تفسير لقوله إلاّ من ناحية الزمان.

قوله ص ٢٨٨ س ١٧ : وهذا يكفي : أي كون الحكم منصبا على كل فرد سواء كان موجودا في الزمان السابق أم في الزمان اللاحق.

قوله ص ٢٨٩ س ٣ : المجعول الكلّي : وهو وجوب صلاة الجمعة.

قوله ص ٢٨٩ س ٦ : على تقدير وجوده : أي في الزمان السابق.

قوله ص ٢٨٩ س ٦ : ولا يزال كما كان : أي لو وجد الآن لثبت له الحكم السابق. هذا هو المقصود وليس المقصود لو وجد في الزمان السابق لثبت له الحكم السابق.

قوله ص ٢٨٩ س ٧ : معروض الحكم : أي موضوع الحكم.

قوله ص ٢٨٩ س ١٢ : عموما : أي على كل استصحاب تعليقي.

٢١٢

استصحاب الكلّي

٢١٣
٢١٤

استصحاب الكلي

قوله ص ٢٩٠ : استصحاب الكلي إلخ : من جملة أفراد الاستصحاب التي وقع فيها الإشكال استصحاب الكلي.

وقبل الدخول في صلب الموضوع نشير إلى مقدمة حاصلها : إنّ المستصحب تارة يكون أمرا جزئيا واخرى أمرا كليا.

مثال المستصحب الجزئي : استصحاب عدالة زيد أو وجوب صلاة الجمعة.

وأمّا استصحاب الكلي فهو على أقسام ثلاثة هي : ـ

١ ـ استصحاب الكلي من القسم الأوّل ، وهو أنّ نقطع بوجود الكلّي ضمن فرد معين ثم نشكّ في بقاء الكلّي بسبب الشكّ في بقاء ذلك الفرد ، كما لو علم بوجود كلّي الإنسان في المسجد ضمن زيد ثم شكّ في بقاء الكلّي لأجل الشكّ في بقاء زيد.

وفي هذا القسم يجري استصحاب الكلّي لو كان له أثر مختص به كما ويجري استصحاب الفرد لو كان له أثر مختص به.

٢ ـ استصحاب الكلّي من القسم الثاني وهو أن يقطع بوجود الكلّي ضمن فرد مردد بين الطويل والقصير (١) ، كما لو علم بوجود حيوان ذي خرطوم مردد بين البق والفيل (٢) ومضى يوم واحد على وجود الحيوان فإنّه يحصل الشكّ في

__________________

(١) يوجد لاستصحاب الكلّي من القسم الثاني صورة اخرى تأتي الإشارة لها إن شاء الله تعالى

(٢) فإنّ البق له خرطوم والفيل له خرطوم أيضا

٢١٥

بقائه لأنّه لو كان الحيوان الموجود هو البق فهو ميت جزما إذ البق لا قدرة له على البقاء أكثر من يوم ولو كان هو الفيل فهو باق جزما أو احتمالا.

والمثال الشرعي لذلك : ما إذا خرج من المكلّف سائل مردد بين البول والمني فإنّه يحصل له اليقين بكونه محدثا بكلّي الحدث المردد بين الأصغر والأكبر فإذا توضأ (١) فسوف يحصل له الشكّ في بقاء الحدث الكلّي إذ لو كان الحدث هو الأصغر فهو مرتفع جزما بسبب الوضوء والاّ فهو باق ، ففي مثل هذه الحالة يجري استصحاب كلّي الحدث ويترتب آثار كلّي الحدث كحرمة مس المصحف مثلا. وأمّا الفرد فلا يجري استصحابه ، فالجنابة لا يجري استصحابها لعدم اليقين بحدوثها كما وأنّ الحدث الأصغر لا يجري استصحابه لعدم اليقين بحدوثه بل وهناك يقين بارتفاعه لو كان حادثا. والمشهور في هذا القسم من استصحاب الكلّي جريانه.

٣ ـ استصحاب الكلّي من القسم الثالث ، وهو أن يتيقن من وجود الكلّي ضمن فرد ويتيقن من ارتفاع ذلك الفرد ولكن يشكّ في وجود فرد ثان ، كما لو علم بوجود الإنسان في المسجد ضمن زيد وعلم بخروج زيد ولكن احتمل دخول عمرو حين خروج زيد من المسجد أو حينما كان زيد موجودا بعد في المسجد ، في مثل هذه الحالة سوف يشكّ في بقاء الكلّي لأجل احتمال دخول عمرو في المسجد وبقاء الكلّي ضمنه.

