الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-28-6
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٨٧

استصحاب الحكم المعلق :

قوله ص ٢٧٩ س ١ : قد نحرز كون الحكم منوطا إلخ : بعد ان ثبتت حجّية الاستصحاب وقع الكلام بين الاصوليين في بعض المصاديق انها حجّة أو لا.

ومن تلك المصاديق استصحاب الحكم التعليقي ، فالمشهور قبل زمان الشيخ النائيني القول بحجّيته ومن بعد زمانه انعكست الشهرة إلى القول بعدم حجيته. ولا بدّ أوّلا من إيضاح المقصود من الاستصحاب التعليقي ثم بيان وجه الإشكال في حجّيته بعد ذلك.

إنّ الشيء الذي يراد استصحابه تارة يكون أمرا منجزا لا يشتمل على كلمة « إن » الشرطية ، واخرى يكون مشروطا ومشتملا على كلمة « إن » الشرطية.

مثال الأوّل : استصحاب وجوب صلاة الجمعة ، فإنّ الوجوب الذي يراد استصحابه أمر منجز لا يشتمل على كلمة « إن » الشرطية. ويسمى مثل هذا الاستصحاب بالاستصحاب التنجيزي.

ومثال الثاني : استصحاب حرمة العصير العنبي ، فان الروايات الشريفة دلت على أن العصير العنبي المغلي حرام فلو فرض أنّ لدينا عنبا سخناه بالنار حتى غلا فلا إشكال في حرمته ، أمّا إذا بقي في الهواء إلى أن جفت رطوبته وصار زبيبا ثم سخناه بالنار بعد ذلك فهل يحرم أو لا؟ في هذه الحالة ذهب بعض الفقهاء

١٨١

إلى الحرمة أيضا تمسكا بالاستصحاب فيشار إلى الزبيب ويقال : هذا كان يحرم سابقا ـ أي عند ما كان عنبا ـ إن غلا والآن نشكّ في بقاء تلك الحرمة فنستصحبها.

إنّ المستصحب في هذا المثال ـ كما نلاحظ ـ ليس هو الحرمة المنجزة بل الحرمة المعلّقة على الغليان والمشروطة بـ « إن » الشرطية ، فالحرمة الثابتة للعنب إن غلا هي التي يراد استصحابها.

ثم إنّا لو تأملنا في المثال وجدنا وجود ثلاث خصوصيات : العنبية ، والغليان ، ورطوبة العنب.

أمّا الخصوصية الاولى والثانية فيجزم بدخالتهما في الحرمة فلو لا العنبية (١) ولو لا الغليان فلا حرمة جزما. وأمّا الخصوصية الثالثة وهي الرطوبة التي زالت بسبب جفاف العنب وصيرورته زبيبا فممّا يشكّ في مدخليتها ، فلو كان لها مدخلية فالحرمة حالة الزبيبية منتفية جزما ولو لم يكن لها مدخلية فهي باقية إلى حالة الزبيبية جزما. إذن منشأ الشكّ في بقاء الحرمة هو الشكّ في مدخلية هذه الخصوصية.

ثم إنّه لا بدّ من فرض أنّ الخصوصية الثانية ـ وهي الغليان ـ غير متحققة ، إذ لو كانت متحققة بأن فرض غليان العنب فحالة الزبيبية لا تكون حاصلة بل لا بدّ من فرض أنّ العنب بقي ولم يغل إلى أن صار زبيبا ثم بعد ذلك غلا. والحرمة التي يراد استصحابها إنّما صارت معلقة بسبب عدم تحقق الخصوصية الثانية إذ مع تحققها تصير ـ الحرمة ـ منجزة لا معلقة.

__________________

(١) بأن كان الشيء تينا مثلا

١٨٢

وبكلمة مختصرة : إنّه يلزم في الاستصحاب التعليقي فرض خصوصيتين يجزم بمدخليتهما في الحكم ويفرض أنّ الخصوصية الثانية غير متحققة (١) ـ ليصير الحكم معلقا ـ ويفرض أيضا أنّ الخصوصية الثالثة التي يشكّ في مدخليتها ـ وهي خصوصية الرطوبة ـ منتفيه بسبب التحول إلى حالة الزبيبية وبعد انتفائها والتحول إلى حالة الزبيبية يفرض تحقق الخصوصية الثانية ـ وهي الغليان ـ التي كانت مفروضة الإنتفاء حالة العنبية.

تنبيه مهم

وينبغي الإلتفات إلى وجود حالة يكون الاستصحاب فيها منجزا بحسب الصورة والشكل ومعلقا بحسب الروح والحقيقة فالناظر له قد يغفل ويعدّه منجزا مع أنّه معلق واقعا.

