الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-27-8
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٦

الموضوعية. ففي مثال التردّد بين صلاة الجمعة والظهر الذي تكون الشبهة حكمية فيه ـ حيث انّ أصل الحكم مشكوك ولا يعلم انّ الثابت هو وجوب الجمعة أو وجوب الظهر ـ لا تجب الموافقة القطعية حيث انّ المعلوم هو أحد الوجوبين ، والأحد يتحقق بالإتيان بإحدى الصلاتين.

أمّا إذا تعلّق الوجوب بشيء مقيّدا بقيد معيّن بحيث كان القيد داخلا تحت العهدة وتردّد أمره ـ القيد ـ بين فردين بنحو الشبهة الموضوعية فتجب الموافقة القطعية بالإتيان بكلا الفردين ، كما لو أمر المولى عبده بإكرام العالم وتردّد العالم بين فردين فإنّ الوجوب حيث لم يتعلّق بأصل الإكرام بل الإكرام المقيّد بكون المكرم عالما فيجب إكرامهما معا ولا يكفي إكرام أحدهما.

والنكتة الفارقة : انّه في الحالة الثانية اشتغلت الذمة بإكرام العالم ، ولإحراز الفراغ اليقيني يلزم إكرام كلا الفردين ، وهذا بخلافه في الحالة الاولى فإنّ الذمة اشتغلت يقينا بإحدى الصلاتين ، والفراغ اليقيني من ذلك يحصل بالإتيان بإحدى الصلاتين ولا حاجة إلى أكثر من ذلك.

ومن خلال هذا اتّضح انّ القائل بمسلك حقّ الطاعة ومنجزية الاحتمال يلزمه القول بوجوب الموافقة القطعية ، وأمّا القائل بقاعدة قبح العقاب فينبغي له التفصيل بين ما إذا كانت الشبهة حكمية فلا تجب فيها الموافقة القطعية وبين ما إذا كانت الشبهة موضوعية فتجب فيها الموافقة القطعية.

وهنا نريد الاستدراك لنقول : لا تجب الموافقة القطعية في كل شبهة موضوعية بل فيما إذا كان الواجب قد قيّد بقيد تردد بين شيئين ، امّا إذا كانت الشبهة موضوعية من دون أن يؤخذ في الواجب قيد تردّد بين شيئين فلا يتنجز

٢٠١

الطرفان ، كما لو نذر المكلّف متى رزق ولدا ذكرا تصدّق بدينار ومتى ما رزق انثى صلّى ركعتين فإذا فرض انّه رزق طفلا ولسبب وآخر لم يعلم كونه ذكرا أو انثى حصل له علم إجمالي بوجوب التصدّق أو الصلاة ركعتين. والشبهة شبهة موضوعية ـ حيث انّ الحكم واضح والتردّد في الموضوع ـ ولكن مع ذلك لا يتنجز الطرفان إذ لم يعلم المكلّف باشتغال ذمّته بقيد مردّد بين فردين وإنّما يعلم باشتغالها بالجامع أي بأحد الوجوبين.

إذن تنجز الطرفين لا يثبت إلاّ إذا اشتغلت الذمّة بقيد أخذ في الواجب وتردّد بين شيئين فإنّ الذمة ما دامت قد اشتغلت بالقيد فلأجل البراءة اليقينية لا بدّ من الإتيان بكلا الطرفين.

هذا هو الميزان العام في تنجز الطرفين وليس الميزان يدور مدار عنوان الشبهة الموضوعية. ومن هنا نجد عبارة الكتاب قيّدت الشبهة الموضوعية بذلك فقالت : من شبهة موضوعية تردّد فيها مصداق قيد ...

قوله ص ٧٤ س ٥ : ثبوتا أو إثباتا : هذان قيدان للعدم فقط ، أي وعدم جريان جميع الاصول امّا لمحذور ثبوتي أو لمحذور إثباتي. ويأتي بيان المحذور الثبوتي والإثباتي ص ٨٦ من الحلقة.

قوله ص ٧٤ س ٨ : بذاته أو تنجيزه : قوله : « بذاته » إشارة إلى رأي الشيخ العراقي فإنّه قائل بأنّ العلم الإجمالي منجز بذاته أي بقطع النظر عن تعارض الاصول في أطرافه. وقوله : « تنجيزه » إشارة إلى رأي الميرزا القائل بأنّ العلم الإجمالي لا ينجز بذاته بل بسبب تعارض الاصول في أطرافه.

قوله ص ٧٥ س ٧ : ومدى إخراجه : عطف تفسير لقوله : « حدود منجزية

٢٠٢

العلم الإجمالي ». والمقصود : انّه لا بدّ من البحث عن كون الخارج من قاعدة قبح العقاب بسبب العلم الإجمالي هل هو الجامع فقط حتّى يكون المنجز هو الجامع فقط أو انّ الخارج كلا الطرفين لا خصوص الجامع حتّى يكون كلا الطرفين منجزا.

قوله ص ٧٥ س ٩ : بقطع النظر : هذا تفسير لقوله : « في نفسها ».

