الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-27-8
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٦

الحديث يريد أن يقول إن شرب الخمر مثلا إذا تحقّق خطأ فوجوده الخارجي هو بمنزلة العدم وكأنّه لم يوجد ويترتّب على ذلك نفي الحرمة ونفي الحد. وبناء على هذا الاحتمال يصير حديث الرفع أشبه بحديث « لا ربا بين الوالد وولده » فكما أنّ حديث لا ربا ينزل وجود الربا بين الوالد وولده بمنزلة العدم كذلك حديث الرفع ينزل الفعل الصادر خطأ أو نسيانا منزلة العدم.

هذه هي الاحتمالات الثلاثة في المقصود من رفع الخطأ وأخواته.

٢ ـ وحديث الرفع سواء فسّرناه على ضوء الاحتمال الأوّل أم الاحتمال الثاني أو الثالث هو حاكم على أدلة الأحكام الأوّلية لأنّه على جميع هذه الاحتمالات الثلاثة ناظر إلى أدلة الأحكام الأوّلية ويشرحها فهو ناظر إلى مثل دليل شرب الخمر حرام ليقول على الاحتمال الأوّل : إنّ شرب الخمر إذا صدر خطأ أو نسيانا فلا عقوبة عليه بناء على تقدير العقوبة ، وليقول على الاحتمال الثاني : انّ شرب الخمر إذا صدر خطأ أو نسيانا فليس موضوعا للحرمة ، وليقول على الاحتمال الثالث : إنّ شرب الخمر إذا صدر خطأ أو نسيانا فهو بمنزلة العدم.

وقد تسأل إنّ حديث الرفع إذا كان حاكما على أدلّة الأحكام الأوّلية فهل هو ناظر إلى الموضوع في أدلّة الأحكام الأوليّة أو إلى المحمول فيها؟

والجواب : انّه على الاحتمالين الأوّلين يكون ناظرا إلى الحكم والمحمول (١) بينما على الاحتمال الثالث يكون ناظرا إلى الموضوع.

أمّا أنّه على الاحتمال الثالث يكون ناظرا إلى الموضوع فلأنّه على الاحتمال

__________________

(١) الحكم والمحمول شيء واحد فإن كل حكم هو محمول على موضوع القضية

١٠١

المذكور يقول الحديث : ان شرب الخمر ما دام قد صدر خطأ فهو بمنزلة العدم ، ومن الواضح إن شرب الخمر هو موضوع في دليل شرب الخمر حرام.

وبناء على الاحتمال المذكور يصير حديث الرفع أشبه بحديث لا ربا بين الوالد وولده ، فكما أنّ حديث لا ربا ناظر إلى الموضوع في دليل الربا حرام كذلك حديث الرفع ناظر على الاحتمال الثالث إلى الموضوع في دليل شرب الخمر حرام.

وأمّا أنّه على الاحتمال الأوّل يكون حديث الرفع ناظرا إلى الحكم فلأنّه على الاحتمال الأوّل لا بدّ من تقدير لفظ ، وذلك اللفظ إذا كان هو الحكم ـ لا المؤاخذة كما كنّا نفترض ذلك سابقا ـ يصير المعنى : لا حكم في صورة الخطأ والنسيان ، ومن الواضح انّه بناء على هذا يصير حديث الرفع ناظرا إلى الأحكام المذكورة في أدلة الأحكام الأولية ويريد نفيها في صورة الخطأ والنسيان.

وبناء على هذا الاحتمال يصير حديث الرفع أشبه بحديث لا ضرر ، فكما انّ حديث لا ضرر ينفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر كذلك حديث الرفع بناء على هذا ينفي الحكم في صورة الخطأ والنسيان.

وأمّا أنّه على الاحتمال الثاني يكون حديث الرفع ناظرا إلى الحكم أيضا فلأنّه على الاحتمال الثاني يريد حديث الرفع نفي الحكم ولكن بلسان نفي الموضوع.

إذن على كلا الاحتمالين الثاني والأوّل يكون حديث الرفع ناظرا إلى الحكم ويريد نفيه في صورة الخطأ والنسيان ، غاية الأمر بناء على الاحتمال الأوّل يكون الحديث نافيا للحكم بصورة مباشرة بينما على الاحتمال الثاني لا يكون الحديث

١٠٢

نافيا للحكم بصورة مباشرة بل بشكل غير مباشر ؛ إذ هو ينفي الحكم ولكن لا بلسان نفي الحكم بل بلسان نفي الموضوع فهو ينفي الموضوع ويريد بذلك نفي الحكم حيث إنّ ثبوت الموضوع في عالم التشريع هو عبارة اخرى عن ثبوت الحكم ونفي ثبوت الموضوع في عالم التشريع هو عبارة اخرى عن نفي الحكم.

وحديث الرفع بناء على هذا الاحتمال الثاني هو أشبه بحديث لا رهبانية في الإسلام ، فكما أنّ حديث لا رهبانيّة ينفي وقوع الرهبنة موضوعا في عالم التشريع ومقصوده الحقيقي نفي استحبابها كذلك حديث الرفع ينفي وقوع شرب الخمر الصادر خطأ موضوعا في عالم التشريع ومقصوده الحقيقي نفي الحرمة.

