الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-27-8
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٦

ج ـ ان مفاد حديث « كل شيء لك حلال » حلية كل واحد من الطرفين حلية مطلقة ثابتة حتى على تقدير ارتكاب الطرف الآخر. ومع التنزل وثلم الاطلاق تحصل حلية مشروطة ، والحلية المشروطة ـ على ما عرفنا ـ لا تتلائم مع أهمية الملاك بجميع اشكالها المحتملة واقعا إلاّ على تقدير ارجاع الحليتين المشروطتين الى الترخيص في الجامع ، ولكن ذلك لا يستفاد من دليل البراءة فان المستفاد منه الحلية المطلقة أو الحلية المشروطة دون حلية الجامع ـ إذ هو لا يقول أحد الإنائين حلال بل يقول كل شيء حلال ، أي كل إناء حلال بحلية مطلقة ، ومع التقييد يدل على حلية كل إناء حلية مشروطة ـ فما يمكن ان يستفاد منه لا يتلائم مع أهمية الملاك ، وما يتلائم وأهمية الملاك لا يستفاد منه (١).

قوله ص ٨٩ س ٣ : الاصول الشرعية المؤمنة : كأصالة البراءة وأصالة الطهارة. وإنما سميت بالمؤمنة لأنها تنفي وجوب الإجتناب وتؤمن منه.

والتقييد بالمؤمنة من جهة ان الاصول المنجزة ـ كاستصحاب النجاسة ـ قد تقدم إمكان جريانها في جميع الأطراف ـ خلافا للشيخ الأعظم ـ فضلا عن بعضها.

قوله ص ٨٩ س ٤ : في بعض الأطراف : بعد الفراغ عن عدم إمكان

__________________

(١) لا يقال : انكم إذا قبلتم امكان استفادة الترخيص المشروط من الدليل الدال على الترخيص المطلق فاقبلوا إمكان استفادة الترخيص في الجامع أيضا لعدم الفرق. فإنه يقال : ان هذا قياس مع الفارق فان الترخيص المشروط يمكن استفادته من الدليل المطلق باعتبار انه يدور الأمر بين رفع اليد عن دليل البراءة راسا وبين رفع اليد عن إطلاقه مع الحفاظ على أصله ، ولا إشكال في ان الثاني هو الأرجح لقاعدة الضرورة تقدر بقدرها ، وهذا بخلاف الترخيص في الجامع فانه لا يمكن تطبيق البيان المذكور فيه.

ثمّ ان عبارة الكتاب في هذا الموضع وما قبله لا تخلو من غموض وإبهام بيّن

٢٤١

جريانها في جميع الأطراف للمحذور العقلي أو العقلائي.

قوله ص ٨٩ س ٧ : ثبوتا : أي واقعا بقطع النظر عن منأدلة الاصول وإلاّ فبلحاظها فالبحث اثباتي. وسيأتي ان الاصول متعارضة في الأطراف أحيانا وغير متعارضة أحيانا اخرى.

قوله ص ٩٠ س ٣ : في ذلك : أي في إمكان جريان الأصل المؤمن فى بعض الأطراف وعدمه.

قوله ص ٩٠ س ٧ : فان فعليته : أي فعلية استدعاء المقتضي لما يقتضيه.

قوله ص ٩٢ س ١٠ : في مقام الحفظ : متعلق بقوله « لتقديم » ، فان ملاك الإباحة يريد التحفظ على نفسه وذلك بجعل الإباحة في كلا الطرفين وملاك الحرمة يريد التحفظ على نفسه أيضا وذلك بجعل الاحتياط في كلا الطرفين.

قوله ص ٩٢ س ١٢ : فلا معنى للقول بان أحد اللسانين ممتنع دون الآخر : أي فلا معنى للتسليم بإمكان لسان قاعدة الفراغ وعدصم إمكان لسان أصالة البراءة بل إذا امكن الأوّل أمكن الثاني أيضا.

قوله ص ٩٣ س ٦ : على نحو واحد : أي ليس شموله لبعض الأطراف أولى من شموله للبعض الآخر.

قوله ص ٩٤ س ٦ : عل : الصواب : على.

