الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

توضيح الجواب الاول :

اما الجواب الاول فهو ما تقدم به الشيخ الاصفهاني (١) قدّس سره. وحاصله : ان الخروج ليس مقدمة للواجب حتى يكون واجبا. ووجه ذلك : ان الخروج اذا كان مقدمة فهو مقدمة لأي شيء؟ انه مقدمة لترك البقاء في الغصب ، فترك البقاء هو الواجب ومقدمته هي الخروج ، هذا ولكن الخروج لا يمكن ان يكون مقدمة لترك البقاء ، اذ البقاء والخروج متضادان ـ فان الداخل في الغصب اما ان يبقى فيه او يخرج منه ولا يمكن ان يبقى ويخرج في وقت واحد ـ وما دام بينهما تضاد فلا يمكن ان يكون وجود احدهما مقدمة وعلة لعدم الآخر لما قرأنا في مبحث الضد من الحلقة الثانية من عدم مقدمية احد الضدين لعدم الآخر ، فالصلاة وازالة النجاسة عن المسجد متضادان ، ووجود الصلاة ليس مقدمة وعلة لعدم الازالة وانما العلة هي ارادة المكلف واختياره لعدم الازالة فانه لما يختار عدم الازالة يتحقق منه عدم الازالة سواء صلى ام لا ، اجل عند اختيار عدم الازالة وتحققه منه لا بدّ من الاشتغال بفعل من الافعال اما المطالعة او النوم او الصلاة او ... فالصلاة اذن ليست هي العلة لعدم الازالة بل هي امر يقترن من باب الصدفة مع اختيار عدم الازالة الذي هو العلة الاصيلة ، فكما ان المطالعة والنوم ليسا علة لعدم الازالة بل امور مقارنة لعلة عدم الازالة صدفة كذا الصلاة.

وباختصار : ان الخروج بعد ما كان ضدا للبقاء فلا يمكن ان يكون مقدمة وعلة لعدم البقاء ، اذ وجود احد الضدين ليس علة لعدم الآخر.

مناقشة الجواب الاول :

ويمكن مناقشة الجواب المذكور بما يلي :

__________________

(١) نهاية الدراية ج ١ ص ٢٨٧ س ١١

٤٤١

أ ـ نسلم بعدم امكان كون الخروج مقدمة لعدم البقاء باعتبار انهما متضادان وأحد الضدين ليس علة لعدم الآخر ، ولكن نقول : ان الخروج اذا لاحظناه في الدقيقة الاولى فهو ضد للبقاء في الدقيقة الاولى فلا يمكن ان يكون الخروج في الدقيقة الاولى مقدمة لعدم البقاء في الدقيقة الاولى ولكن نحن لا ندعي ان الخروج في الدقيقة الاولى مقدمة لعدم البقاء في الدقيقة الاولى بل ندعي ان الخروج في الدقيقة الاولى علة لعدم البقاء في الدقائق البعدية ، ومعه فلا يتم ما ذكره الاصفهاني ، اذ الخروج في الدقيقة الاولى ليس ضدا للبقاء في الدقائق البعدية ـ بدليل ان الخروج في الدقيقة الاولى يجتمع ويلتئم مع البقاء في الدقائق البعدية كما لو فرض خروج الانسان من المغصوب في الدقيقة الاولى ثم دخوله له في الدقائق البعدية ـ ومعه فيمكن ان يكون الخروج في الدقيقة الاولى مقدمة لعدم البقاء في الدقائق البعدية (١).

ب ـ سلمنا ان الخروج لا يمكن ان يكون مقدمة لعدم البقاء للضدية بينهما ولكن نقول : ان هذه المناقشة من الاصفهاني تتم في خصوص مثال الخروج من الغصب ولا تتم في امثلة اخرى كما لو فرض ان الانسان جرح نفسه بجرح عظيم بسوء اختياره واوشك على الموت وتوقف علاجه على شرب الخمر ، ان هذه المثال يتطابق مع مثال الخروج ـ اذ في كل منهما ارتكب المكلف حراما بسوء اختياره واضطر بسببه لارتكاب فرد ثان من المحرم للتخلص من المحرم الاول ـ ومناقشة الاصفهاني لا تتم فيه ، اذ الوجدان يحكم بشكل قطعي ان شرب الخمر مقدمة لحفظ النفس من الموت وليس بين شرب الخمر وحفظ النفس تضاد ليطبق ما سبق بل بينهما ملازمة فالشرب ملازم لحفظ النفس وليس ضده.

