الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-27-8
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٦

الأفضل في التعليل

ومن المفضل تعليل عدم منجزية العلم الإجمالي في حالة خروج بعض ـ الأطراف عن محل الإبتلاء باختلال الركن الثالث ـ وهو تعارض الاصول في الأطراف ـ باعتبار ان الأصل يجري في الإناء المبتلى به من دون معارضة بالأصل في الإناء الخارج عن محل الابتلاء.

وقد تسأل عن نكتة عدم جريان الأصل في الطرف الخارج عن محل الابتلاء مع أنّ المفروض ان السيد الشهيد يرى إمكان ثبوت التكليف في حالة عدم الابتلاء ، فانّه بناء على هذا الرأي يكون ثبوت التكليف في الإناء الخارج عن محل الابتلاء محتملا ، ومع واحتمال ثبوت التكليف يكون جريان الأصل لنفيه وجيها.

والجواب : ان الأصل العملي ليس قاعدة مقرره لنفي التكليف عند احتماله حتى يقال بان التكليف في الإناء الخارج عن محل الإبتلاء حيث انه محتمل

__________________

ـ داع مستقل آخر ، نظير من كان له داعيان مستقلان إلى الوضوء : امتثال الأمر والتبريد ، فان التقرب يحصل ما دام امتثال الأمر داعيا مستقلا وان كان إلى جنبه داعي التبريد الذي هو داع مستقل أيضا.

ثم ان للسيد الشهيد في بحوثه الفقهية تعبيرا أوضح من الموجود هنا ، ففي الجزء الرابع من تقريره الفقهي ص ١٠١ ما نصّه : « يكفي فائدة للتكليف انّه يحقق صارفا ثانيا للمكلف في عرض الصارف الطبيعي يمكن المكلّف التعبد والتقرب على أساسه ».

وأوضح من ذلك تعبير السيد الخوئي في مصباح الاصول ج ٢ ص ٣٩٥

٣٨١

فجريان الأصل لنفيه وجيه وإنّما يجريه العقلاء عند تزاحم الغرضين في مقام الحفظ ، بمعنى انه عند احتمال وجود الغرض اللزومي والغرض الترخيصي في الشيء المشكوك فالغرض اللزومي يطلب حفاظا على نفسه تحريم الشيء المشكوك بينما الغرض الترخيصي يطلب حفاظا على نفسه عكس ذلك أي يطلب الترخيص في الشيء المشكوك ، والأصل العملي تعبير عن تقديم أقوى الملاكين عند التزاحم بين الحفظين.

اذن الأصل العملي قاعدة تفترض عند التشاجر والتزاحم بين الحفظين فاذا لم يكن تشاجر وتزاحم بين الحفظين لم يكن معنى للاصل العملي.

وعلى هذا فالاناء الخارج عن محل الابتلاء لا معنى لجريان الأصل فيه إذ ثبوت كل من الغرض اللزومي والترخيصي وان كان محتملا إلاّ انّه لا تشاجر بينهما في مقام الحفظ ، فإنّ الغرض اللزومي الثابت في الحرمة محفوظ بنفس عدم الابتلاء ، فان نفس عدم الابتلاء بإناء السلطان يفترض عدم ارتكابه ، وبالتالي يحصل التحفظ على الغرض اللزومي ، وبتحقق التحفظ عليه لا يقع تزاحم بين حفظه وحفظ الغرض الترخيصي ليجري العقلاء الأصل العملي.

قوله ص ١٣٧ س ١٥ : كاستعمال كأس من الحليب الخ : أي كما إذا دار أمر النجس بين أن يكون هو كأس الحليب الموضوع على مائدته أو الكأس في بلد لا يصل اليه كما عبّر بذلك في الحلقة الثانية.

قوله ص ١٣٨ س ١٢ : على كل تقدير : أي على تقدير نجاسة الاناء المقدور وعلى تقدير نجاسة الاناء غير المقدور بل يكون ثابتا على تقدير نجاسة الاناء المقدور ولا يكون ثابتا على تقدير نجاسة الاناء غير المقدور.

٣٨٢

قوله ص ١٣٨ س ١٧ : من المفسدة والمبغوضية : تفسير لمبادئ النهي.

قوله ص ١٣٩ س ٧ : إنّ الفعل المقدور : الصواب : انّ الفعل غير المقدور.

قوله ص ١٣٩ س ٩ : إنّ فرض وجوده مساوق الخ : أي لو فرض وجوده كان وجوده ذا مفسدة.

