الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

الثمرة الثانية (١) :

وهذه الثمرة تظهر فيما لو كان لدينا فعلان احدهما واجب والآخر حرام بيد ان الحرام مقدمة للواجب والواجب ذو المقدمة على عكس ما مر في الثمرة السابقة ، والمقدمة هنا مقدمة للواجب بخلافه فيما سبق حيث كانت مقدمة للحرام.

ومثال هذه الثمرة انقاذ الغريق واجتياز الارض المغصوبة ، فان الانقاذ واجب ولكنه قد يكون امام النهر الذي فيه الغريق ارض مغصوبة ويتوقف الانقاذ على اجتياز تلك الارض ، ففي مثل هذه الحالة يصير الاجتياز الذي هو حرام مقدمة للانقاذ الذي هو واجب.

والسؤال هو ان المكلف اذا اجتاز المغصوب فهل يكون اجتيازه محرما او لا؟ وهذه الثمرة تريد الاجابة على هذا السؤال وتوضيح ان الاجتياز متى يكون محرما ومتى لا يكون كذلك.

ان اجتياز المغصوب يقع محرما في حالتين وغير محرم بل واجبا في حالتين اخريين ، اذ المجتاز للمغصوب تارة :

١ ـ يجتاز المغصوب ويشتغل بانقاذ الغريق. وفي مثل هذه الحالة لا يكون

__________________

ـ ان قلت : انه بناء على الملازمة تصير النتيجة هكذا : تحرم الصلاة غيريا وتجب نفسيا ، وواضح ان مثل هذين الخطابين متعارضان ولا يمكن الاستعانة بالشرط العقلي السابق لرفعه ، اذ لا معنى لان يقال تحرم عليك الصلاة ان لم تشتغل بامتثال وجوب الصلاة او بالعكس فان هذا متصور في الحكمين الثابتين لموضوعين دون الثابتين لموضوع واحد.

قلت : المفروض ان طرف المعارضة للوجوب النفسي للصلاة ليس هو الحرمة الغيرية للصلاة بل الحرمة النفسية للقتل بعد ضم الملازمة فان الحرمة الغيرية ليست امرا قابلا للوقوع طرفا للمعارضة ، واذا كانت الحرمة النفسية هي الطرف للمعارضة فلا يفرق في تحقق المعارضة بين القول بالملازمة والقول باللابدية العقلية

(١) هذه الثمرة هي المتداولة في كلمات الاصوليين

٣٨١

الاجتياز محرما لانا فرضنا (١) ان الواجب وهو الانقاذ اهم ، وقد قلنا سابقا ان الاهم هو الذي يتوجه اليه التكليف وغير الاهم ـ وهو الاجتياز في المقام ـ لا يتوجه اليه التكليف الا عند عدم الاشتغال بالاهم ، وحيث فرضنا في هذه الحالة اشتغال المكلف بالانقاذ فلا يكون الاجتياز محرما عليه.

٢ ـ واخرى يجتاز المغصوب بلا انقاذ الغريق بل بقصد التنزه مثلا. وفي مثله اذا قلنا بعدم وجوب مقدمة الواجب يقع الاجتياز محرما لانا ذكرنا انه عند عدم الاشتغال بالاهم وهو الانقاذ فلا مانع من توجه الحرمة الى غير الاهم وهو الاجتياز ، والمفروض في هذه الحالة عدم البناء على وجوب مقدمة الواجب حتى يلزم صيرورة الاجتياز واجبا وبالتالي حتى يلزم صيرورة هذا الوجوب مانعا من ثبوت الحرمة للاجتياز.

٣ ـ وثالثة يفترض ان المجتاز لا ينقذ الغريق كالحالة السابقة غير انه يفرض البناء على ان مقدمة الواجب اذا كانت موصلة ـ اي قد حصل بعدها ذو المقدمة وهو الانقاذ مثلا ـ فهي واجبة واذا لم تكن موصلة فهي غير واجبة (٢). وفي هذه الحالة يكون الاجتياز محرما لنفس النكتة في الحالة السابقة فانه بعد عدم الاشتغال بالاهم فلا مانع من اتصاف غير الاهم وهو الاجتياز بالحرمة ، وحيث ان الاجتياز غير موصل ـ اذ لم يحصل بعده الانقاذ ـ فلا يكون واجبا من باب المقدمة وبالتالي تكون الحرمة ثابتة للاجتياز بلا مانع يمنع من ثبوتها.

٤ ـ ورابعة يفترض حصول الاجتياز بلا انقاذ ايضا ولكن مع البناء على

__________________

(١) هذا الافتراض وان لم يصرح به قدّس سره في صدر هذه الثمرة ولكنه قد اعتمد على الاشارة له في الثمرة الاولى

(٢) سياتي في الابحاث المقبلة ان شاء الله تعالى تحقيق ان الواجب هل هو مطلق المقدمة او خصوص الموصلة

٣٨٢

وجوب مقدمة الواجب وان لم تكن موصلة ، وفي هذه الحالة لا يكون الاجتياز محرما لان المجتاز وان لم يشتغل بالانقاذ الا ان عدم الاشتغال به لا يسقط وجوبه ، ومع وجوبه يكون الاجتياز واجبا بالوجوب الغيري لانا فرضنا في هذه الحالة ان مقدمة الواجب واجبة وان لم يحصل بعدها ذو المقدمة ، ومع وجوب الاجتياز بالوجوب الغيري فلا يمكن اتصافه بالحرمة ، اذ ثبوت الوجوب يمنع من ثبوت الحرمة ، فان الشيء الواحد لا يمكن ان يكون واجبا وحرما (١).