قوله ص ٩٤ س ٨ : وان كان لا يؤدي إلى الترخيص : لا يخفى ما في العبارة من الاغلاق والغموض. والمناسب : وان كان لا يؤدي إلى تحقق المخالفة القطعية خارجا ولكنه يؤدي إلى الترخيص فيها.

قوله ص ٩٥ س ١٠ : فقد يجري الأصل في كل طرف مقيدا بترك الآخر :

٢٤٢

هذا إشارة إلى صيغة الشيخ العراقي.

قوله ص ٩٥ س ١١ : قبل الآخر : أي قبل ارتكاب الآخر.

قوله ص ٩٥ س ١٣ : ان التقييد إنّما يراد لإلغاء : لعل العبارة الاوضح : ان التقييد لا يصح بلحاظ الحالة التي لها حالة معارضة في دليل الأصل وإنّما يصح بلحاظ الحالة التي لا معارض الخ.

قوله ص ٩٥ س ١٥ : كذلك : أي من حالات الطرف الآخر.

قوله ص ٩٦ س ٨ : الدفع الأوّل : وهو رفع اليد عن الاطلاقين الاحواليين. والمراد من « الدفع الثاني » : رفع اليد عن الاطلاق الإفرادي والاحوالي في أحد الطرفين خاصة.

قوله ص ٩٧ س ٢ : ومدلوله التصديقي : عطف تفسير.

قوله ص ٩٧ س ٤ : كذلك : أي بعدم ارتكاب الآخر.

قوله ص ٩٧ س ٧ : مرتبة ناقصة : أي متوسطة فإنها ناقصة عن المرتبة العالية.

قوله ص ٩٧ س ٨ : تقتضي التحفظ الإحتمالي : والتحفظ الإحتمالي يحصل بالترخيص في الجامع فانّ من ترك طرفا وأتى بطرف يحتمل تحقق الملاك اللزومي ضمن الطرف الذي أتى به.

قوله ص ٩٧ س ٩ : واستفادة ذلك : أي المرتبة الناقصة من الإهتمام التي تقتضي التحفظ الإحتمالي.

قوله ص ٩٧ س ١٠ : بإطلاق دليل الأصل : بعد تعذر العمل بالاطلاقين وإفتراض ان الضرورة تقدر بقدرها.

٢٤٣
٢٤٤

الثمرة بين مسلك العلية والاقتضاء

قوله ص ٩٧ س ١٣ : وفي ضوء ما تقدم إلخ : إتضح من خلال ما سبق انّ شبهه الترخيص المشروط التي اقترحها الشيخ العراقي باطلة للوجه الخامس من الوجوه الخمسة المتقدمة.

وقد يقول قائل : لو قبلنا شبهة الترخيص المشروط أمكن تحقق الثمرة العملية بين مسلك العلية ومسلك الاقتضاء ، إذ على مسلك الاقتضاء الذي يتبناه الميرزا في فوائد الاصول يكون إجراء الاصول في جميع أطراف العلم الإجمالي بشكل مشروط أمرا ممكنا ، ونتيجته عدم وجوب الموافقة القطعية بينما على مسلك العلية لا يمكن اجراء الاصول ولو بشكل مشروط ونتيجته وجوب الموافقة القطعية بترك كلا الطرفين ، وكفى بهذا المقدار ثمرة بين المسلكين.

وأمّا إذا لم نقبل فكرة الترخيص المشروط ـ كما هو المفروض ـ فلا تبقى ثمرة عملية بين المسلكين.

والميرزا حيث لم يقبل الفكرة المذكورة انكر تحقق الثمرة العملية بين المسلكين وذكر انه على كلا المسلكين تجب الموافقة القطعية ولا يوجد فارق عملي يترتب عليهما.

هذا ولكن الشيخ العراقي ذكر ان هناك حالة يمكن جريان الأصل فيها في أحد الطرفين بلا معارض وتتحقق الثمرة العملية فيها بين المسلكين. وتلك هي

٢٤٥

الحالة الاولى من الحالات الثلاث التي سنذكرها بعد قليل. والسيد الشهيد يضيف حالتين أخريين ويقول بان الثمرة بين المسلكين يمكن تحققها في بعض الحالات الثلاث التالية (١) التي يجمعها جريان الأصل في أحد الطرفين بلا معارض ، فإنه في هذه الحالات الثلاث إذا أخذنا مسلك العلية بعين الإعتبار فلا يمكن جريان الأصل في أحد الطرفين حتى وان لم يكن له معارض ، ونتيجة ذلك وجوب الموافقة القطعية بينما إذا اخذنا مسلك الاقتضاء بعين الاعتبار فلا تجب الموافقة القطعية بل يجوز ارتكاب الطرف الذي يجري فيه الأصل بلا معارض.