__________________

(١) وقد اشارت عبارة الكتاب لهذا الجواب بجملة « وهذا الجواب حتى اذا تم »

٤٤٢

توضيح الجواب الثاني :

وتوضيح الجواب الثاني ان الخروج وان كان تصرفا في المغصوب ـ باعتبار ان الخروج يحصل بالمشي على المغصوب وهو تصرف فيه ـ الا انه ليس كل تصرف غصبي محرما بل يلتزم بحرمة كل تصرف غصبي الا الخروج فلا يكون محرما ، اذ لو كان محرما يلزم محذور اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد وفرارا من ذلك لا بدّ من الالتزام بعدم حرمته.

وفيه : ان تمامية الجواب المذكور تتوقف على ان لا نملك جوابا آخر نتمكن بواسطته من التخلص من المشكلة ، وسيتضح ان الجواب الثالث يمكن التخلص بواسطته منها.

توضيح الجواب الثالث :

وتوضيح هذا الجواب : انا لا نسلم بوجوب مقدمة الواجب في جميع الحالات ، بل قد لا تكون واجبة احيانا فان المقدمة يمكن تقسيمها الى الاقسام الثلاثة التالية :

١ ـ ان يكون للمقدمة فردان احدهما مباح والآخر محرم ، كما لو وجب الحج على المكلف وكانت هناك وسيلتان للوصول الى مكة المكرمة احداهما مغصوبة والاخرى مباحة. وفي هذه الحالة هل يحكم العقل بوجوب خصوص الفرد المباح او بوجوب كليهما؟ لا اشكال في حكمه بوجوب خصوص الفرد المباح ولا وجه لوجوب الفرد المحرم بعد ما كان المباح متيسرا.

٢ ـ ان تكون المقدمة منحصرة بالفرد المحرم كما لو فرض انحصار وسيلة الحج بخصوص المغصوب. وفي هذه الحالة لا بدّ من اجراء موازنة بين المقدمة وذيها فيلاحظ ان الحج هو الاهم او حرمة الغصب ، فان فرض ان وجوب الحج

٤٤٣

هو الاهم سقطت الحرمة عن المقدمة واتصفت بالوجوب الغيري ، وان كانت حرمة الغصب هي الاهم سقط وجوب الحج.

٣ ـ ان يكون للمقدمة فردان مباح ومحرم غير ان المكلف بسوء اختياره عجّز نفسه عن الفرد المباح واضطر الى ارتكاب الفرد المحرم. ومقامنا من هذا القبيل فان التخلص من الغصب يمكن ان يحصل بفردين احدهما مباح وهو ان لا يدخل الانسان المغصوب اصلا فانه بعدم دخوله يكون متخلصا من الغصب ، وثانيهما محرم وهو ان يدخل الغصب ثم يخرج منه فانه بدخوله يكون قد عجّز نفسه عن الفرد المباح وحصر امره بالفرد المحرم وهو الخروج. وفي هذه الحالة نطرح الاسئلة التالية :

أ ـ هل الخروج الذي هو الفرد المحرم يتصف بالوجوب الغيري او لا؟ كلا لا يتصف بذلك اذ المفروض وجود فرد مباح للمقدمة والمكلف عجّز نفسه بسوء اختياره عنه ، والعقل الذي هو الحاكم بوجوب المقدمة لا يحكم بوجوب هذه المقدمة.

ب ـ هل الخروج يتصف بالحرمة او لا؟ نعم ، لا مانع من اتصافه بها بعد ما كان الاضطرار اليه ناشئا من سوء الاختيار.

ج ـ هل التخلص من المغصوب يبقى واجبا او لا؟ كلا لا يبقى على الوجوب لان الخروج بعد ما كان محرما يصير الشخص مضطرا الى تركه ، ومع تحقق تركه لا يتمكن على التخلص من الغصب بيد ان هذا الاضطرار الى ترك التخلص لمّا نشأ من سوء الاختيار فيكون الساقط هو الخطاب بوجوب ذي المقدمة ـ اي الخطاب بوجوب التخلص ـ واما العقاب على تركه فهو باق لما تقدم سابقا من ان الاضطرار اذا نشأ من سوء الاختيار فلا يسقط العقاب بل الخطاب

٤٤٤

فقط.

اجل نستدرك لنقول : ان الخطاب بوجوب التخلص وان سقط ولكن مع ذلك يحكم العقل بلزوم التخلص بواسطة الخروج فانه بالخروج وان ارتكب المكلف المحرم ـ لفرض حرمة الخروج ـ الا انه لو لم يخرج يلزم ارتكاب غصب أزيد فمن باب ارتكاب اخف المحذورين يحكم العقل بلزوم الخروج ومع حكمه بذلك يصير المكلف مضطرا الى الخروج ولكن حيث ان هذا الاضطرار للخروج نشأ من سوء الاختيار فيكون الساقط هو الخطاب بحرمته دون العقاب عليه.

