الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-27-8
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٦

أركان المنجزية

قوله ص ١٠٣ س ١ : نستطيع ان نستخلص الخ : منجزية العلم الاجمالي لها اربعة اركان على ما قرأنا في الحلقة الثانية ، وكما اتضح من خلال الابحاث السابقة (١). وتلك الأركان هي : ـ

الركن الأوّل

لا بدّ من تعلق العلم بالجامع ، فالمكلف لا بدّ وان يعلم مثلا بثبوت أحد وجوبين اما وجوب الظهر أو وجوب الجمعة ، إذ لو لم يعلم بذلك فأمّا ان يكون عالما بخصوص وجوب الظهر مثلا ـ وهذا معناه ان علمه تفصيلي وليس إجماليا ، وهو خلف الفرض ـ أو يكون شاكا في أصل ثبوت احد وجوبين ، وهذا معناه ان الشبهة بدوية ـ تجري فيها البراءة ـ وليست مقرونة بالعلم الاجمالي.

وهذا واضح. والذي نريد التحدث عنه هو ان العلم الإجمالي المنجز هل هو خصوص العلم الإجمالي الوجداني أو الأعم منه ومن العلم الإجمالي التعبدي ، فان العلم الإجمالي له شكلان ، فتارة يكون علما وجدانيا كما إذا حصل القطع بنجاسة احد انائين واخرى يكون علما تعبديّا ، كما لو لم يقطع المكلّف بنجاسة

__________________

(١) كقوله قدس‌سره قوله ص ١٠٠ السطر الأخير : « وانه كلما تعارضت الاصول ... ». وقوله ص ١٠٢ س ٦ : « والضابط العام للتنجيز ... »

٢٦١

احد الانائين وانما قامت البينة على ذلك ، فانّه بقيام البينة لا يحصل العلم الوجداني بنجاسة احد الانائين وانما الشارع عبّدنا بالتعامل مع البينة معاملة العلم الوجداني.

اما العلم الاجمالي الوجداني فلا إشكال في كونه منجزا ، وإنما الإشكال في العلم الإجمالي التعبديّ الحاصل بالبينة فهل هو منجز كالعلم الاجمالي الوجداني أو لا؟

وفي هذا المجال يوجد رأيان : ـ

أحدهما يقول : نعم البينة تنجز كالعلم الوجداني لأن الشارع بعد ان جعلها حجّة ـ والمفروض ان معنى جعل الحجّية هو جعل العلمية كما هو رأي الشيخ الأعظم والميرزا ـ تصير كالعلم الوجداني ، فكما ان من اثار العلم الوجداني المنجزية كذلك يصير من آثار البينة المنجزية. وإذا صارت البينة منجزة فلازم ذلك عدم جريان أصل الطهارة لا في هذا الأناء ولا في ذاك كما هو الحال في العلم الإجمالي الوجداني تماما.

وثانيهما يقول : انه لا محذور في اجراء أصل الطهارة في هذا الإناء وفي ذاك إذ المحذور في إجراء الأصليين ليس هو إلاّ لزوم المخالفة القطعية ، وهذا المحذور ليس ثابتا عند قيام البينة ، إذ من المحتمل خطؤها ، بان لا يكون هذا الإناء ولا ذاك نجسا ، ومع وجود هذا الاحتمال فلا يحصل القطع بالمخالفة باجراء الاصلين وارتكاب الانائين.

هذا ولكن كلا الرأيين ليس بصحيح من الوجهة الفنية كما سيتضح.

والمناسب ان يقال : ان البينة تارة تشهد بالجامع ، كما لو قالت ان احد

٢٦٢

الانائين نجس ، واخرى تشهد بنجاسة اناء معين فتقول مثلا الإناء الموجود على اليمين نجس ثم يفرض اشتباهه واختلاطه بالشمالي بشكل لا يمكن التمييز.

الحالة الاولى

اما في الحالة الأولى ـ وهي ما إذا شهدت البينة بنجاسة أحد الانائين ـ فيوجد دليلان كل منهما يقتضي شيئا يتنافى وما يقتضيه الآخر.

والدليلان هما : دليل حجّية البينة ودليل أصل الطهارة ، فانّ دليل أصل الطهارة يقول ان كل واحد من الانائين حيث انّك تشك في طهارته فيمكنك اجراء أصل الطهارة فيه وارتكابه ، بينما دليل حجّية البينة يقول كلا لا يجوز اجراء الأصليين إذ البينة حجّة والمفروض شهادتها بنجاسة أحد الانائين.

وأصحاب الرأي الأوّل قدّموا الدليل الأوّل ـ أي دليل حجّية البينة ـ ولم يعيروا أهمية لدليل أصل الطهارة فطرحوه جانبا ، وعلى اساس ذلك قالوا بلزوم ترك كلا الانائين.

بينما أصحاب الرأي الثاني قدّموا الدليل الثاني ـ أي دليل أصل الطهارة ـ واجروا أصل الطهارة في كلا الانائين ولم يعيروا اهمية لدليل حجّية البينة.

