الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

يكن ممكنا لزم عدم امكان الواجب المعلّق.

وتوضيح ذلك : ان وجوب الصوم اذا كان ثابتا قبل طلوع الفجر فنحن نسأل : هل طلوع الفجر قيد للواجب فقط ـ اي قيد للصوم فقط ـ او هو قيد له وللوجوب ايضا.

فان كان قيدا للواجب فقط لزم المكلّف تحصيل طلوع الفجر لانه تقدم ص ٣٣٦ من الحلقة ان المكلّف يلزمه تحصيل قيود الواجب التي تسمى بالمقدمات الوجودية ، فاذا كان طلوع الفجر قيدا للصوم يلزم تحصيله وهو باطل لعدم كونه اختياريا.

وان كان قيدا للوجوب ايضا لزم ان يكون الوجوب حادثا عند طلوع الفجر وقبله لا وجوب وهو باطل لان المفروض في الواجب المعلق تقدم الوجوب على طلوع الفجر.

وينبغي ان نستدرك ونقول ان هذا المحذور يتم فيما لو كان طلوع الفجر قيدا لوجوب الصوم بنحو الشرط المقارن بمعنى ان الوجوب يحدث مقارنا لطلوع الفجر فاذا طلع الفجر فمقارنا له يحدث الوجوب ، اما اذا فرضنا ان طلوع الفجر قيد للوجوب بنحو الشرط المتأخر فلا يتم المحذور ، وذلك بان نفترض ان طلوع الفجر حينما يحدث يكون موجبا لحدوث وجوب الصوم من حين رؤية الهلال ، انه بناء على هذه الفرضية لا يرد الاشكالان السابقان اي اشكال لزوم تحصيل طلوع الفجر واشكال لزوم حدوث وجوب الصوم عند طلوع الفجر (١). ومن هنا صح

__________________

(١) وهكذا يقال في بقية الشرائط غير طلوع الفجر كبقاء الصحة والقدرة والعقل الى زمان الواجب اي الى طلوع الفجر ، فان وجوب الصوم من حين رؤية الهلال لا يثبت الا اذا كان المكلّف عاقلا وصحيحا وقادرا حين طلوع الفجر والا فكيف يثبت على من هو مجنون او مريض او غير قادر حين طلوع الفجر ، ومعه فمن اللازم ان يكون ثبوت الوجوب من حين ـ

٣٠١

لصاحب هذا الاعتراض الثالث ان يقول ان فكرة الواجب المعلق تبتني على امكان فكرة الشرط المتأخر ، ولهذا نجد ان الميرزا حيث انكر امكان الشرط المتأخر انكر تبعا لذلك فكرة الواجب المعلق.

قوله ص ٣٤٣ س ٧ بالوجوب المعلق : في العبارة شيء من الايهام ، حيث توهم ان نفس الوجوب معلق مع ان الوجوب ليس معلقا وانما الواجب معلق فكان من المناسب ان يقال : الواجب بهذا النحو من الوجوب سمي بالواجب المعلق ... الخ.

قوله ص ٣٤٣ س ١٣ ما دام وجوبا معطلا : اي ما دام الوجوب وجوبا معطلا عن الامتثال.

قوله ص ٣٤٣ س ١٤ او ليس ذلك لغوا : هذا استفهام تقريري ، اي ان جعل مثل هذا الوجوب لغو.

قوله ص ٣٤٤ س ٩ ولفعلية الوجوب ... الخ : الواو استينافية ، اي ان ثبوت الوجوب الفعلي من حين طلوع الهلال فيه فوائد كحل مشكلة المقدمات المفوتة بالبيان المتقدم سابقا.

قوله ص ٣٤٥ س ١ اي انه : اي ان الوجوب حكم قابل لبعث المكلّف وتحريكه.