ومن جميع هذا يتضح ان الخطابات باسرها ساقطة ، فالخطاب بوجوب التخلص ساقط والخطاب بحرمة الخروج ساقط والخطاب بوجوب المقدمة ساقط الا ان الساقط هو الخطاب فقط واما العقاب فهو باق لان سقوط الخطاب ناشىء من الاضطرار بسوء الاختيار ، وقد تقدم ان الاضطرار اذا كان بسوء الاختيار فالساقط هو الخطاب فقط دون العقاب.

والخلاصة في حل المشكلة ـ مشكلة اجتماع الوجوب والحرمة في الخروج ـ هو الالتزام بعدم وجوب الخروج لان انحصار المقدمية فيه نشأ من سوء الاختيار ، وفي مثله لا يحكم العقل بالوجوب ، ومع عدم وجوبه لا يلزم اجتماع الوجوب والحرمة فيه. هذا هو الحل ، واما المطالب الاخرى التي اشرنا لها فليست دخيلة فيه ولا يمكن حل المشكلة فيها. وانما اشير لها لتوضيح حقيقة الحال في مثال الخروج.

سؤال وجواب :

قد يقال : ان الخطاب بحرمة الخروج اذا كان ساقطا فما هو الموجب بعد هذا لسقوط وجوب التخلص فان الموجب لسقوطه ليس الا حرمة الخروج فاذا

٤٤٥

فرض عدمها فلا موجب لسقوطه.

والجواب : ان المقصود من سقوط الحرمة عن الخروج هو سقوط الخطاب فقط واما العقاب فهو باق ، ومع بقائه يكون المكلف مضطرا الى ترك التخلص فيسقط خطابه.

عمومية النزاع لاقسام الوجوب والحرمة

قوله ص ٤٠٨ س ٦ وفي كل حالة يثبت ... الخ : ذكرنا فيما سبق ان الشيء الواحد يستحيل اجتماع الوجوب والحرمه فيه لسببين احدهما لزوم اجتماع المصلحة والمفسدة فيه ، وثانيهما لزوم التحريك والسحب في آن واحد.

وهنا نقول : ان استحاله الاجتماع تعم حالة ما اذا كان كل واحد منهما نفسيا او غيريا او كان احدهما نفسيا والآخر غيريا.

مثال الاول : الصلاة في المغصوب ، فان وجوب الصلاة نفسي وحرمة الغصب نفسية.

ومثال الثاني : الوضوء فيما اذا استلزم الوقوع في ضرر محرم ، فان الوضوء بما هو وضوء واجب بالوجوب الغيري وبما انه مقدمة للضرر المحرم محرم بالحرمة الغيرية.

ومثال الثالث : الخروج من المغصوب ، فان حرمته نفسية ـ اذ هي ليست الا من جهة حرمة الغصب التي هي حرمة نفسية ـ بينما وجوبه غيري ومن باب المقدمة للواجب وهو التخلص من الغصب.

والوجه في عمومية الاستحالة لجميع هذه الاقسام الثلاثة هو ان الوجوب النفسي كما يكشف عن الحب والمصلحة كذلك الوجوب الغيري يكشف عنهما غاية الامر ان الوجوب النفسي يكشف عن الحب النفسي بينما الوجوب الغيري

٤٤٦

يكشف عن الحب الغيري. وهكذا الحرمة النفسية والغيرية فكلاهما تكشفان عن البغض غاية الامر الحرمة النفسية تكشف عن البغض النفسي بينما الحرمة الغيرية تكشف عن البغض الغيري ، ومن الواضح انه كما لا يجوز اجتماع الحب والبغض النفسيين في شيء واحد كذلك لا يجوز اجتماع الحب والبغض الغيريين او الحب النفسي مع البغض الغيري او العكس.

وقد يقال : تقدم سابقا اختيار عدم اتصاف مقدمة الواجب بالوجوب الشرعي وهكذا عدم اتصاف مقدمة الحرام بالحرمة الشرعية ، ومعه فكيف نفترض الآن وجود وجوب غيري وحرمة غيرية والحكم بان استحالة الاجتماع تعم حالة الوجوب والحرمة الغيريين؟

والجواب : ان الذي تقدم هو انكار الوجوب والحرمة الغيريين على مستوى الجعل والحكم لا على مستوى المبادىء ، فمقدمة الواجب لم يجعل الشارع لها وجوبا غيريا ولكنها من حيث المبادىء محبوبة ، وهكذا مقدمة الحرام ، وهذا المقدار يكفي لاستحالة الاجتماع فانها لا تتوقف على وجود جعلين ـ فان اجتماع الجعلين بما هما جعلان امر ممكن كما تقدم لكون الجعل اعتبارا وهو سهل المؤنة ـ وانما على وجود مبدأين متنافيين.