__________________

(١) عبّرنا ببعض الحالات الثلاث دون جميعها لما ستأتي من عدم تمامية الحالة الاولى التي ذكرها الشيخ العراقي

٢٤٦

جريان الأصل في بعض الأطراف بلا معارض

والحالات الثلاث هي كما يلي : ـ

الحالة الاولى

وهي الحالة التي ذكرها الشيخ العراقي. وحاصلها : إنّه لو فرضنا وجود إنائين : رقم (١) ورقم (٢) ، وعلمنا بوقوع نجاسة في أحدهما وفرضنا ان اناء رقم (٢) كنا نعلم بطهارته سابقا بينما إناء رقم (١) كنا نجهل حالته السابقة.

في مثل هذه الحالة تحصل لدينا ثلاثة اصول : أصل الطهارة في إناء رقم (١) وأصل الطهارة في إناء رقم (٢) واستصحاب الطهارة في إناء رقم (٢) ، وتثبت المعارضة بين أصلين من هذه الاصول ، وهما أصل الطهارة في رقم (١) واستصحاب الطهارة في رقم (٢) ، فان أصل الطهارة في رقم (١) يقول ان إناء رقم (١) طاهر واستصحاب الطهارة في رقم (٢) يقول ان إناء رقم (٢) طاهر ، وحيث إنّه لا يمكن جريانهما معا للعلم بطرو النجاسة على أحد الإنائين فيحصل التعارض بينهما ويتساقطان. وبعد تساقطهما يبقى أصل الطهارة في إناء رقم (٢) بلا معارض فنرجع إليه ونثبت ببركته طهارة إناء رقم (٢).

وهنا تظهر الثمرة بين المسلكين إذ بناء على مسلك الاقتضاء يجري أصل الطهارة المذكور ويثبت بذلك طهارة إناء رقم (٢) ، فان منجزية العلم الإجمالي

٢٤٧

بناء على المسلك المذكور تتوقف على عدم ثبوت الترخيص في بعض الأطراف فاذا فرضنا ان الأصل يجري في بعض الأطراف بلا معارض لم يكن العلم الإجمالي منجزا بينما على مسلك العلية حيث يستحيل الترخيص في بعض الأطراف فأصل الطهارة المذكور لا يجري وان لم يكن له معارض ، وإذا لم يمكن جريانه فلا يمكن الحكم بطهارة إناء رقم (٢).

وقد تسأل : لماذا افترض حصول المعارضة بين أصل الطهارة في رقم (١) واستصحاب الطهارة في رقم (٢) ولم نفترض دخول أصل الطهارة رقم (٢) في مجال المعارضة ليسقط بالمعارضة كما سقط صاحباه؟

والجواب : ان إناء رقم (٢) يوجد فيه أصلان : استصحاب الطهارة وأصل الطهارة ، وواضح ان استصحاب الطهارة أصل حاكم على أصل الطهارة بمعنى أنه لو جرى استصحاب الطهارة تثبت طهارة إناء رقم (٢) ويزول الشكّ في طهارته وبالتالي فلا يمكن جريان أصل الطهارة فيه لأنّ موضوع أصل الطهارة الشكّ (١) فاذا زال الشكّ لم يجر ، ومن هنا قيل ان أصل الطهارة هو في طول عدم جريان استصحاب الطهارة (٢) بمعنى ان جريان أصل الطهارة يتوقف على عدم جريان استصحاب الطهارة ، إذ بجريانه يزول الشكّ الذي هو موضوع أصل الطهارة.