قوله ص ٣٤٥ س ٤ ومن الواضح ... الخ : كان من المناسب ان لا يوضع هذا رأس السطر لاتصاله بسابقه ، اي ومن الواضح انه في فترة ما قبل طلوع الفجر لا قابلية لتحرك المكلّف نحو الصوم فلا قابلية للتحريك ، وبانتفاء قابلية

__________________

ـ رؤية الهلال مشروطا بالصحة والعقل والقدرة حين طلوع الفجر بنحو الشرط المتأخر ولا يمكن ان تكون شرطا مقارنا كما ولا يمكن ان تكون شرطا للواجب من دون ان تكون شرطا للوجوب لنفس البيان السابق

٣٠٢

التحريك يكون الوجوب منتفيا.

قوله ص ٣٤٥ س ٦ في عالم الحكم : اي ان الوجوب لو لاحظناه بما هو حكم فهو ليس الا اعتبارا لا اكثر.

قوله ص ٣٤٥ س ١٠ اعداده : اي اعداد الحكم.

قوله ص ٣٤٥ س ١٢ كذلك : اي محركا شأنيا.

قوله ص ٣٤٥ س ١٥ لما تقدم : اي ص ٣٣٦ من الحلقة.

قوله ص ٣٤٦ س ٦ والشيء نفسه نقوله عن القدرة : اي كما ان طلوع الفجر فيه شقوق ثلاثة والصحيح منها هو الشق الاخير كذلك الحال في القدرة والصحة والعقل عند طلوع الفجر ، فان فيها الشقوق المذكورة والصحيح منها هو الاخير ، اي هي شرط للوجوب بنحو الشرط المتأخر.

قوله ص ٣٤٦ س ٨ ومن هنا كنا نقول في الحلقة السابقة : بل وفي هذه الحلقة ايضا ص ٣٤١.

قوله ص ٣٤٦ س ٩ المتعلق : الصواب : المعلق. ثم ان المناسب التعبير بالواجب المعلق لا الوجوب المعلق ، اذ المعلق هو الواجب دون الوجوب.

قوله ص ٣٤٦ س ١١ فتأتي الاشارة اليها : اي في البحث المقبل ص ٣٤٧ من الحلقة حيث تحل بواسطة الواجب المعلق مشكلة المقدمات المفوتة.

٣٠٣
٣٠٤

المقدمات المفوتة

٣٠٥
٣٠٦

المسؤولية عن المقدمات قبل الوقت :

قوله ص ٣٤٧ س ١ اتضح مما تقدم ... الخ : هذا هو المبحث المعروف بمبحث المقدمات المفوتة. ونمنهج ذلك ضمن النقاط التالية :

١ ـ تقدم ص ٣٣٦ من الحلقة ان المقدمات اذا كانت مقدمات وجودية فيلزم على المكلّف تحصيلها. كما وعرفنا ان تحصيلها يجب بعد صيرورة وجوب ذي المقدمة فعليا ، فمثلا الوضوء الذي هو من المقدمات الوجودية للصلاة يجب على المكلّف تحصيله بعد دخول وقت الصلاة ، اذ قبل ذلك لا وجوب فعلي للصلاة لكي يجب.

٢ ـ واذا لم يكن الوضوء واجبا قبل دخول الوقت طرحنا هذا السؤال : لو فرض ان المكلّف كان واجدا للماء قبل دخول الوقت وكان يعلم بتعذّر تحصيله بعد دخول الوقت فهل يلزمه الوضوء قبل دخول الوقت؟ وهل يجوز له اراقة الماء قبل دخوله الوقت؟ كلا لا يلزمه الوضوء قبل الوقت كما ويجوز له اراقته قبل دخول الوقت (١) ، اذ قبل دخول الوقت لا تكليف بالصلاة ليجب الوضوء وبالتالي لتحرم الاراقة. واذا جازت الاراقة قبل الوقت فمتى ما حل وقت الصلاة فلا يخاطب المكلّف بوجوب الصلاة الوضوئية ، اذ المفروض كونه عاجزا عن ذلك وانما يخاطب بالصلاة مع التيمم. اجل لو فرض ان المكلّف توضأ قبل الوقت فوضوءه هذا وان لم يكن واجبا ولكن متى ما حل الوقت توجه الخطاب بالصلاة

