الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

اقتضاء الحرمة للبطلان :

قوله ص ٤١٩ س ١ لا شك في ان النهي المتعلق بالعبادة ... الخ :

حاصل المبحث المذكور ان الحرمة اذا تعلقت بالصلاة مثلا كأن قيل لا تصل في المغصوب فهل هذه الحرمة تقتضي فساد الصلاة بحيث يلزم اعادتها من جديد؟ وفرق هذا المبحث عن المبحث السابق الذي كان يقول ان وجوب الشيء هل يقتضي حرمة ضده او لا هو انه في البحث السابق كان يبحث عن الامر بالازالة هل يقتضي حرمة الصلاة او لا فاذا اختير القول بالاقتضاء وان الصلاة منهي عنها يأتي الدور لمبحثنا هذا فيقال بعد ما ثبت تعلق الحرمة بالصلاة فهل توجب حرمتها فسادها او لا. وعليه فمبحثنا هذا مترتب على المبحث السابق.

وبعد هذا نعود الى الكتاب ، وقبل الدخول في صلب الموضوع لا بدّ وان نعرف ان محل كلامنا هو النهي التكليفي دون الارشادي ، فان النهي قد يكون ارشاديا مثل « لا تصل فيما لا يؤكل لحمه » او « لا تبع بغير كيل » ، فان النهي في الاول ارشاد الى ان لبس جلد او شعر الحيوان الذي يحرم اكله مانع من صحة الصلاة وموجب لبطلانها ، وهكذا النهي في الثاني هو ارشاد الى شرطية الكيل والعلم بالعوضين في صحة البيع.

ووجه خروج النهي المذكور عن محل البحث هو ان الفساد والبطلان مضمون النهي الارشادي فهو يرشد الى الفساد ، ولا معنى للبحث عن اقتضائه للفساد بعد ان كان الارشاد الى الفساد مضمونه ، ومن هنا يكون البحث مختصا

٤٨١

بالنهي التكليفي من قبيل النهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة او النهي عن الصلاة في المغصوب (١) ، فان النهي في هذين المثالين تكليفي حيث ان مخالفته توجب استحقاق العقوبة.

وبعد اتضاح اختصاص محل البحث بالنهي التكليفي نقول : ان الكلام يقع تارة في النهي عن العبادة واخرى في النهي عن المعاملة. وبعبارة اخرى تارة يبحث هل النهي عن مثل الصلاة يقتضي فسادها بمعنى لزوم اعادتها من جديد او لا؟ واخرى يبحث هل النهي عن مثل البيع يقتضي فساده بمعنى عدم ترتب الملكية على البيع؟

اقتضاء الحرمة لبطلان العبادة :

قوله ص ٤١٩ س ٧ والمعروف بينهم ان الحرمة ... الخ : المعروف بين الاصوليين في النهي عن العبادة اقتضاؤه لفسادها. ولكن ما هي نكتة ذلك؟ يمكن ذكر ثلاثة تقريبات لذلك :

١ ـ لو قلنا بان الامر بالازالة مثلا يقتضي النهي عن الصلاة فهذا النهي يكشف عن ان اطلاق « اقيموا الصلاة » لا يشمل الصلاة المقارنة للنجاسة في المسجد ، اذ لو كان شاملا لها يلزم تعلق الامر والنهي بعنوان واحد وهو عنوان الصلاة وذلك باطل. اذن من وجود النهي عن الصلاة حين تواجد النجاسة نستكشف عدم تعلق الامر بها ، ومع عدم تعلقه بها تقع فاسدة.

وقد يقال : لماذا لا تقع الصلاة صحيحة بواسطة المصلحه والمحبوبية باعتبار

__________________

(١) ينبغي الالتفات الى عدم وجود نص ينهى عن الصلاة في المغصوب بلسان لا تصل في المغصوب وانما الثابت هو النهي عن التصرف في مال الغير بدون رضاه ، والصلاة الواقعة في المغصوب تكون منهيا عنها باعتبار انها مصداق للتصرف غير المرضي

٤٨٢

ان صحة الصلاة لا تتوقف على وجود الامر بل يكفي فيها وجود المصلحة والمحبوبية؟

والجواب : ان الامر اذا لم يكن متعلقا بالصلاة المقارنة للنجاسة فمن اين يستكشف وجود المصلحة فيها؟ ان الكاشف ليس الا الامر ، واذ لا امر فلا كاشف.

