الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

اذن الامر بالصلاة والنهي عن ترك الصلاة يشتركان في تاثير واحد وهو سحب المكلف عن ترك الصلاة غاية الامر النهي عن ترك الصلاة يدل بالمباشرة على ذلك بينما الامر بالصلاة يدل بالمباشرة على الدفع نحو الصلاة وبالالتزام على السحب عن تركها.

ويمكن مناقشة هذا التوجيه بان وحدة التأثير بالشكل السابق وان كانت امرا مسلما الا انها لا تنفع ، اذ المطلوب اثباته هو حرمة ترك الصلاة والنهي عنه بحيث حينما يقال صل يثبت حكمان : وجوب للصلاة وحرمة لتركها ، وهذا التوجيه لا يثبت ذلك.

ب ـ ان وجوب الصلاة هو عين حرمة تركها باعتبار ان حرمة الشيء تعني طلب النقيض ـ فحينما يقال يحرم شرب الخمر فمعناه اني اطلب نقيض شرب الخمر ، وحيث ان النقيض هو الترك يصير المعنى : اني اطلب ترك شرب الخمر ـ وما دامت حرمة الشيء ترجع الى طلب نقيض الشيء فلو فرض ان الشارع نهى عن ترك الصلاة وقال يحرم ترك الصلاة فمعنى ذلك انه طلب منا نقيض ترك الصلاة وبالتالي طلب منا ترك ترك الصلاة ، وبما ان ترك ترك الصلاة عبارة اخرى عن فعل الصلاة فالمعنى يصير هكذا : اني اطلب منك فعل الصلاة ، وبهذا يثبت ان النهي عن ترك الصلاة هو عين الامر بالصلاة.

ويمكن مناقشة هذا التوجيه :

١ ـ بانه يرجع الى ان طلب الصلاة له لفظان وتعبيران هما : صل ولا تترك الصلاة ، فالمولى اذا اراد ان يطلب الصلاة فبأمكانه الاستعانة باحد تعبيرين احدهما صل والآخر لا تترك الصلاة نظير ان يقال ان لك اسمين احدهما علي (١)

__________________

(١) لو فرض ان خالتك ليس لها الا اخت واحدة وهي امك وفرض انك الولد الوحيد لامك

٤٦١

والآخر ابن اخت خالتك ، فان ابن اخت خالتك ليس هو الا انت الذي اسمك علي لان اخت خالتك هي امك ، وابنها هو انت.

وباختصار : ان هذا التوجيه كأنه يريد ان يقول ان طلب الصلاة له لفظان كما ان ذات علي لها لفظان ، وهذا وان كان امرا مسلما ولكنه لا يليق ان يكون محل النزاع والبحث العلمي وكيف يليق بالاصولي البحث عن وجود تعبير ثان لطلب الصلاة وعدمه.

٢ ـ ان هذا التوجيه مبني على ان النهي عن شرب الخمر مثلا معناه اني اطلب منك ترك شرب الخمر وهذا ما لا نسلمه ، فان النهي عن شيء لا يرجع الى طلب تركه بل الى الزجر عنه ، فمعنى يحرم عليك شرب الخمر اني ازجرك عن شرب الخمر ، ولعل الوجدان العرفي قاض بذلك.

القول الثاني

ان الامر بالصلاة مثلا يقتضي بنحو الدلالة التضمنية النهي عن ترك الصلاة. وقد اختار هذا القول جماعة منهم صاحب المعالم حيث انه يعتقد تركب حقيقة الوجوب من جزئين هما طلب الفعل والنهي عن الترك ، فالنهي عن الترك ـ على هذا ـ يكون جزء مدلول الوجوب وبالتالي يكون الوجوب دالا عليه بالدلالة التضمنية.

وفيه ما تقدم ص ١١٥ من عدم تركب الوجوب من طلب الفعل والنهي عن الترك.

القول الثالث

ان الامر بالصلاة مثلا يقتضي بنحو الالتزام النهي عن ترك الصلاة بتقريب ان الشارع اذا امر بالصلاة فلا يمكن ان يرخص في تركها ، اذ الترخيص في ذلك

٤٦٢

مع فرض وجوب الصلاة جمع بين المتنافيين ، ومع عدم امكان الترخيص في ترك الصلاة فلازم ذلك تحريمه ـ ترك الصلاة ـ وهو المطلوب.