__________________

(١) اما بعد دخول الوقت فلا تجوز الاراقة لصيرورة وجوب الصلاة والوضوء فعليا

٣٠٧

الوضوئية لفرض القدرة عليها. اذن مع الاتيان بالوضوء قبل الوقت يتوجه بعد دخول الوقت الامر بالصلاة الوضوئية ومع عدم الاتيان به قبل الوقت فلا يمكن توجيه الامر بالصلاة الوضوئية. ومن هنا صح ان نطلق على الاتيان بالوضوء قبل الوقت بأنه مقدمة وجوبية للامر بالصلاة الوضوئية بعد دخول الوقت ، فكما ان الاستطاعة مقدمة وجوبية للامر بالحج بمعنى انه لا يجب تحصيلها ولكن لو حصلت صدفة توجه وجوب الحج كذلك الحال في الاتيان بالوضوء قبل الوقت فانه ليس بواجب على المكلّف ولكن لو حصل صدفة توجه الامر بالصلاة الوضوئية الى المكلّف بعد دخول الوقت.

ويمكن ان نصطلح على الوضوء في الحالة المذكورة بانه مقدمة مفوتة ، اي اذا لم يؤت به قبل الوقت فات الواجب وهو الصلاة الوضوئية. ونؤكد اننا لا نريد بهذا صحة الاطلاق المذكور في جميع الحالات بل في خصوص الحالة المتقدمة اي حالة ما اذا كان عدم الاتيان بالوضوء قبل الوقت موجبا لعجز المكلّف عن الصلاة الوضوئية بعد دخول الوقت.

٣ ـ ان بحث المقدمات المفوتة لم يعقد للبحث عن الوضوء في الحالة المذكورة التي يصطلح عليه فيها بالمقدمة المفوتة وانما عقد للبحث عن المقدمة التي تكون هذه الحالة هي الطابع العام لها اي للمقدمة التي صفتها الدائمية انه اذا لم يؤت بها قبل الوقت فات الواجب. ومثال ذلك : الغسل قبل الفجر في شهر رمضان فانه متى ما ترك فات الصوم ، وهكذا السفر الى الحج فانه واجب قبل وقت الحج ـ الذي هو اليوم التاسع من ذي الحجة ـ ومن ترك السفر قبل وقت الحج فلا يمكنه الاتيان بالحج. وعليه فالطابع العام للغسل والسفر ان المكلّف متى ما تركهما قبل الوقت فات عليه الواجب وليس هذا طابعا لهما في بعض الحالات دون بعض.

٣٠٨

والاصوليون واجهوا مشكلة في مثل هذه المقدمات حاصلها : كيف يجب الغسل قبل الفجر مع انه لا وجوب للصوم ذلك الحين حتى يجب الغسل فان وجوب الغسل وجوب غيري مترشح من الوجوب النفسي وليس نفسيا (١).

ومن اجل حلّ هذه المشكلة تولدت فكرة الواجب المعلق في ذهن صاحب الفصول.

والحلول المطروحة لحل هذه الشبهة متعددة نذكر منها ثلاثة :

١ ـ تقدم ص ٣٢٩ من الحلقة ان الشيخ الأعظم انكر الواجب المشروط بتفسيره السائد بين الاصوليين ، فانهم فسروه بالواجب الذي يكون نفس وجوبه مشروطا ببعض الشروط كالحج فان نفس وجوبه مشروط بالاستطاعة وهو قدس‌سره انكر التفسير المذكور لاعتقاده باستحالة تقيد الوجوب ـ باعتبار ان الوجوب مفاد الهيئة ، ومفاد الهيئة معنى حرفي ، والمعنى الحرفي جزئي ، والجزئي لا يقبل التقييد ـ واختار ان الوجوب مطلق وفعلي دائما والقيود ترجع الى الواجب ، ففي مثال الصوم يكون الوجوب ثابتا قبل طلوع الفجر والتقييد بالطلوع راجع الى الصوم لا الى وجوبه ، واذا قبلنا تحقق الوجوب قبل الطلوع كان اتصاف الغسل بالوجوب قبل الفجر على طبق القاعدة ومن دون اشكال.