٣ ـ وبعد أن عرفنا أنّ الاحتمالات في حديث الرفع ثلاثة علينا الآن أن نعرف أنّ أي واحد من هذه الاحتمالات هو الأرجح؟

أمّا الاحتمال الأوّل ـ وهو تقدير كلمة مؤاخذة أو حكم ـ فهو بعيد لأنّه بحاجة إلى تقدير والأصل عدم التقدير ، ومعه فيكون الراجح هو أحد الاحتمالين الآخرين.

وقد تقول إنّه لا رجحان للاحتمالين الآخرين على الاحتمال الأوّل إذ كما أنّ الاحتمال الأوّل يحتاج إلى عناية ـ وهي عناية التقدير ـ كذلك الاحتمالان الأخيران هما بحاجة إلى عناية ولكنّها غير عناية التقدير ، وتلك العناية وهي كون الحديث ناظرا إلى عالم التشريع فإنّ توجيه نظر الحديث إلى عالم التشريع عناية أيضا ؛ إذ ظاهر الحديث كونه ناظرا إلى عالم الخارج ، وحمله على خلاف ذلك ـ بمعنى حمله على النظر لعالم التشريع ـ حمل له على خلاف ظاهره فيكون عناية أيضا.

١٠٣

وهكذا الاحتمال الثالث يحتاج إلى عناية أيضا فإنّ الاحتمال الثالث وإن كان يحافظ على ظهور الحديث في النظر إلى عالم الخارج ولكن حمل النفي الخارجي على النفي التنزيلي حمل على خلاف الظاهر فيكون عناية.

والجواب : انّ حمل نظر الحديث إلى عالم التشريع أو إلى الرفع التنزيلي وإن كان حملا على خلاف الظاهر فيكون عناية إلاّ أنّ هذه العناية توجد قرينة تساعد عليها ، بخلاف الاحتمال الأوّل فإنّ العناية التي يستدعيها لا توجد قرينة تساعد عليها.

وتلك القرينة هي أنّه لو لم يحمل نظر الحديث إلى عالم التشريع بل أبقي ناظرا إلى عالم الخارج فلازمه أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحكي لنا ما هو ثابت خارجا وكأنّه يقول إنّه خارجا لا يوجد خطأ ولا نسيان ولا ... وواضح أنّ هذا باطل لأنّ ظاهر الحديث حينما يقول رفع عن امّتي ... أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد التكلّم بما هو نبي ومشرّع ولا يريد التكلّم بما هو إنسان عادي يخبر عمّا هو واقع خارجا ، فظهور الحديث في التكلّم بما هو شارع يريد إنشاء الأحكام دون الأخبار عمّا وقع خارجا قرينة تساعد على الاحتمال الثاني.

ونفس الشيء نقوله بالنسبة إلى الاحتمال الثالث فإنّه وإن كان مستلزما للعناية إلاّ أنّها عناية تساعد عليها القرينة فإنّ الحديث إذا كان ناظرا إلى رفع الخطأ والنسيان رفعا خارجيا بلا تنزيل ما هو موجود خارجا منزلة العدم فلازمه أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبر عمّا هو في الخارج ، وواضح أنّ ظاهر الحديث أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما تكلّم فقد تكلّم بما هو مشرّع ومنشأ للأحكام لا بما هو مخبر وقصّاص لما هو حادث في الخارج.

١٠٤

وباختصار : انّ الاحتمالين الأخيرين وإن كانا يستلزمان عناية إلاّ أنّها عناية تساعد عليها القرينة بخلافه على الاحتمال الأوّل فإنّ العناية التي يستدعيها لا تساعد عليها قرينة فإنّ تقدير كلمة محذوفة عناية مخالفة للظاهر حتّى في كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصادر منه بما هو مشرّع ومنشأ.

وبعد أن عرفنا أنّ الاحتمال الأوّل احتمال بعيد وأنّ الاحتمال الراجح هو أحد الأخيرين نأتي الآن لإجراء موازنة بين نفس الاحتمالين الأخيرين لنرى أن أيّهما هو الأرجح؟

والظاهر أنّ الأرجح هو الاحتمال الثاني ؛ إذ الاحتمال الثالث لا يمكن أن يتمّ في جميع الموارد المذكورة في الحديث ، فمثلا لو فرض أنّ المكلّف لم يطق الصوم فتركه بسبب عدم الإطاقة ، في مثل هذه الحالة لا يمكن تطبيق حديث الرفع بناء على الاحتمال الثالث ، فإنّ الاحتمال الثالث ينزّل ما هو موجود خارجا منزلة العدم ـ فشرب الخمر الصادر خطأ شيء موجود خارجا والحديث ينزّله منزلة العدم بناء على الاحتمال الثالث ـ وواضح في حالة ترك المكلّف للصوم بسبب عدم إطاقته له لا يوجد شيء خارجا لينزل منزلة العدم.

وهذا بخلافه على الاحتمال الأوّل والثاني فإنّ حديث الرفع يمكن تطبيقه في هذا المثال ، فعلى الاحتمال الأوّل ترفع المؤاخذة على ترك الصوم ، وعلى الاحتمال الثاني ينفى وقوع ترك الصوم موضوعا للحرمة في عالم التشريع.

٤ ـ وبعد أن عرفنا الاحتمالات الثلاثة في حديث الرفع وعرفنا الراجح منها نأتي الآن للاطلاع على الثمرة المترتبة على الاحتمالات المذكورة. وفي هذا المجال نذكر ثمرتين هما : ـ

١٠٥

أ ـ انّه على الاحتمال الأوّل لا بدّ من تقدير شيء محذوف ، وحيث إنّ ذلك المقدّر مردّد بين خصوص المؤاخذة وبين كونه جميع الآثار فيقتصر على تقدير ما هو خصوص المؤاخذة دون بقية الآثار فيكون المرفوع هو خصوص المؤاخذة دون بقية الآثار.