ثمرة البحث :

وقد تسأل عن ثمرة البحث عن جواز اجتماع الامر والنهي وعدمه. وفي الجواب يمكن ذكر ثمرتين الثانية منهما مترتبة على الاولى وهما :

١ ـ لو قلنا بالامتناع يدخل الدليلان في باب التعارض فحرمة الغصب ووجوب الصلاة لو قلنا بعدم امكان اجتماعهما في الصلاة الواقعة في المغصوب

٤٤٧

متعارضان (١) اي يحصل بينهما تكاذب في مقام الجعل ، فان ثبوتهما معا ما دام ممتنعا فلا يمكن صدورهما من المولى بل لا بدّ وان يكون الصادر احدهما.

واذا دخلا في باب التعارض فاللازم تقديم اقوى الحكمين. ولكن ما هو الاقوى؟ ذكر الاصوليون انه النهي لان اطلاق لا تغصب شمولي ، اي هو يقول لا يجوز اي فرد من افراد الغصب بينما اطلاق صل بدلي ، اي هو يقول يجب فرد واحد من افراد الصلاة دون جميعها ، وما دام الاول شموليا والثاني بدليا فالمقدم هو الاول لاقوائية الشمولية من البدلية. هذا كله لو قلنا بامتناع الاجتماع.

واما لو قلنا بجوازه ـ بدعوى ان الاحكام تتعلق بالعناوين او تتعلق بالمعنون مع افتراض تعدده بتعدد العنوان ـ فالدليلان كصل ولا تغصب لا يكونان متعارضين لانه بعد فرض جواز الاجتماع يكون صدورهما معا من المولى امرا ممكنا. وهل يصيران متزاحمين؟ ان فرضنا ان بالامكان الخروج من المغصوب واداء الصلاة في مكان آخر فلا يتحقق التزاحم لانه انما يتحقق فيما اذا لم يقدر المكلف على امتثال كلا الحكمين ، اما اذا امكنه (٢) فلا يتحقق. اجل اذا لم يمكن الخروج تحقق التزاحم لعدم امكان امتثال الحكمين معا فيقدم الاهم منهما.

وباختصار : بناء على الامتناع يتحقق التعارض ، وبناء على الجواز يتحقق التزاحم ان لم تكن مندوحة ، ومع المندوحة فلا تعارض ولا تزاحم.

الثمرة الثانية

والثمرة الثانية تظهر في صحة العمل وفساده كما سنوضح. وهذه الثمرة ـ كما

__________________

(١) طبيعي ليس المقصود من ثبوت التعارض ثبوته بين ذات صل وذات لا تغصب اذ لا معارضة بين الذاتين بل يقصد ثبوته بين الاطلاقين اي ان اطلاق صل وشموله لكل صلاة بما في ذلك الصلاة في المغصوب يتعارض مع اطلاق لا تغصب وشموله لكل غصب بما في ذلك الغصب المتمثل بالصلاة

(٢) ويعبر عن امكان الخروج بالمندوحة فانها تعني المجال والسعة

٤٤٨

قلنا سابقا ـ مترتبة على الاولى ، فان صحة العمل وفساده يرتبطان بمسألة التعارض والتزاحم ، فلو اتى المكلف بالصلاة في المغصوب كانت صحة صلاته وفسادها مرتبطين بالتعرف على ان الثابت بين صل ولا تغصب هو التعارض او التزاحم. وهكذا لو امر المولى عبده بطبخ اكلة معينة ونهاه نهيا عاما عن استعمال الوسائل الكهربائية فاذا طبخ العبد تلك الاكلة بالوسيلة الكهربائية وقعت طبخته موردا لاجتماع الامر والنهي (١) وكان تحقق الامتثال بها وعدمه مرتبطا بمسألة التعارض والتزاحم فانه :

١ ـ ان قلنا في الثمرة الاولى بعدم جواز الاجتماع وبالتالي بالتعارض فاللازم فساد العمل وعدم تحقق الامتثال به ، اذ بعد البناء على الامتناع والتعارض يكون الثابت اما صل او لا تغصب ، فاذا قدم النهي لاجل ان اطلاقه شمولي فمعناه عدم ثبوت الامر وسقوطه عن الصلاة في الغصب وهكذا بالنسبة لمثال الطبخ فانه بعد سقوط الامر لا يكون الطبخ مصداقا للمأمور به فتجب الاعادة من جديد اذ إجزاء غير الواجب عن الواجب يحتاج الى دليل.