قوله ص ٣٧٦ س ٨ العريقة : اي الاصيلة ، يقال ـ كما في المنجد ـ هو أعرق منك اي آصل منك.

قوله ص ٣٧٦ س ١٥ الذي تقع مخالفته ... الخ : وتقع موافقته ايضا موضوعا لاستحقاق الثواب.

قوله ص ٣٧٧ س ١٠ كما عرفنا سابقا : من جملة ذلك ص ٣٢٠ من الحلقة حيث ذكر ان باب التزاحم خارج عن باب التعارض ولا تطبق عليه احكامه.

__________________

(١) يوجد سؤالان يرتبطان بالمقام :

١ ـ لماذا لم يتعرض قدّس سره لبيان خصوصية التعارض والتزاحم في الثمرة الثانية كما تعرض لهما في الثمرة الاولى؟ والجواب : ان ذلك حيث اشير له في الثمرة الاولى فلا داعي بعد هذا للتكرار في هذه الثمرة.

٢ ـ ما هو روح الفرق بين الثمرتين بعد وضوح ان كون الاولى ناظرة لكون الواجب مقدمة للحرام والثانية الى العكس وان الحرام هو المقدمة للواجب لا يستدعي عقد ثمرتين بعد ان كانت روحهما واحدة؟ وقد يقال : ان الاولى ناظرة الى حيثية التعارض والتزاحم بخلاف الثانية فانها ناظرة الى حيثية ثبوت الحرمة وعصيانها ، وهذا لا يكفي للفرق ايضا لأن الحيثية المذكورة مترتبة على حيثية التعارض والتزاحم المذكورة في الثمرة الاولى.

ولعل وحدة روح الثمرتين هو السبب في عدم تعرضه قدّس سره في بحثه الخارج للثمرة الاولى كما لم يتعرض اليها غيره من الاعلام

٣٨٣

شمول الوجوب الغيري :

قوله ص ٣٧٨ س ١٦ قام القائلون بالملازمة ... الخ : قسّم الاصوليون مقدمة الواجب الى عدة تقسيمات كتقسيمها تارة الى داخلية وخارجية واخرى الى وجوبية ووجودية وثالثة الى ....

والغرض من ذكر هذه التقسيمات هو التعرف على ان البحث عن وجوب المقدمة هل يشمل جميع الاقسام او ان بعضها لا يشمله باعتبار عدم امكان اتصافه بالوجوب الغيري لنكتة تأتي الاشارة لها ان شاء الله تعالى. والتقسيمات هي :

التقسيم الاول

تقسيم المقدمة الى داخلية وخارجية. والمقصود من الداخلية الاجزاء فان كل جزء هو مقدمة لحصول المركب ، فالركوع مثلا مقدمة لحصول الصلاة ، وحيث انه داخل فيها ومقوم لها صح تسميته بالمقدمة الداخلية ، والمقصود من الخارجية الشرائط ، فان الوضوء مثلا تتوقف عليه صحة الصلاة وحيث انه خارج عنها صح تسميته بالمقدمة الخارجية.

وقد وقع الكلام بين الاصوليين في ان البحث عن وجوب المقدمة هل يشمل الداخلية ايضا او يختص بالخارجية ، وفي ذلك اتجاهان احدهما يقول بالشمول وثانيهما بعدمه.

اما الاتجاه الاول فتوجيهه : ان الصلاة مثلا كما تتوقف على المقدمة الخارجية كذلك تتوقف على الداخلية ، ومع انحفاظ المقدمية والتوقف في الداخلية ايضا فلا وجه لعدم شمول النزاع لها.

واما الاتجاه الثاني فيمكن توجيهه ببيانين :

٣٨٤

أ ـ ان الجزء ليس مقدمة اصلا حتى يمكن اتصافه بالوجوب الغيري ، فان المقدمية فرع الاثنينية ، اي لا بدّ من وجوب شيئين في الخارج ليكون احدهما مقدمة للآخر كالسفر والحج فان السفر غير الحج خارجا والحج يتوقف على السفر ، وهذا بخلافه في باب الجزء فان الركوع مثلا لا يغاير الصلاة خارجا بل هي عين الركوع والسجود وبقية الاجزاء ، ومعه فلا يعقل ان تتوقف الصلاة على اجزائها ، اذ لازمه توقف الشيء على نفسه ، ومن خلال هذا يتضح ان عدم اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيري ليس لوجود مانع من اتصافها به بل لفقدان المقتضي وهو المقدمية.

ب ـ ان الاجزاء لا تتصف بالوجوب الغيري لوجود المانع ، اي حتى لو سلمنا بثبوت المقتضي لاتصافها به فمع ذلك لا تتصف به لوجود مانع وهو : ان الاجزاء بما انها نفس الصلاة خارجا فالوجوب النفسي المنصب على الصلاة ينحل الى وجوبات نفسية ـ ولكنها انحلالية وضمنية ـ بعدد الاجزاء ، فكل جزء يتوجه اليه وجوب نفسي ضمني ، فالركوع واجب بوجوب نفسي ضمني ، والسجود واجب بوجوب نفسي ضمني ، وهكذا ، ومعه فيستحيل الاتصاف بالوجوب الغيري والا يلزم اجتماع وجوبين في شيء واحد وهو مستحيل.