ثم ان هذا التقريب لو كان تاما نطرح الاسئلة الثلاثة التالية :

أ ـ هل التقريب المذكور يثبت بطلان الصلاة في خصوص صورة علم لمكلف بالنهي او يعم صورة جهله به؟ انه يعم صورة الجهل ايضا ، اذ مع تعلق النهي بالصلاة واقعا فلا امر بها واقعا سواء كان المكلف عالما بتعلق النهي ام لا.

ب ـ وهل التقريب المذكور يثبت البطلان في خصوص الامور العبادية او يعم التوصلية ايضا؟ كما لو امر المولى بالكنس ونهى عن استعمال الوسيلة الكهربائية ، فلو تحقق الكنس بالوسيلة الكهربائية وقع منهيا عنه ، والنهي المذكور نهي عن امر توصلي. الصحيح عمومية البطلان لذلك ، اذ مع تعلق النهي بالامر التوصلي لا يكون اطلاق الامر شاملا له ، ومع عدم شموله له لا يقع مصداقا للمأمور به.

ج ـ وهل التقريب المذكور يثبت البطلان في خصوص ما اذا كان النهي نفسيا او يعم الغيري ايضا؟ انه يعم الغيري ـ كالنهي عن الصلاة حين وجود النجاسة في المسجد ، فان النهي عن الصلاة غيري اي هو ناشىء من كون ترك الصلاة مقدمة للازالة الواجبة ـ اذ مع تعلق النهي بالصلاة ولو كان غيريا فلا يمكن شمول اطلاق امر « اقيموا الصلاة » لها.

ومن خلال هذا اتضح ان هذا التقريب لو تم فهو عام من جميع الجهات

٤٨٣

الثلاث ، اي هو عام للجاهل والامور التوصلية والنهي الغيري.

٢ ـ والتقريب الثاني لاقتضاء النهي للفساد ان النهي عن العبادة يكشف عن مبغوضيتها للشارع ، ومع مبغوضيتها فلا يمكن الاتيان بها على وجه التقرب فتقع باطلة اذ شرط صحة العبادة وقوعها على وجه قربي.

وهذا التقريب لو تم نطرح نفس الاسئلة الثلاثة السابقة وهي :

أ ـ هل التقريب المذكور يعم صورة الجهل ايضا؟ كلا بل يختص بالعالم اذ الجاهل لا يعلم بمبغوضية العمل للشارع كي لا يمكنه قصد التقرب.

ب ـ وهل يعم الامور التوصلية؟ كلا بل يختص بالعباديات لانها التي تحتاج الى قصد القربة.

ج ـ وهل يعم النهي الغيري (١)؟ نعم يعمه ايضا ، اذ كما ان النهي النفسي يكشف عن المبغوضية كذلك الغيري يكشف عنها ، غاية الامر ان الغيري يكشف عن المبغوضية الغيرية دون النفسية ، ومن الواضح انه كما لا يمكن قصد التقرب في حالة المبغوضية النفسية كذلك لا يمكن قصده في حاله المبغوضية الغيرية.

وبهذا اتضح ان هذا التقريب خاص من الجهة الاولى والثانية وعام من الجهة الثالثة.

٣ ـ ان الحرمة اذا تعلقت بالعبادة حكم العقل بقبح الاتيان بها ، ومعه فلا يمكن قصد التقرب بها لعدم امكان التقرب بالقبيح. وفرق هذا التقريب عن سابقه انه في السابق كان العقل يستكشف كون الفعل مبغوضا من دون ان يحكم هو بالمبغوضية واما في هذا التقريب فالعقل هو الذي يحكم بقبح الفعل لا انه

__________________

(١) هذا السؤال لم يتعرض له في عبارة الكتاب وكان من المناسب التعرض له كما تعرض له في مباحث الدليل اللفظي ج ٣ ص ١١٦

٤٨٤

يستكشف ذلك.

وعلى تقدير تمامية هذا التقريب نطرح الاسئلة السابقة ايضا وهي :

أ ـ هل يعم التقريب المذكور الجاهل بالنهي؟ كلا لا يعم ، اذ مع الجهل بالنهي لا يقبح صدور الفعل حتى يمتنع قصد التقرب به.

ب ـ وهل يعم الامور التوصلية؟ كلا بل يختص بالعباديات ، اذ الامور التوصلية لا يشترط فيها قصد القربة.

ج ـ وهل يعم النهي الغيري؟ كلا لان العقل لا يحكم بقبح مخالفة النهي الغيري قبحا مستقلا مغايرا لقبح مخالفة النهي النفسي بل القبيح هو مخالفة النهي النفسي فقط ، واما مخالفة النهي الغيري فتقبح بما انها مقدمة وشروع في مخالفة النهي النفسي والا فهي في نفسها لا تكون قبيحة حتى يمتنع قصد التقرب.