قوله ص ١٤٠ س ٣ : كما في الحالة الثانية المتقدمة : أي ص ١١٥ من الحلقة.

قوله ص ١٤٠ س ٧ : على كل حال : أي على كل تقدير من تقديري نجاسة الاناء المقدور ونجاسة الاناء غير المقدور.

قوله ص ١٤١ س ١٢ : لبعده وصعوبته : أي لبعد الصدور وصعوبته.

قوله ص ١٤١ س ١٤ : من التعبد بتركه : أي قصد التقرب بتركه ، فالتعبد هو بمعنى التقرب.

قوله ص ١٤٢ س ١ : من هذا القبيل : أي التزاحم بين الحفظين.

قوله ص ١٤٢ س ٣ : بدون تفريط بالغرض الترخيصي : فانّه في سائر الموارد لا بدّ من التضحية بالغرض الترخيصي للحفاظ على الغرض اللزومي. وأمّا في المقام فالغرض اللزومي محفوظ بنفس عدم الابتلاء بلا حاجة إلى التضحية بالغرض الترخيصي.

٣٨٣
٣٨٤

الحالة التاسعة أو العلم الاجمالي في التدريجيات

طرفا العلم الاجمالي تارة يكونان حكمين فعليين ، واخرى يكون أحدهما فعليّا والآخر غير فعلي.

مثال الأوّل : العلم الاجمالي بنجاسة أحد إنائين موجودين بالفعل فإنّ النجاسة إذا كانت ثابتة في الاناء الأوّل فوجوب الاجتناب عنه فعلي ، وإذا كانت في الاناء الثاني فوجوب الاجتناب عنه فعلي أيضا. ومثل هذا العلم الاجمالي يسمّى بالعلم الاجمالي في الأطراف الدفعيّة.

ومثال الثاني : ما إذا فرض انّ امرأة كان يسيل منها الدم طيلة شهر لعارض من العوارض ، وكانت ذات عادة عدديّة لا وقتيّة (١) ، بأن كانت تعلم إنّ مدّة حيضها ثلاثة أيام ، ولكنها لم تعلم انّها الثلاثة الاولى أو الثانية أو الثالثة ، وهكذا. في مثل هذه الحالة يحصل لها علم اجمالي بأنّ واحدة من الثلاثة أيام حيض ، فإن كانت الثلاثة الاولى هي الحيض فيجب عليها التجنّب عن دخول المساجد وجوبا فعليا ، وإن كانت هي الثلاثة الثانية فوجوب التجنّب ليس فعليا بل هو استقبالي منوط بمجيء الثلاثة الثانية.

ومثل هذا العلم يسمّى بالعلم الاجمالي في الأطراف التدريجية لأنّ الثلاثة الثانية لا تتولّد إلاّ بعد انعدام الثلاثة الاولى ، والثلاثة الثالثة لا تتولّد إلاّ بعد

__________________

(١) أو كانت ذات عادة وقتيّة وعدديّة ولكنها نست الوقت وبقيت متذكرة للعدد فقط

٣٨٥

انعدام الثانية ، وهكذا.

وفي هذا المقام نريد البحث عن حجّية مثل العلم الاجمالي المذكور ، فهل هو منجّز كالعلم الاجمالي في الأطراف الدفعيّة أو لا؟

وقد استشكل في حجّية العلم المذكور بوجهين : ـ

١ ـ إنّ الركن الأوّل من أركان منجّزية العلم الاجمالي ـ وهو العلم بالجامع ـ مفقود لأنّ الحيض إن كان ثابتا في الثلاثة الاولى فوجوب التجنّب عن دخول المسجد فعلي ، وأما إذا كان في الثلاثة الثانية فهو ليس بفعلي ، وعليه فالمرأة لا تعلم بتوجّه تكليف فعلي إليها ، بل تشك في توجهه إليها.

٢ ـ إنّ الركن الثالث مختل بكلتا صيغتيه : صيغة المشهور وصيغة الشيخ العراقي.

أمّا صيغة المشهور ـ وهي تعارض الاصول في الأطراف ـ فتقريب اختلالها أنّ وجوب الاجتناب في الثلاثة الاولى حيث انّه محتمل فيمكن اجراء أصل البراءة لنفيه ، وأمّا وجوب الاجتناب في الثلاثة الثانية فحيث انّه لا يحتمل ثبوته قبلها ـ أي قبل مجيء الثلاثة الثانية ـ بل لا يثبت الاّ بعد حلولها فلا يمكن إجراءه لنفيه في الثلاثة الاولى ، ومعه فيجري الأصل الأوّل دون معارض.