ومثال ذلك : الماء المطلق فيما إذا شكّ في تحوله إلى الاضافة فانّه بسبب الشكّ المذكور سوف يشكّ في جواز الاغتسال به من الجنابة. وفي هذه الحالة يمكن استصحاب بقاء صفة الإطلاق له ، وهذا استصحاب تنجيزي ولا محذور فيه ، بيد أنّه لو قطعنا النظر عنه فقد يتخيل أنّ بالإمكان استصحاب جواز الاغتسال به فيقال : سابقا كان يجوز الاغتسال به والآن يشكّ في ذلك فيستصحب بقاء الجواز ويتصور أنّ ذلك من قبيل الاستصحاب التنجيزي ، والحال انّه استصحاب تعليقي ، فإنّ الشارع لم يجعل جواز الاغتسال ولم يقل انّ الماء المطلق يجوز الاغتسال به من الجنابة كي يستصحب ذلك وإنّما جعل جواز

__________________

(١) أي هي غير متحققة عند ما كانت الخصوصية الثالثة ـ وهي الرطوبة ـ متحققة

١٨٣

الدخول في الصلاة منوطا بالاغتسال بالماء ، فالجنب إن اغتسل جاز له الدخول في الصلاة ، فالحكم المجعول إذن حكم تعليقي واستصحابه من قبيل الاستصحاب التعليقي وإن كان بحسب الشكل والصورة استصحابا تنجيزيا.

إنّه لا بدّ من الالتفات إلى أنّ مثل هذه الاستصحابات التي قد يتخيل انّها تنجيزية اغترارا بصورتها هي في روحها استصحابات تعليقية.

الاعتراضات على الاستصحاب التعليقي

هناك اعتراضات ثلاثة توجه عادة إلى الاستصحاب التعليقي. وقبل الإشارة لها نذكر أشكالا يخطر في ذهن الطالب يقول انّ الاستصحاب التعليقي لا يجري من جهة عدم بقاء الموضوع فإنّ موضوع الحرمة سابقا هو العنب ، وهذا الموضوع قد زال وتبدل إلى الزبيبية.

وهذا الإشكال مدفوع بأن حالة الزبيبية لو سلّم انّها توجب تغير الموضوع وليست من قبيل التبدل في بعض الحالات الطارئة فيمكن أن يقال انّ المناقشة هذه مناقشة في المثال ، فإنّ خصوص هذا المثال يرد الإشكال المذكور فيه ، ولا يرد في بقية الأمثلة كمثال جواز الإغتسال بالماء من الجنابة الذي أشرنا له سابقا.

والإعتراضات الثلاثة هي كما يلي : ـ

الاعتراض الأوّل

وهذا الاعتراض للشيخ النائيني. وحاصلة إنّ ما يراد استصحابه فيه احتمالات ثلاثة على تقدير جميعها لا يجري الاستصحاب : ـ

١٨٤

أ ـ أن يستصحب بقاء الجعل والتشريع فيقال انّ تشريع الحرمة لشرب العنب إذا غلى كان ثابتا والآن يشكّ في بقائه. وهذا الاحتمال باطل لأنّ التشريع يجزم ببقائه ولا يحتمل نسخه. وعليه فالاستصحاب بناء على هذا الاحتمال لا يجري من جهة انتفاء الركن الثاني من أركان الاستصحاب وهو الشكّ في البقاء.

ب ـ أن تستصحب الحرمة الفعلية الثابتة للعنب. وهذا باطل أيضا لانّ الحرمة الفعلية لم تكن ثابتة سابقا لتستصحب إذ المفروض عدم غليان العنب سابقا لتصير حرمته فعلية. وعليه فالاستصحاب بناء على هذا الإحتمال لا يجري من جهة انتفاء الركن الأوّل وهو اليقين بالحدوث ، إذ المفروض عدم اليقين بحدوث الحرمة بل هناك يقين بعدمها.

ج ـ أن تستصحب الحرمة المعلّقة فيقال إنّ العنب كان قد ثبتت له الحرمة إن غلى ونحن نستصحب الحرمة المعلّقة المذكورة. وهذا باطل أيضا لأنّ الحرمة المعلّقة ليست أمرا مجعولا من قبل الشارع ليمكن له ـ الشارع ـ أن يعبدنا ببقائها فان المجعول للشارع هو الحرمة للعصير العنبي المغلي ، وأمّا الحرمة المشروطة بالغليان فليست مجعولا له وإنّما نحن ننتزعها من ذلك المجعول الشرعي.

جوابان عن الاعتراض الأوّل

وقد اجيب عن هذا الإعتراض بجوابين : ـ

١ ـ ما يستفاد من كلمات الشيخ الأعظم قدس‌سره في الرسائل من إنّا نستصحب شقا رابعا غير تلك الشقوق الثلاثة السابقة ، فنستصحب سببية الغليان للحرمة فيقال إنّ غليان العنب كان سببا للحرمة والآن نشكّ في بقاء هذه السببية

١٨٥

فنستصحبها. والسببية حيث إنّها حكم منجز وليست معلقة فيكون استصحابها من قبيل الاستصحاب التنجيزي ـ الذي هو حجة جزما ـ لا التعليقي.

ويرده : انه ما الغرض من استصحاب بقاء السببية؟ فهل المقصود من إثبات بقائها إثبات الحكم الفعلي ، أي إثبات أنّ الحرمة للزبيب بعد غليانه ثابتة له بالفعل أو المقصود مجرد إثبات بقاء السببية دون أن يكون الغرض إثبات فعلية الحرمة للزبيب بعد غليانه؟

فإن كان المقصود هو الأوّل فيرد عليه أنّ استصحاب السببية في الحالة المذكورة من قبيل الأصل المثبت إذ لم توجد آية او رواية تقول إنّ سببية الغليان للحرمة إذا كانت باقية فالحرمة ثابتة بالفعل للزبيب بعد غليانه وإنّما ذلك ثابت من باب الملازمة العقلية فإنّ الروايات الشريفة رتبت الحرمة على حصول ذات السبب ـ أي على حصول الغليان فقالت إن غلى حرم ـ ولم ترتبها على سببية الغليان للحرمة.