وبهذا اتضح ان هذا التقريب خاص من جميع الجهات الثلاث بخلاف التقريب الاول فانه عام من جميع الجهات الثلاث وبخلاف التقريب الثاني فانه خاص من الجهة الاولى والثانية وعام من الجهة الثالثة.

اقسام النهي عن العبادة :

قوله ص ٤٢٠ س ١٦ ثم اذا افترضنا ... الخ : للنهي عن العبادة اشكال ثلاثة :

١ ـ ان يكون متعلقا بالعبادة بكاملها كالنهي عن الصلاة حين وجود النجاسة في المسجد.

٢ ـ ان يكون متعلقا بجزء العبادة لا بجميعها ، كالنهي عن قراءة سور العزائم في الصلاة ، فان القراءة جزء من الصلاة والنهي عنها نهي عن جزء الصلاة.

٤٨٥

٣ ـ ان يكون متعلقا بشرط العبادة كالنهي عن الوضوء بالماء المغصوب ، فان الوضوء شرط للصلاة والنهي عنه نهي عن شرط الصلاة.

وبعد اتضاح هذه الاشكال الثلاثة نطرح هذا السؤال وهو انه بناء على اقتضاء النهي عن العبادة فسادها فهل الاقتضاء المذكور يعم جميع هذه الاشكال الثلاثة او يختص ببعضها؟ والجواب : اما بالنسبة الى النهي عن العبادة بكاملها فهو القدر المتيقن فلو قلنا بان النهي عن العبادة يقتضي الفساد فالقدر المتيقن من ذلك هو النهي عن العبادة بكاملها.

واما بالنسبة للنهي عن جزء العبادة فهو ايضا يقتضي الفساد اذ جزء العبادة ـ كالقراءة مثلا ـ عبادة ايضا ، ومعه فيكون النهي عنه نهيا عن العبادة وهو يقتضي الفساد. ولكن بفساد القراءة مثلا هل تفسد الصلاة؟ والجواب : لو فرض اقتصار المكلف على قراءة العزيمة المنهي عنها وعدم قراءة سورة اخرى بعدها فصلاته باطلة جزما لان القراءة جزء من الصلاة وبطلان الجزء يستدعي بطلان الكل. واما اذا قرأ بعدها سورة اخرى وقعت صحيحة ـ لتحقق الجزء الصحيح ـ لو لم نقل بان القراءة الثانية تعد زيادة في الصلاة وكل زيادة مبطلة.

واما بالنسبة للنهي عن الشرط فالمناسب هو التفصيل بين كون الشرط عبادة وبين غيره ، فان كان عباده كالوضوء مثلا فالنهي عنه موجب لفساده ومع فساد الشرط يفسد المشروط ، وان لم يكن عبادة ـ كستر العورة بالقماش المغصوب فان الستر شرط وليس عبادة ـ فالنهي عنه لا يقتضي البطلان لا من ناحية نفس الشرط ولا من ناحية المشروط.

اما انه لا موجب للفساد من ناحية نفس الشرط فلأن المفروض عدم كون الستر عبادة ، ومعه فلا وجه لبطلانه بالنهي.

٤٨٦

واما انه لا موجب للبطلان من ناحية المشروط فلأن المفروض ان الشرط صحيح وليس فاسدا ، ومع صحة الشرط يكون المشروط واجدا لشرطه ولا موجب لبطلانه (١).

ان قلت : كيف يمكن ان يكون شرط الصلاة ليس عبادة والحال ان الامر بالصلاة امر عبادي ، وحيث ان الامر بالصلاة يرجع الى تعلق الامر باجزاء الصلاة وشرائطها فاللازم ان تكون جميع اجزائها وشرائطها عبادة.

قلت : تقدم ص ٣٨١ من الحلقة ان الامر النفسي المتعلق بالمركب لا يكون متعلقا بالشرائط حتى يلزم صيرورة جميع الشرائط عبادية بل هو متعلق بالتقيد بالشرط لا بنفس الشرط اذ لو كان متعلقا بنفس الشرط يلزم عدم الفرق بين الجزء والشرط ، فالركوع مثلا جزء من الصلاة لان الامر المتعلق بالصلاة متعلق به ، واما ستر العورة فالامر بالصلاة لا يكون متعلقا به بل هو متعلق بالتقييد بالستر اذ لو كان متعلقا بنفس الستر لزم صيرورته جزء كالركوع لا شرطا.

والى هنا ننهي الكلام عن اقتضاء النهي لفساد العبادة ونتكلم عن اقتضائه لفساد المعاملة.