هذا على الاحتمال الأوّل.

وأمّا على الاحتمال الثاني فالمرفوع هو جميع الآثار لا خصوص المؤاخذة فإنّه على الاحتمال الثاني ينفي الحديث وقوع شرب الخمر الخطأي موضوعا في عالم التشريع ، وجلي أنّ مقتضى الإطلاق عدم وقوع الشرب الخطأي موضوعا لأي حكم من الأحكام لا خصوص المؤاخذة. وهكذا على الاحتمال الثالث ، فإنّ الحديث ينزّل شرب الخمر الخطأي منزلة العدم ، ومقتضى الإطلاق أنّ الشرب الخطأي هو بمنزلة العدم بلحاظ جميع الآثار لا خصوص المؤاخذة.

ب ـ انّه لو اضطر المكلّف إلى ترك الصوم فبناء على الاحتمال الثالث لا يمكن تطبيق حديث الرفع بينما على الاحتمالين الأوّلين يمكن تطبيقه.

أمّا أنّه على الاحتمال الثالث لا يمكن تطبيقه فلأنّه على الاحتمال الثالث ينزل ما هو موجود خارجا منزلة العدم وواضح أنّه في حالة اضطرار المكلّف إلى ترك الصوم لا يوجد شيء خارجا لينزل منزلة العدم بل المتحقّق هو ترك الصوم فأي شيء إذن ينزل منزلة العدم؟

وقد تقول : لماذا لا ينزل نفس عدم الصوم منزلة العدم؟

والجواب : انّ عدم الصوم لو نزّل منزلة العدم فهذا معناه أنّ الصوم موجود ، أي معناه أنّ حديث الرفع يريد أن يقول إنّ المكلّف إذا اضطر إلى ترك

١٠٦

الصوم فهو وإن ترك الصوم ولكن حيث إنّ تركه للصوم منزّل منزلة العدم فالصوم منه متحقّق وثابت ، وواضح أنّ هذا لا يمكن أن يفي به حديث الرفع لأنّه حديث يتكفّل الرفع حيث يقول رفع ولا يتكفّل الإثبات فهو لا يقول انّ الصوم ثابت ومتحقّق من التارك له حالة الاضطرار.

هذا كلّه على الاحتمال الثالث. وقد اتّضح أنّه لا يمكن تطبيق حديث الرفع بناء عليه حالة الاضطرار إلى ترك الصوم ، وهذا بخلافه على الاحتمالين الأوّلين فإنّه لا يلزم من تطبيق الحديث إثبات الصوم ليقال إنّ الحديث لا يتكفّل الإثبات بل الرفع وإنّما بناء عليهما يلزم رفع المؤاخذة على ترك الصوم أو رفع موضوعية ترك الصوم للحرمة وهذا لا يستلزم الإثبات أبدا.

٥ ـ اتّضح من خلال ما سبق تعيّن الاحتمال الثاني من بين الاحتمالات الثلاثة السابقة ، أي أنّ المقصود هو رفع وقوع الامور التسعة موضوعا في عالم التشريع الذي معناه بالعبارة الصريحة رفع الأحكام في حالة صدور شيء خطأ أو نسيانا أو ... وعليه فإذا اضطر المكلّف إلى شرب الخمر أو اكره عليه فلا حرمة في حقّه ولا حدّ لأنّ المرفوع بناء على هذا الاحتمال هو جميع الآثار ـ تمسّكا بالإطلاق ـ لا أثر دون آخر ، وهكذا لو أكره المكلّف على معاملة البيع مثلا لم يترتّب عليها مضمونها وهو النقل والانتقال.

٦ ـ انّه بناء على الاحتمالين الأخيرين وإن كان حديث الرفع يرفع جميع الآثار ولكن لا بدّ من الالتفات إلى عدم إمكان تطبيقه إلاّ في مورد يكون تطبيقه فيه موجبا للامتنان لأنّه مسوق مساق الامتنان ، امّا إذا كان موجبا لعكس الامتنان فلا يمكن تطبيقه ، فمثلا إذا اكره إنسان آخر على بيع داره فيمكن تطبيق

١٠٧

فقرة « رفع عن امّتي ما استكرهوا عليه » لأنّ لازم تطبيقها صيرورة البيع باطلا لا يترتّب عليه أي أثر ، وهذا شيء موافق للامتنان وليس مخالفا له فإنّ عدم حصول غرض المكره أمر يتوافق والامتنان ، أمّا لو فرض أنّ إنسانا ابتلى بمرض واضطر إلى بيع بعض ممتلكاته ليستعين بثمنها على العلاج فلا يمكن تطبيق فقرة « رفع عن امّتي ما اضطروا إليه » إذ لازم تطبيقها صيرورة البيع باطلا ، ومع بطلانه لا يكون المريض مالكا لما يستعين به على العلاج وهذا عكس الامتنان كما هو واضح.

ومن هنا ينبغي عدم التسرّع في تطبيق الحديث بل لا بدّ وأن يلاحظ هل تكون النتيجة الحاصلة بعد تطبيق الحديث موافقة للامتنان أو لا ، فإن كانت موافقة له صحّ تطبيقه وإلاّ فلا.

