الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

بتحقق الموضوع خارجا ، بعد ان عرفنا كل هذا فلا نقع في الاشتباه ، اذ قصد الامتثال وان كان متأخرا عن الامر ولكنه متأخر عنه بوجوده الخارجي ، فلو اخذ في متعلق الامر يلزم تقدمه ولكن بوجوده التصوري ـ اذ الجعل يتوقف على تصور المتعلق اولا ـ لا بوجوده الخارجي حتى يلزم الدور اذ الذي يلزم تقدمه بوجوده الخارجي هو الموضوع لا المتعلق.

البرهان الثاني

يمكن توضيح هذا البرهان ببيانين يرجعان الى روح واحدة :

أ ـ ان لازم تعلق الامر بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال صيرورة الامر بالصلاة محركا نحو محركية نفسه ، اذ معنى قصد امتثال الامر هو محركية الامر نحو الفعل ، فقصد امتثال الامر بالصلاة معناه ان المحرك نحو الصلاة هو الامر بها ، وعلى هذا يمكننا ابدال جملة « قصد امتثال الامر بالصلاة » بجملة « محركية الامر بالصلاة نحو الصلاة ». وعلى ضوء هذا فلو قال المولى تجب الصلاة المقيدة بقصد الامتثال فمعناه ان الامر بالصلاة سوف يحرك نحو شيئين فهو يحرك نحو ذات الصلاة ويحرك نحو قصد الامتثال ، وبما ان قصد الامتثال معناه محركية الامر فسوف يكون الامر بالصلاة محركا نحو قصد امتثاله اي نحو محركية نفس الامر بالصلاة ، وهذا هو ما قلناه من لزوم صيرورة الامر بالصلاة محركا نحو محركية نفسه وهو غير معقول فان المعقول هو التحريك نحو الفعل لا نحو محركية وعليّة نفسه اذ الشيء اذا لم يقبل ان يكون علة لنفسه فبالاولى لا يقبل ان يكون علة لعليّة نفسه (١)

ب ـ ان قصد امتثال الامر (٢) لا يمكن ان يتحقق الا اذا اتى المكلف بتمام

__________________

(١) هذا البيان مذكور في كلمات الشيخ الاصفهاني في نهاية الدراية ج ١ ص ١٣٢

(٢) هذا البيان مذكور في كلمات الاصوليين كوجه مستقل لا كبيان آخر

٣٤١

متعلق الامر فانه اذا اتى بتمام المتعلق قاصدا امتثال الامر فحينذاك يصدق تحقق قصد الامتثال. وفي المقام نقول ان الامر لو كان متعلقا بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال فالمتعلق للامر ما هو؟ فهل هو ذات الصلاة او هو الصلاة مع التقيد بقصد الامتثال؟ كلا ليس هو ذات الصلاة ، ومع عدم كونه ذات الصلاة فلا يمكن للمكلف ان يقصد الاتيان بذات الصلاة لاجل الامتثال اذ ذات الصلاة ليست متعلقا للامر حتى يقصد بها الامتثال بل لا بدّ وان يقصد الاتيان بالصلاة مع قصد الامتثال لاجل قصد الامتثال ، وهذا باطل ، اذ قصد الصلاة بهذا الشكل لا يحتمل فقيه لزومه مضافا الى ان لازمه تعلق قصد الامتثال بقصد الامتثال اي تعلق الشيء بنفسه ومحركية الشيء نحو نفسه.

ويمكن ان نوضح هذا البيان الثاني بعبارة اخرى (١) بان نقول : ان قصد امتثال الامر لا يمكن ان يتحقق الا بان يكون المأتي به مصداقا لمتعلق الامر ، ومن الواضح ان الامر اذا كان متعلقا بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال فالمصداق للمتعلق ليس هو ذات الصلاة بل الصلاة بقصد الامتثال ، فاذا اراد المكلف الاتيان بهذا المصداق بقصد الامتثال فلازمه تعلق قصد الامتثال بقصد الامتثال وهذا معناه توقف الشيء على نفسه اي توقف قصد الامتثال على قصد الامتثال وهو مستحيل. هذا حاصل البرهان الثاني.

واجاب غير واحد من الاعلام عنه بان الامر اذا كان متعلقا بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال فهذا معناه ان المتعلق مركب من جزئين هما : الصلاة وقصد الامتثال ، ومع كون المتعلق جزئين يلزم انحلال الامر المتعلق بهذا المركب الى امرين ضمنيين احدهما متعلق بالجزء الاول وهو الصلاة ، والآخر بالجزء الثاني

__________________

(١) وليست هي بيانا ثالثا

٣٤٢

وهو قصد الامتثال ، واذا امكننا الحصول على هذين الامرين اندفع كلا البيانين.

