الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

اجتماع الامر والنهي

٤٢١
٤٢٢

امتناع اجتماع الامر والنهي :

قوله ص ٣٩٦ س ١ لا شك في التضاد ... الخ :

حاصل المبحث المذكور (١) انه هل يمكن تعلق الوجوب والحرمة بشيء واحد في وقت واحد او لا؟ فالصلاة في الدار المغصوبة مثلا هل يمكن تعلق الوجوب والحرمة بها في وقت واحد او لا؟ ولعل السامع لهذا المبحث يستغرب منه لأول وهلة لوضوح عدم امكان ذلك ، فان الوجوب والحرمة متنافيان غاية التنافي فكيف يجتمعان في شيء واحد؟

وفي رد الاستغراب المذكور نقول : ان الاصوليين يسلمون بهذه القضية البديهية وهي ان الشيء الواحد لا يجوز اجتماع حكمين فيه بيد انهم يدخلون في الحساب بعض الخصوصيات التي توجب وجاهة البحث ومعقوليته ، فمثلا يقولون هكذا : لو فرض ان الشيء الواحد كان له عنوانان كالصلاة في المغصوب ـ حيث لها عنوانان وهما الغصبية والصلاتية ـ فهل تعدد العنوان يرفع المشكلة بتقريب ان النهي متعلق بعنوان الغصبية والامر متعلق بعنوان الصلاتية ، ومعه فلا مشكلة ، اذ الامر يكون متعلقا بشيء والنهي متعلقا بآخر ولا يكون عندنا شيء واحد تعلق الامر والنهي به ليلزم المحذور. اذن الاصوليون يسلمون بان الشيء الواحد لا يجوز تعلق الامر والنهي به وهم لا يبحثون المسألة من هذه الزاوية بل من زاوية ان تعدد العنوان ـ كالصلاتية والغصبية مثلا ـ هل يوجب صيرورة الامر والنهي

__________________

(١) الذي هو من المباحث الاصولية الدقيقة

٤٢٣

متعلقين بشيئين او انه لا يوجب ذلك ويبقى الامر والنهي متعلقين بشيء ، واحد وان كان العنوان متعددا.

ومن خلال هذا يتضح ان عنوان المسألة يعطي شيئا بينما المقصود الحقيقي شيء آخر ، فالعنوان يعطي ان البحث منصب على جواز اجتماع الامر والنهي في شيء واحد بينما المقصود الحقيقي هو ان تعدد العنوان هل يوجب صيرورة الامر متعلقا بشيء والنهي متعلقا بشيء آخر بحيث لا يكونان مجتمعين في شيء واحد او لا يوجب ذلك؟

كما واتضح ان من المناسب تبديل عنوان البحث الى عنوان جديد ، فبدلا من تعبير « هل يجوز اجتماع الامر والنهي في شيء واحد » كان من المناسب ان يقال هل تعدد العنوان يوجب تعدد متعلق الامر والنهي او لا.

وبعد اتضاح المقصود الواقعي من البحث المذكور نعود للكتاب لنوضح ابحاثه ضمن النقاط التالية :

١ ـ لا اشكال في وجود تضاد وتناف بين مثل الوجوب والحرمة فلا يمكن اجتماعهما في الصلاة مثلا.

وقد يقال : ان التنافي بين الوجوب والحرمة وان كان واضحا ولكن ما هو سببه؟ ان التنافي ينشأ من سببين هما :

أ ـ ان وجوب الصلاة يدل على وجود مصلحة في الصلاة بينما حرمتها تدل على وجود مفسدة فيها ، ومن الواضح عدم امكان اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد.

ب ـ ان وجوب الصلاة يقتضي في مقام الامتثال التحرك نحو الصلاة بينما الحرمة تقتضي الانسحاب عنها ، ومن الواضح ان الانسان الواحد لا يمكنه في آن

٤٢٤

واحد التحرك نحو شيء والانسحاب عنه.

اذن التنافي بين الوجوب والحرمة ينشأ اما من حيث الملاك ـ اي المصلحة والمفسدة ـ او من حيث الامتثال. وبكلمة ثانية : التنافي ينشأ اما من حيث المبدأ او من حيث المنتهى والنتيجة (١).

٢ ـ يتفرع على امتناع اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد صيرورة الامر والنهي المتعلقين بشيء واحد متعارضين لا متزاحمين ، فمثل تجب الصلاة وتحرم الصلاة يكون من قبيل المتعارضين حيث لا يمكن صدورهما من المولى معا وبالتالي يلزم تطبيق احكام باب التعارض التي هي تقديم الاقوى سندا او دلالة ولا يدخلان تحت باب التزاحم الذي لازمه تقديم الاقوى ملاكا ، فان التزاحم لا يتحقق الا اذا فرض امكان صدور الحكمين معا من المولى مع ضيق قدرة المكلّف عن امتثالهما مثل صل وأزل ـ فان متعلق احد الحكمين هو الصلاة ومتعلق الآخر هو الازالة وليس متعلقهما واحدا ليمتنع صدورهما من الشارع ، اجل حيث تضيق قدرة المكلف عن امتثالهما (٢) يتحقق التزاحم بينهما ـ اما اذا كان اصل صدورهما ممتنعا كما هو الحال في المقام حيث لا يمكن مع الامر بالصلاة النهي عنها فلا محالة من تحقق التعارض.

