الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

من تلك القضايا؟ ان توجيه ذلك يتم بامرين :

ا ـ الكثرة العددية للمخبرين ، فانها تستوجب ان يكون احتمال كذب الجميع ضعيفا جدا اذ احتمال كذب كل شخص في القصة التي ينقلها هو ٢ / ١ ، فاذا اردنا ان نعرف قيمة احتمال كذب الجميع لزم ضرب ٢ / ١* ٢ / ١* ٢ / ١* ... الى ان يبلغ عدد الانصاف مقدار مائة ، ونتيجة الاحتمال ضعيفة جدا كما تقدم ذلك في القسم الثالث. ويسمى هذا الامر الاول بالمضعّف الكمّي كما سبق ذلك.

ب ـ ان لازم احتمال كذب الجميع افتراض ان مصالح جميع المخبرين اما انها قد تماثلت او تقاربت صدفة وذلك بعيد. ووجه لزوم ذلك : انه اما ان يفرض كون المصلحة الشخصية لكل مخبر اقتضت صدفة الكذب في مركز واحد وهو اثبات الكرم لحاتم او يفرض اقتضاء المصلحة لكل واحد صدفة اختلاق كامل القضية التي ينقلها. وعلى الاول يلزم تماثل جميع المصالح صدفة حيث اجتمعت جميعا في مركز واحد وهو الكذب في اثبات الكرم لحاتم ، وعلى الثاني فالمصالح الشخصية وان لم تجتمع في مركز واحد بل في مراكز متعددة وبالتالي لا يلزم تماثلها واتحادها الا انه يلزم تقاربها صدفة ، وكلا الفرضين بعيد بحساب الاحتمال. ويسمى هذا الامر الثاني بالمضعّف الكيفي.

اذن المضعف في القسم الثالث لاحتمال كذب الجميع هو المضعف الكمي فقط ، لان المضعف الكيفي يحتاج الى افتراض امر مشترك بين الاخبار والمفروض عدم وجوده في القسم الثالث ، وهذا بخلافة في القسم الثاني ، فان الموجب لضعف احتمال كذب الجميع شيئان هما المضعف الكمي والكيفي.

وبهذا يتضح ان احتمال كذب الجميع في القسم الثاني اشد ضعفا منه في القسم الثالث لوجود مضعفين في القسم الثاني ووجود مضعف واحد في القسم الثالث.

٤١

وقد تسأل : هل يمكن في القسم الثاني تحوّل الاطمئنان بصدور واحدة من القضايا الى يقين او لا يمكن ذلك كما لم يمكن في القسم الثالث؟ قد يقال بعدم الامكان بتقريب : ان الاخبار المنقولة في الدنيا كثيرة جدا ، ونحن نعلم بان (١٠٠) من تلك الاخبار كاذب جزما ـ اذ ما اكثر الاخبار الكاذبة ولا اقل من الاخبار المنقولة في قصة الف ليلة وليلة ـ ومعه يلزم ان لا يحصل يقين بعدم كذب جميع القضايا المائة التي ترتبط بحاتم ، اذ هذه المائة لو جزمنا بعدم كذب جميعها فيلزم ان نجزم بعدم كذب كل مائة من المئات الاخرى ايضا لعدم الفرق بين هذه المائة وبقية المئات ، وبالتالي يلزم ان يبقى ذلك المعلوم بالاجمال ـ وهو كذب (١٠٠) خبر في الدنيا ـ بلا مصداق ، لانه لا توجد مئة يحتمل كذب جميعها. هكذا قد يقرر عدم امكان تحوّل الاطمئنان الى يقين ، ولكنه باطل لانا وان كنا نجزم بكذب (١٠٠) خبر في الدنيا ولكن لا نجزم بان تلك المائة هي من المئات المشتركة في مدلول التزامي او تضمني واحد ، فيمكن ان تكون تلك المئة من المئات العشوائية اي التي لا تشترك في مدلول التزامي او تضمني واحد ، ومن الواضح ان الاطمئنان الذي ندعي تحوله الى يقين انما ندعي تحوله فيما اذا كان بين الاخبار المائة امر مشترك دونما اذا لم يكن.

وباختصار : ان المائة التي تشترك في امر واحد ـ ككرم حاتم ـ يتحول الاطمئنان فيها الى يقين وتبقى بقية المئات الاخرى مجالا لاحتمال انطباق تلك المائة الكاذبة عليها.

القسم الاول من اقسام التواتر.

قوله ص ٢٠٨ س ٤ الحالة الثالثة ... الخ : وفي هذا القسم الذي ذكره في

٤٢

الكتاب تحت عنوان « الحالة الثالثة » ـ يفرض ان جميع المخبرين ينقلون مدلولا مطابقيا واحدا مشتركا بين الجميع كما لو فرض ان الجميع ينقلون قضية واحدة معينة ترتبط بكرم حاتم او جملة « من كنت مولاه ... الخ » في قصة الغدير. ويسمى مثل هذا بالتواتر اللفظي.

