الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-27-8
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٦

والالزام التحريمي.

قوله ص ١٥٧ س ٩ : ويختص بعض هذه الاعتراضات بالبراءة العقلية : كالاعتراض الأوّل. ولكن تقدم في عبارة الشيخ العراقي انه عام للبراءة الشرعية أيضا.

قوله ص ١٥٧ س ٩ : وبعضها بالبراءة الشرعية : كالاعتراض الثالث.

قوله ص ١٥٧ س ٩ : وبعضها ببعض ألسنة البراءة الشرعية : كالاعتراض الثاني.

قوله ص ١٥٧ س ١١ : الاعتراض على البراءة العقلية : بل تقدم عن الشيخ العراقي انه عام للبراءة الشرعية أيضا.

قوله ص ١٥٨ س ٧ : وهذا ما يتحقق : أي ثبوت عدم البيان في الرتبة السابقة.

قوله : ص ١٥٨ س ٧ : وتكوينا : عطف تفسير على وجدانا

قوله ص ١٥٨ س ١٠ : لا بد من تطبيق قاعدة عقلية : وهي قاعدة قبح إدانة العاجز على ما سيأتي.

قوله ص ١٥٨ س ١٦ : بالقاعدة المشار إليها : أي قاعدة قبح إدانة العاجز.

قوله ص ١٥٩ س ٦ : في نفسه : أي بقطع النظر عن العلم الإجمالي.

قوله س ١٦٠ س ٤ : باحتمال مماثله الخ : لعل الأوضح ان يقال : باحتمال حكم واقعي مماثل له الخ.

قوله س ١٦٠ س ١٣ : عن المورد : أي عن موردنا ، وهو دوران الأمر بين محذورين.

٤٢١

قوله س ١٦١ س ٢ : بإن يعلم الخ : هذا بيان لصورة كثرة الواقعة.

قوله ص ١٦١ س ٣ : فيها جميعا : أي في أيام الشهر جميعا.

قوله ص ١٦١ س ٧ : على الموقف : وهو عدم منجزية العلم الإجمالي الذي قلنا به في صورة وحدة الواقعة.

٤٢٢

الدوران بين

الأقل والأكثر

٤٢٣
٤٢٤

الدوران بين الأقل والأكثر

قوله ص ١٦٣ : الوظيفة عند الشكّ في الأقل والأكثر : تقدم ان حالات الشكّ في التكليف أربع هي : ـ

١ ـ الشكّ في أصل التكليف بنحو الشكّ البدوي. وقد تقدمت ص ٢٩ من الحلقة.

٢ ـ العلم بثبوت الوجوب مع الشكّ في تعلقه بالظهر أو الجمعة مثلا. وقد تقدمت ص ٧٣ من الحلقة.

٣ ـ دوران الأمر بين المحذورين. وقد تقدمت ص ١٥٥ من الحلقة.

وهذه الحالات الثلاث انتهى الحديث عنها ، وبقي علينا التحدث عن الحالة الرابعة وهي.

٤ ـ العلم بثبوت التكليف مع الشكّ في تعلقه بالأقل أو بالاكثر ، كما لو علم بثبوت وجوب صلاة الظهر وشك في تعلقه بتسعة أجزاء ـ فيما إذا لم تكن جلسة الاستراحة جزء ـ أو بعشرة فيما إذا كانت جزء.

وفرق هذه الحالة عن الحالة الثانية ان متعلق الوجوب في الحالة الثانية مردد بين شيئين متباينين ، فإنّ صلاة الظهر مباينة لصلاة الجمعة وليست أقل بالنسبة إليها ولا أكثر بينما متعلق الوجوب في هذه الحالة مردد بين الأقل والأكثر ، فإنّ نسبة التسعة إلى العشرة نسبة الأقل إلى الأكثر وليست نسبة المبائن إلى

٤٢٥

المبائن.

وهذه الحالة الرابعة هي التي يراد التحدث عنها في هذا المبحث. ويمكن منهجة البحث فيها إلى نقاط ست أولها في تقسيم الأقل والأكثر إلى قسمين : ارتباطيين واستقلاليين.