وقد يقال : لماذا لا نقول بان الوجوب والحرمة متعلقان بالصلاة ولكن بنحو

__________________

(١) وقد يقال : لماذا لا نقول ان التنافي بين الوجوب والحرمة ينشأ من كون نفس الوجوب والحرمة متنافيين بما هما وجوب وحرمة بقطع النظر عن الملاك والامتثال فان معنى الوجوب الالزام بالفعل ومعنى الحرمة الالزام بالترك ، وعدم امكان اجتماع الالزام بالفعل والالزام بالترك في وقت واحد واضح.

والجواب : ان الوجوب مجرد اعتبار والحرمة مجرد اعتبار ، ومن الواضح ان الاعتبار سهل المؤنة ، فمن الممكن في وقت واحد اعتبار زيد موجودا وغير موجود مثلا

(٢) طبيعي عند ضيق وقت الصلاة

٤٢٥

الترتب فكما ان صل وازل لا تنافي بينهما اذا كانا بنحو الترتب ـ بان يقول المولى هكذا : ازل فان لم تشتغل بالازالة وجبت عليك الصلاة ـ فكذلك نقول لا تنافي بين تجب الصلاة وتحرم الصلاة اذا كانا بنحو الترتب بان يقول المولى هكذا : تجب الصلاة فان لم تشتغل بها حرمت عليك ، ان هذا الترتب اذا كان معقولا هنا كما كان معقولا في صل وازل لزم ارتفاع التعارض بين تجب الصلاة وتحرم الصلاة.

والجواب : ان الترتب فكرة معقولة في مثل صل وازل لان متعلق التكليفين مختلف فمتعلق الوجوب هو الصلاة ومتعلق الحرمة هو الغصب ، وفي مثل ذلك تعقل فكرة الترتب ، واما في مقامنا فالمفروض ان المتعلق للحرمة والوجوب واحد ، ومع وحدة المتعلق لا يمكن توجيه التكليفين ولو بنحو الترتب ، فلا يمكن ان يقال تجب الصلاة فان لم تشتغل بها حرمت عليك ، اذ عند عدم الاشتغال بالصلاة يكون المكلف تاركا لها ومع تركه لها لا معنى لان يقال تحرم عليك الصلاة ، فان ذلك اشبه بتحصيل الحاصل.

٣ ـ ذكرنا سابقا ان المقصود الحقيقي من هذا البحث ادخال بعض الخصوصيات في الحساب ليرى ـ على ضوئها ـ هل يبقى الامر والنهي متعلقين بشيء واحد او يصيران متعلقين بشيئين ، وتلك الخصوصيات ثلاث هي :

الخصوصية الاولى :

ان يفرض تعلق الامر بالطبيعي والنهي بالحصة كما اذا قال الشارع « تجب الصلاة » و « تحرم الصلاة في الحمام » فالوجوب متعلق بطبيعي الصلاة والحرمة بالحصة الخاصة فهل يكفي ذلك لرفع المشكلة اولا؟ والجواب : ان السبب الثاني للتنافي ـ وهو ان الوجوب يحرك نحو الصلاة والحرمة تسحب عن الصلاة ـ منتف

٤٢٦

في هذه الحالة ، اذ المكلف يمكنه امتثال كلا الحكمين وذلك بالخروج من الحمام والصلاة في بيته.

واما السبب الاول للتنافي ـ وهو لزوم اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد ـ فقد يقال بانتفائه ايضا اذ مركز المصلحة هو طبيعي الصلاة ومركز المفسدة هو الحصة الخاصة من الصلاة وليس مركزهما واحدا. وللتعرف على مدى صحة هذا الكلام لا بدّ من الرجوع الى مبحث الوجوب التخييري لاستذكار الاتجاه الثالث من الاتجاهات الثلاثة المذكورة في بيان حقيقته ، ان الاتجاه المذكور يقول بتوجه الوجوب الى الجامع ولكنه يسري الى الافراد سريانا مشروطا ، فحينما يقال يجب عليك الاتيان بالماء فمعناه يجب عليك الاتيان بهذا الماء ان لم تات بذاك الماء ويجب عليك الاتيان بذاك ان لم تات بهذا وهكذا. وذكرنا هناك ايضا انه قد يقال اذا صب المولى الوجوب على الجامع فكيف يسري الى افراده ، انه غير ممكن اذ بصب الوجوب على شيء يبقى ثابتا عليه ولا يتحرك عنه. وفي الجواب قلنا ليس المقصود من السراية سراية نفس الوجوب بل سراية ملاكه ، فان من احب شيئا فقد احب جميع افراده حبا مشروطا. هذا ما قرأناه سابقا. وفي مبحثنا هذا نقول : اذا اردنا ان نعرف ان ادخال الخصوصية الاولى في الحساب ـ وهي خصوصية الطبيعي والحصة ـ هل يرفع السبب الاول للتنافي او لا فعلينا بالرجوع الى هذا الاتجاه الثالث ، فان سلمناه وقلنا بان المولى متى ما صبّ الوجوب على الجامع سرى ـ بمعنى سراية مبادىء الوجوب وهي الحب والارادة ـ الى افراده وصار كل فرد محبوبا بحب مشروط فالسبب الاول للتنافي يكون باقيا ، اذ حينما يقول المولى تجب الصلاة فلازمه محبوبية جميع افرادها التي احدها الصلاة في الحمام ، فالصلاة في الحمام تكون محبوبة ، وحيث انه قد توجه اليها النهي وقيل « لا