__________________

(١) إنّما فرضنا أنه توضأ كيّما يحصل له الشكّ إذ بدون الوضوء يبقى المكلّف على يقين من بقاء الحدث ولا يحصل له الشكّ ، وهكذا لو فرض أنّه اغتسل بدون ضم الوضوء إليه فسوف يحصل له الشكّ في بقاء الحدث

٢١٦

والمثال الشرعي لذلك : ما إذا كانت أجزاء الصلاة عشرة وتعذر واحد منها فإنّه سوف يشكّ في وجوب الأجزاء التسعة الباقية. وقد يقال بامكان اثبات بقاء وجوب الاجزاء التسعة عن طريق الاستصحاب بأن يقال ان الاجزاء التسعة كانت واجبة سابقا والآن يشكّ في بقاء وجوبها فيجري استصحاب بقاء وجوبها. وهذا الاستصحاب لو تأملنا فيه لوجدنا أنّه من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلّي إذ الاجزاء التسعة وإن كانت واجبة سابقا ولكن وجوبها كان وجوبا غيريا ومن باب المقدمة للوجوب النفسي للعشرة ، وبعد تعذر أحد الأجزاء فالأجزاء التسعة الباقية لا يحتمل وجوبها بالوجوب الغيري ، إذ بانتفاء الوجوب النفسي ينتفي الوجوب الغيري أيضا وإنّما يحتمل وجوبها ـ الأجزاء التسعة ـ بالوجوب النفسي بأن يكون قد حدث لها وجوب نفسي بعد انتفاء وجوبها الغيري.

إذن نحن لا نستصحب الوجوب الغيري. السابق للأجزاء التسعة لأنّه قد انتفى جزما كما ولا نستصحب وجوبها النفسي الجديد إذ لا يقين بحدوثه بل نستصحب كلّي الوجوب حيث إنّه متيقن الحدوث ضمن الوجوب الغيرى ويشكّ في ارتفاعه لاحتمال حدوث الوجوب النفسي.

والمعروف في هذا القسم من استصحاب الكلي عدم الجريان.

عودة إلى الكتاب

وبعد اتضاح هذه المقدمة نعود إلى الكتاب.

يقول قدس‌سره : إنّ المراد من استصحاب الكلّي هو التعبّد ببقاء الكلّي الجامع بين

٢١٧

فردين من الحكم أو الجامع بين فردين من الموضوع فيما إذا كان له ـ الموضوع ـ أثر شرعي.

مثال الجامع بين فردين من الحكم : استصحاب كلّي الوجوب الجامع بين الوجوب الغيري والوجوب النفسي.

ومثال الجامع بين فردين من الموضوع : استصحاب كلّي الحدث الجامع بين الحدث الأصغر والحدث الأكبر ، فإنّ الحدث الأكبر والأصغر موضوع للحكم وليس بنفسه حكما شرعيّا.

الكلام في جهتين

والبحث في استصحاب الكلّي يقع في جهتين : ـ

الجهة الاولى

١ ـ في أصل جريان استصحاب الكلّي. قد يشكل على أصل جريان الاستصحاب في الكلّي ويقال انّ الاستصحاب لا يجري في الكلّي سواء كان من قبيل القسم الأول أو القسم الثاني أو القسم الثالث ، فعلى تقدير جميع الاقسام الثلاثة لا يجري الاستصحاب.

والاشكال المذكور له بيانان : بيان فيما إذا كان المستصحب كلّيا جامعا بين حكمين وبيان فيما إذا كان المستصحب كلّيّا جامعا بين موضوعين.