وفيه : انه مبني على استحالة الواجب المشروط بالمعنى المشهور ، وهي غير مسلمة كما مرّ ص ٣٢٩ من الحلقة حيث تقدم ان تقيد نفس الوجوب امر معقول.

٢ ـ واذا بنينا على عدم استحالة الواجب المشروط بتفسيره المشهور نكون بحاجة الى حل آخر لدفع المشكلة وهو يتمثل في فكرة الواجب المعلق بان نقول :

__________________

(١) اذ لو كان نفسيا وجب الاغتسال على من لا يجب عليه الصوم كالحائض مثلا مع انه لا يجب عليها جزما

٣٠٩

ان الدليل بعد ان دل على اتصاف الغسل بالوجوب قبل طلوع الفجر كان ذلك كاشفا عن سبق وجوب الصوم وتقدمه على الطلوع فزمان الصوم وان كان يبتدأ من حين الطلوع الا ان وجوبه يبتدأ قبل ذلك بدليل اتصاف الغسل قبل الفجر بالوجوب ، وهذا هو معنى الواجب المعلق ، فان معناه ان الوجوب للصوم ثابت قبل طلوع الفجر وان كان زمان نفس الصوم يبتدأ عند طلوع الفجر.

٣ ـ لو انكرنا فكرة الواجب المعلق كما انكرها الميرزا فبالامكان حل المشكلة عن طريق آخر بان نقول : ان القدرة ـ كما عرفنا في ابحاث سابقة ـ هي دخيلة في ثبوت الوجوب وفي العقوبة جزما ولكن بالنسبة الى الملاك لا يتحتم ان تكون دخيلة فيه بل ربما تكون دخيلة فيه بحيث لا تكون المصلحة في الصوم مثلا ثابتة عند عدم القدرة ـ وتسمى القدرة حينئذ بالقدرة الشرعية ـ وربما لا تكون دخيلة فيه بان يكون الملاك ثابتا حالة العجز وعدم القدرة ايضا ، وتسمى القدرة حينئذ بالقدرة العقلية.

وباتضاح هذا نقول : ان الدليل الشرعي اذا دل على ثبوت وجوب الغسل قبل طلوع الفجر كان ذلك كاشفا عن كون القدرة قدرة عقلية ، وبتعبير آخر يكون كاشفا عن ثبوت ملاك الصوم في حق غير القادر ايضا ، ومعه فيكون ثبوت وجوب الغسل قبل طلوع الفجر على مقتضى القاعدة ، اذ لو لم يأت المكلّف بالغسل قبل الفجر فات عليه الصوم ، وبفواته يفوت الملاك الثابت في حقه.

ثم تعرضت عبارة الكتاب بعد ذلك الى انه لو فرضنا العكس فالامر يكون بالعكس ، اي لو لم يدل دليل على وجوب المقدمة قبل دخول الوقت ولكن دل على ان الملاك ثابت في حق العاجز ايضا ففي مثله نحكم بان المقدمة واجبة قبل دخول الوقت ، فانه ما دام قد دل الدليل على ثبوت الملاك في حق العاجز ايضا

٣١٠

فلا بدّ من الحكم بوجوب المقدمة قبل دخول الوقت

ثم تعرضت عبارة الكتاب الى مطلب ثالث وهو انه هل يمكن ان يستفاد من دليل وجوب ذي المقدمة ثبوت ملاك الواجب في حق العاجز ايضا او لا؟ فدليل وجوب الصوم مثلا هل يمكن ان يستفاد منه ان مصلحة الصوم ثابتة في حق العاجز ايضا او لا؟ والجواب بالنفي ، اي لا يمكن ان يستفاد اطلاق الملاك من دليل وجوب الصوم مثلا بل ذلك يحتاج الى قيام دليل خاص ، اذ دليل وجوب الصوم يدل بالمطابقة على وجوب الصوم وبالالتزام على ان في الصوم مصلحة ، وحيث ان المدلول المطابقي وهو وجوب الصوم مقيد بالقدرة وغير ثابت في حق العاجز فلا يمكن بعد هذا الجزم بثبوت الملاك في حق العاجز ، لان المدلول المطابقي اذا سقط عن الحجية في حق العاجز سقط المدلول الالتزامي عنها ايضا.

