الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-27-8
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٦

هذا البلد دون ذاك البلد.

ب ـ انّ دعوى كون الآية الكريمة ناظرة إلى العذاب الدنيوي دعوى بلا شاهد بل لعلّ الشاهد على خلافها ؛ إذ لو نظرنا إلى سياق الآية وجدنا أنّها واردة في سياق آيات ناظرة إلى العذاب الاخروي حيث قال سبحانه : ( مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) فإنّ قانون « وَلا تَزِرُ ... » ناظر إلى العذاب الاخروي ، أي أنّ كل نفس مرتكبة للوزر لا تتحمل يوم القيامة إلاّ عذاب وزرها خاصّة ولا تتحمّل عذاب وزر غيرها ، وإذا كان هذا القانون ناظرا إلى العذاب الاخروي فبقرينة وحدة السياق يثبت أنّ قانون « وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ ... » ناظر إلى العذاب الاخروي أيضا.

ج ـ لا منشأ لتوهّم اختصاص الآية الكريمة بالعذاب الدنيوي سوى التعبير بكلمة « كان » في قوله تعالى : ( وَما كُنَّا ... ) الدالة على الزمان الماضي ولكن يرده أنّ كلمة « كان » لا تدلّ في مثل هذا الاستعمال على الزمان الماضي بل المقصود منها الشأنية والمناسبة ، وواضح أنّه لا معنى لأن يكون المقصود ليس من شأننا في الزمان الماضي ؛ إذ الشيء إذا لم يكن من شأن الله سبحانه فهو ليس من شأنه في جميع الأزمنة لا في خصوص الزمان الماضي.

مناقشة الاستدلال

والصحيح في مناقشة الاستدلال بالآية الكريمة ـ بعد اتّضاح بطلان الاعتراضين السابقين المذكورين في رسائل الشيخ الأعظم ـ أن يقال : انّه توجد

٨١

عندنا حالتان فتارة نفترض أن بيان حرمة شرب التتن لم تصدر من الشارع جزما واخرى نفترض احتمال صدور ذلك ولكنّه لم يصلنا لعوامل الخفاء والضياع الخاصّة (١) ، وأقصى ما تدلّ عليه الآية الكريمة هو أنّه في الحالة الاولى ـ أي حالة الجزم بعدم صدور البيان من الشارع ـ تجري البراءة ولا يستفاد منها أنّه في الحالة الثانية ـ أي حالة احتمال صدور البيان واختفائه ـ تجري البراءة أيضا ، ومن الواضح أنّا نعيش عادة الحالة الثانية ، أي نحتمل عادة صدور البيان من الشارع وعدم وصوله لنا لسبب وآخر ، ومعه فلا يمكن التمسّك بالآية الكريمة إذ لا نجزم بنظرها إلى الحالة الثانية والمتيقّن هو نظرها إلى الحالة الاولى فإنّ التعبير بكلمة « رسولا » ظاهر في الحالة الاولى ، أي لا نعذّب إلاّ بعد إصدار البيان ـ فإنّ الرسول ذكر كمثال لصدور البيان ـ وليس ظاهرا في الحالة الثانية وأنّه لا نعذّب إلاّ بعد صدور البيان ووصوله إلى المكلّف.

وهل دليل الإخباري مقدّم؟

وفي هذه الآية الكريمة ـ على تقدير تمامية دلالتها على البراءة ـ نطرح نفس السؤال السابق الذي ذكرناه في الآية السابقة وهو أنّ دليل الإخباري على وجوب الاحتياط لو تمّ فهل يكون مقدّما على الآية الكريمة التي نحن بصدد

__________________

(١) فإنّ من المحتمل أنّ قسما من أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام ضاع وتلف ، ففي بغداد كانت مكتبة عظيمة تضمّ قسما كبيرا من ذلك التراث ألقاها المغول عند هجومهم على بغداد في نهر دجلة. وابن أبي عمير كانت له كتب كثيرة سجّل فيها الأحاديث التي سمعها من الأئمّة عليهم‌السلام وعند ما ألقى الرشيد القبض عليه أحرقت اخته تلك الكتب حفاظا عليه

٨٢

البحث عن دلالتها على البراءة أو يكون معارضا بها؟ والجواب : انّ دليل الإخباري على وجوب الاحتياط لو تمّ فهو مقدّم على الآية الكريمة لأنّها تقول إنّ حرمة شرب التتن ما دام لم يبلّغها الرسول فلا نعذّب عليها ، ومع تمامية دليل الإخباري على وجوب الاحتياط يصدق أنّ الرسول بلّغنا وجوب الاحتياط بترك التتن ، وإذا دخّن المكلّف فإنزال العقوبة عليه يكون بعد إرسال الرسول (١).