الارتباطيان والاستقلاليان

إنّ الأقل والأكثر تارة يكونان استقلاليين واخرى ارتباطيين.

مثال الأوّل : ما إذا علم المكلّف بانّه مدين لغيره امّا بتسعة دراهم أو بعشرة. في هذا المثال لو فرض ان المكلّف دفع تسعة دراهم وكان في الواقع مدينا بعشرة فبمقدار تسعة دراهم يحصل الامتثال وبمقدار الدرهم العاشر يحصل عصيان ، وما هذا الاّ لأجل تعدد الأوامر بعدد الدراهم فلكل درهم أمر مستقل بتسديده ، وحيث تم تسديد تسعة دراهم فقط حصل امتثال تسعة أوامر وعصيان لأمر الدرهم العاشر.

وبهذا اتضحت نكتة تسمية الأقل والأكثر في هذه الحالة بالأقل والأكثر الاستقلاليين ، ان النكتة هي تعدد الأوامر واستقلال بعضها عن البعض الآخر في الامتثال والعصيان.

ثم انّه لا إشكال بين الإعلام في إنحلال العلم الإجمالي في هذا القسم ، فاشتغال الذمة بمقدار تسعة دراهم معلوم ، وبمقدار الدرهم العاشر مشكوك فتجري البراءة الشرعية والعقلية عن الدرهم العاشر ـ على مسلك المشهور ـ أو البراءة الشرعية فقط على مسلك حق الطاعة.

٤٢٦

ومثال الثاني : الشكّ في عدد اجزاء الصلاة وانها تسعة أو عشرة ، فإنّ الواجب واقعا لو كان هو عشرة وأتى المكلّف بتسعة أجزاء لم يحصل امتثال بمقدار تسعة أجزاء بل ليس هناك الاّ العصيان ، وما ذاك الاّ لأجل ان الأمر المتعلق بالصلاة واحد فامّا أن يحصل امتثاله أو يحصل عصيانه ولا يمكن إجتماع عصيانه وامتثاله في آن واحد. ومن هنا سمّي الأقل والأكثر في هذه الحالة بالارتباطيين لأجل وحدة الأمر وارتباط امتثال أمر بعض الاجزاء بامتثال أمر الاجزاء الاخرى.

والاختلاف بين الاعلام ينحصر بالارتباطيين والاّ فالاستقلاليان لا إشكال في انحلال العلم الإجمالي فيهما.

الارتباطيان على أقسام

ثمّ إنّ الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين له مصاديق متعددة.

١ ـ الشكّ في الجزئية ، كالشكّ في أنّ جلسة الاستراحة جزء من الصلاة أو لا.

٢ ـ الشكّ في الشرطية ، كالشكّ في أنّ الطمأنينة شرط في الصلاة أو لا ، فلو كانت شرطا صارت الصلاة مركبة من عشرة مثلا بينما لو لم تكن شرطا صارت مركبة من تسعة.

٣ ـ دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، كما يأتي إيضاح ذلك.

وبهذا يتضح أنّ دوران الأمر بين الأقل والأكثر الإرتباطيين هو تعبير آخر عن الشكّ في الجزئية أو في الشرطية أو في الدوران بين التعيين والتخيير.

٤٢٧

ونتكلم أوّلا عن المصداق الأوّل وهو الشكّ في الجزئية ، ثم عن الثاني ، وهو الشكّ في الشرطية ثم عن دوران الأمر بين التعيين والتخيير. ومن هنا يقع الكلام ضمن مسائل ، الاولى الشكّ في الجزئية.

٤٢٨

الدوران بين الأقل والأكثر في الاجزاء

والمصداق الأوّل من مصاديق الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين هو الشكّ في الجزئية ، كما لو دار أمر أجزاء الصلاة بين التسعة والعشرة.

وقد وقع الكلام بين الاصوليين في أنّ الشك المذكور هل يرجع إلى دوران الأمر بين المتباينين ـ بتقريب يأتي فيما بعد انشاء الله ـ الذي كان الحالة الثانية من حالات الشكّ الأربع المتقدمة ، ولازمه وجوب الإحتياط بالإتيان بالأكثر أو يرجع إلى دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين ، ولازمه عدم وجوب الاحتياط.