وقد تسأل عن القرينة الدالة على ورود الحديث مورد الامتنان.

إنّها التعبير بكلمة « رفع » فانّها لا تستعمل إلاّ في مورد رفع الشيء الثقيل الذي يكون في رفعه امتنان خصوصا والرفع اضيف إلى الامّه وقيل رفع عن امّتي فإنّ التعبير المذكور لا يستعمل عادة إلاّ في مورد الامتنان.

قوله ص ٤٣ س ١٥ : والطيرة : بفتح الياء أو بسكونها. والمقصود منها التشاؤم ، وحيث أنّ غالب تشاؤم العرب كان بالطير خصوصا الغراب عبّر عن التشاؤم بالطيرة.

قوله ص ٤٣ س ١٥ : والتفكّر في الوسوسة في الخلق : ورد في بعض الروايات الاخرى بدل « التفكّر في الوسوسة في الخلق » : الوسوسة في التفكّر في الخلق. وقد ذكر الشيخ الأعظم قدس‌سره في رسائله أنّ التعبير الثاني هو الأنسب وأنّ

١٠٨

التعبير الأوّل يحتمل كونه اشتباها من الراوي.

والمقصود من الوسوسة في التفكّر في الخلق هو انّ الإنسان قد يفكّر أحيانا في كيفية خلق الناس والعالم ، وأثناء تفكّره هذا يأتي الشيطان ويبث سمومه قائلا انّ العالم خلقه الله ولكن من خلق الله سبحانه؟ انّ مثل هذه الوساوس الشيطانية التي تأتي حين التفكّر في خلق العالم لا عقاب عليها بمقتضى الحديث المذكور شريطة أن لا ينطق الإنسان بشفتيه بتلك الوساوس بل تبقى كامنة في قلبه ، فالوساوس الباقية في القلب بلا إبراز معفو عنها وإذا برزت باللسان والشفة فلا عفو.

هذا على التعبير الثاني. وأمّا على التعبير الأوّل فتبقى الجملة بلا معنى.

قوله ص ٤٣ س ١٥ : ما لم ينطق بشفة : احتمل الشيخ الأعظم في رسائله رجوع هذا القيد إلى خصوص الفقرة الأخيرة ـ أي الوسوسة في التفكّر في الخلق ـ كما واحتمل رجوعه إلى الفقرات الثلاث الأخيرة ، فالحسد الكامن في النفس بلا إبراز باللسان معفو عنه ، والتطيّر الكامن معفو عنه أيضا والتفكّر في الوسوسة كذلك.

قوله ص ٤٤ س ٢ : والنقطة المهمة في هذه المرحلة : أي أنّ البحث في فقه الحديث ومعناه فيه جهات متعدّدة ، منها : تصوير كيفية الرفع ، ومنها : توضيح أنّه هل يمكن أن يستفاد من الحديث أنّ الملاك ثابت في موارد الخطأ والنسيان وغيرهما ـ أي انّ المرفوع خصوص الحكم دون الملاك ـ ليصحّ الفعل بواسطة الملاك ، ومنها : البحث عن كون الحديث مسوقا مساق الامتنان وما يترتّب على ذلك ، ومنها غير ذلك. وقد بحث قدس‌سره في التقرير عن سبع جهات في هذه المرحلة

١٠٩

الاولى ولكن المهم من هذه الجهات هي الجهة الاولى وهي تصوير كيفية الرفع.

قوله ص ٤٤ س ٨ : بالنحو المناسب من الوجود لموضوع الحكم ... : فما كان من المناسب وقوعه موضوعا للحكم ترتفع موضوعيّته للحكم ، وما كان من المناسب وقوعه متعلّقا للحكم ترتفع متعلقيّته.

وقد تقدّم سابقا الفرق بين المتعلّق والموضوع.

قوله ص ٤٤ س ١١ : وروح ذلك رفع الحكم : أي انّ مرجع رفع موضوعية شرب الخمر الخطأي لحكم من الأحكام في عالم التشريع ليس إلاّ إلى رفع الحكم.

قوله ص ٤٥ س ١ : فيكون على وزان : أي انّ حديث الرفع بناء على الاحتمال الثالث يكون أشبه بحديث « لا ربا بين الوالد وولده ». وهكذا اسم « يكون » في بقية الأسطر هو حديث الرفع.

قوله ص ٤٥ س ١١ : كذلك توجيه الرفع إلى الوجود التشريعي : هذا إشارة إلى الاحتمال الثاني. وإنّما ذكر هذا الاحتمال ـ ولم يذكر الاحتمال الثالث ـ لا لخصوصية فيه بل من باب المثالية ولذا أضاف قدس‌سره كلمة « مثلا ».

قوله ص ٤٥ س ١٣ : صادر بما هو شارع : هذا البيان لم يذكر لإثبات خصوص العناية التي يقتضيها الاحتمال الثاني بل لإثبات العناية التي يقتضيها الاحتمال الثالث أيضا.

قوله ص ٤٥ س ١٣ : وبما هو إنشاء : هذا أشبه بعطف التفسير لقوله : « بما هو شارع ».

قوله ص ٤٦ س ١٠ : بالاحتمال الثاني : ذكر الاحتمال الثاني من باب المثال

١١٠

وإلاّ فالأمر كذلك على الاحتمال الأوّل أيضا.