__________________

(١) وزوال الشكّ حيث أنه ليس حقيقيا بل تعبديا سمي استصحاب الطهارة بالاصل الحاكم ، أي الرافع لموضوع الأصل الآخر رفعا تعبديا في مقابل الأصل الوارد الذي يرفع موضوع الأصل الآخر رفعا حقيقيا

(٢) وقد يعبر عنهما بالاصلين الطوليين ، أي ان أحدهما وهو أصل الطهارة في طول عدم استصحاب الطهارة

٢٤٨

وبإتضاح هذه الطولية يتضح ان أصل الطهارة رقم (٢) لا يمكن ان يدخل في مجال المعارضة مع صاحبيه فلا يمكن ان يقف إلى جانب صاحبه ـ وهو استصحاب الطهارة ـ في مقابل أصل الطهارة رقم (١) ، إذ استصحاب الطهارة ما دام حيا ولم يمت بالمعارضة مع أصل الطهارة رقم (١) فلا وجود لأصل الطهارة رقم (٢) ليقف إلى جانب استصحاب الطهارة ويموت بالمعارضة مع أصل الطهارة رقم (١) بل لا بدّ وان يموت استصحاب الطهارة أوّلا بسبب المعارضة مع أصل الطهارة رقم (١) وبعد ذلك تتولد الحياة في أصل الطهارة رقم (٢).

وقد سجل الشيخ العراقي هذه الحالة نقضا على مسلك الاقتضاء الذي اختاره الميرزا وقال إنّه بناء على المسلك المذكور يلزم الحكم بطهارة إناء رقم (٢) في الحالة المذكورة لجريان أصل الطهارة فيه بلا معارض والحال ان الحس المتشرعي يأبى عن الحكم بجواز ارتكاب أحد طرفي العلم الإجمالي ، فالصناعة الاصولية وان لم تأب عن جواز ارتكاب إناء رقم (٢) والحكم بطهارته طبقا لأصالة الطهارة الجارية فيه بلا معارض ولكن الحس المذكور يأبى عن ذلك.

وهذا ان دلّ على شيء فإنما يدل على بطلان مسلك الاقتضاء الذي لازمه إمكان الترخيص في بعض الأطراف (١) وبالتالي عدم وجوب الموافقة القطعية.

__________________

(١) وهناك محاولات للتخلص من النقض المذكور لم يشر في الكتاب إلى شيء منها.

وفي تعبير السيد الشهيد بكلمة « قد » حيث قال فقد يقال ... إشارة إلى تضعيف نقض الشيخ العراقي.

والظاهر ان تمامية هذه الحالة لا تتوقف على افتراض الحكومة إذ استصحاب الطهارة ان لم يكن حاكما على أصالة الطهاره وقعت المعارضة بين أصلي الطهارة وابتلى بالإجمال في داخله ـ

٢٤٩

هذا على مسلك الاقتضاء. وأما على مسلك العلية فلا يجري الأصل المذكور وان لم يكن له معارض وبالتالي تجب الموافقة القطعية. وبهذا تظهر الثمرة بين المسلكين.

الحالة الثانية

وقبل توضيح الحالة الثانية نشير إلى مقدمة وهي ان الشكّ في نجاسة الشيء له شكلان ، فتارة يشك في نجاسته الذاتية واخرى يشك في نجاسته العرضية ، فنجاسة الماء الذي يشك في تنجسه بالبول نجاسة عرضية ، إذ الماء في نفسه طاهر وإنّما يشك في عروض النجاسة عليه بسبب البول ، وهذا بخلاف الشكّ في نجاسة الخمر فإنه ليس شكا في عروض نجاسة من الخارج عليه وإنّما يحتمل نجاسته في نفسه.

وبعض الفقهاء يرى انّ قاعدة الطهارة يختص جريانها بالموارد التي يشكّ في نجاستها العرضية ولا تشمل حالة الشك في النجاسة الذاتية ، فهي تجري لإثبات طهارة الماء الذي يشك في تنجسه بالبول مثلا ولا تجري لإثبات طهارة مثل الخمر (١).

__________________

ـ ولم يدخل الاستصحاب في مجال المعارضة لأنّ أصلي الطهارة ما داما من سنخ واحد فدليل قاعدة الطهارة يكون قاصرا عن إثبات قاعدة الطهارة ويجري الاستصحاب بلا معارض.

