الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-27-8
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٦

مناقشة صياغة الشيخ العراقي

وصياغة الشيخ العراقي قابلة للمناقشة إذ هي تبتني على قاعدة ان المنجز لا يتنجز ثانية.

ووجه القاعدة المذكورة : ان لازم التنجز ثانية اجتماع علتين على معلول واحد ، فالتنجز معلول واحد اجتمعت عليه علتان احداهما العلم الإجمالي والاخرى هي العلم التفصيلي ونحوه ، واجتماع علّتين على معلول واحد أمر مستحيل.

هذا ويمكن مناقشة ذلك بان الابيض وان كان لا يمكن ان يصير ابيض ثانية والموجود لا يمكن ان يطرأ عليه الوجود ثانية إلاّ ان هذا صحيح في القضايا التكوينية كالبياض والوجود وليس بصحيح في القضايا الاعتبارية ، ومعلوم ان التنجز أمر اعتباري إذ هو عبارة اخرى عن ثبوت حق الطاعة للمولى ، ومن البيّن ان بالامكان ثبوت حق الطاعة للمولى في شيء واحد من ناحيتين ويصير بذلك اكيدا وإلاّ فماذا يقول الشيخ العراقي فيما لو كان عندنا اناء خمري وقعت فيه قطرات بول فهل يقول قدس‌سره ان التنجز الثابت في هذا تنجز من ناحية الخمر فقط دون البول؟ كلا ، انّه باطل جزما ، فان من شرب الخمر المذكور خالف حرمتين واستحق عقابين جزما.

__________________

ـ الأصل المؤمن ، فكما ان الأصل المؤمن يجري في أحد الطرفين دون الآخر كذلك الأصل المنجز يجري في أحدهما دون الآخر. وهذا غير مقصود جزما ، وإنّما المقصود ان الأصل المؤمن يجري في أحد الطرفين دون الآخر بخلاف الأصل المنجز فانه لا يجري لا في هذا ولا في ذاك

٢٨١

وماذا يقول قدس‌سره أيضا فيمن نذر الاتيان بصلاة الظهر فهل يلتزم بعدم حصول وجوب ثاني من ناحية النذر؟ كلا ، ان هذا باطل جزما ، فان صلاة الظهر يحصل لها وجوب ثاني وتنجز ثاني بسبب النذر دون أي محذور ، وإذا تركها المكلّف استحق العقاب من ناحيتين.

الركن الرابع

والركن الرابع من أركان منجزية العلم الإجمالي هو ان يكون جريان الأصل في جميع الأطراف موجبا لترخيص المكلّف في ارتكاب المخالفة القطعية مع تمكن المكلّف بالفعل من ذلك ـ المخالفة القطعية ـ فاذا لم يكن موجبا لذلك فلا يكون العلم الإجمالي منجزا.

فمثلا إذا كنّا نعلم بنجاسة أحد انائين فالعلم المذكور منجز لأنّه لو أجرينا أصل الطهارة في كلا الانائين لزم الترخيص في ارتكاب كلا الانائين وبالتالي الترخيص في المخالفة القطعية ، وهي ـ المخالفة القطعية ـ ممكنة للمكلف ، وذلك بتناول كلا الانائين.

اما إذا كنا نعلم بنجاسة واحد من أواني كثيرة غير محصورة فلا يكون العلم الإجمالي المذكور منجزا لأن جريان الأصل في جميع الأطراف لا يلزم منه تحقق المخالفة القطعية العملية (١) ، إذ الأطراف ما دامت غير محصورة فلا يمكن ارتكابها جميعا ، وإذا أمكن جريان الأصل في جميع الأطراف بلا محذور تحقق المخالفة

__________________

(١) أجل اقصى ما يلزم هو المخالفة الالتزامية ـ لالتزام المكلّف بطهارة جميع الأواني التي يعلم بنجاسة بعضها ـ وهي مما لا ضير فيه

٢٨٢

القطعية العملية لم يكن العلم الإجمالي منجزا وجاز ارتكاب المكلّف لاي طرف اختاره.