وفيه : انا نسلم باستلزام وجوب الصلاة لعدم الترخيص في تركها ولكن لا نسلم ان لازم عدم الترخيص في الترك تحريم الترك بل لعل المولى لم يصدر منه ترخيص بترك الصلاة ومع ذلك لم يحرّم ترك الصلاة. وبكلمة اخرى : ان عدم الترخيص في ترك الصلاة يستلزم اما تحريم ترك الصلاة او وجوب الصلاة ولا يستلزم تحريم ترك الصلاة بالخصوص ، وهذا لعله مما يقضي به الوجدان ، فانه لو قيل انت لست مرخصا في ترك الاجتهاد فهذا فيه احتمالان ، فيحتمل كون المقصود ان الاجتهاد واجب ويحتمل ارادة تحريم ترك الاجتهاد ولا يتعين ارادة الثاني بخصوصه.

وقد تقول : ان عدم صدور الترخيص بترك الصلاة اذا لم يكن مستلزما لتحريم الترك يلزم لغوية عدم الترخيص في الترك فلا بدّ من افتراض استلزامه لتحريم الترك.

والجواب : انا لم نفترض صدور عدم الترخيص حتى تلزم لغوية هذا الصادر بل افترضنا عدم صدور ترخيص من المولى اي عدم صدور شيء يرتبط بالترك ومعه فاي لغوية تلزم ، ان اللغوية تلزم لو فرض صدور عدم الترخيص دونما اذا فرض عدم صدور شيء.

الضد الخاص :

قوله ص ٤١٤ س ١ واما الضد الخاص ... الخ : كان حديثنا سابقا عن الضد العام واتضح ان الامر بشيء لا يقتضي النهي عن تركه لا بنحو المطابقة ولا

٤٦٣

التضمن ولا الالتزام.

واما الضد الخاص فهل يقتضي الامر بالواجب النهي عنه؟ فالامر بأزالة النجاسة عن المسجد هل يقتضي النهي عن ضدها الخاص وهو الصلاة مثلا؟

فائدة قبل البحث

تعرضت عبارة الكتاب لفائدة وهي انه مرّ عند البحث عن فكرة الترتب ان المكلف لو دخل المسجد ورأى نجاسة فلا بدّ من ازالتها وعدم الاشتغال بالصلاة اذ ما دامت هي الاهم فالامر يتعلق بها. ولكن لو فرض الاشتغال بالصلاة وهجر الازالة فهل تقع صحيحة؟ ذكرنا هناك ان الازالة وان كانت اهم والامر يتوجه اليها الا انه يمكن تعلق الامر بالصلاة ايضا ولكن بنحو الترتب بان يقال تجب الازالة فان لم تشتغل بها فتجب الصلاة ، ان هذا الامر الترتبي بالصلاة معقول وثابت وببركته يمكن تصحيح الصلاة.

والذي نريد الاشارة له هنا هو ان فكرة الترتب هذه انما تنفع في تصحيح الصلاة فيما اذا لم نقل ان الامر بشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص ، فان الامر بالازالة مثلا اذا كان مقتضيا للنهي عن الصلاة صارت الصلاة منهيا عنها ومع النهي عنها كيف يمكن تعلق الامر بها ، ما ذلك الا اجتماع للامر والنهي في شيء واحد وهو مستحيل حتى بناء على القول بجواز اجتماع الامر والنهي ، فان الامر والنهي انما يجوز اجتماعهما فيما اذا كان هناك عنوانان كالصلاة والغصبية دونما اذا كان العنوان واحدا كما هو المفروض في المقام حيث لا نملك غير عنوان الصلاة فالامر يقول صل والنهي يقول لا تصل ، واجتماع الامر والنهي على شيء واحد بعنوان واحد مما لا اشكال في استحالته.

والخلاصة : ان فكرة الترتب لا تعقل الا على تقدير القول بعدم الاقتضاء.

٤٦٤

عودة الى الكتاب :

وتعرضت عبارة الكتاب بعد ذلك الى دليل القائلين بالاقتضاء ، فانه قد استدل على ان الامر بالازالة يقتضي النهي عن الصلاة بدليلين هما :

الدليل الاول

التمسك بمسلك التلازم. وحاصله يتركب من ثلاث مقدمات هي :

أ ـ ان الامر بالازالة يقتضي النهي عن ترك الازالة ، فان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام وهو تركه.

ب ـ ان المكلف اذا ترك الازالة فلازم ذلك ان يشتغل بفعل من الافعال فاما ان يطالع او يأكل او يصلي او ... ، فالصلاة اذن هي احد الافعال الملازمة لترك الازالة.