والاقوال في المسألة ثلاثة : ـ

١ ـ جريان البراءة العقلية والشرعية عن وجوب الأكثر. وهو مختار الشيخ الأعظم قدس‌سره في الرسائل.

٢ ـ عدم جريان البراءة بكلا قسميها الشرعية والعقلية ولزوم الاحتياط.

وهو مختار الآخوند الخراساني في حاشيته على الرسائل.

٣ ـ جريان البراءة الشرعية دون العقلية ، وهو مختار الآخوند في كفايته.

وقد يقال ـ وهو ما يسبق إلى الذهن بادئ الأمر ـ ان الحكم في هذا القسم هو الحكم في القسم السابق الذي كان الأمر فيه يدور بين الأقل والأكثر الاستقلاليين ، فيحكم ان التسعة حيث إنها معلومة الوجوب فيلزم الإتيان بها

٤٢٩

بينما الجزء العاشر حيث انه مشكوك الوجوب فتجري البراءة عنه.

وفي مقابل هذا قد تطرح عدة براهين لإثبات أنّ الصحيح لزوم الإحتياط ولا تجري البراءة. وفيما يلي نذكر تلك البراهين تباعا.

البرهان الأوّل

ان لنا علما إجماليا بثبوت وجوب متعلق امّا بالتسعة أو بالعشرة ، وحيث انه منجز فيلزم الإحتياط بإتيان العشرة. هكذا يقال في تصوير العلم الإجمالي ، ولا يقال في تصويره إن لنا علما إجماليا بوجوب امّا التسعة أو الجزء العاشر ، إنّ هذا التصوير باطل فإنّ الأمر النفسي الصادر من المولى متعلق امّا بالتسعة أو بالعشرة ، ولا معنى للقول بتعلقه امّا بالتسعة أو بالجزء العاشر ، إذ البديل للتسعة الذي يحتمل تعلق الأمر به هو مجموع العشرة لا الجزء العاشر بالخصوص ، ومعه فلا معنى لجعل الجزء العاشر طرفا للعلم الإجمالي بل الطرف هو العشرة.

اذن التصوير الصحيح هو الأوّل دون الثاني ، وما دام التصوير الصحيح هو الأوّل فلا يرد ان التسعة معلومة الوجوب بينما الجزء العاشر مشكوك الوجوب فتجري البراءة عنه ، ان هذا لا معنى له لأن طرق العلم الاجمالي في التصوير الاول ليس هو الجزء العاشر لتجري البراءة عن وجوبه وإنّما هو العشرة ، والجزء العاشر جزء من العشرة أي جزء من طرف العلم الإجمالي وليس بنفسه طرفا له ، وتعلق الوجوب النفسي بمجموع العشرة وإن كان مشكوكا الاّ ان تعلقه بالتسعة مشكوك أيضا ، وجريان البراءة عن تعلقه باحدهما معارض بالبراءة عن تعلقه بالآخر.

٤٣٠

مناقشة البرهان الأوّل

وقد نوقش البرهان المذكور بعدة مناقشات.

الاولى

وهي للشيخ الأعظم قدس‌سره في الرسائل. وحاصلها : إنّ العلم الإجمالي المذكور منحل بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل ، فإنا نعلم تفصيلا بان التسعة واجبة امّا بالوجوب النفسي أو بالوجوب الغيري ، فإنّ وجوب الصلاة ان كان منصبا على التسعة صارت واجبة بالوجوب النفسي وإن كان منصبا على العشرة فحيث ان التسعة مقدمة لحصول العشرة فهي واجبة بالوجوب الغيري المقدمي. واذا صار الأقل معلوم الوجوب بالتفصيل والأكثر مشكوك الوجوب انحل العلم الإجمالي.

