الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-27-8
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٦

في المقام اطمئنانات مشروطة وليست مطلقة (١) ليكون ضم بعضها إلى بعض منتجا للاطمئنان بالمجموع ، أي بعدم ثبوت النجاسة في الأواني ٩٩٩ وبالتالي ليكون مستلزما لثبوت النجاسة في الإناء الأوّل.

هذا كله بالنسبة إلى مناقشة السبب الأوّل.

وأمّا السبب الثاني ـ وهو ان حجّية مجموع الاطمئنانات يؤدي إلى جواز المخالفة القطعية ـ فيمكن مناقشته بان دليل حجّية الاطمئنان لو كان يثبت الحجّية لكل اطمئنان اطمئنان فما افيد من لزوم محذور جواز المخالفة القطعية يكون تاما ، ولكن بالامكان ان يدعى ان دليل حجّية الاطمئنان ليس هو الاّ السيرة العقلائية ، والعقلاء لا يثبتون الحجّية لكل اطمئنان اطمئنان بل يثبتونها لبعض الاطمئنانات على سبيل التخيير ، فبعض الاطمئنانات ـ وهو الاطمئنان الأوّل والثاني والثالث مثلا ـ حجّة دون البقية ، وبناء على هذا لا يلزم محذور جواز المخالفة القطعية (٢).

__________________

(١) ويصطلح قدس‌سره على الاطمئنانات المطلقة بالاطمئنانات على نهج القضية الشرطية. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك فيما سبق

(٢) وقد تسأل عن نكتة حكم العقلاء بحجّية بعض الاطمئنانات دون جميعها.

والجواب : ان الاطمئنان في الإناء الأوّل مثلا انما يأخذ العقلاء به من جهة ان الاحتمال المقابل الذي هو احتمال النجاسة احتمال ضعيف جدا فلإجل ضعف احتمال النجاسة وكون قيمته ١٠٠٠ / ١ مثلا يرتكب العقلاء الإناء الأوّل ، فاذا اراد المكلّف ارتكاب الإناء الثاني صار احتمال تحقق ارتكاب النجس ضمن أحد الإنائين السابقين ١٠٠٠ / ٢ ، واذا اريد ارتكاب الإناء الثالث ارتقى الإحتمال إلى ١٠٠٠ / ٣ ، واذا اريد ارتكاب عشرة أواني ارتقى إلى ١٠٠٠ / ١٠ ، وحيث ان هذا الإحتمال ـ

٣٦١

التقريب الثاني

تقدم سابقا ان عدم منجزية العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة يمكن ان يقرب بأحد تقريبين. ولحدّ الآن كان الكلام يدور حول التقريب الأوّل.

وأمّا التقريب الثاني فاستيضاحه يتوقف على استذكار مقدمة سبق مضمونها ، وهي ان منجزية العلم الإجمالي تتوقف على أربعة أركان ، رابعها ان يكون جريان الأصول في الأطراف موجبا لجواز المخالفة القطعية العملية ، فاذا لم يكن جريان الاصول موجبا لذلك لم يكن العلم الإجمالي منجزا.

مثال ذلك : دوران الأمر بين المحذورين ، فاذا علم المكلّف اجمالا بأنه نذر اما شرب ماء البرتقال أو ترك شربه فالعلم الإجمالي المذكور لا يكون منجزا لأن جريان أصل البراءة عن الوجوب وعن الحرمة لا يستلزم جواز المخالفة القطعية اذ المكلّف اما ان يشرب ، وفي ذلك احتمال الموافقة ، أو يترك ، وفي ذلك احتمال الموافقة أيضا.

هذه هي الصياغة المشهورة للركن الرابع.

__________________

ـ احتمال يعتد به العقلاء كان اللازم عندهم حجّية تسعة اطمئنانات مثلا على سبيل التخيير لا أكثر.

ثم ان ذكر التسعة إنّما هو من باب المثال والاّ فقد تكون الحجية التخييرية ثابتة لاقل من التسعة او لأكثر منها ، بل قد يقال ان العقلاء يرون حجّية جميع الاطمئنانات ما عدا الأخير الذي منها يلزم من السير على طبقه القطع بارتكاب الحرام.

وعلى أي حال لا يحكم العقلاء بحجّية جميع الاطمئنانات

٣٦٢

وهناك صياغة ثانية تبنّاها السيد الخوئي ( دام ظله ) ، وهي ان يكون جريان الاصول في الأطراف موجبا للترخيص في المخالفة وان لم تتحقق المخالفة القطعية خارجا ، فان نفس الترخيص في إرتكاب الحرام قبيح وان لم يمكن تحقق الحرام خارجا ، فاذا كان لدى المكلّف إناء خمري لا يمكنه تناوله ـ كما اذا كان في صندوق مقفل لا يمكن فتحه ـ فالترخيص في إرتكابه قبيح بالرغم من عدم امكان تناوله.

