الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

غايته ـ التي من اجلها وجب ـ واجبة.

ج ـ ان النفر والانذار اذا كانا واجبين ولم يكن الحذر واجبا يلزم محذور اللغوية ، اذ كأنه قيل يجب عليكم ايها النافرون ان ترتقوا المنابر وتحذروا الناس ولكن لا يجب على الناس الحذر من انذاركم والاعتناء بكلامكم ، انه لغو واضح.

وبهذه البيانات الثلاثة تثبت تمامية المقدمة الاولى وهي ان الحذر واجب.

ويمكن بنفس هذه البيانات الثلاثة اثبات المقدمة الثانية ـ وهي ان الحذر واجب حتى عند عدم حصول العلم من كلام المنذر ـ فانها كما تثبت اصل وجوب الحذر كذلك تثبت كون وجوبه ثابتا بشكل مطلق ولا يختص بحالة حصول العلم. وبهذا كله يتم تقريب الاستدلال بالآية على حجية الخبر.

ويمكن رده بمناقشة جميع مقدماته الثلاث.

مناقشة المقدمة الاولى.

اما الاولى ـ وهي ان الحذر واجب ـ فلبطلان جميع بياناتها الثلاثة.

اما البيان الاول فلما ذكره الشيخ الاصفهاني قدس‌سره من ان كلمة « لعل » لم توضع لافادة الترجي ـ اي محبوبية ما بعدها ـ بل لافادة ترقب وتوقع حصول ما بعدها ، فحينما يقال لعل زيدا يأتي من السفر يستفاد ان المتكلم يترقب المجيء ولا يستفاد ان المجيء شيء محبوب له. ومما يدل على ذلك دخولها على المبغوض احيانا كما فى دعاء ابي حمزه الثمالي « لعلك عن بابك طردتني » اذ من الواضح ان الطرد عن باب الله سبحانه امر مبغوض للعبد وليس محبوبا. ومع التسليم بعدم دلالة كلمة « لعل » على محبوبية مدخولها فلا يصح ان يقال اذا ثبتت محبوبية الحذر ثبت وجوبه.

٨١

واما البيان الثاني فلانا لا نسلم ان غاية الواجب واجبة بل لربّ شيء يكون واجبا ولا تكون غايته واجبة كما لو فرض ان غاية معينة تحصل بمجموعة اشياء وفرض ايضا ان صبّ الوجوب على تلك الغاية يلزم منه العسر والحرج ولكن لا يلزم من صبه على بعض تلك الاشياء التي تحصل بها الغاية ، ففي مثله لا بد من توجيه الوجوب الى ذلك الشيء الذي تحصل به الغاية ولا يلزم من وجوبه الحرج من دون توجيهه الى نفس الغاية حذرا من الحرج ، وعند ذلك يصير الشيء واجبا دون ان تصير غايته واجبة. ولتوضيح ذلك نذكر المثال التالي : ان تنظيف الاسنان يحصل بمجموعة اشياء : استعمال المسواك ، واستعمال معجون الاسنان ، واستعمال ماء الملح ، ان هذه الثلاثة اذا اجتمعت تحصل نظافة الاسنان بشكل كامل ، ولكن توجيه الوجوب لها جميعا يلزم منه العسر على المكلف ، بخلاف توجيهه الى خصوص استعمال المسواك فلا يلزم منه ذلك ، وفي مثله لا يوجه الحاكم الوجوب الى الغاية ـ اي تنظيف الاسنان ـ لان لازمه وجوب الاشياء الثلاثة جميعا وذلك يلزم منه العسر بل يوجهه الى استعمال المسواك فقط ، ومعه فاستعمال المسواك يصير واجبا بدون ان تصير غايته واجبة. وان شئت قلت : ان المولى في مثل هذه الفرضية لا يسد باب عدم الغاية ـ وهي التنظيف ـ سدا كاملا ، اذ لازم السد الكامل توجيه الوجوب اليها ـ الغاية ـ وقد فرضنا ان توجيهه اليها يلزم منه الحرح ، فلا بد وان نفترض انه يسد بابا من ابواب عدم الغاية وذلك بتوجيه الوجوب الى استعمال المسواك فقط ، فان لازم ذلك سد باب عدم الغاية ولكن لا سدا كاملا بل من جهة استعمال المسواك ، فالتنظيف من ناحية استعمال المسواك واجب ولا يجوز عدمه ، لان الحاكم سد باب عدمه بسبب توجيه الوجوب اليه ـ اي الى استعمال المسواك ـ واما من الناحيتين

٨٢

الاخريتين فلم يسده.

واما البيان الثالث ـ وهو لزوم اللغوية من وجوب الانذار مطلقا بدون وجوب الحذر مطلقا ـ فلأن وجوب النفر والانذار مطلقا لا تلزم منه اللغوية مادام الانذار يحصّل العلم في كثير من الاحيان.

ولرب قائل يقول : ان المناسب للحاكم ـ بناء على هذا ـ ان يقول للمنذر ان انذارك متى ما كان يحصّل العلم للاشخاص الباقين في البلد وجب ـ الانذار ـ عليك وبالتالي يجب على الباقين الحذر ، ومتى لم يحصّل العلم فلا يجب عليك وبالتالي لا يجب على الباقين الحذر ، وليس من المناسب ان يقول الحاكم للمنذر يجب عليك الانذار مطلقا ولكن لا يجب على الباقين الحذر الا عند حصول العلم لهم ، اذ لازمه لغوية اطلاق وجوب الانذار.