الآية الثالثة

واستدل أيضا بقوله تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ... ) (٢) بتقريب أنّ بعض أهل الكتاب حرّم على نفسه قسما من الحيوانات فنزلت الآية الكريمة لتعلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفية الردّ عليهم وأنّه قل لهم انّي لا أجد في قائمة المحرّمات تلك الحيوانات التي حرّمتموها ، وهذا يدلّ على أنّ كل شيء لم يدلّ دليل على تحريمه فهو مباح وهو المطلوب.

ويمكن المناقشة بما يلي : ـ

١ ـ انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا لم يجد اسم الحيوان في قائمة المحرّمات الموجودة عنده كشف ذلك عن إباحة الشيء واقعا لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده القائمة التامّة لجميع المحرّمات

__________________

(١) وإنّما لم يفصل هنا بين الموردية والسببية كما فصّل في الآية السابقة لأنّه حتّى لو فسّرت الآية بالموردية فدليل الإخباري لو تمّ فهو المقدّم ، إذ المعنى بناء على الموردية هكذا : لا نعذّب في مورد عدم إرسال الرسول ، وواضح أنّ دليل الإخباري على وجوب الاحتياط بترك التتن لو تمّ فهو رسول ، فالتعذيب يكون تعذيبا بعد إرسال الرسول

(٢) الأنعام : ١٤٥

٨٣

فإذا لم يجد فيها اسم الحيوان كان ذلك كاشفا قطعيا عن عدم حرمته ؛ إذ لا يحتمل أن يكون الشيء محرّما واقعا ومع ذلك لا يذكر اسمه في القائمة الموجودة عنده ويبقى مستورا عليه. هذا بالنسبة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقياسنا نحن عليه قياس مع الفارق ؛ إذ نحن لا نقطع بأنّ قائمة المحرّمات الموجودة عندنا هي قائمة تامّة لم يتلف منها شيء بل نحتمل أنّ بعضها ضاع علينا بسبب وآخر ، ومع الاحتمال المذكور لا يمكن القطع بأنّ الشيء إذا لم يوجد اسمه في قائمة المحرّمات الموجودة بأيدينا فهو مباح واقعا.

٢ ـ انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا لم يجد اسم الحيوان في قائمة المحرّمات الموجودة عنده فذلك ان لم يكن كاشفا قطعيا عن عدم حرمته واقعا فلا أقل هو كاشف عن عدم صدور بيان يدلّ على تحريمه وإلاّ لوصل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لا يحتمل تحريم شيء وإخفائه عليه. هذا بالنسبة إلى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ومن الواضح أنّ قياس أنفسنا عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قياس مع الفارق فإنّ عدم وجداننا اسم الشيء في قائمة المحرّمات لا يدلّ على عدم صدور بيان تحريمه من الله سبحانه ؛ إذ لعلّه صدر ولم يصلنا سبب ضياع جملة من الأحاديث.

٣ ـ ومع التنازل عن المناقشتين السابقتين نقول : انّ الآية الكريمة حكمت بأنّ الشيء إذا لم يوجد اسمه في قائمة المحرّمات فهو مباح ، ومن الواضح أنّ هذا لا يدلّ على حجّية أصل الإباحة ؛ إذ من المحتمل أن يكون حكم الآية على الشيء بالإباحة عند عدم وجود اسمه في القائمة لا لأصالة الإباحة بل من جهة الاعتماد على بعض العمومات الاجتهادية كقوله تعالى : ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ

٨٤

جَمِيعاً ) (١) حيث يدلّ على إباحة كل شيء مخلوق له سبحانه ، فإثبات الحلّية هو من باب التمسّك بعموم العام عند عدم وجود مخصّص له (٢) وليس من باب أصل الإباحة في كل شيء.

الآية الرابعة

واستدلّ أيضا بقوله تعالى : ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (٣) بتقريب أنّ المراد من الإضلال في قوله : ( لِيُضِلَ ) أمّا تسجيل القوم ظالين ومنحرفين فيثبت لهم عقاب الضالين أو بمعنى الخذلان ، أي إيكالهم إلى أنفسهم وسلب أسباب التوفيق والهداية عنهم. والمراد من الهداية في قوله : « هَداهُمْ » هي الهداية إلى نور الإسلام ، والمراد من بيان ما يتّقون بيان ما يكون محرّما.