لا يقال : لماذا لا يكون اجتماع الوجوبين كاجتماع السوادين ، فكما ان الورقة اذا كانت متصفة بالسواد امكن حلول سواد جديد عليها وذلك بتأكد السواد الاول وتحوله الى سواد اكيد كذلك في المقام نقول بالتأكد والتحول الى وجوب واحد اكيد.

فانه يقال : ان التأكد والتوحد لا يعقل في الوجوبين وان كان معقولا في السوادين ، اذ السوادان هما في عرض واحد ، وليس احدهما علة للآخر كي لا

٣٨٥

يعقل التوحد ، وهذا بخلافه في الوجوب الغيري والنفسي ، فان الغيري على ما قالوا هو معلول ومتولد من النفسي وفي رتبة متأخرة عنه والنفسي علة له وفي رتبة متقدمة عليه ، ومن الواضح ان العلة والمعلول لا يمكن اتحادهما والا صارت العلة معلولا والمعلول علة او صار الوجود الواحد علة ومعلولا ومتقدما ومتأخرا.

التقسيم الثاني

تقسيم المقدمة الى وجوبية ووجودية. والوجوبية هي المقدمة التي يتوقف عليها وجوب الواجب كالاستطاعة حيث يتوقف عليها وجوب الحج. والوجودية هي التي لا يتوقف عليها وجوب الواجب بل وجوده كالسفر حيث لا يتوقف عليه وجوب الحج ـ والا لانتفى الوجوب عمن تهاون عن السفر ـ بل وجوده.

وباتضاح هذا نقول : ان المقدمة الوجوبية خارجة عن محل البحث حيث لا يمكن ان تتصف بالوجوب ابدا لا بالوجوب النفسي ولا بالغيري. اما انها لا تتصف بالنفسي فلأنه قبل حصولها لا وجوب نفسي للحج ليثبت لها وبعد حصولها لا معنى لوجوب تحصيلها لاستحالة تحصيل الحاصل. واما انها لا تتصف بالغيري فلأن الغيري بما انه متولد من النفسي فهو لا يثبت الا عند ثبوت النفسي ، وبما ان النفسي لا يثبت الا بعد حصول الاستطاعة فلا معنى حينئذ لتعلق الوجوب بها اذ يكون ذلك من قبيل وجوب تحصيل الحاصل.

التقسيم الثالث

تنقسم المقدمة باعتبار آخر الى علمية وعقلية وشرعية (١). والعلمية هي

__________________

(١) وهناك قسم رابع ذكره الآخوند في الكفاية وهو المقدمة العادية. ولعل السبب في اعراض ـ

٣٨٦

المقدمة التي لا يتوقف عليها وجود الواجب وانما يتوقف عليها العلم بتحقق الواجب كغسل شيء من فوق المرفق في الوضوء ليعلم بغسل المقدار الواجب ، فان غسل اليد ما بين رؤوس الاصابع والمرفق لا يتوقف على غسل شيء من فوق المرفق كما هو واضح وانما يتوقف العلم بتحقق ذلك على غسل المقدار الزائد.

ومثال ثان : ما اذا كان لدينا او ان عشرة وعلمنا بنجاسة واحد منها فان ترك التسعة الباقية واجب من باب المقدمة لكن لا لأنه مقدمة لترك نفس ذلك الاناء النجس فان تركه يتحقق بترك نفسه ولا يتوقف على ترك التسعة الباقية وانما العلم بتحقق ذلك يتوقف على ترك التسعة الباقية.

واما المقدمة العقلية فهي المقدمة التي يتوقف عليها تكوينا وخارجا وجود الواجب كالسفر بالنسبة للحج ، فان وجود الحج يتوقف تكوينا على تحقق السفر.

واما المقدمة الشرعية فهي المقدمة التي اخذها الشارع قيدا في الواجب كالوضوء بالنسبة للصلاة فان الصلاة لا تتوقف عقلا على الوضوء وانما تتوقف عليه شرعا باعتبار ان الشارع اخذ الوضوء قيدا للصلاة.

وبعد اتضاح هذه الاقسام الثلاثة نقول :

اما المقدمة العلمية فهي خارجة عن محل البحث لانها لا يمكن ان تتصف بالوجوب الغيري ، اذ الذي يتصف به هو مقدمة الواجب اي ما يكون مقدمة لتحقق الواجب بحيث لا يحصل الواجب بدونها ، ومن الواضح ان غسل اليد من رؤوس الاصابع الى المرفق لا يتوقف على غسل المقدار الزائد ليجب غسل المقدار الزائد من باب المقدمة والوجوب الغيري.

__________________

ـ السيد الشهيد عن الاشارة له هو ان المقدمة العادية ليست بحسب الحقيقة مقدمة فان لبس الحذاء مثلا قبل الخروج من الدار وان كان بحسب عادة الناس مقدمة للخروج من الدار ولكنه لا يتوقف الخروج عليه حقيقة حتى يكون مقدمة ومتصفا بالوجوب الغيري

٣٨٧

ولا ينبغي ان يفهم من هذا انا ندعي عدم اتصاف المقدمة العلمية بالوجوب اصلا وانما ندعي عدم اتصافها بالوجوب المقدمي الغيري وان كانت تتصف بالوجوب من ناحية اخرى اي من ناحية ان احراز حصول الواجب لا يتحقق بدونها. وبتعبير آخر : هي تتصف بالوجوب من باب قاعدة « الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية » ولكن هذا مطلب آخر لسنا بصدده وانما نحن بصدد الوجوب الغيري المقدمي.