٤٢٧

تصل في الحمام » فلا بدّ وان تكون مبغوضة ، فيلزم اجتماع الحب والبغض في شيء واحد (١). اذن مع تسليم الاتجاه المذكور لا يرتفع السبب الاول للتنافي ويتوقف ارتفاعه على رفضه.

كلام النائيني في المقام :

ومن خلال هذا يتضح ان ثبوت السبب الاول للتنافي وعدمه يرتبط بالاتجاه المذكور ، هذا ولكن الميرزا ذكر انه حتى لو انكرنا الاتجاه المذكور وقلنا ان من احب شيئا لا يتحتم حبه للافراد بنحو مشروط فمع ذلك يمكن ان يقال بعدم جواز الامر بالصلاة والنهي عن الحصة الخاصة ، والوجه في ذلك ان الامر بالصلاة مطلق ، ومع اطلاقه يجوز تطبيقه على اي فرد من افراد الصلاة ، ومن جملة تلك الافراد هو الصلاة في الحمام ، وعليه فيكون المكلف مرخصا في تطبيق الصلاة على الصلاة في الحمام ، ومن الواضح ان هذا الترخيص يتنافى والنهي عن الصلاة في الحمام.

ومن خلال هذا يتضح ان التنافي ليس ثابتا بين نفس وجوب الصلاة وحرمتها في الحمام بل بين الترخيص في التطبيق والنهي عن الصلاة في الحمام (٢).

__________________

(١) وبناء على اجتماع الحب والبغض في الصلاة في الحمام يلزم البناء على التخصيص وان النهي عن الصلاة في الحمام مخصص لامر صل بغير الصلاة في الحمام فيكون المامور به بناء على هذا هو الصلاة في غير الحمام واما الصلاة في الحمام فهي ليست متعلقة للامر ، ومعه فلا يلزم محذور اجتماع الملاكين المتنافيين في شيء واحد. واما بناء على انكار مسلك الاستبطان فتوجيه التخصيص يحتاج الى بيان آخر

(٢) وبناء على بيان الميرزا هذا يلزم التخصيص ايضا اذ دفعا للتنافي بين الترخيص في التطبيق وبين حرمته لا بدّ من الالتزام بتخصيص الامر بالصلاة بغير الصلاة في الحمام. وبهذا يتضح انه على كل من المسلكين ـ مسلك الميرزا ومسلك السيد الشهيد ـ لا بدّ من الالتزام بالتخصيص

٤٢٨

الفارق بين مسلكين

ذكرنا ان السيد الشهيد يرى ان النكتة في عدم امكان الامر بطبيعي الصلاة والنهي عن الحصة الخاصة هي ان الامر بالطبيعي يدل على حب الطبيعي ، وحب الطبيعي يستلزم حب الافراد فيلزم في مثل الصلاة في الحمام اجتماع الحب والبغض. وهذا ما سوف نصطلح عليه بمسلك السيد الشهيد (١). واما الميرزا فقد ذكر ان النكتة في ذلك شيء آخر وهي ان الامر بالطبيعي يستلزم الترخيص في التطبيق على جميع الافراد التي احدها الصلاة في الحمام ، وهذا الترخيص في التطبيق يتنافى والنهي عن الصلاة في الحمام.

وبعد التعرف على هذين المسلكين نسأل عن الفارق بينهما فهل هو ثابت او لا؟ نعم يظهر الفارق فيما اذا كان النهي عن الصلاة في الحمام نهيا كراهتيا لا تحريميا ، فعلى مسلك الميرزا تنحل مشكلة العبادات المكروهة ، فان احدى المشاكل التي واجهها الاصوليون هي ان العبادة كيف يمكن ان تكون احيانا مكروهة كالصلاة في الحمام مثلا فان العمل اذا كان عبادة فهو محبوب للمولى فاذا فرض مكروها فلازمه كونه مبغوضا له ، والشيء الواحد لا يمكن ان يكون محبوبا ومبغوضا.