ومعنى الآية الكريمة بعد هذا : انّ الله سبحانه بعد أن هدى المسلمين إلى نور الإسلام لا يسجلهم ضالين عند ارتكابهم لبعض المحرّمات إلاّ بعد أن يبيّن لهم تلك المحرّمات التي يجب أن يتّقوها ويتحرّزوا عنها ، وهذا هو المطلوب حيث يثبت أنّه قبل بيان حرمة الشيء لا يعاقب سبحانه على ارتكاب الشيء المحرّم. وعلى هذا فدلالة الآية على البراءة تامّة.

__________________

(١) البقرة : ٢٩

(٢) والمخصّص في المقام هو ذكر اسم الشيء في قائمة المحرّمات ، وعند عدم ذكر اسمه لا يكون المخصّص ثابتا فيتمسّك بعموم قل لا أجد ... إلخ

(٣) التوبة : ١١٥

٨٥

ولكن يبقى علينا أن نعرف أنّ دليل الإخباري على وجوب الاحتياط لو تمّ فهل هو مقدّم على الآية الكريمة أو لا؟ ان التعرّف على ذلك يتوقّف على التعرّف على مطلب وهو أنّه ماذا يراد من قوله تعالى : ( حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) فهل يراد حتّى يبيّن لهم حرمة الشيء بعنوانه الأولي أو المراد حتّى يبيّن لهم حرمة الشيء ولو بعنوانه الثانوي. وبكلمة اخرى هل المراد حتّى يبيّن لهم حرمة شرب التتن مثلا بعنوان شرب التتن (١) أو حتّى يبيّن لهم حرمة شرب التتن ولو بعنوان أنّه مجهول ومشتبه الحكم؟ فإن كان المراد هو الأوّل ـ أي أنّ الله لا يضلّ قوما لأجل حرمة شرب التتن مثلا حتّى يبيّن لهم بواسطة النصوص أن شرب التتن محرّم (٢) ـ فلا يكون دليل الإخباري مقدّما على الآية الكريمة بل تكون معارضة له. وأمّا لو كان المراد هو الثاني فدليل الإخباري هو المقدّم لأنّ مثل « قف عند الشبهة » يدلّ على أنّ شرب التتن يحرم ارتكابه لكونه مشتبها ومع بيان حرمته بعنوان أنّه مشتبه لا تجري البراءة فيه.

وبهذا ينتهي حديثنا عن الآيات الكريمة ونتكلّم بعد هذا عن الروايات المستدل بها على البراءة.

قوله ص ٣٥ س ٣ : في الاعتراضات العامّة : أي التي لا تختص بدليل دون

__________________

(١) العنوان الأولي لشرب التتن هو شرب التتن ، والعنوان الأولي لشرب الماء هو شرب الماء و ... أمّا عنوان مشكوك الحكم أو مشتبه الحكم ونحوهما فهو ثانوي

(٢) ويسمّى الحكم الناهي عن شرب التتن بعنوان شرب التتن بالحكم الواقعي وتكون مخالفته مخالفة واقعية بينما يسمّى الحكم الناهي عن عنوان المشتبه بالحكم الظاهري وتكون مخالفته مخالفة ظاهرية

٨٦

آخر.

قوله ص ٣٦ س ٦ : الهيئة القائمة بالفعل والمفعول : المراد من الفعل هو « يكلّف » ومن المفعول هو اسم الموصول. والمعنى : أنّ الشيخ الأعظم ذكر أنّه يلزم استعمال الهيئة الحاصلة من نسبه يكلّف إلى اسم الموصول في معنيين ...

قوله ص ٣٧ س ٥ : شموله لذلك : أي وليس المقصود من كون اسم الموصول مطلقا وشاملا أنّه شامل للتكليف بمعنى الكلفة والإدانة والتحميل حتّى يصير المعنى : لا يحمّل الله إلاّ تحميلا آتاها. وبكلمة اخرى : المراد من قوله « لذلك » هو التكليف بمعنى الكلفة والتحميل.

قوله ص ٣٧ س ٩ : فلا تنفع : أي الآية الكريمة أو البراءة المستفادة منها.

قوله ص ٣٩ س ٦ : خاصّة : أي بل لعلّه بلحاظ إفادة الشأنية والمناسبة.

قوله ص ٤٠ س ١ : في إطلاق العنان : أي الإباحة.

قوله ص ٤٠ س ١٤ : بعنوانه : أي الأوّلي.

قوله ص ٤٠ س ١٤ : انحصر بالمخالفة الواقعية : أي انحصر بما لو ورد دليل يحرم شرب التتن بعنوان شرب التتن بأن يقول هكذا : لا تشرب التتن ، فإن مخالفة مثل هذا النهي تسمّى بالمخالفة الواقعية.

قوله ص ٤١ س ٢ : كعنوان المخالفة الاحتمالية : أي كعنوان المشتبه أو مجهول الحكم أو ما يحتمل فيه المخالفة.