والجواب : ان المنذر لو كان بامكانه تمييز ان انذاره متى يفيد العلم للباقين ومتى لا يفيده فمن الوجيه ان يقال لا وجه لجعل وجوب الانذار بشكل مطلق ما دام الحذر لا يجب الا عند حصول العلم ، اما اذا فرض ان المنذر لا يمكنه ذلك بل يحتمل دائما ان يكون انذاره مفيدا للعلم فمن الوجيه جعل وجوب الانذار بشكل مطلق من دون تقييده بما اذا كان مفيدا للعلم.

وعليه فالمقدمة الاولى قابلة للمناقشة بجميع بياناتها الثلاثة.

هذا ولكن بالامكان ان يقال بتماميتها ـ المقدمة الاولى ـ في بعض الموارد لتمامية البيان الاول احيانا ، فان الاصفهاني ذكر عند مناقشته للبيان الاول ان كلمة « لعل » لا تدل على المحبوبية بل على الترقب ، وهذا وان كان تاما الا ان بامكان السياق تشخيص شكل الترقب وأنه ترقب محبوب او ترقب مبغوض ، ولا اشكال في ان القارىء للاية الكريمة يفهم من سياقها كون الحذر شيئا محبوبا

٨٣

وان ترقبه ترقب للمحبوب لا للمبغوض.

مناقشة المقدمة الثانية.

ناقش الشيخ الاعظم المقدمة الثانية بمناقشتين :

١ ـ ان الموجب لاستفادة وجوب الحذر حتى في حالة عدم حصول العلم ليس هو الا الاطلاق بان يقال ان اطلاق وجوب الحذر وعدم تقييده بحالة حصول العلم يدل على وجوب الحذر حتى في حالة عدم حصول العلم ، ولكن الاطلاق المذكور غير ثابت ، اذ الآية الكريمة ليست في مقام البيان من ناحية وجوب الحذر ليتمسك باطلاقها ، بل في مقام البيان من ناحية وجوب الانذار ، وعليه فالاطلاق الذي يمكن التمسك به هو اطلاق وجوب الانذار لا اطلاق وجوب الحذر.

ولرب قائل يقول : ان اطلاق وجوب الانذار بدون اطلاق وجوب الحذر تلزم منه اللغوية ، اذ لا معنى لوجوب الانذار عند عدم افادة قول المنذر للعلم مع افتراض كون وجوب الحذر منحصرا بحالة حصول العلم.

والجواب عن ذلك مر سابقا ، اذ قلنا ان المكلف حيث لا يمكنه تشخيص متى يفيد انذاره العلم فلا يمكن للمولى ان يقول : يجب عليك ايها المنذر الانذار فيما اذا كان انذارك مفيدا العلم ، بل يوجب الانذار مطلقا من باب الاحتياط ، اذ كل مورد من الموارد يحتمل ان يكون انذار المنذر فيه مفيدا للعلم.

٢ ـ يمكن ابراز قرينة خاصة على كون مقصود الآية وجوب الحذر في خصوص حالة حصول العلم ، وهي : ان الآية اوجبت النفر لاجل حصول التفقة. وما هو التفقه؟ انه عبارة عن تعلم الاحكام الشرعية الصحيحة دون التوهمية ،

٨٤

فبعض الناس قد يتعلم احكاما يعتقد خطأ انها احكام شرعية ولكنها ليست من الشرع في شيء ، ان تعلم مثل هذه الاحكام ليس تفقها ، وانما التفقه تعلم الاحكام التي هي من الشرع حتما. وبعد هذا نقول : ان الآية اوجبت انذار الاحكام الفقهية ، اي انذار الاحكام التي هي من الشرع حتما ، وبعد تحقق الانذار المذكور أوجبت الحذر. اذن الحذر لا يجب الا اذا احرز الشخص المتخلف في البلد ان المنذر قد انذره بالاحكام الشرعية دون التوهمية. وهذا هو المطلوب ، اذ ثبت ان الحذر لا يجب الا بعد تحقق العلم بكون الاحكام احكاما شرعية ، فتحقق العلم شرط في وجوب الحذر.

ثم ان حاصل المناقشتين يرجع الى عدم وجود اطلاق في الاية يستفاد منه وجوب الحذر في حالة عدم حصول العلم.

والفرق بين المناقشتين ان الاولى كانت تدعي عدم وجود اطلاق في الآية بدون ان تدعي استفادة التقييد ، بينما الثانية تدعي مضافا الى عدم وجود الاطلاق امكان استفادة تقييد وجوب الحذر بحالة العلم.

مناقشة المقدمة الثالثة.

واما المقدمة الثالثة ـ وهي ان وجوب الحذر الشامل لحالة عدم حصول العلم يدل على حجية الانذار تعبدا ـ فيرد عليها انا لو سلمنا دلالة وجوب الحذر مطلقا على حجية الانذار تعبدا يمكننا ان نقول ان حجية الانذار تعبدا لا تلازم حجية الخبر ، فلعل الانذار حجة بدون ان يكون الخبر حجة. ويمكن ايضاح ذلك بوجهين :

١ ـ ان الانذار عنوان اخر غير عنوان الاخبار ، فانه ـ الانذار ـ وان كان

٨٥

عبارة اخرى عن الاخبار ولكن لاكل اخبار ، بل خصوص الاخبار المسبوق باحتمال الخطر ، فاذا كان احتمال الخطر ثابتا سابقا وحصل بعده الاخبار سمي الاخبار حينذاك بالانذار. ومتى يكون احتمال الخطر ثابتا في المرحلة السابقة؟ يتحقق ذلك في بعض الحالات نذكر منها ثنتين :