وأمّا اختلال صيغة الشيخ العراقي ـ وهي أن يكون العلم الاجمالي صالحا لتنجيز طرفيه بلا منجّز آخر ـ فباعتبار أنّ وجوب الاجتناب في الثلاثة الثانية حيث انّه لا يحتمل ثبوته في الثلاثة الاولى فلا يمكن أن يكون العلم الاجمالي منجّزا له ـ فإن تنجّز التكليف فرع ثبوته ـ وإنّما يصلح فقط لتنجيز وجوب الاجتناب الثابت في الثلاثة الاولى.

٣٨٦

وبكلمة اخرى : إنّ وجوب الاجتناب إن كان ثابتا في الثلاثة الاولى امكن تنجّزه بالعلم الاجمالي ، وامّا إذا كان ثابتا في الثلاثة الثانية فلا يمكن تنجّزه به. وعليه فالعلم الاجمالي يكون صالحا للتنجيز على أحد تقديرين لا على كليهما.

مناقشة الوجهين

هذا ويمكن المناقشة في كلا الوجهين.

أمّا الوجه الأوّل ـ وهو عدم وجود العلم بالتكليف الفعلي ـ فباعتبار انّه ليس المقصود من التكليف الفعلي التكليف الثابت الآن ـ أي عند بداية الثلاثة الاولى ـ بل المقصود منه أن يكون جميع أجزاء الموضوع متوفرة في مقابل ما إذا كان بعضها مفقودا فانّه لا يكون التكليف فعليّا ، فمثلا موضوع وجوب الحج هو الاستطاعة والبلوغ والعقل والقدرة ، وهذه الأجزاء الاربعة متى توفرت فالوجوب يكون فعليّا ، ومتى ما اختل واحد منها زالت الفعليّة ، وفي مقامنا بما أنّ أجزاء الموضوع (١) تامّة فى كلا التكليفين فهما فعليّان ، غاية الأمر أحدهما تكليف فعلي في الثلاثة الاولى وثانيهما تكليف فعلي في الثلاثة الثانية ، وهذا المقدار يكفي لتنجيز العلم الاجمالي ، فإنّ كلا الطرفين إذا كانا فعليين بهذا المعنى للفعليّة كان العلم الاجمالي منجّزا حتّى وإن كان ثبوت أحدهما في الثلاثة الاولى وثبوت ثانيهما في الثلاثة الثانية فانّه لا يشترط في منجّزية العلم الاجمالي ثبوت كلا التكليفين الفعليين في الثلاثة الاولى إذ مولوية الله سبحانه ـ المقصود من المولوية

__________________

(١) وهي مثل البلوغ والعقل وعدم الإضطرار وكون الدم حيضا

٣٨٧

حق الطاعة ـ لا تختص بخصوص الثلاثة الاولى بل له حق الإطاعة بالنسبة إلى وجوب التجنّب الثابت في الثلاثة الثانية حتى قبل مجيئها ـ الثلاثة الثانية ـ ولا يتوقف ثبوته ـ حق الاطاعة ـ على مجيء الثلاثة الثانية ، ومعه فالمكلف يمكنه تشكيل علم اجمالي فيقول إنّي أعلم بثبوت حق الاطاعة الآن أمّا بالتجنب في الثلاثة الاولى أو في الثلاثة الثانية.

هذا كله في مناقشة الوجه الأوّل.

وأمّا الوجه الثاني ـ وهو عدم توفر الركن الثالث بكلتا صيغتيه ـ فباعتبار أنّ الصيغة المشهورة للركن الثالث متوفرة ، فالاصل يمكن إجراؤه لنفي التكليف في الثلاثة الاولى ، ومتى ما حلّت الثلاثة الثانية وصار ثبوت التكليف الفعلي فيها محتملا أمكن اجراؤه لنفيه في فيها ، وبهذا يحصل التعارض بين الاصلين ، فإنّ التعارض بين الاصلين لا يتوقف على جريانهما في وقت واحد بل يكفي لتحقّق التعارض جريان أحد الاصلين في الثلاثة الاولى وجريان الاصل الثاني في الثلاثة الثانية ، إذ التعارض بين الاصلين ليس هو كالتعارض بين السواد والبياض الذي يتوقف على ملاحظة زمان واحد ، بل هو بمعنى عدم إمكان شمول دليل الحجّية لكلا الاصلين ، ومن الواضح انّ دليل الاصل لا يمكن أن يشمل الاصل الجاري في الثلاثة الاولى والاصل الجاري في الثلاثة الثانية ، إنّ هذا هو المقصود من التعارض في مقامنا وهو متوفر في المقام.