هذه المشكلة التي يعبر عنها بمشكلة العبادات المكروهة تخلّص منها الميرزا من خلال مسلكه المتقدم فقال ان الامر بالصلاة يعني الترخيص بالاتيان بها في اي مورد بما في ذلك الحمام ، ومن الواضح ان النهي عن الصلاة في الحمام لا يتنافى وثبوت الترخيص المذكور بل يدل على ان هذا التطبيق وان كان جائزا لكنه مكروه ولا مانع من كون التطبيق مرخصا فيه وفي نفس الوقت يكون مكروها فكراهة العبادة لا تعني ان نفس العبادة مكروهة كي يشكل بان الفعل بعد فرض

__________________

(١) وفي عبارة الكتاب عبّر عنه بمسلك الاستبطان ، اي استبطان حب الجامع لحب افراده

٤٢٩

كونه عبادة ومقربا نحو المولى كيف يكون مكروها ومبغوضا له وانما المراد كراهة التطبيق ، ولا محذور في كون التطبيق على فرد معين جائزا وفي نفس الوقت يكون مكروها. هذا على مسلك الميرزا.

واما على مسلك السيد الشهيد فالمشكلة باقية اذ امر « اقيموا الصلاة » يدل على ان طبيعي الصلاة شيء يحبه المولى ، وبما ان حب الجامع يستلزم حب الافراد فيلزم ان تكون الصلاة في الحمام التي هي احد الافراد محبوبة ، ومع كونها محبوبة فلا يمكن تعلق الكراهة بها اذ الكراهة تدل على مبغوضية الشيء مبغوضية ضعيفة ، ومن الواضح ان المحبوبية لا يمكن ان تجتمع مع المبغوضية ولو كانت ضعيفة.

مناقشة مسلك النائيني :

ويمكن مناقشة مسلك الميرزا بانه ما المقصود من قولكم ان الامر بالمطلق يدل على الترخيص في تطبيقه على جميع الافراد؟ فهل المقصود ان اطلاق المطلق معناه هو نفس الترخيص في التطبيق على جميع الافراد او المقصود ان الاطلاق لازمه الترخيص في التطبيق وليس نفسه؟ وكلاهما باطل.

اما الاول فلأن معنى الاطلاق عدم لحاظ القيد عند ملاحظة الطبيعة وليس معناه نفس الترخيص في التطبيق ، فحينما يقال ان كلمة الصلاة ـ في قوله تعالى ( « اقيموا الصلاة » ) ـ مطلقة فالمراد انه لم يلحظ معها قيد كونها في المسجد او في البيت مثلا وليس المراد ان المكلف مرخص في تطبيقها على افرادها.

واما الثاني فلأن كلمة الصلاة في قوله تعالى ( « اقيموا الصلاة » ) اذا كانت مطلقة فنسلم ان لازم ذلك هو الترخيص في التطبيق على اي فرد من افرادها ولكن هذا الترخيص هو ترخيص من جانب امر « اقيموا الصلاة » وليس

٤٣٠

ترخيصا من جانب المولى. وبكلمة اخرى : ان اطلاق كلمة الصلاة يدل على ان امر « اقيموا » لا مانع من ناحيته في تطبيق الصلاة على اي فرد من افرادها ولا يدل على ان المولى قد رخص بالفعل في تطبيق الصلاة على اي فرد فان استفادة الترخيص الفعلي من المولى يتوقف على ان لا يرد من المولى نهي يمنع من تطبيق الصلاة على بعض افرادها فاذا ورد النهي من قبله فلا يمكن حينئذ استفادة الترخيص من قبله وقد فرض في مقامنا ورود نهي من المولى عن الصلاة في الحمام ، ومع وروده فلا يمكن ان يستفاد من اطلاق « اقيموا الصلاة » ان المولى رخص في الاتيان بالصلاة في جميع الموارد بما في ذلك الحمام حتى يكون النهي عن الصلاة في الحمام منافيا لهذا الترخيص بل اقصى ما يستفاد منه هو الترخيص وعدم المانع من قبل نفس امر « اقيموا » في التطبيق على جميع الافراد ، والترخيص من قبل هذا الامر لا يتنافى مع نهي المولى عن الاتيان بالصلاة في الحمام فان الذي يتنافى مع النهي هو الترخيص من قبل المولى لا الترخيص من قبل الامر الخاص.

الخصوصية الثانية :

وبعد ان عرفنا عدم اجداء خصوصية الطبيعي والحصة ـ وبكلمة اخرى خصوصية الاطلاق والتقييد ـ في رفع محذور اجتماع الحب والبغض في مركز واحد ندخل في الحساب خصوصية ثانية وهي خصوصية تعدد العنوان كما هو الحال في الصلاة في الدار المغصوبة ، فانها في الخارج شيء واحد غير ان لها عنوانين : عنوان الصلاة وعنوان الغصب ، وهذان العنوانان ليس بينهما نسبة الاطلاق والتقييد كما كنا نفرض ذلك في الخصوصية الاولى ، اذن في الخصوصية الاولى نفترض وجود

٤٣١

عنوان واحد تعلق الامر بمطلقه والنهي بحصة منه بينما في الخصوصية الثانية نفرض وجود عنوانين متغايرين.