وباختصار : بعد البناء على الامتناع والتعارض لا يكون المأتي به مصداقا للواجب ولا مجزيا بلا فرق بين كون الواجب عباديا او توصليا.

٢ ـ وان بني على الجواز وعدم التعارض فينبغي التفصيل بين كون الواجب توصليا او تعبديا :

أ ـ فان كان توصليا ـ كما في مثال الطبخ ـ فالامتثال متحقق ولا تلزم الاعادة لفرض ان الامر ثابت ومتعلق بالطبخ ، ومع تعلقه به يكون مجزيا ولا تجب اعادته. اجل في حالة عدم وجود المندوحة ـ اي حالة عدم وجود وسيلة

__________________

(١) فرق هذا المثال عن سابقه ان الواجب في المثال السابق عبادي وفي هذا توصلي

٤٤٩

غير كهربائية يمكن الطبخ بها ـ يتحقق التزاحم بين الامر بالطبخ والنهي عن استعمال الوسيلة الكهربائية حيث انه بعد عدم وجود المندوحة لا يمكن امتثال كلا الحكمين فيتحقق التزاحم بينهما ، وفي باب التزاحم ـ كما عرفنا ذلك في مبحث الضد ـ لا يكون التكليف متعلقا بالمتزاحمين في عرض واحد وانما يؤمر بالاهم ابتداء وعلى تقدير عدم الاشتغال بامتثاله يؤمر بالمهم ، فالامر بالصلاة معلق على عدم الاشتغال بالازالة مثلا ولا يمكن الامر بهما في عرض واحد بلا ترتب لانه يلزم منه الامر بالجمع بين الضدين. وفي مقامنا يقال نفس الشيء فبعد فرض تحقق التزاحم بين الامر بالطبخ والنهي عن الوسيلة الكهربائية يكون الامر متعلقا بالطبخ معلقا على عدم امتثال النهي. هذا في فرض عدم المندوحة ، واما عند فرض وجودها فلا تزاحم كما ولا تعارض بل يكون الامر والنهي ثابتين معا على وجه العرضية بلا حاجة الى فرض الترتب.

وباختصار : بناء على الجواز يكون الامر متعلقا بالطبخ على وجه الترتب وعدم الاشتغال بامتثال النهي فيما اذا لم تكن مندوحة ، ومع وجودها يكون الامر ثابتا على وجه العرضية. وعلى كلا التقديرين يقع الطبخ مصداقا للمأمور به ومجزيا.

ب ـ وان كان الواجب عباديا ـ كما في مثال الصلاة في المغصوب ـ فاللازم التفصيل بين ما اذا كان مستند البناء على الجواز هو البناء على تعدد المعنون خارجا عند تعدد العنوان وبين ما اذا كان هو البناء على كفاية تعدد العنوان حتى مع وحدة المعنون خارجا ، فان كان المستند هو تعدد المعنون خارجا ووجود صلاة وغصب بوجودين متغايرين في الخارج فلا بدّ من تحقق الامتثال بالصلاة المأتي بها في الغصب لان الامر متعلق بها وقد قصد المكلف امتثاله فتقع صحيحة.

٤٥٠

واما اذا كان المستند كفاية تعدد العنوان حتى مع وحدة المعنون خارجا فلا تقع الصلاة صحيحة ، لان الامر وان كان ثابتا ومتعلقا بعنوان الصلاة الا ان الصلاة بعد ما كانت في الخارج متحدة مع الغصب ومرتدية ثوب الغصب فلا يمكن قصد التقرب بها.

تلخيص ما سبق :

ويمكن تلخيص الثمرة الثانية بما يلي :

١ ـ بناء على الامتناع والتعارض لا تقع الصلاة ولا الطبخ مصداقا للمأمور به فتجب الاعادة.

٢ ـ بناء على الجواز وعدم التعارض يقع المأتي به مصداقا للمأمور به ومجزيا فيما لو كان توصليا لتعلق الامر به بنحو الترتب في صورة عدم المندوحة او بنحو العرضية في صورة وجودها.

٣ ـ ولو كان عباديا وقع صحيحا بناء على تعدد المعنون خارجا عند تعدد العنوان.

٤ ـ وبناء على وحدة المعنون خارجا وكفاية تعدد العنوان فلا يقع صحيحا لعدم امكان قصد التقرب.

بطلان العمل في حالتين

عرفنا من خلال ما تقدم بطلان العمل في حالتين :

١ ـ اذا بني على التعارض وتقديم النهي فان العمل يقع باطلا سواء كان العمل عباديا ام توصليا.