قوله ص ٧٥ س ١٢ : وعليه فلا شكّ : أي على افتراض قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

قوله ص ٧٦ س ٦ : وتنجّز كل أطرافه : عطف تفسير لقوله : وجوب الموافقة القطعية.

قوله ص ٧٦ س ٩ : من بعض هؤلاء المحقّقين : أي القائلين بكون العلم الإجمالي ينجز وجوب الموافقة القطعية بالمباشرة.

قوله ص ٧٧ س ٩ : بين الحدّين أو الحدود : قوله : « بين الحدّين » ناظر إلى صورة كون العلم الإجمالي ذا طرفين. وقوله : « أو الحدود » ناظر إلى صورة كونه ذا أطراف أكثر.

قوله ص ٧٧ س ١٠ : انكشاف بلا منكشف : أي علم بلا معلوم.

قوله ص ٧٨ س ١٠ : ذو الاضافة : فإنّ العلم لا يوجد وحده بل لا بدّ من إضافته إلى متعلّق يتعلّق به.

قوله ص ٧٨ س ١٣ : كيف يكون لوصف من الخ : أي ليست المشكلة هي أنّ الوصف الاعتباري كيف يتعلّق بالفرد المردّد وتكون له نسبة وإضافة إليه.

قوله ص ٧٨ س ١٦ : في افق الانكشاف : أي في افق العلم وهو الذهن.

٢٠٣

قوله ص ٧٩ س ١ : حتّى في موارد الخطأ : فإنّ العلم لا بدّ له من متعلّق يتعلّق به حتّى في موارد الخطأ ، وليس ذلك المتعلّق إلاّ الصورة الذهنية فالعلم لا ينفك عن الصورة الذهنية حتّى في موارد الخطأ وإنّما ينفك عن المتعلّق الخارجي ، فإنّه في موارد الخطأ لا يكون المتعلّق بالعرض ثابتا في الخارج بينما في مورد الإصابة يكون ثابتا.

قوله ص ٧٩ س ١١ : لا تحكي عن مقدار الجامع ... : لعلّ الأنسب أن يقال : لا تحكي من الخارج عن مقدار الجامع فقط.

قوله ص ٧٩ س ١٢ : فالصورة شخصية : فكما انّ رؤية الشبح شخصية والمرئي شخصي كذلك الصورة الذهنية شخصية ومطابقها شخصي أيضا.

قوله ص ٨١ س ٦ : على هذا المبنى : أي المبنى الثالث الذي هو مبنى الشيخ العراقي.

قوله ص ٨٤ س ٣ : فيما زاد على الجامع : الزائد على الجامع هو خصوصية الطرفين.

قوله ص ٨٥ س ٦ : تبرير : أي توجيه.

بحث الأمر الثاني

قوله ص ٨٦ س ٢ : وامّا الأمر الثاني ... : تقدّم انّ البحث عن قاعدة منجزية العلم الإجمالي يقع في ثلاثة امور. وإلى هنا تمّ الفراغ من الأمر الأوّل ـ وهو أنّ العلم الإجمالي هل هو منجز وبأي مقدار ـ وكانت النتيجة هي أنّه لو بني على قاعدة قبح العقاب فالمقدار المنجز هو الجامع ، أي حرمة المخالفة القطعية

٢٠٤

دون كلا الطرفين وإنّما يتنجز الطرفان فيما إذا قيّد الواجب بقيد دار أمره بين فردين.

وبعد هذا يقع الكلام في الأمر الثاني ، وهو انّ الاصول العملية هل يمكن أن تشمل كلا الطرفين ـ ولازمه جواز المخالفة القطعية ـ أو لا؟

وقد أجاب المشهور (١) حسبما تقدّم في القسم الأوّل من هذه الحلقة ص ٥٦ بالنفي ، أي لا يمكن جريان الاصول في كلا الطرفين إذ لو جرى أصل البراءة عن وجوب الظهر وعن وجوب الجمعة لجاز تركهما ، وحيث انّ ذلك مخالفة قطعية ، والمخالفة القطعية قبيحة فلا يجوز أن تشمل الاصول كلا الطرفين لأنّ لازمه الترخيص في المعصية القبيحة. ومثل هذا المحذور يمكن أن يصطلح عليه بالمحذور الثبوتي.

وتقدّم الجواب عن ذلك وأنّه لا محذور ثبوتي في جريان الأصل في كلا الطرفين لأنّ العقل وإن كان يحكم بقبح المعصية وقبح المخالفة القطعية إلاّ أنّ حكمه هذا معلّق على ما إذا لم يرخّص الشارع نفسه بالمخالفة ولم يجوّز إجراء الأصل في كلا الطرفين وإلاّ فلا يصدق عنوان المخالفة والمعصية بترك الظهر والجمعة معا ، فإنّ صدق عنوان المعصية فرع أن يكون للمولى حقّ الإطاعة فإذا رخّص هو في ترك الطرفين لم يكن له حقّ الإطاعة حتّى يصدق على ترك الصلاتين عنوان المعصية.