ا ـ اذا كان لدى المكلف علم اجمالي بثبوت بعض الاحكام في حقه ، فان كل مكلف بما انه متشرع بالشريعة الاسلامية يعلم اجمالا بثبوت بعض الاحكام عليه ، فان معنى الشريعة ليس الا مجموعة معينة من الاحكام ، فكل مكلف اذن يعلم بثبوت مجموعة من الاحكام في حقه وان كان لا يعرفها على التفصيل. وبعد هذا نقول اذا سلم بوجود علم اجمالي قبل اخبار زرارة مثلا برواية معينة فالحكم الذي يخبر عنه وان وجب امتثاله لكن لا من جهة حجية الخبر بل لأن الحكم منجز ـ بالعلم الاجمالي المفترض ـ بقطع النظر عن اخباره ، فالعلم الاجمالي السابق هو الحجة والمنجز للحكم دون الرواية.

ب ـ اذا لم يكن لدى المكلف علم اجمالي بالاحكام بالنحو المشار له سابقا بل كان لديه شك في ثبوتها فيمكن ان يقال ان الشك المذكور منجز ايضا مادام المكلف لم يفحص في الادلة ، فالشك في حرمة التدخين قبل الفحص عن ثبوتها منجز لها ولا تجري البراءة عنها ، ومع تنجز الحرمة بالشك قبل الفحص فاخبار زرارة عن الحرمة لا يكون هو الحجة المنجزة لها بل الحجة هو الشك قبل الفحص الثابت قبل اخبار زرارة.

٢ ـ لو بنينا على مسلك حق الطاعة القائل بمنجزية احتمال التكليف عقلا كما هو المختار فيمكن ان يقال ان زرارة لو اخبر عن حكم فالحكم يتنجز لكن لا لحجية الاخبار ولا لأجل العلم الاجمالي السابق ولا للشك قبل الفحص بل من

٨٦

جهة ان الاخبار عن الحكم يولّد احتمال ثبوت الحكم ، وبما ان احتمال التكليف منجز على مسلك حق الطاعة فيكون الحكم ثابتا في حقنا من باب منجزية احتمال التكليف وليس من باب حجية الخبر.

وباختصار : لو سلمنا دلالة الآية على حجية الحذر تعبدا فلا يثبت بذلك حجية الاخبار اذ لعل وجوب الحذر تعبدا ليس لحجية الاخبار تعبدا بل للعلم الاجمالي السابق او لأن الشك قبل الفحص منجز او لتوليد الأخبار عن التكليف احتمال ثبوته.

قوله ص ٢٣٠ س ٦ انه وقع : اي التحذر.

قوله ص ٢٣٠ س ٧ الدالة على المطلوبية : المراد من المطلوبية الرجحان والمحبوبية.

قوله ص ٢٣٠ س ٨ مبرر : اي مقتضي

قوله ص ٢٣٠ س ١٠ للنفر الواجب : واستفدنا وجوبه من كلمة « لعل » الدالة على التحضيض وهو الطلب بشدة.

قوله ص ٢٣١ س ٢ مساوق للحجية شرعا : اي لحجية الاخبار تعبدا. والمراد من الحجية تعبدا ان الخبر حجة حتى اذا لم يفد العلم.

قوله ص ٢٣١ س ٧ لا الترجي : الترجي هو توقع المحبوب.

قوله ص ٢٣١ س ٧ مرغوبا عنه : اي مبغوضا.

قوله ص ٢٣١ س ٨ والاعتراض على ثاني : عطف على الاعتراض في قوله س ٥ « بالاعتراض ».

قوله ص ٢٣١ س ١٢ وسد باب من ابواب عدمها : هذا عطف تفسير لقوله « تقريب المكلف نحو الغاية ».

٨٧

قوله ص ٢٣١ س ١٤ وسد كل ابواب عدمها : عطف تفسير لقوله التكليف بها.

قوله ص ٢٣١ س ١٥ والاعتراض على ثالث : عطف على الاعتراض في قوله س ٥ « بالاعتراض ».

قوله ص ٢٣١ س ١٦ مع عدم الحجية التعبدية : اي مع عدم حجية الانذار تعبدا.

قوله ص ٢٣٢ س ١ او مساهمته : اي ان المنذر تارة يفيد انذاره العلم للسامع واخرى يفيد العلم بعد انضمام انذار بقية المنذرين اليه ، فانذار المنذر تارة يكون علة تامة لحصول العلم واخرى جزء العلة ، والمراد من المساهمة كون الانذار جزء العلة.

قوله ص ٢٣٢ س ٤ وهذه المناقشة : اي اصل مناقشة المقدمة الاولى. والمقصود ان مناقشة المقدمة الاولى ليست تامة في جميع الموارد لان البيان الاول يمكن ان يكون تاما في بعض الموارد.

قوله ص ٢٣٢ س ٧ بالسباق : الصواب : بالسياق.

قوله ص ٢٣٢ س ٨ للاول : متعلق بقوله « تعيين ». والمراد من الاول كون الترقب ترقب المحبوب.

قوله ص ٢٣٢ س ١٢ لم تسق : اي ليست في مقام البيان. وقوله « من حيث الاساس » اي من الاول.