قوله ص ٣٤٧ س ٣ ان الواجب اذا كان له زمن متأخر : كالصلاة التي زمانها ما بعد الزوال ، وهي تتوقف على الوضوء الذي فرضنا عدم امكان الاتيان به بعد الزوال.

قوله ص ٣٤٧ س ٥ في حينها : اي في وقتها المقرر وهو ما بعد الزوال مثلا.

قوله ص ٣٤٨ س ٦ وفعليته في حينه : عطف تفسير على « الوجوب ».

قوله ص ٣٤٨ س ٩ من هذا القبيل : اي يفوت الواجب لو لم يؤت بها قبل الوقت.

قوله ص ٣٤٨ س ١٢ من قبل : بكسر القاف وفتح الباء ، اي ان وجوب السفر ليس نفسيا وانما هو ناشىء من وجوب الحج. وهكذا قوله في السطر الثاني : « من قبل وجوب الصيام » يراد به الاشارة الى ان وجوب الغسل وجوب غيري ناشىء من وجوب الصوم وليس وجوبا نفسيا.

٣١١

قوله ص ٣٤٨ س ١٥ وفي تحديد الضوابط ... الخ : وقد اتضح ان الضوابط التي على ضوئها تجب المقدمة المفوتة هي اما انكار الواجب المشروط بتفسيره المشهور والاخذ بتفسير الشيخ ، او التسليم بالواجب المعلق ، او كون ملاك الواجب مطلقا وثابتا في حق العاجز ايضا.

قوله ص ٣٤٩ س ٦ يعني من الناحية العملية : اي ان الثمرة العملية لانكار الواجب المشروط بتفسيره المشهور هو وجوب المقدمات المفوتة قبل الوقت.

قوله ص ٣٤٩ س ١٠ الذي تقدم : صفة لما في تقريرات الشيخ الانصاري او لقوله الوجوب المشروط.

قوله ص ٣٤٩ س ١٤ من قبل : بكسر القاف وفتح الباء ، اي ان وجوب المقدمة المفوتة اذا كان وجوبا غيريا ناشئا من قبل وجوب ذي المقدمة استكشفنا من ذلك ان الواجب معلق.

قوله ص ٣٤٩ س ١٥ الوجوب معلق : المناسب : الواجب معلق.

قوله ص ٣٥٠ س ١ فحكم : الصواب : نحكم.

قوله ص ٣٥٠ س ١٥ كما انه في كل حالة ... الخ : الى هنا انتهى التفسير الثالث ، وهذا اشارة الى مطلب جانبي اوضحناه في الشرح.

قوله ص ٣٥٠ س ١٦ كذلك : اي غير دخيلة في الملاك.

٣١٢

اخذ العلم

في موضوع الحكم

٣١٣
٣١٤

صور اخذ القطع في موضوع الحكم :

قوله ص ٣٥٢ س ١ قد يفترض ... الخ :

حاصل هذا المبحث هو : هل يمكن تقييد الحكم بخصوص العالم بحيث يؤخذ القطع بالحكم في موضوع الحكم فيقال مثلا ان علمت بوجوب الجمعة صارت حينذاك واجبة عليك؟ واذا اجيب بعدم الامكان قيل فكيف توجيه بعض الاحكام التي ثبتت لخصوص العالم كوجوب الجهر والاخفات والقصر والتمام ، فان وجوب الجهر يختص بخصوص العالم بوجوب الجهر ، وهكذا في الباقي.