وبعد هذه المقدمة نعود إلى التقريب الثاني لعدم منجزية العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة.

وحاصله : ان الأطراف اذا كانت كثيرة لم يكن العلم الإجمالي منجزا فيها لاختلال الركن الرابع من أركان المنجزية حيث ان جريان الاصول في جميعها لا يستلزم جواز المخالفة القطعية باعتبار ان الأطراف اذا كانت كثيرة فلا يمكن عادة ارتكابها جميعا حتى يكون جريان الاصول فيها مستلزما لتحقق المخالفة القطعية خارجا.

وهذا التقريب كما هو واضح يتم على الصياغة المشهورة للركن الرابع.

وأمّا على الصياغة الثانية التي تبناها السيد الخوئي فهو ليس بتام لأن جريان الاصول في جميع الأطراف وان لم يلزم منه تحقق المخالفة القطعية إلاّ انه يلزم منه اجتماع الترخيصات التي يعلم بان واحدا منها ترخيص في ارتكاب الحرام.

الفارق العملي

ثم ان الفارق العملي بين الصياغتين ـ الصياغة المشهورة وصياغة السيد

٣٦٣

الخوئي ـ تظهر في هذا التقريب ، فانه على الصياغة المشهورة يتم التقريب المذكور وبالتالي لا يجب ترك اطراف الشبهة غير المحصورة بينما على صياغة السيد الخوئي لا يكون تاما وبالتالي يجب ترك اطراف الشبهة غير المحصورة ـ لعدم جريان الأصل المؤمن في اطرافها ـ إلاّ اذا فرض خروج بعض اطرافها عن محل الابتلاء.

نقض السيد الخوئي

ثم ان السيد الخوئي نقض على الصياغة المشهورة بان لازمها ان الشبهة حتى لو كانت محصورة وذات طرفين مثلا ولكن ما دام لا يمكن ارتكابهما معا لسبب وآخر فلا يكون العلم الإجمالي منجزا ، فلو فرض ان المكلّف علم بانه يحرم عليه المكث في وقت واحد في أحد بلدين متباعدين فالمخالفة القطعية حيث لا يمكن تحققها ـ لأن الإنسان لا يمكنه في آن واحد الكون في مكانين ـ فاللازم ان لا يكون العلم الإجمالي منجزا لان جريان البراءة عن حرمة الكون في هذا المكان وعن حرمة الكون في ذلك المكان لا يلزم منه تحقق المخالفة القطعية مع أنه لا إشكال بين الجميع في تنجيز مثل العلم الإجمالي المذكور ولا يجوز للمكلف الذهاب إلى أحد البلدين والكون فيه.

تعديل الصياغة المشهورة

ودفعا للنقض المذكور نقول : ان الصياغة المشهورة للركن الرابع يمكن ايضاحها بأحد بيانين على احدهما يتم النقض المذكور وعلى الآخر لا يتم. والبيانان هما : ـ

٣٦٤

١ ـ وهو نفس ما نقلناه عن المشهور فيما تقدم من ان شرط منجزية العلم الإجمالي ان يكون جريان الاصول في جميع الأطراف موجبا لجواز المخالفة القطعية خارجا فلو لم يمكن تحقق المخالفة القطعية خارجا ولم يقدر عليها المكلّف ـ مهما كان سبب عدم القدرة ـ فلا يكون العلم الإجمالي منجزا.

وبناء على هذا البيان يتم النقض السابق ، ففي المثال السابق للمكث حيث لا يمكن تحقق المخالفة القطعية فيلزم ان لا يكون العلم الإجمالي منجزا.

ولكن يمكن ان يقال ان أصل البيان المذكور مرفوض حيث ان لازم جريان الاصول في جميع الأطراف في صورة عدم امكان تحقق المخالفة القطعية خارجا ثبوت الترخيص الشرعي في جميع الأطراف مع فرض ان الغرض اللزومي قد وصل بيانه إلى المكلّف بسبب علمه الإجمالي بحرمة أحد الطرفين ، وواضح ان رجحان الغرض غير اللزومي على اللزومي أمر بعيد في الحياة العقلائية ، فان العقلاء متى ما علموا بتحقق غرض لزومي وغرض غير لزومي (١) واشتبه أحدهما بالآخر ولم يمكن تمييزهما رجحوا الغرض اللزومي على غير اللزومي دون العكس ، فلو فرض ان العاقل واجه طعامين يعلم ان احدهما مضر بصحته بينما الآخر حيادي ـ فلا هو مضر ولا نافع ـ فلا يرتكب أحدهما بل يتركهما ترجيحا للغرض اللزومي الموجود في الطعام المضر على الغرض غير اللزومي الموجود في الطعام الآخر.