٢ ـ اذا بني على الجواز وكان العمل عبادة وبني على وحدة المعنون خارجا.

٤٥١

هل يفرق بين حالة الالتفات والغفلة

قوله ص ٤١٠ س ١٤ وفي كل حالة حكمنا فيها ... الخ : وبعد ان عرفنا بطلان العمل في حالتين نسأل : هل الحكم بالبطلان يختص بحالة الالتفات الى حرمة الغصب او يعم حالة عدم الالتفات ايضا؟ والجواب : اما بالنسبة الى الحالة الاولى ـ وهي حالة البناء على وجود تعارض بين الامر والنهي ـ فيحكم بالبطلان مطلقا ، اذ مع التعارض وتقديم النهي يكون الامر مفقودا واقعا ، ومع فقدانه يقع العمل باطلا ولا اثر لجهل المكلف.

واما بالنسبة للحالة الثانية ـ وهي حالة بطلان الصلاة من جهة وحدة المعنون خارجا ـ فيختص البطلان بحالة الالتفات الى الغصب وحرمته ، اذ فيها لا يمكن للمكلف قصد التقرب ، واما مع جهله فتقع صحيحة لفرض ثبوت الامر وامكان قصد التقرب.

قوله ص ٣٩٦ س ٣ وعالم الملاك : عطف تفسير على « المبادىء ». وهكذا قوله « عالم الامتثال » عطف على « النتائج ».

قوله ص ٣٩٦ س ٤ اما الاول : اي التنافي بلحاظ عالم المبادىء.

قوله ص ٣٩٦ س ٥ واما الثاني : اي التنافي بلحاظ عالم الامتثال.

قوله ص ٣٩٦ س ٧ وقد سبق في مباحث القدرة : اي ص ٣٢٤ س ٤.

قوله ص ٣٩٦ س ١٠ وعلى هذا الاساس : اي على اساس امتناع الاجتماع للسببين السابقين يترتب على ذلك انه اذا دل دليل ... الخ.

قوله ص ٣٩٧ س ٣ حقا : اي واقعا.

قوله ص ٣٩٧ س ٧ على نحو التخيير العقلي بين حصصها : بمعنى ان الامر متعلق بطبيعي الصلاة كما في قوله تعالى : « اقيموا الصلاة » فان الامر اذا تعلق

٤٥٢

بالطبيعي حكم العقل بالتخيير بين افراده فيكون التخيير بين افراد الصلاة تخييرا عقليا.

قوله ص ٣٩٨ س ١٥ للنهي : الصواب : المنهي عنها.

قوله ص ٣٩٨ س ١٦ معروفة : الصواب : معروضة.

قوله ص ٣٩٩ س ٧ ومن هنا فسر ... الخ : في العبارة تقدير ، اي ان الميرزا فسر كراهة الصلاة في الحمام بانه لا تنافي بين وجوب المطلق وكراهة الحصة.

قوله ص ٣٩٩ س ١٠ او كراهتيا : اذ المبغوضية ولو كانت بمرتبة الكراهة لا يمكن ان تجتمع مع المحبوبية.

قوله ص ٣٩٩ س ١٤ كما تقدم : اي ص ١٣١ حيث قال في آخرها : والصحيح هو القول الثالث ، وهو ان الاطلاق عبارة عن عدم لحاظ القيد.

قوله ص ٤٠٠ س ٥ وعلى اي حال : اي سواء قلنا بان المنافي للنهي هو الترخيص من قبل الامر او هو الترخيص من قبل المولى. وقوله « تجاوزنا هذه الخصوصية » بمعنى قطعنا النظر عن هذه الخصوصية.

قوله ص ٤٠٠ س ٥ : وافترضنا الامتناع : واما اذا لم نفترض الامتناع فلا بدّ ان يكون ذلك من جهة تعلق المحبوبية بالجامع والمبغوضية بالحصة وكفاية هذا المقدار لحلّ المشكلة ، وبناء عليه لا حاجة الى فرض تعدد العنوان اذ ذاك الحل كاف سواء فرضنا تعدد العنوان ام لا ويكون ضمّ فرض تعدد العنوان من قبيل ضمّ الحجر الى جنب الانسان.

قوله ص ٤٠١ س ٦ نعم اذا ثبت : الانسب : نعم اذا كان العنوان ماهية ... الخ.

قوله ص ٤٠١ س ١٣ والصور الذهنية : عطف تفسير على « العناوين ».

٤٥٣

قوله ص ٤٠٣ س ١ لحالة غصبية الصلاة : اي ان اطلاق « اقيموا الصلاة » اذا كان شاملا للصلاة في الدار المغصوبة.