قوله ص ٤٦ س ١٦ : وعلى أي حال : أي سواء تمّت الثمرة الثانية أم لا فحديث الرفع يدلّ على رفع جميع الآثار حيث قوّينا الاحتمال الثاني الذي يكون المرفوع بناء عليه جميع الآثار بمقتضى الإطلاق.

المرحلة الثانية

وبعد الفراغ من المرحلة الاولى بنقاطها الست نتكلّم عن المرحلة الثانية التي هي توضيح لكيفية الاستدلال بحديث الرفع على المطلوب.

ونحن فيما مضى ذكرنا تقريب الاستدلال بشكل مجمل وقلنا انّ حرمة شرب التتن إذا لم تكن معلومة فهي مشمولة لفقرة : « رفع عن امّتي ما لا يعلمون » فتكون مرفوعة.

وللتوضيح أكثر نقول : ما هو المقصود من الرفع فهل المقصود منه الرفع الواقعي أو الرفع الظاهري (١)؟ قد يقال : انّ المطلوب من الاستدلال بالحديث يتمّ سواء فسّرنا الرفع بهذا أو بذاك فإنّ المطلوب إثبات أمرين هما : ـ

أ ـ كون المكلّف مطلق العنان ، بمعنى أنّه إذا شكّ في وجوب الصلاة عليه فلا

__________________

(١) المراد من الرفع الحقيقي رفع الحكم في حقّ الجاهل واقعا فالمكلّف ما دام لا يعلم مثلا بوجوب الصلاة عليه فالوجوب مرفوع عنه واقعا ولا يكون ثابتا في حقّه بل يكون مختصا بالعالم.

وأمّا الرفع الظاهري فيقصد به رفع وجوب الاحتياط فإنّ المكلّف إذا شكّ في وجوب الصلاة عليه فإذا قلنا بعدم وجوب الاحتياط عليه ازاء الوجوب المشكوك فهذا معناه الرفع الظاهري

١١١

يجب عليه الاحتياط بفعلها وهكذا لو شكّ في حرمة شرب التتن فلا يجب عليه الاحتياط بتركه.

ب ـ معارضة مقالة الاخباري ، فإنّ الإخباري يقول بوجوب الاحتياط عند الشكّ في حرمة شرب التتن مثلا ونحن نريد أن نحصّل دليلا يعارض هذه المقالة ويقول انّ الاحتياط ليس بواجب عند الشكّ في حرمة شرب التتن.

وهذا المطلوب بكلا أمريه يتمّ سواء فسّرنا الرفع بالرفع الواقعي أم بالرفع الظاهري ولا يتوقّف على تفسيره بخصوص الرفع الظاهري فهو يتمّ حتّى لو فسّرناه بالرفع الواقعي بل قد يتخيّل انّه لو فسّرناه بالرفع الواقعي فحصول المطلوب يكون أتم وآكد حيث ان لازمه ارتفاع حرمة شرب التتن في حقّ الجاهل من جذورها واسسها وذلك ممّا يثبت إطلاق العنان بشكل آكد وأقوى ممّا إذا كان الرفع ظاهريا.

هذا ولكن يمكن أن نقول في مقابل ذلك : انّ حصول المطلوب من الحديث ـ المطلوب هو إثبات إطلاق العنان كما تقدّم ـ يتوقّف في كثير من الحالات على إرادة الرفع الظاهري ولا يحصل لو كان المقصود هو الرفع الواقعي.

والوجه في ذلك : انّا نجزم في كثير من الأحكام باشتراكها بين العالم والجاهل على تقدير ثبوتها ولا تختص بالعالم ، فوجوب الصلاة مثلا يجزم بعدم اختصاصه واقعا بالعالم وهكذا وجوب الحجّ والخمس والزكاة وغير ذلك ـ فإنّ الأحكام المختصة بالعالم واقعا نادرة جدا والطابع العام فيها هو الاشتراك عدا الجهر والاخفات والقصر والتمام ـ وإذا كان الحكم ممّا نقطع باشتراكه واقعا بين العالم والجاهل ولا يختص بالعالم فمثل هذا الحكم لو فرض أنّ المكلّف لم يعلم به

١١٢

وكان شاكا فيه فلا يمكن التمسّك بحديث الرفع في حقّه لإثبات المطلوب أي لإثبات كونه مطلق العنان وأنّه لا يجب عليه الاحتياط إذ حديث الرفع يثبت رفع الحكم واقعا في حقّ الجاهل ، والمفروض إنّا نعلم باشتراك الحكم واقعا وعدم اختصاصه بالعالم.