__________________

(١) واما اذا لم يعملوا بتحقق الغرض اللزومي كما لو فرض ان الشبهة كانت بدوية يحتمل ان يكون الغرض المتحقق فيها تحريميا لزوميا كما ويحتمل كونه ترخيصيا غير لزومي فليس من اللازم عندهم ترجيح الغرض اللزومي والحكم بالحرمة

٣٦٥

هذا ما جرت عليه سيرة العقلاء. ونفس هذه السيرة تصير سببا لانصراف أدلة الاصول العملية عن الشمول لاطراف العلم الإجمالي واختصاصها بموارد الشبهة البدوية.

ولرب قائل يقول : ان المخالفة القطعية للعلم الإجمالي ما دامت غير ممكنة فاي محذور في جريان الاصول في جميع الأطراف؟

والجواب : ذكرنا ان لازم جريان الاصول في جميع الأطراف وثبوت الترخيص فيها تقدم الغرض غير اللزومي على الغرض اللزومي ، وواضح ان هذا المحذور لازم حتى لو فرض ان المخالفة القطعية لا يمكن تحققها في الخارج.

والبيان الجديد للركن الرابع ان يقال (١) : ان شرط منجزية العلم الإجمالي عدم كثرة اطرافه إلى حدّ لا يمكن للمكلف عادة ارتكابها جميعا وبالتالي لا يمكن تحقق المخالفة القطعية منه عادة فان الأطراف متى ما بلغت من الكثرة إلى هذا الحدّ جرت الاصول فيها جميعا حيث ان جريانها لا يستوجب تحقق المخالفة القطعية خارجا إذ كثرة الأطراف تمنع من تحقق ذلك.

لا يقال : ان نفس ما أورد على البيان الأوّل يرد على هذا أيضا ، حيث يقال ان الأطراف وإن فرض كثرتها ولكن متى ما جرت الاصول فيها جميعا فلازمه ثبوت الترخيص في جميعها ، ولازم ثبوت الترخيص في جميعها تقدم الغرض غير اللزومي على اللزومي.

والجواب : انّه وان لزم تقدم الغرض غير اللزومي على اللزومي إلاّ أنه

__________________

(١) وهو البيان الذي تقدم الوعد به سابقا وانه سيأتي تعديل لصيغة الركن الرابع في مبحث الشبهة غير المحصورة

٣٦٦

ما دامت الأطراف كثيرة جدا فالعقلاء لا يأبون من تقدم الغرض غير اللزومي اذ الأطراف لو كانت الفا مثلا وكان واحد منهما محرما ذا غرض لزومي والبقية المتبقاة ذات غرض ترخيصي فتقديم الغرض الترخيصي عقلائي أيضا لأن ترجيح الغرض اللزومي يستلزم تفويت ٩٩٩ غرضا غير لزومي ، فللحفاظ على هذه المجموعة الكبيرة من الاغراض غير اللزومية لا بأس عقلائيا بتقديم الغرض غير اللزومي.

ومع عدم وجود البناء العقلائي في هذه الحالة على تقدم الغرض اللزومي فلا موجب لانصراف أدلة الاصول عن الشمول لاطراف الشبهة فيما اذا كانت غير محصورة.

فارق بين البيانين

والفارق بين البيانين هو أن البيان الثاني يقول ان عدم القدرة على المخالفة القطعية اذا نشأ من خصوص كثرة الأطراف ـ لا من أي منشأ كان ـ فلا مانع من جريان الاصول في جميع الأطراف ، وبذلك يسقط العلم الإجمالي عن المنجزية ، بينما البيان الأوّل يقول ان عدم القدرة على المخالفة القطعية اذا نشأ من أي منشأ كان ـ وان لم يكن كثرة الأطراف ـ فلا مانع من جريان الاصول في جميع الأطراف ويسقط بذلك العلم الإجمالي عن المنجزية.

لا يرد نقض السيد الخوئي

ثم ان نقض السيد الخوئي السالف الذكر لا يرد على البيان الثاني حيث انّه

٣٦٧

يختص بما اذا كانت الأطراف كثيرة ويقول انه متى ما كثرت الأطراف جرى الأصل في جميعها وسقط العلم الإجمالي عن المنجزية ولا يعم ما اذا كانت الشبهة محصورة وذات اطراف قليلة ، كما اذا علم بحرمة المكث في آن واحد في أحد مكانين.

خلاصة ما تقدم

ثم ان الخلاصة من كل ما تقدم ان عدم منجزية العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة له تقريبان : ـ

١ ـ ان كثرة الأطراف توجب الاطمئنان بعدم انطباق المعلوم بالاجمال على كل طرف.

٢ ـ انّه مع كثرة الأطراف لا مانع من جريان الاصول في جميعها.

والفارق بين التقريبين : هو ان الأوّل يتم حتى في حالات عدم جريان الأصل في الأطراف ـ كما اذا كان دليل الأصل قاصرا في نفسه عن الشمول لاطراف العلم الإجمالي ولو كانت كثيرة ـ إذ مستند عدم التنجز هو الاطمئنان دون الأصل ، بينما التقريب الثاني لا يتم عند عدم جريان الأصل في الأطراف (١).