قوله ص ٤١ س ٣ : بهذا المعنى : أي ولو بعنوان ثانوي ظاهري.

٨٧
٨٨

أدلة البراءة من السنّة

قوله ص ٤١ س ٥ : واستدل من السنّة بروايات ... الخ : واستدل على البراءة من السنّة الشريفة بعدّة روايات نذكر منها : ـ

الحديث الأوّل

قوله عليه‌السلام : كل شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » (١). والاستدلال به يتوقّف على مطلبين هما : ـ

١ ـ أن يكون المقصود من الورود ـ المستفاد من كلمة يرد ـ هو الوصول دون الصدور وإلاّ صار المعنى : شرب التتن مثلا مباح ومطلق إذا لم يصدر نهي عنه ، وبناء على هذا لا يتمّ الاستدلال إذ نحتمل صدور النهي عن شرب التتن واختفاءه علينا لبعض الأسباب ، وهذا بخلافه بناء على إرادة الوصول فإنّ الاستدلال تامّ ؛ إذ المعنى : شرب التتن مثلا مباح إذا لم يصل نهي عنه ، ومن الواضح ما دام لا توجد رواية في الوسائل تدلّ على حرمة التتن يصدق أنّه لم يصلنا نهي عن التتن وإن كنّا نحتمل صدوره واقعا واختفاءه علينا فإنّه حتّى مع هذا الاحتمال يصدق لم يصلنا نهي عن التتن.

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي حديث ٦٠

٨٩

٢ ـ أن يكون المقصود من ورود النهي ورود النهي عن الشيء بعنوانه الأولي لا بعنوانه الثانوي ؛ إذ لو كان المقصود وروده ولو بالعنوان الثانوي ، أي بعنوان مشتبه الحكم مثلا لكان دليل الإخباري مقدّما على الحديث لأنّه ـ دليل الإخباري ـ يفيد النهي عن كل مشتبه الحكم ، وحيث أنّ شرب التتن مشتبه الحكم فيصدق عليه أنّه ممّا ورد النهي عنه فلا يكون مطلقا ومباحا لأنّ المباح هو الشيء الذي لم يرد نهي عنه ولو بالعنوان الثانوي ، والمفروض أنّ دليل الإخباري يفيد النهي بالعنوان الثانوي ، وأمّا لو كان المقصود ورود النهي بالعنوان الأوّلي ، أي بأن يرد نهي عن شرب التتن بعنوان شرب التتن فلا يكون دليل الإخباري مقدّما على الحديث لأنّه لو تمّ فهو لا يثبت النهي عن شرب التتن بعنوان شرب التتن بل بعنوانه الثانوي ، أي بعنوان المشتبه ومشكوك الحكم.

وبعد اتّضاح توقّف الاستدلال على المطلبين المذكورين نأخذ بتحقيق حالهما.

أمّا المطلب الأوّل فقد يقال بأنّ الورود حيث إنّه مردّد بين الصدور والوصول ولا مثبت لكونه بمعنى الوصول فلا يتمّ الاستدلال بالحديث.

ولكن في مقابل هذا قد يقال بإمكان إثبات كون الورود هو بمعنى الوصول وذلك بأحد البيانين التاليين : ـ

البيان الأوّل

ما ذكره السيد الخوئي ( دام ظلّه ) من أنّ الإباحة التي حكم بها الحديث هي الإباحة الظاهرية دون الواقعية ـ لما سيأتي بعد قليل ـ وما دامت ظاهرية فلا بدّ

٩٠

وأن يكون موضوعها هو عدم الوصول لا عدم الصدور لأنّ موضوع الحكم الظاهري هو الشكّ وعدم العلم ، فلو كان معنى الورود هو الوصول تصير الإباحة إباحة ظاهرية ؛ إذ يصير معنى الحديث : شرب التتن مثلا مباح إذا لم يصل ـ أي لم يعلم ـ نهي عنه ، والإباحة على هذا ظاهرية لأنّ موضوعها هو عدم الوصول أي عدم العلم بالنهي ، ومن الواضح متى ما كان موضوع الإباحة عدم العلم تصير ظاهرية. وأمّا لو كان معنى الورود هو الصدور تصير الإباحة إباحة واقعية ؛ إذ يصير معنى الحديث : انّ التتن مباح ما دام لم يصدر نهي عنه ، وواضح أنّه إذا أردنا أن نجزم بإباحة التتن فلا بدّ من الجزم بعدم صدور النهي عنه ، ونحن نعلم أنّه لو جزمنا بعدم صدور النهي فلا يبقى لدينا شكّ حتّى تكون الإباحة الثابتة إباحة ظاهرية ، فإنّ كون الحكم ظاهريا يتوقّف على وجود الشكّ ومع الجزم بعدم صدور النهي لا يبقى شكّ لتكون الإباحة ظاهرية (١).