أجل بناء على الحكومة يكون الأصل الجاري بلا معارض هو قاعدة الطهارة في الإناء الثاني بينما بناء على عدم الحكومة يكون ذلك الأصل هو استصحاب الطهارة

(١) بتقريب ان مدرك أصالة الطهارة اما موثقة عمار الساباطي التي تقول : « كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر » أو هو الروايات الخاصة الواردة في المجالات الخاصة من قبيل قول ـ

٢٥٠

وباتضاح هذه المقدمة نقول في توضيح الحالة المذكورة : لو فرض لدينا سائلان نعلم اجمالا أما الأوّل منهما خل تحول إلى الخمر والثاني منهما ماء طاهر أو ان الثاني منهما ماء تنجس بالبول والأوّل منهما خل لم يتحول إلى خمر فأحدهما نجس حتما والآخر طاهر حتما ولكن النجس منهما ان كان هو الأوّل واقعا فنجاسته ذاتية (١) ، وان كان هو الثاني فنجاسته عرضية.

وفي مثل ذلك يجري في الإناء الأوّل استصحاب الطهارة ـ حيث إنّه كان خلا سابقا ويشك في تبدله إلى الخمرية ـ دون أصالة الطهارة لأنّ الشكّ ليس في طرو نجاسة عليه من الخارج بينما في الإناء الثاني يجري استصحاب الطهارة وأصالة الطهارة.

وإذا تجلت فرضيات المثال المذكور نقول : ان الاستصحاب لا يمكن جريانه في كلا الإنائين ـ للزوم الترخيص في المخالفة القطعية ـ ولا في أحدهما لكونه ترجيحا بلا مرجح. ومع عدم جريان الاستصحاب يجري أصل الطهارة في الإناء الثاني بلا معارض ، إذ المعارض أمّا استصحاب الطهارة في الإناء الأوّل ، والمفروض سقوطه بالمعارضة ، أو أصالة الطهارة في الإناء الأوّل ، والمفروض

__________________

ـ أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا أبالي أبول اصابني أو ماء ». وكلاهما لا يمكن التمسك به لاثبات الطهارة عند الشكّ في النجاسة الذاتية.

أما الأوّل فلإحتمال ان « قذر » فعل ماض أي قذر أو بتعبير آخر حتى تعلم أنه تقذر ، وبناء عليه تكون الرواية خاصة بموارد الشك في التقذر الطارئ.

وأمّا الثاني فلأن الروايات الخاصة واردة في موارد النجاسة الطارئة فان الشكّ في أصابة البول أو الماء للبدن شكّ في تنجس طارئ

(١) لأن الخمر نجس في ذاته وليس بسبب طارئ

٢٥١

قصوره في نفسه عن الجريان.

وينبغي ان يكون واضحا ان هذه الثمرة تتم حتى لو لم نقل بحكومة استصحاب الطهارة على أصل الطهارة ـ بخلافه في الثمرة الاولى فإنها لا تتم إلاّ بناء على الحكومة ـ والوجه في ذلك : ان الأصلين ـ وهما الاستصحابان ـ في هذه الحالة هما من سنخ واحد فيكون دليل الاستصحاب مبتلى بالإجمال في حدّ نفسه فيجري أصل الطهارة بلا حاجة إلى فرض الحكومة بخلافه في الحالة الاولى فإن أصل الطهارة والاستصحاب ليسا من سنخ واحد (١).

الحالة الثالثة

وفي هذه الحالة نفترض وجود انائين رقم (١) ورقم (٢) نعلم إجمالا بطرو النجاسة على أحدهما ، ونفترض أيضا ان الحالة السابقة لكل منهما معلومة وهي

__________________

(١) قد يقال : ذكر في هذه الحالة عدم الحاجة إلى افتراض الحكومة إذ الاستصحاب في هذا الإناء مع الاستصحاب في ذاك الإناء حيث انهما من سنخ واحد فدليل الاستصحاب يصبح مجملا لا يمكنه ان يشملها معا ، ومع إجماله يجري أصل الطهارة في الطرف الثاني دون معارض ، من دون فرق بين البناء على الحكومة وعدمه.

هكذا ذكر. وقد يقال : ان نفس هذا يمكن تسريته إلى الحالة الاولى أيضا فيقال إنّه لا حاجة الى افتراض الحكومة فيها ، إذ أصل الطهارة في ذاك الإناء مع أصل الطهارة في هذا الإناء هما من سنخ واحد ، وبسبب وحدة السنخ يصبح دليل أصل الطهارة مجملا فيتمسك بالاستصحاب الجاري في أحد الطرفين دون مانع بلا حاجة إلى افتراض الحكومة.