ويمكن الجواب عن هذه المناقشة بأن في مقصود الشيخ الأعظم قدس‌سره احتمالين : ـ

أ ـ ان يكون مقصوده ان الأقل لما كان معلوم الوجوب بالتفصيل يحصل انحلال العلم الإجمالي من جهة ان شرط منجّزية العلم الإجمالي عدم سراية العلم من الجامع إلى الفرد ـ على ما تقدم في الركن الثاني من أركان منجّزية العلم الاجمالي الاربعة ص ١٠٥ من الحلقة ـ فإذا سرى انحلّ ، نظير ما إذا كنا نعلم اجمالا بوقوع نجاسة في احد انائين ثم فحصنا فإذا هي في الاناء الموجود على اليمين ، فإنّ العلم الاجمالي ينحل حيث لا يبقى العلم ثابتا على الجامع بل يسري إلى الفرد.

وفيه : انّ شرط الانحلال سراية العلم من الجامع إلى الفرد بحيث يكون المعلوم بالتفصيل مصداقا للمعلوم بالاجمال كما هو الحال في نجاسة الاناء

٤٣١

الموجود على اليمين ، فانّها معلومة بالتفصيل ومصداق للنجاسة المعلومة بالاجمال ـ أمّا إذا لم يكن مصداقا فلا يحصل الانحلال ، ومقامنا من قبيل النحو الثاني ، أي أنّ المعلوم بالتفصيل ليس مصداقا للمعلوم بالاجمال ، فإنّ الذي نعلم به على سبيل الاجمال هو ثبوت الوجوب النفسي امّا للأقل أو للأكثر ، بينما المعلوم بالتفصيل ليس هو الوجوب النفسي بل الوجوب المردّد بين النفسي والغيري.

ب ـ أن يكون مقصوده إنّ الأقل لمّا كان معلوم الوجوب بالتفصيل يحصل الانحلال من جهة انّه يصير منجّزا على سبيل القطع ، فلا تجري البراءة عنه وتجري عن وجوب الأكثر حيث انّه مشكوك ، فيسقط العلم الاجمالي عن المنجّزية لأنّ الركن الثالث من أركان المنجّزية على ما تقدّم ص ١٠٨ من الحلقة تعارض الاصول في الأطراف فإذا لم تتعارض وجرى أصل البراءة في طرف بلا معارضة بجريانه في الطرف الثاني سقط العلم الاجمالي عن المنجّزية.

وفيه : انّ الأقل لا يقطع بتنجّزه على كل تقدير ، فإنّ وجوبه إذا كان نفسيّا فهو منجّز ، وأمّا إذا كان غير نفسيّ فهو غير منجّز ، لأنّ الوجوب القابل للتنجّز هو الوجوب النفسي دون الوجوب الغيري ، ولذا لا يعاقب التارك للحج بما له من مقدمات كثيرة الا عقابا واحدا على ترك الحج الذي هو واجب نفسي ولا يعاقب على ترك المقدمات ، وما ذاك إلاّ لأنّ وجوبها غيري لا يقبل التنجّز.

وعليه فلا يمكن أن يقال انّ الأقل يعلم بتنجّزه جزما فلا تجري البراءة عنه ، ووجه ذلك : أنّ المعلوم ثبوته للأقل هو الوجوب الجامع بين ما يقبل التنجّز وما لا يقبله ومثل الجامع المذكور لا يقبل التنجّز.

٤٣٢

الثانية

وهي ما قد تستفاد من كلمات الشيخ الأعظم قدس‌سره في الرسائل أيضا ، وحاصلها : انّ الأقل معلوم الوجوب بالتفصيل ولكن لا من جهة تردّده بين الوجوب النفسي والغيري ليقال إنّ ذلك لا ينفع في الانحلال كما تقدّم في ردّ المناقشة الاولى ، بل لتردّده بين الوجوب النفسي الإستقلالي والوجوب النفسي الضمني ، فإنّ وجوب الصلاة إن كان منصبّا على التسعة فوجوبها ـ التسعة ـ نفسي إستقلالي ، وإن كان منصبّا على العشرة فوجوب التسعة نفسي أيضا ، غاية الأمر هو نفسي ضمني ، فإنّ الوجوب النفسي المنصب على العشرة ينحلّ إلى وجوبات نفسيّة ضمنيّة بعدد الاجزاء ، وكلّ جزء يصيبه وجوب نفسي ضمني.