اما البيان الاول ـ الذي كان يقول ان معنى قصد امتثال الامر محركية الامر ، فلو كان الامر متعلقا بالصلاة وبقصد الامتثال كان الامر محركا نحو قصد الامتثال وبالتالي محركا نحو محركية نفسه ـ فيمكن دفعه بان اي امر يكون محركا نحو محركية نفسه فهل الامر الاول يكون محركا نحو محركية نفسه او الامر الثاني يكون كذلك؟ وكلاهما باطل. اما الامر الاول فلأنه متعلق بذات الصلاة ولم يتعلق بقصد الامتثال حتى يكون محركا نحو محركية نفسه. واما الامر الثاني فلأنه وان كان متعلقا بقصد الامتثال الا انه متعلق بقصد امتثال الامر الاول وليس متعلقا بقصد امتثال امر نفسه ، ومعه فاقصى ما يلزم محركية الامر الثاني نحو محركية الامر الاول ، وهذا شيء معقول ، اذ محركية الامر نحو محركية غيره امر ممكن ، والذي لا يمكن هو تحريك الامر نحو محركية نفسه.

واما البيان الثاني ـ الذي يقول بان لازم اخذ قصد الامتثال في المتعلق توقف تحقق الامتثال على الاتيان بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال بقصد الامتثال ـ فيرده : ان ذات الصلاة هي متعلق للامر الاول فيمكن الاتيان بها بقصد امتثال الامر الاول ولا يلزم الاتيان بالصلاة المقيدة بقصد الامتثال بقصد الامتثال حتى يلزم تعلق قصد الامتثال بقصد الامتثال (١).

البرهان الثالث

وتوضيح هذا البرهان (٢) يتوقف على استعراض مقدمة تشتمل على

__________________

(١) وقد تقول : انه بهذه الطريقة امكن امتثال الامر الاول ولكن لم يحصل امتثال الامر الثاني.

والجواب : ان امتثال الامر الثاني حاصل ايضا حيث ان مقصود الامر الثاني هو حصول قصد الامتثال والمفروض حصوله بعد الاتيان بذات الصلاة بقصد امتثال الامر الاول

(٢) وهو للميرزا على ما في اجود التقريرات ج ١ ص ١٠٨

٣٤٣

مطالب اربعة هي :

١ ـ قرأنا فيما سبق ان الشروط على قسمين فقسم منها يرجع الى نفس الوجوب وتسمى بشرائط الوجوب ، ومثالها الاستطاعة بالنسبة الى الحج ، فان وجوب الحج مشروط بها بحيث لا وجوب للحج قبلها ، وقسم من الشروط يرجع الى متعلق الوجوب ـ المعبر عنه بالواجب ـ وتسمى بشرائط الواجب او بالمقدمة الوجودية او بمقدمة الواجب ، كالوضوء للصلاة ، فان وجوب الصلاة ليس مشروطا بالوضوء بل هو ثابت سواء توضأ المكلف ام لا وانما هو شرط في متعلق الوجوب اي الصلاة ، فالوجوب منصب على الصلاة المقيدة بالوضوء.

٢ ـ قرأنا ايضا ان شرائط الوجوب لا يجب على المكلف تحصيلها فالاستطاعة مثلا لا يجب تحصيلها ، اذ قبل تحققها لا وجوب للحج كي يدعو الى تحقيقها وبعد تحققها لا معنى لدعوة الوجوب الى تحقيقها للزوم محذور طلب تحصيله الحاصل ، هذا بالنسبة الى شرائط الوجوب ، واما شرائط الواجب فيلزم تحصيلها فالوضوء مثلا يجب تحصيله ، اذ وجوب الصلاة ليس مشروطا بالوضوء بل هو مطلق وثابت حتى قبل الوضوء ، ومع ثبوته يكون محركا نحو تحصيله.

٣ ـ قرأنا ايضا ان الواجب اذا كان مقيدا بقيد غير اختياري فمن اللازم رجوع ذلك القيد الى الوجوب ايضا ، فصلاة الظهر مثلا ـ التي هي الواجب ـ مقيدة بالزوال ، وحيث ان الزوال قيد غير اختياري فمن اللازم رجوعه الى الوجوب ايضا ، فنفس صلاة الظهر مشروطة بالزوال ووجوبها مشروط به ايضا ، اذ لو لم يكن الوجوب مشروطا بالزوال لزم تعلق الوجوب بالصلاة المقيدة بالزوال وبالتالي يلزم تحريك الوجوب نحو تحصيل الصلاة والزوال ، وهو واضح البطلان ، اذ الزوال امر غير اختياري لا يمكن تعلق الوجوب به فلذا لا بدّ من

٣٤٤

تقيد اصل الوجوب به كي لا يكون ـ الوجوب ـ ثابتا قبله بل ثابتا على تقدير حصول الزوال اتفاقا وصدفة.