والجواب : ان هذا كلام وجيه ، ولكن حيث ان الحالة الاولى ذكرها الشيخ العراقي وقد بناها هو قدس‌سره على الحكومة لذا بناها السيد الشهيد أيضا على الحكومة ، وإذا لم يبنها على الحكومة صارت عين الحالة الثانية

٢٥٢

الطهارة ، أي انّ كلا منهما يجري فيه استصحاب الطهارة ، ونفترض فرضية ثالثة وهي ان إناء رقم (٢) كان سابقا طاهرا ونجسا بحيث طرأت عليه حالتان : الطهارة والنجاسة ولا نعلم الحالة المتقدمة منهما على الاخرى.

في مثل ذلك يجري استصحاب الطهارة في إناء رقم (١) بلا ان يعارضه استصحاب آخر في إناء رقم (٢) إذ استصحاب الطهارة في إناء رقم (٢) مبتلى في نفسه بالمعارض وهو استصحاب النجاسة حيث ان المفروض ثبوت الطهارة والنجاسة في الإناء المذكور ، فكما يجري استصحاب الطهارة فيه يجري استصحاب النجاسة أيضا فيتعارضان ويسقطان (١) ويبقى استصحاب الطهارة في إناء رقم (١) جاريا بلا معارض.

وفي مثل هذه الحالة تظهر الثمرة بين مسلك العلية ومسلك الاقتضاء ، فعلى مسلك العلية لا يجري الاستصحاب المذكور وان لم يكن له معارض بينما على مسلك الاقتضاء يجري.

هذا بناء على ان استصحاب الطهارة في إناء رقم (٢) لا يجري لمعارضة استصحاب النجاسة له فيجري استصحاب الطهارة في إناء رقم (١) بلا معارض. ولكن هناك رأي يقول ان استصحاب الطهارة في إناء رقم (٢) ليس معارضا لاستصحاب النجاسة فقط بل يقف معارضا لاستصحاب الطهارة في إناء رقم (١)

__________________

(١) التعبير بجريان استصحاب النجاسة والطهارة وتساقطهما فيه شيء من المسامحة إذ لا معنى لأن يعبدنا الشارع بجريان الاستصحابين المتعارضين ثم الحكم بتساقطهما.

والتعبير الصحيح بلا مسامحة : ان دليل الاستصحاب قاصر عن شمول الاستصحابين لتعارضهما فلا يجر لان أصلا

٢٥٣

أيضا ، ومعه فيسقط الجميع بالمعارضة ولا يبقى لدينا أصل يجري بلا معارض. وبناء على هذا لا تظهر ثمرة عملية بين المسلكين وإنّما تظهر على الرأي الأوّل فقط.

وتحقيق ما هو الصحيح من هذين الرأيين يترك لبحث الخارج.

خلاصة ما تقدّم

والخلاصة من كل ما تقدم ان العلم الإجمالي : ـ

١ ـ يستدعي حرمة المخالفة القطعية ـ بمعنى حرمة ارتكاب كلا الإنائين معا ـ من دون فرق بين رأي المشهور القائل بقبح العقاب بلا بيان ورأي السيد الشهيد القائل بمنجزية الإحتمال.

٢ ـ ويستدعي أيضا وجوب الموافقة القطعية ، بمعنى أنه يجب ترك كلا الإنائين ولا يجوز ارتكاب حتى الواحد منهما ، وذلك من جهة ان إحتمال الحرمة الثابت في كل إناء ينجز وجوب تركه فان إحتمال التكليف منجز على مسلك حق الطاعة.

أجل الإحتمال منجز في نظر العقل بشرط عدم ترخيص الشارع في ارتكاب كلا الإنائين وإلاّ لم يكن منجزا ، فان حكم العقل بمنجزية الإحتمال معلق على عدم ترخيص الشارع في مخالفة الإحتمال ، ومن هنا لم يكن الإحتمال منجزا إلاّ إذا تعارضت الاصول في الطرفين فإنّه بعد المعارضة والتساقط لا يبقى ترخيص في أحد الطرفين فيكون الإحتمال منجزا.