قوله ص ٢٣٣ س ٣ او مساهمته فيه : مر معنى المساهمة قبل اسطر.

قوله ص ٢٣٣ س ٤ من وجود قرينة : كان من المناسب الاشارة الى ان معنى التفقه هو تعلم الاحكام الشرعية الصحيحة دون التوهمية ، فان ذلك مقدمة

٨٨

مهمة يتوقف عليها الاستدلال ، وقد اشار لها الشيخ الاعظم في رسائله.

قوله ص ٢٣٣ س ٧ في ذلك : اي في كون الانذار انذارا بما تفقّه.

قوله ص ٢٣٣ س ١٢ والمستتبع : عطف تفسير للمنجز ، وقوله « بجعل الشارع » متعلق بالمنجز.

الاستدلال على حجية الخبر بالسنة.

تقدم ان الادلة على حجية الخبر هى الكتاب والسنة والعقل ، وتحدثنا فيما سبق عن آيتين من الكتاب الكريم ، واتضح ان الاستدلال بآية النبأ تام ، والآن نتحدث عن الدليل الثاني وهو السنة الشريفة. ولكن ما هو الطريق لاثبات السنة؟ وبكلمة اخرى ما هو الطريق لا ثبات راي المعصوم عليه‌السلام في مسألة حجية الخبر؟ يوجد في هذا المجال طريقان :

١ ـ التمسك بالاخبار الكثيرة الدالة على حجية الخبر فانها تدل على ان رأي المعصوم عليه‌السلام هو الحجية.

٢ ـ التمسك بسيرة المتشرعة وسيرة العقلاء الجارية على التمسك بالخبر ، فانه بعد امضائها من قبله عليه‌السلام يثبت ان رأيه عليه‌السلام هو حجية الخبر.

اما الطريق الاول ـ وهو التمسك بالاخبار الكثيرة ـ فقد يشكل عليه بان التمسك بالاخبار لا ثبات حجية الخبر دور واضح ، اذ ما دام لم تثبت حجية الخبر كيف يتمسك لا ثبات حجيته بنفس الخبر؟ والجواب : انا نتمسك بالاخبار التي نقطع بصدورها ـ اما لتواترها او احتفافها بالقرائن القطعية ـ لا بمطلق الاخبار ، ومعه فلا دور ، اذ لا محذور في التمسك بالخبر المقطوع بصدوره لا ثبات حجية الخبر الذي لا يقطع بصدوره.

٨٩

ثم ان الاخبار التي يراد التمسك بها في المقام يمكن انهاؤها الى عشر طوائف ، وكل طائفة تدخل تحتها مجموعة من الاخبار (١). وسيتضح انها قاصرة الدلالة على المطلوب ، وهي.

١ ـ ورد ان الراوي الجليل يونس بن عبد الرحمن الفّ كتابا في الحديث اسمه يوم وليلة عرضه بعض الاصحاب على الامام العسكرى عليه‌السلام وطلب منه تقريضه فقال عليه‌السلام « هذا ديني ودين آبائي وهو الحق كله » ان هذه الرواية وامثالها تشكّل الطائفة الاولى وتدل على حجية الخبر ، اذ لو لا ذلك لم يكن معنى لقوله عليه‌السلام « هذا ديني ودين آبائى ».

ويردها : انها تدل على شهادة الامام العسكري عليه‌السلام بكون الاخبار المسجلة في كتاب يوم وليلة صادرة منهم عليه‌السلام وكأنه يريد القول ان الاخبار المسجلة في كتاب يونس صادرة يقينا من آبائي عليهم‌السلام ، وهذا لا ربط له بمقامنا ، فانا نتكلم عن ان الخبر الذي لا نعلم بصدوره هل هو حجة تعبدا او لا.

٢ ـ ورد في روايات كثيرة الحث على حفظ الحديث من الضياع وكتابته والثناء على المحدثين. وكمثال لذلك الحديث المشهور « من حفظ على امتي اربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما يوم القيامه » (٢) ، فان الخبر اذا لم يكن حجة فلا وجه للحث على حفظه ، اذ من اللغو الامر بحفظ ما ليس حجة.

ويردها : ان الامر بحفظ الحديث لا يدل على حجيته ، اذ يمكن ان لا تكون الاحاديث حجة ومع ذلك يكون حفظها في نفسه من المستحبات بل من

__________________

(١) وهي مذكورة في كتاب جامع احاديث الشيعة ١ / باب حجية اخبار الثقات ، والوسائل ١٨ باب ٨ ، ١١ من ابواب صفات القاضي

(٢) ولاجل هذا الحديث قام جماعة بتأليف كتاب بعنوان « اربعون حديثا »

٩٠

الواجبات من باب ان حفظ الشريعة لا يتحقق الا بحفظ الاحاديث (١).

٣ ـ ورد عن الامام الصادق عليه‌السلام انه قال لأبان بن تغلب : اذا قدمت الكوفة فارو لاهل الكوفة هذا الحديث : من شهد ان لا اله الا الله مخلصا وجبت له الجنة. ان هذا الخبر وامثاله يشكّل الطائفة الثالثة. وتقريب الاستدلال به : ان الخبر اذا لم يكن حجة فلا وجه للامر بروايته ، فان الامر برواية ما ليس حجة لغو.

والجواب : يكفي لزوال اللغوية افتراض ان بعض السامعين للحديث يحصل لهم اطمئنان ووثوق بصدوره ، فكأنه قيل : انقله كيما اذا حصل الاطمئنان للبعض عمل به ، وواضح ان محل الكلام هو الخبر الذي لا اطمئنان بصدوره.