٤ ـ اوضحنا فيما سبق الفرق ين مصطلحي المتعلق والموضوع وقلنا : ان ما يدعو التكليف الى تحصيله يسمى بالمتعلق بينما الذي لا يدعو الى تحصيله يسمى بالموضوع ، فالحج يسمى بالمتعلق ، لان التكليف يدعو الى ايجاده بينما الاستطاعة والبلوغ والعقل تسمى بالموضوع لانه لا يدعو الى ايجادها بل هو يثبت متى ما حصلت صدفة واتفاقا. ويمكن ان نقول ان جميع شرائط الوجوب هي داخلة تحت مصطلح الموضوع لان الوجوب لا يدعو الى تحصيلها بل يثبت على تقدير حصولها صدفة. وعلى هذا فمن حقنا ابدال مصطلح الموضوع بمصطلح شرائط الوجوب (١).

وباتضاح هذا نعود الى البرهان ، وحاصله : ان قصد امتثال الامر مركب من جزئين هما :

أ ـ قصد الامتثال :

ب ـ وجود الامر ، فانه لا بدّ من وجود الامر كي يمكن تحقيق قصد الامتثال.

واذا كان قصد امتثال الامر مركبا من هذين الجزئين فيلزم من اخذ قصد الامتثال في متعلق الامر اخذ كلا الجزئين ، وحيث ان احد الجزئين هو وجود الامر فيلزم ان يكون المتعلق مقيدا بوجود الامر ، فالوجوب مثلا منصب على الصلاة المقيدة بقصد الامتثال ، والمقيدة ايضا بوجود الامر ، وحيث ان وجود

__________________

(١) ولكن ليس المقصود من هذا ان مصطلح الموضوع منحصر بشرائط الوجوب ، فان له مصاديق اخرى غير ذلك بل المقصود انه في خصوص هذا الموضع يراد من الموضوع شرائط الوجوب

٣٤٥

الامر ليس اختياريا ـ لانه ليس من فعل المكلف بل من فعل الشارع ـ فمن اللازم ان يكون قيدا في اصل الوجوب طبقا لما ذكرناه في المطلب الثالث وبالتالي يلزم ان يكون الامر بالصلاة مشروطا بوجود الامر بالصلاة وهو واضح الاستحالة ، فان ثبوت الامر لا يكون مشروطا بوجود نفسه ، هذا حاصل البرهان الثالث.

ويرده : كما هو مذكور في كلمات السيد الخوئى دام ظلّه (١) ـ : ان القيد غير الاختياري المتقيد به الواجب وان كان من اللازم اخذه في الموضوع ـ اي اخذه شرطا لاصل الوجوب ـ الا ان النكتة التي تستدعي اخذه في الموضوع ـ وهي ان القيد غير الاختياري كالزوال مثلا اذا لم يؤخذ شرطا لاصل الوجوب يلزم تحصيله وهو غير ممكن لكونه غير اختياري ـ لا تتم في مقامنا ، اذ القيد غير الاختياري في المقام هو وجود الامر ، ومثل هذا القيد لا يلزم اخذه شرطا في اصل الامر ، اذ لو لم يؤخذ فيه لا يلزم محذور وجوب تحصيله لانه يحصل بمجرد انشاء الوجوب ، فبمجرد انشاء الوجوب يكون الامر حاصلا ، ومع حصوله لا معنى لوجوب تحصيله لانه من قبيل وجوب تحصيل الحاصل ، وهذا بخلاف ما لو كان القيد غير الاختياري مثل الزوال فانه لا يتحقق بمجرد الامر بالصلاة ، فلو لم يكن الامر بالصلاة مشروطا بالزوال يلزم تحقق الوجوب قبل الزوال وبالتالي يلزم تحصيل الزوال والحال انه غير اختياري.

مختار السيد الشهيد :

والسيد الشهيد قدس‌سره في عبارة الكتاب لم يوضح مختاره وانه من القائلين بالاستحالة او من القائلين بالامكان ولكنه في تقرير درسه الشريف ذكر عدة ادلة دقيقة على الاستحالة وتبنى القول بالاستحالة فراجع مباحث الدليل

__________________

(١) راجع هامش اجود التقريرات ج ١ ص ١٠٦

٣٤٦

اللفظي ج ٢ ص ٨٩ ولكنه بعد ذلك وفي ص ٩٥ تراجع قائلا : ان الدقة الفلسفية ان كانت تقتضي الاستحالة بيد ان المولى العرفي الذي لم يدرس الفلسفة والاصول لا يعتقد بالاستحالة ويرى امكان التقييد ثبوتا ، والشارع المقدس وان كان دقيقا الا انه في مقام التشريع يتبع الطريق العرفي.

ثمرة البحث :

قوله ص ٣٦٤ س ١٠ وثمره هذا البحث ... الخ : ورب سائل يسأل عن ثمرة بحث الفرق الاساسي بين الواجب التعبدي والتوصلي وانه بلحاظ عالم الجعل والوجوب او بلحاظ عالم الملاك.

وقد ذكر الاعلام مجالين للثمرة احدهما في مجال الاصل اللفظي وثانيهما في مجال الاصل العملي (١).