اقتضاء الحرمة لبطلان المعاملة :

قوله ص ٤٢١ س ١٥ وتحلل المعاملة ... الخ : كل معاملة تتركب من جزئين : سبب ومسبب ، فالبيع مثلا يتركب من سبب ـ وهو العقد اي الايجاب والقبول ـ ومن مسبب وهو انتقال الملكية. والنهي عن المعاملة تارة يكون راجعا الى السبب واخرى الى المسبب.

__________________

(١) اوضحنا المطلب في هذا الموضع بشكل آخر غير ما هو الموجود في الكتاب لانه الانسب

٤٨٧

مثال النهي عن السبب : النهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة فان المنهي عنه ليس هو المسبب ـ اي حصول الملكية ـ اذ الشارع لا يبغض حصول الملكية بسبب الارث او بسبب آخر غير البيع وانما يكره نفس الايجاب والقبول الذي هو السبب لانه الذي يشغل عن صلاة الجمعة دون حصول الملكية فانه لا يشغل عنها.

ومثال النهي عن المسبب : النهي عن بيع المصحف للكافر ، فان المنهي عنه هو ملكية الكافر للمصحف ولذا لو حصلت ـ الملكية ـ من سبب آخر غير البيع كانت مبغوضة ايضا ، فالشارع يبغض ملكية الكافر للمصحف ولو عن طريق الهبة مثلا ولا خصوصية لحصولها من الايجاب والقبول البيعي.

وباتضاح هذا نبحث :

أ ـ هل النهي عن السبب يقتضي الفساد؟

ب ـ هل النهي عن المسبب يقتضي الفساد؟

اما بالنسبة الى السؤال الاول فالمعروف بين الاصوليين ان النهي عن السبب لا يقتضي الفساد ، فلربما يكون السبب منهيا عنه ومبغوضا للشارع ومع ذلك يترتب عليه الاثر لو حصل كما هو الحال في الظهار ، فان قول الزوج لزوجته « انت عليّ كظهر امي » محرم ولكن مع ذلك يترتب الاثر على القول المذكور بمعنى ان الزوجة تصير محرمة عليه. وايجاد النار مثلا في مكان معين قد يكون مبغوضا ومنهيا عنه من قبل المولى ولكن مع ذلك لو حصل اثّر اثره وهو الاحراق.

واما بالنسبة للسؤال الثاني ـ وهو ان النهي عن المسبب هل يقتضي الفساد او لا ـ فقبل الاجابة عنه نذكر شبهة تقول ان تعلق النهي بالمسبب اي بالملكية ليس معقولا في نفسه حتى يبحث عن اقتضائه الفساد فانه يشترط في تعلق النهي

٤٨٨

بشيء القدرة على متعلقه ، ومن الواضح ان السبب ـ اي الايجاب والقبول ـ هو فعل للمكلف ومقدور له فيمكن تعلق النهي به ، واما الملكية التي هي المسبب فليست فعلا للمكلف ليمكن تعلق النهي بها.

والجواب : ان الملكية وان لم تكن فعلا للمكلف بالمباشرة ولكنها مقدورة له بواسطة سببها فان المكلف ما دام قادرا على ايجاد السبب فهو قادر على ايجاد المسبب ، وهذا المقدار من القدرة يكفي في صحة تعلق النهي فان شرط تعلق النهي هو القدرة على متعلقه سواء كانت بالمباشرة ام بواسطة السبب (١).

وبعد هذا نرجع الى صلب الموضوع وهو ان النهي عن المسبب هل يقتضي الفساد او لا؟ قد يقال باقتضائه الفساد لوجهين :

١ ـ ان النهي عن الملكية ـ التي هي المسبب ـ يدل على مبغوضيتها للشارع ، ومع مبغوضيتها له كيف يحكم بها عند حصول السبب ، ان حكم الشارع بثبوتها يتنافى وكونها مبغوضة عنده ، وعدم حكمه معناه بطلان المعاملة (٢).

وفيه : ان حصول الملكية بالبيع مثلا يتوقف على توفر امرين :

أ ـ صدور الايجاب والقبول (٣) اذ بدون ذلك لا يمكن حصول الملكية.

ب ـ حكم الشارع بالملكية بعد صدور الايجاب والقبول فانه من دون حكمه بها بعد صدورهما لا يمكن تحققها. اذن حصول الملكية ـ التي هي المسبب ـ يتوقف على صدور الايجاب والقبول وعلى حكم الشارع.