وبهذا نعرف ان توقف المنجزية على تعارض الاصول في الأطراف لا يختص

٢٥٤

برأي الميرزا بل على رأي السيد الشهيد أيضا كي يصير الإحتمال منجزا.

أجل بناء على رأي الشيخ العراقي القائل بمسلك العلية لا يحتاج إلى افتراض تعارض الاصول.

لا يقال : بعد افتراض تعارض الاصول لماذا تنسب المنجزية إلى العلم الإجمالي بل المناسب على رأي السيد الشهيد نسبتها إلى الإحتمال بان يقال الإحتمال منجز ولا يقال العلم الإجمالي منجز؟

والجواب : ان العلم الإجمالي حيث انّه السبب لتعارض الاصول في الأطراف وتساقطها ـ إذ لولاه لم تتعارض الاصول وتتساقط ـ الموجب ذلك لصيرورة الإحتمال منجزا صح نسبة المنجزية إلى العلم الإجمالي.

العلم الإجمالي بأحد نوعي التكليف منجز

العلم الإجمالي تارة يتعلق بنوع واحد للتكليف واخرى يتعلق بثبوت أحد نوعين للتكليف.

مثال الأوّل : العلم الإجمالي بالحرمة الثابتة أمّا في هذا الإناء أو في ذاك ، فان الحرمة نوع واحد للتكليف.

ومثال الثاني : إذا علم المكلّف بأنّه نذر امّا ترك التدخين أو فعل قراءة القرآن ، فان التردد في النذر المذكور يوجب العلم اجمالا أما بحرمة التدخين أو وجوب القراءة.

والعلم الإجمالي منجز حتى في الحالة الثانية لأنّ أصالة البراءة عن حرمة التدخين ما دامت معارضة لأصالة البراءة عن وجوب القراءة يصير الإحتمال في

٢٥٥

كلا الطرفين منجزا.

العلم الإجمالي بموضوع التكليف

العلم الإجمالي تارة يتعلق بالتكليف كالعلم بثبوت الوجوب اما للظهر أو للجمعة. ومثل هذا العلم لا إشكال في كونه منجزا.

واخرى يتعلق بموضوع التكليف كالعلم الإجمالي بنجاسة اما هذا الماء أو ذاك الماء ـ فان النجاسة ليست حكما تكليفيا وإنّما هي موضوع لحرمة الشرب التي هي حكم تكليفي ـ ومثل هذا العلم الإجمالي منجز أيضا ، إذ العلم بثبوت النجاسة في أحد الإنائين يستلزم العلم بثبوت حرمة الشرب لأحد الإنائين.

ومن هنا فلا فرق في منجزية العلم الإجمالي بين كونه متعلقا بنفس التكليف أو بالموضوع.

يلزم العلم بكامل الموضوع

والموضوع الذي يتعلق به العلم تارة يكون موضوعا كاملا للتكليف كالعلم بثبوت النجاسة لأحد المائين ، فان نجاسة الماء موضوع كامل لحرمة الشرب.

واخرى يكون جزء موضوع التكليف كالعلم الإجمالي بنجاسة أمّا هذه الحديدة أو تلك الحديدة ، فان نجاسة الحديدة ليست موضوعا كاملا لتكليف ، فلا يحرم حمل الحديدة النجسة ولا يحرم حفظها ولا ... أجل لو لاقت الحديدة الماء ثبتت حرمة شربه ، ولكن هذه الحرمة ليس موضوعها نجاسة الحديدة فقط

٢٥٦

بل نجاسة الحديدة مع ملاقاتها للماء ، فنجاسة الحديدة جزء موضوع الحكم بحرمة الشرب وليست تمام الموضوع له.

وبإتضاح هذا نقول إنّ العلم الإجمالي بالموضوع إنّما يكون منجزا فيمّا لو كان الموضوع موضوعا كاملا دون ما إذا كان جزء الموضوع ، إذ العلم بتحقق الموضوع الكامل يستلزم العلم بثبوت التكليف دون العلم بجزء الموضوع فإنّه لا يستلزم ذلك (١).

كما وينبغي الالتفات إلى ان الموضوع الكامل يلزم ان يكون موضوعا كاملا على كلا التقديرين لا على أحد تقديرين دون آخر.