المجال الأول للثمرة :

اما الاصل اللفظي ففي توضيحه نقول : لو فرض ان المولى امر بواجب معين كرد السلام مثلا وشك في كونه توصليا لا يلزم فيه قصد القربة او تعبديا يلزم فيه ذلك فهل يمكن التمسك بمثل اطلاق قوله تعالى : ( « واذا حييتم بتحية فحيوا باحسن منها » ) لاثبات انه توصلي بتقريب انه لو كان تعبديا يلزم فيه قصد القربة فمن اللازم تقييده وحيث لم يقيد دل ذلك على انه توصلي؟ ان الثمرة تظهر في هذا المجال اي في مجال صحة التمسك بالاطلاق وعدمه فانه لو قلنا بان الفارق بين التعبدي والتوصلي هو ان ذاك قد اخذ في متعلق امره قصد الامتثال وهذا لم يؤخذ

__________________

(١) المقصود من الاصل اللفظي هو مثل الاطلاق بينما المقصود من الاصل العملي هو مثل اصل البراءة

٣٤٧

فيه ذلك فالتمسك بالاطلاق وجيه ، واما اذا قلنا بان اخذ قصد الامتثال في متعلق الامر غير ممكن للبراهين السابقة وغيرها وان الفارق هو من حيث الملاك فالتعبدي يكون قصد الامتثال دخيلا في حصول ملاكه بخلاف التوصلي فانه لا يكون كذلك ، فبناء عليه لا يصح التمسك بالاطلاق لاثبات ان قصد الامتثال ليس دخيلا في الملاك ، ووجه ذلك : انه لا طريق للتعرف على حال الملاك الا متعلق الامر فان متعلق الامر اذا كان مطلقا كشف ذلك عن كون الملاك مطلقا وان قصد الامتثال غير دخيل فيه ، واذا كان مقيدا كشف ذلك عن كون الملاك مقيدا ، ولكن هذا الطريق في المقام غير ممكن اي لا يمكن التمسك باطلاق متعلق الامر لاستكشاف ان الملاك مطلق ولا يعتبر فيه قصد الامتثال حيث انه اما ان يكون المقصود من التمسك باطلاق متعلق الامر لاستكشاف اطلاق الملاك هو التمسك به بصورة مباشرة لاثبات اطلاق الملاك ، وهو واضح البطلان ، لان الامر ليس ناظرا ابتداء ومباشرة الى الملاك حتى يكون اطلاق متعلقه دالا على اطلاق الملاك ، او يكون المقصود التمسك به بصورة غير مباشرة بمعنى انه ابتداء يتمسك باطلاق الامر لاثبات اطلاق متعلقه ، فاذا ثبت اطلاق المتعلق جعل ذلك كاشفا عن اطلاق الملاك ، فاستكشاف اطلاق الملاك على هذا الاساس يتم عن طريق اطلاق متعلق الامر ، واطلاق متعلق الامر يثبت بواسطة اطلاق الدليل ، وهذا باطل ايضا فان اطلاق متعلق الامر انما يكشف عن اطلاق الملاك فيما اذا امكن تقييد متعلق الامر ولم يقيد بالفعل اما اذا لم يمكن تقييده للبراهين السابقة وغيرها حسب الفرض فاطلاقه لا يدل على اطلاق الملاك كما هو واضح.

المجال الثاني للثمرة :

واما فيما يخص المجال الثاني للثمرة وهو مجال الاصل العملي فتوضيحه هو

٣٤٨

انه لو فرض عدم امكان التمسك بالاطلاق اللفظي لسبب وآخر من قبيل عدم كون المولى في مقام البيان فالنوبة حينئذ تصل الى الاصل العملي ـ كما لو فرض ان قوله تعالى ( « واذا حييتم ... الخ » ) ليس في مقام البيان حتى يتمسك باطلاقه ـ والسؤال يقع عن الاصل العملي فهل يقتضي البراءة او الاشتغال؟ بناء على امكان اخذ قصد الامتثال في متعلق الوجوب يكون الشك في كون رد جواب السلام توصليا او تعبديا راجعا الى الشك في تعلق الوجوب بالأقل او الاكثر ، فان الوجوب اذا كان متعلقا بالرد من دون اضافة قصد الامتثال فهذا معناه التعلق بالاقل وان كان متعلقا بالرد مع قصد الامتثال فهذا معناه التعلق بالاكثر ، ومتى ما شك في متعلق التكليف وانه الاقل او الاكثر جرت البراءة عن تعلقه بالزائد فيقال ان تعلق الوجوب بالاقل اي باصل الرد متيقن وتعلقه بالزائد ـ وهو قصد الامتثال ـ مشكوك فتجري البراءة عنه. هذا لو قيل بامكان تعلق الوجوب بقصد الامتثال ، اما لو قيل بعدم امكانه وان قصد الامتثال ليس دخيلا في متعلق الوجوب بل هو دخيل في الملاك فلا تجري البراءة وانما يجري الاشتغال ، اذ تعلق الوجوب بقصد الامتثال ليس محتملا ومشكوكا حتى تجري البراءة عنه لفرض ان تعلق التكليف به مستحيل وانما يحتمل مدخليته في حصول الملاك. وبكلمة ثانية نحن نحتمل ان غرض المولى لا يحصل بمجرد الرد من دون قصد الامتثال فمع الرد من دون قصد الامتثال لا يتحقق الغرض وبالتالي يبقى الوجوب ولا يسقط ، وفي مثله يجري الاشتغال ويجب الاتيان بقصد الامتثال ، لان الشك ليس في تعلق الوجوب بقصد الامتثال لتجري البراءة عنه لما قد فرضنا من عدم امكان ذلك ، وانما الشك في سقوط الوجوب ، فالوجوب يعلم بتعلقه بالرد فقط ولكن يشك في سقوطه بدون ضم قصد الامتثال لاحتمال عدم حصول الغرض بمجرد الرد ،