وباتضاح هذا نقول : ان الشارع اذا نهى عن الملكية فنهيه هذا وان دل على

__________________

(١) ويصطلح على الفعل بالمباشرة ـ كالايجاب والقبول ـ بالفعل المباشري وعلى المقدور بواسطة السبب بالفعل التسبيبي او التوليدي

(٢) نسب في تهذيب الاصول ج ١ ص ٣٣٢ هذا الوجه الى الشيخ الأعظم في تقريراته

(٣) المقصود من الايجاب والقبول ليس خصوص اللفظيين بل ما يعم الفعليين الحاصلين

٤٨٩

مبغوضيتها له ولكن لعلها مبغوضة له من ناحية الامر الاول دون الامر الثاني ، اي لعلها مبغوضة له من ناحية الايجاب والقبول فقط فهو يبغض الملكية بمعنى بغضه ايجادها بالايجاب والقبول من دون بغضه لها بعد تحقق الايجاب والقبول. ويمكن استيضاح ذلك بمثال القتل فانه ـ القتل ـ يتوقف على امرين : امرار السكين على رقبة المقتول وكونها قابلة للقتل وليست كالخشبة ، والمولى اذا نهى عن القتل دل ذلك على مبغوضيته القتل ولكن اقصى ما يدل النهي عليه هو مبغوضية القتل من ناحية امرار السكين فهو يكره امرار السكين ولا يلزم ان يكون مبغضا لكون السكين ذات قابلية للقتل بل ذلك لعله محبوب له.

٢ ـ ما ذكره الميرزا قدّس سره من ان النهي عن تمليك المصحف للكافر مثلا يدل على ان المسلم لا سلطنة له على تمليك المصحف للكافر فهو مسلوب السلطنة من هذه الناحية ومحجور عليه وحاله اشبه بالطفل ، فكما انه لا سلطنة له على التصرف في امواله كذلك البالغ في المثال المذكور ، ومع الحجر وسلب السلطنة يقع البيع باطلا لان شرط صحته وجود السلطنة.

وفيه : ما المقصود من كون النهي يدل على الحجر وسلب السلطنة؟ فهل المقصود الحجر التكليفي بمعنى ان بيع المصحف محرم على المسلم ويعاقب عليه او المقصود هو الحجر الوضعي بمعنى انه لا يتحقق الانتقال منه ويكون بيعه باطلا؟ فان كان المقصود هو الاول فهو مسلم ولكن ذلك لا يستلزم فساد المعاملة وعدم تحقق الانتقال ، وان كان المقصود هو الثاني فذاك اول الكلام فنحن لا نسلم ان النهي عن بيع المصحف يدل على الحجر بهذا المعنى.

وبهذا اتضح كما ان النهي عن السبب لا يقتضي الفساد كذلك النهي عن المسبب لا يقتضيه ، بل يمكن ان نقول اكثر من هذا انه ليس فقط لا يقتضي الفساد

٤٩٠

بل يقتضي الصحة وتحقق المسبب (١) باعتبار ان الشارع لا ينهى عن شيء الا اذا كان ذلك الشيء مقدورا للمكلف ، فهو حينما ينهى عن تمليك المصحف للكافر لا بدّ وان يكون حصول التمليك امرا مقدورا للمسلم والا فلا معنى للنهي عنه ، ومن الواضح ان التمليك لا يكون مقدورا الا اذا كانت المعاملة صحيحة اذ لو كانت باطلة لزم عدم امكان تحقق الملكية وعدم كونها مقدورة.

قوله ص ٤١٩ س ٩ ودليلا : عطف تفسير على قوله « خطابا ». اي ان النهي عن الصلاة حالة وجود النجاسة في المسجد يدل على ان الخطاب بالوجوب لا يشمل متعلق الحرمة اي لا يشمل الصلاة حالة وجود النجاسة في المسجد.

قوله ص ٤٢٠ س ١١ يمكنه التقرب : كان من المناسب ان يضاف الى ذلك قوله وتعم الحرمة الغيرية كما اشرنا لذلك سابقا.

قوله ص ٤٢٠ س ١٢ وبفرض تنجز الحرمة : اي فرض العلم بالحرمة ، فان فرض العلم بالحرمة هو فرض تنجز الحرمة.

قوله ص ٤٢١ س ٣ المفرد : الصواب : الفرد.

قوله ص ٤٢١ س ٦ لبغض العبادات : الصواب : لبعض العبادات. ثم ان هذا البعض هو مثل الصلاة فان الزيادة والتكرار فيها قد يكون مضرا ، وهذا بخلاف مثل الحج ، فان تكرار صلاة الطواف فيه او الهدي ليس مبطلا.