وإذا كان الأقل يعلم وجوبه بالوجوب النفسي المردّد بين الإستقلالي والضمني حصل بذلك الانحلال لأنّ المعلوم بالاجمال هو الوجوب النفسي والمعلوم بالتفصيل هو الوجوب النفسي أيضا ، فالمعلوم بالتفصيل مصداق للمعلوم بالاجمال.

وقد ردّت هذه المناقشة بعدّة أجوبة نذكر منها جوابين : ـ

١ ـ إنّ المعلوم بالتفصيل ليس مصداقا للمعلوم بالاجمال ، فإنّ المعلوم بالاجمال هو الوجوب النفسي الإستقلالي لا مطلق الوجوب النفسي ، بل الوجوب النفسي المقيّد بقيد الإستقلاليّة ، بينما المعلوم بالتفصيل ليس هو الوجوب النفسي الإستقلالي ، بل الوجوب النفسي المردّد بين الإستقلالي والضمني.

٤٣٣

وبكلمة اخرى إنّا لو قطعنا النظر عن وصفي الإستقلاليّة والضمنيّة كان المعلوم بالتفصيل مصداقا للمعلوم بالاجمال ، أمّا إذا لاحظناهما فليس ذاك مصداقا لهذا.

ويمكن ردّ هذا الجواب الأوّل بأنّا لو لاحظنا وصفي الإستقلاليّة والضمنيّة فلا انحلال كما ذكر ، ولكن النظر إلى الوصفين المذكورين غير صحيح.

والوجه فى ذلك : انّ الذمّة لا تشتغل بذات الواجب النفسي وبقيد الإستقلاليّة ، فإنّ قيد الإستقلاليّة ليس من الأوصاف القابلة لاشتغال الذمّة به ، إذ هو يعني عدم شمول الوجوب للغير ، فحينما يقال إنّ الوجوب المتعلّق بالتسعة إستقلالي فالمقصود عدم شمول الوجوب للجزء العاشر ووقوفه على الأجزاء التسعة ، وواضح ان وصف عدم شمول الوجوب للغير ليس معنى قابلا لاشتغال الذمّة به.

وبكلمة اخرى إنّ الإستقلاليّة حدّ للوجوب ـ حيث يراد بها انّ وجوب التسعة نحو وجوب لا يشمل الجزء العاشر ـ وواضح أنّ الحد هو من الأوصاف التي لا يمكن اشتغال الذمّة بها ، وإنّما هي تشتغل بالمحدود وهو ذات الواجب النفسي.

٢ ـ ما ذكره الميرزا (١) من أنّ انحلال العلم التفصيلي بوجوب الأقل وجوبا نفسيّا أمّا إستقلاليا أو ضمنيّا ليس وجيها ، فإنّ العلم التفصيلي المذكور ـ أي العلم بوجوب الأقل إستقلاليّا أو ضمنيّا ـ ليس علما تفصيليا بحسب الروح والحقيقة ،

__________________

(١) أجود التقريرات ج ٢ ص ٢٨٨. ونقل في مصباح الاصول ج ٢ ص ٤٣٢

٤٣٤

وإنّما هو عين علمنا الاجمالي وليس شيئا مغايرا له ليحصل به الانحلال.

والوجه في ذلك : إنّ وجوب الأقل وجوبا ضمنيا يعني وجوب التسعة وجوبا مقيّدا بضم الجزء العاشر ، أي هو وجوب بشرط شيء ، بينما وجوب الأقل وجوبا إستقلاليّا يعني وجوب التسعة بلا حاجة إلى ضم الجزء العاشر ، أي هو وجوب مطلق ولا بشرط من حيث ضم الجزء العاشر (١).

وعليه فعلمنا التفصيلي بوجوب الأقل إستقلالا أو ضمنا هو في الحقيقة علم اجمالي بوجوب امّا التسعة بشرط شيء أو التسعة لا بشرط ، ومعه فلا معنى للانحلال ما دام لا يوجد علم تفصيلي في مقابل العلم الاجمالي.