إذن شمول الأصل لكلا الطرفين لا محذور فيه عقلا ولا يلزم منه محذور

__________________

(١) وعلى رأسهم الشيخ الأنصاري في الرسائل ص ٢٤١ السطر الأخير من الطبعة القديمة المحشّاة بحواشي رحمة الله

٢٠٥

الترخيص في المعصية القبيحة. ولكن مع ذلك لا يمكن شمول الأصل لكلا الطرفين لمانع عقلائي ، وهو لزوم كون الغرض الترخيصي أهم من الغرض الالزامي.

توضيح ذلك : انّه في مثال الظهر والجمعة يوجد طرفان أحدهما مباح واقعا والآخر واجب واقعا. والغرض الثابت في المباح يفرض على المولى ـ لأجل الحفاظ على تحقّقه الجزمي ـ جعل الإباحة وتشريع أصل البراءة في كلا الطرفين بينما الغرض الثابت في الواجب يفرض على المولى للحفاظ على نفسه جعل الوجوب على كلا الطرفين وعدم تشريع أصل البراءة لا في هذا الطرف ولا في ذاك.

وفي مثل هذه الحالة لو فرض انّ دليل أصل البراءة ـ مثل حديث رفع عن امّتي ما لا يعلمون ـ كان شاملا للطرفين فلازم ذلك تقدّم غرض المباح الذي هو غرض ترخيصي على غرض الواجب الذي هو غرض إلزامي.

وإذا رجعنا إلى الحياة العقلائية لم نجد فيها عادة غرضا غير إلزامي يكون أهمّ من الإلزامي فيما إذا اجتمعا وعلم بثبوتهما معا ـ كما هو الحال في موارد العلم الإجمالي التي يوجد فيها كلا الغرضين : الإلزامي والترخيصي ـ بل كلّما اجتمع الغرضان كان الإلزامي منهما متقدّما على الترخيصي. وإذا سلّمنا بهذا العرف العقلائي كان ذلك نفسه بمثابة قرينة متّصلة بحديث الرفع مثلا موجبة لصرفه إلى خصوص موارد الشبهة البدوية وعدم الشمول لأطراف العلم الإجمالي.

إذن الاصول العملية لا تشمل جميع الأطراف لمانع عقلائي لا عقلي ـ ويمكن تسمية هذا بالمانع الإثباتي ـ فالعقل لا يرى محذورا في الترخيص في كلا

٢٠٦

الطرفين لأهمية الغرض الترخيصي واقوائيّته بالنسبة إلى الغرض الإلزامي ، انّ ذلك محتمل عقلا وممكن إلاّ أنّ العقلاء بما أنّهم أصحاب عادات وأعراف خاصّة يرفضون وجود غرض ترخيصي أهم من الإلزامي عند اجتماعهما معا.

الأصول المؤمنة والمنجزة

انّ الأصلين الجاريين في الطرفين تارة يكونان مؤمّنين واخرى منجزين.

مثال المؤمّنين : ما إذا كان لدينا إناءان وكانت حالتهما السابقة الطهارة ثمّ علمنا بطرو النجاسة على أحدهما. انّ الأصل الجاري في مثل هذه الحالة في كل إناء ـ لو كان جاريا ـ هو استصحاب الطهارة لأنّ الطهارة ثابتة سابقا جزما في كل إناء فإذا شكّ في بقائها جرى استصحابها في كلا الإنائين. ويسمّى استصحاب الطهارة بالأصل المؤمن لأنّه يرخّص في الارتكاب ويأمن من الحرمة والعقوبة.

ومثال الأصل المنجز : ما إذا كانت الحالة السابقة للإنائين هي النجاسة ثمّ علم بطرو الطهارة على أحدهما (١). انّ الأصل الجاري في هذه الحالة ـ لو كان جاريا ـ هو استصحاب النجاسة. ويسمّى بالأصل المنجز لأنّه ينجز على المكلّف ويحتمّ عليه الاجتناب.

__________________

(١) طرو الطهارة على أحدهما له شكلان فتارة تطرء الطهارة على أحدهما ويبقى الآخر على النجاسة جزما ، واخرى تطرأ الطهارة على أحدهما جزما ونحتمل طروّها على الآخر أيضا ، ففي الشكل الأوّل نعلم ببقاء النجاسة في أحدهما بينما في الشكل الثاني لا نعلم بذلك بل نحتمل ارتفاع النجاسة في كليهما

٢٠٧

وبعد اتّضاح هذا نقول : حينما ذكرنا انّ الأصل لا يمكن أن يشمل جميع الأطراف للمحذور العقلي أو العقلائي فالمقصود حالة ما إذا كان الأصل الجاري في الأطراف أصلا مؤمّنا كاستصحاب الطهارة فإنّه يلزم من تطبيقه في كلا الإنائين اللذين يعلم بطرو النجاسة على أحدهما الترخيص في المعصية القبيحة ، امّا إذا كان الأصل الجاري في الطرفين أصلا تنجيزيا فلا يلزم المحذور العقلي ولا العقلائي.