وهنا احتمال كذب الجميع اضعف منه في القسم الثاني ، ووجه ذلك : ان مضمون الاخبار في هذا القسم اضيق منه في القسم الثاني ، اذ كلها ينقل قضية واحدة ترتبط بكرم حاتم مثلا ، ومن الواضح ان مضمون الاخبار كلما تضيق ازداد احتمال الكذب وهنا. هذا بالنسبة الى احتمال الكذب ، واما بالنسبة الى احتمال الخطأ ـ لو فرض احتمال خطأ المخبرين من دون احتمال كذبهم ـ فهو ضعيف ايضا في هذا القسم ، لان القضية المنقولة اذا كانت واحدة فكما ان احتمال كذب الجميع ضعيف جدا كذلك احتمال خطأ الجميع هو اضعف بكثير من احتمال الخطأ في القسم الثاني الذي لا تكون القضية المنقولة فيه واحدة.

وباختصار : ان كلا المضعّفين ـ الكمي والكيفي ـ يأتيان في هذا القسم بل المضعّف الكيفي فيه اقوى لان احتمال كذب او خطأ الجميع اضعف من احتمال الكذب والخطأ في القسم السابق.

بل بالامكان ان نضيف هنا ونقول : ان خصوصيات الاخبار في هذا القسم كلما كانت اشد تشابها ـ خصوصا اذا كان الجميع ينقل لفظا واحدا كحديث « من كنت مولاه ... الخ » ـ فاحتمال صدق القضية المنقولة يكون اقوى ، لأنّ القضية اذا لم تكن صادقة واقعا فنقل الجميع لالفاظ متشابهة واحده اما ان يكون من باب اقتضاء مصالح الجميع صدفة للتزوير واصدار لفظ واحد كذبا في الوقت الذي كان يمكنهم نقل المعنى الواحد بالفاظ مختلفة ، وهو ضعيف جدا كما هو واضح ، او يكون

٤٣

ذلك من باب سبق لسان كل واحد صدفة الى التلفظ بحديث « من كنت مولاه ... الخ » وهو ضعيف جدا ايضا. ومن خلال هذا نستكشف ان تطابق الجميع على نقل لفظ واحد ناتج عن حقانية قضية الغدير مثلا وصدور حديث « من كنت مولاه ... الخ » من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويتجلى من خلال هذا العرض ان اقوى اقسام التواتر الثلاثة هو التواتر اللفظي ثم المعنوي ثم الاجمالي لان التواتر الاجمالي لا يوجد فيه الا المضعف الكمي بينما ذانك القسمان يوجد فيهما المضعف الكيفي ايضا. وحيث ان المضعّف الكيفي في التواتر اللفظي يتواجد بدرجة اقوى كان ـ التواتر اللفظي ـ اقوى من التواتر المعنوي.

قوله ص ٢٠٥ س ٤ بطريقة عشوائية : اي بلا لحاظ وجود امر واحد مشترك بين الاخبار.

قوله ص ٢٠٥ س ٨ آثار العلم الاجمالي : وهو الاحتياط بامتثال جميع التكاليف الدالة عليها الاخبار. وهذه العبارة تشير الى فائدة العلم بصدور واحد غير معين من الاخبار.

قوله ص ٢٠٥ س ١٢ وكلما كانت عوامل الضرب كسورا تضاءلت : بخلاف ما اذا كانت اعدادا صحيحة فان النتيجة ترتفع ولا تتضاءل ، فلو ضربنا ٢* ٢ ارتفعت النتيجة بخلاف ما اذا ضربنا ٢ / ١* ٢ / ١ فان النتيجة تنخفض وتصير ٤ / ١.

قوله ص ٢٠٦ س ٣ طرفا من اطراف ذلك العلم الاجمالي : اي العلم الاجمالي بوجود مائة خبر كاذب في مجموع الاخبار.

قوله ص ٢٠٦ س ٥ تجمع بشكل آخر : اي عشوائي.

قوله ص ٢٠٦ س ١٢ نتيجة جمع احتمالات اطرافه : اي اطراف الاطمئنان

٤٤

الاجمالي وهي كل فرد من افراد الاخبار المائة التي نطمئن بصدق واحد منها.

قوله ص ٢٠٦ س ١٦ مدلولا تحليليا : وهو المدلول التضمنى او الالتزامي.

قوله ص ٢٠٧ س ١٢ يعني انها متقاربة : اي ان المصالح متقاربة.

قوله ص ٢٠٧ س ١٧ ولا يلزم من ذلك : اي ولا يلزم من تحوّل الاحتمال الى يقين انطباق التحول المذكور على كل مائة تجمع ولو بشكل عشوائي بل لا ينطبق الا على خصوص المائة التي تشترك في امر واحد اذ المضعف الكيفي يختص بالمائة التي تشترك في امر واحد ، ومعه تبقى المئات الاخرى التي لا تشترك في امر واحد لا يتحول فيها الاطمئنان الى يقين ويكون من المحتمل انطباق تلك المائة ـ التي يعلم بكذبها ـ عليها.

قوله ص ٢٠٨ س ٤ الأخيارات : الصواب : الاخبارات.

قوله ٢٠٨ س ١٤ بالشخص : اي ينقلون واقعة واحدة شخصية معينة.