والسؤال المطروح هو : ان تعدد العنوان هل يوجب تعدد متعلق الامر والنهي بشكل لا يلزم اجتماعهما في شيء واحد او لا يوجب ذلك؟ وقد يجاب بان تعدد العنوان لا يجدي بعد ان كان المعنون الذي يحكي عنه العنوانان واحدا خارجا ، فالصلاة في المغصوب شيء واحد خارجا وان كان لها عنوانان : الصلاتية والغصبية. هذا ولكن يمكن تصوير اجداء تعدد العنوان باحد بيانين :

أ ـ يفترض ان تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون خارجا ، غاية الامر ان العين الباصرة ـ لعدم قدرتها على رؤية كل ما هو موجود في الخارج ـ لا تبصر تعدد المعنون خارجا ، فالصلاة في الغصب بعد ان كان لها عنوانان متعددة في الخارج ، فيوجد شيئان : صلاة وغصب.

ب ـ يفترض ان تعدد العنوان لا يعدد المعنون خارجا غير ان ذلك يكفي وحده لحل المشكلة بلا حاجة الى افتراض تعدد المعنون خارجا فان الاحكام تتعلق بالعناوين دون المعنونات ، وحيث ان العنوان متعدد في المقام فلا مشكلة حيث يكون الامر متعلقا بعنوان الصلاة والنهي بعنوان الغصب.

وبعد التعرف على هذين البيانين نأخذ بتحقيق الحال فيهما.

اما البيان الاول فلو تمّ لارتفعت المشكلة على كلا المسلكين : مسلك الميرزا ومسلك السيد الشهيد.

اما انها مرتفعة على مسلك الميرزا ـ القائل بان اطلاق المطلق يستلزم الترخيص في جميع الافراد ، وحيث ان احد الافراد هو الصلاة في المغصوب فيلزم ان تكون الصلاة في المغصوب محرمة ومرخصا فيها ـ فباعتبار ان الترخيص

٤٣٢

متعلق بالصلاة والنهي بوجود آخر غير وجود الصلاة وهو الغصب ، ومعه فلا يلزم اجتماع الترخيص والتحريم في شيء واحد.

واما انها مرتفعة على مسلك السيد الشهيد ـ القائل بان حب الطبيعي يستلزم حب الافراد ـ فباعتبار ان الخارج بعد اشتماله على شيئين متغايرين : صلاة وغصب فلا يلزم اجتماع الحب والبغض في شيء واحد بل يكون الحب الساري من طبيعي الصلاة متعلقا بالصلاة الخارجية والبغض متعلقا بالغصب الخارجي.

والخلاصة : ان على هذا البيان ترتفع المشكلة على كلا المسلكين بيد انه يمكن المناقشة فيه فلا نسلم ان تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون خارجا ، فان ذلك شيء مخالف للوجدان ، اذ هو قاض بان تعدد العنوان لا يعدد المعنون ، فلربّ شيء يكون خارجا واحدا ومع ذلك تصدق عليه عناوين متعددة كزيد مثلا فانه شيء واحد خارجا ومع ذلك له عناوين متعددة ، فهو ابن والده وابن امه وابو ولده وفقيه وشاعر و ... اجل نستثني من ذلك ما اذا كان العنوان المتعدد من العناوين الذاتية التي تمثل الحقيقة النوعية للشيء كعنوان الانسان والفرس فان الانسان نوع والفرس نوع ، فاذا صدق على الشيء عنوان الانسانية والفرسية كان ذلك كاشفا عن تعدد الشيء خارجا اذ لو كان واحدا لزم كون الشيء الواحد انسانا وفرسا وهو مستحيل اذ الشيء الواحد ليس له الا حقيقة واحدة.

والخلاصة : ان العنوان اذا كان من قبيل الانسان والفرس فتعدده يدل على تعدد المعنون خارجا ، واذا كان من العناوين العرضية المنتزعة فلا يدل على ذلك ، وحيث ان الصلاتية والغصبية من العناوين العرضية فتعددهما لا يدل على تعدد المعنون خارجا. هذا كله في تحقيق البيان الاول.

٤٣٣

واما البيان الثاني ـ وهو ان تعدد العنوان يكفي في رفع المشكلة باعتبار تعلق الاحكام بالعناوين ـ فهو تام ووجيه فان الوجوب يتعلق بعنوان الصلاة والحرمة بعنوان الغصب ، وحيث انهما عنوانان متغايران في الذهن فلا يلزم حينئذ اجتماع الامر والنهي في شيء واحد.