وبهذا إتضح الوجه فيما قلناه سابقا ، حيث ذكرنا ان كلا هذين الوجهين ليس على صواب من الوجهة الفنية ، فإنّه بعد وجود دليلين معتبرين بايدينا لا وجه للأخذ بأحدهما وطرح الآخر بعد حجّيتهما معا ، فإنّ الدليل الحجّة لا وجه لطرحه دون مبرر.

والصحيح ان نجمع بين الدليلين ونوفق بينهما ونعمل بعد ذلك بالنتيجة التي

٢٦٣

يقتضيها الجمع.

والصحيح في الجمع بين دليل حجّية البينة ودليل الأصل ـ كما سوف يأتي في بحث تعارض الأدلة ص ٣٦٣ في هذا القسم من الحلقة ـ ان يقال : ان العرف يقدم البينة على الأصل من جهة الاخصية أو النصيّة حيث انه في الغالب لا يخلو مورد البينة من أصل من الاصول العملية ، فلو كانت حجّية البينة مختصة بغير مورد الأصل كان ذلك بمثابة الغاء البينة. وهذا معنى كون دليل البينة اخص. بل يمكن القول بان دليل حجّية البينة وأمثالها من الامارات الاخرى نص في الشمول لموارد جريان الأصل وواردة في مورد اجتماع البينة والأصل لتقول خذ بالبينة واطرح الأصل.

وإذا تم الجمع بتقديم دليل البينة للاخصيّة أو النصيّة فاللازم عدم جريان أصل الطهارة في الانائين ، لأن جريانه في كلا الانائين خلف تقدم دليل البينة للاخصيّة أو النصيّة ، وجريانه في أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح.

والنتيجة على ضوء هذا : لزوم التحرز عن كلا الانائين لعدم جريان أصل الطهارة في شيء منهما.

وهذه النتيجة وان وافقت الرأي الأوّل القائل بتقديم دليل البينة ولكنه تقديم بعد الجمع بين الدليلين أو بتعبير آخر : تقديم لدليل البينة لنكتة فنية وليس بلا مبرر.

لا يقال : لماذا لا نقول بتقدم دليل البينة على أصل الطهارة من جهة الحكومة ـ كما كان يقول أصحاب الرأي الأوّل حيث قالوا بان معنى حجّية الأمارة جعلها علما ، وما دامت علما فهي ترفع موضوع اصل الطهارة « وهو

٢٦٤

الشكّ » بالتعبد ـ ولا داعي إلى الجمع بالاخصيّة أو النصيّة أو غير ذلك.

فانّه يقال : ان البينة حيث دلت على الجامع فالجامع يصير معلوما ، أي ان احدى النجاستين تصير معلومة لا نجاسة هذا الإناء بالخصوص أو نجاسة ذاك بالخصوص ، ومع عدم العلم بنجاسة هذا بالخصوص أو ذاك فلا مانع من جريان أصل الطهارة في الطرفين فان موضوعة ـ وهو الشكّ ـ محفوظ في خصوص هذا الاناء وخصوص ذاك ولم يرتفع بالتعبد وإنّما الذي ارتفع بالتعبد هو الشكّ في الجامع.

وعليه فالحكومة لا معنى لها بالنسبة الى الطرفين.

أجل لو فرض ان البينة دلّت على نجاسة هذا الإناء بالخصوص فالحكومة وجيهة ، لأن لازم حجّية البينة في هذا الإناء صيرورة نجاسته معلومة بالتعبد وارتفاع الشكّ الذي هو موضوع أصل الطهارة ، لكن المفروض في مقامنا دلالة البينة على الجامع ، فالجامع يصير معلوما لا نجاسة كل إناء بخصوصه ، فالحكومة تتم في جانب الجامع لا في كل واحد من الطرفين ، وبالتالي يلزم ان الجامع لا يجري فيه أصل الطهارة لا كل اناء بخصوصه.

الحالة الثانية

وأمّا في الحالة الثانية ـ وهي ما إذا شهدت البينة بنجاسة اناء معين ثم اشتبه ـ فالاناء الذي شهدت البينة بنجاسته لا يجري فيه أصل الطهارة من جهة الحكومة ، فان الحكومة هنا وجيهة باعتبار ان البينة لما شهدت بنجاسة الاناء المعين تصير نجاسته معلومة تعبدا ويرتفع الشكّ في طهارته تعبدا.

٢٦٥

وبعد عدم جريان أصل الطهارة في الإناء المعين فاللازم عند اشتباهه بالاناء الآخر ان لا يجري أصل الطهارة لا في كلا الانائين ـ لأنّ المفروض عدم جريانه في أحدهما الذي شهدت البينة بنجاسته ـ ولا في أحدهما لأنّه بلا مرجح.

وبذلك يتنجز الطرفان ويلزم تركهما ، ويصير المورد نظير ما لو علم علما وجدانيا بنجاسة اناء زيد ثم فرض اشتباهه بإناء عمرو فكما يجب تركهما معا كذلك في المقام.