٤٥

مبحث الاجماع

قوله ص ٢١٠ س ١ الاجماع يبحث عن حجيته ... الخ : نمنهج البحث عن الاجماع ضمن النقاط التالية :

١ ـ ما هي النكتة في حجية الاجماع؟ في ذلك وجوه متعددة نذكر اربعة منها :

ا ـ ما ذكره الشيخ الطوسي قدس‌سره من ان العلماء اذا اتفقوا على حكم معين كشف ذلك عن موافقة المعصوم عليه‌السلام والا كان اللازم عليه من باب اللطف (١) ان يحول دون تحقق ذلك الاتفاق ويمنع من حصوله. وحيث ان الحاكم بوجوب اللطف هو العقل امكن عدّ هذه النكتة نكتة عقلية واساسا عقليا.

ب ـ ان الوجه في حجية الاجماع هو نفس ادلة حجية الخبر فان خبر الثقة قام الدليل الخاص على حجيتة ـ كمفهوم آية النبأ ـ وبعد قيامه على حجيته نقول : ان مثل الشيخ الطوسي او المرتضى اذا نقل الاجماع صدق ان الثقة اخبرنا بخبر فيشمله حينذاك دليل حجية الخبر ويثبت بذلك الاجماع. وبما ان احد الاشخاص المجمعين الذين ينقل عنهم الاجماع هو الامام عليه‌السلام فيثبت بذلك قوله عليه‌السلام. وهذا الثبوت ثبوت تعبدي ، اي بسبب الدليل الشرعي الخاص الدال على حجية

__________________

(١) المقصود من اللطف كل فعل يقرب الى الطاعة ويبعّد عن المعصية ، ولا شك في انّ حيلولة المعصوم ٧ من تحقق الاتفاق على الحكم الباطل يقرب الى الطاعة ويبعّد عن المعصية

٤٦

الخبر (١).

ج ـ ما ذهب اليه العامة من التمسك بالحديث الذي ينسبونه الي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « لا تجتمع امتى على خطأ ».

د ـ ما ذهب اليه السيد الشهيد من التمسك بحساب الاحتمال ، حيث يقال ان حساب الاحتمال يقضي بوجود دليل شرعي معتبر على الحكم بتقريب : ان فتوى كل فقيه وان كان من المحتمل خطؤها الا ان من المحتمل في نفس الوقت استنادها الي دليل شرعي معتبر ، وهذا الاحتمال وان لم يكن قويا الا انه بعد انضمام فتوى كل فقيه الى اختها يقوى ويصل الى درجة الاطمئنان او اليقين (٢).

٢ ـ يوجد فارق بين هذه المستندات الاربعة ، ففي المستند الرابع نحاول ان نحصّل بواسطة الاجماع دليلا شرعيا معتبرا على الحكم ـ حيث نقول : فتوى كل فقيه تكشف بدرجة ضعيفة عن وجود دليل معتبر وبانضمام الفتاوى بعضها الى بعض يحصل الاطمئنان بوجود دليل معتبر ـ واما في المستندات الثلاثة الاولى فيراد اثبات صحة نفس الحكم المجمع عليه وانه حكم موافق لرأيه عليه‌السلام حيث نقول في المستند الاول ان مقتضى قاعدة اللطف صحة الحكم المجمع عليه والا لألقى عليه‌السلام الخلاف بين المجمعين ، وفي المستند الثاني نقول ان ناقل الاجماع ينقل رأيه عليه‌السلام ضمن نقله لآراء المجمعين وبواسطة دليل حجية الخبر يثبت رأيه عليه‌السلام ضمن نقله لآراء المجمعين وفي المستند الثالث نقول : ان مقتضى حديث لا تجتمع امتي على خطأ صحة الحكم المتفق عليه.

__________________

(١) وعبارة الكتاب في بيان هذا الوجه لعلها لا تتطابق تطابقا تاما مع ما ذكرناه

(٢) اشار قدس‌سره الى هذه النقطة من اول كلامه الى قوله ص ٢١٠ س ١٠ « على الحكم الشرعي »

٤٧

وباختصار : انه في المستند الرابع نحاول تحصيل الدليل على الحكم الشرعي بخلافه في المستندات الاخرى فانا نحاول تحصيل صحة الحكم الشرعي بلا التفات الى دليله. ويترتب على هذا الفارق فارق ثان وهو : انا ذكرنا سابقا الاجماع تحت عنوان « وسائل الاثبات الوجداني للدليل الشرعي » فهو وسيلة من وسائل اثبات الدليل الشرعي ولكن متى يكون وسيلة لاثبات الدليل الشرعي؟ انه على المستند الرابع يكون وسيلة لاثبات الدليل الشرعي حيث ذكرنا انه على المستند الرابع نريد بالاجماع استكشاف الدليل الشرعي ، واما على المستندات الثلاثة الاولى فالاجماع ليس كاشفا عن الدليل الشرعي بل هو دليل غير شرعي ـ فان الدليل الشرعي هو الكتاب والسنة واما الاجماع والعقل فهما دليلان غير شرعيين ـ يراد به اثبات نفس الحكم الشرعي لا اثبات الدليل الشرعي. اذن الاجماع عندما نعده من وسائل اثبات الدليل الشرعي فذاك يتم على المستند الرابع فقط (١).