وإن كان المقصود هو الثاني ـ أي مجرد إثبات بقاء السببية لا أكثر ـ فيرده انّ الاستصحاب لا يجري إلاّ إذا كان قابلا لإثبات التنجيز أو التعذير ، ومن الواضح انّ الحكم ببقاء السببية لا يقبل التنجيز ولا التعذير ، إذ السببية حكم وضعي والاحكام الوضعية لا تقبل التنجيز أو التعذير ـ وإنّما القابل لذلك هو الأحكام التكليفية ـ لأنها ليست أمرا مجعولا للشارع لتقبل ذلك ، فالشارع قال العصير العنبي المغلي حرام ولم يقل جعلت سببية الغليان للحرمة ، وهذا بخلافه في الاحكام التكليفية فهي حيث إنّها مجعولة للشارع تقبل التنجيز والتعذير.

٢ ـ ما ذكره الشيخ العراقي في ردّ الميرزا قدس‌سره. وحاصله إنّا نختار الشق

١٨٦

الثاني وهو استصحاب الحرمة الفعلية. وقولكم إنّ الحرمة الثابتة حالة العنبية ليست فعلية باعتبار عدم تحقق الغليان خارجا حسب الفرض ـ إذ لو كان العنب قد غلى لم يصر زبيبا ـ مدفوع بأنّ صيرورة الحكم فعليا لا تتوقف على وجود موضوعه وتحققه في الخارج فعلا بل يكفي في صيرورة الحكم فعليا فعلية تصور الموضوع في ذهن الحاكم فإنّ الحاكم عند ما يتصور في ذهنه الموضوع بالفعل يصير الحكم فعليا ولا يلزم فعلية تحققه في الخارج. وبما أنّ الحاكم قد تصور الموضوع في ذهنه بالفعل فالحكم إذن فعلي ويجري استصحابه.

واستدل الشيخ العراقي على أنّ فعلية الحكم يكفي فيها فعلية تصور الموضوع في الذهن ولا يلزم فيها فعلية تحقق الموضوع في الخارج بانه لا إشكال في أنّ المجتهد يستصحب بقاء الاحكام ، فيستصحب بقاء النجاسة للماء المتغير فيما إذا زال تغيره من قبل نفسه والحال انّه لو كانت فعلية الحكم موقوفة على فعلية الموضوع خارجا يلزم عدم جريان استصحاب النجاسة إذ المجتهد حينما يجري استصحاب النجاسة لا يوجد في غرفته حوض فيه ماء متغير ليكون الموضوع متحققا في الخارج بالفعل وبالتالي ليكون الحكم بالنجاسة فعليا.

وعليه فاستصحاب المجتهد لنجاسة الماء المتغير يدل على أنّ فعلية الحكم لا تدور مدار فعلية الموضوع خارجا بل تدور مدار فعلية تصور الموضوع في الذهن.

وقد سجل الشيخ العراقي جريان استصحاب النجاسة في المثال المذكور نقضا على الشيخ النائيني القائل بأنّ فعلية الحكم تدور مدار فعلية موضوعه خارجا (١).

__________________

(١) من خلال هذا يتضح أنّ ما قرآناه وسمعناه مرارا من أنّ فعلية الحكم تدور مدار فعلية ـ

١٨٧

الرد على الشيخ العراقي

والشيخ العراقي في كلامه السابق أفاد مطلبين : ـ

أحدهما : إنّ فعلية الحكم لا تتوقف على فعلية الموضوع خارجا بل يكفي فيها فعلية تصور الموضوع في الذهن.

ثانيهما : النقض الذي سجله ، وهو أنّ فعلية الحكم لو كانت تتوقف على فعلية الموضوع خارجا فكيف يجري المجتهد استصحاب بقاء نجاسة الماء المتغير والحال أنّه لا يوجد في غرفته ماء متغير.

أمّا بالنسبة إلى المطلب الأوّل فيرده أنّ تصور الموضوع لا يكفي لصيرورة الحكم فعليا ، إذ الصورة الذهنية للموضوع أمّا أن ينظر لها بما هي صورة ذهنية أو ينظر لها بما هي عين الخارج.

فإن نظر لها بما هي صورة ذهنية فلا يوجد سوى الجعل والتشريع ، فبمجرد النظر إلى الصورة الذهنية للعصير العنبي المغلي لا يتحقق المجعول الفعلي حتى يقال انّ هذا المجعول الفعلي ـ أي الحرمة الفعلية ـ كان سابقا متيقنا والآن يشك في بقائه وإنّما يتحقق الجعل فقط ويكون ثبوت هذا الجعل لصورة العصير

__________________

ـ موضوعه خارجا ـ التي قال بها الميرزا والسيد الخوئي والسيد الشهيد وجماعة آخرون ـ محل نظر عند الشيخ العراقي ، فإنّه يرى أنّ حقيقة الحكم عبارة اخرى عن الإرادة وليست اعتبارا مجعولا ، كما ويرى انّ فعلية الإرادة المشروطة لا تتوقف على الوجود الخارجي للشرط بل على تصور الشرط ولحاظه ، فانّ الإرادة أمر نفسي والأمر النفسي لا يمكن أن يناط بالأمر الخارجي.