ج ـ ان ترك الازالة اذا كان محرما بمقتضى المقدمة الاولى فما يلازمه وهو فعل الصلاة يكون محرما ايضا لان الملازم للمحرم محرم ايضا. وبهذا يثبت ان فعل الصلاة محرم وهو المطلوب.

ويمكن مناقشة هذا الدليل بعدم تمامية المقدمة الاولى حسب ما تقدم في البحث السابق ، اذ مر ان الامر بالازالة لا يقتضي النهي عن تركها اي عن الضد العام. وهكذا يمكن المناقشة في المقدمة الثالثة (١) فانه لم يثبت ان الملازم للمحرم

__________________

(١) بل وهكذا يمكن المناقشة في المقدمة الثانية ، فان الصلاة ليست امرا ملازما لترك الازالة بحيث لا تنفك عنه بل هي امر مقارن له من باب الاتفاق والصدفة فان المكلف اذا ترك الازالة فلا يتحتم ان يشتغل بالصلاة بل من الممكن ان يطالع او يأكل او يفعل فعلا آخر ، فالصلاة اذن امر مقارن اتفاقي ، ومن الواضح ان الامر الاتفاقي لا تلزم حرمته عند حرمة ترك الازالة مثلا ، ومن هنا نوقشت شبهة الكعبي فان ابا القاسم الكعبي له رأي ينكر فيه ـ

٤٦٥

محرم. ويمكن ذكر عدة منبهات تشهد بذلك ، فاستقبال القبلة حالة التخلي له ملازمات متعددة كجعل المشرق على اليسار والمغرب على اليمين ووضع القدمين على الارض ، فلو كان الملازم للمحرم محرما يلزم حرمة هذه الامور ايضا وبالتالي يلزم ان يكون الانسان عند استقباله للقبلة حالة التخلي مستحقا لعدة عقوبات : عقوبة على الاستقبال وعقوبة على جعل المشرق يساره وثالثة على جعل المغرب يمينه ورابعه ... وهذا مخالف لارتكاز المتشرعة جزما.

ومنبه ثان على ذلك : ايجاد النار فانه يلازم وجود الدخان والاحراق والحرارة و ... ، فلو فرض ان المولى حرّم على عبده ايجاد النار في وقت او مكان معين فيلزم حرمة هذه الملازمات ايضا وبالتالي يلزم استحقاق عقوبات متعددة وهو مخالف للوجدان ايضا.

يبقى شيء وهو ان الملازم للمحرم اذا لم يكن محرما فبأي حكم يكون محكوما اذن؟ فهل يمكن ان يكون محكوما بالوجوب او بالاستحباب او بغير ذلك من الاحكام؟ كلا لا يمكن ان يكون محكوما بذلك ، اذ مع حرمة ايجاد النار كيف يمكن ان يكون ايجاد الحرارة واجبا او مكروها او مباحا او مستحبا وانما الممكن ان لا يكون متصفا بحكم اصلا فاستقبال القبلة حالة التخلي محكوم بالحرمة واما ملازماته فهي خلوة من اي حكم فلا هي متصفة بالحرمة ولا بغيرها من

__________________

ـ وجود المباح في الشريعة فشرب الماء او المطالعة وغير ذلك ليست من المباحات اذ ترك شرب الخمر مثلا واجب ، واذا كان واجبا فيلزم وجوب شرب الماء او المطالعة او النوم ، لان ترك شرب الخمر لا يتحقق الا ضمن واحد من هذه الامور ، وبهذا يلزم انتفاء المباح بشكل كامل.

وجواب هذه المشبهة : ان شرب الماء مثلا ليس ملازما لترك شرب الخمر بل مقارن اتفاقي ، ومن الواضح لا يلزم من وجوب الشيء وجوب مقارنه الاتفاقي. وهكذا لا يلزم من حرمة الشيء حرمة مقارنه الاتفاقي

٤٦٦

الاحكام. ومن هنا يتضح ان الملازم للمحرم لا يمكن ان يتصف بحكم معاكس للحرمة وفي نفس الوقت لا يلزم ان يكون محرما بل يمكن ان يكون خلوا من اي حكم.

وبهذا نعرف معنى العبارة التي تقول : ان المتلازمين وان كان لا يجوز تخالفهما في الحكم ولكن لا يلزم توافقهما فيه ايضا.