واما المقدمة العقلية التي هي كالسفر بالنسبة للحج فهي القدر المتيقن من محل البحث فان القدر المتيقن ـ على تقدير ثبوت الوجوب الغيري واتصاف المقدمة به ـ هو ثبوته للمقدمة العقلية اذ عليها يتوقف وجود الواجب.

واما المقدمة الشرعية فهي التي وقعت محلا للبحث فقد ذهب بعض كالميرزا الى خروجها عن محل البحث لعدم امكان اتصافها بالوجوب الغيري بتقريب : ان المقدمة الشرعية ـ كالوضوء مثلا ـ متصفة بالوجوب النفسي ، وما دامت هي واجبا نفسيا فكيف تتصف بالوجوب الغيري ، انه غير ممكن لأن لازمه اجتماع الوجوبين في شيء واحد ، وقد تقدم نظير هذا منه قدّس سره في المقدمة الداخلية كالركوع مثلا اذ اختار ان الركوع لا يتصف بالوجوب الغيري لنفس النكتة المذكورة.

يبقى السؤال عن نكتة اتصاف الوضوء بالوجوب النفسي في رأي الميرزا ، ان نكتة ذلك هي ان الوضوء مثلا لا يكون مقدمة شرعية للصلاة الا اذا اخذه الشارع قيدا في الصلاة ، ومع اخذه قيدا فيها فسوف ينصب وجوب الصلاة الذي هو وجوب نفسي على الصلاة المقيدة بالوضوء ، ولازم ذلك انحلال هذا الوجوب النفسي الواحد الى وجوبين نفسيين ضمنيين احدهما متعلق بالصلاة والآخر

٣٨٨

بالوضوء ، وعليه يكون الوضوء بحسب النتيجة متصفا بالوجوب النفسي.

وفيه : انا وان سلمنا شرطية الوضوء للصلاة ولكن لا نسلم ان لازم شرطيته انصباب الوجوب النفسي عليه ، اذ تقدم في مبحث الشرط المتأخر ان مرجع شرطية شيء للصلاة الى تعلق الوجوب بالحصة الخاصة اي مرجعه الى تعلق الوجوب بالصلاة مع التقييد بالوضوء ، فالوجوب منصب على شيئين : الصلاة والتقييد ، واما نفس القيد وهو الوضوء فليس متعلقا للوجوب ولا ينصب عليه والا يلزم عدم الفرق بين مثل الركوع والوضوء ، فيلزم ان يكون الوضوء جزء للصلاة كالركوع لعدم وجود اي فارق بينهما اذ الوجوب النفسي كما هو متعلق بالركوع كذلك هو متعلق بالوضوء مع انا نعرف ان الوضوء يمتاز عن الركوع ، ففي الركوع يكون الوجوب النفسي الثابت للصلاة متعلقا بالتقييد بالركوع وبنفس الركوع واما في الوضوء فالوجوب النفسي الثابت للصلاة متعلق بالتقييد بالوضوء دون نفس الوضوء ، ومع عدم تعلق الوجوب النفسي بالوضوء فلا مانع من تعلق الوجوب الغيري به.

ان قلت : انك اذا سلمت تعلق الوجوب النفسي بالتقيد بالوضوء فلا بدّ وان تسلم تعلقه بنفس الوضوء ايضا ، اذ التقييد لا يتحقق الا بتحقق نفس القيد لكونه منتزعا منه ، ولازم ذلك ان يكون الامر النفسي المتعلق بالتقييد متعلقا بالوضوء ايضا.

قلت : اذا كان المقصود من هذا الكلام ان التقييد بالوضوء هو عين الوضوء ونفسه وان الامر النفسي المتعلق بالتقييد يكون متعلقا بالوضوء فهذا باطل جزما ، اذ التقييد عبارة عن النسبة بين ذات المقيد والقيد ، فلو كان التقييد نفس القيد لزم من ذلك كون النسبة عين طرفها والحال ان لها وجودا مغايرا لوجود طرفيها

٣٨٩

فالنسبة بين الصلاة والوضوء ليست هي نفس الوضوء بل غيره.

وان كان المقصود ان التقييد شيء مغاير للقيد خارجا وليس نفسه الا ان حصول القيد هو مقدمة لحصول التقييد فهذا شيء ، صحيح الا انه لا يلزم منه كون الامر النفسي المتعلق بالتقييد متعلقا بالقيد وانما يلزم منه تعلق امر مقدمي غيري بالقيد باعتبار انه مقدمه لحصول التقييد ، وهذا لا ينفع الميرزا لانه يريد الحصول على وجوب نفسي للوضوء حتى يكون مانعا من تعلق الوجوب الغيري به.

قوله ص ٣٧٩ س ١٠ ويقال في مقابل ذلك : هذا عدل لقوله : « وقد يقال بالتعميم ».

قوله ص ٣٨٠ س ٣ من خلال ذلك : اي من خلال اجتماعهما.

قوله ص ٣٨٠ س ٦ كما يقال : التعبير بقوله « كما يقال » يدل على تضعيف هذا الرأي وهو كون الوجوب الغيري معلولا للوجوب النفسي ، والوجه في ضعفه على ما سيأتي ص ٣٨٢ من الحلقة ان الوجوب فعل اختياري للشارع يحصل بسبب تشريعه وجعله ولا يعقل تولد وجوب من وجوب ، فان الوجوب لا يقبل الولادة.