امّا انّه لا يلزم المحذور العقلي فلأنّه لا يلزم من إجراء استصحاب النجاسة في كلا الإنائين الترخيص في ارتكاب النجس بل يلزم الاجتناب عن الطاهر ، وواضح انّ هذا ليس فيه أي محذور إذ الطاهر لا يلزم ارتكابه.

وأمّا انّه لا يلزم محذور عقلائي فلأنّ العقلاء يرفضون تقدّم الغرض الترخيصي على الغرض الإلزامي ، وامّا العكس ـ أي تقدّم الغرض الإلزامي على الترخيصي الذي هو اللازم من إجراء استصحاب النجاسة في الإنائين ـ فهو مألوف بينهم ومناسب للقاعدة.

إذن جريان الاصول المنجزة في جميع الأطراف لا يلزم منه المحذوران السابقان العقلي والعقلائي ، ولكن بالرغم من ذلك قد يدّعى امتناع جريان استصحاب النجاسة في الإنائين لمحذورين آخرين أحدهما ثبوتي والآخر إثباتي وهما : ـ

المحذور الثبوتي

وحاصل المحذور الثبوتي : انّ لازم جريان استصحاب النجاسة في كلا

٢٠٨

الإنائين مع فرض العلم بطرو الطهارة على أحدهما اجتماع النجاسة والطهارة في أحد الإنائين وهو غير ممكن.

ولماذا لا يمكن اجتماع النجاسة والطهارة في الإناء الواحد؟ يمكن أن يقرّب ذلك بأحد بيانين ، فأمّا ان يقرب ببيان انّ النجاسة والطهارة حكمان متضادّان ، فالنجاسة عبارة عن وجوب الاجتناب والطهارة عبارة عن عدم وجوب الاجتناب وهما حكمان متضادّان لا يمكن اجتماعهما في شيء واحد في عالم التشريع.

أو يقرب ببيان انّ الطهارة تستدعي أن يكون المكلّف مطلق العنان من حيث الارتكاب وعدمه بينما النجاسة تستدعي تضييق العنان وعدم الارتكاب ، وواضح انّ إطلاق العنان وتضييقه لا يمكن اجتماعهما فتلزم المنافاة في مقام العمل والامتثال.

والفرق بين البيانين انّ البيان الأوّل ناظر إلى لزوم المحذور بلحاظ عالم التشريع بينما البيان الثاني ناظر إلى لزومه بلحاظ عالم الامتثال.

وكلا هذين البيانين قابل للمناقشة.

امّا البيان الأوّل فلأنّ النجاسة والطهارة وإن كانا حكمين متضادّين إلاّ أنّ أحدهما واقعي ـ وهو الطهارة ـ والآخر ظاهري وهو النجاسة ، وقد تقدّم في القسم الأوّل من الحلقة التوفيق بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري واتّضح انّ بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي كمال الملائمة وإن المنافاة ثابتة بين خصوص الحكمين الواقعيين ـ كالطهارة الواقعية والنجاسة الواقعية ـ دون الظاهري والواقعي.

٢٠٩

وبتعبير آخر : انّ ما يدفع به التنافي بين الحكم الظاهري والواقعي في سائر الموارد يدفع به التنافي في المقام إذ النجاسة ظاهرية والطهارة واقعية.

وأمّا البيان الثاني فلأنّ الطهارة لا تقتضي إطلاق العنان ما دام موضوعها مردّدا بين الإنائين ، فإنّ الطهارة لا يعلم ثبوتها في هذا الإناء أو في ذاك الإناء ، وما دام لا يعلم ثبوتها في إناء معيّن فلا تقتضي إطلاق العنان ؛ إذ لو كانت تقتضي ذلك فهي امّا أن تقتضي جواز ارتكاب كلا الإنائين ، وهو باطل جزما لأنّ أحدهما نجس لا يجوز ارتكابه ، أو تقتضي جواز ارتكاب أحدهما فقط ، وهو باطل أيضا لأنّه ترجيح بلا مرجّح.

هذا كلّه في المحذور الثبوتي ، وقد اتّضح بطلانه.

المحذور الإثباتي

وأمّا المحذور الإثباتي فقد ذكر الشيخ الأعظم قدس‌سره في الرسائل انّ دليل الاستصحاب قاصر الدلالة عن الشمول لجميع أطراف العلم الإجمالي للزوم التهافت بين صدره وذيله ، فإنّ بعض روايات الاستصحاب ورد فيها ذيل وهو « ولكن انقض اليقين باليقين » فالرواية هكذا : « لا تنقض اليقين بالشكّ ولكن انقض اليقين باليقين » ، انّ هذه الرواية لها صدر ، وهو الفقرة الاولى أي « لا تنقض اليقين بالشكّ » ولها ذيل وهو الفقرة الثانية أي « ولكن انقض اليقين باليقين ».