الدليل الثاني

وهو المعروف بمسلك المقدمية. ويتركب من مقدمات ثلاث ايضا هي :

أ ـ ان عدم الصلاة مقدمة لحصول الازالة ، فان الصلاة ضد الازالة ، وترك احد الضدين مقدمة لوجود الضد الآخر.

ب ـ ان ترك الصلاة اذا كان مقدمة لحصول الازالة صار ـ اي ترك الصلاة ـ واجبا لان مقدمة الواجب واجبة.

ج ـ ان ترك الصلاة اذا صار واجبا صار نقيضه ـ وهو ترك ترك الصلاة اي فعل الصلاة ـ محرما لان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام ، وحيث ان النقيض لترك الصلاة هو فعل الصلاة فيلزم ان يصير فعل الصلاة محرما وهو المطلوب.

وقبل مناقشة هذا الدليل نتعرض الى مطلبين : ١ ـ ان تمامية هذا الدليل لا تتوقف على تمامية المقدمة الثالثة بل على الاولى والثانية فقط اذ تقدم سابقا انه بناء على كون الامر بالازالة مقتضيا للنهي عن الصلاة فلا يمكن تعلق الامر بالصلاة بنحو الترتب لانه يلزم من فرض الاقتضاء وفرض الامر الترتبي التكليف بالنقيضين اي التكليف بفعل الصلاة وتركها وهو مستحيل. اذن من لوازم القول بالاقتضاء وثمراته استحالة تصحيح الصلاة بالامر

٤٦٧

الترتبي ، ومن الواضح ان هذه الثمرة لا تتوقف على القول بالاقتضاء اي على تعلق النهي بالصلاة بل ان ترك الصلاة ما دام واجبا بمقتضى المقدمة الثانية فالامر الترتبي بالصلاة يصير مستحيلا حتى لو لم نقل باستدعاء وجوب ترك الصلاة لحرمة الصلاة ، فان ترك الصلاة اذا كان واجبا فلا يمكن الامر بالصلاة بنحو الترتب لعدم امكان الامر بفعل الشيء وتركه معا. وبكلمة اخرى : كما لا يمكن مع حرمة الصلاة الامر بها كذلك لا يمكن مع وجوب تركها الامر بها.

وباختصار : انا وان كنا نرفض المقدمة الثالثة الا انه لا يمكن ان يكون ذلك مبررا لرفض مسلك المقدمية من اساسه.

٢ ـ ناقش البعض كصاحب المعالم قدّس سره في المقدمة الثانية ـ وهي ان مقدمة الواجب واجبة ـ حيث قال : لا اسلم بوجوب مقدمة الواجب ، ومع عدم وجوبها لا يصير ترك الصلاة واجبا من باب المقدمة حتى يحرم فعل الصلاة ويقع فاسدا.

هذا ولكن يمكن ان يقال ان مقدمة الواجب وان لم تكن واجبة على مستوى الجعل والحكم ولكنها محبوبة ومرادة لما تقدم في مبحث مقدمة الواجب من قضاء الوجدان بان الشيء اذا كان واجبا فمقدمته محبوبة ومرادة ، واذا سلمنا بمحبوبية ترك الصلاة باعتبار مقدميته للازالة فلا يمكن تعلق الامر الترتبي بالصلاة لان الامر الترتبي اذا تعلق بفعل الصلاة كشف عن محبوبية فعل الصلاة ، ومع محبوبيته ـ والمفروض ان ترك الصلاة محبوب ايضا ـ يلزم تعلق الحب بالنقيضين : فعل الصلاة وتركها وهو مستحيل.

مناقشة الدليل الثاني :

اجل يمكن مناقشة مسلك المقدمية من خلال مقدمته الاولى فلا انسلم ان

٤٦٨

ترك الصلاة مقدمة لوجود الازالة. وبتعبير أشمل لا نسلم بمقدمية ترك احد الضدين لوجود الضد الآخر. ووجه ذلك : ان الدليل على المقدمية هو ان وجود الصلاة مانع من وجود الازالة ، وما دام مانعا فيكون عدم الصلاة مقدمة لوجود الازالة لاننا نعرف ان عدم المانع هو احد اجزاء العلة ـ فان العلة التامة تتركب من ثلاثة اشياء : مقتضي وشرط وعدم مانع ـ وما دام عدم المانع من جملة اجزاء العلة التامة والمفروض ان عدم الصلاة هو من قبيل عدم المانع بالنسبة للازالة فيكون عدم الصلاة مقدمة لوجود الازالة وهو المطلوب ، هذا هو الدليل على مقدمية عدم احد الضدين لوجود الآخر. ويمكن مناقشته بوجهين :

١ ـ ويتوقف توضيح هذا الوجه (١) على بيان مقدمتين :

أ ـ ان العلة التامة تتركب من ثلاثة اجزاء هي المقتضي والشرط وعدم المانع. وفي هذه المقدمة نريد التعرف على معاني المصطلحات المذكورة.