وأمّا صيغة الشيخ العراقي فهي متوفرة أيضا ، فإنّ العلم الاجمالي ينجّز كلا من الطرفين في ظرفه المناسب له ، فالتكليف في الثلاثة الاولى ينجّزه في الثلاثة الاولى ، والتكليف في الثلاثة الثانية ينجّزه في الثلاثة الثانية فهو صالح لتنجيز كل

٣٨٨

من طرفيه في الوقت المناسب للطرفين.

وبعبارة أخرى : لا يشترط تنجيز العلم الاجمالي لكل من طرفيه في الثلاثة الاولى بل يكفي أن يكون صالحا لتنجيزهما ولو بلحاظ عمود الزمان وعلى طوله.

٣٨٩
٣٩٠

وهكذا يتضح :

وبهذا كله اتضح ان العلم الإجمالي في الأطراف التدريجية منجز لأن كلا الوجهين المستدل بهما على عدم المنجزية باطلان.

هذا ولكن البعض حيث يرتئي صحة الوجهين أو أحدهما ذهب إلى عدم المنجزية وقال ان المرأة في الثلاثة الاولى يجوز لها الدخول في المسجد لعدم منجزية العلم الإجمالي باعتبار تأخر أحد طرفيه ، واذا حلت الثلاثة الثانية جاز لها الدخول في المسجد أيضا وهكذا في كل ثلاثة متأخرة.

وذهب الشيخ العراقي قدس‌سره إلى منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات كما اخترناه ولكن عن طريق ابراز علم إجمالي جديد يكون كلا طرفيه حكما فعليا ـ لا كالعلم السابق الذي كان أحد طرفيه فعليا والآخر غير فعلي ـ وذلك بان يقال انه إمّا ان تكون الثلاثة الاولى حيضا فيجب الاجتناب فيها عن دخول المساجد وجوبا فعليا أو تكون الثلاثة الثانية حيضا فالاجتناب وان لم يجب وجوبا فعليا ولكنه يجب حفظ القدرة من الآن على امتثال التكليف المتأخر ، فالمرأة تعلم إجمالا بوجوب فعلي مردد بين وجوب التجنب في الثلاثة الاولى وبين وجوب حفظ القدرة من الآن على امتثال التكليف في الثلاثة الثانية (١).

__________________

(١) فلو فرض ان الوقوف عند باب المسجد في الثلاثة الاولى سبب لاضطرار المرأة إلى الدخول فيه في الثلاثة الثانية بحيث كان عدم الدخول فيه في الثلاثة الثانية موقوفا على عدم الوقوف ـ

٣٩١

وباختصار يمكننا ان نقول ان الشيخ العراقي حوّل كل علم إجمالي في الأطراف التدريجية إلى علم إجمالي في اطراف فعلية.

ويمكن التعليق على هذه المحاولة بثلاثة وجوه : ـ

١ ـ لا حاجة إلى اتعاب الشيخ العراقي نفسه الزكية بتحويل العلم الإجمالي من كونه علما في أطراف تدريجية إلى كونه علما في أطراف دفعية إذ تقدم في جواب الوجه الأوّل من الوجهين المتقدمين ان العلم الإجمالي منجز حتى فيما إذا كان أحد طرفيه تكليفا ثابتا الآن والآخر تكليفا ثابتا في الاستقبال ، فان مولوية الله سبحانه لا تختص بالتكاليف الثابتة الآن بل تعم التكاليف الثابتة في المستقبل أيضا ، فالله سبحانه له علينا الحق في اطاعته في التكاليف المستقبلية كما له الحق في اطاعته في التكاليف الثابتة الآن.