وركنية هذا الركن تتم على مسلك الاقتضاء دون مسلك العلية ، إذ على مسلك الاقتضاء يكون استلزام العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية متوقفا على عدم ثبوت الترخيص في ارتكاب بعض الأطراف ـ فانّ تاثير المقتضي موقوف على عدم المانع ـ فاذا لزم محذور المخالفة القطعية من جريان الأصل في جميع الأطراف لم يجر. وإذا لم يجر ولم يثبت الترخيص فلا يجوز ارتكاب شيء من الأطراف لعدم وجود المؤمن فان ارتكاب أي طرف من الأطراف يحتاج الى مؤمن.

هذا بناء على مسلك الاقتضاء ، واما بناء على مسلك العلية فالاصول لا تجري في الأطراف حتى وان لم يلزم منها محذور المخالفة القطعية ، فجريان الاصول في أطراف الشبهة غير المحصورة باطل وان لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية ، إذ بجريان الاصول في الأطراف سوف يرتكب المكلّف بعض الأطراف ـ وان لم يرتكبها جميعا لفرض عدم الانحصار ـ ويكون مرخصا في ذلك ، وواضح انه بناء على مسلك العلية لا يمكن الترخيص في الارتكاب حتى لبعض الأطراف إذ الترخيص في ذلك يتنافى وكون العلم الاجمالي علة لوجوب الموافقة القطعية.

وعليه فالشيخ العراقي رفض الحاجة إلى هذا الركن واختار ان العلم الإجمالي منجز وان لم يتواجد فيه هذا الركن.

صياغة جديدة

ثم ان السيد الخوئي ( دام ظله ) قبل هذا الركن ـ ولم يرفضه من أصله كما

٢٨٣

فعل الشيخ العراقي ـ إلاّ أنّه صاغه بصياغة جديدة فقال اني اسلم ان منجزية العلم الإجمالي موقوفة على تعارض الاصول في الأطراف وعدم امكان جريانها في جميع الأطراف إلاّ ان السبب لتعارض الاصول في جميع أطراف ما هو؟

ان الصياغة السابقة كانت تقول ان السبب هو لزوم محذور المخالفة القطعية العملية خارجا ، وهو دام ظله قال ان جريان الاصول في جميع الأطراف غير ممكن لا لأجل ذلك حتى يقال بان جريان الاصول في جميع الأطراف الشبهة غير المحصورة لما لم يلزم منه المحذور المذكور فلا يكون العلم الإجمالي فيها منجزا بل ان ذلك غير ممكن من ناحية ان لازم جريانها في الجميع ثبوت ترخيصات فعلية متعددة بعدد الأطراف. وثبوت الترخيص في جميع الأطراف مع العلم بحرمة واحد منها قبيح في نفسه وان لم يلزم محذور تحقق المخالفة القطعية العملية خارجا ، فالاناء الخمري الموجود في المريخ يقبح الترخيص في ارتكابه وان لم يلزم من ثبوت الترخيص فيه تحقق المخالفة خارجا لعدم امكان الوصول الى المريخ.

وفي مقامنا لو جرى أصل الطهارة في جميع أطراف الشبهة غير المحصورة يلزم ثبوت ترخيصات فعلية بعدد الأطراف بما في ذلك الطرف المحرم ، وهذا بنفسه قبيح وان لم يمكن تحقق المخالفة العملية القطعية خارجا.

ومن هنا ذهب ( دام ظله ) إلى ان العلم الاجمالي منجز في كلتا الشبهتين : المحصورة وغير المحصورة ، إذ كما ان الاصول في أطراف الشبهة المحصورة لا يمكن ان تجري كذلك لا يمكن ان تجري في أطراف الشبهة غير المحصورة ، غاية الأمر إذا فرض ان الأطراف في الشبهة غير المحصورة بلغت من الكثرة حدا خرج بعضها

٢٨٤

عن محل الابتلاء كان العلم الاجمالي غير منجز ولكن من هذه الناحية لا من تلك الناحية ، أي من ناحية خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء وليس من ناحية جريان الاصول في جميع الأطراف.