اما المقتضي فهو عبارة عن ذلك الشيء الذي يفيض الاثر ويوجده كالنار بالنسبة للاحراق ، فان احتراق الورقة يوجد ويحصل بسبب النار فالنار اذن هي المقتضي للاحراق.

واما الشرط فهو العامل المساعد للمقتضي في تأثيره ، فقرب الورقة من النار شرط لانه يساعد النار على تأثيرها في الاحراق.

واما المانع فهو ما يمنع المقتضي من التاثير كالرطوبة مثلا فانها تمنع النار من تأثيرها في الاحراق.

ب ـ اتضح ان وجود الاحراق يتوقف على وجود الاجزاء الثلاثة للعلة

__________________

(١) وقد ذكره الميرزا في اجود التقريرات ج ١ ص ٢٥٥. ثم ان الجواب المذكور بمثابة الحل لما استدل به اصحاب مسلك المقدمية بخلاف الوجه الثاني للردّ فانه بمثابة النقض عليه

٤٦٩

وهي المقتضي والشرط وعدم المانع. واما بالنسبة الى عدم وجود الاحتراق فهو لا يتوقف على انعدام جميع الاجزاء الثلاثة المذكورة بل يكفي فيه عدم واحد منها فاذا فقد المقتضي انعدم الاثر وان كان الشرط وعدم المانع متحققين. وهكذا بالنسبة الى الشرط فانه اذا فقد انعدم الاثر حتى مع تحقق المقتضي وعدم المانع ، ونفس الكلام يأتي بالنسبة الى المانع. وهذا واضح. والذي نريد التأكيد عليه في هذه المقدمة هو ان عدم احتراق الورقة لا ينسب الى الرطوبة ولا يقال ان الرطوبة منعت من احتراق الورقة الا اذا كان المقتضي للاحتراق موجودا ، فعند وجود النار يمكن ان يقال ان الرطوبة منعت النار من تأثيرها في الاحراق اما مع عدم وجودها فلا ينسب عدم الاحتراق الى الرطوبة ولا يقال ان الرطوبة منعت من الاحتراق لما ذكرنا في المقدمة الاولى من ان المانع هو ما يمنع المقتضي من التأثير فلا بدّ من فرض وجود المقتضي اولا حتى تمنع الرطوبة من تأثيره فاذا فرض ان النار غير موجودة فلا مقتضي حتى تمنع الرطوبة من تأثيره. اذن المانع لا يكون مانعا الا اذا فرض وجود المقتضي ، اما اذا استحال وجود المقتضي ولم يمكن ان يعاصر المانع ويقارنه فلا وجود للمانع.

وبعد اتضاح هاتين المقدمتين نقول في توضيح الوجه الاول من الجواب على برهان المقدمية : ان الازالة لا يمكن ان تكون مانعة من الصلاة (١) ليكون عدم الازالة من قبيل عدم المانع ، فان الازالة لا يمكن ان تكون مانعة الا اذا فرضنا وجود المقتضي للصلاة ، ونحن ندعي ان المقتضي للصلاة لا يمكن وجوده عند افتراض وجود الازالة اذ المقتضي للصلاة ليس هو الا الارادة فان ارادة المكلف

__________________

(١) لا يخفى ان عبارة الكتاب في هذا الموضع فرضت الازالة هي المانع بينما نحن فيما سبق كنا نفترض ان الصلاة هي المانع. وهذا شيء غير مهم اذ الجواب يتم سواء فرض ان الصلاة هي المانع ام الازالة ، ولكن العادة جرت على فرض الواجب هو الازالة والصلاة هي المانع

٤٧٠

للصلاة هي السبب في وجود الصلاة (١) ، ومن الواضح ان المكلف اذا دخل المسجد ورأى النجاسة فيه واخذ يشتغل بالازالة فلازم ذلك عدم كونه مريدا للصلاة اذ لو كان يريدها لأوجدها ولما اشتغل بالازالة ، فاذا اشتغل بالازالة ولم يأت بالصلاة كان ذلك كاشفا عن عدم ارادته للصلاة.