اشكال وجواب :

وقد تقول : ان تعدد العنوان لا ينفع في حل المشكلة ، اذ الاحكام المتعلقة بالعناوين لا تتعلق بها بما هي عناوين بل بما هي مرآة للمعنون الخارجي فالوجوب مثلا لا يتعلق بمفهوم الصلاة بما هو مفهوم الصلاة بل به بما هو مرآة حاكية عن الخارج ، وهكذا الحرمة لا تتعلق بمفهوم الغصب بما هو مفهوم وصورة في الذهن بل به بما هو مرآة للخارج ، ومعه فيكون الوجوب والحرمة منصبين حقيقة على الخارج ، وحيث ان الخارج واحد ـ لفرض ان المعنون لا يتعدد بتعدد العنوان ـ فيلزم بالتالي تعلق الحرمة والوجوب بشيء خارجي واحد ، وبذلك تعود المشكلة من جديد ولا ترتفع بمجرد افتراض تعدد العنوان.

والجواب ان يقال : ليس المقصود من تعلق الحكم بالعنوان بما هو مرآة للخارج تعلقه بالموجود الخارجي فانه باطل ، فالحكم لا يسري الى الخارج ولا يتعلق بالصلاة الخارجية كما سنوضح وانما المقصود من تعلق الحكم بمفهوم الصلاة بما هو مرآة للخارج هو ان الوجوب لا ينصب على مفهوم الصلاة بما هو مفهوم من المفاهيم وصورة ذهنية ـ اذ لو لاحظنا مفهوم الصلاة بما هو مفهوم وصورة ذهنية فلا فرق بينه وبين بقية الصور الذهنية ، فصورة الصلاة وصورة الغصب لو لاحظناهما بما هما صورة فلا فرق بينهما اذ كلاهما صورة ، وبالتالي لا معنى لتعلق الوجوب بصورة الصلاة والحرمة بصورة الغصب فانه بلا مرجح وليس ذلك اولى

٤٣٤

من تعلق الوجوب بصورة الغصب والحرمة بصورة الصلاة ـ بل ينصب الوجوب على صورة الصلاة بما انها عين الصلاة الخارجية ، وهكذا الحرمة تنصب على صورة الغصب بما انها عين الغصب الخارجي.

وبالجملة : صب الوجوب على المفهوم بما هو مرآة للخارج لا يقصد منه تعلقه بالخارج حتى يلزم عود الاشكال بل يعني تعلقه بالمفهوم لا بما هو مفهوم بل بما هو عين الخارج ، ومعه فلا يلزم عود الاشكال لبقاء الحكم مستقرا على المفهوم.

زيادة توضيح :

وبهذا انتهى بيان السيد الشهيد في دفع الاشكال المذكور. ولزيادة التوضيح نقول : ان الطالب حينما يسمع تعلق الاحكام بالمفاهيم دون الخارج قد يستغرب من ذلك فان صورة الصلاة ومفهومها ليست معراجا للمؤمن ولا تنهى عن الفحشاء لكي يتعلق بها الوجوب بل تلك آثار للصلاة الخارجية ، ومعه فاللازم تعلق الحكم بالصلاة الخارجية دون المفهوم.

هذا ولكن الصحيح عدم امكان تعلق الاحكام بالافراد الخارجية اذ لازم ذلك عدم ثبوت الوجوب على المكلف قبل اتيانه بالصلاة ، فانه لو كان ثابتا يلزم ثبوته بلا موضوع وهو مستحيل ، واذا فرض ان المكلف اوجد الصلاة خارجا فايضا لا يمكن تعلق الوجوب بها اذ تعلقه بها بعد فرض تحققها في الخارج يكون طلبا لتحصيل ما هو حاصل. اذن الوجوب لا يمكن تعلقه بالصلاة الخارجية لا قبل وجودها لفقدان الموضوع ولا بعد وجودها لمحذور طلب تحصيل الحاصل.

وقد تقول : ان هذا مطلب لطيف (١) ولكن مع ذلك قبوله صعب ، فان مثل

__________________

(١) وقد ذكر في كلمات غير واحد من الاعلام كالشيخ الحائري في درره ج ١ ص ١٢٣ ، والعراقي في نهاية الافكار ج ٣ ص ٦٠ ، والاصفهاني في نهايته. وتقدمت الاشارة الى هذا المطلب عند شرح ص ٤٤ من الحلقة

٤٣٥

الوجوب وان لم يمكن تعلقه بالخارج لما تقدم ولكن في نفس الوقت لا يمكن تعلقه بالمفهوم الذهني لعدم ترتب الآثار عليه.

وفيه : ان مفهوم الصلاة مثلا يمكن لحاظه بشكلين ، فتارة يلحظ بما هو مفهوم وصورة ذهنية ، وبهذا اللحاظ لا يمكن تعلق الوجوب به لانه امر ذهني لا تترتب عليه الآثار ، واخرى يلحظ بما هو عين الخارج ، وبهذا اللحاظ يمكن تعلق الوجوب به لانه عين الصلاة الخارجية.

وقد تقول : ان مفهوم الصلاة امر ذهني فكيف يلحظ عين الصلاة الخارجية؟

والجواب : ان المفهوم يلحظ احيانا عين الخارج وكأن الانسان حينما يلحظه يلحظ نفس الخارج. ولذلك عدة منبهات وجدانية ، فالخطيب الحسيني حينما يستعرض واقعة الطف نبكي ونتألم بالرغم من انه لم يطرح سوى مفاهيم وصور ذهنية. وايضا قد نفكر احيانا في وقائع تأريخية سابقة فنتألم او نفرح بالرغم من ان التكفير لا تحضر بواسطته الا صور ذهنية ، ان هذا وذاك ليس له تفسير سوى ان تلك الصور يرى بها الخارج وكأنه امام العين. والامثلة الاخرى على ذلك كثيرة.