إن قلت : إنّ العلم الاجمالي المبرز في البرهان الأوّل لم يكن هو العلم بوجوب امّا التسعة بشرط شيء أو التسعة لا بشرط حتى يقال بانّه عين العلم التفصيلي ولا معنى لحصول الانحلال به وإنّما هو العلم بوجوب امّا الأكثر أو الأقل ، وهذا العلم الاجمالي بما انّه مغاير للعلم التفصيلي بوجوب التسعة استقلالا أو ضمنا فلا بأس بحصول الانحلال به.

قلت : إنّ العلم الاجمالي المبرز وإن كان هو العلم بوجوب امّا الأقل أو الأكثر ولكنه ليس شيئا يتغاير والعلم الاجمالي بوجوب امّا التسعة بشرط انضمام الجزء العاشر أو التسعة المطلقة بل هو هو وإن اختلفت الألفاظ فإنّ وجوب الأقل عبارة اخرى عن وجوب التسعة المطلقة ووجوب الأكثر عبارة اخرى

__________________

(١) وإنّما نقل بشرط لا لأنّه لا يحتمل حرمة إضافة جلسة الاستراحة على تقدير عدم جزئيتها ، فإنّ المفروض دوران أمر المشكوك بين كونه جزءا واجبا أو جزءا مستحبّا ، ولا يحتمل حرمته

٤٣٥

عن وجوب التسعة المقيدة.

والخلاصة : انّه ادعي وجود علمين احدهما علم إجمالي بوجوب اما الأقل أو الأكثر ، وثانيهما تفصيلي ، وهو العلم بوجوب الأقل امّا استقلالا أو ضمنا. والشيخ الاعظم كان يقول ان الثاني يحلّ الأوّل. والميرزا يقول لا يمكن الانحلال ، لأن العلم الثاني هو إجمالي أيضا وليس تفصيليا بل هو عين العلم الإجمالي الأوّل (١).

ويمكن ردّ كلام الميرزا هذا بان حصيلته ترجع إلى انا لا نملك الاّ علما إجماليا واحدا غير قابل للانحلال غايته يمكن التعبير عنه بعبارتين ، فيمكن ان نعبر عنه بالعلم الإجمالي بوجوب اما الأقل أو الأكثر كما ويمكن التعبير عنه بوجوب اما التسعة المطلقة أو التسعة المقيّدة ، ونحن نجيب عن ذلك بنفس ما ناقشنا به الجواب السابق بأن نقول ان هذا العلم الإجمالي انّما تحقق بسبب ادخال وصف اطلاق التسعة وتقييدها في الحساب فقيل نحن نعلم بوجوب اما التسعة المطلقة أو المقيدة ، ولكن إدخال وصف الاطلاق في الحساب لا معنى له فانّه وصف لا يقبل التنجز بالعلم الإجمالي كما سنبين ، وإنما الذي يدخل في العهدة ويمكن اشتغال الذمة به هو ذات المحكي بوصف الاطلاق ـ وذات المحكي هو وجوب التسعة ـ وذات المحكي يعلم بوجوبه تفصيلا لا إجمالا.

واذا رجعنا إلى وجداننا وجدنا صدق ما نقول فانه قاض بانا نعلم

__________________

(١) لا يخفى ان عبارة الحلقة في المقام غامضة. وأشد منها غموضا عبارة التقرير ج ٥ ص ٣٣٠. أجل عبارة الحلقة الثانية ص ٣٧٦ جيدة. وعبارة أجود التقريرات ومصباح الاصول أجود

٤٣٦

بوجوب التسعة من دون إجمال بل بنحو التفصيل ، ومهما اراد الميرزا إدخال التشكيك علينا نبقى نشعر بالوجدان المذكور. اجل حينما ادخل الميرزا في الحساب وصف الاطلاق والتقييد تشكّل لنا علم إجمالي يدور طرفاه بين المتباينين ولم نبق نملك علما تفصيليا ، ولكن إدخال ذلك في الحساب أمر مرفوض.