٣٤٩

والعقل في موارد الشك في سقوط التكليف يحكم بالاشتغال ، وان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقينى وانما يحكم بالبراءة في موارد الشك في تعلق الوجوب.

وباختصار : بناء على امكان تعلق التكليف بقصد الامتثال يكون الاصل مقتضيا للبراءة عن وجوب قصد الامتثال بينما بناء على عدم الامكان يكون مقتضيا للاشتغال.

قوله ص ٣٥٩ س ٨ قيدا او جزء : القيد هو الشرط ، فان الوجوب تارة يكون متعلقا بالصلاة فقط فيكون قصد الامتثال حينئذ شرطا للمتعلق ، واخرى يكون متعلقا بالصلاة وبقصد الامتثال فيكون جزء.

قوله ص ٣٦٠ س ١١ والوجوب : عطف تفسير على « الامر ».

قوله ص ٣٦٠ س ١١ معرض : الصواب : معروض.

قوله ص ٣٦٠ س ١٥ وتصور مفهومه : عطف تفسير على « عنوانه ».

قوله ص ٣٦١ س ١ دهن : الصواب : ذهن.

قوله ص ٣٦١ س ٧ فقد عرفنا سابقا : اي في الحلقة الاولى ص ١٥٧.

قوله ص ٣٦١ س ١١ بينما وجوده متفرع على الوجوب : اي والحال ان وجود قصد الامتثال متفرع على الوجوب.

قوله ص ٣٦٢ س ٨ فلا يمكن للمكلف ان يقصد الامتثال بذات الفعل : اي بل لا بدّ وان يقصد الامتثال بالفعل المقيد بقصد الامتثال ، وهذا مضافا الى انه لا يقول به فقيه يلزم منه تعلق قصد الامتثال بقصد الامتثال ، اي لازمه تعلق الشيء بنفسه ومحركية الشيء نحو محركية نفسه وهو باطل.

قوله ص ٣٦٢ س ٩ وان شئت قلت : هذا ليس بيانا ثالثا بل هو نفس البيان

٣٥٠

الثاني بعبارة اخرى ولذا في مقام الجواب ذكر قدس‌سره جوابا عن البيان الاول والثاني دون الثالث.

قوله ص ٣٦٣ س ٩ فلا بدّ من اخذه قيدا في موضوع الوجوب : كما تقدم ذلك في هذه الحلقة ص ٣٣٧ ، ويمكن ابدال تعبير « موضوع الوجوب » بتعبير « شرط الوجوب » ، اي لا بدّ من اخذه شرطا للوجوب ايضا.

قوله ص ٣٦٣ س ١١ في الحلقة السابقة : في ص ٢٦٥.

قوله ص ٣٦٣ س ١١ وقد يعترض عليه : اي وقد يجاب عن هذا البرهان.

قوله ص ٣٦٣ س ١٤ وهو يساوق التحريك نحو القيد : حيث ان المقيد عبارة عن مجموع ثلاثة اشياء : ذات المقيد والتقييد والقيد ، فالتحريك نحو المقيد تحريك الى مجموع هذه الثلاثة التي احدها القيد.

قوله ص ٣٦٣ س ١٦ وفي هذه الحال : اي في حالة اخذ القيد في الموضوع ، وبتعبير ثان : في حالة اخذه شرطا في الوجوب لا يكون الوجوب محركا نحو القيد اذ المفروض حدوث الوجوب بعد حصول القيد بل يكون محركا نحو ذات المقيد ـ اي نحو الاتيان بالصلاة مثلا ـ ونحو التقييد ، اي نحو الاتيان بصلاة الظهر مثلا بعد الزوال وعدم تأخيرها الى ما بعد الغروب.

قوله ص ٣٦٤ س ٥ لانه موجود بنفس وجوده : اي بنفس وجود هذا الجعل.