خلاصة ما تقدّم

وخلاصة ما تقدم هو لزوم الاجتناب عن كلا الانائين في كلتا الحالتين لعدم جريان أصل الطهارة لا في الانائين معا ولا في أحدهما.

اما إنّه في الحالة الأولى يلزم الاجتناب عنهما فلانّه بعد الجمع بين دليل البينة ودليل أصل الطهارة بتقديم دليل البينة يلزم عدم جريان الأصل لا في كلا الانائين لأنّه خلف تقدم البينة ولا في احدهما لأنه بلا مرجح.

وأمّا أنّه في الحالة الثانية يلزم الاجتناب عنهما فلانه بعد عدم جريان الأصل في الاناء الذي شهدت البينة بنجاسته من جهة الحكومة لا يمكن جريان الأصل لا في كلا الانائين ولا في أحدهما.

الركن الثاني

والركن الثاني لمنجزية العلم الإجمالي ان يكون العلم واقفا على الجامع وغير سار الى الفرد ، إذ لو سرى إلى الفرد انقلب إلى علم تفصيلي بالفرد ، فاذا

٢٦٦

علمنا بنجاسة أحد انائين كان ذلك علما إجماليا ، فاذا سرى العلم إلى الفرد بان علمنا ان تلك النجاسة ثابتة في الإناء الأوّل دون الثاني انحل ذلك العلم وتحول إلى علم تفصيلي بنجاسة الإناء الأوّل ـ فيجب الاجتناب عنه بالخصوص ـ وشك بدوي في نجاسة الاناء الثاني فتجري البراءة عنه.

وحالة السراية هذه تسمى بانحلال العلم الاجمالي بالعلم بالفرد.

وهذا شيء واضح. والذي نريد التحدث عنه هو ان العلم بالفرد له أربعة أنحاء : ـ

الأوّل

ان يعلم إجمالا مثلا بوجود انسان في المسجد مرددا بين كونه زيدا أو عمروا ثم يعلم بعد ذلك بانّه زيد.

وفي هذا النحو لا إشكال في انحلال العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بوجود زيد وشك بدوي في وجود غيره.

الثاني

ان يعلم إجمالا مثلا بوجود انسان ما في المسجد ثم بعد ذلك يحصل العلم بوجود زيد في المسجد.

وفي هذا النحو لا إشكال ايضا في انحلال العلم الأوّل بالعلم الثاني ، إذ بعد العلم بوجود زيد في المسجد لا يبقى علم بوجود انسان غير زيد في المسجد.

والفرق بين هذا النحو وسابقه أنّه في السابق تعلق العلم الثاني بنفس ما

٢٦٧

كان معلوما بالإجمال ، فبالعلم الثاني علم ان الانسان المعلوم وجوده في المسجد إجمالا هو زيد لا عمرو بخلافه في هذا النحو فانه لم يجزم ان زيدا هو نفس الانسان المعلوم بالإجمال بل هو احتمال لا أكثر.

الثالث

ان يعلم بان في المسجد انسانا له علامة خاصة ككونه طويلا مثلا ثم بعد ذلك علم بوجود زيد في المسجد ولكن لا يعلم ان زيدا طويل حتى يكون المعلوم بالإجمال منطبقا عليه أو ليس بطويل حتى لا يكون منطبقا عليه.

والفرق بين هذا النحو وسابقيه انه في السابق لم يفرض وجود علامة خاصة للمعلوم بالإجمال بينما في هذا النحو فرض ذلك.

والمثال الشرعي لذلك : ما لو علم المكلّف بأنّه محدث بحدث أكبر اما يوم السبت أو الاحد ثم علم بعد ذلك انه قد حصل منه الحدث يوم السبت ولكنه لا يدري هل هو حدث أكبر أو أصغر.

وهل يحصل الانحلال في هذا النحو؟ الصحيح عدمه ، فان الحدث الحاصل يوم السبت لو كان يجزم بكونه اكبر ويجزم بانطباق المعلوم بالاجمال عليه لحصل الانحلال كما حصل في النحو الثاني ولكنه لمّا لم يجزم بذلك فلا يحصل الانحلال.