ولربّ قائل يقول : لماذا قلتم إنّ الإباحة المنظورة للحديث هي الإباحة الظاهرية حتّى يترتّب على ذلك تفسير الورود بالوصول ولم تقولوا هي الإباحة الواقعيّة حتّى يترتّب على ذلك تفسير الورود بالصدور.

والجواب : إنّ الإباحة الناظر لها الحديث لو كانت هي الواقعية فنسأل هل

__________________

(١) لا يقال : لو فسّرنا الورود بمعنى الوصول يلزم نفس ما ذكر أيضا.

فإنّه يقال : كلا ، لا يلزم ذلك فإنّه وإن كان من اللازم ـ بناء على تفسير الورود بالوصول ـ إحراز عدم الوصول ولكن حيث أنّ الوصول معناه العلم فإحراز عدم الوصول يصير معناه إحراز عدم العلم ، وإحراز عدم العلم معناه إحراز الشكّ الذي هو موضوع الحكم الظاهري ، وهو محرز بالوجدان

٩١

المقصود للحديث إفادة التعليق الواقعي ـ بحيث يصير المعنى : أنّ الإباحة الواقعية متوقّفة واقعا على عدم صدور النهي فيكون عدم صدور النهي علّة واقعا لثبوت الإباحة الواقعية ـ أو أنّ المقصود ليس هو إفادة التعليق الواقعي بل إفادة أنّ النهي إذا لم يكن صادرا واقعا فالإباحة واقعا هي الثابتة؟

فإنّ كان المقصود هو الأوّل فهو باطل فإنّ إباحة شرب التتن واقعا والنهي عن شرب التتن متضادان ؛ إذ امّا أن يكون التتن مباحا واقعا أو منهيا عنه ، ومع التضادّ فلا يمكن أن يكون عدم صدور النهي علّة لثبوت الإباحة فإنّ عدم ثبوت أحد الضدّين لا يكون علّة لثبوت الضدّ الآخر ، ولذا لا يصحّ أن يقال أنّ عدم الإزالة هو العلّة لوجود الصلاة بل العلّة لوجود الصلاة هي إرادة المكلّف فهو لما أراد الصلاة أوجدها ولم يوجد الإزالة ، فوجود الصلاة وعدم الإزالة معلولان لعلّة واحدة وهي إرادة المكلّف لا أن الإزالة لما انعدمت وجدت الصلاة.

وإن كان المقصود هو الثاني فهو باطل أيضا لأنّه بيان لمطلب واضح لا يستحقّ التعرّض له بمثل الحديث الشريف لأنّ معنى الحديث يصير : إذا لم يكن النهي صادرا واقعا فالإباحة هي الثابتة ، ان هذا لغو وبيان لما هو واضح إذ هو نظير أن يقال إذا لم يكن أحد الضدّين ثابتا فالضدّ الآخر هو الثابت فالبياض إذا لم يكن ثابتا فالسواد هو الثابت (١).

وباختصار : أنّ الإباحة الناظر لها الحديث لا يمكن أن تكون إباحة واقعية لأنّ إرادة التعليق الواقعي غير ممكنة ، وإرادة غير التعليق الواقعي لغوية فيلزم أن

__________________

(١) فيما لو فرض عدم وجود ضدّ ثالث

٩٢

تكون ظاهرية ، وحيث أنّ الإباحة الظاهرية لا يمكن أن يكون موضوعها عدم الصدور فيتعيّن أن يكون موضوعها عدم الوصول أي عدم العلم ، وهو المطلوب.

مناقشة البيان الأوّل

ويمكن مناقشة البيان المذكور بأنّا نختار أن الإباحة الناظر لها الحديث هي الإباحة الواقعية ، كما ونختار أنّ المقصود من التعليق هو التعليق الواقعي ولا يرد ما ذكر من لزوم تعليق ثبوت أحد الضدّين على عدم الضدّ الآخر لأنّ الإباحة الواقعية لشرب التتن مع النهي عن شرب التتن ليسا متضادين فإنّ الضدّ للإباحة الواقعية هو حرمة شرب التتن لا النهي عن شرب التتن فإنّ النهي ليس هو نفس الحرمة بل كاشف عنها ، وعلى هذا فأقصى ما يلزم تعليق ثبوت الإباحة الواقعية على عدم الخطاب المبرز للضدّ ـ وهو الحرمة ـ لا على نفس عدم الضدّ ، وشتّان ما بين المطلبين.