قوله ص ٣٨٠ س ١٠ من قبل : بكسر القاف وفتح الباء.

قوله ص ٣٨٠ س ١١ على ما تقدم : اي ص ٣٣٥ من الحلقة.

قوله ص ٣٨٠ س ١١ لانه من : الصواب : لانه اما.

قوله ص ٣٨٠ س ١٢ او معه : الترديد بقوله « معلول للوجوب النفسي او معه » اشارة الى الاحتمالين المتقدم ذكرهما ص ٣٧٠ حيث ذكر قدّس سره ان التعبير عن الوجوب الغيري بالتبعي اما باعتبار انه معلول للوجوب النفسي او باعتبار ان هناك ملاكا واحدا ينشىء المولى بسببه الوجوب النفسي اولا وبالذات

٣٩٠

والوجوب الغيري ثانيا وبالتبع.

قوله ص ٣٨١ س ١٥ بما تقدم : اي في مبحث الشرط المتأخر ص ٣٣٩ من الحلقة.

قوله ص ٣٨١ س ١٦ جعل الامر متعلقا بالتقييد : اي جعل الامر متعلقا بالفعل مع التقييد.

قوله ص ٣٨٢ س ٢ لانه طرف له : فان التقييد نسبة لها طرفان احدهما القيد.

قوله ص ٣٨٢ س ٣ بما هو معنى حرفي : اي بما هو نسبة ـ فان المعنى الحرفي في المصطلح الاصولي يراد به النسبة ـ في مقابل التقييد بالمعنى الاسمي الذي هو عبارة عن نفس كلمة « التقييد ».

تحقيق حال الملازمة :

قوله ص ٣٨٢ س ٨ والصحيح انكار الوجوب الغيري ... الخ : ولحد الآن لم يتم التعرض لصلب الموضوع وهو ان مقدمة الواجب هل هي واجبة او لا ، وقد حان الآن وقت ذلك ، وقبل الاشارة الى الرأي المختار ينبغي استذكار ان المقصود من الوجوب المبحوث عنه هنا ليس هو الوجوب العقلي فانه لا اشكال لدى كل عاقل ان مقدمة الواجب يلزم الاتيان بها عقلا لتوقف تحقق الواجب عليها. وبكلمة ثانية : الوجوب العقلي الذي هو بمعنى اللابدية العقلية لم يقع موردا للخلاف بين الاصوليين بل هو من الامور المسلمة عندهم ، وانما الذي وقع موردا للخلاف هو الوجوب الشرعي بمعنى ان مقدمة الواجب التي قلنا بوجوب الاتيان بها عقلا هل اثبت الشارع المقدس لها الوجوب مضافا الى الوجوب الذي اثبته

٣٩١

لذي المقدمة او انه اثبت الوجوب لذي المقدمة فقط دون المقدمة؟

وبعد اتضاح المقصود من الوجوب نعود لنقول : هل مقدمة الواجب متصفة بالوجوب الشرعي او لا؟ الصحيح انها ليست واجبة بالوجوب الشرعي ولكنها محبوبة للمولى ويريدها ، فلنا دعويان :

أ ـ ان مقدمة الواجب ليست واجبة بوجوب شرعي ، اي لا ملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته.

ب ـ ان مقدمة الواجب محبوبة للمولى ، اي انه توجد ملازمة بين حب الشيء وحب مقدمته.

اما الدعوى الاولى فيمكن اثباتها بالبيان التالي : ان مقدمة الواجب لو كانت واجبة فنسأل : هل وجوبها حصل بسبب وجوب ذي المقدمة بمعنى ان وجوب الحج مثلا هو الذي ولّد وجوب السفر وترشح منه بشكل قهري ، او ان وجوبها حصل بسبب جعل الشارع المقدس الوجوب عليها ، فالشارع صب الوجوب اولا على الحج وثانية على السفر. وعليه ففي المقام احتمالان ، وكلاهما باطل.

اما الاول فباعتبار ان الوجوب فعل اختياري للشارع يحصل باختياره وفعله ولا يمكن ان يحصل من وجوب آخر ، فان الوجوب لا يولّد وجوبا اذ هو ليس قابلا للولادة.

واما الثاني فباعتبار ان المولى حينما يجعل الوجوب على شيء فلا بدّ ان يكون ذلك بداع وهدف معين ، ونحن نسأل عن ذلك الهدف ، فهل الهدف من جعل الوجوب على السفر مثلا تبيان ثبوت الملاك والمصلحة فيه او تبيان لزوم التحرك نحو السفر واستحقاق العقاب على تركه؟ وكلاهما غير صحيح.

٣٩٢

اما الاول فباعتبار ان نفس السفر لا ملاك له حتى يحاول المولى اظهاره عن طريق جعل الوجوب عليه ، اجل ذو المقدمة وهو الحج مثلا له ملاك الا ان ملاكه قد تم بيانه واظهاره بواسطة الوجوب النفسي الثابت للحج.

واما الثاني فباعتبار ان الوجوب الغيري ليس له محركية مستقلة ولا استحقاق للعقاب على مخالفته كما تقدم توضيح ذلك عند التعرض لخصائص الوجوب الغيري. هذا كله في اثبات الدعوى الاولى وهي : ان مقدمة الواجب ليست واجبة.