اما لماذا لا يحصل الانحلال عند عدم الجزم؟ ذلك لأن العلم الاجمالي إنّما ينحل لو حصل علم تفصيلي بانطباق المعلوم بالإجمال على أحد الفردين مع الشكّ البدوي في انطباقه على الثاني ، ففي النحو السابق كان يجزم بكون زيد

٢٦٨

مصداقا للانسان المعلوم حصوله في المسجد ، إذ المعلوم وجوده في المسجد اجمالا هو الإنسان ليس اكثر ، وزيد يصدق عليه انسان جزما وبالتالي يحصل لدى المكلّف علم تفصيلي بتحقق الانسان في المسجد ضمن زيد وشك بدوي في تحققه ضمن غيره ، فلو راجع نفسه لم ير فيها إلاّ علما تفصيليا بوجود انسان هو زيد وشكا بدويا في وجود فرد آخر غيره ، وهذا بخلافه في النحو الثالث فإنّه لا يوجد لدى المكلّف علم تفصيلي وشك بدوي بل لديه علم إجمالي أول بتحقّق حدث أكبر في أحد يومين وعلم إجمالي ثاني بتحقق حدث يوم السبت مردد بين الأصغر والأكبر ، فالذي حصل له بعد العلم الإجمالي الأوّل ليس إلاّ علما إجماليا آخر وليس علما تفصيليا ، ومن المعلوم ان العلم الإجمالي ينحل بالعلم التفصيلي لا بعلم إجمالي مثله.

الرابع

وقبل بيان هذا النحو نذكر مقدمتين.

الاولى : ان اثبات الحجّية للامارة الظنيّة تارة يكون من خلال عملية التنزيل ، بان يقول الشارع مثلا : جعلت الأمارة بمنزلة العلم ، واخرى من خلال عملية الاعتبار بان يقول : اعتبرت الامارة علما.

والفرق بين التنزيل والاعتبار هو انه في عملية التنزيل تبقى الامارة ظنا ولا تصير فردا من العلم غايته هي ظن تترتب عليه آثار العلم ، وهذا بخلافه في باب الاعتبار فانها تصير فردا من العلم ، وبعد صيرورتها علما يلحقها آثار العلم قهرا.

٢٦٩

وبكلمة اخرى : في باب الاعتبار لا يرتب الشارع آثار العلم على الأمارة وإنّما يعتبرها فردا من العلم وبعد ذلك تلحقها آثار العلم قهرا بخلافه في باب التنزيل فإنّه ابتداء ترتب آثار العلم على الامارة من دون ان تعتبر فردا منه.

الثانية : ان المجازية تارة تكون في الكلمة واخرى في أمر عقلي ، فكلمة الأسد إذا استعملت في الشجاع كان ذلك مجازا في كلمة الأسد ، حيث استعملت في غير معناها الموضوع له ، اما إذا اعتبر الشجاع فردا من أفراد الحيوان المفترس بحيث عمم الحيوان المفترس للشجاع وجعل فردا من افراده كان استعمال كلمة الأسد في الشجاع استعمالا حقيقيا لاستعمالها في معناها الموضوع له وهو الحيوان المفترس غايته تلزم المجازية والعناية في الاعتبار ، أي في اعتبار الشجاع فردا من المفترس.

وعملية الاعتبار حيث انها أمر عقلي فالمجازية اللازمة مجازية في أمر عقلي.

وهناك رأي للسكاكي يدعي فيه ان جميع الاستعمالات المجازية ترجع الى استعمالات حقيقية ولا يوجد مجاز أصلا لأن كل مستعمل يعتبر أولا المعنى المجازي فردا من أفراد المعنى الحقيقي وبعد ذلك يستعمل اللفظ في المعنى.

وتسمى هذه الطريقة بالحقيقية الأدعائية أو المجاز العقلي. وقد مرت الاشارة الى هذا في الحلقة الثانية ص ٨٨ تحت عنوان تحويل المجاز إلى حقيقة.

وبعد هاتين المقدمتين نأخذ ببيان النحو الرابع وهو ما لو علم إجمالا بنجاسة أحد انائين ثم شهد الثقة بنجاسة الاناء الأوّل.

وفي هذه الحالة لا إشكال بين الجميع في سقوط العلم الإجمالي عن

٢٧٠

المنجزية ولا يجب ترك الاناء الثاني.

وبعد هذا الاتفاق وقع الكلام في التخريج الفني لزوال المنجزية.

وقد يقال ان ذلك للانحلال التعبدي ، بمعنى ان دليل حجّية خبر الثقة يعبدنا بإنحلال العلم الإجمالي بتقريب ان دليل الحجّية ـ بناء على مسلك جعل العلمية ـ يجعل خبر الثقة علما ويرتب عليه جميع آثار العلم التي احدها الانحلال.

هذا ولكن الصحيح عدم امكان استفادة ذلك لان استفادة الانحلال التعبدي يمكن ان تبين باحد بيانات ثلاثة : ـ

أ ـ ان دليل حجّية الخبر ينزّل الخبر منزلة العلم. ولازم التنزيل سراية حكم المنزل عليه وهو العلم إلى المنزل وهو الخبر ـ كما تسري أحكام الصلاة إلى الطواف حينما نزّل منزلتها في دليل الطواف بالبيت صلاة ـ وبما ان أحد احكام العلم وآثاره حصول انحلال العلم الإجمالي به فيلزم ثبوت هذا الأثر للخبر أيضا.