راجع بدائع الأفكار ص ٣٢٧

١٨٨

العنبي المغلي معلوما وثبوته للزائد ـ وهو الصورة الذهنية للزبيب المغلي ـ مشكوكا.

وإنّ نظر إلى الصورة الذهنية بما هي عين الخارج ـ بأن نظر إلى صورة العصير العنبي المغلي بما هي مرآة للعصير العنبي المغلي الموجود في الخارج ـ ففي مثل ذلك وإن تحقق المجعول الفعلي وأمكن جريان استصحاب بقاء الحرمة إلى حالة الزبيبية إلاّ انّ هذا معناه أنّ فعلية الحكم تدور مدار تحقق الموضوع في الخارج ـ غاية الأمر على مستوى الإفتراض والتقدير ـ ولا يكفي وجوده التصوري بل لا بدّ من وجوده الخارجي ولو فرضا وتقديرا وحينئذ يحصل الشكّ في بقاء الحكم الفعلي بحرمة العصير ويجري استصحابه.

وأمّا بالنسبة إلى المطلب الثاني فيرده أنّ المجتهد حينما يجري استصحاب نجاسة الماء المتغير يتصور في ذهنه صورة الماء المتغير ويرى هذه الصورة بما هي عين الخارج فيحصل له الشكّ في بقاء النجاسة ، فوجود الماء المتغير في غرفته وإن لم يكن لازما إلاّ أنّه في نفس الوقت لا يكفي مجرد تصور صورة الماء المتغير في ذهنه والنظر لها بما هي صورة ذهنية بل لا بدّ من النظر لها بما هي عين الخارج.

وقد تقول : إذا كان تصور الموضوع في الذهن والنظر إلى الصورة بما هي عين الخارج يكفي في فعلية الحكم ويكفي في صحة جريان استصحاب بقاء الحكم الفعلي فلما ذا في مقامنا لا يكفي ذلك ، أي لماذا لا نقول انّ المجتهد يتصور صورة العصير العنبي المغلي ويراها بما هي عين الخارج ويجري الاستصحاب بعد ذلك.

والجواب : إنّ المجتهد لا يتصور صورة العصير العنبي المغلي بل يتصور

١٨٩

صورة العصير العنبي فقط بدون ضم صورة الغليان إلى ذلك ـ إذ مع تصور الغليان أيضا يلزم انّ العنب لم يبق ليصير زبيبا ـ أي يتصور بعض الموضوع لا جميعه بكامله ، ومن الواضح إنّا حينما نقول بكفاية تصور صورة الموضوع والنظر لها بما هي عين الخارج في صيرورة الحكم فعليا فالمراد أنّ تصور صورة جميع الموضوع بكامله والنظر لها بما هي عين الخارج يكفي في صيرورة الحكم فعليا لا أنّ تصور بعض الموضوع يكفي أيضا.

الجواب عن الاعتراض الأوّل

وبعد بطلان الجوابين السابقين عن الاعتراض الأوّل يتصدى السيد الشهيد بنفسه للجواب ويقول : إنّ اعتراض الشيخ النائيني يتم على تقدير ولا يتم على تقدير آخر ، فإنّ الحكم المجعول من قبل الشارع تارة يكون بلسان « العصير العنبي المغلي حرام » واخرى يكون بلسان « العصير إذا غلي حرم ».

فإن كان باللسان الأوّل فما أفاده الميرزا في الاعتراض الأوّل تام حيث لا يمكن استصحاب الحرمة المشروطة بالغليان لأنها ليست حكما مجعولا للشارع وإنّما هي قضية انتزاعية تنتزع من قول الشارع « العصير العنبي المغلي حرام ».

وأمّا إذا كان باللسان الثاني فالحرمة المشروطة يمكن استصحابها إذ هي بنفسها مجعولة للشارع وليست أمرا انتزاعيا حتى يقال بعدم إمكان جريان استصحابها (١).

__________________

(١) توجد الفاظ زائدة في عبارة الكتاب لم نشر إلى شرحها لعدم مدخليتها في المطلب

١٩٠

الاعتراض الثاني

إنّ الغرض من استصحاب الحرمة المشروطة بالغليان بل ومن كل استصحاب هو اثبات التنجيز والتعذير إذ بدون ذلك يكون الاستصحاب لغوا وبلا فائدة ولا يمكن أن يعبدنا به الشارع. وفي المقام نقول إنّ استصحاب بقاء الحرمة المعلّقة لا يترتب عليه التنجيز فلا يمكن جريانه فإنّ الحرمة المعلّقة لا تقبل التنجز بل القابل لذلك هو الحرمة الفعلية ، إذ الحرمة الفعلية حرمة ثابتة بالفعل فيمكن أن يستحق المكلّف على مخالفتها العقاب ـ وهذا هو معنى التنجز إذ هو يعني استحقاق العقوبة على المخالفة ـ وهذا بخلاف الحرمة المعلّقة فإنها حرمة غير ثابتة بالفعل لكي يستحق المكلّف على مخالفتها العقاب.