__________________

(١) ثم انه بقي مطلبان كان من الجدير الإشارة لهما. وهما : ـ

١ ـ ما هو الضابط لكون الشبهة شبهة غير محصورة؟

قد يقال : ان المناط في ذلك هو العرف ، فما عدّه العرف مصداقا للشبهة غير المحصورة فهو مصداق لها والاّ فلا.

وفيه : ان عنوان الشبهة غير المحصورة لم يرد في آية أو رواية ليرجع في تحديده إلى العرف. ـ

٣٦٨

قوله ص ١٢٩ س ٨ : ينجم : أي يحصل.

قوله ص ١٢٩ س ١٢ : وعلى هذا الاساس : أي افتراض عامل الكثرة فقط.

قوله ص ١٣٠ س ٦ : بهذا النحو : أي بعدم انطباق المعلوم بالإجمال على الطرف المقتحم.

قوله ص ١٣٠ س ٩ : مثلا : أي ان فرض كون المعلوم بالإجمال هو النجس إنّما هو من باب المثال والاّ فيمكن افتراض كون المعلوم بالإجمال شيئا آخر.

قوله ص ١٣٠ س ١٧ : ان كل مجموعة من الاحرازات : المراد من الإحراز مطلق الإحراز الشامل لليقين والاطمئنان والظن والإحتمال.

والمعنى ان كل مجموعة من الاحرازات الثابتة في الأطراف تنتج بعد ضم

__________________

ـ وعليه فلا بدّ من الرجوع إلى نفس التقريبين المتقدمين وعلى ضوئهما تحدد الشبهة غير المحصورة.

اما على التقريب الأوّل فالضابط للشبهة غير المحصورة هو ان تكثر الأطراف إلى حدّ يتولد الاطمئنان بعدم انطباق المعلوم بالإجمال على كل طرف.

واما على التقريب الثاني فالضابط ان تكثر الأطراف إلى حدّ لا يرى العقلاء مانعا من شمول أدلة الاصول لجميع الأطراف.

٢ ـ ما هو مقدار الأطراف الذي يجوز ارتكابه فهل يجوز ارتكاب جميع الأطراف أو ما عدا مقدار الحرام أو غير ذلك؟

والجواب : ان ذلك يختلف باختلاف التقريبين السابقين ، فعلى التقريب الأوّل يجوز ارتكاب بعض قليل من الأطراف ـ كطرفين أو ثلاثة مثلا ـ الذي لا يكون احتمال تحقق الحرام ضمنه احتمالا معتدا به عند العقلاء إذ انهم يبنون على حجّية الاطمئنان في هذه الحدود.

بينما على التقريب الثاني يحق للمكلف ارتكاب أي مقدار اراده من الأطراف

٣٦٩

بعضها إلى بعض إحراز حصول مجموع المتعلقات ـ متعلق الإحراز الأوّل أ ، ومتعلق الإحراز الثاني ب ـ بنفس تلك الدرجة من الإحراز ، فاذا كانت درجة الإحراز في الأطراف هي الظن كانت درجة الإحراز في المجموع هي الظن أيضا ، واذا كانت هي الاطمئنان كانت الاطمئنان أيضا وهكذا.

قوله ص ١٣١ س ١ : ووجودها : عطف تفسير.

قوله ص ١٣١ س ١١ : القاعدة المذكورة : أي المشار لها بقوله سابقا « وكقاعدة عامة ان كل مجموعة ... ».

قوله ص ١٣١ س ١٣ : إحراز وجوده : أي وجود متعلقه.

قوله ص ١٣١ س ١٣ : على تقدير : المناسب اضافة كلمة « حتى » ، أي حتى على تقدير وجود الخ.

قوله ص ١٣١ س ١٤ : على نهج القضية الشرطية : متعلق بقوله « إحراز وجوده ». وصورة القضية الشرطية بهذا الشكل : إن كان ب موجودا ف أ يطمأن بوجوده أيضا ، وان كان أ موجودا ف ب يطمأن بوجوده أيضا.

وقد تقدم ان الأنسب التعبير بالاطمئنان المطلق بدل التعبير بالاطمئنان على نهج القضية الشرطية.

قوله ص ١٣٢ س ٤ : واجماع .. : عطف تفسير لقوله « حساب الإحتمالات ».

قوله ص ١٣٢ س ٥ : على نفي الانطباق : متعلق بقوله « إجماع ».

قوله ص ١٣٢ س ١٣ : معارضه : المناسب : متعارضة.

قوله ص ١٣٢ س ١٤ : والمعذرية : عطف تفسير للحجّية. وإنّما خصص المعذرية بالذكر دون المنجزية لأن المفروض كون الاطمئنان اطمئنانا بعدم

٣٧٠

انطباق النجاسة على كل طرف وليس اطمئنانا بالانطباق.

قوله ص ١٣٣ س ٥ : والحالة هذه : أي ان لنا علما إجماليا بكذب بعض الامارات.