٢ ـ ذكر قدس‌سره ان الثلاثة الثانية إذا كانت هي الحيض فيجب في الثلاثة الاولى حفظ القدرة على امتثال التكليف الثابت في الثلاثة الثانية ، وهذا المطلب إنّما يتم فيما لو فرض ان التكليف في الثلاثة الثانية على تقدير ثبوته فيها منجز ، فمتى ما كان منجزا في ظرفه وجب في نظر العقل في الثلاثة الاولى حفظ القدرة على امتثاله ـ وهذا نظير وجوب الغسل قبل الفجر في شهر رمضان فانّه إنّما يثبت فيما لو فرض ان وجوب الصوم ثابت ومنجز بعد الفجر ، فالمريض وغيره ممن لا يتنجز وجوب الصوم في حقه بعد الفجر لا يجب عليه عقلا حفظ القدرة على

__________________

ـ إلى جنب بابه في الثلاثة الاولى ، ففي مثل هذه الحالة يتشكل لها علم إجمالي إمّا بحرمة الدخول إلى المسجد في الثلاثة الاولى وإمّا بحرمة الوقوف إلى جنب بابه في الثلاثة الاولى ، وكلا هذين التكليفين ـ كما ترى ـ فعلي ثابت في الثلاثة الاولى

٣٩٢

الاغتسال قبل الفجر ـ ، ومعه فنحن نسأل عن ذلك المنجز لوجوب التجنب في الثلاثة الثانية ، وهو ليس الاّ العلم الإجمالي السابق ، أي العلم الإجمالي في باب التدريجيات ـ وبتعبير آخر علم المرأة إجمالا بانّه يجب عليه إمّا التجنب في الثلاثة الاولى أو التجنب في الثلاثة الثانية ـ الذي اخترنا كونه منجزا.

فإن قبله الشيخ العراقي كان هو المنجز بلا حاجة إلى التشبث بالعلم الإجمالي الجديد الذي اقترحه ، وان لم يقبله لم يكن المنجز للتكليف في الثلاثة الثانية ثابتا ليجب حفظ القدرة على امتثاله.

٣ ـ ان العلم الإجمالي الذي اقترحه قدس‌سره لا ينجز الاّ طرفيه ـ وهو وجوب التجنب في الثلاثة الاولى ووجوب حفظ القدرة في الثلاثة الاولى ـ ولا ينجز ما هو أكثر منهما ، فالتجنب في الثلاثة الثانية لا يثبت تنجزه إذ العلم الإجمالي المقترح كان يقول هكذا : ان المرأة تعلم إجمالا إمّا بحرمة دخولها المسجد في الثلاثة الاولى أو بحرمة الوقوف عند باب المسجد في الثلاثة الاولى (١) ، فالذي يتنجز به هو حرمة الدخول في الثلاثة الاولى وحرمة الوقوف عند باب المسجد في الثلاثة الاولى ، وامّا حرمة الدخول في المسجد في الثلاثة الثانية فليست طرفا له لتتنجز به وانما تتنجز الحرمة المذكورة بالعلم الاجمالي السابق ، فان قبله الشيخ العراقي كان هو المنجز بلا حاجة الى العلم الاجمالي الجديد الذي اقترحه وإن لم يقبله فلا يثبت تنجز الحرمة المذكورة.

__________________

(١) فان حفظ القدرة على عدم الدخول في الثلاثة الثانية يتحقق بعدم الوقوف عند باب المسجد فى الثلاثة الاولى لأن من وقف عند باب المسجد فقد يدخل فيه. وإنّما ذكرنا هذا تسهيلا لهضم المادة والاّ فقد لا يخلو ذلك من تأمّل

٣٩٣

قوله ص ١٤٢ س ١٦ : على كل تقدير : بل على تقدير كون الثلاثة الاولى حيضا يجب عليها بالفعل التجنب عن دخول المسجد وامّا على تقدير كون الثلاثة الثانية حيضا فليس عليها وجوب فعلي بالتجنب.

قوله ص ١٤٣ س ١٣ : وفعليته : عطف تفسير لثبوته.

قوله ص ١٤٣ س ١٤ : على كل تقدير : بل يكون منجزا على تقدير ثبوته في بداية الشهر ولا يكون منجزا على تقدير ثبوته في منتصفه.

قوله ص ١٤٤ س ٣ : ولو في زمان : الصواب : ولو في عمود الزمان.

قوله ص ١٤٤ س ٨ : عن الطرف الفعلي بالاصل الخ : الصواب : عن الطرف الفعلي بالاصل الخ.