وباختصار : إنّ الغرض من الاستصحاب إثبات التنجز ، واستصحاب الحرمة المعلّقة لا يثبت إلاّ بقاء الحرمة المشروطة بالغليان ، وهي غير قابلة للتنجز.

وقد تقول : انّه يمكن إجراء استصحاب الحرمة المشروطة الثابتة حال العنبية وتثبت به الحرمة الفعلية حالة الزبيبية وبالتالي يثبت التنجز ، وذلك بتقريب انّ الاستصحاب إذا كان يثبت الحرمة المشروطة ويقول إنّ الزبيب لو غلى حرم ترتب على ذلك أنّه لو جئنا بالزبيب وجئنا بالنار ووضعنا الزبيب على النار حتى غلا صارت الحرمة فعلية إذ بتحقق موضوع الحكم خارجا ـ المراد من الموضوع في المقام هو العنب والغليان ـ يصير الحكم فعليا.

والجواب : إنّ استصحاب الحرمة المشروطة لا يثبت إلاّ بقاء الحرمة

١٩١

المشروطة ولا يثبت صيرورتها فعليه بتحقق العنب والغليان خارجا وإنّما ذلك لازم عقلي ، إذ العقل يقول إذا كان الزبيب يحرم لو غلى فمتى ما تحقق الغليان بالفعل خارجا صارت الحرمة فعلية وليس ذلك لازما شرعيا إذ لا توجد آية او رواية تقول إذا كانت الحرمة المشروطة باقية فمتى ما تحقق الشرط ـ وهو الغليان ـ خارجا صارت الحرمة فعلية. وعليه فالاستصحاب المذكور من قبيل الأصل المثبت الذي لم تثبت حجّيته.

جوابان عن الاعتراض الثاني

ويمكن الجواب عن الاعتراض الثاني ببيانين : ـ

١ ـ إنّ تنجز الحكم لا يتوقف على فعليته ليقال إنّ إثبات الفعلية عن طريق استصحاب الحرمة المشروطة هو من قبيل الأصل المثبت ، بل انّ تنجز الحكم يكفي فيه وصول التشريع ووصول صغراه ، فمتى ما علم المكلّف بالتشريع وأنّ الزبيب يحرم لو غلى وعلم بالصغرى ـ أي انّ هذا زبيب وانّه قد غلى ـ حكم العقل بتنجز الحرمة عليه.

وفي المقام كلا المطلبين ثابت ، فالتشريع بحرمة الزبيب لو غلى معلوم وواصل من طريق الاستصحاب ، إذ استصحاب الحرمة المشروطة الثابتة حالة العنبية يثبت أن الحرمة المشروطة ثابتة إلى حالة الزبيبية أيضا. وأمّا الصغرى فهي ثابتة أيضا إذ كون الشيء زبيبا وكونه قد غلى بالنار ثابت بالوجدان ، ومعه تتنجز الحرمة ولا يلزم إشكال الاستصحاب المثبت فإنّه يلزم لو كان ثبوت التنجز بحاجة إلى إثبات كون الحكم فعليا في المرحلة الاولى ، أمّا إذا لم يحتج إلى

١٩٢

ذلك فلا يلزم.

٢ ـ إنّا لو قلنا بأنّ مفاد دليل الاستصحاب جعل الحكم المماثل ـ فاستصحاب وجوب الجمعة مثلا يعني جعل وجوب ظاهري لصلاة الجمعة في زمان الشكّ مماثل للوجوب السابق ـ فاستصحاب بقاء الحرمة المعلّقة يعني ثبوت حرمة معلقة للزبيب وأنّه يحرم لو غلى. ولازم ثبوت هذه الحرمة المعلّقة تحولها إلى حرمة فعلية عند تحقق الغليان خارجا. وهذا التحول وإن كان لازما عقليا وليس لازما شرعيا إلاّ أنّه ليس لازما للمستصحب بل هو لازم عقلي لنفس الاستصحاب. وقد تقدم (١) انّ لوازم نفس الاستصحاب حجّة.

أمّا لماذا لم يكن هذا التحول لازما عقليا لنفس المستصحب؟ النكتة في ذلك : انّ لازم المستصحب هو ذلك اللازم الذي يترتب على المستصحب بوجوده الواقعي ، كما هو الحال في نبات اللحية فإنّه يترتب على حياة الولد بوجودها الواقعي ، فالولد إذا كان حيا في الواقع فلحيته نابتة سواء علم بالحياة أم لا ، إنّ مثل هذا اللازم الذي يترتب على المستصحب بوجوده الواقعي يسمى بلازم المستصحب ولا يثبت بالاستصحاب. أمّا إذا كان اللازم لا يترتب على المستصحب بوجوده الواقعي وإنّما يترتب بعد جريان الاستصحاب فمثل هذا يكون لازما لنفس الاستصحاب ، وهذا كما الحال في المقام (٢) فإنّ ثبوت الحرمة