وفيه : ان دليل التنزيل لا يسرّي اللوازم القهرية التكوينية الثابتة للمنزل عليه بل يسرّي خصوص الآثار الشرعية ـ فبتنزيل الرجل الشجاع منزلة الأسد لا يمكن ان يسري بخر الفم إلى الرجل الشجاع ، فان بخر الفم لازم تكويني للاسد لا يمكن تسريته بالتنزيل إلى غيره ـ كالطهارة التي هي أثر شرعي للصلاة فإنها تسري الى الطواف ، وواضح ان حصول الانحلال الحقيقي بالعلم هو من اللوازم التكوينية القهرية الثابتة للعلم ، فان من علم بوقوع قطرة دم في أحد انائين ثم رآها وعلم بها في الإناء الأوّل انحل علمه السابق بقطع النظر عن الشريعة والتعبد لكونه مما فطر عليه الانسان. وما دام الانحلال هو من اللوازم التكوينية للعلم فلا يمكن تسريته إلى الخبر بالتنزيل.

٢٧١

وبكلمة اخرى : ان الشارع في عملية التنزيل لا يسرّي إلاّ الآثار الشرعية دون الآثار التكوينية ، إذ التكوينية ليست واقعة تحت حوزته كي يمكنه تسريتها وإنّما الواقع تحت حوزته هي الآثار الشرعية فتكون هي القابلة للتسرية.

ب ـ ان دليل حجّية الخبر يعتبر الخبر علما وفردا من أفراده كما قاله السكاكي في باب الحقيقة الادعائية ، فالخبر بعد اعتباره علما تسري إليه جميع آثار العلم التي احدها الانحلال.

والفرق بين هذه الطريقة وسابقتها : ان الشارع في عملية التنزيل يلاحظ ابتداء الآثار ـ التي احدها الانحلال ـ ويسرّيها إلى الخبر ، وهذا بخلافه في عملية الاعتبار فان الشارع لا يسرّي الآثار بل يعتبر الخبر علما ، وبعد ذلك تسري الآثار إلى الخبر سراية قهرية. وما دامت السراية قهرية فلا يرد ما اوردناه على عملية التنزيل من ان الشارع لا يمكنه تسرية إلاّ ما كان تحت حوزته.

وفيه : ان الامارة وان صارت بالاعتبار علما وفردا منه إلاّ أنها علم تعبدا وليست علما حقيقة وتكوينا ، فان الاعتبار لا يولّد إلاّ امرا اعتباريا لا أمرا حقيقيا ، ومعه فغاية ما يلزم هو ترتب آثار العلم الاعتباري التعبدي لا آثار العلم الحقيقي. والانحلال بما انه من خواص العلم الحقيقي فلا يترتب على الامارة عند اعتبارها علما.

ج ـ ان يقال انا لا نريد ان نثبت بصورة مباشرة التعبد بالانحلال الحقيقي بحيث يكون دليل حجّية الخبر مفيدا بالدلالة المطابقية التعبد بالانحلال الحقيقي ليقال بعدم إمكان تسرية اللوازم التكوينية عن طريق التعبد وإنّما نريد اثبات

٢٧٢

التعبد بالانحلال الحقيقي بصورة غير مباشرة (١) بان يفرض ان دليل حجّية الخبر يدل ـ بناء على مسلك جعل العلمية ـ ابتداء على الغاء الشك وجعل الامارة علما فلو دلّت الامارة على نجاسة الاناء الأوّل يصير المكلّف عالما بنجاسته تعبدا ، وإذا صار عالما تفصيلا بنجاسته بالتعبد فلازم ذلك زوال العلم الإجمالي وانحلاله إذ بحصول العلم التفصيلي بأحد الطرفين يزول العلم الإجمالي وينحل.

وبتعبير آخر : ان الدليل ابتداء يعبدنا بعلة انحلال العلم الإجمالي ـ وهي العلم التفصيلي بأحد الطرفين ـ وبالملازمة يعبدنا بالمعلول ، أي بزوال العلم الاجمالي.

وهذه طريقة وجيهة ، إذ التعبد بحصول العلم التفصيلي أمر معقول ، وإذا ثبت التعبد بذلك ثبت الانحلال.

وفيه : ـ

أوّلا : ان التعبد بحصول العلم التفصيلي تعبد بعلة الانحلال ، والتعبد بالعلة لا يلزم منه التعبد بالمعلول فيما إذا لم يكن المعلول اثرا شرعيا للعلة بل كان اثرا عقليا كما في المقام إذ لا يوجد دليل شرعي يقول إذا حصل العلم التفصيلي بنجاسة الاناء الأوّل ترتب على ذلك شرعا زوال العلم الإجمالي وانحلاله وإنما ذلك لازم عقلي ، وواضح ان التعبد بالشيء لا يلزم منه التعبد بلوازمه العقلية ـ

__________________

(١) قد يقال : لا حاجة إلى هذا التطويل إذ نقول ان دليل الحجّية يعبدنا بالانحلال التعبدي لا بالانحلال الحقيقي ليقال انه غير ممكن.