إن قلت : إنّا نسلّم أنّ التضاد ليس هو بين الإباحة الواقعية والنهي بل بين الإباحة الواقعية والحرمة إلاّ أنّ التضادّ بين الإباحة الواقعية والحرمة كما يقتضي امتناع تعليق ثبوت الإباحة الواقعية على عدم ثبوت الحرمة الواقعية كذلك يقتضي امتناع تعليق ثبوت الإباحة الواقعية على عدم الخطاب الكاشف عن الحرمة الواقعية.

قلت : إنّ التضادّ بين الإباحة الواقعية والحرمة وإن اقتضى امتناع تعليق ثبوت الإباحة على عدم الحرمة ولكنّه لا يقتضي امتناع تعليق ثبوت الإباحة على عدم المبرز والكاشف عن الحرمة غايته انّه لا يقتضي ثبوت تعليق الإباحة

٩٣

على عدم المبرز للحرمة لا أنّه يقتضي امتناع تعليق ثبوت الإباحة الواقعية على عدم المبرز للحرمة.

وما دام لا يمتنع تعليق ثبوت الإباحة على عدم المبرز للحرمة فمن الممكن أحيانا وجود نكتة تقتضي ان يعلّق المولى ثبوت الإباحة على عدم المبرز والكاشف عن الحرمة بأن يقول : ان شرب التتن مباح واقعا إن لم يصدر خطاب يدلّ على الحرمة ، ومفهوم هذا ولازمه أنّه إن صدر خطاب يدلّ على إنشاء الحرمة فالإباحة لشرب التتن غير ثابتة واقعا بل الثابت هو الحرمة الفعلية.

ومعنى ذلك بعبارة اخرى أنّ الحرمة الفعلية لشرب التتن واقعا مقيّدة بصدور خطاب يدل على إنشاء الحرمة ، وهذا معنى معقول ، فإنّ تقييد المجعول ـ أي الحرمة الفعلية ـ بصدور خطاب يدلّ على الجعل ـ أي الحكم الإنشائي بالحرمة ـ أمر معقول فإنّ غير المعقول هو تعليق ثبوت الحرمة الفعلية على صدور خطاب يدلّ على الحرمة الفعلية وأمّا تعليق ثبوت الحرمة الفعلية على صدور خطاب يدلّ على الحكم الإنشائي بالحرمة فهو معقول.

ولعلّ هذا يشبه ما تقدّم في القسم الأوّل ص ٤٣٠ من أنّ تقييد الحكم الفعلي بالقطع بالحكم الإنشائي من طريق خاص أمر معقول ، فكما أنّ تقييد الحكم الفعلي بالعلم بالحكم الإنشائي من طريق خاص أمر معقول كذلك يعقل في مقامنا تقييد الحكم الفعلي التحريمي بصدور خطاب دال على الحكم الإنشائي بالحرمة.

البيان الثاني

والبيان الثاني لإثبات أنّ الورود بمعنى الوصول دون الصدور هو أنّ

٩٤

الورود يحتاج إلى مورود عليه ، فورود شيء بلا مورود عليه أمر غير ممكن ، وإذا كان الورود يحتاج إلى مورود عليه فهذا يدلّل على أنّه بمعنى الوصول لا بمعنى الصدور ؛ إذ وصول النهي يحتاج إلى وجود شخص يتحقّق له الوصول ـ وهو المورود عليه ـ وهذا بخلافه في الصدور فإنّه لا يتوقّف على افتراض شخص يتحقّق الصدور بالنسبة إليه.

وفيه : إنّا نسلّم احتياج الورود إلى مورود عليه ولكن لا نسلّم أنّ المورود عليه الذي يتطلّبه لا بدّ وأن يكون شخصا بل لعلّه عبارة عن متعلّق النهي كشرب التتن مثلا ، ولذا نقول إنّ شرب التتن ورد عليه النهي. وما دام الورود لا يتطلّب أكثر من مورود عليه بمعنى متعلّق النهي فذلك لا يكشف عن كونه ـ الورود ـ بمعنى الوصول إذ الوصول يحتاج إلى افتراض شخص يصل إليه النهي بينما الورود لا يتطلّب افتراض شخص يرد إليه النهي بل يكتفي بافتراض مورود عليه بمعنى متعلّق النهي ومعه لا يتعيّن إرادة الوصول من الورود.

والخلاصة : لا يمكن بواسطة البيانين المذكورين إثبات أنّ الورود هو بمعنى الوصول ، ومعه فلا حاجة إلى البحث عن المطلب الثاني وهو أنّ المقصود من النهي هو النهي عن الشيء بعنوانه الأوّلي لا بعنوانه الثانوي.

قوله ص ٤١ س ٧ : لا بدّ من بحثهما : لتوقّف تمامية الاستدلال بالحديث الشريف عليهما.