__________________

(١) ص ٢٧٠ من الحلقة

(٢) وكما هو الحال في استصحاب وجوب الجمعة فإنّه تترتب عليه المنجزية التي هي من اللوازم العقلية ، وهي لازم عقلي لنفس الاستصحاب لا للمستصحب الذي هو الوجوب الواقعي ، فانّ الوجوب الواقعي بدون حصول العلم به من طريق الاستصحاب لا يكفي لحصول المنجزية

١٩٣

المعلّقة واقعا للزبيب قبل أن يحصل العلم بها من طريق الاستصحاب لا يكفي لصيروتها فعلية وإنّما تصير فعلية عند العلم بها بواسطة الاستصحاب ، فالمكلّف إذا علم بواسطة الاستصحاب أنّ الزبيب لو غلى حرم فحينذاك تصير حرمته فعلية عنه الغليان ، وأمّا إذا لم يعلم بذلك فبغليانه واقعا لا يصير محرما بالفعل.

والخلاصة : إنّ الحرمة الفعلية بعد تحقق الغليان مترتبة على العلم بالحرمة المعلّقة لا على الحرمة المعلّقة الواقعية ، ومعه فتكون من اللوازم العقلية لنفس الاستصحاب وهي حجّة كما تقدم.

ثم انّ هذا الجواب ـ كما عرفت ـ مبنائي ، أي مبني على القول بأنّ مفاد دليل الاستصحاب جعل الحكم المماثل.

الاعتراض الثالث

وفي الاعتراض الثالث يقال انّ الاستصحاب التعليقي حتى لو سلم من الاعتراضين السابقين ـ بأن فرض ان الحرمة المعلّقة التي يراد استصحابها كانت مجعولة بنفسها وفرض أن استصحاب الحرمة المعلّقة يكفي لصيرورتها حرمة فعلية بدون لزوم محذور الأصل المثبت ـ فمع ذلك لا يمكن جريانه من جهة اخرى ، وهي معارضته بالاستصحاب التنجيزى ، فإنّ الزبيب له حكمان يمكن أن يجري الاستصحاب في كليهما وهما : الحرمة المعلّقة الثابتة حالة العنبية ، والحلية الثابتة قبل الغليان ، فالزبيب قبل أن يأخذ بالغليان يحل أكله حلية فعلية فإذا شككنا في زوال تلك الحلية بالغليان جرى استصحابها ويثبت بقاؤها بعد الغليان ويكون ذلك معارضا لاستصحاب الحرمة المعلّقة.

١٩٤

وباختصار : إنّه قبل تحقق الشرط ـ وهو الغليان في مثالنا ـ يوجد حكم فعلي يجري الاستصحاب لإثبات بقائه بعد تحقق الشرط ويكون ذلك معارضا للاستصحاب التعليقي.

جوابان عن الاعتراض الثالث

وقد اجيب عن الاعتراض الثالث بجوابين : ـ

١ ـ ما ذكره الآخوند من أنّ حرمة العنب إذا كانت معلقة على الغليان فهذا معناه أن حلية العنب تنتهي عند تحقق الغليان ، ومن الواضح إنّ تلك الحرمة وهذه الحلية لا يوجد بينهما أي منافرة ، فالعنب في وقت واحد يمكن أن نقول هو حرام إن غلى وهو حلال بالفعل إلى أن يغلي.

وما دامت تلك الحرمة والحلية ثابتتين حالة العنبية على سبيل الجزم واليقين وليس بينهما أي منافرة فثبوتهما حالة الزبيبية عن طريق الاستصحاب أولى بعدم المنافرة فإنّه في حالة ثبوتهما الجزمي إذا لم يكن بينهما منافرة ففي حالة ثبوتهما الاستصحابي أولى بأن لا يكون بينهما منافرة.

ويرد ذلك : أنّ الحلية الفعلية التي يراد استصحابها ليست هي الحلية الثابتة حالة العنبية ليقال ان تلك الحلية مغياة بالغليان ، واستصحاب بقائها لا يتنافى وبقاء الحرمة المشروطة ، وإنّما يراد بها الحلية الثابتة حالة الزبيبية ، والحلية المذكورة لا يعلم انها مغياة بالغليان إذ لعلّ جفاف العنب أوجب حدوث حلية له مستمرة حتى بعد الغليان وغير مغياة به. وعلى هذا فنحن نشير إلى الزبيب قبل أن يغلي ونقول هو الآن حلال جزما فإذا شككنا في بقاء حليته هذه بعد غليانه

١٩٥

جرى استصحابها وثبت بذلك بقائها بعد الغليان.

إن قلت : إنّه يمكننا إثبات انّه لم تثبت حلية جديدة للعنب بعد جفافه وصيرورته زبيبا وانها حلية مغياة بالغليان أو لا جرى استصحاب تلك الحلية السابقة ويثبت أن الحلية الثابتة حالة الزبيبية هي مغياة أيضا.