فإنه يقال : ان التعبد بالانحلال التعبدي لا معنى له إذ مرجع ذلك إلى انه يعبدنا الشارع بالتعبد ، وهذا باطل ، فان المعقول اثبات الأمر الحقيقي بالتعبد لا إثبات الأمر التعبدي بالتعبد

٢٧٣

فالتعبد ببقاء حياة الولد لا يلزم منه التعبد بنبات لحيته ـ وإنّما يلزم منه التعبد بآثاره الشرعية كحصول طهارة الثوب فإنّه معلول لغسله بالماء الطاهر ومن آثاره الشرعية المترتّبة عليه ، فاذا عبدّنا الشارع بطهارة الماء الذي غسل فيه الثوب المتنجس لزم منه التعبد بحصول الطهارة للثوب وإلاّ كان التعبد بذاك دون هذا لغوا.

وثانيا : لو سلمنا التعبد بالعلة يلزم منه التعبد بالمعلول حتى ولو لم يكن المعلول من الآثار الشرعية للعلة فنقول ان التعبد بحصول الانحلال الحقيقي في مقامنا باطل في نفسه وغير ممكن ، إذ ما الفائدة من التعبد بالانحلال الحقيقي؟

ان الغاية لا تخلو اما ان تكون هي التأمين من ارتكاب الطرف الثاني بحيث يكون من السائغ للمكلّف ارتكاب الإناء الثاني وشرب مائه دون ان يجري أصل الطهارة فيه ، وهو باطل لأن الشبهة أيّا ما كانت لا يجوز للمكلّف ارتكابها حتى ولو كانت بدوية إلاّ بمؤمن كاصل الطهارة مثلا.

او تكون الغاية من التعبد بالانحلال هي ان يصير المكلّف متمكنا من اجراء أصل الطهارة في الطرف الثاني وشرب الماء بعد ذلك لا ان يرتكبه بلا اجراء اصل الطهارة فيه. وهذا باطل أيضا ، فان الشارع حتى ولو لم يعبّد المكلّف بانحلال علمه الإجمالي ـ كما لو فرض انّا لم نأخذ بمسلك جعل العلمية بعين الاعتبار بل بمسلك جعل المنجزية ـ فمع ذلك يمكن للمكلف اجراء أصل الطهارة في الإناء الثاني دون معارض لان الخبر ما دام قد دلّ على نجاسة الاناء الأوّل كان ذلك مانعا من اجراء أصل الطهارة فيه ـ إذ الامارة مانعة من جريان الأصل سواء بني على مسلك جعل العلمية أو مسلك جعل المنجزية أو أي مسلك آخر ، فان

٢٧٤

عدم جريان الأصل عند وجود الامارة أمر مسلم لدى الجميع ـ ومع عدم جريان أصل الطهارة فيه يجري الأصل في الاناء الثاني بلا معارض وان لم نستفد من دليل حجّية الخبر التعبد بالانحلال.

وبهذا اتضح ان الوجه الفني لتخريج سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية عند قيام الأمارة في بعض اطرافه هو الانحلال الحكمي دون الانحلال التعبدي ، بمعنى ان دليل حجّية الامارة لا يمكن ان نستفيد منه جعل الشارع الامارة موجبة لحلّ العلم الإجمالي تعبدا وإنّما الإمارة حينما تقوم في طرف فالاصل حيث لا يجري فيه فيجري في الطرف الثاني بلا معارض.

وإنّما سمّي هذا بالانحلال الحكمي باعتبار ان العلم الإجمالي موجود حقيقة غايته ليس بمنجز باعتبار وجود مؤمن في بعض اطرافه.

الركن الثالث

والركن الثالث لمنجزية العلم الإجمالي تعارض الاصول في الأطراف ، كما لو كان عندنا اناءان نعلم اجمالا بنجاسة احدهما فان أصل الطهارة في الإناء الأوّل يتعارض وأصل الطهارة في الثاني ويتساقطان ، وبعد ذلك يبقى كل اناء لا مسوغ لارتكابه فتجب الموافقة القطعية بترك كلا الانائين.

واما إذا لم تتعارض الاصول في الأطراف ، كما لو كان الاناء الأوّل مثلا معلوم الخمرية تفصيلا (١) أو كان يعلم بنجاسته سابقا ويشك في بقاءها فان أصل

__________________

(١) أي يوجد اناءان احدهما خمر جزما والآخر ماء جزما وعلمنا بوقوع قطرة بول في أحدهما

٢٧٥

الطهارة لا يجري فيه لوجود حاكم عليه وهو استصحاب النجاسة ويجري في الطرف الآخر بلا معارض.

ومع عدم المعارضة بين الاصلين يسقط العلم الاجمالي عن المنجزية ويجوز ارتكاب الاناء الثاني لوجود المؤمن فيه بلا معارض (١) ، فان العلم الاجمالي انما يقتضي عقلا وجوب الاجتناب عن اطرافه فيما إذا لم يرخص الشارع نفسه بارتكاب بعض اطرافه.