٤ ـ ورد ان المنقول اليه الحديث ربما يكون افقه من الناقل ، ففي رواية ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطب الناس في مسجد الخيف فقال : نضّر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها من لم يسمعها ، فربّ حامل فقه غير فقيه وربّ حامل فقه الى من هو افقه منه ». وتقريب الاستدلال : ان نقل الخبر اذا لم يكن حجة فكيف يصير المنقول اليه افقه.

والجواب : ان حجية الاحاديث للمنقول اليه اذا كانت هي الموجب لأفقهيته فيلزم ان يكون الناقل دائما هو الافقه ، لان المنقول اليه لا تثبت عنده الاحاديث ـ لو كان نقلها حجة ـ الا ثبوتا تعبديا ولا تثبت له ثبوتا حقيقيا ، بينما الناقل حيث انه سمع الاحاديث من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فهي ثابتة له ثبوتا حقيقيا فيلزم ان يكون هو الافقه دائما. وعليه لا بد وان يكون الموجب لا فقهية المنقول اليه شيئا

__________________

(١) يبقى ان نقل الحديث اذا لم يكن حجة فلا وجه للامر بحفظه بنحو الاستحباب او الوجوب. والجواب : لعل النكته في الاستحباب او الوجوب هو ان الحديث اذا حفظ وسجل فلربما يحصل من كثرة تسجيله التواتر او الاحتفاف بالقرينة القطعية

٩١

آخر غير كون نقل الروايات حجة الا وهو ان المنقول له قد يفهم من الحديث نكات ومعان معينة لا يفهمها الناقل ولا يلتفت لها. وبكلمة اخرى : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس بصدد بيان ان نقل الحديث حجة بل بصدد ان نقل الحديث اذا كان حجة في مورد من الموارد ـ كما لو كان الحديث مما اطمئن بصدوره ـ فالشخص المنقول له لربما يكون افقه باعتبار التفاته الى نكات معينة لم يتوجه لها الناقل بل توجه الى الالفاظ فقط.

٥ ـ ورد في احاديث كثيرة تحذير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام من الكذب عليهم ، ففي بعضها : من كذب عليّ فليتبوء مقعده من النار ، كما وورد التحذير من الكاذبين عليهم ، والتحذير من الكذب والكاذبين يدل على حجية الخبر ، اذ لو لم يكن حجة لما كان هناك داع لجعل الاحاديث الكاذبة واختلاقها فانه بلا فائدة ولما كان هناك داع لتحذير اهل البيت عليهم‌السلام من الكذب والكاذبين.

والجواب : ان بالامكان افتراض عدم حجية الخبر ووجاهة التحذير من الكذب والكاذبين وذلك :

ا ـ اما لاجل ان الخبر الكاذب يولّد احيانا اطمئنانا للسامع بمضمونه فيأخذ به.

ب ـ او لاجل ان القضية التي نقل فيها الخبر ترتبط بالعقائد الاسلامية ، وواضح ان الخبر وان لم يكن حجة لكنه قد يولد احتمالا يؤثر على العقيدة ، فمثلا نحن نعتقد بعصمة الانبياء عليهم‌السلام على سبيل اليقين ولكن قد يأتي خبر يدل على عدم العصمة ويولّد احتمال عدم العصمة ، وبالتالي يزول عن انفسنا اليقين بالعصمة ، فلاجل ان لا يزول اليقين المذكور حذّر من الكاذبين والاخبار الكاذبة.

٦ ـ ورد في بعض الروايات السؤال من الامام عليه‌السلام عما اذا ابتلي بواقعة من

٩٢

الوقائع فالى من يرجع للتعرف على حكمها فاشار عليه‌السلام في بعضها الى زرارة قائلا : « اذا اردت حديثا فعليك بهذا الجالس » وفي بعضها الآخر يأمر الامام الهادي عليه‌السلام بالرجوع الى السيد الجليل عبد العظيم الحسني. وتقريب الاستدلال : ان الخبر اذا لم يكن حجة فاي معنى للارجاع الى زرارة وعبد العظيم وامثالهما.

والجواب : ان الامام عليه‌السلام لم يرجع الى عنوان الثقة بنحو يكون ذلك ضابطا كليا بل ارجع الى اشخاص معينين ، وهذا الارجاع لعله ليس من باب انهم ثقات حتى يثبت حجية خبر كل ثقة بل لعله من باب اطلاعه عليه‌السلام وعلمه بان زرارة وعبد العظيم لا يكذبان قطعا ، ومعه فلا يمكن استكشاف حجية خبر كل ثقة ، فمثلا لو شهد النجاشي بوثاقة راو معين فبشهادته وان ثبتت وثاقته شرعا لكن لا يحصل يقين وجداني بها حتى ينتفي احتمال صدور الكذب منه بل يبقى الاحتمال المذكور ثابتا ، فان اليقين التعبدي بالوثاقة لا يتنافى معه. وبكلمة اخرى : لعل الامام عليه‌السلام ارجع الى زرارة وعبد العظيم من جهة يقينه الوجداني بوثاقتهما المستلزم ذلك لزوال احتمال صدور الكذب ولا يثبت بذلك جواز الرجوع الى كل ثقه ما دام لا يقين وجداني بوثاقته.