قوله ص ٤٢١ س ١٠ فلأن عبادية : كان من المناسب ان يقال : فلأنه بعد صحة الشرط وعدم فساده يكون المشروط تاما ثم بعد ذلك يبين هذا المطلب بلسان ان قلت قلت.

__________________

(١) نسب القول باقتضاء النهي عن المعاملة للصحة الى ابي حنيفة واختاره الآخوند وجماعة ممن تأخر عنه

٤٩١

قوله ص ٤٢٢ س ٢ والعقد : عطف تفسير على « الانشاء ».

قوله ص ٤٢٢ س ٥ باعتباره فعلا : هذا اشارة الى الاشكال والجواب الذي اشرنا له سابقا.

قوله ص ٤٢٢ س ١٤ للمضمون : وهو الملكية مثلا.

قوله ص ٤٢٣ س ١٤ كما اشرنا اليه في حلقة سابقة : ص ٢٩٤.

٤٩٢

الملازمة بين حكم

العقل والشرع

٤٩٣
٤٩٤

الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع :

قوله ص ٤٢٤ س ١ ينقسم الحكم العقلي الى قسمين ... الخ :

هذا المبحث هو آخر قضية عقلية تبحث في هذا الكتاب ، فانه تقدم سابقا ان الدليل على الحكم الشرعي تارة يكون شرعيا واخرى عقليا. والمراد من الدليل العقلي هو كل قضية يحكم بها العقل كحكمه بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته وحكمه بالملازمة بين وجوب الشيء وحرمة ضده و ... وكان بداية البحث عن هذه القضايا ص ٢٩٨ واولها هي قضية استحالة التكليف بغير المقدور وخاتمتها هي هذه القضية اي قضية الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.

وبالرغم من تكرر سماع وقراءة القضية المذكورة في ثنايا كلمات الاصوليين الا انهم لم يفردوا لها بحثا مستقلا ، ولئن تحدثوا عنها قليلا فذلك ضمن ابحاث اخرى (١) وبحثها في هذا الكتاب تحت عنوان مستقل يسترعي انتباه القارىء يعد من احدى حسناته.

__________________

(١) فقد ذكرها الميرزا في مبحث التجري عند البحث عن ان قبح الفعل المتجرى به هل يستلزم حرمته شرعا فراجع اجود التقريرات ج ٢ ص ٣٦ وفوائد الاصول ج ٣ ص ٦٠ ومصباح الاصول ج ٢ ص ٢٦

٤٩٥

منهجة البحث :

ويمكن منهجة مطالب هذا البحث ضمن النقاط التالية :

١ ـ قام الاعلام بتقسيم الحكم العقلي الى قسمين فتارة :

أ ـ يتعلق الحكم العقلي بامر واقعي ثابت في عالم الواقع ولا ارتباط له بحيثية العمل كحكم العقل باستحالة اجتماع النقيضين او استحالة الدور والتسلسل او امكان اجتماع المتخالفين ، فان استحالة اجتماع النقيضين امر ثابت في عالم الواقع ولا ارتباط له بحيثية العمل ، والعقل بحكمه هذا يريد الكشف عن حقيقة ثابتة في الواقع لا ارتباط لها بحيثية العمل. ويسمى مثل هذا الحكم بالحكم العقلي النظري. وسبب التسمية واضح حيث ان متعلق الحكم ليس امرا عمليا بل امرا واقعيا نظريا.

واخرى يتعلق بامر عملي ويسمى بالحكم العقلي العملي كحكم العقل بان الصدق ينبغي فعله والكذب لا ينبغي فعله (١) ، ان هذا الحكم يرتبط بحيثية العمل كما هو واضح ومن هنا يسمى بالحكم العقلي العملي.

٢ ـ وقع الكلام بين الاعلام في ان صفة الحسن والقبح ـ المعبر عنهما بجملة ينبغي فعله او لا ينبغي ـ هل هي من الامور الواقعية الثابتة في عالم الواقع او من الاحكام العقلائية؟ ان هذا بحث يأتي بشكل واضح ص ٤٢٦ من الحلقة ، وهنا وقع التلميح له في عبارة الكتاب. ولتوضيحه نقول : هناك رأي يقول ان الحسن والقبح هما من الاحكام العقلائية بمعنى ان الله سبحانه بعد ان خلق العقلاء واتفقوا على ان الصدق ينبغي فعله ثبتت بعد ذلك صفة الحسن للصدق وعندما اتفقوا على

__________________

(١) يمكن ابدال جملة ينبغي فعله بكلمة حسن كما ويمكن ابدال جملة لا ينبغي فعله بكلمة قبيح ، اذن قولنا ينبغي فعله ـ حسن ، وقولنا لا ينبغي فعله ـ قبيح

٤٩٦

ان الكذب لا ينبغي فعله ثبتت بعد ذلك صفة القبح له ، فصفة الحسن والقبح لا وجود لها في عالم الواقع قبل خلق العقلاء بل ينسب الى ابن سينا انه كان يقول ان حسن العقل وقبح الظلم حكمان من العقلاء يتولدان نتيجة آداب وعادات اجتماعية معينة بحيث لو فرض ان الانسان خلق وحيدا ولم يعش تلك العادات والآداب لما ادرك بعقله حسن العدل وقبح الظلم.