وان شئت قلت : ان المقتضي للصلاة اما ان يكون موجودا او لا ، فان كان موجودا فمن اللازم تحقق الصلاة وترك الازالة ، وان لم يكن موجودا فلا يمكن عدّ الازالة مانعة من تأثير المقتضي اذ لا مقتضي للصلاة على الفرض حتى يمكن ان تمنع الازالة من تأثيره.

اشكال وجواب :

قد يقال : ان هذا الكلام ـ وهو ان الازالة لا يمكن ان تكون مانعة باعتبار انه مع تحققها لا يمكن تحقق المقتضي للصلاة لتكون الازالة مانعة من تأثيره ـ وان كان وجيها الا انه يوجد ما يمنع من التصديق به حيث نشعر بالوجدان ان الازالة لا تجتمع مع الصلاة ، وما دامت لا تجتمع معها فيصح ان يقال ان الازالة مانعة من الصلاة.

والجواب : ان كلمة « المانع » لها معنيان ، فتارة تستعمل ويراد منها ما يمنع المقتضي من التأثير كما في الرطوبة حيث انها تمنع النار من تأثيرها ، واخرى تطلق ويراد منها المنافر الوجودي كما في السواد والبياض ، فان كل واحد منهما يمنع من وجود الآخر وينافره ولا يمكن ان يجتمع معه. واذا اتضح هذا نقول : ان كان

__________________

(١) قد يقال : ان المقتضي للصلاة ليس هو ارادة المكلف بل الوجوب الشرعي للصلاة ولكنه باطل ، فان المقتضي هو ما يوجد الاثر ، ومن الواضح ان الموجد للصلاة ليس هو وجوبها بل ارادة المكلف لها ، اجل الوجوب الشرعي داع لتحقق ارادة المكلف لا انه الموجد لها

٤٧١

المقصود من قولكم نشعر بالوجدان بكون الازالة مانعة من الصلاة ان الازالة مانعة بالمعنى الاول فهذا باطل كما اوضحنا ذلك سابقا حيث تقدم ان المانع بالمعنى الاول لا يصدق الا اذا كان المقتضي للصلاة موجودا ، وقد اثبتنا ان الازالة لا يمكن ان تجتمع مع المقتضي للصلاة.

وان كان المقصود ان الازالة مانعة بالمعنى الثاني ـ اي هي تتنافر والصلاة ولا تجتمع معها ـ فهو صحيح ولكن عدم المانع بهذا المعنى ليس من اجزاء العلة ، فان جزء العلة الذي يعد مقدمة هو عدم المانع بالمعنى الاول لا عدمه بالمعنى الثاني.

ان قلت : لماذا لا نعد عدم المانع بالمعنى الثاني من جملة اجزاء العلة بان نقول هكذا : ان العلة التامة تتركب من اجزاء اربعة ـ لا ثلاثة ـ المقتضي والشرط وعدم المانع بالمعنى الاول وعدم المانع بالمعنى الثاني؟

قلت : ان عدم الازالة لو كان مقدمة للصلاة ومن جملة اجزاء العلة لزم ان يكون عدم الازالة متقدما من حيث الرتبة على الصلاة ، لان رتبة المقدمة متقدمة على رتبة ذي المقدمة فان المقدمة لا بدّ وان يفرض وجودها اولا ثم يفرض بعد ذلك وجود ذيها ، ومن الواضح ان عدم الازالة ليس متقدما على الصلاة من حيث الرتبة اذ المكلف لو دخل المسجد ورأى النجاسة فقد تحدث له ارادة نحو الصلاة ، وهذه الارادة متى ما حصلت كان حدوثها سببا في وقت واحد ورتبة واحدة لشيئين هما وجود الصلاة وعدم الازالة ، فعدم الازالة ووجود الصلاة اذن هما في رتبة واحدة وليست ارادة الصلاة تحدث عدم الازالة اولا ثم تحدث الارادة بمعونة عدم الازالة وجود الصلاة. وما داما في رتبة واحدة فلا يكون عدم الازالة مقدمة للصلاة والا كانت رتبته متقدمة على الصلاة.

٤٧٢

٢ ـ ان لازم افتراض المقدمية الدور. ويمكن توضيح الدور ببيانات متعددة نقتصر على ما اشار له قدس‌سره في الحلقة الثانية ص ٢٨٩. وحاصله يتضح بعد بيان مقدمة هي : ان ( أ ) لو كان علة لـ ( ب ) فنقيض ( أ ) يكون علة لنقيض ( ب ) فالنار اذا كانت علة للاحتراق فعدم النار يكون علة وسببا لعدم الاحتراق (١).