قوله ص ١٤٤ س ١٢ : بالنحو المناسب الخ : فزمان الاصل الاول هو الثلاثة الاولى وزمان الاصل الثاني هو الثلاثة الثانية ، ودليل الاصل لا يمكن ان يشمل كلا من الاصل الاول في وقته المناسب ـ وهو الثلاثة الاولى ـ والاصل الثاني في وقته المناسب له وهو الثلاثة الثانية.

قوله ص ١٤٥ س ١٠ : لما يعرف من مسألة إلخ : تقدم البحث عن وجوب المقدمة المفوتة في القسم الأوّل من الحلقة الثالثة ص ٣٤٧ وهي كل مقدمة يفوت إمكان امتثال الواجب في ظرفه لو لم يؤت بها قبله كالغسل قبل الفجر في شهر رمضان حيث انّه لو لم يؤت به قبل الفجر يفوت إمكان الإتيان بالصوم بعد الفجر.

قوله ص ١٤٦ س ٣ : كذلك : أي في المرتبة السابقة على وجوب حفظ القدرة.

٣٩٤

قوله ص ١٤٦ س ٧ : ما يكلف به في ظرفه المتأخر : وهو التجنب عن دخول المسجد في الثلاثة الثانية.

قوله ص ١٤٦ س ١٠ : ثبت تنجيزه لكلا طرفيه : أي من دون حاجة إلى إبراز العلم الجديد.

٣٩٥
٣٩٦

الحالة العاشرة أو الطولية بين طرفي العلم

والحالة العاشرة والأخيرة من الحالات العشر هي : ان يتعلق العلم الإجمالي بطرفين ويفرض ان بينهما طولية بمعنى ان أحدهما يترتب على عدم الآخر ، كما لو فرض ان شخصا حصل على ألف دينار وكانت الألف بمقدار يفي بالاستطاعة إلى الحج ، وفرض أيضا انه كان يشك في وجود دين عليه لزيد (١) فانّه في مثل هذه الحالة سوف يتولد له علم إجمالي إمّا بوجوب الحج عليه ـ على تقدير عدم ثبوت الدين ـ أو بوجوب قضاء الدين.

والطرفان هما : وجوب الحج ، ووجوب قضاء الدين. ووجوب الحج في طول وجوب قضاء الدين بمعنى انّه مترتب على عدم وجوب قضاء الدين ، فمن لم يجب عليه قضاء الدين يجب عليه الحج دون من وجب عليه.

والسؤال المطروح في هذه الحالة هو : انّ العلم الإجمالي المذكور هل هو منجز؟ والجواب : انّه توجد في الحالة المذكورة صورتان : ـ

١ ـ ان يكون وجوب الحج مترتبا على عدم وجوب قضاء الدين ولو كان ـ عدم وجوب قضاء الدين ـ ثابتا ثبوتا ظاهريا ، أي بأصل عملي.

٢ ـ ان يكون مترتبا على عدم وجوب قضاء الدين فيما إذا كان عدم وجوب

__________________

(١) ولا بدّ من افتراض ان الدين على تقدير ثبوته ممّا يطالب صاحبه بوفائه ، إذ لو لم يطالب به لم يمنع من وجوب الحج

٣٩٧

قضاء الدين ثابتا واقعا ولا يكفي ثبوته الظاهري.

الاولى

أمّا الصورة الاولى فالعلم الإجمالي فيها ليس منجزا لاختلال الركن الأوّل من أركان المنجزية ـ وهو تعارض الاصول في الأطراف ـ فيه ، إذ الأصل يجري لنفي وجوب قضاء الدين من دون معارضة بالأصل لنفي وجوب الحج ، اذ بجريان الأصل لنفي وجوب قضاء الدين يثبت العلم بوجوب الحج ، ومع حصول العلم بوجوب الحج لا يجري الأصل لنفيه ـ فإنّ الأصل لا يجري حالة العلم وإنّما يجري حالة الشكّ ـ ، وهذا بخلاف إجراء الأصل لنفي وجوب الحج فانّه لا يحصل به العلم بوجوب قضاء الدين فان وجوب قضاء الدين ليس اثرا شرعيا لعدم وجوب الحج.

ان قلت : ان جريان الأصل في أحد الطرفين ـ أي لنفي وجوب قضاء الدين ـ بلا معارضة يتم بناء على مسلك الاقتضاء القائل بأنّ منجزية العلم الإجمالي فرع تعارض الاصول ، فاذا لم تتعارض ـ بان جرى الأصل في أحد الطرفين بلا ان يعارض بجريانه في الآخر ـ فلا منجزية ، وإمّا بناء على مسلك العلية فلا يمكن ان يجري الأصل لنفي وجوب قضاء الدين ، إذ بناء على المسلك المذكور يكون العلم الإجمالي منجزا في ذاته ، وبسبب هذا التنجيز الذاتي يمتنع جريان الأصل في أحد الطرفين ولو لم يكن له معارض.