قوله ص ١٣٣ س ١٠ : واذا اخذنا مجموعة الاطمئنانات الاخرى : أي مع الاطمئنان الاوّل ونسبناها له.

قوله ص ١٣٣ س ١٢ : بمجموع متعلقاتها : أي الاطمئنان بعدم انطباق النجس على ٩٩٩ إناء.

قوله ص ١٣٣ س ١٣ : على سائر : أي جميع. والمقصود جميع ٩٩٩ إناء.

قوله ص ١٣٣ س ١٣ : المساوق : أي الملازم. وهو صفة للاطمئنان بعدم الانطباق.

قوله ص ١٣٣ س ١٤ : على غيرها : وهو الإناء الأوّل. والمراد من الانطباق انطباق المعلوم بالإجمال ، أي النجس.

قوله ص ١٣٤ س ٨ : عمليا : الأنسب : عملا.

قوله ص ١٣٤ س ١٣ : فيما تقدم : أي ص ١١٠.

قوله ص ١٣٤ س ١٤ : السالفة الذكر : أي ص ١١١.

قوله ص ١٣٥ س ١٠ : وجود : الصحيح : وجوب.

قوله ص ١٣٥ س ١٥ : والحالة هذه : أي فرض عدم القدرة على المخالفة القطعية.

قوله ص ١٣٦ س ١ : على كل حالات العجز : أي وان لم يكن سبب العجز كثرة الأطراف.

٣٧١

قوله ص ١٣٦ س ٥ : الواصلة بالعلم الإجمالي : واما اذا لم تكن واصلة ، كما اذا كانت الشبهة بدوية فلا بأس بتقديم الغرض غير اللزومي على اللزومي.

قوله ص ١٣٦ س ٥ : كما تقدم توضيحه سابقا : أي في القسم الأوّل من الحلقة الثالثة ص ٥٨.

قوله ص ١٣٦ س ٦ : يعني ذلك : أي تقديم الأغراض الترخيصية على الاغراض اللزومية.

قوله ص ١٣٦ س ٧ : مفاد الدليل : أي دليل الأصل العملي.

قوله ص ١٣٦ س ٨ : كذلك : أي لجميع الأطراف.

قوله ص ١٣٦ س ١١ : بوصول .. : هذا تفسير لكلمة « كذلك ».

قوله ص ١٣٦ س ١٣ : وعليه : أي على الغرض اللزومي.

٣٧٢

الحالة الثامنة أو عدم القدرة على بعض الأطراف

ويتوقف بيان الحالة الثامنة من الحالات العشر على استذكار مقدّمة حاصلها. انّ الركن الثالث من أركان منجزية العلم الإجمالي له صياغتان : صياغة مشهورة وصياغة للشيخ العراقي. فالصياغة المشهورة تقول انّ شرط منجزية العلم الإجمالي تعارض الاصول في أطرافه فلو لم تتعارض ـ بأن جرت في بعضها دون بعض ـ لم يكن منجزا. وأمّا الصياغة الثانية فتقول انّ شرط منجزية العلم الإجمالي أن يكون العلم الإجمالي صالحا لتنجيز جميع أطرافه مع عدم وجود منجز آخر له غيره.

وبعد هذا نأخذ في بيان الحالة الثامنة. وحاصلها : لو كنّا نعلم إجمالا مثلا بوقوع نجاسة في أحد انائي حليب وأحدهما كان لا يمكن ارتكابه فلا يكون العلم المذكور منجزا ، فالإناء الآخر الذي يمكن ارتكابه يجوز تناوله بلا مانع.

هذا على سبيل الإجمال.

والتفصيل ان يقال : ان عدم إمكان ارتكاب أحد الإنائين له حالتان : ـ

١ ـ ان يكون ارتكابه غير ممكن عقلا ، كما لو فرض ان المكلّف علم إجمالا بنجاسة أحد كأسي الحليب وكان أحدهما في المريخ مثلا فان الإناء المذكور لا يمكن ارتكابه عقلا (١).

__________________

(١) ليس المقصود من عدم إمكان الإرتكاب عقلا عدم الإمكان بالمعنى الحقيقي الدقيق ـ إذ الوصول إلى المريخ وتناول الإناء الموجود فيه ممكن عقلا ـ وإنّما المقصود عدم الإمكان بمقتضى العادة

٣٧٣

٢ ـ ان يكون ارتكابه ممكنا عقلا بيد انّه لا يرتكب عادة كالإناء الموجود في بيت السلطان أو في بلد بعيد لا يذهب إليه المكلّف عادة. ويصطلح على الحالة المذكورة بالخروج عن محل الإبتلاء.

وبعد اتضاح هاتين الحالتين نأخذ أوّلا بالتكلم عن الحالة الاولى.