٣ ـ ان الاصوليين ـ ومنهم الآخوند ـ قسموا الملازمة الى ثلاثة اقسام :

ا ـ الملازمة العقلية ، كالملازمة بين ثبوت التواتر وحصول العلم بصدق مضمون الخبر.

ب ـ الملازمة العادية ، كالملازمة بين آراء اتباع الرئيس ورأي نفس الرئيس ، فان اتفاق آراء الاتباع يلازم عادة رأي الرئيس.

ج ـ الملازمة الاتفاقية ، كالملازمة بين الخبر المستفيض وحصول العلم بصدقه ، فان الخبر المستفيض الذي هو اقل درجة من المتواتر لا يلازم العلم

__________________

(١) وقد اشير الى هذه النقطة من قوله ص ٢١٠ س ١١ والفارق بين الاساس الرابع الى قوله ص ٢١١ س ٥ وهذا ما تناوله في المقام

٤٨

بصدقه الا انه قد يتفق حصول العلم بذلك.

وبعد التعرف على هذه الاقسام الثلاثة نقول : ان غرض الاصوليين من هذا التقسيم الاطلاع على حال الملازمة بين الاجماع وثبوت الدليل الشرعي ، فهل هي ملازمة عقلية او عادية او اتفاقية؟

والسيد الشهيد يعلق على هذا التقسيم بتعليقين :

الاول : ان الملازمة عقلية دائما ولا تكون اتفاقية ولا عادية وانما تنقسم الى الاقسام الثلاثة باعتبار طرفيها ، فان الملازمة قد تتحقق بين ذات الشيئين وفي جميع ظروفهما كالنار والحرارة ، فذات النار تلازم ذات الحرارة في اي حالة من الحالات ، وهذه الملازمة عقلية ، وقد تتحقق بين شيئيين لا في جميع ظروفهما بل في ظروف معينة ـ وتلك الظروف المعينة موجودة غالبا ـ وهذه الملازمة عادية ، وقد لا تكون تلك الظروف متواجدة غالبا بل نادرا ، والملازمة حينذاك اتفاقية.

وباختصار : ان الملازمة لا تكون الا عقلية وتقسيمها الى الاقسام الثلاثة هو باعتبار طرفيها لا باعتبار نفسها.

الثاني : ان الاصوليين ذكروا الملازمة بين الخبر المتواتر وصدقه مثالا للملازمة العقلية. وهذا المثال قابل للمناقشة ، فانا نسلم ان الخبر المتواتر متى ما تحقق ثبت صدقه ولكن لا يستحيل انفكاك صدقه عنه ـ والملازمة العقلية تعني استحالة الانفكاك دون مجرد الثبوت عند الثبوت ـ والوجه في ذلك ان السبب لحصول العلم بالصدق في الخبر المتواتر هو حساب الاحتمال كما ذكرنا سابقا ، ومن الواضح ان غاية ما يحصله حساب الاحتمال هو العلم بصدق مضمون الخبر دون استحالة الانفكاك.

وقد تسأل عن محل الكلام ـ الذي ذكر هذا التقسيم لاجله وهو الاجماع ـ

٤٩

فهل توجد ملازمة بينه وبين ثبوت صدقه او لا؟ والجواب : ان حال الاجماع حال التواتر فلا توجد ملازمة عقلية بينه وبين صدقه وان كان كلما تحقق حصل العلم بصدق مضمونه ولكن ذلك غير استحالة الانفكاك ، اجل تحصيل التواتر للعلم بصدق مضمون الخبر بحساب الاحتمال اقوى واسرع من تحصيل حساب الاحتمال للعلم في الاجماع وذلك لعدة اسباب تقدمت في الحلقة الثانية ص ١٧٢ نذكر واحدا منها وهو : ان الاخبار في باب التواتر اخبار حسية ، فكل مخبر يخبر عن قضية الغدير مثلا اخبارا حسيا بينما اخبار كل فقيه في باب الاجماع اخبار حدسي ، وواضح ان القيمة الاحتمالية للاخبار الحسي اقوى منها في الاخبار الحدسي (١)

٤ ـ وقد تقدم مضمون هذه النقطة سابقا حيث ذكرنا ان الاجماع في نظر السيد الشهيد يكشف عن الدليل الشرعي بتوسط حساب الاحتمال بتقريب : ان فتوى الفقيه وان كان من المحتمل خطؤها الا انه مع ذلك يحتمل استنادها الى دليل شرعي معتبر ، وهذا الاحتمال وان كان ضعيفا لكنه يقوى عند ضم اختها اليها الى درجة قد يحصل الاطمئنان او اليقين (٢).