وبكلمة اخرى : بعد علمنا باشتراك الحكم واقعا يلزم تخصيص حديث الرفع وصيرورة مضمونه كذا : رفع عن امّتي الحكم الذي لا يعلمونه إلاّ إذا كان الحكم هو وجوب الصلاة مثلا فانّه ثابت في حقّ الجاهل أيضا. ومع عدم شمول حديث الرفع للحكم الذي يشكّ فيه المكلّف ـ وهو وجوب الصلاة مثلا حيث انّ المفروض القطع باشتراكه وعدم اختصاصه بالعالم ـ فلا يمكن إثبات المطلوب وهو كون المكلّف مطلق العنان ولا يجب عليه الاحتياط ؛ إذ إطلاق العنان لا يثبت إلاّ بعد ثبوت الرفع الواقعي ، والمفروض عدم إمكان ثبوت الرفع الواقعي لأنّا فرضنا أنّ الحكم المشكوك ـ كوجوب الصلاة مثلا الذي يشكّ فيه المكلّف ـ على تقدير ثبوته واقعا ثابت في حقّ الجاهل واقعا ولا يختص بالعالم ، ومع عدم ثبوت الرفع الواقعي فلا يثبت إطلاق العنان. وهذا بخلافه على تقدير تفسير الرفع بالرفع الظاهري فانّه يمكن إثبات إطلاق العنان في حقّ الجاهل حتّى في مثل وجوب الصلاة الذي هو مشترك بين الجاهل والعالم على تقدير ثبوته واقعا فانّه ـ وجوب الصلاة مثلا ـ وإن كان مشتركا بين العالم والجاهل واقعا ولا يمكن رفعه واقعا في حقّ الجاهل إلاّ أنّه يمكن رفعه ظاهرا في حقّ الجاهل بمعنى أنّه لا يجب عليه الاحتياط من ناحيته ، وإذا حصل رفع الوجوب ظاهرا ثبت بذلك كون المكلّف مطلق العنان من ناحية الحكم المشكوك ، وهو المطلوب

١١٣

والخلاصة : انّ الأحكام التي يجزم باشتراكها بين العالم والجاهل على تقدير ثبوتها واقعا لا يمكن للمكلّف عند جهله بها إثبات كونه مطلق العنان من ناحيتها تمسّكا بحديث الرفع فيما إذا كان المراد الرفع الواقعي وإنّما يمكنه على تقدير إرادة الرفع الظاهري.

وقد تسأل : انّه على تقدير الرفع الواقعي لا يجوز التمسّك بحديث الرفع في موارد الجزم بالاشتراك وعلى تقدير الرفع الظاهري يجوز ذلك ، وهذا كلّه واضح. ولكن كيف الموقف لو شكّ في كون المراد هو الرفع الواقعي أو الظاهري فهل يجوز التمسّك بالحديث لإثبات إطلاق العنان فيما إذا كان الحكم المشكوك ممّا نجزم باشتراكه بين العالم والجاهل على تقدير ثبوته ، فوجوب الصلاة مثلا على تقدير ثبوته واقعا هو مشترك بين العالم والجاهل جزما فإذا شكّ المكلّف ولم يعلم بأصل ثبوته فهل يمكن التمسّك بحديث الرفع لإثبات كونه مطلق العنان فيما إذا لم يحرز كون المراد من الرفع هو الرفع الواقعي أو الظاهري؟

نعم يجوز ذلك لأنّ الحكم ما دام قد فرض مشتركا واقعا بين العالم والجاهل فنفس اشتراكه واقعا يكون قرينة على كون المراد من الرفع هو الرفع الظاهري لا الواقعي.

وإن شئت قلت : انّ الحكم ما دام قد فرض مشتركا فحديث الرفع لو كان المراد منه الرفع الواقعي فيلزم تخصيصه وعدم شموله لمثل هذا الحكم المشكوك المفروض اشتراكه ، ولو كان المراد منه الرفع الظاهري فلا يلزم تخصيصه بل يكون شاملا للحكم المشكوك. إذن الشكّ في كون المراد هو الرفع الواقعي أو الظاهري يرجع بالتالي إلى الشكّ في تخصيص حديث الرفع وعدمه ، وواضح

١١٤

عند الشكّ في تخصيص عمومه يتمسّك بأصالة عمومه وعدم تخصيصه الذي نتيجته كون المراد من الرفع هو الرفع الظاهري.

هل الرفع ظاهري أو واقعي؟

ذكرنا انّه عند الشكّ في إرادة الرفع الظاهري أو الواقعي يصحّ التمسّك بالحديث للنكتة المتقدّمة. ولكن هل يمكن دعوى انّ ظاهر الحديث إرادة الرفع الواقعي دون الظاهري أو انّه مجمل من هذه الناحية؟

قد يقال نعم يمكن دعوى الظهور في الرفع الواقعي لأنّ إرادة الرفع الظاهري تستلزم التقدير بأن تكون فقرة : « رفع عن امّتي ما لا يعلمون » هكذا : رفع عن امّتي وجوب الاحتياط بالنسبة إلى الحكم الذي لا يعلم فيلزم تقدير كلمة « وجوب الاحتياط » ، وواضح أنّ الأصل يقتضي عدم التقدير.

ولئن لم يقبل أعمال العناية بهذا الشكل فلا بدّ من قبولها بشكل آخر ، وذلك بأنّ لا نقدر كلمة « وجوب الاحتياط » وإنّما نعطي لكلمة « رفع » معنى وفردا جديدا ، فهي أوّلا كانت ذات فرد واحد وهو الرفع الحقيقي الواقعي والآن وبعد تضمين المعنى الجديد يصير لها فرد آخر وهو الرفع الظاهري بأن نقول : انّ رفع شرب التتن له شكلان فتارة ترفع نفس الحرمة وذاتها واخرى يرفع وجوب الاحتياط من ناحيتها فإنّ رفع وجوب الاحتياط هو رفع بعبارة اخرى للحرمة كما وأنّ ثبوت وجوب الاحتياط هو إثبات بعبارة اخرى للحرمة.

والفرق بين إعمال العناية بهذا الشكل وإعمالها بالشكل السابق انّه في السابق كانت العناية ملحوظة في المرفوع ـ لا في الرفع ـ فبدلا من كون المرفوع هو حرمة

١١٥

شرب التتن المجهولة يجعل ـ أي المرفوع ـ وجوب الاحتياط ، بينما في هذا الشكل تعمل العناية في الرفع فتضمن كلمة الرفع معنى جديدا وهو تفسيرها برفع وجوب الاحتياط فإنّ رفع وجوب الاحتياط رفع للحرمة ولكنّه رفع ظاهري.