قوله ص ٤٠٣ س ٢ على المقيد بهذه الحالة : اي الصلاة المقيدة بحالة الغصبية.

قوله ص ٤٠٣ س ٤ : ان نسلم بان الخصوصيتين : واما اذا سلمنا بان الخصوصية الثانية نافعة وانه يكفي تعدد عنواني الغصبية والصلاة في حلّ المشكلة فلا حاجة لفرض الخصوصية الثالثة اذ الصلاة حالة الخروج ينطبق عليها عنوانا الصلاة والغصبية فاذا كان تعددهما كافيا فلا حاجة الى فرض كون النهي ساقطا بالفعل وان الثابت هو الامر فقط. وهكذا لو كانت الخصوصية الاولى تامة فلا تصل النوبة الى فرض الخصوصية الثالثة اذ مركز الشوق هو جامع الصلاة دون فردها الخاص ـ وهو الصلاة في المغصوب ـ ومركز البغض هو جامع الغصب دون فرده وهو الغصب المتمثل في الصلاة.

قوله ص ٤٠٣ س ١٤ ومضطر : الصواب : ومضطرا اليه.

قوله ص ٤٠٤ س ٢ والادانة : عطف تفسر على « المسؤولية ». والادانة هي العقوبة.

قوله ص ٤٠٤ س ٣ على القول المتقدم : ص ٣٠٨.

قوله ص ٤٠٤ س ٩ غير منهي عنه منذ البدء : اي ان الخروج ما دام مضطرا اليه لا بسوء الاختيار فهو قبل الدخول غير مشمول لخطاب « لا تغصب » ، فخطاب « لا تغصب » حتى قبل الدخول لا يقول لا تتصرف بالخروج.

قوله ص ٤٠٤ س ١٣ وادانة : عطف تفسير على قوله « عقابا ».

قوله ص ٤٠٤ س ١٥ لا يدفع بين ... الخ : الصواب : لا يدفع التنافي بين ...

٤٥٤

الخ.

قوله ص ٤٠٥ س ١٢ وملاكه : عطف تفسير على « روحه ».

قوله ص ٤٠٥ س ١٤ ينفي : الصواب : ينفى.

قوله ص ٤٠٦ س ٣ كما تقدم في الحلقة السابقة : ص ٢٨٩.

قوله ص ٤٠٦ س ٥ بل في حالات اخرى : يجمعها جامع واحد وهو ارتكاب المكلف بسوء اختياره لفعل يصير بسببه مضطرا الى ارتكاب الحرام.

قوله ص ٤٠٦ س ١٠ بتعذر ... الخ : اي بسبب تعذر ... الخ.

قوله ص ٤٠٦ س ١٣ من هذا القبيل : اي احدهما مباح والآخر محرم.

قوله ص ٤٠٦ س ١٤ فعلا : اي كلا الفردين موجود في وقت واحد.

قوله ص ٤٠٧ س ١ وبدون دخل للمكلف : عطف تفسير على « اساسا ».

قوله ص ٤٠٧ س ٥ ان تكون منقسمة اساسا : اي بدون دخل للمكلف. ثم ان الفرق بين هذا القسم والقسم الاول انه في القسم الاول يكون كلا الفردين ـ الحرام والمباح ـ موجودا بالفعل ، واما في هذا القسم فالفردان ليسا موجودين في زمان واحد ، اذ الشخص قبل دخوله في المغصوب يكون الثابت في حقه هو الفرد المباح فقط واذا دخل ينعدم ويتحقق حينئذ مجال الفرد المحرم.

قوله ص ٤٠٧ س ٩ لسوء الاختيار : الى هنا ينتهي الجواب الثالث. وما سيذكره بعد ذلك هو توضيح اضافي زائد عليه.

قوله ص ٤٠٧ س ٩ يظل على ما هو عليه من الحرمة : ليس المقصود بقاء نفس الخطاب بالحرمة بل بقاء العقوبة كما سبق.

قوله ص ٤٠٧ س ١١ بذي المقدمة : وهو وجوب التخلص من الغصب.

قوله ص ٤٠٨ س ٧ في ذلك : اي في امتناع الاجتماع.

٤٥٥

قوله ص ٤٠٨ س ١٠ لنفسه : متعلق بقوله « محبوبا ومبغوضا ».

قوله ص ٤٠٨ س ١١ بسائر : اي بجميع.

قوله ص ٤٠٩ س ١٠ واما صحة امتثال ... الخ : هذا اشارة الى الثمرة الثانية.