٥ ـ ذكر الشيخ الاصفهاني قدس‌سره ان الاجماع لا يكشف عن وجود دليل معتبر ، وذلك لوجهين :

ا ـ انه لو سلم استناد الفقهاء الى رواية معتبرة فبالامكان ان نقول ان تلك الرواية لعلها غير تامة دلالة فى نظرنا لو اطلعنا عليها كما ولعلها بنظرنا غير تامه

__________________

(١) وقد اشير الى هذه النقطة من قوله ص ٢١١ س ٦ وقد قسم الاصوليون الى قوله ص ٢١٢ س ١٤ في الحلقة السابقة

(٢) وقد اشير الى هذه النقطة ص ٢١٢ س ١٥ وتقوم الفكرة الى قوله ص ٢١٣ س ٥ احتمال الخلاف

٥٠

سندا ، وعليه فالجزم بتماميتها دلالة وسندا غير ممكن.

ب ـ يمكن الجزم بعدم استناد الفقهاء لرواية معتبرة والا لذكروها في كتبهم مع انهم لم يذكروها ، وهذا دليل على عدم استنادهم اليها.

وان شئت قلت : ان الفقهاء لو كانوا قد استندوا لرواية فتلك الرواية ان كانت مذكورة في الكتب رجعنا بانفسنا الى تلك الرواية فاذا كانت تامة دلالة وسندا افتينا على طبقها والا طرحناها ، وان لم تكن مذكورة في كتبهم دلّ ذلك على عدم استنادهم اليها ولا لذكروها.

ونجيب اولا عن هذا الوجه الثاني ـ ثم ننتقل الى الاول ـ ونقول : لا نقصد من الدليل الشرعي الذي يكشف عنه الاجماع رواية مكتوبة كسائر الروايات المتداولة حتى نرجع اليها مباشرة ونقوم بتقييمها دلالة وسندا بل نقصد من ذلك رواية غير مكتوبة ، فان الفقهاء حينما اتفقوا على حكم معين كحرمة تنجيس المسجد مثلا ولم يكن لذلك مدرك من النصوص دل ذلك على ان الحرمة كانت امرا مركوزا في ذهن اصحاب الائمة عليهم‌السلام وشيئا واضحا بينهم ، والفقهاء حينما شاهدوا هذا الارتكاز والوضوح افتوا بحرمة تنجيس المسجد واستندوا اليه لان الارتكاز يكشف عن تلقي الحرمة من المعصوم عليه‌السلام. اذن الاجماع يكشف عن الارتكاز لدى اصحابهم عليهم‌السلام والارتكاز يكشف عن تلقي الحكم من المعصوم عليه‌السلام ، فكاشفية الاجماع عن راي المعصوم تحصل بتوسط هذا الارتكاز الذي نعبر عنه بالرواية غير المكتوبة.

وبهذا تزول غرابة عدم تسجيل الرواية ـ لو كانت هي المستند ـ في الكتب فانها تتم لو كان المقصود من الرواية الرواية المكتوبة دونما لو كان المقصود هذا الارتكاز.

٥١

وبهذا يتضح اندفاع الوجه الاول حيث يقال : ان الذي نريد اكتشافه بالاجماع ليس رواية مكتوبة حتى يشكك في تماميتها دلالة وسندا ، بل المراد اكتشافه هو الارتكاز الوسيط بين الاجماع والسنة التي يراد اكتشافها وهي قول المعصوم عليه‌السلام او فعله او تقريره.

ثم ان هذا الارتكاز هو المهم. وكل شيء امكننا بواسطته اكتشاف هذا الارتكاز كان حجة وان لم يكن اجماعا. وقد تقدم فى الحلقة الثانية ص ١٧٨ خمسة طرق تقوم مقام الاجماع يمكن الاستعانة بها لاكتشاف سيرة اصحاب الائمة عليهم‌السلام والارتكازات العالقة في اذهانهم.

قوله س ٢١١ س ١٤ الملزوم : وهو طرف الملازمة.

قوله ص ٢١٣ س ١٥ كذلك : اي سندا.

قوله ص ٢١٣ س ١٧ الموثق : الفرق بين حجية خبر الثقة والخبر الموثق ان الاول يعني حجية خبر الثقة سواء افاد خبره الوثوق والاطمئنان (١) ام لا بينما الثاني يعني حجية الخبر المفيد للوثوق والاطمئنان سواء كان الرواي ثقة ام لا. واما الخبر الحسن فهو الخبر الذي يكون احد رواته او كلهم اماميا ممدوحا بدون ثبوت عدالته.

قوله ص ٢١٤ س ١٢ من فقهاء عصر الغيبة المتقدمين : التقييد بالمتقدمين لما سيأتي من كون الاجماع الكاشف عن الارتكاز هو اجماع الفقهاء المتقدمين دون المتأخرين.

قوله س ٢١٤ س ١٧ الفهقاء والمتقدمين : الصواب : الفقهاء المتقدمين.

قوله ص ٢١٥ س ٩ وعدم اشارتهم : الواو بمعنى مع.

__________________

(١) الوثوق والاطمئنان هما بمعنى واحد

٥٢

قوله ص ٢١٥ س ١٧ والدليل الشرعي المباشر من المعصوم : وهو قوله عليه‌السلام او فعله او تقريره.

قوله ص ٢١٦ س ٨ هذا الحكم : اي الحكم المعين.

الشروط المساعدة على كشف الاجماع.