واما الدعوى الثانية ـ وهي ان مقدمة الواجب محبوبة للمولى ـ فوجهها واضح ، فانه وان لم يمكن اقامة البرهان على ان من احبّ شيئا احبّ مقدماته الا ان الوجدان قاض بذلك ، فانه يحكم بان من احب ان يكون عالما فقد احب مقدمات ذلك ومن احب الزواج فقد احب مقدماته ايضا وهلم جراء. ومما يؤيد ذلك : ان من الامور الواضحة لدى كل متشرع محبوبية الصلاة والصوم ونحوهما من الواجبات النفسية للشارع المقدس ، فلو لم تكن هناك ملازمة بين حب الشيء وحب مقدماته فلا وجه لاستكشاف محبوبيتها اذ لا يوجد ما يكشف عن كونها محبوبة سوى ان الغرض من هذه الواجبات ـ وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر مثلا ـ لما كان محبوبا فيلزم كون مقدمة هذا الغرض المحبوب ـ والمقدمة هي الصلاة مثلا ـ محبوبة ايضا. اذن الملازمة بين حب الشيء وحب مقدمته لو لم تتم فلا وجه لاستكشاف كون الصلاة محبوبة.

وقد تقول : ان الوجه في استكشاف محبوبيتها ليس ما ذكر بل هو تعلق الامر بها ، فان تعلق الامر بالصلاة مثلا يكشف عن كونها محبوبة والا لما تعلق الامر بها.

٣٩٣

وفيه : ان تعلق الامر بالصلاة لا يدل على محبوبيتها اذ لعل وجه ذلك هو كونها مقدمة للغرض المحبوب من دون ان تكون محبوبة بنفسها.

قوله ص ٣٨٢ س ٩ والايجاب : عطف تفسير على « الجعل ».

قوله ص ٣٨٣ س ١ كما تقدم في محله : اي في الحلقة الثانية ص ١٤ وهذه الحلقة ص ٢٢.

قوله ص ٣٨٣ س ٥ كما مر : في هذه الحلقة ص ٣٧٣.

حدود الواجب الغيري :

قوله ص ٣٨٣ س ١٤ وفي حالة التسليم بالواجب الغيري ... الخ : هناك بحث اصولي يقول لو ثبت ان مقدمة الواجب واجبة او لا اقل محبوبة فهل الواجب مطلق المقدمة سواء كانت موصلة ـ اي حصل بعدها ذو المقدمة ـ ام لا او ان الواجب هو خصوص الموصلة ، فالسفر الى الحج مثلا هل هو واجب وان لم يحصل بعده الحج او ان الواجب هو خصوص السفر الحاصل بعده الحج؟ اختار صاحب الفصول والسيد الخوئي والسيد الشهيد ان الواجب هو خصوص الموصلة بينما ذهب الآخوند الى ان الواجب مطلق المقدمة.

وذكر الآخوند انا لو اردنا التعرف على ان الواجب هو مطلق المقدمة او خصوص الموصلة فعلينا ان نبحث هذه النقطة وهي : ان الغرض من وجوب المقدمة هل هو التمكن من الاتيان بذي المقدمة او حصول ذي المقدمة؟ فان كان الغرض هو التمكن فلازم ذلك وجوب مطلق المقدمة اذ مطلق المقدمة يوجب حصول التمكن من ذي المقدمة ، وان كان الغرض هو حصول ذي المقدمة فاللازم وجوب خصوص الموصلة. ثم اضاف قدّس سره ان الصحيح من هذين

٣٩٤

الاحتمالين هو كون الغرض التمكن ، ومعه فاللازم وجوب مطلق المقدمة.

ولكن لماذا كان الصحيح هذا الاحتمال؟ ذكر قدّس سره ان الحصول لا يمكن ان يكون هو الغرض بحيث يكون الوجوب الغيري متعلقا بالمقدمة الموصلة ، اذ لازم ذلك صيرورة الواجب النفسي واجبا غيريا لأن الوجوب الغيري اذا كان متعلقا بالمقيد ـ اي المقدمة المقيدة بحصول ذي المقدمة بعدها ـ كان حصول الواجب النفسي مقدمة لحصول هذا المقيد ـ اذ حصول الواجب النفسي قيد ، والقيد مقدمة لحصول المقيد ـ واذا كان حصول الواجب النفسي مقدمة للمقيد فلازم ذلك صيرورة الواجب النفسي واجبا غيريا ، اذ قد فرضنا ان المقيد هو المتعلق للوجوب الغيري ، واذا كان المقيد واجبا غيريا فمقدمته وهو حصول الواجب النفسي يكون واجبا غيريا ايضا ، فان مقدمة الواجب الغيري واجب غيري بالاولوية.

هذا ما استدل به الآخوند لاثبات ان الغرض من الوجوب الغيري هو التمكن دون الحصول.

وفي مقابل هذا يمكن الاستدلال على العكس وان الغرض هو الحصول وليس التمكن ، اذ لو كان التمكن هو الغرض فنسأل : هل هو الغرض الاصيل والاساسي من وجوب المقدمة او هو غرض غير اصيل؟ والاحتمال الاول باطل لوجهين :

أ ـ ان كون التمكن هو الغرض الاصيل خلاف الوجدان ، فانه قاض بان الشارع لا يريد السفر لمجرد انه يوجب التمكن من الحج وان لم يحصل بعده الحج ، بل يريد السفر الذي يحصل الحج بعده.