قوله ص ٤١ س ١٠ : بالمعنى المقصود : وهو البراءة عند عدم وصول النهي.

قوله ص ٤١ س ١٢ : النهي الظاهري : أي النهي الذي تمسّك به الإخباري في أدلته فإنّ النهي عن ارتكاب الشبهة نهي ظاهري لأنّه نهي عن الشيء بعنوانه

٩٥

الثانوي ـ أي بعنوان مجهول الحكم ـ وليس نهيا عنه بعنوانه الأوّلي.

قوله ص ٤١ س ١٣ : يصلح دليل وجوب الاحتياط للورود عليه : لأنّها براءة مقيّدة بعدم النهي عن الشيء ولو نهيا ظاهريا متعلّقا بالشيء بما أنّه مجهول الحكم وواضح أنّ دليل الإخباري يفيد النهي عن ارتكاب شرب التتن بما هو مجهول الحكم لا بما هو شرب التتن.

قوله ص ٤٢ س ٤ : من أنّ المغيى : وهو قوله « كلّ شيء مطلق » ، فالإطلاق الذي هو بمعنى الإباحة هو المغيى.

قوله ص ٤٢ س ٧ : ولا يمكن إحرازها : أي ولا يمكن إحراز الإباحة والعلم بها إلاّ بإحراز الخ.

قوله : ص ٤٢ س ٩ : كان الجواب منه : أي من السيد الخوئي.

قوله ص ٤٢ س ١١ : الأولى : أي الإباحة الواقعية. والمراد من الثاني النهي الواقعي.

قوله ص ٤٢ س ١٢ : مقدّمية : أي : علّية.

قوله ص ٤٢ س ١٧ : لا يقتضي : المناسب : وإن كان لا يقتضي.

قوله ص ٤٣ س ٢ : إناطة حكم : وهو الإباحة الواقعية. والمراد من الحكم المضاد هو الحرمة.

قوله ص ٤٣ س ٣ : ومرجع ذلك : أي مرجع تعليق الإباحة الواقعية بعدم النهي الكاشف عن الحرمة.

قوله ص ٤٣ س ٣ : إلى أن تكون فعلية الحرمة بمبادئها : أي يكون الحكم الفعلي بالحرمة ـ المعبّر عنه بالمجعول ـ منوطا بصدور الخطاب الشرعي الخ.

٩٦

قوله ص ٤٣ س ٤ : الدالّ عليها : ظاهر العبارة أنّ الضمير يرجع إلى الحرمة الفعلية بمبادئها ولكنّه غير مراد جزما فإنّ الخطاب لا يدلّ على الحكم الفعلي بل على الحكم الإنشائي فالضمير يرجع إلى الحرمة الإنشائية.

قوله ص ٤٣ س ٥ : في موضوعه : أي في موضوع الحكم.

٩٧

الحديث الثاني

واستدلّ على البراءة بحديث الرفع المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رفع عن امّتي تسعة : الخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه وما لا يعلمون ... » (١).

وتقريب الاستدلال : أنّ إحدى الفقرات التسع المذكورة في الرواية فقرة « ما لا يعلمون » ، وحرمة شرب التتن مثلا حيث إنّها غير معلومة فهي مرفوعة ، وهو المطلوب (٢).

ويمكن منهجة الأبحاث في الحديث المذكور في ثلاث مراحل (٣) : ـ

المرحلة الاولى

وفي هذه المرحلة نتكلّم عن فقه الرواية ، أي عن معناها والمقصود منها.

وقبل ذلك نقدّم مقدّمة صغيرة في توضيح مصطلح الحكومة.

انّ الحكومة تعني نظر أحد الدليلين إلى الدليل الآخر لشرحه وتوضيحه كدليل لا ضرر فإنّه ناظر إلى مثل دليل وجوب الوضوء وغيره من أدلة الأحكام الأوّلية ويريد أن يقول إنّ الوجوب لا يثبت للوضوء إذا كان مستلزما للضرر. ويسمّى الدليل الناظر بالحاكم بينما الدليل المنظور له يعبّر عنه بالمحكوم عليه.