ومن هنا حدّد ( دام ظله ) الشبهة غير المحصورة بانها الشبهة التي بلغت اطرافها من الكثرة حدا خرج بعضها عن محل الابتلاء (١).

وباختصار : انه بناء على الصياغة السابقة تكون منجزية العلم الإجمالي متوقفة على تعارض الاصول في الأطراف ، وتعارضها يحصل بما إذا لزم من جريانها الترخيص في جميع الأطراف مع افتراض امكان تحقق المخالفة القطعية.

وأما على الصياغة الثانية فالمنجزية موقوفة على تعارض الاصول في الأطراف ، وتعارضها يحصل بنفس ثبوت الترخيص في جميع الأطراف وان لم يمكن تحقق المخالفة خارجا (٢).

ونلفت النظر إلى انّ الصياغة السابقة للركن الرابع سيأتي تعديل لها في مبحث الشبهة غير المحصورة إنشاء الله تعالى فانتظر ذلك ص ٣٦٨.

قوله ص ١٠٣ س ١١ : العلم الطريقي : التقييد بالطريقي لأن المنجزيّة هي من اثار خصوص العلم الطريقي دون الموضوعي. ولعل حذف كلمة « الطريقي » اولى لأنها مشوشّة.

قوله ص ١٠٤ س ١١ : والوجه الأوّل : أي القائل بتطبيق قاعدة منجزيّة

__________________

(١) راجع منهاج الصالحين ، كتاب الطهارة ، الفصل الرابع من المبحث الأوّل

(٢) تقدمت الأشارة إلى هذه الصياغة الثانية فيما سبق ص ٩٤ من الحلقة وتقدمت المناقشة فيها.

ثم ان عبارة الكتاب المشيرة إلى هذه الصياغة لا يخفى ما فيها من الغموض

٢٨٥

العلم الاجمالي عند قيام البيّنة. والمقصود من الدليل الأوّل دليل حجّية الأمارة.

قوله ص ١٠٤ س ١٢ : والوجه الثاني : أي القائل بعدم تطبيق قاعدة منجزيّة العلم الاجمالي.

قوله ص ١٠٤ س ١٣ : لا محذور في جريانها : أي الاصول.

قوله ص ١٠٥ س ١ : الشك فيه : أي في كل من الطرفين.

قوله ص ١٠٥ س ٥ : للتنافي بينهما : أي بين الامارة والاصل بسبب اتحاد موردهما.

قوله ص ١٠٥ س ١٢ : ولما : بالتخفيف وفتح اللام والميم.

قوله ص ١٠٦ س ٣ : وفي حصول الانحلال : عطف على قوله : « في سراية العلم من ... ».

قوله ص ١٠٧ س ٣ : لو كانت الخ : أي لو كانت الامارة مفيدة للعلم الوجداني ...

قوله ص ١٠٧ س ١٢ : اثار العلم الحقيقي .. : في التعبير مسامحة واضحة. والمناسب : الآثار الحقيقية للعلم. وهكذا قوله « أثار العلم الأعتباري » فيه مسامحة واضحة. والمناسب : الآثار الاعتباريّة للعلم. ولعل تبديل كلمة « الأعتباريّة » بكلمة « الشرعيّة » أولى.

قوله ص ١٠٧ س ١٦ : بل نريد استفادة التعبد بالانحلال الخ : لا يخفى ما في العبارة من الغموض والاجمال. والمناسب اضافة كلمة « بالملازمة » (١) فإنّها توضح المطلب.

__________________

(١) كما اضيفت في التقرير ج ٥ ص ٢٥٢ س ١

٢٨٦

قوله ص ١٠٨ س ٩ : وملاكه : أي ملاك التمكين من اجراء الأصل.