قوله ص ٤١٠ س ١ كما تقدم : ص ٣٨٩ حيث ذكر هناك ان لازم اجزاء غير الواجب عن الواجب تقييد دليل الواجب بعدم الاتيان بغير الواجب ، واطلاق دليل الواجب ينفيه.

قوله ص ٤١٠ س ٣ او لا : اي او لم يقع التزاحم.

قوله ص ٤١٠ س ٦ كذلك : اي كما في التوصلي ويجري ايضا نفس التفصيل المتقدم فيه فيقع صحيحا بالامر الترتبي في صورة التزاحم وعدم المندوحة وبالامر العرضي في صورة عدم التزاحم ووجود المندوحة.

قوله ص ٤١٠ س ١٦ والعالم بها : اي العالم بالحرمة.

٤٥٦

مبحث الضد

٤٥٧
٤٥٨

اقتضاء وجوب الشيء لحرمة ضده :

قوله ص ٤١٢ س ١ وقع البحث في ان وجوب شيء ... الخ :

قبل توضيح المقصود من هذا المبحث نشير الى ان الصلاة مثلا يوجد لها مناف لا يجتمع معها. والمنافي له شكلان ، فتارة يكون امرا وجوديا كالاكل والنوم و ... ، فالاكل مثلا يتنافى مع الصلاة ولا يجتمع معها وهو امر وجودي. ويسمى المنافى الوجودي بالضد الخاص. واخرى يكون امرا عدميا وهو الترك ويعبر عنه بالضد العام ، فالضد العام للصلاة هو ترك الصلاة (١).

وبعد التعرف على هذين المصطلحين نطرح سؤالين ليتضح مبحثنا.

١ ـ هل الامر بالصلاة مثلا يقتضي النهي عن الضد العام الذي هو ترك الصلاة؟ فمثل « اقم الصلاة » هل يدل على حرمة ترك الصلاة؟

٢ ـ هل الامر بالصلاة مثلا يقتضي النهي عن الضد الخاص؟ فمثل « اقم الصلاة » هل يدل على حرمة الاكل والمطالعة و ...؟

والثمرة تظهر ـ كما سيأتي انشاء الله تعالى ـ فيما لو ورد حكم بلسان ازل النجاسة عن المسجد ، فلو اشتغل المكلف بالصلاة التي هي ضد خاص للازالة فبناء على ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص تقع الصلاة محرمة وبالتالي فاسدة ويجب اعادتها من جديد.

وقبل الاجابة عن هذين التساؤلين نشير الى ان الدلالة حسب ما قرأنا في

__________________

(١) بهذا يتضح ان ليس المقصود من الضد في المقام الضد المنطقي بل ما يعم النقيض

٤٥٩

المنطق على ثلاثة اقسام ، فتارة تكون مطابقية واخرى تضمنية وثالثة التزامية. وعلى هذا فهل المقصود من الدلالة والاقتضاء حينما نقول : « الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن الضد » هو الاقتضاء بنحو المطابقة او بنحو التضمن او بنحو الالتزام؟ والصحيح ان المقصود ما يعم الانحاء الثلاثة.

وبعد هذا يقع الحديث اولا عن الضد العام وبعد ذلك عن الضد الخاص.

الضد العام :

وقع البحث في ان مثل « اقم الصلاة » هل يقتضي النهي عن ترك الصلاة؟ والمعروف اقتضاؤه لذلك ولكن اختلف في كيفية الاقتضاء على ثلاثة اقوال : الاقتضاء بنحو المطابقة ، والاقتضاء بنحو التضمن ، والاقتضاء بنحو الالتزام.

القول الاول

والقول الاول يرى ان مثل « اقم الصلاة » يدل بالمطابقة على النهي عن تركها ، فاقم الصلاة هو عين لا تترك الصلاة. وبطلان هذا القول واضح ، اذ لازمه صيرورة الامر عين النهي والحال انه يغايره. ومن هنا حاول اصحاب هذا القول توجيهه باحد وجهين :

أ ـ ليس المقصود من العينية ان وجوب الصلاة عين حرمة تركها ليقال ان الوجوب غير الحرمة بل العينية في مقام التأثير بمعنى ان تأثير وجوب الصلاة لو لاحظناه مع تأثير حرمة ترك الصلاة لوجدنا ان التأثيرين واحد وليس بمتعدد ، فان النهي عن ترك الصلاة يسحب المكلف عن ترك الصلاة ومن الواضح ان الامر بالصلاة يؤثر نفس هذا التأثير فانه وان كان بالمباشرة يدفع بالمكلف نحو الصلاة ويقربه اليها الا انه بنفس تقريبه نحوها يبعده ويسحبه عن ترك الصلاة.

٤٦٠