أمّا لماذا لا يجوز إدخال وصف الاطلاق في الحساب؟ ذلك باعتبار انّه يعني عدم لحاظ التقييد بالجزء العاشر ، وواضح ان عدم لحاظ التقييد ليس أمرا وجوديا قابلا لاشتغال الذمة به ، فإنّ الذمة تشتغل بالشيء لا باللا شيء (١).

أجل وصف التقييد يختلف عن وصف الاطلاق فهو ـ التقييد ـ قابل لاشتغال الذمة به لأنّه يعني ملاحظة الجزء العاشر ، ومع ملاحظة التقييد بالجزء العاشر تكون الذمة مشغولة بالإتيان به.

إذن مع إدخال وصف الاطلاق والتقييد في الحساب يتشكل علم إجمالي ولا يكون منحلا ، ولكن ذلك غير صحيح بإعتبار ان وصف الاطلاق غير قابل بالاشتغال الذمة به. ومع عدم إدخال وصف الإطلاق يكون العلم الإجمالي منحلا أو بالاحرى يكون لدينا علم تفصيلي بوجوب الأقل لا انّه يتشكل علم إجمالي أولا بوجوب امّا الأقل أو الأكثر ثم ينحل. وسنوضح ذلك في الوجه الثالث.

الثالثة

وحاصل المناقشة الثالثة للبرهان الأوّل : انّا لو أردنا أن ندخل في الحساب

__________________

(١) هذا بناء على أنّ الاطلاق أمر عدمي كما هو مختار السيد الشهيد. وهكذا لو فسرناه بالأمر الوجودي ، أي بلحاظ عدم التقييد ، فان لحاظ عدم إعتبار الجزء العاشر ليس أمرا قابلا لاشتغال الذمة به

٤٣٧

وصف الإطلاق والتقييد أو وصف الاستقلالية والضمنية فالعلم الإجمالي حاصل ويدور أمر متعلقه بين المتباينين ، ولكن ذكرنا فيما سبق عدم صحة أخذ الأوصاف المذكورة بعين الإعتبار لعدم قابلية إشتغال الذمة بها ، واذا لم ندخلها في الحساب فلا يتشكل لدينا علم إجمالي أصلا ـ لا انّه يتشكل وينحل بالعلم التفصيلي ـ فإنّ الحاصل لنا علم تفصيلي وشكّ بدوي فلنا علم تفصيلي بوجوب الأقل وشكّ بدوي في وجوب الزائد ، وواضح ان انضمام الشكّ البدوي إلى العلم التفصيلي لا يتشكل منه علم إجمالي ، فإنّ العلم الإجمالي يعني تردد الجامع بين الطرفين ولا يعني تحقق الجامع في طرف جزما والشكّ في تحققه في الطرف الثاني.

وقد تقول : انّه بناء على هذا فكيف يتحقق العلم الإجمالي بين الأقل والأكثر.

فانه يقال : إنّ العلم الإجمالي لا يمكن تحققه بين الأقل والأكثر ـ لأنّ الأقل معلوم الوجوب بالتفصيل والأكثر مشكوك الوجوب ـ وينحصر تحققه بالمتباينين. ولذا حاول البعض ـ كالميرزا كما تقدم ـ ارجاع العلم الاجمالي بالاقل والاكثر الى العلم الاجمالي بالمتباينين فقال ان العلم الاجمالي بوجوب اما التسعة او العشرة يرجع الى العلم الاجمالي بوجوب اما التسعة المطلقة او التسعة المقيدة.

وقد اشير إلى كل هذه النكات في الحلقة الثانية ص ٣٧٧.

الرابعة

إنّ العلم الإجمالي بوجوب امّا الأقل أو الأكثر المذكور في البرهان الأوّل

٤٣٨

ليس منجزا من ناحية عدم تعارض الأصول في أطرافه ، وشرط المنجزية ـ كما تقدم في الركن الثالث من أركان المنجزية الأربعة ـ تعارض الأصول في الأطراف.