قوله ص ١٠٨ س ١٢ : ان يكون كل من الطرفين مشمولا الخ : التعبير الذي ذكرناه سابقا ـ أن تتعارض الاصول في الأطراف ـ أوضح.

قوله ص ١٠٨ س ١٥ : لسبب آخر : أي غير العلم الأجمالي وهو كالعلم التفصيلي بالنجاسة أو الامارة عليها أو استصحابها.

قوله ص ١٠٩ س ١١ : على جميع تقادير : أي جميع تقادير معلومه. والمعلوم هو النجاسة مثلا. ولعل التعبير الايسر عن صياغة الشيخ العراقي هو : ان يكون العلم الاجمالي محدثا للعلم بالتكليف على كلا التقديرين ، أي على تقدير وجود النجاسة في الإناء الأوّل وعلى تقدير وجودها في الإناء الثاني.

قوله ص ١١٠ س ٧ : على كل حال : أي على كل تقدير من تقادير معلومه.

قوله ص ١١٠ س ٨ : في حالة عدم تواجد : ذكرنا سابقا ان في العبارة شيئا من الإبهام.

قوله ص ١١٠ س ١٤ : وامكان وقوعها خارجا : هذا اشارة إلى قيد ثاني خلافا للسيد الخوئي حيث لم يعتبره كما تقدم ايضاح ذلك.

قوله ص ١١٠ س ١٥ : على وجه مأذون فيه : أي إمكان تحقّق المخالفة القطعيّة خارجا على تقدير الاذن فيها.

قوله ص ١١٠ س ١٥ : ممتنعة : كما في الشبهة غير المحصورة.

قوله ص ١١١ س ٦ : وهناك صياغة اخرى : وسيأتي في الشبهة غير المحصورة ص ١٣٥ من الحلقة الفارق العملي بين الصياغتين.

٢٨٧
٢٨٨

تطبيقات منجزية

العلم الإجمالي

٢٨٩
٢٩٠

تطبيقات منجزية العلم الاجمالي

قوله ص ١١٢ س ١ : عرفنا في ضوء ما تقدّم ... : إتّضح مما سبق أنّ أركان منجزية العلم الإجمالي أربعة. وهذه الأركان الأربعة متى ما توفرت كان العلم الإجمالي منجّزا ، ومتى ما اختل واحد منها لم يكن منجّزا.

وكلما واجهنا علما إجماليّا لم يكن منجّزا فلا بدّ وان يكون عدم تنجّزه ناشئا من اختلال احد الأركان الأربعة المذكورة فيه.

والآن نطرح عشر حالات لا يكون العلم الإجمالي فيها منجّزا لنرى أنّ أي ركن فيها مختل. وتلك الحالات هي : ـ

١ ـ زوال العلم بالجامع.

٢ ـ الإضطرار إلى بعض الأطراف.

٣ ـ إنحلال العلم الإجمالي بالتفصيلي.

٤ ـ الإنحلال الحكمي بالامارات والاصول.

٥ ـ إشتراك علمين إجماليين في طرف.

٦ ـ حكم ملاقي أحد الأطراف.

٧ ـ الشبهة غير المحصورة.

٨ ـ عدم القدرة على ارتكاب بعض الأطراف.

٩ ـ العلم الإجمالي في التدريجيات.

١٠ ـ الطوليّة بين طرفي العلم الإجمالي.

٢٩١
٢٩٢

الحالة الأولى أو زوال العلم بالجامع

وفي الحالة الاولى نفترض زوال العلم بالجامع. ولكن كيف يتحقّق ذلك؟

يتحقّق في صور ثلاث هي : ـ

أ ـ ان يفرض علم المكلّف بنجاسة احد انائين ثمّ بعد مدة يتّضح كونه مخطئا في علمه وأنّ الإنائين معا طاهران وليس أحدهما نجسا.

وفى هذه الصورة تزول المنجزيّة بسبب اختلال الركن الأوّل من الأركان الأربعة المتقدّمة ، وهو العلم بالجامع.