عود لصلب الموضوع

ونعود لصلب الموضوع وهو ان تعدد العنوان يكفي في رفع المشكلة باعتبار ان الاحكام تتعلق بالعناوين لا بالمعنونات ، وحيث ان العناوين متعددة في الذهن فلا يلزم اجتماع حكمين في شيء واحد.

وهذا البيان لو تم فهو يدفع المشكلة على مسلك السيد الشهيد الذي يعبر عنه بمسلك الاستبطان ولا يدفعها على مسلك الميرزا ، فانه على المسلك الاول

٤٣٦

يمكن ان يقال ان الصلاة في الدار المغصوبة وان كانت في الخارج شيئا واحدا ، والشوق المتعلق بجامع الصلاة ـ المستفاد من قوله تعالى ( « اقيموا الصلاة » ) حيث يدل على تعلق الوجوب والشوق بطبيعي الصلاة ـ وان كان يسري الى الصلاة الخارجية الواقعة في الغصب باعتبار ان حب الجامع يسري الى افراده بيد ان الشوق يسري اليها بعنوان انها صلاة. وبتعبير أوضح : الشوق يتعلق بعنوان الصلاة لا بالوجود الخارجي لها لفرض انا نتكلم على تقدير تعلق الاحكام بالعناوين ، وهكذا الحال بالنسبة لمفسدة الغصب فانها تتعلق بعنوان الغصب لا بالوجود الخارجي له ، ومعه فتكون المشكلة مندفعة اذ الحب متعلق بعنوان الصلاة والبغض بعنوان الغصب وليس مركزهما هو الوجود الخارجي ليلزم اجتماعهما في شيء واحد.

واما بناء على المسلك الثاني ـ مسلك الميرزا ـ فوجه بقاء المشكلة هو ان المسلك المذكور يقول : ان امر « اقيموا الصلاة » يامر بمطلق الصلاة ، والامر بالمطلق يستلزم الترخيص في تطبيق الصلاة على جميع افرادها ، وحيث ان احد الافراد هو الصلاة في الغصب فيلزم الترخيص في تطبيق المطلق على الصلاة في المغصوب ، وبتعبير أصرح : كأن امر « اقيموا الصلاة » يقول : اني ارخصك في تطبيق الصلاة على الصلاة في المغصوب ، ومن الواضح ان هذا الترخيص يتنافى والنهي عن الغصب اذ لا معنى لان يقول المولى : اني ارخصك بالاتيان بالصلاة في المغصوب وفي نفس الوقت انهاك عن الغصب ، ان التهافت بين ذاك وهذا واضح.

ولا يحق لقائل ان يقول : ان الترخيص اذا كان متعلقا بمفهوم الصلاة فهو لا يتنافى مع النهي المتعلق بمفهوم الغصب. وبكلمة اخرى : كما ان المشكلة كانت مندفعة على المسلك الاول كذا هي مندفعة على هذا المسلك.

٤٣٧

والجواب : ان الميرزا لا يقول ان امر « اقيموا الصلاة » يستفاد منه الترخيص في نفس الصلاة حتى يقال بان الترخيص متعلق بمفهوم الصلاة بل يقول ان الترخيص متعلق بالتطبيق اي بتطبيق مفهوم الصلاة على مصاديقه ، ومن الواضح ان المولى لا يمكنه ان يقول انت مرخص في تطبيق مفهوم الصلاة على الصلاة في المغصوب وفي نفس الوقت يقول انت منهي عن الغصب.

الخصوصية الثالثة :

اتضح مما سبق ان الخصوصية الاولى ـ وهي فرض وجود عنوان واحد تعلق الامر بمطلقه والنهي بمقيده ـ لا تخفف من المشكلة شيئا اذ حب الجامع يسري الى الحصة الخاصة فيجتمع فيها الحب والبغض ، كما واتضح ان الخصوصية الثانية وهي فرض تعدد العنوان نافعة في رفع المشكلة ، اذ الاحكام تتعلق بالعناوين بما هي عين الخارج فاذا كان العنوان متعددا فلازمه تعدد مصب الوجوب والحرمة.

ولكن لو فرض عدم تمامية الخصوصية الثانية ايضا فننتقل الى الخصوصية الثالثة وهي : فرض ان النهي يسقط في فترة حدوث الامر بحيث لا يلزم تعاصرهما في زمان واحد. ولتوضيح الفكرة نذكر المثال التالي : لو فرض ان انسانا دخل ارضا مغصوبة وفي اثناء الخروج التفت لضيق وقت الصلاة فاذا اداها اثناءه فهل تكون واجبة بلا حرمة او محرمة بلا وجوب او هي محرمة وواجبة معا؟ وفي الجواب نقول : ان الدخول الى الغصب له حالتان :

أ ـ الدخول على سبيل الاختيار.