قوله ص ٣٦٥ س ٨ وقد تذكر ثمرة اخرى : ولكنه قدّس سره لا يرتضيها ، ولذا عبر بقوله « وقد تذكر ... الخ » باعتبار ان الشك في سقوط الوجوب انما يجري فيه الاشتغال فيما اذا كان احتمال عدم السقوط ناشئا من ناحية احتمال يرجع الى العبد كما اذا احتمل المكلف انه لم يأت بالصلاة مثلا ، واما اذا كان احتمال عدم

٣٥١

السقوط ناشئا من امر يرجع الى المولى بحيث يكون عليه بيانه فهنا لا يحكم العقل بالاشتغال بل بالبراءة ، ومقامنا من القبيل الثاني حيث ان احتمال عدم سقوط الوجوب ناشيء من احتمال دخالة قصد الامتثال في الملاك ومثل هذا يجب على المولى بيانه ، اذ دخالة قصد الامتثال في الملاك وعدمها امر يرجع الى المولى وعليه بيانه ، وقد اشار قدّس سره لهذا المطلب في مباحث الدليل اللفظي ج ٢ س ١٠٦.

قوله ص ٣٦٥ س ٩ وعدم الدليل : اي وعدم امكان التمسك بالاطلاق اللفظي من جهة عدم كون المولى في مقام البيان مثلا ، اذ مع امكان التمسك به لا تصل المرحلة الى الاصل العملي.

قوله ص ٣٦٥ س ١٢ ومجرى لاصالة الاشتغال : عطف على كلمة « مجرى » السابقة قبل ثلاثة أسطر.

٣٥٢

حقيقة الوجوب التخييري

٣٥٣
٣٥٤

التخيير في الواجب :

قوله ص ٣٦٦ س ١ التخيير تارة يكون عقليا ... الخ :

نعرف ان الواجب ينقسم الى : تعييني وتخييري ، والتعييني هو مثل وجوب الصلاة حيث ان الوجوب متعلق بخصوص الصلاة وليس لها بديل ، والتخييري هو مثل كفارة شهر رمضان فانها مخيرة بين الاطعام والصوم والعتق ، وهذا شيء واضح. والذي نريد ان نقوله هنا هو ان الاصوليين قسموا الواجب التخييري الى قسمين : واجب مخيّر بالتخيير الشرعي وواجب مخيّر بالتخيير العقلي. والفرق بين القسمين هو ان المولى تارة يفرض تصديه بنفسه للتخيير وذكر البدائل مقرونة بكلمة « اما وأو » كأن يقول : ان افطرت فاما ان تطعم او تصوم او تعتق ، ومثل هذا التخيير شرعي ، واخرى لا يتصدى بنفسه لذلك بل يتصدى فقط لتوجيه الحكم الى الشيء الكلي ، كما لو قال : ان افطرت فاطعم ستين فقيرا بدون تشخيص الفقراء ولا نوعية الطعام ، فان التكليف هنا متوجه الى كلي الفقراء وكلي الطعام من دون تصد لتعيين المصاديق ، وفي مثله يحكم العقل بالتخيير بين افراد الطعام وافراد الفقراء ويقول ما دام المولى لم يشخّص الافراد فانت مخير بين اطعام هذه المجموعة من الستين او تلك ، وهكذا يقول بالنسبة الى الطعام. ان مثل هذا التخيير يسمى بالتخيير العقلي لحكومة العقل بالتخيير بين الافراد دون الشارع بخلافه في التخيير الشرعي فان الحاكم به هو الشارع.

ولم يقع بين الاصوليين اختلاف في حدود هذا المقدار من الفرق وانما وقع

٣٥٥

الاختلاف بينهم في الفرق بين حقيقة التخيير الشرعي وحقيقة التخيير العقلي ، فهل حقيقة الوجوبين واحدة والفارق بينهما لا يعدو المقدار الذي ذكرناه او ان هناك فارقا بين الحقيقتين اضافة الى الفارق المتقدم. وفي هذا المجال وجدت عدة اتجاهات نذكر منها ثلاثة هي :

١ ـ ان حقيقة الوجوب في التخييرين مختلفة ، فحقيقة الوجوب في التخيير العقلي تغاير حقيقة الوجوب في التخيير الشرعي ، فانه في التخيير العقلي يكون الوجوب واحدا لا متعددا ويكون متعلقا بالجامع فحينما يقال : اطعم ستين فقيرا يكون الوجوب واحدا ومتعلقا بكلي اطعام الستين لا باطعام هذه الستين او تلك ، واما في التخيير الشرعي فالوجوب متعدد بعدد البدائل ويكون تعلقه بكل واحد مشروطا بعدم الاتيان بالباقي ، فحينما يقال مثلا ان افطرت فاطعم او صم او اعتق فالبدائل ثلاثة ، وبعددها يتعدد الوجوب بنحو مشروط ، فالاطعام واجب مشروطا بعدم الاتيان بالصوم والعتق ، وهكذا العتق واجب بشرط عدم الاتيان بعدليه.