وهناك رأي ثان يقول : ان صفة الحسن والقبح من الصفات الواقعية الثابتة في الواقع بقطع النظر عن العقلاء ، فكما ان استحالة اجتماع النقيضين هي من القضايا الواقعية الثابتة في الواقع حتى قبل وجود العقلاء كذلك حسن الصدق وقبح الكذب مثلا (١).

والصحيح هو الرأي الثاني كما تأتي البرهنة عليه. وبناء عليه قد يقال : ما هو الفرق اذن بين الحكم النظري والحكم العملي بعد عدّ صفة الحسن والقبح من الصفات الثابتة في عالم الواقع كصفة استحالة اجتماع النقيضين.

والجواب : ان صفة الحسن والقبح وان كانت صفة واقعية الا انها ترتبط بجنبة العمل ، بل ان جنبة العمل مستبطنة فيها ، فحينما يقال هذا حسن يعني فعله وحينما يقال هذا قبيح يعني فعله ، وهذا بخلاف صفة استحالة اجتماع النقيضين فانها لا تستبطن ذلك ، وبناء على هذا فالفارق بين الحكم العملي والحكم النظري هو ان الحكم العملي حكم متعلق بصفة واقعية يستبطن مفهومها جنبة العمل بينما الحكم النظري حكم متعلق بصفة واقعية لا يستبطن مفهومها ذلك.

٣ ـ قلنا ان الحكم النظري هو الحكم المتعلق بصفة واقعية لا يستبطن

__________________

(١) وهذا البحث بحث مستقل يغاير البحث عن ان مثل عنوان الصدق والايثار وغيرهما هل هو علة للحسن او مقتض لذلك او ليس بعلة ولا مقتض

٤٩٧

مفهومها جنبة العمل. وللحكم المذكور امثلة كثيرة كحكم العقل باستحالة اجتماع النقيضين او الدور او امكان اجتماع المتخالفين او ... ومن امثلته ايضا حكمه بوجود المصلحة في هذا الفعل ووجود المفسدة في ذاك ، حيث ان المصلحة والمفسدة صفتان واقعيتان لا ارتباط لهما بجنبة العمل ارتباطا مباشريا ، ونحن في بحثنا هذا ـ الذي هو بحث حول الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ـ يهمنا هذا الفرد من الحكم النظري فانه الحكم الذي يتناسب التحدث عنه والبحث عن وجود ملازمة بينه وبين حكم الشرع ، فاذا حكم العقل بوجود مصلحة في شيء معين فيبحث هل يلزم حكم الشارع بوجوبه او لا. واما الاحكام النظرية الاخرى كحكم العقل باستحالة الدور مثلا فلا معنى للبحث عنها بعد عدم المعنى لملازمتها لحكم الشارع. هذا كله في الحكم النظري.

واما الحكم العملي فليس له مصاديق متعددة بل له مصداق واحد فقط وهو صفة الحسن والقبح ، اذ الصفة التي تستبطن بذاتها جنبة العمل ليست هي الا صفة الحسن والقبح.

٤ ـ بعد ان عرفنا ان المصداق الذي يهمنا من الحكم النظري هو الحكم بوجود المصلحة او المفسدة نطرح السؤال التالي : هل توجد ملازمة بين الحكم النظري ـ اي الحكم بوجود المصلحة والمفسدة في شيء معين ـ وبين حكم الشرع او لا؟ وبعد ان عرفنا ان الحكم العملي له مصداق واحد وهو الحسن والقبح نسأل : هل توجد ملازمة بين الحكم العملي ـ اي حكم العقل بالحسن والقبح ـ وبين حكم الشرع او لا؟ اذن لنا على هذا الاساس بحثان :

١ ـ هل توجد ملازمة بين ادراك العقل لوجود المصلحة او المفسدة ـ اي الحكم النظري ـ وبين حكم الشرع بالوجوب او الحرمة؟