ب ـ أن يفرض علم المكلّف بنجاسة احد إنائين ثمّ بعد فترة يحصل له الشك في ذلك ، أي الشك في أصل نجاسة أحد الإنائين ويحصل له إحتمال عدم ثبوت النجاسة لا لهذا ولا لذاك.

وفي هذه الصورة تزول المنجزيّة عن العلم الإجمالي لنفس النكتة في الصورة السابقة ، حيث انّه بطروّ الشك لا يبقى علم بالجامع لتبقى المنجزية للعلم الإجمالي.

وهم ودفع

ولربّما يقال انّ المنجزيّة تبقى بعد طروّ الشك ، إذ قبل طروّ الشك كان العلم الإجمالي ثابتا وكان ثبوته سببا لتعارض الاصول وتساقطها. وإذا سقطت الاصول في الإنائين فلا تعود بعد ذلك لأنّ الساقط لا يعود والميت لا يرجع إلى

٢٩٣

الحياة. وإذا لم يجر أصل الطهارة في الإنائين لم يسغ ارتكابهما لأنّ المسوّغ هو أصل الطهارة ، والمفروض سقوطه.

والجواب : انّ الموضوع الذي اوجب تعارض الاصول وتساقطها زال وحدث بدله موضوع جديد ، فإنّ الموضوع الذي أوجب تعارض الاصول وتساقطها هو الشك في طهارة كل واحد من الإنائين المقترن بالعلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ، فإنّ الشك في إنطباق النجاسة المعلومة إجمالا على هذا الطرف أو ذاك هو الموضوع ، وهذا الموضوع زال وحدث بدله الشك في طهارة كل واحد من الإنائين شكّا بدويّا ـ أي بدون أن يقترن بالعلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ـ وهذا الموضوع لا يوجب تعارض الاصول وتساقطها بل تجري فيه بلا تعارض.

ج ـ وفي هذه الصورة يفرض زوال العلم الإجمالي في مرحلة البقاء دون مرحلة الحدوث على خلاف الصورتين السابقتين حيث زال العلم الإجمالي فيها حدوثا وبقاء. ويمكن أن نصوّر ذلك في أنحاء أربعة : ـ

الأوّل

ان يفرض كون العلم الإجمالي محددا من الأوّل بفترة معينة فإذا انتهت الفترة زال ـ العلم الإجمالي ـ بقاء ، كما لو علم المكلّف اجمالا بأنه قد نذر نذرا واحدا ولكنه لا يدري هل نذر ترك شرب ماء البرتقال إلى الظهر أو نذر ترك شرب ماء الرمان إلى الظهر فهو قد نذر ترك أحدهما جزما ويجزم ان نذره كان متعلّقا بالترك الى الظهر لا أكثر.

في مثل هذا النحو يعلم المكلّف إجمالا ما دام لم يحل وقت الظهر بثبوت أحد

٢٩٤

الوجوبين فاذا حلّ الظهر زال علمه الإجمالي لفرض تحدده بالظهر من الأوّل.

وبزوال العلم الإجمالي تزول المنجزية كما هو واضح.

الثاني

ان يفرض نذر المكلّف اما ترك ماء البرتقال أو ترك ماء الرمان كما في النحو الأوّل ، ولكن في النحو السابق كنا نفترض تقيد الترك المنذور بالظهر بينما في هذا النحو نفترض الشكّ في التقيد المذكور ، فالمكلف يعلم أنه قد نذر ولكنه لا يدري هل نذر ترك ماء البرتقال إلى الظهر أو مستمرا إلى المغرب ، وهكذا لا يدري هل نذر ترك ماء الرمان إلى الظهر أو مستمرا إلى المغرب.

وفي هذا النحو إذا حلّ الظهر يزول العلم الإجمالي كما هو واضح ، ولكنه مع ذلك يمكن اثبات بقاء الحرمة المعلومة اجمالا من ناحية اخرى غير العلم الإجمالي وهي الاستصحاب ، فباستصحاب الحرمة الثابتة قبل الظهر يثبت بقاءها الى ما بعد الظهر.