ولو نظرنا إلى الإناء الأوّل بخصوصه رأينا فيه يقينا سابقا بالنجاسة وشكّا لا حقا بالطهارة ، وهكذا لو نظرنا إلى الإناء الثاني رأينا فيه ذلك ، ولازم ذلك

٢١٠

بمقتضى الصدر جريان استصحاب النجاسة في كلا الإنائين. بينما لو نظرنا إلى الذيل فاللازم عدم جريان الاستصحاب في كليهما وإنّما يجري في أحدهما فقط لأنّ الذيل يقول « انقض اليقين باليقين » ، وواضح انّ كل واحد من الإنائين وإن كان فيه يقين بالنجاسة إلاّ أنّ أحد الإنائين كما فيه يقين بالنجاسة فيه أيضا يقين بالطهارة فيلزم عدم جريان استصحاب النجاسة فيه. وعلى هذا يحصل الإجمال في الرواية لحصول التهافت بين الصدر والذيل حيث انّ الصدر يقول اجر الاستصحاب في كلا الطرفين بينما الذيل يقول لا تجره في كليهما بل في أحدهما.

ومن أجل إشكال التهافت هذا اختار الشيخ الأعظم قدس‌سره عدم جريان الاستصحاب لا في بعض الأطراف للزوم محذور الترجيح بلا مرجّح ولا في جميع الأطراف للزوم محذور التهافت.

وهذا من دون فرق بين أن يكون الاستصحابان استصحابين مؤمّنين أو منجزين. وإنّما خصص قدس‌سره الإشكال بالاستصحابين المنجزين من جهة انّ الاستصحابين المؤمّنين يوجد مانع آخر من جريانهما وهو المحذور العقلي المتقدّم ، أي لزوم الترخيص في المعصية القبيحة.

مناقشة محذور التهافت

واجيب عن محذور التهافت هذا بجوابين : ـ

١ ـ انّ الذيل المذكور ـ وهو فقرة ولكن انقض اليقين باليقين ـ لا يوجد في جميع روايات الاستصحاب بل في رواية واحدة ، ومعه فالإجمال يلزم في هذه الرواية الواحدة المشتملة على الذيل ، وأمّا بقية الروايات ـ التي ذكرت الفقرة

٢١١

الاولى فقط أي فقرة لا تنقض اليقين بالشكّ ـ فلا إجمال فيها ويتمسّك بإطلاقها.

وبكلمة اخرى : متى ما كان لدينا روايتان أحدهما مجملة والاخرى غير مجملة لم يكن إجمال المجملة مانعا من التمسّك بالرواية غير المجملة (١).

٢ ـ انّ إشكال التهافت باطل من أساسه لأنّ ظاهر الذيل « ولكن انقض اليقين باليقين » انّ اليقين الناقض لا بدّ وأن يكون على منوال اليقين المنقوض فإذا كان لنا يقين بطهارة هذا الثوب الخاص المعيّن فاليقين الناقض لا بدّ وأن يكون هو اليقين بنجاسة هذا الثوب الخاص أيضا ، ونحن لو نظرنا إلى مقامنا لوجدنا انّ لنا يقينا بنجاسة الإناء الأوّل بخصوصه كما ولنا يقين ثان بنجاسة الإناء الثاني بخصوصه بينما اليقين الطارئ بعد ذلك هو اليقين بطهارة أحدهما على سبيل الإجمال ، فاليقين الناقض يقين إجمالي بينما اليقين المنقوض يقين تفصيلي ، وأحد اليقينين حيث انّه ليس على منوال الآخر فلا يكون أحدهما ناقضا للثاني فالذيل

__________________

(١) قد يقال : لماذا لا نطبّق قانون الإطلاق والتقييد في المقام بأن نقول انّ الرواية المشتملة على الذيل تصير مقيّدة للروايات التي لا تشتمل على الذيل؟

والجواب : انّ مجال قانون الإطلاق والتقييد هو ما إذا ورد لفظ واحد ـ كلفظ رقبة ـ في رواية مطلقا وورد في رواية ثانية مقيدا ، وامّا إذا وردت روايتان إحداهما ذكرت جملتين والاخرى ذكرت جملة واحدة فلا معنى لكون الاولى مقيّدة للثانية ، نظير ما إذا وردت رواية تقول : « صل صلاة الليل واغتسل للجمعة » ووردت رواية اخرى تقول : صل صلاة الليل » من دون أن تذكر جملة « واغتسل الجمعة » فإنّه لا معنى لكون الاولى مقيّدة للثانية.

والمقام من هذا القبيل فإنّ الرواية المشتملة على الذيل ليست من قبيل المقيّد إذ جملة « ولكن انقض اليقين باليقين » لا تعدّ تقييدا لحكم « لا تنقض اليقين بالشكّ » المذكور في الصدر وإنّما هو بيان لمطلب ثان إضافي

٢١٢

المذكور يختص بالموارد التي يكون فيها اليقين الناقض واليقين المنقوض على منوال واحد بأن يكونا معا يقينين تفصيليين.

تعبير اصولي

ومن خلال هذا كلّه اتّضح ان الاستصحابين إذا كانا مؤمّنين فلا يجريان للمحذور العقلي أو العقلائي ، وأمّا إذا كانا منجزين فلا مانع من جريانهما ؛ إذ أقصى ما يلزم إشكال التهافت الذي ذكره الشيخ الأعظم ، وهو مدفوع بالوجهين السابقين.