قوله ص ٢١٦ س ١٢ وعلى اساس ما عرفنا ... الخ : عرفنا ان الوجه في حجية الاجماع كاشفيته عن الارتكاز. وهذه الكاشفية لا تحصل الا اذا تمت الشرائط التالية :

١ ـ ان يكون الاجماع ثابتا بين الفقهاء المتقدمين ، ولا يكفي حصوله بين المتأخرين مع مخالفة المتقدمين ، اذا الكاشف هو الاجماع بين المتقدمين ، فانهم المقاربون لعصر اصحاب الائمة عليهم‌السلام وهم الذين يمكن ان يواجهوا ذلك الارتكاز ويكشف اتفاقهم عنه ، واما اتفاق المتأخرين مع مخالفة المتقدمين فلا يكشف عن الارتكاز.

٢ ـ ان لا توجد آية او رواية او اي مدرك آخر يحتمل استناد المجمعين اليه ـ ويسمى الاجماع مع وجود المدرك بالاجماع المدركي ـ اذ مع وجوده لا يكون الاجماع كاشفا عن الارتكاز حتى يكون حجة. وهذا مما يلزم التنبه اليه ، اذ قد يتخيل الذهن ان الاجماع لو كان له مدرك فهو اولى بالحجية ولكنه مردود بانه مع وجود المدرك لا يكون الاجماع مسببا عن ذلك الارتكاز وكاشفا عنه ليكون حجة بل هو ناشئ عن المدرك ويلزم الرجوع اليه ـ المدرك ـ ليلاحظ اهو تام او لا ، فان كان المدرك مثلا رواية معينة لزم الرجوع اليها ، فاذا كانت تامة السند والدلالة اخذنا بها وان لم يعتمد عليها المجمعون ، واذا لم تكن تامة السند أو الدلالة

٥٣

لم نأخذ بها وان اعتمد عليها المجمعون.

اجل نستدرك لنقول : ان الرواية قد تكون ضعيفة الدلالة على معنى معين في نظرنا ولكن استناد المجمعين اليها يصير سببا لقوة دلالتها على ذلك المعنى باعتبار ان استنادهم وفهمهم ذلك المعنى المعين منها يولّد اطمئنانا بكون الظروف التي صدرت فيها الرواية ظروفا تساعد على فهم ذلك المعنى المعين ولئن لم يفهم ذلك المعنى الآن فهو ناتج عن تغير تلك الظروف ، الا ان هذا مطلب آخر غير ما نحن بصدده فاننا بصدد البحث عن ان الاجماع الذي له مدرك هل هو حجة او لا؟ ولسنا بصدد ان الاجماع المدركي بعد عدم حجيته هل يجبر ضعف دلالة الرواية او لا.

ثم ان الاجماع المدركي ليس حجة بلا فرق بين الجزم بكون المدرك الموجود قد استند اليه المجمعون وبين ان يكون مما يحتمل استنادهم اليه بدون جزم بذلك ، فانه على كلا التقديرين لا يكون حجة للنكتة المتقدمة وهي انه مع وجود المدرك الجزمي او الاحتمالي لا يقطع بكاشفية الاجماع عن الارتكاز حتى يكون حجة ، اذ لعل سبب تحقق الاجماع هو ذلك المدرك دون الارتكاز.

٣ ـ ان لا تكون هناك قرائن تدل على عدم تحقق ذلك الارتكاز اذ حجية الاجماع انما هي بسبب كاشفيته عن الارتكاز ، فاذا فرضنا وجود قرائن تنفي تحققه وتدل على ان سبب ثبوت الاجماع ليس هو الارتكاز فلا يكون حجة كما هو واضح.

٤ ـ ان لا تكون المسألة من المسائل التي يحكم فيها العقل ، فالاجماع على ان مقدمة الواجب واجبة ليس حجة ، اذ لعل سبب تحقق الاجماع هو حكم العقل بوجوب مقدمة الواجب دون الارتكاز. وهكذا يلزم عدم وجود اطلاق او عموم

٥٤

يدل على الحكم المجمع عليه ، اذ مع وجود الاطلاق او العموم لا يجزم بكاشفية الاجماع عن الارتكاز ، بل يحتمل كون السبب لتحقق الاجماع هو ذلك الاطلاق او العموم.

وبكلمة جامعة : انه يلزم في حجية الاجماع ان يكون سبب تحققه منحصرا بالتعبد الشرعي ـ المكتشف بالارتكاز ـ دون اطلاق او عموم او حكم العقل (١).

قوله ص ٢١٦ س ١٣ وتسلسلها : عطف تفسير. والتسلسل المبين سابقا هو ان الاجماع كاشف عن الارتكاز ، والارتكاز كاشف عن صدور السنة منه عليه‌السلام.

قوله ص ٢١٧ س ٤ ومن اليهم : اي ومن يناظرهم ويشبههم وهم المعاصرون للائمة عليهم‌السلام وان لم يكونوا من الرواة وحملة الحديث.

قوله ص ٢١٧ س ٦ بل ان لا يكون هناك مدرك ... الخ : ما سبق ناظر الى صورة وجود المدرك الجزمي ، وهذا ناظر لصورة احتمال كون الآية او الرواية مدركا لهم بدون جزم بذلك.