الثالث

ان يفرض علم المكلّف بتحقق أحد النذرين السابقين منه ، ويعلم أيضا بأنه لو كان قد نذر ترك ماء البرتقال فهو قد نذره إلى الظهر بينما لو كان قد نذر ترك ماء الرمان فهو قد نذره إلى المغرب ، فهو يعلم ان المتحقق منه لو كان هو النذر الأوّل فهو مقيد بالظهر ولو كان هو النذر الثاني فهو ممتد إلى المغرب ولكنه حيث لا يدري ان أيّ النذرين هو المتحقق منه فسوف يشك في بقاء الحرمة عليه

٢٩٥

بعد حلول وقت الظهر.

وهنا نسأل هل العلم الإجمالي يبقى ثابتا بعد الظهر كما كان ثابتا قبل الظهر؟

وفي البداية قد يجاب بالنفي وأنه لا يبقى بعد الظهر. والصحيح بقاؤه إذ الفترة الى الظهر لو فرضناها بمقدار ساعة والى المغرب بمقدار خمس ساعات فالمكلف قبل الظهر يعلم اما بحرمة البرتقال عليه لفترة ساعة أو بحرمة الرمان عليه لفترة خمس ساعات.

وهذا ما يصطلح عليه بالعلم الإجمالي المردد بين الفرد القصير والفرد الطويل ، وواضح ان الفرد القصير إذا تحقق فهذا لا يعني زوال العلم الإجمالي بل هو باق غاية الأمر أحد فرديه ـ وهو القصير ـ قد انتهى أمده.

ولأجل ان تتضح الفكرة اكثر نذكر مثالا آخر : لو فرض ان شخصا نذر اما زيارة الامام الحسين عليه‌السلام ثم في كل يوم لمدة شهر أو زيارة الجامعة لمدة سنة فما هو حكمه؟

ان الحكم هو لزوم زيارة الامام الحسين عليه‌السلام لمدة شهر وزيارة الجامعة لمدة سنة لأنه يعلم اجمالا بوجوب احدهما عليه. وإذا فرض انتهاء فترة الشهر التي هي فترة زيارة الامام الحسين عليه‌السلام فذلك لا يعني انتهاء العلم الإجمالي بل يعني تحقق احد طرفيه ، وواضح ان تحقق أحد طرفي العلم الإجمالي لا يقتضي زوال العلم الإجمالي وإلاّ لزم سقوط كل علم إجمالي عن المنجزية بتحقق أحد طرفيه ، فمثلا يلزم إذا علم المكلّف اجمالا بوجوب اما الظهر أو الجمعة عليه زوال المنجزية عند الإتيان بالظهر حيث إنه بعد تحققها لا يقطع بتوجه وجوب إليه. وإذا قيل بكفاية العلم الإجمالي الثابت قبل الاتيان بالظهر في ثبوت المنجزية قلنا بذلك في

٢٩٦

مقامنا أيضا (١).

الرابع :

ان يفرض علم المكلّف بتحقق أحد النذرين السابقين منه ويفرض أيضا

__________________

(١) أجل أقصى ما نسلّمه في مثال النذر انّ الظهر متى ما حلّ فالمكلّف لا علم له بوجوب ترك اما البرتقال بعد الظهر أو ترك الرمان بعد الظهر ولكن هذا شيء والعلم الإجمالي بوجوب ترك اما البرتقال إلى الظهر أو ترك الرمان إلى المغرب شيء آخر. ولربّما يقع الخلط بين هذين العلمين الإجماليين ، والصواب التفرقة بينهما ، فالعلم الزائل بعد الظهر هو العلم بوجوب أحد التركين المقيدين بما بعد الظهر بينما المدعى بقاءه هو العلم بوجوب اما ترك البرتقال إلى الظهر أو ترك الرمان إلى المغرب فان هذا العلم لا يزول بتحقق الظهر. وما دام باقيا فهو ينجز كلا طرفيه. ومجرد تحقق أحد طرفيه لا يعني زوال العلم الإجمالي.