وباتضاح هذه المقدمة نقول : ان عدم الصلاة لو كان علة ومقدمة للازالة ـ وهكذا عدم الازالة لو كان علة ومقدمة للصلاة ـ لزم ان يكون نقيض عدم الصلاة وهو الصلاة علة لعدم الازالة طبقا للمقدمة السابقة ، واذا صارت الصلاة علة لعدم الازالة لزم الدور اذ فرضنا فيما سبق ان عدم الازالة هو العلة للصلاة (٢) بينما اصبحت الآن الصلاة هي العلة لعدم الازالة ، وهذا معناه ان ما فرض معلولا اصبح علة وما فرض علة اصبح معلولا.

نتيجة ما تقدم :

اتضح مما سبق انه استدل على اقتضاء الامر بالازالة للنهي عن الضد الخاص وهو الصلاة بوجهين : احدهما مسلك التلازم وثانيهما مسلك المقدمية. وقد اتضح بطلان كلا المسلكين. والنتيجة على هذا ان الامر بالشيء كما لا يقتضي النهي عن ضده العام كذلك لا يقتضي النهي عن ضده الخاص.

ثمرة المسألة :

قد تسأل عن ثمرة بحث اقتضاء الامر بالازالة للنهي عن الصلاة مثلا. وقد

__________________

(١) وهذا هو معنى العبارة القائلة : نقيض العلة علة لنقيض المعلول

(٢) حيث قلنا : وهكذا عدم الازالة لو كان علة ومقدمة للصلاة

٤٧٣

تقدمت الاشارة لها سابقا ، وحاصلها : انه بناء على اقتضاء الامر بالازالة للنهي عن الصلاة يلزم وقوع الصلاة فاسدة اذ الامر الترتبي لا يمكن تعلقه بها لتصح بواسطته فانه مع النهي عن الصلاة لا يمكن تعلق الامر بها (١) ، وهذا بخلافه بناء على عدم الاقتضاء ، فان الصلاة يمكن وقوعها صحيحة بواسطة الامر الترتبي لعدم تعلق نهي بها كي يمنع من تعلق الامر.

ويمكن ان نصوغ الثمرة بشكل آخر اعم بحيث يكون البيان السابق مظهرا له. وحاصله : ان الامر بالازالة لو كان مقتضيا للنهي عن الصلاة يحصل التعارض بينه وبين الامر بالصلاة ، اذ الامر بالازالة يقول ـ بناء على الاقتضاء ـ أوجد الازالة ولا توجد الصلاة ، وهكذا الامر بالصلاة يقول بناء على الاقتضاء اوجد الصلاة ولا توجد الازالة ، والمعارضة بناء على هذا واضحة ، ومع تحقق المعارضة وتقديم الامر بالازالة لقوة سنده او دلالته يكون اطلاق « اقيموا الصلاة » ساقطا وغير شامل للصلاة المقارنة للنجاسة في المسجد ، ومعه تقع باطلة. هذا كله بناء على القول باقتضاء الامر بالازالة للنهي عن الصلاة ، واما بناء على عدم الاقتضاء فلا تحصل المعارضة بين « صل » و « ازل » بل مزاحمة ، اذ « ازل » لا يكون مفاده لا توجد الصلاة بل مفاده فقط اوجد الازالة ، وطبيعي هو يقول اوجد الازالة ضمن الشرائط العامة التي احدها القدرة وعدم الاشتغال بواجب آخر اهم فهو يقول اوجد الازالة ان كنت قادرا ولم تشتغل بواجب اهم ، وهكذا الامر بالصلاة بناء على عدم الاقتضاء يقول اوجد الصلاة ان كنت قادرا ولم تشتغل بالاهم ولا يقول لا تشتغل بالازالة ، ومن الواضح عدم المنافاة بين تكليفين من هذا القبيل.

__________________

(١) حتى بناء على جواز اجتماع الامر والنهي ، اذ جواز الاجتماع يشترط فيه تعدد العنوان كعنواني الغصبية والصلاة ، والمفروض في المقام وحدته حيث لا نملك غير عنوان الصلاة

٤٧٤

اجل ان بين هذين التكليفين تزاحما حيث لا يمكن امتثالهما معا ، ومع التزاحم يقدم الاهم منهما ويكون الامر بالمهم ـ وهو الصلاة في المثال ـ ثابتا بنحو الترتب وعدم الاشتغال بالاهم ، ومع وقوع المهم متعلقا للامر الترتبي فلو اتى به المكلف وقع صحيحا.