قلت : ان مسلك العلية إنّما يمنع من جريان الأصل في الطرف الواحد فيمّا لو فرض ان العلم الإجمالي كان ثابتا ، فانّه بعد ثبوته يكون مانعا من جريان الأصل

٣٩٨

حتى في الطرف الواحد ، وفي مقامنا بعد جريان الأصل لنفي وجوب قضاء الدين يزول العلم الإجمالي ويتبدل إلى علم تفصيلي بوجوب الحج لأن وجوب الحج موقوف على عدم وجوب قضاء الدين عدما ظاهريا.

وبتعبير أوضح : ان تحقق العلم الاجمالي موقوف على عدم جريان الأصل لنفي وجوب قضاء الدين فاذا جرى الأصل لنفيه تحقق موضوع وجوب الحج تحققا وجدانيا لا تعبديا لأن جريان الأصل الذي يتوقف عليه وجوب الحج ثابت وجدانا.

وإن شئت قلت : ان حصول العلم الإجمالي موقوف على عدم جريان الأصل لنفي وجوب الوفاء ـ إذ بجريانه يثبت موضوع وجوب الحج ثبوتا وجدانيا ويحصل العلم التفصيلي بوجوبه ـ وما دام موقوفا على عدم جريانه فلا يكون مانعا منه ، فإنّ ما يتوقف ثبوته على عدم شيء لا يكون مانعا من تحقق ذلك الشيء.

الثانية

وأمّا الصورة الثانية ـ وهي ما إذا كان وجوب الحج موقوفا على عدم وجوب الوفاء عدما واقعيا ـ فالعلم الإجمالي فيها ليس منجزا أيضا لنفس النكتة المتقدمة في الصورة الاولى أي لاختلال الركن الثالث من أركان المنجزية ، فالأصل الثاني لوجوب الوفاء يجري دون معارضة.

ولعلك تستغرب وتسأل ان وجوب الحج إذا كان مترتبا على العدم الواقعي لوجوب الوفاء فكيف يجري الأصل لنفي وجوب الوفاء بعد وضوح ان

٣٩٩

الأصل ناظر إلى مرحلة الظاهر لا الواقع؟

والجواب : إنّ الأصل إذا جرى فهو يحرز الواقع إحرازا ظاهريا ، فاستصحاب الطهارة السابقة مثلا يحرز الطهارة الواقعية السابقة إحرازا ظاهريا ، ومعه فاذا جرى الأصل لنفي وجوب الوفاء ثبت به ظاهرا وبالتعبد ان لا وجوب واقعي للوفاء ، وبجريان هذا الأصل لا يجري الأصل لنفي وجوب الحج ، فإنّ الشك في وجوب الحج مسبب عن الشك في وجوب الوفاء ، والشك في وجوب الوفاء سبب للشكّ في وجوب الحج ، والأصل الجاري لنفي وجوب الوفاء أصل سببي بينما الأصل الجاري لنفي وجوب الحج أصل مسببي ، والأصل السببي متى ما جرى كان حاكما ومقدما على الأصل المسببي.

فرقان بين الصورتين

وقد اتضح من خلال هذا ان الصورتين تتفقان من حيث النتيجة العملية ، فالحكم العملي في كليهما واحد وهو عدم منجزية العلم الإجمالي لأن الأصل لنفي وجوب الوفاء يجري دون معارض ، ولكن بالرغم من ذلك يوجد فارقان بين الصورتين هما : ـ

١ ـ انّه في الصورة الأولى ينحل العلم الإجمالي انحلالا حقيقيا بجريان الأصل ، إذ به ـ أي الأصل لنفي وجوب الوفاء ـ يحصل العلم الوجداني بتحقق موضوع وجوب الحج ، وبالتالي يحصل العلم الوجداني بوجوب الحج ، وبحصول العلم الوجداني بأحد الطرفين يزول العلم الإجمالي زوالا حقيقيا. ومن هنا ذكرنا ان ثبوت العلم الإجمالي موقوف على عدم جريان الأصل ، وما دام

٤٠٠