وباختصار : حمل الرفع على الظاهري يحتاج إلى إعمال العناية بأحد شكلين كلاهما خلاف الظاهر فلا بدّ من الحمل على الرفع الواقعي حتّى لا يلزم ذلك.

هذا ولكن يمكن ردّ ذلك بأحد جوابين : ـ

١ ـ ما ذكره الشيخ العراقي من انّه توجد في حديث الرفع قرينة تدل على أنّ المراد هو الرفع الظاهري ـ أي رفع وجوب الاحتياط ـ دون الواقعي ، وهي أنّ الحديث مسوق مساق الامتنان ، والامتنان يتحقّق برفع وجوب الاحتياط سواء كان الحكم ثابتا واقعا أم لا ، فإنّ الاحتياط بالنسبة إلى حرمة شرب التتن المشكوكة إذا لم يجب تحقّق بذلك الامتنان سواء كانت حرمة التتن ثابتة واقعا أم لا ، وبرفع الحرمة واقعا لا تزداد درجة الامتنان ، فإنّ ثبوت الحكم واقعا لا يؤثّر على المكلّف ولا يضرّه حتّى يكون رفعه موجبا للامتنان عليه أو زيادته وإنّما المهم هو رفع وجوب الاحتياط إذ به يحصل الامتنان.

وعليه فكون الحديث مسوقا مساق الامتنان قرينة واضحة على كون المقصود من الرفع هو الرفع الظاهري أي رفع وجوب الاحتياط.

وفيه : انّا نسلّم بحصول الامتنان برفع وجوب الاحتياط لا برفع الحكم واقعا ولكن نقول انّ الشارع لو رفع الحكم واقعا فالامتنان يمكن أن يتحقّق أيضا غير انّه بصورة غير مباشرة ؛ إذ برفع الحكم واقعا يرتفع بالتبع وجوب الاحتياط ، وما دام وجوب الاحتياط يرتفع بارتفاع الحكم واقعا فيصحّ أن يقال

١١٦

انّ رفع الحكم واقعا منشأ للامتنان بالواسطة وإن لم يكن بالمباشرة ، وواضح انّ حديث الرفع لا يظهر منه إلاّ أنّه يريد رفع شيء يستلزم رفعه الامتنان ، انّ هذا المقدار هو الذي يظهر منه ولا يظهر منه انّ ما يرفعه لا بدّ وأن يكون موجبا للامتنان بنفسه ومن دون واسطة.

٢ ـ انّه لا يمكن أن يكون المقصود من حديث الرفع الرفع الحقيقي ؛ إذ لازم ذلك ارتفاع الأحكام واقعا عن الجاهل واختصاصها بالعالم.

وبتعبير آخر يلزم من إرادة الرفع الحقيقي تقييد الأحكام الواقعية بالعلم بها ، وواضح أنّ هذا شيء مستحيل ؛ إذ لا يمكن أن يقال : ثبوت الوجوب الفعلي للصلاة مثلا موقوف على العلم بالوجوب الفعلي للصلاة لأنّ لازمه الدور كما مرّ في القسم الأوّل.

وعليه فمن اللازم حمل الرفع على الظاهري حتّى لا يلزم محذور اختصاص الأحكام الواقعية بحالة العلم وبالتالي حتّى لا يلزم محذور الدور.

وقد تقول : انّه تقدّم سابقا وجود طريقة يمكن بواسطتها تخصيص الأحكام بالعالمين بأن يقال : تجب الصلاة بالوجوب الفعلي إن علمت بتشريع وجوب الصلاة ، إنّ هذه طريقة ممكنة ، أي يجعل ثبوت الحكم الفعلي ـ المعبّر عنه بالمجعول ـ موقوفا على العلم بالتشريع المعبّر عنه بالجعل ، فإنّ المستحيل هو تعليق ثبوت المجعول على العلم بنفس المجعول ، أمّا تعليق ثبوت المجعول على العلم بالجعل فهو ليس بمستحيل. وإذا كانت هذه الطريقة ممكنة فلا بأس بحمل الرفع على الرفع الواقعي لأنّه وإن لزم منه اختصاص الأحكام الواقعية بالعالمين بها إلاّ أنّه لا محذور فيه بعد إمكانه بهذه الطريقة.

١١٧

والجواب : انّ هذه الطريقة وإن كانت ممكنة إلاّ أنّه لا يمكن حمل الحديث عليها لأنّ ظاهر الحديث انّ الشيء الذي لا يعلم هو المرفوع لا غيره حيث قيل رفع ما لا يعلمون ، فنفس الذي لا يعلم هو المرفوع لا انّ الذي لا يعلم شيء والمرفوع شيء آخر ، وواضح انّه على هذه الطريقة يكون المرفوع غير الذي لا يعلم ، فالمرفوع هو الحكم المجعول بينما الذي لا يعلم هو الجعل والتشريع.

إذن لازم إرادة الرفع الحقيقي اختصاص الأحكام الواقعية بحالة العلم ، والاختصاص بالطريقة الاولى مستحيل وبالطريقة الثانية وإن كان ممكنا إلاّ أنّه خلاف ظاهر الحديث (١).