قلت : إنّ أقصى ما يثبته استصحاب بقاء الحلية المغياة والثابتة حالة العنبية هو بقاء تلك الحلية المغياة إلى حالة الزبيبية ولكنه لا يثبت أنّ الحلية الثابتة بالفعل للزبيب هي نفس تلك الحلية السابقة المغياة إلاّ بالملازمة والأصل المثبت من باب أنّ تلك الحلية السابقة إذا كانت باقية ومستمرة إلى حالة الزبيبية فالحلية الثابتة للزبيب لا بدّ وأن تكون مغياة أيضا إذ لو لم تكن مغياة فلازمه ثبوت حليتين للزبيب ـ إحداهما هي الثابتة سابقا المغياة بالغليان والتي هي مستمرة بواسطة الاستصحاب والاخرى هي الحلية غير المغياة بالغليان ـ وحيث انّ ثبوت حليتين لشيء واحد غير ممكن فلا بدّ وأن تكون الحلية الثابتة حالة الزبيبية مغياة أيضا.

وإن شئت قلت : إنّ الزبيب قبل أن يغلي لا إشكال في حليته فيمكن أن نشير إليه ونقول هذا يجوز أكله الآن فإنّ كل زبيب يجوز أكله بلا إشكال. وهذه الحلية الثابتة له لا نعلم كونها مغياة بالغليان فمن الممكن أن تكون باقية إلى ما بعد الغليان ، وبالاستصحاب يثبت بقاؤها بعد الغليان. ولا يمكن أن يقال إنّ

١٩٦

استصحاب بقاء الحلية المغياة يثبت أنّ الحلية الثابتة للزبيب الآن هي مغياة أيضا إذ لا توجد آية او رواية تقول إذا كانت الحلية السابقة المغياة باقية فهذه الحلية الثابتة الآن للزبيب هي تلك الحلية السابقة المغياة بل ذلك ثابت من باب الملازمة العقلية إذ لو لم تكن الحلية الثابتة الآن للزبيب هي نفس السابقة المغياة فلازم ذلك ثبوت حلية اخرى للزبيب غير الحلية السابقة الثابت استمرارها بالاستصحاب. وواضح أنّ الشيء الواحد لا يتحمل حليتين.

٢ ـ ما ذكره الشيخ الأنصاري والنائيني قدس‌سره من أنّ الاستصحاب التعليقي حاكم على الاستصحاب التنجيزي فيكون الاستصحاب التعليقي هو المقدم.

أمّا كيف توجه الحكومة؟ ذكرا قدس‌سرهما في توجيه ذلك بيانا اعرض السيد الشهيد عن ذكره هنا لوهنة وتبرع هو بذكر بيان لطيف يرجع حاصله إلى أنّ الاستصحاب التعليقي أمّا أن نقول هو يثبت بقاء الحرمة المعلّقة إلى حالة الزبيبية دون أن يقوى على تحويلها إلى حرمة فعلية عند حصول الغليان إلاّ بنحو الملازمة العقلية والأصل المثبت أو نقول بأنّه يقوى على ذلك؟

فإن قلنا إنّه لا يقوى على ذلك ـ كما اختار ذلك أصحاب الاعتراض الثاني ـ فهو حينئذ لا يقبل الجريان في نفسه لأنّ التعبد به لغو وبلا فائدة بعد عدم ثبوت الحرمة الفعلية به. وما دام لا يجري في نفسه فلا تصل النوبة إلى معارضته بالاستصحاب التنجيزي ، فإنّ معارضته بذلك فرع قابليته لجريانه في نفسه.

وإن قلنا بانّه يقوى على ذلك ـ كما هو الحال على مسلك جعل الحكم المماثل حيث مرّ ص ٢٨٤ من الحلقة إمكان إثبات الفعلية بناء على المسلك المذكور ـ فيجري ويكون مقدما على الاستصحاب التنجيزي بالحكومة لأنّه إذا

١٩٧

جرى واثبت حرمة الزبيب حرمة فعلية بعد غليانه صار المكلّف عالما تعبدا بحرمة الزبيب وانّه ليس بحلال بالفعل ، وبصيرورة المكلّف عالما بإنتفاء الحلية الفعلية لا يبقى شكّ ليجري الاستصحاب التنجيزي لإثبات بقائها. وهذا هو معنى الحكومة فإنّ الدليل الحاكم هو الدليل الذي ينفي (١) عند جريانه موضوع الدليل الآخر نفيا تعبديا.

إن قلت : لماذا لا نجري الاستصحاب التنجيزي أوّلا ليكون هو الحاكم والرافع لموضوع الاستصحاب التعليقي.

قلت : إنّ الاستصحاب التنجيزي لا يرفع موضوع الاستصحاب التعليقي إذ الاستصحاب التنجيزي يثبت بقاء الحلية الفعلية للزبيب بعد غليانه ، ومن الواضح انّه لا توجد آية أو رواية تقول إذا كانت الحلية الفعلية باقية فالحرمة المعلّقة منتفية ، وإنّما ذلك ثابت من باب الملازمة العقلية والأصل المثبت.