ومن هنا نعرف معنى العبارة الاصولية المشهورة التي تقول : لا مانع من جريان الاصول في أطراف العلم الإجمالي إذا لم يلزم من جريانها مخالفة عملية قطعية ، فإنّهم بهذه العبارة يريدون القول بأنّ الاستصحابين إذا كانا منجزين فلا مانع من جريانهما لأنّه لا يلزم من جريانهما معا إلاّ التجنّب عن الإنائين الذين نعلم بطهارة أحدهما ، وهذا ليس فيه مخالفة عملية ، وإنّما المخالفة العملية تختص بصورة ما إذا كان الاستصحابان مؤمّنين إذ لازم جريان استصحاب الطهارة في كلا الإنائين ارتكاب كلا الإنائين الذين نعلم بنجاسة أحدهما ، وهو مخالفة عملية.

قوله ص ٨٦ س ٣ : بلحاظ مقام الثبوت : أي بلحاظ انّه هل يوجد محذور عقلي في الترخيص في كلا الطرفين ـ كمحذور الترخيص في المعصية القبيحة ـ أو لا.

قوله ص ٨٦ س ٣ ومقام الإثبات : أي بلحاظ انّه هل يوجد محذور عقلائي من شمول أدلّة الاصول لجميع الأطراف.

٢١٣

قوله ص ٨٦ س ٦ : لأدائه الخ : أي للمحذور الثبوتي.

قوله ص ٨٦ س ٨ : غير أنّ ذلك ليس عقلائيا : أي للمحذور الإثباتي.

قوله ص ٨٦ س ١١ : انّ ذلك : أي استحالة جريان الاصول في جميع الأطراف للمحذور الثبوتي أو الإثباتي.

قوله ص ٨٦ س ١٢ : الاصول الشرعية المنجزة للتكليف : كاستصحاب النجاسة فإنّه منجز لوجوب الاجتناب.

قوله ص ٨٦ س ١٣ : فلا محذور ثبوتا ولا إثباتا : أي لا يرد فيها المحذور العقلي ـ وهو الترخيص في المعصية القبيحة ـ ولا المحذور العقلائي وهو لزوم كون الغرض الترخيصي أهم من الغرض الإلزامي.

قوله ص ٨٦ س ١٤ : إذا كان كل طرف موردا لها في نفسه : بأن كان فيه يقين سابق بالنجاسة وشكّ لا حق في ارتفاعها.

وقوله : « في نفسه » أي بقطع النظر عن العلم الإجمالي بطرو الطهارة على أحدهما.

قوله ص ٨٦ س ١٥ : أكثر من تكليف واحد : أي أكثر من نجاسة واحدة في المثال المتقدّم ، فإنّ كل نجاسة لها تكليف وهو بوجوب الاجتناب.

قوله ص ٨٦ س ١٧ : ومنه يعلم : أي يعلم من استصحاب النجاسة في كل واحد من الإنائين وعدم مانعية العلم بارتفاع إحدى النجاستين وبقاء الاخرى ، يعلم من هذا انّ استصحاب النجاسة يجري في كل واحد من الإنائين حتّى في حالة العلم بارتفاع إحدى النجاستين حتما واحتمال ارتفاع الاخرى أيضا ، أي بأن كنّا نعلم إجمالا بطرو الطهارة على واحد منهما جزما وكنّا نحتمل طرو الطهارة على

٢١٤

الثاني منهما أيضا فلم نعلم ببقاء النجاسة لا في كليهما ولا في أحدهما.

قوله ص ٨٧ س ٢ : ولا ينافي ذلك ... الخ : هذا راجع إلى كلتا الحالتين ، أي حالة العلم بارتفاع النجاسة عن واحد وبقائها في الثاني وحالة العلم بارتفاعها عن واحد قطعا مع احتمال ارتفاعها عن الثاني أيضا.

وقوله : « لا ينافي ذلك » أي لا ينافي جريان استصحاب النجاسة في كلا الإنائين.

قوله ص ٨٧ س ٣ : بطهارة بعض الأواني : فإنّه في كلتا الحالتين يعلم بطهارة أحد الإنائين جزما ولكن في الحالة الاولى يعلم ببقاء النجاسة في الثاني بينما في الحالة الثانية لا يعلم ببقائها في الثاني بل يحتمل ارتفاعها.

قوله ص ٨٧ س ٤ : عنها : الضمير يرجع إلى بعض الأواني. والتأنيث باعتبار الإضافة إلى المؤنّث وهو الأواني.

قوله ص ٨٧ س ٥ : والحكم الترخيصي : أي الطهارة المعلومة في أحدهما. وقوله : « الاصول المنجزة » إشارة إلى استصحاب النجاسة في كلّ من الإنائين.

قوله ص ٨٧ س ٦ : أو بلحاظ محذور إثباتي : وهو محذور التهافت الذي أشار له الشيخ الأعظم قدس‌سره.

قوله ص ٨٧ س ٨ : امّا الأوّل : أي المحذور الثبوتي.