قوله ص ٤٧ س ١٣ : لو تمّ : أي لو تمّت دلالة دليل وجوب الاحتياط على وجوب الاحتياط.

قوله ص ٤٧ س ١٥ : إذ كثيرا ما يتّفق ... : التعبير الوارد في التقرير أوضح وهو : انّه لو اريد الرفع الواقعي فلا يمكن إثبات ما هو المطلوب ، إذ في موارد الشبهات نعلم عادة بأنّه لو ثبت الحكم الواقعي في حقّ العالم فهو ثابت في حقّ الجاهل أيضا جزما للقطع بعدم إناطته بالعلم به.

__________________

(١) ويوجد جواب ثالث أوضح وأخصر من الجوابين السابقين وهو أن يقال إنّ لازم إرادة الرفع الواقعي اختصاص الأحكام بحالة العلم ، والاختصاص باطل لأنّه مخالف لضرورة الاشتراك ، فنفس ما دلّ على اشتراك الأحكام واقعا بين العالم والجاهل يثبت أنّ المراد من الرفع هو الرفع الظاهري دون الواقعي وإلاّ يلزم بقاء الحديث بلا مورد ، أو بتعبير آخر يلزم انحصار مورده بالجهر والاخفات والقصر والتمام ، وهو كما ترى. ولا حاجة إلى تطويل المناقشة بالشكل الذي ذكره قدس‌سره

١١٨

قوله ص ٤٨ س ١ : مع الحمل على الواقعية : أي فيما إذا حمل الرفع على الرفع الواقعي.

قوله ص ٤٨ س ٢ : نعم يكفي للمطلوب : وهو إطلاق العنان. ثمّ ان عبارة التقرير أوضح وهي : لو بقي الحديث مجملا مردّدا بين الرفع الواقعي والظاهري فالنتيجة بصالح الاستدلال وذلك تمسّكا بإطلاقه لموارد الشكّ في التكليف الذي يعلم بعدم اختصاصه بالعالم لأنّه من الشكّ في التخصيص بالنسبة إليه ، وبذلك يثبت انّ الرفع ظاهري لا محالة.

قوله ص ٤٨ س ٣ : إذ حتّى مع الإجمال : أي وتردّد المراد من الرفع بين الواقعي والظاهري.

قوله ص ٤٨ س ٤ : في الفرض المذكور : أي فرض القطع بأنّ الحكم على تقدير ثبوته مشترك بين العالم والجاهل ولا يختص بالعالم.

قوله ص ٤٨ س ٤ : لعدم إحراز ... : فإنّه لو كنّا نجزم بأنّ المراد من الرفع هو الواقعي فلازم ذلك تخصيص حديث الرفع وعدم شموله للأحكام التي افترضنا انّها مشتركة بين العالم والجاهل ، ومع القطع بالتخصيص فلا يمكن التمسّك بحديث الرفع وبالتالي لا يمكن إثبات إطلاق العنان.

قوله ص ٤٨ س ٥ : أو المخصّص : المناسب إبدال « أو » بالواو حتّى يكون العطف تفسيريا. ولعلّ التعبير بالمعارض أو المخصّص باعتبار الالتفات إلى موارد التمسّك بحديث الرفع بشكل عام ، فإنّه بشكل عام يوجد في بعض الموارد معارض لحديث الرفع وفي بعض الموارد الاخرى يوجد مخصّص ، وهو قدس‌سره يريد أن يقول انّه لا مانع في موردنا من التمسّك بحديث الرفع لأنّه في موردنا لا يوجد

١١٩

معارض جزما وأمّا المخصّص ـ وهو دليل الحكم الواقعي الذي فرضنا القطع باشتراكه ـ فهو غير مقطوع فينفى بأصالة عدم التخصيص.

قوله ص ٤٨ س ٦ : وعلى أي حال : أي سواء كان إجمال المراد من الرفع كافيا في إثبات المطلوب أم لا.

قوله ص ٤٨ س ٨ : لا نفسه : عطف على وجوب الاحتياط أي لا نفس ما لا يعلم الذي هو عبارة اخرى عن الحكم المجهول.

قوله ص ٤٨ س ٨ : وهو خلاف الظاهر : لأنّ ظاهر الحديث انّ الرفع متعلّق ومتوجّه إلى نفس الحكم الذي لا يعلم لا إلى وجوب الاحتياط.

قوله ص ٤٩ س ١ : من ناحيته : أي من ناحية التكليف الواقعي المشكوك.

قوله ص ٤٩ س ١ : المراتب الاخرى : أي سواء رفع الحكم بوجوده الواقعي أم لا.

قوله ص ٤٩ س ٦ : بنفسه : المناسب حذف كلمة « بنفسه ».

قوله ص ٤٩ س ١٢ : فيه : أي في نفس التكليف.

قوله ص ٤٩ س ١٥ : خلاف ظاهر الدليل : أي خلاف ظاهر حديث الرفع. وقوله : « جدا » بمعنى قويّا.

قوله ص ٤٩ س ١٦ : غير المعلوم : المناسب : غير المجهول أو غير ما لا يعلم. وفي التقرير لم تقع هذه المسامحة.

قوله ص ٤٩ س ١٦ : لأنّ الأوّل : وهو المرفوع. والمراد من الثاني : المعلوم.

قوله ص ٤٩ س ١٧ : يتبادلان : أي أنّ نفس ما هو مجهول هو الذي يطرء عليه الرفع.

١٢٠