ب ـ الدخول لا بالاختيار ، كما اذا القى الظالم شخصا في المكان المغصوب.

وفي كلتا الحالتين يكون الداخل ملزما بالخروج ـ اذ البقاء في الغصب غير

٤٣٨

سائغ ـ بيد ان خروجه في الحالة الثانية يكون مضطرا اليه لا بسوء اختياره بمعنى ان اضطراره الى الخروج لم ينشأ من سوء اختياره ، وفي مثله لا يكون الخروج محرما لان دليل (١) حرمة الغصب ناظر الى الغصب الذي لا يكون المكلف مضطرا اليه ، بينما في الحالة الاولى يكون الشخص الخارج مستحقا للعقاب جزما ، اذ اضطراره ما دام بسوء اختياره فهو لا ينافي الاختيار من حيث العقوبة. اجل هناك كلام (٢) في ان الخطاب بالحرمة هل هو ثابت ايضا او ساقط.

وبعد التعرف على هذا نقول : ان المكلف اذا اراد الصلاة اثناء الخروج مع فرض ضيق الوقت (٣) وعدم استلزامها لتصرف زائد (٤) وقعت صحيحة في الحالة الثانية ـ حالة كون الاضطرار لا بسوء الاختيار ـ لعدم حرمة الخروج في الحالة المذكورة. واما في الحالة الاولى ـ حالة نشوئه بسوء الاختيار ـ فيلزم توجه الامر والنهي الى الصلاة ، فهي واجبة لانها صلاة ومحرمة لتحققها ضمن الخروج الذي فرضنا حرمته ، بيد ان الامر والنهي لم يجتمعا في وقت واحد ، فالنهي عن التصرف الغصبي ثابت قبل الدخول واما بعده فهو ساقط باعتبار تحقق الاضطرار الى الخروج ومع الاضطرار ـ ولو بسوء الاختيار ـ يسقط النهي.

وبهذا تم ايضاح الخصوصية الثالثة وحاصلها : انه في صورة الاضطرار بسوء الاختيار تكون الصلاة الواقعة حال الخروج واجبة بوجوب فعلي ومنهيا عنها بنهي ساقط.

وبعد هذا فهل تنفع هذه الخصوصية في رفع المشكلة او لا؟ ربما يقال هي

__________________

(١) وهو مثل قوله ٩ : « لا يحل مال امرىء مسلم الا بطيب نفس منه »

(٢) تقدم ذلك ص ٣٠٨ من الحلقة

(٣) اذ في حالة سعة الوقت يجب الانتظار واداؤها خارج الغصب

(٤) كما اذا ادّي الركوع والسجود عن طريق الايماء. ثم انه في حالة استلزام الصلاة لتصرف زائد يلزم تركها داخل الوقت واداؤها قضاء خارجه

٤٣٩

نافعة ، اذ بعد سقوط النهي لا يلزم اجتماع الامر والنهي في وقت واحد.

وفيه : ان النهي وان كان ساقطا ولكن سقوطه لم ينشأ من الامتثال بل من سوء اختيار المكلف وعصيانه بدخوله المغصوب الامر الذي استلزم عدم تمكن المولى من توجيه النهي اليه ، ومعه فيكون الخروج باقيا على المبغوضية والمفسدة وبالتالي يلزم اجتماع المبغوضية والمحبوبية في الخروج في وقت واحد فتكون المشكلة باقية على حالها اذ مبدأ النهي وهو المفسدة باق وانما الذي زال هو الخطاب بالحرمة فقط. هذا لو اخترنا القول بسقوط النهي حالة الاضطرار بسوء الاختيار ، واما لو اخترنا بقاءه فالمشكلة أوضح لبقاء النهي والمفسدة ثابتين معا.

مشكلة جديدة

واجه الاصوليون في المقام مشكلتين احداهما في الصلاة الواقعة اثناء الخروج ، وقد عرفنا بقاء هذه المشكلة لان النهي وان كان ساقطا ولم يجتمع مع الامر الا ان مفسدته باقية فيلزم اجتماع المبدأين المتنافيين. والثانية في الخروج بقطع النظر عن اداء الصلاة حالته ، فان الخروج بقطع النظر عن الصلاة يكون محرما باعتبار كونه تصرفا في الغصب وواجبا باعتبار كونه مقدمة للتخلص من الغصب الزائد فيلزم اجتماع الوجوب والحرمة فيه. وفي مقام التخلص من هذه المشكلة توجد ثلاثة اجوبة هي :

أ ـ ان الخروج ليس مقدمة للتخلص من الغصب فلا يكون واجبا من باب المقدمة.

ب ـ ان التصرف في الغصب حرام الا ما حصل بسبب الخروج.

ج ـ ان مقدمة الواجب ليست واجبة في المقام وان كانت واجبة في غيره.

٤٤٠