لا يقال : ان الاصول في المقام ليست متعارضة بل تجري البراءة عن حرمة الرمان بلا معارضة بالبراءة عن البرتقال لانقضاء فترة حرمته المحتملة.

فإنه يقال : انا لا ندعي المعارضة بين الاصلين الجاريين بعد الظهر ليقال ان أحدهما لا يجري بل ندعيها بين البراءة عن حرمة الرمان بعد الظهر والبراءة عن حرمة البرتقال قبل الظهر. وهذه المعارضة ثابتة ولا تزول بتحقق الظهر إذ حتى لو تحقق الظهر يبقى المكلّف عالما بان إحدى الحرمتين ـ أي حرمة الرمان بعد الظهر وحرمة البرتقال إلى الظهر ـ ثابتة ، ومع العلم بثبوت احداهما فلا يمكن ان يجري الأصل لنفيهما معا.

وبهذا كله يتضح التأمل فيما اختاره المحقق الايرواني في حاشيته على الكفاية المسماة بنهاية النهاية ج ٢ ص ١٢٦ حيث اختار ان الفرد الطويل لا يتنجز على امتداده وإنّما التنجيز يبقى ما دامت فترة القصير لم تنته. ووجه التأمّل : انّ انتهاء أمد الفرد القصير لو كان يستلزم زوال العلم الإجمالي أو سقوطه عن المنجزية للزم مثل ذلك في صلاة الجمعة والظهر فيما لو أدّى المكلّف إحدى الصلاتين ، فإنّه بعد أداءه لإحداهما يحتمل أن انّ ما أدّاه هو الواجب واقعا وبالتالي يلزم عدم بقاء العلم الإجمالي

٢٩٧

علمه بانه لو كان قد نذر ترك شرب البرتقال فهو قد نذره إلى الظهر جزما لو كان قد نذر ترك الرمان فتقييده بالظهر مشكوك وليس مجزوم العدم كما كنا نفترض ذلك في النحو الثالث.

وفي هذا النحو لا إشكال في وجوب ترك كلا المائعين قبل حلول الظهر وإنّما الإشكال في وجوب ترك ماء الرمان ما بعد الظهر.

قد يقال بعدم وجوب ذلك باعتبار ان المكلّف من الابتداء ـ أي قبل الظهر ـ لا يعلم باكثر من وجوب الترك إلى حدّ الظهر ، فقبل الظهر يعلم بوجوب ترك احد المائعين عليه إلى حدّ الظهر ، واما الزائد على ذلك فهو غير معلوم.

وقد يجاب بإمكان اثبات وجوب الترك ما بعد الظهر بطريق آخر غير العلم الإجمالي وهو الاستصحاب ، حيث انه قبل الظهر كان يجب الترك فاذا شكّ في بقاء الوجوب إلى ما بعد الظهر استصحب.

وفيه : ان كان المقصود استصحاب وجوب ترك البرتقال فهو باطل لأن المفروض ان لنا قطعا بارتفاع ذلك ما بعد الظهر ، وان كان المقصود استصحاب وجوب ترك الرمان فهو باطل أيضا لأن ثبوت وجوب ترك الرمان ما بعد الظهر وان كان محتملا إلاّ أنّه لا يقين قبل الظهر بالوجوب المذكور ليستصحب بقاءه ، إذ من المحتمل ان النذر الذي حصل واقعا هو نذر ترك البرتقال لا نذر ترك الرمان (١)

والخلاصة : ان اثبات وجوب الترك ما بعد الظهر غير ممكن لا بالعلم الإجمالي ولا بالاستصحاب.

__________________

(١) يمكن ان يقال باجراء استصحاب الجامع على حدّ استصحاب الكلي من القسم الثاني. وقد قبل قدس‌سره ذلك في النحو الثاني ومن المناسب قبوله هنا أيضا

٢٩٨

هكذا قد يقال.