٤٩٨

٢ ـ هل توجد ملازمة بين ادراك العقل للحسن والقبح ـ اي الحكم العلمي ـ وبين حكم الشرع بالوجوب او الحرمة؟

الملازمة بين الحكم النظري وحكم الشرع :

قوله ص ٤٢٥ س ٧ لا شك في ان الاحكام ... الخ : اما بالنسبة الى تحقيق البحث الاول فنقول : نحن نسلم بتبعية الاحكام الشرعية للمصالح والمفاسد ، فالشيء اذا كانت فيه مصلحة عالية والشرائط المساعدة متوفرة والموانع مفقودة يلزم جعل الوجوب له لتوفر علته التامة بيد ان القطع بتحقق مجموع هذه الافتراضات امر بعيد فان عقل الانسان محدود وهو يعلم بانه قد تخفى عليه اشياء كثيرة ، فلرب مانع موجود وهو لا يعلم به او شرط مفقود وهو يجهله ، اجل لو حصل القطع بتحقق العلة التامة لزم حصول القطع بالحكم الشرعي ولكن حصول القطع الاول بعيد جدا (١).

الملازمة بين الحكم العملي وحكم الشرع :

قوله ص ٤٢٦ س ٧ عرفنا ان مرجع الحكم العملي ... الخ : واما بالنسبة الى البحث الثاني ـ هل توجد ملازمة بين حكم العقل بالحسن والقبح وبين حكم الشارع ـ فنتعرض قبل تحقيقه الى مقدمة صغيرة مرّ مضمونها سابقا ، وحاصلها : ان صفة الحسن والقبح هل هي من الصفات الثابتة في عالم الواقع بقطع النظر عن

__________________

(١) ومن الغريب ما ذهب اليه الميرزا من تسليم الملازمة بدعوى « انه لا شبهة في استقلال بقبح الكذب الضار الموجب لهلاك النبي مع عدم رجوع نفع الى الكاذب ومع استقلال العقل بذلك يحكم حكما قطعيا بحرمته شرعا » فوائد الاصول ج ٣ ص ٦١ ، اذ فيه ان من المحتمل وجود مانع من جعل الحكم لم يصل له عقلنا

٤٩٩

العقلاء كصفة استحالة الدور مثلا بحيث ان العقلاء بحكمهم بالحسن والقبح يكشفون عما هو ثابت في عالم الواقع دون ان يثبتوا شيئا لم يكن فيه او انها صفة تثبت بحكم العقلاء ، فحينما يحكم العقلاء بان الشيء ينبغي فعله يثبت الحسن وحينما يحكمون بانه ينبغي تركه يثبت القبح. وطبيعي حكمهم بالحسن والقبح ليس عبثا وبلا نكتة بل ناشىء من ادراكهم للمصلحة والمفسدة ، فلأجل ادراكهم وجود المصلحة في الصدق يحكمون بحسنه ولادراكهم وجود المفسدة في الكذب يحكمون بقبحه.

وباختصار : الحسن والقبح على هذا الاتجاه حكمان مجعولان من قبل العقلاء كسائر الاحكام المجعولة من قبلهم مثل حكمهم بوجوب اقامة العزاء على الميت غاية الامر حكمهم بحسن الصدق وقبح الكذب مثلا حكم متفق عليه بينهم ولم يخالف فيه احد ، وما ذاك الا لوضوح ثبوت المصلحة في الصدق والمفسدة في الكذب بخلاف مثل اقامة العزاء على الميت فانه قد لا يكونون متفقين عليه بسبب عدم وضوح المصلحة فيه (١).

والصحيح هو الاتجاه الاول لناحيتين :

أ ـ ان الاتجاه الثاني مخالف للوجدان فانه قاض بان الظلم قبيح والعدل حسن حتى قبل ان يخلق الله سبحانه العقلاء ، فكما ان استحالة الدور امر ثابت في الواقع حتى قبل وجود العقلاء كذلك حسن العدل وقبح الظلم.

ب ـ ذكر الاتجاه الثاني ان الحسن والقبح حكمان مجعولان من قبل العقلاء

__________________

(١) من الجدير ان نشير الى ان اصحاب الاتجاه الثاني ـ القائل بان الحسن والقبح حكمان عقلائيان لا واقعيان ـ اختلفوا فيما بينهم فقال بعض كالسيد الخوئى ان حكم العقلاء بحسن الشيء او قبحه وليد ادراك المصلحة والمفسدة ، وقال آخر ـ كما هو المنقول عن ابن سينا ـ ان حكمهم بذلك ليس وليد ادراك المصلحة والمفسدة بل قد يكون وليد آداب ورسوم اجتماعية عاشها العقلاء

٥٠٠