ويرده : ما تقدم في الحلقة السابقة من ان لهذا الاتجاه لوازم لا يمكن الالتزام بها من جملتها تعدد العقاب ، فان التخيير الشرعي اذا كان يرجع الى وجوبات متعددة مشروطة فلازمه استحقاق المكلف عند تركه لجميع البدائل لثلاث عقوبات لان وجوب العتق فعلي باعتبار انه مشروط بترك عدليه والمفروض تحقق الشرط فيلزم صيرورة المشروط ـ الوجوب ـ فعليا وبما انه لم يمتثل فيلزم استحقاق العقاب على مخالفته ، وهكذا الحال بالنسبة الى وجوب الاطعام والصيام فهو فعلي لنفس النكتة ، ومن الواضح ان تعدد استحقاق العقوبة مما لا يلتزم به فقيه.

٣٥٦

٢ ـ ان حقيقة الوجوب في كلا التخييرين واحدة ، فالوجوب في التخيير العقلي واحد ومتعلق بالكلي الجامع ، وهكذا الحال في التخيير الشرعي ، فان الوجوب فيه واحد متعلق بالجامع ، فحينما يقال ان افطرت فصم او اطعم او اعتق يكون الوجوب واحدا متعلقا بالجامع وهو عنوان « احدها » وكأنه قيل ان افطرت وجب عليك احد الامور الثلاثة.

وقد تسأل عن نكتة جعل الوجوب في التخيير الشرعي واحدا متعلقا بالجامع والحال ان ظاهر الدليل تعدد الوجوب بعدد الافراد. ان نكتة ذلك احد امرين هما :

أ ـ نفس النكتة التي ذكرت في الاتجاه الاول ، فانه في الاتجاه الاول ذكر ان الالتزام بالوجوبات المتعددة المشروطة يلزم منه تعدد العقاب الذي لا يلتزم به فقيه ، وهذه النكتة بنفسها تقتضي في هذا الاتجاه القول بان التخيير الشرعي يرجع الى وجوب واحد متعلق بالكلي الجامع ولا يرجع الى وجوبات مشروطة بعدد الافراد.

ب ـ التمسك بقاعدة « الواحد لا يصدر الا من واحد » فيقال ان الغرض في التخيير الشرعي واحد وليس متعددا ، ففي قول المولى ان افطرت فصم او اطعم او اعتق يكون الغرض واحدا ، اذ لو كان متعددا بان كان للصوم غرض ومصلحة مستقلة وهكذا لعدليه لزم ان يوجه المولى الوجوب لجميعها بان يقول يجب تحصيل العتق والصوم والاطعام جميعا لفرض تواجد المصلحة المستقلة في كل واحد ، اذن الغرض واحد ولكنه يحصل باي واحد من الافراد الثلاثة ، وما دام واحدا لزم ان يكون المؤثر والموجد له واحدا وهو الجامع بين الافراد الثلاثة لا كل واحد من الثلاثة لئلا يلزم صدور الغرض الواحد من الافراد الكثيرة الذي

٣٥٧

هو مستحيل ، وما دام الموجد للغرض الواحد هو الجامع يلزم تعلق الوجوب به لا بالافراد لعدم كونها موجدة للغرض.

٣ ـ ان حقيقة الوجوب في كلا التخييرين واحدة ـ كما يقوله الاتجاه الثاني ـ فالوجوب واحد ومتعلق بالجامع دون الافراد غاية الامر ان هذا الاتجاه يقول بان الوجوب الواحد المتعلق بالجامع يسري الى الافراد فيتعلق الوجوب بكل واحد من الافراد بنحو مشروط ، وهذا بلا فرق بين كون التخيير عقليا او شرعيا بينما اصحاب الاتجاه الثاني لم يقولوا بهذه السراية بل بوقوف الوجوب على الجامع (١).

ان قلت : ان هذا الاتجاه اذا كان يقول بسراية الوجوب الى الافراد فلازمه تعدد العقاب عند ترك جميع الافراد الثلاثة ، وهذا ما لا يمكن الالتزام به.

قلت : ان هذه الوجوبات الثلاثة ما دامت ترجع في حقيقتها وروحها الى ذلك الوجوب الواحد المتعلق بالجامع فلا يلزم من عصيانها الا استحقاق عقوبة واحدة.