__________________

(١) الوسائل : كتاب الجهاد باب ٥٦ من أبواب جهاد النفس حديث ١. ثمّ إنّه يأتي فيما بعد شرح بعض فقرات الحديث

(٢) يأتي توضيح الاستدلال بشكل أعمق في المرحلة الثانية

(٣) كلام الاصوليين في حديث الرفع دقيق ومطوّل

٩٨

ثمّ إنّ الدليل الحاكم له شكلان فتارة يكون ناظرا إلى الموضوع في الدليل المحكوم ـ مثل دليل لا ربا بين الوالد وولده فإنّه ناظر إلى دليل الربا حرام ويريد أن يقول إنّ الموضوع في هذا الدليل وهو الربا لا يتحقّق ما دام أخذ الزيادة متحقّقا بين الوالد والولد ـ واخرى يكون ناظرا إلى المحمول في الدليل المحكوم (١) مثل دليل لا ضرر فإنّ هذا الدليل ينفي كل حكم ينشأ منه الضرر ، فوجوب الوضوء إذا كان مستلزما للضرر فهو منفي بمقتضى هذا الحديث ، وواضح إنّ الوجوب حكم ومحمول على الوضوء وليس موضوعا ، فدليل لا ضرر ناظر إلى المحمول في دليل الوضوء واجب ، أي هو ناظر إلى الوجوب لينفيه حالة الضرر.

وبعد اتّضاح هذه المقدّمة نعود إلى المرحلة الاولى لنمنهجها ضمن نقاط ستّ :

١ ـ كيف قال الحديث رفع الخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه و ... الحال إنّا نجد وقوع الخطأ والنسيان ونحوهما كثيرا ، ومع هذه الكثرة في الوقوع خارجا كيف يصحّ للحديث نفي ذلك؟ وفي الجواب نذكر ثلاثة احتمالات :

أ ـ ان نقدّر لفظا كلفظ المؤاخذة ونقول المقصود : رفعت المؤاخذة حالة الخطأ ورفعت المؤاخذة حالة النسيان وهكذا في البقية.

ب ـ أن نقول إنّ المقصود رفع هذه الامور التسعة ولكن لا وجودها الخارجي ليقال أنّ تحقّقها في الخارج كثير فكيف يرفع بل المقصود رفع وجودها في عالم التشريع ، فكأنّ الحديث يريد أن يقول انّ الخطأ مرفوع في عالم التشريع بمعنى أنّ الخطأ لم يقع في عالم التشريع موضوعا أو متعلّقا (٢) لحكم ، فمن شرب

__________________

(١) ويعبّر عن المحمول بالحكم أيضا ، فالحكم والمحمول لفظان يقصد بهما شيء واحد

(٢) الموضوع والمتعلّق مصطلحان اصوليان ، فيراد بالمتعلّق ما تعلّق به الحكم بحيث يلزم إيجاده ـ

٩٩

الخمر خطأ فشربه الخطأي لم يقع موضوعا للحرمة.

ويمكن أن نقول إنّ مرجع هذا الاحتمال بالعبارة الصريحة إلى رفع الحكم فالحديث كأنّه يريد أن يقول إن شرب الخمر ما دام قد صدر خطأ فهو ليس بحرام ، ولكن لم تنف الحرمة صريحا ومباشرة بل بشكل غير مباشر ، فإنّ أحد الأساليب المتداولة عند العرب لنفي الحكم هو نفي موضوعه نظير الحديث الذي يقول : « لا رهبانية في الإسلام » أي أنّ الرهبانية لم تقع موضوعا للاستحباب الشرعي في الإسلام. هذا هو المقصود للحديث بالنظرة الاولى ولكن المقصود بالنظرة الثانية نفي الاستحباب وأنّه لا استحباب للرهبنة في الإسلام بيد أن هذا لم يذكر بهذا اللسان الصريح بل نفي وقوع الرهبنة موضوعا للحكم الاستحبابي في عالم التشريع ولازم ذلك نفي الاستحباب.

وباختصار : انّه بناء على هذا الاحتمال يريد الحديث نفي الحكم ولكن عن طريق نفي وقوع هذه الامور التسعة موضوعا في عالم التشريع ، وبناء عليه يكون الحديث شبيها تماما بحديث لا رهبانية في الإسلام.

ج ـ أن يكون المقصود نفي هذه الامور التسعة لا بلحاظ عالم التشريع ـ كما كنّا نذكر ذلك في الاحتمال الثاني ـ بل نفيها بلحاظ وجودها الخارجي ، وللفرار من لزوم محذور الكذب يقال المقصود نفي وجودها الخارجي نفيا تنزيليا ، فكأنّ

__________________

ـ أو تركه. ويراد بالموضوع ما ثبت الحكم له على تقدير افتراض وجوده صدفة ، فشرب الخمر متعلّق لأنّه يلزم تركه وفعل الصلاة متعلّق لأنّه يلزم إيجاده بينما البلوغ والاستطاعة والبيع و ... موضوع لأنّه لا يلزم إيجادها أو تركها بل على تقدير تحقّق البلوغ أو الاستطاعة يجب الحجّ مثلا ، وعلى تقدير البيع تثبت الحلّية والإمضاء

١٠٠