الحالة الاولى

وهي ما إذا كان أحد الإنائين لا يمكن ارتكابه عقلا. ولا إشكال في عدم منجزية العلم الإجمالي في الحالة المذكورة. ولكن ما هي النكتة في ذلك؟

ان المشهور عللوا عدم المنجزية باختلال الركن الأوّل ـ وهو تعلق العلم بالجامع ـ فقالوا انّ المكلّف في الحالة المذكورة لا علم له بحرمة ارتكاب أحد الإنائين إذ من المحتمل وقوع النجاسة في الإناء الخارج عن القدرة ، وعلى التقدير المذكور لا تثبت حرمة الارتكاب لأن شرط ثبوت التكليف القدرة على متعلقه.

وان شئت قلت : انّه تقدم في الحالة الثانية من الحالات العشر انّ المكلّف لو كان لديه إناء ماء برتقال وإناء ماء رمان ويعلم بنجاسة أحدهما وكان مضطرا لسبب وآخر لتناول ماء البرتقال فالعلم الإجمالي لا يكون منجزا لعدم تحقق العلم بالجامع ـ أي ثبوت حرمة احدهما ـ لإحتمال وقوع النجاسة في إناء البرتقال الذي لا يحرم ارتكابه ـ لو كان نجسا ـ بسبب الاضطرار فان الاضطرار يرفع الحكم الشرعي.

هذا ما تقدم في الحالة الثانية ، والمشهور كأنهم أرادوا قياس مقامنا على

٣٧٤

الحالة المذكورة ، فكما ان المكلّف لو اضطر إلى فعل المحرم ـ كشرب ماء البرتقال ـ ترتفع حرمته كذلك لو اضطر إلى ترك ارتكاب المحرم ترتفع حرمته فالاضطرار إلى الترك قيس على الاضطرار إلى الفعل وحكم في كليهما بارتفاع الحرمة.

وفي مقام الجواب نقول : ان هذا القياس مع الفارق فلا وجه لقياس الاضطرار إلى الترك على الاضطرار إلى الفعل ، فان من اضطر إلى شرب ماء البرتقال يمكن ان يقال بسقوط علمه الإجمالي ـ بنجاسة إمّا ماء البرتقال أو ماء الرمان ـ عن المنجزية إذ مع الاضطرار لا يمكن توجيه الخطاب بالحرمة إليه فإن التكليف بغير المقدور لغو وقبيح ، وما دام لا يمكن التكليف بغير المقدور فلا يتشكل علم إجمالي بالتكليف فلا يمكن للمكلف ان يقول انّي اعلم بحرمة ثابتة اما في ماء البرتقال أو في ماء الرمان.

وهكذا لا يتشكل علم اجمالي من حيث الملاك ـ أي المبغوضية والمفسدة ـ فلا يمكن ان يقول المكلّف إنّي علم بثبوت المبغوضية إمّا في تناول ماء البرتقال أو في تناول ماء الرمان ، إذ كما ان الاضطرار يرتفع بسببه الخطاب بالحرمة كذلك من المعقول ان ترتفع بسببه المغوضية.

واذا لم نجزم بان الاضطرار إلى شرب النجس يزيل بغض المولى عن تناوله فلا أقل من احتمال ذلك (١) ، فان شرب النجس بسبب طرو عنوان الاضطرار عليه يحصل له فردان : شرب النجس غير المضطر إليه وشرب النجس المضطر إليه ، ومن المعقول ان تكون المبغوضية ثابتة في أحد الفردين ـ وهو شرب

__________________

(١) واكتفي في عبارة الكتاب بابراز الإحتمال حيث قيل : « فيمكن ان يفترض إلخ » ولم يجزم بانتفاء الملاك باعتبار ان مجرد احتمال انتفاء الملاك يكفي لعدم تشكل العلم الإجمالي بلحاظ الملاك

٣٧٥

النجس غير المضطر إليه ـ دون الفرد الثاني ، وما دمنا نحتمل زوال المبغوضية بسبب الاضطرار فلا يمكن حصول علم إجمالي بوجود المبغوضية.

وبالجملة إذا اضطر المكلّف إلى ارتكاب أحد الطرفين ـ كشرب ماء البرتقال ـ فلا يمكنه تشكيل علم إجمالي لا بلحاظ التكليف ولا بلحاظ الملاك.

هذا كله إذا اضطر المكلّف إلى الفعل.

وأمّا إذا اضطر إلى ترك ارتكاب أحد الطرفين ـ كالاضطرار إلى ترك الإناء الموجود في مكان غير مقدور ـ فالعلم الإجمالي من حيث التكليف وان كان لا يمكن تشكيله ـ إذ توجيه الخطاب بالحرمة نحو الإناء الذي لا يمكن ارتكابه قبيح ولغو ، وحيث ان المكلّف يحتمل وقوع النجاسة في الإناء الذي لا يمكنه ارتكابه فلا يجزم بتوجه الخطاب بالحرمة إليه ـ الاّ انّ العلم الإجمالي من حيث الملاك يمكن تشكيله فان مبغوضية شرب النجس ثابتة حتى في حالة عدم إمكان ارتكابه فمجرد ابتعاد الإناء النجس ووجوده في مكان بعيد لا يمكن ان تصل له يد المكلّف لا يزيل مبغوضية ارتكابه ، ولذا لو فرض ولو من باب المحال تحقق ارتكابه بالفعل كان مبغوضا.