٧ ـ الاخبار الواردة في ذم من يطرح بعض الاحاديث لمجرد عدم موافقتها لطبعه وذوقه من قبيل « واسوأهم عندي حالا وأمقتهم الذي يسمع الحديث ينسب الينا ويروى عنا فلم يقبله اشمأز منه وجحده وكفّر من دان به (١) وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج والينا اسند ». وتقريب الاستدلال : ان الخبر اذا لم يكن حجة فلا وجه للذم المذكور ، اذ طرحه ـ ما دام لم يكن حجة ـ مناسب وفي محله.

__________________

(١) دان بمعنى اعتقد ، فهم يكفّرون كل من اعتقد بمضمون الاخبار المخالفة لذوقهم

٩٣

والجواب : ان الامام عليه‌السلام ذم هولاء من جهة اعتمادهم على ذوقهم وطبعهم وعدم اعتنائهم بالشرع ومن جهة تكفيرهم لكل من يعتقد ما يخالف ذوقهم ، ان الذم من هذه الناحية وليس لمجرد عدم العمل باخبار الثقات حتى يدل ذلك على حجيتها.

٨ ـ ورد في علاج الاخبار المتعارضة الامر بأخذ الموافق للكتاب او المخالف للعامة وطرح المخالف للكتاب او الموافق للعامة. وتقريب الاستدلال : ان الخبر اذا لم يكن حجة فلا معنى لفرض التعارض وبيان كيفية علاج ذلك ، فانه عند عدم معارضته بخبر آخر اذا لم يكن حجة ففي صورة معارضته اولى بان لا يكون حجة.

والجواب : ان السائل والامام عليه‌السلام افترضا ورود خبرين هما حجة لو لا المعارضة ـ ولأجل المعارضة تحيّر السائل ماذا يفعل ـ ولكن لم يبين المقصود من ذلك الخبر الحجة فلعله الخبر القطعي الصدور ، فكأن السائل قال للامام عليه‌السلام يردنا خبران هما حجة ـ كالخبرين القطعيين صدورا ـ ولكنهما مع الاسف متعارضان فما ذا نفعل؟ ومعه فلا يمكن ان نفهم من هذه الطائفة حجية مطلق خبر الثقة وان لم يكن قطعي الصدور.

٩ ـ وورد ايضا الترجيح بالاوثقية والاشهرية وانه اذا جاء حديثان متعارضان فرجح الاوثق والاشهر. وتقريب الاستدلال ان يقال ـ كما تقدم في الطائفة السابقة ـ ان الخبر اذا لم يكن حجة فلا معنى لفرض تعارضه وتقديم وصفة العلاج له.

ودلالة هذه الطائفة على حجية الخبر تامة ولا يرد عليها ما اوردناه على الطائفة السابقة اي لا يمكن حملها على الخبرين القطعيين ، اذ في حالة قطعية

٩٤

الخبرين لا معنى للاخذ بالاوثق والاشهر ، فان اقصى ما تستلزمه او ثقية الراوي هو حصول الظن بصدور الخبر ، ونحن ما دمنا قد فرضنا ان الخبرين قطعيان فلا معنى لترجيح احدهما بما يوجب الظن بالصدور ، فان الخبر اذا كان مظنون الصدور فبواسطة الاوثقية يصير صدره مظنونا بدرجة اقوى وبالتالي يصير راجحا اما اذا كان مقطوع الصدور فبالا وثقية لا يقوى اكثر.

١٠ ـ ورد في بعض الروايات ارجاع الامام عليه‌السلام شيعته الى الثقات من اصحابه. وهي على لسانين :

ا ـ الارجاع الى عنوان « ثقاتنا » كما في الرواية التي تقول « لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا ونحملهم اياه اليهم ».

ويرده : ان الارجاع الى عنوان « ثقاتنا » لا يثبت حجية مطلق خبر الثقة ، فان عنوان « ثقاتنا » نظير عنوان « ثقتي » يطلق على الثقة الذي يكون امينا للسر وموردا للأعتماد الوثيق ، بل في تعبيرات الرواية اشارة الى ذلك ، وعليه فهذا اللسان لا يثبت حجية مطلق خبر الثقة بل حجية خبر من يكون امينا على اسرار الائمة عليهم‌السلام.

ب ـ الارجاع الى اشخاص معينين مع التعليل بانهم ثقات كما في الخبر الذي يرويه محمد بن عيسى عن عبد العزيز بن المهتدي : « قال : قلت لابي الحسن الرضا : جعلت فداك اني لا اكاد اصل اليك لأسألك عن كل ما احتاج اليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج اليه من معالم ديني؟ فقال : نعم ». ولهذه الرواية ميزة على بقية الروايات ، حيث تدل على ان حجية خبر الثقة كان امرا مركوزا وواضحا في ذهن السائل وانما كان يسأل عن

٩٥

المصداق وان يونس هل هو ثقة او لا ، والامام عليه‌السلام حيث امضى الارتكاز المذكور ولم يردع عنه يثبت حجية خبر مطلق الثقة. ولكن مع الاسف ان روايات هذا اللسان لا تبلغ حدّ التواتر حتى يمكن الاستدلال بها. اجل توجد بعض الروايات التي يمكن حصول الاطمئنان بصدورها من الامام عليه‌السلام ـ لقرائن في سندها وغيره ـ تدل على حجية خبر مطلق الثقة ، وحيث ان الاطمئنان حجة تثبت حجية الرواية المذكورة (١) وبواسطتها تثبت حجية خبر مطلق الثقة.