ثم انه تقدم عدم سراية الوجوب على الاتجاه الثاني من الجامع الى الافراد بل يبقى واقفا على الجامع ، ومعه يكون معروض الوجوب ومركزه هو الجامع دون الافراد ، اذ الافراد لم يسر اليها الوجوب حتى تكون معروضة له وانما هي

__________________

(١) من خلال هذا يتضح ان بين الاتجاه الثاني والثالث نقطة اشتراك ونقطة اختلاف. اما نقطة الاشتراك فهي ان كلا الاتجاهين يقول بان الوجوب في كلا التخييرين متعلق بالجامع. ونقطة الاختلاف هي ان الاتجاه الثاني لا يقول بسراية الوجوب من الجامع الى الافراد بينما الاتجاه الثالث يقول بذلك. وعلى ضوء هذا الاختلاف يمكن ان نذكر نقطة اختلاف اخرى وهي ان الاتجاه الثاني ارجع التخيير الشرعي الى العقلي بينما الاتجاه الثالث عكس الامر وارجع التخيير العقلي الى الشرعي حيث جعل الوجوب المتعلق بالجامع ساريا الى الافراد بنحو مشروط

٣٥٨

مصداق لمعروض الوجوب كما هو الحال في زيد وعمرو وبكر فانهم ليسوا معروضا للنوعية ، بل معروضها هو الانسان فالانسان نوع دون زيد وعمرو وبكر وانما هم مصاديق للانسان الذي هو معروض النوعية وليسوا بانفسهم المعروض لها.

ثم تعرض قدس‌سره بعد ذلك الى اشكال ودفع. اما الاشكال فحاصله : ان اصحاب الاتجاه الثالث يقولون بسراية الوجوب من الجامع الى الافراد ، وهذه السراية غير معقولة لان الوجوب اذا وجه الى الجامع فكيف يسري الى الافراد؟ ان هذه السراية اما ان تحصل بنحو اتوماتيكي ومن دون ان يسرّي الشارع الوجوب من الجامع الى الافراد او تحصل من نفس الشارع بان يقوم هو بتسرية الوجوب من الجامع الى الافراد ، وكلا الاحتمالين باطل.

اما الاول فلأن الشارع اذا وجّه الوجوب الى الجامع فلا يمكن ان ينتقل الى غير محله ويتحرك عنه بلا محرك.

واما الثاني فلأن الشارع اذا وجّه الوجوب الى الجامع يكون توجيهه ثانية الى الافراد لغوا ، فانه لا معنى لوجوب الجامع والافراد معا بل لا بدّ اما من وجوب الجامع فقط او وجوب الافراد فقط ، هذا بالنسبة الى الاشكال.

واما بالنسبة الى الدفع فيمكن اختيار الشق الاول والقول بان الوجوب يسري بنفسه من الجامع الى الافراد من دون تسرية من الشارع بتقريب : ان الذي يسري ليس هو الوجوب نفسه حتى يقال كيف يسري بنفسه وانما الذي يسري هو الشوق والحب فالشوق المتعلق بالجامع يسري الى افراده سريانا مشروطا. وهذا وان لم يمكن اقامة البرهان عليه الا انه وجداني فالوجدان قاض بان كل من احب شيئا كليا فقد احب افراده حبا مشروطا ، فمن احب شراء دار لها

٣٥٩

افراد متعددة يشعر بالوجدان بحبه لشراء الدار الاولى ان لم يتمكن من شراء بقية الدور ويحب شراء الثانية ان لم يتمكن من شراء غيرها وهكذا. اذن المدعى سريانه هو الحب والشوق دون نفس الوجوب ، ومحذور اللغوية غير لازم ، فان اللغوية تلزم لو فرض ان الساري هو الوجوب نفسه وكانت التسرية بفعل الشارع اما اذا فرض ان الساري هو الحب والشوق ـ المعبّر عنهما بالمبادىء التكوينية للوجوب ـ فلا يلزم ذلك.

ثمرة الاختلاف في حقيقة التخيير

قد تسأل عن ثمرة الاختلاف بين الاتجاهات الثلاثة السابقة ، فهل النزاع علمي فقط او له ثمرة عملية؟ يمكن ان نذكر لذلك ثمرتين :

١ ـ سيأتي في مبحث اجتماع الامر والنهي ص ٣٩٨ من الحلقة ان بامكان المولى صبّ الوجوب على الكلي وتوجيه النهي في نفس الوقت الى بعض حصصه كأن يقول تجب الصلاة ولا تصل في الحمام ، ان الوجوب متوجه الى طبيعي الصلاة والنهي الى حصة خاصة وهي الصلاة في الحمام ، ربما يقال ان هذا غير ممكن ، لان الوجوب اذا توجه الى طبيعي الصلاة فلازمه وجوب جميع حصصه التي احدها الصلاة في الحمام ، وحيث انها منهي عنها فيلزم اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد.

ان تحقيق حال هذه المسألة يرتبط بهذه الاتجاهات فان بني على ان الوجوب التخييري يسري (١) من الجامع الى الافراد فالمثال المذكور لا يكون ممكنا لان الوجوب المتوجه الى جامع الصلاة يسري الى جميع الافراد التي منها الصلاة في الحمام وحيث انها منهي عنها فيلزم اجتماع الامر والنهي في شيء

__________________

(١) بمعنى سراية الحب ، والمقصود من اجتماع الامر والنهي اجتماع الحب والبغض

٣٦٠