اذن هناك فرق واضح بين الاضطرار إلى شرب النجس فتزول المبغوضية عنه وبين الاضطرار إلى ترك شربه فلا تزول المبغوضية عنه (١).

وما دامت المبغوضية لا تزول بالاضطرار إلى الترك فيمكن للمكلف

__________________

(١) ومثال ثاني لذلك أكل لحم الخنزير ، فان الإنسان إذا اضطر إلى أكله زالت عنه المبغوضية والحرمة معا. وأمّا إذا كان موجودا في مكان بعيد ولم يمكن تناوله فلا تزول المبغوضية عنه فان بعد مكان الخنزير لا يزيل المبغوضية عن أكله

٣٧٦

تشكيل علم إجمالي بلحاظ الملاك ـ المبغوضية ـ بان يقول اني أعلم بثبوت المبغوضية امّا في تناول هذا الإناء الموجود أمامي أو في الإناء الموجود في المريخ.

واذا أمكن تشكيل مثل هذا العلم الإجمالي وجب الإجتناب عن كلا الإنائين فان العلم المنجز ليس هو خصوص العلم الإجمالي بالتكليف بل العلم الإجمالي بروح التكليف وملاكه منجز أيضا.

وأكثر من هذا نقول : انّ التكليف لو لاحظناه بقطع النظر عن ملاكه لم يكن ذا أهمية ولا يثبت التنجز له وإنّما المهم هو الملاك ، فبه تتحقق روح التكليف وحقيقته.

التعليل المناسب

وبهذا كله إتضح انّه ليس من الصحيح تعليل عدم منجزية العلم الإجمالي في حالة عدم التمكن من ارتكاب أحد الطرفين بفقدان الركن الأوّل ، وإنّما الصحيح التعليل بفقدان الركن الثالث بكلتا صيغتيه.

أمّا فقدانه بالصيغة الاولى المشهورة ـ وهي انّه لا بدّ من تعارض الاصول في الأطراف ـ فلأن أصل الإباحة في الإناء الخارج عن القدرة لا يجري في نفسه اذ المقصود من التعبد بالإباحة هو جعل المكلّف مطلق العنان ومرخصا في ارتكاب الشيء ، ومن الواضح ان المكلّف إذا لم يمكنه ارتكاب الإناء الموجود في المريخ وكان مقيدا تقيدا تكوينيا وقهريا فلا معنى لإثبات إطلاق العنان له تشريعا ، فانّ تشريع إطلاق العنان إنّما يعقل فيما إذا كان المكلّف مطلق العنان تكوينا دون ما إذا كان مقيدا.

٣٧٧

وأمّا فقدانه بالصيغة الثانية التي تبناها الشيخ العراقي ـ وهي انه يشترط في منجزية العلم الإجمالي ان يكون صالحا لتنجيز كلا طرفيه بلا وجود منجز آخر ـ فلأن النجاسة لو كانت ثابتة في الإناء الموجود في المريخ فلا يكون العلم الإجمالي منجزا لتركها إذ المقصود من تنجز تركها هو اشتغال الذمة والعهدة بالترك ، وواضح ان تناول الإناء إذا لم يكن مقدورا فلا يعقل اشتغال العهدة بتركه.

الحالة الثانية

ذكرنا فيما سبق ان عدم إمكان ارتكاب أحد الطرفين له حالتان فتارة لا يمكن ارتكابه لخروجه عن القدرة واخرى لخروجه عن محل الابتلاء.

وفيما سبق كان حديثنا ناظرا إلى الحالة الاولى ، ومن الآن نأخذ بالتحدث عن الحالة الثابتة وهي ما إذا كان أحد الطرفين خارجا عن محل الابتلاء ، كما إذا كان أحد الإنائين إناء بيت السلطان.

وفي هذه الحالة ذهب المشهور إلى عدم حجّية العلم الإجمالي أيضا لنفس النكتة المتقدمة فيما سبق ، فكما ان التكليف مشروط بالقدرة على متعلقه كذلك هو مشروط بكونه داخلا في محل الإبتلاء ، فاذا لم يكن أحد الإنائين داخلا في محل الإبتلاء فلا يحصل علم بوجوب الإجتناب عن أحد الإنائين ، إذ لعل النجس هو إناء بيت السلطان الذي لا يجب الإجتناب عنه ـ على تقدير كونه هو النجس ـ لخروجه عن محل الإبتلاء.

أمّا لماذا كان التكليف مشروطا بدخول متعلقه في محل الإبتلاء؟

ان الشيخ الأعظم قدس‌سره علّل ذلك : بان توجيه التكليف مع عدم الإبتلاء

٣٧٨

بمتعلقه قبيح ، ولذا تجد ان العرف يستهجن ان يقول المولى لعبده تجنب عن إناء بيت السلطان ، وما ذاك الاّ لخروجه عن محل الإبتلاء.