والخلاصة : انه بناء على هذه الصياغة الجديدة تصير الثمرة هكذا : بناء على الاقتضاء يقع التعارض بين « صل » و « ازل » ، وبناء على عدمه يقع التزاحم. واما الصياغة الاولى التي كانت تقول ان الصلاة تقع فاسدة بناء على الاقتضاء وصحيحة بناء على عدمه فهي من مظاهر ونتائج التعارض والتزاحم فان من نتائج التعارض وتقديم « ازل » بطلان الصلاة ومن نتائج التزاحم صحتها من خلال الامر الترتبي.

قوله ص ٤١٢ س ٣ ويراد بالاقتضاء استحالة ثبوت ... الخ : اي المراد من الاقتضاء انه مع الامر بالازالة مثلا يلزم النهي عن الصلاة سواء كان ذلك بنحو الدلالة المطابقية ام التضمنية ام الالتزامية.

قوله ص ٤١٢ س ١٢ تبعد عنه : اي عند الضد العام ، فان حرمة ترك الصلاة تقتضي التبعيد عن ترك الصلاة.

قوله ص ٤١٣ س ٥ بان يرجع : الصواب : بانه يرجع.

قوله ص ٤١٣ س ٩ وقد تقدم في ... الخ : اي ص ١١٥ س ٢ حيث تقدم ان الوجوب ليس مركبا من طلب الفعل والنهي ، فان طلب الفعل حنس شامل للواجب والمستحب وهكذا النهي هو جنس شالم للمحرمات والمكروهات ، اذ المكروه مشتمل على النهي ايضا ، ومن الواضح ان الشيء لا يتركب من جنسين بل من جنس وفصل.

٤٧٥

قوله ص ٤١٤ س ٧ كما تقدم : اي في مبحث الضد العام حيث ذكرنا فيه ان الامر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده العام.

قوله ص ٤١٥ س ٣ ومن الواضح : لعل الاوجه التعبير هكذا : اذ من الواضح ... الخ. وتوضيح العبارة : انه كما لا يمكن الامر بالضد الخاص وهو الصلاة مع النهي عن الصلاة كذلك لا يمكن الامر بالصلاة مع الامر بترك الصلاة لاستحالة الامر بالنقيضين.

قوله ص ٤١٥ س ١٤ وبيانه ان العلة ... الخ : هذا اشارة الى المقدمة الاولى.

قوله ص ٤١٦ س ١ ومن هنا ... الخ : هذا اشارة الى المقدمة الثانية.

قوله ص ٤١٦ س ٩ وعلى هذا الاساس : هذا شروع في الجواب بعد الفراغ من المقدمتين.

قوله ص ٤١٦ س ١٠ اذا لاحظنا الصلاة ... الخ : المفروض هنا ان الازالة هي المانع ، وهو غير مهم.

قوله ص ٤١٦ س ١٥ لا حالة منتظرة : اي لا بدّ وان تكون الصلاة حاصلة ولا تكون الازالة متحققة.

قوله ص ٤١٧ س ٧ وعدم امكان ... الخ : عطف تفسير على « التمانع ».

قوله ص ٤١٧ س ٨ كما في الضدين : اي كما في السواد والبياض مثلا.

قوله ص ٤١٧ س ٩ بهذا المعنى : هذا متعلق بالمتمانعين. اي ان المتمانعين ـ بمعنى المتنافرين في الوجود فقط ـ متى ما تم المقتضي لاحدهما ... الخ.

قوله ص ٤١٧ س ١١ في وجود احد ... الخ : اي يؤثر في وجود احدهما ونفي الآخر في رتبة واحدة من دون ان يكون عدم احدهما متقدما وعلة لوجود

٤٧٦

الآخر.

قوله ص ٤١٨ س ٣ كما اشرنا في الحلقة السابقة : ص ٢٩١.

قوله ص ٤١٨ س ٥ وكذلك اي واجب ... الخ : اي وكذا غير الصلاة من الواجبات العبادية فيما اذا زوحم بواجب اهم.

قوله ص ٤١٨ س ١٥ كما تقدم : ص ٣١٧ س ١٣.

٤٧٧
٤٧٨

اقتضاء التحريم للفساد

٤٧٩
٤٨٠