مثال الموضوع على كلا التقديرين : العلم بنجاسة أمّا هذا الماء أو ذاك الماء ، فإنّ النجاسة على تقدير ثبوتها لهذا الماء فهي موضوع كامل لحرمة شربه وعلى تقدير ثبوتها لذاك الماء فهي موضوع كامل لحرمة شربه أيضا.

ومثال الموضوع على أحد تقديرين : العلم الإجمالي بنجاسة أمّا هذا الماء أو تلك الحديدة ، فإنّ النجاسة على تقدير ثبوتها للماء هي موضوع كامل لحرمة شربه وعلى تقدير ثبوتها للحديدة هي جزء الموضوع.

والعلم الإجمالي بالموضوع إذا لم يكن علما إجماليا بالموضوع على كلا التقديرين فهو ليس بمنجز لأنّه لا يكون علما بثبوت التكليف الفعلي حتى يكون منجزا بل هو شكّ في ثبوته ، إذ على تقدير ثبوت النجاسة للماء تكون الحرمة ثابتة وأمّا على تقدير ثبوتها للحديدة فهي ليست بثابتة. والعلم الإجمالي إنّما

__________________

(١) طبيعي فيما إذا لم يكن الجزء الثاني ـ وهو الملاقاة ـ معلوم التحقق

٢٥٧

يكون منجزا لو كان علما بثبوت التكليف الفعلي دون ما إذا كان مستلزما للشكّ في ثبوت التكليف لا العلم به.

الضابط العام

والضابط العام لمنجزية العلم الإجمالي هو أن يكون موجبا للعلم بتحقق التكليف الفعلي ، فمتى لم يكن موجبا لذلك ـ كالعلم بثبوت جزء الموضوع أمّا على كلا التقديرين أو على تقدير دون تقدير ـ فلا يكون منجزا ، ومع عدم منجزيته فلا مانع من جريان الاصول في أطرافه ، ولكن بقدر الحاجة لا أكثر. فمثلا العلم الإجمالي بنجاسة أمّا هذه الحديدة أو ذاك الماء ليس منجزا لأنّه ليس علما بالموضوع الكامل على كلا التقديرين بل على تقدير دون آخر ، ومعه فلا مانع من جريان أصل الطهارة بالنسبة إلى الماء ، ويترتّب على ذلك أثر عملي وهو جواز شربه ولا يجري بالنسبة إلى الحديدة لعدم ترتّب أثر عملي على نجاستها.

قوله ص ٩٨ س ١٦ : انّ المقتضي لها إثباتا : وهو الشكّ في الطهارة فإنّه المقتضي لأصالة الطهارة إثباتا ، أي بحسب لسان الأدلة.

قوله ص ٩٩ س ٥ : الأصل الطولي : وهو أصالة الطهارة في الطرف الثاني ، وهي أصل طولي ، أي في طول عدم جريان استصحاب الطهارة.

قوله ص ١٠٠ س ٢ : أن يكون الأصل المؤمن : أي يكون استصحاب الطهارة في إناء رقم ٢ مبتلى باستصحاب النجاسة الذي هو أصل منجز لوجوب الاجتناب.

قوله ص ١٠٠ س ١١ : المبتلى : أي الجاري في اناء رقم ٢ الذي هو مبتلى

٢٥٨

باستصحاب النجاسة.

قوله ص ١٠٠ س ١٧ : وانه كلما الخ : هذا اشارة إلى استدعاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية.

قوله ص ١٠١ س ١٣ : على كل تقدير أو على بعض التقادير : سيأتي منه قدس‌سره في الصفحة التالية ذكر الامثلة لذلك.

قوله ص ١٠١ س ١٧ : اما الأوّل : أي عدم منجزية العلم الإجمالي بنجاسة احدى الحديدتين.

قوله ص ١٠٢ س ٣ : واما الثاني : أي منجزية العلم الإجمالي بنجاسة احد المائين أو بنجاسة احد الثوبين.

قوله ص ١٠٢ س ٤ : ومثل الأوّل : هذا اشارة الى صورة كون العلم الاجمالي علما بالموضوع الكامل على احد تقديرين.

والمقصود : ان العلم الإجمالي بما يكون جزء الموضوع على كلا التقديرين هو مثل العلم الإجمالي بما يكون جزء الموضوع على احد تقديرين فكلاهما ليس منجزا.

٢٥٩
٢٦٠