ولكن في مقابل ذلك يمكن ان يقال بإمكان اجراء استصحاب وجوب ترك الرمان إلى ما بعد الظهر على تقدير ثبوته ما قبل الظهر فيقال ان ترك الرمان لو كان وجوبه ثابتا قبل الظهر فهو باق إلى ما بعد الظهر ، نظير ما يقال من ان زيدا لو كان عادلا قبل شهر مثلا فعدالته باقية إلى الآن فلو قبلنا جريان هذا الاستصحاب جرى ذاك الاستصحاب أيضا لعدم الفرق.

أجل ان جريان الاستصحاب بالشكل المذكور مبني على ان جريان الاستصحاب لا يتوقف على وجود يقين سابق بل على ثبوت الحالة سابقا وان لم تكن متيقنة. وستأتي الاشارة إلى تحقيق ذلك في باب الاستصحاب ، فبناء على ذلك يمكن جريان استصحاب بقاء وجوب ترك الرمان إلى ما بعد الظهر على تقدير ثبوته ما قبل الظهر.

وقد تقول : ان جريان الاستصحاب بهذا الشكل لغو وبلا فائدة ، إذ أي فائدة في استصحاب بقاء العدالة لزيد على تقدير ثبوتها له سابقا ، فان الاستصحاب المذكور لا يثبت بقاءها بالفعل لترتيب آثارها عليها ـ كجواز الإقتداء مثلا ـ وإنّما يثبت بقاءها على تقدير حدوثها.

ويمكن دفع محذور اللغوية المذكور بافتراض ضمّ ضميمة وهي أن نقول هكذا : بناء على جريان الإستصحاب بالشكل المذكور يحصل لنا علم إجمالي بأنّه يجب علينا امّا ترك ماء البرتقال إلى الظهر أو ترك ماء الرمّان إلى ما بعد الظهر بالإستصحاب. وهذا العلم الإجمالي منجّز لطرفيه أي لوجوب ترك البرتقال الى الظهر وترك الرمّان إلى المغرب.

٢٩٩

قوله ص ١١٢ س ٥ : من خلال ذلك : أي من خلال انهدام أحد الأركان فيها.

قوله ص ١١٢ س ٨ : رأسا : أي حدوثا وبقاء. والاولى حذف الكلمة المذكورة لأنّ زوال العلم بالجامع رأسا يختص بالصورتين الاوليتين ولا يعم الثالثة ، إذ فيها يزول العلم بالجامع بقاء لا حدوثا.

قوله ص ١١٣ س ٢ : والأمر فيه كذلك أيضا : أي تسقط المنجّزيّة عن العلم الإجمالي لانعدام الركن الأوّل.

قوله ص ١١٣ س ٥ : تعارضت فيها : أي في الأطراف.

قوله ص ١١٣ س ٨ : وقد يجاب الخ : التعبير بقد ـ الدال على تضعيف ذلك ـ لعله من جهة أتحاد ذات الشكّين وعدم تعدّد الموضوع.

قوله ص ١١٣ س ٨ : أصله : أي أصله العملي.

قوله ص ١١٣ س ٩ : هو الشك في انطباق المعلوم بالإجمالي : أي هناك علم إجمالي وشك في انطباق معلومه على كل طرف ، وهذا قد زال جزما ، والذي حدث هو شك بدوي بلا علم إجمالي.

قوله ص ١١٤ س ١ : بحيث يرتفع متى ما استوفاه : أي بحيث يرتفع الجامع متى ما استوفى الجامع أمده.

قوله ص ١١٥ س ٣ : وحكمه أنّه ينجّز الطويل على امتداده : تخصيص الطويل بالذكر لأنّ تنجيزه للقصير بمقدار أمده مسلّم. هذا ولكن نقلنا عن المحقّق الإيرواني فيما سبق المناقشة في ذلك فراجع.

قوله ص ١١٥ س ٥ : مشكوك البقاء : أي بينما الآخر ـ وهو وجوب ترك

٣٠٠