قوله ص ٢١٧ س ٨ قد يشكّل : بتشديد الكاف ، وقوله : قوة فيه : مفعول ليشكل.

قوله ص ٢١٧ س ١٣ التشكيك المعاصر : اي التشكيك في زماننا الحاضر.

قوله ص ٢١٨ س ٣ ودور الوسيط : وهو الارتكاز. والضمير في قوله « فيه » يرجع الى الاكتشاف. ثم ان دور الوسيط كشفه عن صدور السنة منه عليه‌السلام.

__________________

(١) لعل الحاق هذا الشرط الرابع بالشرط الثاني أولى لانه من مصاديقه فيقال هكذا : الشرط الثاني : عدم كون الاجماع مدركيا ، ويترتب على ذلك ان لا تكون المسألة عقلية ولا مما فيها اطلاق او عموم

٥٥

وكيفية تسلسل الاكتشاف : ان الاجماع يكشف عن الارتكاز ، والارتكاز يكشف عن صدور السنة منه عليه‌السلام.

قوله ص ٢١٨ س ٧ مسألة تفريعية : اي فقهية.

مقدار دلالة الاجماع.

قوله ص ٢١٨ س ٩ لما كان كشف الاجماع ... الخ : في هذا المبحث نقطتان.

١ ـ ان فتاوى العلماء اذا كانت مختلفة ـ بأن كان بعضها عاما والآخر خاصا كما لو قال بعض : الخيارات ثابتة في المعاملة وقال بعض آخر الخيارات ثابتة في البيع ـ اخذ بالخاص وحكم بثبوت الخيار في خصوص البيع لأن المقدار المتفق عليه بين الجميع هو ثبوت الخيار في خصوص البيع لا مطلق المعامله.

٢ ـ اذا قال العلماء : « يثبت الخيار في المعاملة » مثلا ، فهذا التعبير يدل على ثبوت الخيار في المعاملة وباطلاقه يدل على ثبوت جميع اقسام الخيار في جميع اقسام المعاملة ولكن دلالة الاجماع على هذا الاطلاق وكاشفيته عنه اضعف من دلالته على اصل الحكم ـ اي اصل ثبوت الخيار في المعاملة ـ لأن نكتة حجية الاجماع كاشفيته عن الارتكاز ، ومن الواضح ان احتمال خطأ المجمعين في تشخيص اصل الارتكاز اضعف من احتمال خطأهم في تشخيص تفاصيله كما هو واضح ، اذ هو ـ الارتكاز ـ ليس قضية لفظية حتى تكون دلالتها على اطلاق المعنى مساويا لدلالتها على اصل المعنى بل هو قضية معنوية قد يشوبها الغموض في اطلاقها.

قوله ص ٢١٨ س ٩ على اساس تجمع انظار ... الخ : اي على اساس اتفاق فتاوى العلماء في القضية الواحدة.

٥٦

قوله ص ٢١٨ س ١٠ بالمقدار المتفق عليه : وهو الخاص عند اختلاف تعبير العلماء.

قوله ص ٢١٨ س ١٢ ويعتبر كشف الاجماع : هذا اشارة الى النقطة الثانية.

قوله ص ٢١٨ س ١٣ بنحو القضية المهملة : اي بقطع النظر عن الاطلاق والتفاصيل.

قوله ص ٢١٩ س ٢ ومن اليهم : اي ومن يشبههم ، وهم اصحابهم عليهم‌السلام من غير الرواة.

قوله ص ٢١٩ س ٤ حدوده وامتداداته : اي اطلاقه.

الاجماع البسيط والمركب

قوله ص ٢١٩ س ٩ يقسّم الاجماع ... الخ : الاجماع على قسمين ، فتارة يفرض اتفاق جميع الفقهاء على حكم واحد معين كاتفاقهم على وجوب صلاة الجمعة زمن الغيبة ، ويسمى ذلك بالاجماع البسيط ـ وكلامنا فيما سبق كان يدور حول هذا الاجماع ـ واخرى يفرض ان نصف العلماء يقول بالوجوب والنصف الآخر يقول بالاستحباب ، ومثله يسمى بالاجماع المركب.

ثم انه عند اختلاف العلماء على قولين يوجد فرضان :

ا ـ ان تنفي كلتا الطائفتين الاحتمال الثالث ـ كحرمة صلاة الجمعة ـ حتى على تقدير بطلان الرأي المختار لها ، فكل طائفة حتى على تقدير بطلان الوجوب والاستحباب تنفي الحرمة ، وفي مثله يمكن القول بتحقق اجماع بسيط من الكل على نفي الحرمة.

ب ـ ان تنفي كلتا الطائفتين احتمال الحرمة فيما اذا كان الرأي المختار لها هو

٥٧

الصحيح فالطائفة الاولى تقول اني انفي الحرمة لو كان احتمال الوجوب الذي اخترته صحيحا ، وعلى تقدير بطلانه لا انفيها ، والطائفة الثانية تقول كذلك اي اني انفي احتمال الحرمة لو كان احتمال الاستحباب صحيحا دونما اذا كان باطلا. وفي مثل هذه الفرضية يصدق على الاجماع انه اجماع مركب على نفي الاحتمال الثالث.