وفي الجواب نقول : لو سلمنا اشتراط التكليف بدخول متعلقه في محل الإبتلاء فمع ذلك يمكن تشكيل علم إجمالي جديد بلحاظ الملاك بالنحو الذي تقدم تشكيله في الحالة السابقة ، فان خروج الشيء عن القدرة إذا لم يعدم عنه المبغوضية فبالاولى الخروج عن محل الابتلاء لا يعدم المبغوضية ، ومع بقاء المبغوضية في الشيء الخارج عن محل الإبتلاء فبالإمكان تشكيل علم إجمالي بلحاظ ذلك فيقول المكلّف إنّي أعلم بوجود مبغوضية إمّا في الإناء الداخل في محل ابتلائي أو في الإناء الخارج.

بل هنا يمكن تشكيل العلم الإجمالي بلحاظ التكليف أيضا فانا لا نسلم ان الإبتلاء شرط في صحّة التكليف بل يصح حتى مع خروج الشيء عن محل الإبتلاء (١) فإنّ الشيء إذا كان داخلا تحت القدرة فبالامكان تعلق التكليف به والزجر عنه وإن كان خارجا عن محل الابتلاء.

فان قيل : ان النهي عن الإناء الخارج عن محل الابتلاء ـ كاناء السلطان ـ لغو ، إذ الغرض من النهي هو الترك ، ومعلوم ان ترك إناء السلطان حاصل بنفس عدم الابتلاء به حتى لو لم ينه عنه ، ومعه فيكون الرجز عن ارتكابه طلبا لما هو حاصل ومن دون فائدة.

قلت : انّه مع النهي عن إناء بيت السلطان يمكن للمكلف التقرب إلى الله

__________________

(١) وفاقا للسيد الخوئي ( دام ظلّه ) في مصباح الاصول ج ٢ ص ٣٩٥ فانّه اختار عدم اشتراط صحة التكليف بالابتلاء

٣٧٩

سبحانه بتركه بينما لو لم ينه عنه لما أمكن للمكلف التقرب بتركه فالنهي عن تركه حينئذ يكون ذا فائدة وهي التقرب بتركه ولا يكون لغوا ومن قبيل تحصيل ما هو حاصل (١).

__________________

(١) البيان المذكور ناقص وبحاجة إلى توضيح. ويمكن في توضيحه ان يقال : ان محذور اللغوية يلزم في النواهي العرفية دون النواهي الشرعيّة ، فانّه في النواهي العرفية ـ كنهي الأب ولده عن التدخين ـ يكون المطلوب هو الترك ، فالترك هو النتيجة المطلوبة من وراء النهي ، فاذا كان الترك حاصلا من أي سبب كان فردع الولد عن التدخين يكون لغوا. وهذا بخلافه في النواهي الشرعية فان المطلوب من النهي عن السرقة مثلا ليس مجرد ترك السرقة حتى يقال انّه مع انصراف العبد عنه يكون النهي عن فعلها لغوا ، وإنّما المطلوب إيصال العبد إلى مدارج الكمال ، فإحكام الشريعة جميعا بما فى ذلك الأحكام التوصلية شرعت لتكميل العباد ، ومن الواضح ان الوصول إلى الكمال لا يحصل بمجرد الترك وإنّما يحصل فيما إذا كان الترك بداعي القربة والإمتثال ، قال الله عز وجل : ( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ، وبتجلي هذا يتجلي ان النهي عن الإناء الخارج عن محل الإبتلاء ليس لغوا إذ من دون النهي وإن كان الترك حاصلا إلاّ انه لا يمكن ان يحصل بداعي القربة بل حصول الترك بداعي القربة يتوقف على وجود النهي.

ان قلت : ان الإناء إذا كان خارجا عن محل الإبتلاء فتركه لا يمكن ان يكون بقصد القربة حتى مع وجود النهي إذ المكلف يترك الإناء من جهة خروجه عن محل الإبتلاء وليس من جهة وجود النهي.

قلت : ان هذا البيان يثبت وجود داعي آخر للترك ـ وهو الخروج عن الإبتلاء ـ غير داعي التقرب ولا ينفي وجود داعي التقرب ، فالمكلف يوجد له داعيان إلى الترك ، فهو يترك إناء السلطان لأجل عدم الإبتلاء حتى وإن لم يكن هناك نهي ، ويتركه لأجل النهي حتى وان لم يكن خارجا عن محل الإبتلاء.

وبعبارة اخرى كل من الخروج عن محل الإبتلاء والنهي داع مستقل للترك ، وقد تقرر في الفقه لدى بعض الفقهاء ان النهي إذا كان داعيا مستقلا تحقق التقرب وإن كان إلى جنبه ـ

٣٨٠