ب ـ يلزم من كون التمكن هو الغرض الاصيل خلف الفرض ، اذ قد فرضنا

٣٩٥

ان المقدمة قد تكون موصلة وقد لا تكون ، فلو كان التمكن هو الغرض الاصيل والنفسي فلازمه صيرورة المقدمة موصلة دائما ولا توجد مقدمة غير موصلة ، فانه لو كان التمكن هو الغرض الاصيل فهذا الغرض حيث انه حاصل في كل مقدمة فيلزم صيرورة كل مقدمة موصلة الى الغرض الاصيل وهو التمكن ، اذ كل مقدمة يحصل بها التمكن من ذي المقدمة.

والاحتمال الثاني ـ وهو كون التمكن غرضا غير اصيل ـ لازمه وجود غرض اصيل ونفسي ، اذ كل شيء غير اصيل يلزم ان ينتهي الى شيء اصيل لقاعدة ان كل ما بالغير لا بد وان ينتهي الى ما بالذات ، وحيث فرضنا ان التمكن ليس هو الغرض الاصيل فيلزم وجود غرض اصيل ينتهي اليه هذا الغرض غير الاصيل ، وحيث لا يوجد غرض اصيل الا الوصول لذي المقدمة فيلزم كون الوصول هو الغرض الاصيل. وبهذا يثبت ما اردناه وهو كون الغرض الاصيل هو الحصول دون التمكن.

يبقى قد تقول : ان هذا طريق لطيف لاثبات كون الغرض هو الحصول دون التمكن ولكن كيف ندفع ما ذكره الآخوند من ان الغرض لو كان هو الحصول يلزم صيرورة الواجب النفسي واجبا غيريا؟ يمكن دفع ذلك بانه ليس المقصود من تعلق الوجوب الغيري بالمقدمة الموصلة هو ان الوجوب الغيري متعلق بالمجموع المركب من المقدمة وقيد حصول الواجب النفسي حتى يلزم ان يكون الواجب النفسي قيدا في متعلق الوجوب الغيري بل المقصود ان الواجب لو كان له عشر مقدمات مثلا فالوجوب الغيري لا يتعلق بكل واحدة واحدة بحيث تكون هناك عشرة وجوبات بل هناك وجوب واحد يتعلق بمجموع المقدمات العشر ، فان الذي يحصل الواجب النفسي بعده ليس هو كل مقدمة مقدمة بل هو مجموع

٣٩٦

المقدمات العشر.

وبكلمة ثانية : نحن لا نفسر المقدمة الموصلة بالمقدمة التي يكون الواجب النفسي حاصلا بعدها ليرد ما ذكره الآخوند بل نفسرها بالمقدمة التي لو حصلت لحصل بعدها الواجب النفسي حتما ، وتلك المقدمة ليست هي الا مجموع المقدمات من حيث المجموع واما كل مقدمة بمفردها فلا يصدق عليها لو حصلت لحصل بعدها الواجب النفسي حتما.

وبكلمة ثالثة : ان المقدمة تارة تكون علة تامة لحصول ذي المقدمة واخرى جزء العلة التامة ، والاولى نسميها بالموصلة وهي التي ينصب عليها الوجوب الغيري دون كل مقدمة مقدمة لانها جزء العلة التامة وليست علة تامة. وبناء على هذا التفسير الجديد للمقدمة الموصلة لا يكون الواجب النفسي قيدا في متعلق الوجوب الغيري ليلزم صيرورته واجبا غيريا.

وبكلمة رابعة : ان قيد الموصلة يؤخذ في متعلق الوجوب الغيري بما هو مشير ومعرّف الى واقع المقدمة التي لا ينفك عنها ذو المقدمة ولا يؤخذ فيه بنحو الموضوعية فلو فرض انه يوجد في الخارج نحو ان من السفر احدهما حاصل بعده الحج والآخر لم يحصل بعده الحج فبقيد الموصلة كأنه يراد الاشارة الى النحو الاول وانه هو المطلوب دون الثاني.

قوله ص ٣٨٤ س ٧ مقدمة للواجب الغيري : اي وما هو المقدمة للواجب الغيري يكون واجبا غيريا بالاولوية.

قوله ص ٣٨٥ س ١١ والا تسلسل الكلام : اي اذا لم ينته الغرض غير النفسي الى غرض نفسي اصيل يلزم التسلسل ، وهذا نظير العالم الذي يكون علمه مكتسبا من الغير فانه لا بدّ وان ينتهي علمه الى عالم يكون علمه ذاتيا له

٣٩٧

والا يلزم التسلسل ، اذ العالم الذي اكتسب علمه من الغير يكون علمه معلولا لعالم ثان ، فلو كان علم هذا الثاني ليس ذاتيا لزم افتراض عالم ثالث وهكذا.

قوله ص ٣٨٥ س ١٢ حتى يعود اليه : حتى يعود الكلام الى غرض نفسي وهو حصول الواجب النفسي.

مشاكل تطبيقية :

قوله ص ٣٨٦ س ١ استعرضنا فيما سبق ... الخ : هناك مشكلتان واجههما الاصوليون عند بحثهم عن مقدمة الواجب هما :

١ ـ ذكرنا فيما سبق اربع خصوصيات للوجوب الغيري ، وكانت الخصوصية الثانية ان امتثال الوجوب الغيري لا يوجب استحقاق الثواب ، وهذه الخصوصية صارت سببا لمشكلة حاصلها : انه ورد في عدة روايات استحقاق المكلف للثواب على بعض المقدمات كمن سافر الى الحج او لزيارة الامام الحسين عليه‌السلام ماشيا على قدميه فان له بكل خطوه يخطوها ثوابا عظيما (١) ، ان هذه الروايات تثبت الثواب على الخطوات بالرغم من انها مقدمات للمطلوب النفسي وليست بنفسها مطلوبات نفسية ، وهذا يتنافى والخصوصية الثانية للوجوب الغيري.