ثمّ ان عدم منجزية العلم الإجمالي في صورة جريان الأصل في أحد الطرفين بلا معارض قضية مسلمة بين جميع الاصوليين ولا تخص بعضا دون آخر.

ولكن صياغة الركن المذكور بالشكل المتقدم ـ أي تعارض الاصول في الأطراف ـ تتم على مبنى الميرزا القائل بان العلم الإجمالي مقتض وليس علة تامة لوجوب الموافقة القطعية ، فانه بناء على ذلك إذا ثبت الترخيص في ارتكاب أحد الطرفين بواسطة الأصل المؤمن فلا يكون العلم الإجمالي منجزا ، فكما ان النار مقتض للاحراق وتاثيرها موقوف على عدم المانع كذلك العلم الإجمالي ما دام هو مقتض لوجوب الموافقة القطعية فتأثيره موقوف على عدم ثبوت الترخيص في أحد الطرفين ، فاذا ثبت الترخيص في أحد الطرفين من دون معارضة لم يكن العلم الإجمالي مستدعيا لوجوب الموافقة القطعية.

__________________

(١) واما الاناء الأوّل فلا يجوز ارتكابه من جهة العلم التفصيلي بحرمته أو لاستصحاب النجاسة.

ثمّ انّا عبرنا عن هذا الركن بتعارض الاصول في الأطراف ، وهو اوضح من تعبير الكتاب بشمول دليل الأصل لكل واحد من الطرفين لولا التعارض ، والمقصود واحد

٢٧٦

وهكذا الصياغة المذكورة لهذا الركن تتم على مسلك حق الطاعة القائل بان احتمال الحرمة في كل طرف هو منجز بقطع النظر عن العلم الإجمالي. انه بناء على هذا الرأي يلزم ـ لأجل أن يكون الاحتمال منجزا ـ تعارض الاصول في الأطراف ، إذ احتمال التكليف إنّما يكون منجزا عقلا فيما إذا لم يثبت الترخيص الشرعي في مخالفة الاحتمال ، فاذا ثبت الترخيص الشرعي بواسطة الأصل المؤمن الجاري بلا معارضة فلا يكون الاحتمال في كل طرف منجزا ولا تجب الموافقة القطعية بل يجوز ارتكاب الطرف الذي يجري فيه الأصل غير المعارض.

واما بناء على رأي الشيخ العراقي القائل بان العلم الإجمالي علة تامة فهي غير تامة لأنه بناء على المسلك المذكور يستحيل ـ كما تقدم ـ الترخيص حتى في الطرف الواحد ولا يجري الأصل ـ لأنّ المفروض أنّه علة بذاته لوجوب الموافقة القطعية ـ وهذه المنجزية السابقة تمنع من جريان الأصل حتى في الطرف الواحد وليس ثبوتها يتوقف على عدم جريان الأصل كما هو الحال على مسلك الاقتضاء.

وبكلمة اخرى : بناء على مسلك الميرزا نحتاج إلى اعدام المؤمن في الأطراف ، وهو لا يتم الاّ بالتعارض ، وهذا بخلافه على مسلك العراقي فانا وان كنّا بحاجة الى اعدام المؤمن ـ لاتفاق الكل على عدم كون العلم الإجمالي منجزا مع وجود المؤمن في بعض اطرافه ـ ولكن إعدامه لا يتوقف على تعارض الاصول بل نفس العلم الإجمالي بذاته يستلزم وبنحو العلية عدم جريان الأصل حتى في الطرف الواحد ولو لم يكن له معارض.

ومن هنا كان الشيخ العراقي بحاجة إلى طرح صياغة جديدة لهذا الركن يسقط فيها العلم الإجمالي عن المنجزية في المرتبة السابقة ليتاح للاصل الجريان

٢٧٧

في الطرف الثاني بلا مانع.

والصياغة الجديدة هي : يشترط في منجزية العلم الإجمالي ان لا يكون أحد طرفيه قد تنجز بمنجز سابق بل تكون المنجزية في كل واحد من الطرفين حاصلة بسبب نفس العلم الإجمالي ، فمثلا إذا كان عندنا اناءان نعلم بنجاسة احدهما فالمنجز هو العلم الإجمالي على كلا التقديرين ، فان النجاسة على تقدير وجودها في الإناء الأوّل يتنجز وجوب الاجتناب عنها بسبب العلم الإجمالي لا بسبب آخر ، وعلى تقدير وجودها في الإناء الثاني يتنجز وجوب الاجتناب عنها بسبب العلم الإجمالي أيضا لا بسبب آخر ، فالنجاسة إذن على كلا التقديرين ـ أي على تقدير وجودها في هذا الإناء وعلى تقدير وجودها في ذاك الإناء ـ تكون منجزة بنفس العلم الإجمالي.

في مثل هذه الحالة قال الشيخ العراقي ان العلم الإجمالي يكون منجزا ويجب الاجتناب عن كلا الانائين.