قوله ص ٢٣٤ س ٧ وفيما يلي نستعرض بايجاز : وفي التقرير تعرض الى خمس عشرة طائفة ولكنه لم يشر للطائفة التاسعة.

قوله ص ٢٣٤ س ١٠ التصديق الواقعي : اي انها صادقة وصادرة واقعا.

قوله ص ٢٣٤ س ١٤ وهو غير الحجية التعبدية : تقدم ان الحجية التعبدية

__________________

(١) وهي مثل رواية الكليني في كافيه عن محمد بن عبد الله الحميري ومحمد بن يحيى العطار جميعا عن عبد الله بن جعفر الحميري قال : اجتمعت انا والشيخ ابو عمرو ـ عثمان بن سعيد سلام الله عليه ـ عند احمد بن اسحاق. والرواية طويلة يحدث في جملتها الحميري عن احمد بن اسحاق عن الامام عليه‌السلام ان « العمري وابنه ثقتان فما اديا اليك عني فعني يؤديان ، وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما واطعمهما فانهما الثقتان المأمونان » الى آخر الرواية ، فان مراجعة رجال سند الرواية توجب الاطمئنان بصدورها ، فالكليني هو الثقة الامين كما يعرفه الكل ، ومحمد الحميري والعطار من وجوه الاصحاب واجلائهم ، وكلاهما ينقل عن عبد الله بن جعفر الحميري الذي قال عنه النجاشي انه شيخ اصحابنا في قم ، واعطف عليه احمد بن اسحاق فانه من اجلاء الاصحاب ايضا ، وبعد هذا كيف لا يحصل الاطمئنان بصدور الرواية المذكورة التي رجالها بالشكل الذي ذكرناه. هذا من حيث صدور الرواية ، واما دلالتها فهي واضحة في حجية خبر مطلق الثقة ، فانه عليه‌السلام حينما قال « وما قالا لك فعني يقولان » فالمقصود لانهما ثقتان. وللتوسع اكثر يمكن مراجعة كتاب مباحث الدليل اللفظي ج / ٤ ص ٣٩٠

٩٦

هي بمعنى جعل الخبر حجة عند عدم العلم بصدوره. ومعنى العبارة : ان اخبار الامام عليه‌السلام بمطابقة رواية يونس للواقع وصدورها واقعا ليس هو المطلوب وهو كون الخبر حجة عند الشك في صدوره ومطابقته للواقع.

قوله ص ٢٣٥ س ١٠ في وجاهته : اي في زوال اللغوية عنه. وتقدير العبارة هكذا : ان الامر بنقل الحديث المذكور يكفي في زوال اللغوية عنه احتمال صيرورته حجة بسبب حصول الوثوق بصدوره للسامع ، ولا يتوقف على افتراض الحجية التعبدية التي معناها جعل الخبر حجة عند الشك في صدوره.

قوله ص ٢٣٦ س ١ يثبت المنقول : اي الرواية المنقولة. والمقصود من ثبوت الرواية تعبدا كونها حجة تعبدا. وقوله « من هذه الناحية » اي من ناحية ثبوت الرواية المنقولة.

قوله ص ٢٣٦ س ٥ وفي ذلك : اي في ادراك المعاني واستيعابها.

قوله ص ٢٣٦ س ١٠ خطأ : متعلق به « اقتناع ».

قوله ص ٢٣٦ س ١٥ بدون اعطاء ضابطة كلية للارجاع : اي من دون ان يقال ارجع الى كل ثقة او ارجع الى زرارة وعبد العظيم لانهما ثقتان حتى يستفاد حجية خبر مطلق الثقة.

قوله ص ٢٣٧ س ٦ مطلقا : اي حتى في حالة احتمال تعمد الكذب.

قوله ص ٢٣٨ س ٢ مع ان مجرد عدم الحجية ... الخ : اي ان فرض مخالفة الرواية للطبع والذوق بل وفرض عدم حجيتها لا يسوّغ التسرع في انكارها كما ولا يسوغ تكفير من اعتقد بها وانما المناسب لعدم الحجية هو التشكيك دون الانكار والتكفير ، وهذا كما هو الحال في خبر الفاسق فانه ليس بحجة جزما ولكن ذلك لا يسوغ الجزم بعدم مطابقته للواقع.

٩٧

قوله ص ٢٣٨ س ١٣ وقوة الظن بصدوره : عطف تفسير على قوله « زيادة قيمة الخبر ».

قوله ص ٢٣٩ س ١ بشكل وآخر : قوله « بشكل » اشارة الى اللسان الاول ، وقوله « واخر » اشارة الى اللسان الثاني. وقوله « الارجاع الى كلي الثقة ابتداء » اشارة الى اللسان الاول. وقوله « واما تعليلا ... الخ » اشارة الى اللسان الثاني. وقوله « على نحو يفهم منه الضابط الكلي » يراد به على وجه يفهم منه حجية خبر مطلق الثقة.

قوله ص ٢٤٠ س ١ ان مناط التحويل : اي ولما كان المرتكز في ذهن الراوي ان مناط جواز الرجوع الى يونس وغيره هو الوثاقة والامام عليه‌السلام أقر هذا الارتكاز ... الخ.

الطريق الثاني.