أمّا بيان الاشكال في باب الأحكام ـ ومثال استصحاب الكلّي في باب الأحكام استصحاب كلّي الوجوب الجامع بين الوجوب الغيري والوجوب النفسي في المثال المتقدّم ـ فحاصله : انّه لو قلنا بأنّ مفاد دليل الاستصحاب جعل

٢١٨

الحكم المماثل وأنّ استصحاب وجوب الجمعة مثلا معناه جعل وجوب ثان ظاهري في زمان الشك مماثل للوجوب السابق ، بناء على هذا المبنى لا يمكن استصحاب كلّي الوجوب الجامع بين النفسي والغيري ، إذ مرجع استصحاب الكلّي إلى جعل وجوب كلّي في زمان الشك ، ومن الواضح انّ الموجود في الخارج حيث لا يمكن أن يكون كلّيّا ـ فإنّ الموجود في الخارج لا بدّ وأن يكون فردا جزئيّا لا كلّيّا إذ الشيء ما لم يتشخّص لا يوجد ـ فلا يمكن جعله في زمان الشك فإنّ الشيء الذي لا يمكن وجوده في الخارج لا معنى لجعله ، ويكون جعله لغوا.

أجل كلّي الوجوب يمكن وجوده ضمن أحد الفردين فإنّ الوجوب النفسي مثلا فيه كلّي الوجوب ويمكن اجراء الاستصحاب في كلّي الوجوب ضمنه إلاّ أنّ هذا بحسب الحقيقة إجراء للاستصحاب في الجزئي لا في الكلّي.

وبكلمة مختصرة : إنّ الكلّي بما هو كلّي حيث لا يمكن وجوده في الخارج فجعله في زمان الشك من طريق الاستصحاب لا يكون معقولا ، والكلّي الموجود ضمن أفراده وإن كان يمكن وجوده في الخارج إلاّ ان جريان الاستصحاب فيه يرجع إلى استصحاب الجزئي لا الكلّي. هذا حصيلة الاعتراض في باب الأحكام.

والجواب عنه : إنّ الاعتراض المذكور مبني على المبنى المذكور وانّ مفاد دليل لا تنقض اليقين بالشك جعل الحكم المماثل ، أمّا بناء على انكار هذا المبنى والقول بأنّ مفاد دليل لا تنقض ابقاء اليقين ـ امّا بمعنى إبقائه زمن الشك اعتبارا وتعبّدا كما هو الحال بناء على مسلك جعل العلميّة الذي يختاره السيّد الخوئي ، أو بمعنى إبقائه زمن الشك بلحاظ المنجّزية والجري العملي كما هو مختار السيّد الشهيد ـ فلا بأس بجريان الاستصحاب في كلّي الوجوب إذ جعل المكلّف عالما

٢١٩

بمقدار الجامع من حيث المنجّزية أمر معقول ، كيف لا وفي باب العلم الاجمالي بثبوت أحد الوجوبين يكون المكلّف عالما بالجامع ـ المراد من الجامع أحد الوجوبين ـ ويتنجّز عليه مقدار الجامع دون أحد الفردين بالخصوص.

الاشكال في باب الموضوعات

وقبل بيان الاشكال في استصحاب الكلّي في باب الموضوعات نقدّم مقدّمة ثمّ نرجع لبيان الاشكال.

وحاصل المقدّمة : انّه وقع كلام في علم المعقول في أنّ الكلّى الطبيعي (١) هل هو موجود في الخارج أو لا؟ فهناك رأي يقول بأنّ طبيعة الشجر والإنسان والحجر وأمثال ذلك ليست موجودة في الخارج بل هي موجودة في الذهن وإنما الموجود في الخارج أفراد الإنسان مثلا دون نفس الإنسان ، وقد اشير في حاشية ملاّ عبد الله إلى هذا الرأي واشير إلى ردّه وأنّ الطبيعي موجود في الخارج (٢) لا بمعنى وجود أفراده دون نفسه ، بل هو بنفسه موجود في الخارج.

وبعد بطلان هذا الرأي فالإتّجاه الصحيح إذن هو القائل بوجود الطبيعي في الخارج. وأصحاب هذا الإتّجاه بعد اتّفاقهم على وجود الطبيعي في الخارج اختلفوا في كيفية وجود الطبيعي في الخارج. وفي هذا المجال يوجد رأيان : ـ

__________________

(١) المراد من الكلّي الطبيعي نفس الطبيعة والماهية ، فطبيعة الإنسان والشجر والحجر والماء والهواء والحيوان والتراب وكل جنس من الاجناس عبارة اخرى عن الكلّي الطبيعي

(٢) عدم وجود الطبيعي في الخارج أمر بعيد فإن لازمه أن لا يكون مثل النبي والامام انسانا بل هم أفراد للإنسان وليسوا انسانا وهو بعيد

٢٢٠