وإن شئت قلت : إنّا قرأنا في الحلقة الثانية ص ٤٤١ انّه إذا كان لدينا أصلان وكان أحدهما ينفي موضوع الأصل الآخر دون العكس فالأصل الذي ينفي موضوع الأصل الآخر يسمى بالأصل الحاكم ويكون هو المقدم. ومن أمثلة ذلك : ما إذا لدينا ثوب متنجس وكان لدينا أيضا ماء نعلم بطهارته سابقا ونشكّ في طهارته الآن فإذا غسلنا الثوب به حصل لنا الشكّ في بقاء نجاسته. وفي هذه الحالة يوجد استصحابان متعارضان أحدهما استصحاب بقاء الماء على الطهارة وثانيهما : استصحاب بقاء الثوب على النجاسة ، واستصحاب طهارة الماء هو

__________________

(١) وعلى حدّ تعبير الكتاب : يعالج مورد الأصل الآخر ، فإنّ المقصود من معالجة مورد الأصل الآخر نفي موضوع الأصل الآخر

١٩٨

الحاكم والمقدم لأنّه إذا جرى اثبت أنّ الماء طاهر ، ومن اللوازم الشرعية لطهارة الماء طهارة الثوب المغسول به ، وبذلك نصير عالمين بطهارة الثوب ويزول الشكّ في بقاء نجاسة الثوب الذي هو موضوع استصحاب بقاء نجاسة الثوب ، وهذا بخلاف استصحاب نجاسة الثوب فإنّه لا يورث العلم بنجاسة الماء إذ لا توجد آية أو رواية تقول إذا كان الثوب باقيا على النجاسة فالماء نجس وإنّما ذلك ثابت من باب الملازمة العقلية والأصل المثبت.

هذا مثال للأصل الحاكم قرأناه في الحلقة الثانية. وفي مقامنا نقول نفس هذا الكلام ، أي نقول إنّ الاستصحاب التعليقي إذا جرى يكون نافيا لموضوع الاستصحاب التنجيزي فيكون هو الحاكم.

هذا حصيلة توجيه حكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب التنجيزي.

ويرد عليه : انّه يتم لو سلمنا المبنى وان الاستصحاب التعليقي يثبت إضافة إلى بقاء الحرمة المعلّقة الحرمة الفعلية بدون محذور الأصل المثبت ، أمّا إذا قلنا إنّه لا يثبت ذلك بل يثبت بقاء الحرمة المعلّقة فقط فحينئذ لا يصير المكلّف عالما بالحرمة الفعلية وانتفاء الحلية الفعلية لينعدم موضوع الاستصحاب التنجيزي.

إن قلت : إنّ الاستصحاب التعليقي إذا لم يثبت الحرمة الفعلية فلا يجري في نفسه لأنّ التعبد به لغو وبلا فائدة.

قلت : بل ذاك ليس لغوا فإنّ المرجو من الاستصحاب أن يكون منجزا أو معذرا ، فمتى ما كان باستطاعته ذلك جرى ولا يلزم من التعبد به محذور اللغوية.

وفي المقام الأمر كذلك فإنّا ذكرنا فيما سبق (١) انّ استصحاب بقاء الحرمة المعلّقة

__________________

(١) ص ١٨٤ من الحلقة

١٩٩

يكفي لإثبات التنجز بلا حاجة إلى إثبات الفعلية إذ يكفي لإثبات التنجز العلم بالكبرى والصغرى ، وفي المقام الأمر كذلك فإنّه باستصحاب بقاء الحرمه المعلّقة يصير المكلّف عالما بتشريع الحرمة المشروطة بالغليان للزبيب فإذا علم بكون الشيء زبيبا وعلم بغليانه صارت حرمته منجزة بلا حاجة إلى إثبات سبق الفعلية ، ومعه فلا يكون الاستصحاب التعليقي حاكما على الاستصحاب التنجيزي وبالتالي تكون المعارضة مستقرة بينها (١).

قوله ص ٢٧٩ س ١ : بخصوصيتين : هما العنبية والغليان.

قوله ص ٢٧٩ س ٢ : خصوصية ثالثة : هي الرطوبة وعدم الجفاف.

قوله ص ٢٧٩ س ٣ : إحدى تلك إلخ : وهي العنبية.

قوله ص ٢٧٩ س ٤ : والثانية معلومة الانتفاء : وهي الغليان.

قوله ص ٢٧٩ س ٥ : وهذا الافتراض يعني إلخ : أي افتراض أنّ الغليان لم يتحقق ، فإنّ حرمة العنب ما دامت مشروطة به فبعدم تحققه لا تكون الحرمة فعلية بل معلقة على حصوله.

قوله ص ٢٧٩ س ٧ : والقضية الشرطية : عطف تفسير على الحكم المعلق.

قوله ص ٢٨٠ س ٦ : والمجعول لا يقين بحدوثه : أي أنّ الحرمه الفعلية لا يقين بحدوثها بل هناك يقين بعدم حدوثها.

قوله ص ٢٨٠ س ١٦ : لذات السبب : وهو الغليان ، إذ قالت إن غلى حرم.

__________________

(١) من خلال هذا كله اتضح أنّ الاستصحاب التعليقي لا يجري للاعتراض الثالث ، أي إشكال المعارضة بالاستصحاب التنجيزي. هذا ما في الحلقة ولكن في التقرير ج ٦ ص ٢٩٢ دفع ذلك.

والنتيجة على ذلك هي جريان الاستصحاب التعليقي

٢٠٠