قوله ص ٨٧ س ٨ : الالزامات الظاهرية : أي النجاسة في كل واحد من الإنائين بمقتضى الاستصحاب.

قوله ص ٨٧ س ١١ : بينها : أي الالزامات الظاهرية.

قوله ص ٨٧ س ١٧ : وأمّا الثاني : أي المحذور الإثباتي.

٢١٥

قوله ص ٨٨ س ١ : كما ينهى عن نقض الخ : أي بمقتضى الفقرة الاولى. وقوله : « كذلك يأمر ... » أي بمقتضى الفقرة الثانية.

قوله ص ٨٨ س ٧ : على الأمر والنهي معا : أي على الفقرة الاولى المشتملة على النهي عن نقض اليقين بالشكّ ، والفقرة الثانية المشتملة على الأمر بنقض اليقين باليقين.

وقوله : « لا فيما اختصّ مفاده بالنهي فقط » أي لا ما اشتمل على الفقرة الاولى فقط.

قوله ص ٨٨ س ١٠ : بعين ما تعلّق الخ : فإذا كان اليقين الأوّل متعلّقا بنجاسة إناء معيّن تفصيلا لزم كون اليقين الثاني الناقض متعلّقا بنفس ذلك الإناء المعيّن لا بطهارة إناء غير معيّن.

قوله ص ٨٨ س ١٢ : ومصبه ليس متّحدا : فإنّ مصبّ الحكم الترخيصي ـ أي الطهارة ـ المعلوم بالإجمال هو طهارة أحد الأواني بينما مصبّ الحكم الإلزامي هو نجاسة كل إناء بخصوصه.

بحث الأمر الثالث

كان الكلام فيما سبق عن إمكان جريان الاصول في جميع الأطراف وعدمه. وقد اتّضح انّ الاصول المؤمّنة لا يمكن أن تجري لمحذور عقلائي لا عقلي بينما الاصول المنجزة يمكن أن تجري بلا محذور عقلي ولا عقلائي.

والآن نريد التكلّم عن الأمر الثالث ، أي عن إمكان جريان الاصول في بعض الأطراف لا في جميعها. والكلام في ذلك يقع تارة بلحاظ عالم الثبوت ـ أي

٢١٦

بلحاظ لزوم محذور عقلي من ترخيص ارتكاب بعض الأطراف وعدمه ـ واخرى بلحاظ عالم الإثبات ، أي بلحاظ عالم الأدلة.

عالم الثبوت

وقع البحث عن إمكان الترخيص ثبوتا ـ أي واقعا ـ في أحد الطرفين وهل هو ممكن لا يلزم منه محذور أو لا (١).

وينبغي أن يكون واضحا انّ هذا البحث لا معنى له على رأي من يقول

__________________

(١) قد يقال : ان طرح هذا البحث لغو إذ جريان الأصل في بعض الأطراف دون بعض ترجيح بلا مرجّح فلا يكون ممكنا.

والجواب : انّ لزوم الترجيح بلا مرجّح مانع إثباتي لأنّ معناه انّ دلالة دليل الأصل لا يمكن أن تشمل بعض الأطراف دون بعض لعدم المرجّح ، وكلامنا ليس في عالم الدلالة والإثبات بل في عالم الثبوت بقطع النظر عن دلالة الدليل ، فنحن نبحث هل يمكن واقعا ثبوت الترخيص في بعض الأطراف بقطع النظر عن دلالة الدليل أو لا يمكن ذلك في نفسه وبقطع النظر عن دلالة الدليل.

هذا مضافا إلى أنّه سنذكر فيما بعد بعض الحالات التي يكون جريان الأصل فيها مختصا ببعض الأطراف بدون معارضة ، كما لو فرضنا وجود إنائين رقم (١) ورقم (٢) نعلم إجمالا بنجاسة أحدهما ، ثمّ نفرض ان إناء رقم (٣) لاقى إناء رقم (٢) ، فبعد الملاقاة سوف يحصل علم إجمالي جديد بنجاسة امّا إناء رقم (١) أو مجموع رقم (٢) و (٣). وفي مثل هذه الحالة يتعارض أصل الطهارة في إناء رقم (١) مع أصل الطهارة في إناء رقم (٢) ، وبعد تعارضهما وتساقطهما نرجع إلى أصل الطهارة في إناء رقم (٣).

وقد توجّه بعض الاعتراضات إلى المثال المذكور نتعرّض لها فيما بعد إنشاء الله تعالى ص ٢٥٩

٢١٧

بإمكان الترخيص في كلا الطرفين ـ كما هو مختار السيد الشهيد على ما تقدّم ـ فإنّ إمكان الترخيص في كلا الطرفين يستلزم إمكان الترخيص في الطرف الواحد بطريق أولى.

وهكذا لا معنى لهذا البحث على رأي الميرزا في أجود التقريرات القائل بأنّ العلم الإجمالي لا يقتضي بذاته وجوب الموافقة القطعية ـ أي لزوم الإتيان بالظهر والجمعة معا ـ وإنّما المقتضي لذلك تعارض الاصول.