وأمّا إذا فرض ان أحد الانائين كان منجزا بمنجز آخر فلا يكون العلم الإجمالي منجزا ، فمثلا إذا كان عندنا اناءان الأوّل منهما خمر جزما وعلمنا اجمالا بوقوع قطرة بول في أحدهما فهذا العلم الإجمالي لا يكون منجزا لان أحد طرفيه ـ وهو الإناء الخمري ـ قد تنجز بمنجز اسبق وهو العلم التفصيلي بخمريته ، وما دام قد تنجز بمنجز اسبق فلا يكون العلم الإجمالي منجزا لوجوب الإجتناب عن النجاسة لو كانت قد وقعت فيه واقعا ، إذ ما تنجز لا يمكن ان يتنجز ثانية ، فكما ان الأبيض لا يمكن ان يصير ابيض ثانية ، والموجود لا يمكن ان يوجد ثانية كذلك المنجز لا يمكن ان يتنجز ثانية.

٢٧٨

ومن هنا فالعلم الإجمالي بوقوع قطرة بول في أحد انائين يعلم بخمرية الأوّل منهما ـ أو كان يجري فيه استصحاب النجاسة ـ لا يكون منجزا على رأي الشيخ العراقي لان العلم الإجمالي لا يكون منجزا لوجوب الاجتناب عن النجاسة على كلا التقديرين إذ على تقدير وقوعها في الإناء الأوّل يكون وجوب الاجتناب ثابتا بسبب العلم التفصيلي بخمريته أو استصحاب نجاسته وليس بسبب نفس العلم الإجمالي.

وبكلمة اخرى : ان العلم الإجمالي انّما يكونن منجزا لو كان محدثا للتكليف على سبيل الجزم. وفي الامثلة المذكورة لا يكون كذلك إذ على تقدير وقوع النجاسة في الإناء الأوّل فالمحدث للتكليف بوجوب الاجتناب هو الاستصحاب أو العلم التفصيلي لا العلم الإجمالي. أجل غاية ما يولّده العلم الإجمالي بوقوع القطرة هو الشكّ في حدوث وجوب الإجتناب دون العلم ، وواضح انّ الشكّ في حدوث التكليف ليس بمنجز وإنّما المنجز هو العلم بحدوث التكليف.

وباتضاح هذه الصياغة الجديدة تتضح النكتة في وجه جريان الأصل في أحد الطرفين على مسلك الشيخ العراقي ، ان النكتة هي ان العلم الإجمالي لمّا لم يكن منجزا في نفسه في المقام حيث لا يولّد علما بحدوث التكليف بوجوب الإجتناب فلا يكون مانعا من جريان الأصل في الطرف الثاني ، إذ المانع هو العلم الإجمالي بحدوث التكليف ، والمفروض عدمه في المقام.

الفارق العملي بين الصياغتين

وقد تسأل هل يوجد فارق عملي بين الصياغتين بحيث يفرض مورد

٢٧٩

تجري فيه الصياغة الثانية فيكون العلم الإجمالي منجزا عند الشيخ العراقي ولا تجري فيه الصياغة الاولى فلا يكون منجزا عند الميرزا؟

نعم الفارق العملي يظهر فيما لو فرضنا شيئين علمنا إجمالا بطروّ النجاسة على أحدهما ولا يوجد منجز غير العلم الإجمالي لا في الشيء الأوّل ولا في الشيء الثاني بيد أنّه كان أحد الشيئين يجري فيه الأصل المؤمن دون الثاني.

في مثل هذه الحالة تظهر الثمرة العملية بين الصياغتين ، كما لو كان لدينا سائلان نعلم اما الأوّل منهما خمر أو الثاني منهما ماء وقعت فيه نجاسة. فهناك نجاسة معلومة بالاجمال مردده بين كونها نجاسة ذاتية في الأوّل أو نجاسة عرضيّة في الثاني.

وفي هذا المثال لا يوجد أصل منجز لا في السائل الأوّل ولا في الثاني ويوجد أصل مؤمن ـ وهو أصل الطهارة ـ يجري في الثاني دون الأوّل ، إذ النجاسة المحتملة في الأوّل نجاسة ذاتية ، وأصل الطهارة ـ بناء على رأي فقهي تقدمت الإشارة له ص ٢٦١ ـ لا يجري في موارد الشكّ في النجاسة الذاتية بخلاف ذلك في الثاني فان النجاسة المحتملة فيه عرضيّة يجري أصل الطهارة لنفيها.

ان العلم الإجمالي في المثال المذكور ليس منجزا على رأي الميرزا لعدم تعارض الاصول في الأطراف بل يجري أصل الطهارة في إناء الماء بلا معارضة ، وهذا بخلافه على رأي الشيخ العراقي فان العلم الإجمالي منجز لتماميّة الصياغة الثانية ، إذ المفروض عدم وجود منجز آخر في أحد الطرفين غير العلم الإجمالي (١).

__________________

(١) لعل في عبارة الكتاب شيئا من الابهام إذ القارئ يفهم ان الأصل المنجز على منوال ـ

٢٨٠