والوجه في عدم تعارض الاصول : ان أصل البراءة يجري بالنسبة إلى وجوب الأكثر ولكنه لا يجري بالنسبة إلى وجوب الأقل إذ الغرض من اجراء البراءة عن وجوب الأقل فيه احتمالان كلاهما باطل.

فإن كان الغرض هو الترخيص في ترك الأقل شريطة الأتيان بالأكثر فهذا واضح الاستحالة ، إذ كيف يمكن للأنسان ان يأتي بالعشرة بلا إتيان بالتسعة.

وإن كان الغرض هو الترخيص في ترك الأقل وترك الأكثر معا فهذا واضح البطلان أيضا فإنّ ذلك مخالفة قطعية ولا معنى لإجراء الأصل لترخيصها.

هذا حاصل المناقشة الرابعة. وهي وإن كانت جيدة بيد انّها تتضمن الإعتراف بأصل وجود العلم الإجمالي وتدعي انحلاله بسبب عدم تعارض الاصول في أطرافه بينما اتضح مما سبق انّ العلم الإجمالي غير ثابت أصلا وإنّما الثابت هو العلم التفصيلي المنضم إلى الشكّ البدوي.

قوله ص ١٦٩ س ١٠ : لينفي : الصواب : لينفى.

قوله ص ١٧١ س ١٠ : وعدم شموله إلخ : عطف تفسير لحدّ الوجوب.

قوله ص ١٧١ س ١٣ : ولكن معلوم هذا العلم : وهو الوجوب النفسي المقيد بوصف الاستقلالية.

قوله ص ١٧٢ س ٥ : والمقيد يباين المطلق : لا يكون المورد من موارد العلم الإجمالي الاّ إذا كان طرفاه مرددين بين فردين متباينين وليسا مرددين بين الأقل

٤٣٩

والأكثر إذ المردد بين الأقل والأكثر يرجع إلى علم تفصيلي بالأقل وشكّ بدوي في الأكثر ، وحيث ان الميرزا يدعي انّ العلم التفصيلي بوجوب الأقل أمّا استقلالا أو ضمنا يرجع في حقيقته إلى علم إجمالي بوجوب التسعة المطلقة أو المقيدة فلا بدّ وان يدعي ان التسعة المطلقة والتسعة المقيدة هما من قبيل المتباينين كي يتحقق بأيدينا علم إجمالي وبالتالي كي يصدق ان ذلك العلم التفصيلي يرجع في حقيقته إلى علم اجمالي ، أمّا إذا كانا من قبيل الأقل والأكثر فلا يتحقق علم إجمالي ويبقى العلم التفصيلي بوجوب الأقل علما تفصيلا بلا أن يرجع إلى علم إجمالي.

قوله ص ١٧٢ س ٦ : على الإجمال : أي امّا استقلالا أو ضمنا.

قوله ص ١٧٢ س ٦ : ليس الاّ نفس ذلك العلم الإجمالي : أي العلم الإجمالي بوجوب امّا الأقل أو الأكثر.

قوله ص ١٧٢ س ٦ : بعبارة موجزة : فعبارة العلم الإجمالي السابق كانت عبارة موجزة حيث كان يقال « يعلم إجمالا بوجوب امّا الأقل أو الأكثر » ، وهذا بخلاف عبارة العلم التفصيلي المدعى فانّها مطولة معنى بالنسبة لتلك حيث تقول « يعلم تفصيلا بوجوب التسعة اما المطلقة أو المقيدة ».

قوله ص ١٧٢ س ٨ : ويلاحظ هنا ... : هذا ردّ على الجواب الثاني ، وهو نفس مضمون الرد المتقدم على الجواب الأوّل.

قوله ص ١٧٢ س ١٠ : لأنّه يقوّم الصورة إلخ : فإنّ الصورة الذهنية لوجوب التسعة تارة تتقوم وتتميز بعدم لحاظ الجزء العاشر واخرى تتقوم بلحاظه معها ، فاللحاظ وعدم اللحاظ إذن حدّان تتحدد بهما الصورة الذهنية لوجوب التسعة. وما دام الاطلاق حدا للصورة الذهنية لوجوب التسعة ، وهذا

٤٤٠