ووجه ذلك : انّ الاصول إنّما تتعارض في الأطراف وتتساقط ليس إلاّ لأجل انّ جريانها جميعا يستوجب المخالفة القطعية للعلم الإجمالي ، ومن الواضح انّ هذا المحذور يختص بحالة جريان الاصول في جميع الأطراف ، امّا جريانها في طرف واحد فلا يلزم منه ذلك حتّى يمتنع.

وبعد هذا لا يبقى لهذا البحث وجاهة إلاّ على الرأي القائل باستدعاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية بذاته ، فإنّ هذا القائل قد يمنع عن الترخيص حتّى في الطرف الواحد باعتبار انّ ذلك يتنافى ووجوب الموافقة القطعية التي يقتضيها العلم الإجمالي بذاته.

ولكن كيف يطرح هذا البحث على أصحاب هذا القول وبأي صيغة ينبغي أن يكون؟

ينبغي أن يكون البحث حول العلية والاقتضاء فيقال هل العلم الإجمالي يقتضي وجوب الموافقة بنحو لا يمكن للشارع الترخيص حتى في الطرف الواحد ـ وهذا ما يصطلح عليه بأنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية ـ أو يقتضي ذلك فيما إذا لم يرخّص الشارع في الطرف الواحد فإذا رخّص فلا

٢١٨

يكون مقتضيا لذلك ، كالنار حيث انّها تقتضي احتراق الورقة فيما إذا لم تمنع الرطوبة من ذلك. ويسمّى هذا بأنّ العلم الإجمالي مقتضي لوجوب الموافقة القطعية لا علّة.

فالبحث إذن لا بدّ وأن يحوم حول العلية والاقتضاء. ومن هنا وجد مسلكان أحدهما : يقول بأنّ العلم الإجمالي يقتضي وجوب الموافقة بذاته بنحو الاقتضاء. وهذا هو مختار الميرزا في فوائد الاصول.

وثانيهما : يقول بأنّه يقتضي وجوب الموافقة بذاته بنحو العلّة التامّة. وهو مختار الشيخ العراقي.

ومن هنا نعرف أنّ في مسألة تنجيز العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية ثلاثة آراء : ـ

١ ـ انّ العلم الإجمالي لا يقتضي وجوب الموافقة بنفسه وإنّما يقتضيها بسبب تعارض الاصول. وهو مختار الميرزا في أجود التقريرات. واختاره السيد الخوئي أيضا.

٢ ـ انّ العلم الإجمالي يقتضي وجوب الموافقة بنفسه ولكن بنحو الاقتضاء دون العلّة التامّة. وهو مختار الميرزا في فوائد الاصول (١).

٣ ـ انّ العلم الإجمالي يقتضي وجوب الموافقة القطعية بنفسه وبنحو العلّة التامّة. وهو مختار الشيخ العراقي.

__________________

(١) لبحث الميرزا النائيني قدس‌سره تقريران أحدهما للشيخ محمّد علي الكاظمي باسم فوائد الاصول وثانيهما للسيد الخوئي باسم أجود التقريرات. والثاني تقرير لآخر دورة اصولية لبحث الميرزا في الاصول بخلاف الأوّل فإنّه تقرير لدورة أسبق

٢١٩

الفارق الواضح

وقد تسأل عن الفارق الواضح بين الرأي الأوّل والرأي الثاني.

انّ الفارق هو انّه على الرأي الأوّل لا يكون العلم الإجمالي هو المقتضي للزوم الإتيان بالظهر والجمعة معا وإنّما المقتضي له هو احتمال التكليف في كل طرف بعد فرض تساقط الاصول المؤمنة ، فاحتمال التكليف بلا مؤمن هو المقتضي لذلك وليس العلم الإجمالي ، أجل العلم الإجمالي سبب لتعارض الاصول لا أكثر.

وأمّا على الرأي الثاني فالمقتضي لوجوب الموافقة هو العلم الإجمالي لا تعارض الاصول ، غاية الأمر يكون الاقتضاء معلّقا على عدم الترخيص في بعض الأطراف ، نظير النار فإنّها بنفسها تقتضي الإحراق ولكن معلّقا على عدم المانع.

الاستدلال على مسلك العلّية

وبعد ان عرفنا وجود مسلكين في كيفية استدعاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية نأخذ بعرض برهان الشيخ العراقي على مسلك العلّية. وهو مركب من مقدّمتين : ـ

أ ـ انّ كل علم هو علّة تامّة لتنجز معلومه ، فإذا علمت تفصيلا بأنّ هذا الإناء خمر كان العلم المذكور علّة تامّة لوجوب الاجتناب عنه ، بمعنى انّه لا يمكن الترخيص في مخالفته فلا يمكن أن يقول المولى يجوز لك أن تشربه. وهذا واضح.

ب ـ انّ المعلوم في العلم الإجمالي إذا كان هو الجامع فالذي يتنجز هو الجامع ، ولازم تنجزه وجوب تحصيله ، وحيث ان تحصيله يتحقّق بالإتيان بأحد

٢٢٠