قوله ص ٢٤٠ س ٨ والطريق الآخر لاثبات ... الخ : ذكرنا آنفا وجود طريقين لا ثبات السنة هما : التمسك بالاخبار وبالسيرة. والكلام فيما سبق كان عن الطريق الاول ، والآن نتكلم عن الطريق الثاني وهو السيرة. وللسيرة تقريبان :

١ ـ سيرة المتشرعة ـ اي اصحاب الائمة عليهم‌السلام ـ على العمل بالاخبار في مجال الاحكام الشرعية ، فاصحاب الامام الهادي والعسكري عليهما‌السلام وصلتهم اخبار كثيرة من الامامين الباقر والصادق عليهما‌السلام وكانوا يعملون بها جزما ، وهو يدل على حجيتها وان جواز العمل بها قد وصلهم من الائمة عليهم‌السلام.

وهنا سؤالان سبق الجواب عنهما في الحلقة الثانية :

ا ـ كيف نثبت ان سيرة اصحاب الامامين العسكريين عليهما‌السلام كانت جارية

٩٨

على العمل بالاخبار الواصلة لهم من الامامين الصادقين عليهما‌السلام.

ب ـ ما الدليل على حجية السيرة المذكورة على تقدير التسليم بتحققها؟

اما السؤال الاول فجوابه : ان اصحاب الامامين العسكريين عليه‌السلام واجهوا اخبارا كثيرة وصلتهم عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة السابقين عليهم‌السلام ، وموقفهم اتجاهها اما ايجابي بمعنى العمل بها او سلبي بمعنى رفضها. فان كانوا يعملون بها فذاك هو المطلوب والا فنسأل عن سبب رفضهم لها والحال ان العادة والذوق العقلائي يقتضيان العمل باخبار الثقات ، ان السبب لا بد وان يكون هو نهي الائمة عليهم‌السلام عن العمل باخبار الثقات ، اذ لا يوجد سبب غير ذلك ، ولكنه سبب باطل ، اذ لو كان قد صدر نهي عن العمل بالاخبار فاللازم كونه قويا لان قوة الردع لا بد وان تتناسب وقوة المردوع ، وحيث ان السيرة على العمل باخبار الثقات قوية فالنهي عنها لا بد وان يكون بتلك القوة ، والنهي القوي لم يصدر جزما والا لوصلنا ، وحيث لم يصل دل ذلك على عدم صدوره وبالتالي على عمل الاصحاب باخبار الثقات وهو المطلوب.

واما السؤال الثاني فجوابه : ان عمل اصحاب العسكريين عليهما‌السلام باخبار الثقات اما ان يكون بما هم متشرعة واصحاب لأهل البيت عليهم‌السلام لا يتحركون بحركة الا وهي موافقة لرأيهم عليهم‌السلام او يكون بما هم عقلاء ولهم ذوق عقلائي يقتضي العمل بخبر الثقة في جميع المجالات ومنها مجال الحكام الشرعية. فان كانوا يعملون بها بما هم متشرعة فلازم ذلك رضا المعصوم عليه‌السلام بالعمل باخبار الثقات والا لم يكونوا متشرعة ومتقيدين برأي الائمة عليهم‌السلام ، وان كانوا يعملون بما هم عقلاء فحينئذ نقول لو كان عملهم هذا غير مرضي للمعصوم عليه‌السلام لردع عنه وحيث لم

٩٩

يردع دل ذلك على رضاه (١).

٢ ـ التمسك بسيرة العقلاء ، فانا نرى جميع العقلاء يعملون بخبر الثقة في جميع قضاياهم بدون فرق بين الشخصية منها ـ والمعبر عنها بالاغراض التكوينية كأخبار الثقة عن عودة بعض الاصدقاء من السفر ، فانه يعتمد عليه ـ وقضاياهم التشريعية المعبر عنها بالاغراض التشريعية كأخبار الثقة بامر الاب بشراء حاجة معينة ، فانه يعتمد عليه وتشترى تلك الحاجة

وبعد هذا يقال : حيث ان من المحتمل تطبيق العقلاء سيرتهم هذه في يوم من الايام في مجال الاحكام الشرعية ـ جريا على عادتهم وذوقهم العقلائي القاضي بالعمل بخبر الثقة في جميع المجالات ـ فلو لم يكن ذلك مرضيا له عليه‌السلام فلا بد من باب الاحتياط والحذر المسبق من النهي عن العمل بخبر الثقة في المجال الشرعي ، وحيث لم يصل الردع المذكور دل ذلك على عدم صدوره.

يبقى شيء وهو انه يوجد فارق بين هذين الشكلين من السيرة ، ففي سيرة العقلاء لم نفترض ان العقلاء جرت سيرتهم بالفعل على العمل بخبر الثقة في المجال الشرعي ، بل ولا حاجة الى هذا الافتراض ، وانما كنا نفترض ان من المحتمل تطبيقها في يوم من الايام في المجال الشرعي ، فاحتمال تطبيقها يكفي لاستكشاف امضائها بلا حاجة الى افتراض تطبيقها الفعلي على المجال الشرعي ، وهذا بخلافه في سيرة المتشرعة ، فانا كنا نفترض ان اصحاب الائمة عليهم‌السلام كانت سيرتهم قد

__________________

(١) لا يخفى وجود فارق بين سيرة العقلاء وسيرة المتشرعة ، ففي سيرة العقلاء نحتاج الى دليل يدل على امضائها فيقال انه حيث لم يردع عنها دل ذلك على امضائها ، بينما في سيرة المتشرعة لا نحتاج الى دليل على الامضاء ، فان نفس جريان سيرة المتشرعة على شيء يدل على رضا المعصوم به ، والا لم يكونوا متشرعة ومتقيدين برضاه عليه‌السلام

١٠٠