٢ ـ ذكرنا في الخصوصية الرابعة ان الوجوب الغيري توصلي لا يتوقف سقوطه على قصد القربة ، وهذه الخصوصية صارت سببا لمشكلة حاصلها : ان الوضوء والتيمم والغسل هي واجبات غيرية مع انها تتوقف على قصد القربة ، وهذه المشكلة هي المعروفة بمشكلة عبادية الطهارات الثلاث.

__________________

(١) فقد ورد في بعضها : « من اتى قبر الحسين عليه‌السلام ماشيا كتب الله له بكل خطوة الف حسنة ومحى عنه الف سيئة ورفع له الف درجة ». والروايات في ذلك كثيرة راجع الوسائل ج ١٠ الباب ٤١ من ابواب المزار

٣٩٨

ويمكن دفع المشكلة الاولى بان الآتي بالخطوات لزيارة الامام الحسين عليه‌السلام او لأداء الحج يقصد من اول خطوة يخطوها امتثال الامر النفسي المتعلق بالزيارة والحج ، ومعه فيكون مستحقا للثواب على الخطوات بما هي شروع في امتثال الامر النفسي لا بما هي خطوات وامتثال للامر الغيري ليرد الاشكال ، والروايات المتقدمة يمكن حملها على ذلك (١). هذا بالنسبة الى المشكلة الاولى.

واما بالنسبة الى المشكلة الثانية فقد ذكر الآخوند في دفعها بان المقدمة اذا كانت عبارة عن ذات الفعل فلا يلزم قصد القربة ، وهذا كالسفر بالنسبة للحج ، فان المقدمة للحج هو ذات السفر ومعه فلا يلزم حين الاتيان بالسفر قصد القربة ، واما اذا كانت المقدمة ليست ذات الفعل بل الفعل مع انضمام قصد القربة ـ كما هو الحال في الوضوء فان المقدمة للصلاة ليست ذات الوضوء بل الوضوء المنضم اليه قصد القربة ـ فيلزم الاتيان بقصد القربة ولكن لا من جهة توقف سقوط الامر بالمقدمة على قصد القربة ليرد الاشكال بل من جهة ان نفس المقدمة تتوقف على قصد القربة.

وبكلمة ثانية : ان قصد القربة في باب الوضوء هو جزء من المقدمة وليس شيئا خارجا عنها ليلزم الاشكال من لزوم ضمه اليها حين الاتيان بها.

وبكلمة ثالثة : ان الذي ذكرناه في الخصوصية الرابعة هو ان قصد القربة لا يلزم ضمه الى المقدمة ، ومن الواضح انه في باب الوضوء لا يكون قصد القربة

__________________

(١) هذا كله لو قلنا بان الخطوات مطلوبة طلبا غيريا ، اما لو قلنا بانها مطلوبة طلبا نفسيا ـ بتقريب ان المشي على الاقدام الى قبر الامام الحسين عليه‌السلام مطلوب في نفسه حتى ولو لم تتحقق زيارته عليه‌السلام لان في ذلك نحوا من تعظيم الشعائر وهكذا بالنسبة الى الحج ـ فالاشكال مرتفع من اساسه

٣٩٩

شيئا منضما الى المقدمة بل هو مقوم لها بحيث من دونه لا يصدق الاتيان بالمقدمة.

وان شئت قلت : ان العبادية لم تطرأ على المقدمة بل المقدمية طارئة على العبادة.

ان قلت : ان هذا وجيه ولكن قد يورد بان قصد القربة وان كان جزء من ذات المقدمة وليس اجنبيا عنها غير انه لا يمكن للمكلف الاتيان به اذ معنى قصد القربة كون المحرك للمكلف نحو الوضوء هو الامر وليس الرياء او التبريد او شيئا آخر ، ومعه فنسأل عن هذا الامر الذي صار محركا للمكلف نحو الوضوء ، انه ليس الا الامر بالوضوء ، وحيث ان الامر المذكور غيري فلا يصلح لأن يكون محركا لما تقدم في الخصوصية الاولى من عدم صلاحية الامر الغيري للمحركية.

قلت : يمكن الجواب بوجهين :

أ ـ ان المحرك ليس هو الامر بالوضوء بل الامر بالصلاة الذي هو امر نفسي ، ومعه فلا يرد الاشكال.

لا يقال : ان لازم هذا عدم صحة الوضوء لو لم يأت المكلف به بقصد امتثال الامر بالصلاة.

فانه يقال : نعم يلزم قصد الامر بالصلاة بل ذلك هو المطابق للواقع الخارجي ، فان المكلف لا يأتي بالوضوء الا لاجل التوصل به الى الصلاة او نحوها من الغايات (١) ، وكل من قصد التوصل الى ذلك فقد قصد امتثال الامر بالصلاة او نحوها من الغايات لعدم انفكاكه عنه فقصد التوصل الى الصلاة هو عبارة اخرى عن قصد امتثال امر الصلاة وكون امر الصلاة هو المحرك.

__________________

(١) هذا بناء على قطع النظر عن ثبوت الاستحباب النفسي للوضوء فان ذلك هو الجواب الثاني

٤٠٠