وبعد ان عرفنا اختصاص الاجماع المركب بالفرضية الثانية نسأل : هل الاجماع المركب حجة او لا؟ الصحيح العدم ، لان حجية الاجماع انما هي باعتبار تجميع القيم الاحتمالية ، ومن الواضح انه عند اختلاف العلماء على رأيين نعلم ببطلان احد الرأيين ومعه يكون نصف القيم الاحتمالية باطلا وبالتالي لا يمكن جمع جميع القيم الاحتمالية حتى يتولد اليقين بالارتكاز.

قوله ص ٢٢٠ س ٣ باعتبار كشفه : اي كشفه عن الارتكاز.

٥٨

الشهرة

قوله ص ٢٢٠ س ٩ كلمة الشهرة بمعنى الذيوع ... الخ : نريد في هذا البحث توضيح معنى الشهرة لغة ثم توضيح معناها في المصطلح الاصولي.

اما لغة فالشهرة تعني الوضوح والذيوع ، يقال : شهر فلان سيفه اي اوضحه بعد ما كان مستورا في غمده ، ويقال : اشتهر الخبر بمعنى وضح وذاع.

واما في المصطلح الاصولي فهي تطلق على معنيين :

ا ـ الشهرة الروائية. ويراد بها كثرة الناقلين للرواية من دون ان يصل الى حد التواتر. وفي هذا المعنى اضيفت الشهرة الى الرواية.

ب ـ الشهرة الفتوائية. ويراد بها شهرة الافتاء بفتوى معينة دون ان يصل ذلك الى حد الاجماع. وفي هذا المعنى اضيفت الشهرة الى الفتوى.

وبعد هذا نسال هل يمكن عدّ الشهرة من وسائل الاثبات الوجداني او لا؟ والجواب اما بالنسبة الى الشهرة الروائية فهى تعني بلوغ نقل الرواية الى مادون التواتر. ولكن ما هو التواتر؟ ان التواتر حدد تحديدا كيفيا ، فهو كثرة الناقل للخبر الى حد يحصل العلم بمضمونه. وعلى اساس هذا التحديد لا بد ان تكون الشهرة الروائية ـ وقد قلنا انها ادون من مرتبة التواتر ـ عبارة عن نقل جماعة كثيرة للرواية الى حدّ يحصل الظن دون العلم. واذا كانت تحصّل الظن فهي ليست من وسائل الاثبات الوجداني ـ اذ وسائل الاثبات الوجداني هى الوسائل المفيدة لليقين ـ وبالتالي لا تكون حجة الا اذا قام دليل قطعي على ثبوت الحجيه تعبدا

٥٩

للخبر المفيد للظن. وسيأتي في المبحث التالي ـ ص ٢٢٣ من الحلقة ـ اقامة الدليل على ثبوت الحجيه تعبدا للخبر الظني (١) هذا كله في توضيح الشهرة الروائية.

اما الشهرة الفتوائية فهي كما قلنا عبارة عن بلوغ الفتوى لما دون الاجماع. ولكن ما هو الاجماع؟ انه يمكن تحديده بشكلين ، فتارة يحدد بتحديد كيفي واخرى بتحديد كمّي (٢) :

١ ـ فان حدد بتحديد كيفي بان قيل ان الاجماع هو الاتفاق الموجب للعلم بصحة الحكم المتفق عليه (٣) ، فالشهرة الفتوائية على هذا تعني افتاء جماعة كبيرة من العلماء بفتوى معينة دون ان يحصل العلم بالحكم. وبناء عليه لا تكون الشهرة الفتوائية من وسائل الاثبات الوجداني لانها لا تفيد اليقين بل الظن ، وبالتالي لا تكون حجة الا اذا قام دليل قطعي على حجيتها تعبدا. وقد اختلف الاصوليون في قيام الدليل القطعي على حجيتها تعبدا وعدمه. ولعل الرأي السائد هو حجيتها تعبدا. وستأتي الاشارة من السيد الشهيد في آخر كلامه (٤) الى هذا النزاع الاصولي في حجية الشهرة الفتوائية تعبدا.

__________________

(١) وبذلك يدخل في وسائل الاثبات التعبدي

(٢) اما التواتر فقد مر انه لا يحدد الا بالتحديد الكيفي. والمراد بالتحديد الكمي التحديد من حيث العدد بان يقال ان الاجماع هو اتفاق العلماء باسرهم. ويراد بالتحديد الكيفي التحديد من حيث افادة العلم بان يقال الاجماع هو الاتفاق الموجب للعلم بصحة الحكم بقطع النظر عن كون المتفقين هم الكل او الجل

(٣) المراد من العلم ما يشمل الاطمئنان

(٤) وهو قوله ١ ص ٢٢٢ س ٣ من الحلقه : ثم ان في الشهرة في الفتوى بحثا آخر ... الخ وانما لم يبحث قدس‌سره هذا البحث هنا لان البحث هنا ناظر الى وسائل الاثبات الوجداني ، والشهرة الفتوائية بناء على حجيتها تعبدا ليست من وسائل الاثبات الوجداني

٦٠