ولتوضيح الحال نقول : توجد اربع صور لتقييد الحكم بخصوص العالم هي :

١ ـ ان يؤخذ القطع بالحكم في موضوع نفس الحكم الذي تعلق به القطع فيقال مثلا : ان قطعت بوجوب الجمعة صارت حينذاك واجبة عليك.

٢ ـ ان يؤخذ القطع بالحكم لا في موضوع نفس ذلك الحكم بل في موضوع حكم آخر يماثل الحكم الذي تعلق به القطع فيقال مثلا ان قطعت بوجوب الجمعة وجبت عليك بوجوب ثان مغاير للاول.

٣ ـ ان يؤخذ القطع بالحكم في موضوع حكم آخر مضاد للحكم الذي تعلق به القطع كما لو قيل ان قطعت بوجوب الجمعة حرمت عليك الجمعة.

٤ ـ ان يؤخذ القطع بالحكم في موضوع حكم آخر ليس مضادا ولا مماثلا للحكم الذي تعلق به القطع بل مخالف له ، كما لو قيل ان قطعت بوجوب الجمعة وجب عليك التصدق ، فان وجوب التصدق ليس ضدا لوجوب الجمعة ولا نفسه

٣١٥

ولا مثله بل مخالف له.

هذه صور أربع. وقد وقع الاتفاق على امكان الصورة الرابعة حيث لا محذور في ان يقال ان قطعت بوجوب الجمعة وجب التصدق ، وانما الكلام في الصور الثلاث الاولى.

ونتحدث اولا عن الصورة الاولى ـ وهي الصورة المهمة ـ ثم عن الثانية والثالثة.

اخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه :

اما اخذ القطع بالحكم في موضوع نفس الحكم الذي تعلق به القطع ـ كما لو قيل ان قطعت بوجوب الجمعة وجبت عليك ـ فقد قرأنا في الحلقة السابقة انه مستحيل لمحذور الدور ، اذ العلم بالوجوب موقوف على ثبوت الوجوب ـ كي يتعلق العلم به ـ فلو كان ثبوت الوجوب موقوفا على العلم به لزم الدور ، اذ العلم بالوجوب يصير موقوفا على العلم بالوجوب. وقرأنا في الحلقة السابقة ايضا ان هذا الدور يمكن دفعه عن طريق المناقشة في المقدمة الاولى حيث يمكن القول بعدم تسليم توقف العلم بالوجوب على ثبوت الوجوب ، فان العلم بالشيء لا يتوقف على ثبوته ، فالعلم بمجيء زيد لا يتوقف على تحقق مجيء زيد واقعا والا يلزم ان يكون كل علم مصيبا وعدم وجود علم مخطىء. هذا ما تقدم في الحلقة السابقة ، وفي هذه الحلقة ولاجل تحقيق صحة الدور وعدمها نقول : ان القطع المأخوذ في موضوع الحكم تارة يكون هو خصوص القطع المصيب واخرى مطلق القطع اعم من كونه مصيبا او لا ، فان :

أ ـ كان القطع المأخوذ في موضوع الحكم هو خصوص المصيب فتقريب

٣١٦

الدور بالبيان السابق تام ، فان القطع المصيب للواقع موقوف على ثبوت الواقع والا لم يكن مصيبا ، فالقطع بثبوت وجوب الجمعة مثلا لا يكون مصيبا الا اذا كان الوجوب ثابتا في الواقع ، فلو توقف ثبوت الحكم بوجوب الجمعة على القطع بالوجوب لزم الدور اي توقف العلم بثبوت الوجوب على العلم بثبوت الوجوب. وما افيد في دفع الدور من عدم توقف العلم بالشيء على ثبوته باطل لانه يتم في القطع غير المصيب واما المصيب فهو موقوف على ثبوت الشيء في الواقع والا لم يكن مصيبا.

ب ـ وان كان القطع المأخوذ في موضوع الحكم هو الاعم من المصيب فالدور ببيانه السابق لا يكون تاما ، فان القطع غير المصيب لا يتوقف على ثبوت الشيء في الواقع ، ومن هنا نكون بحاجة لاثبات استحالة هذا القسم الى ذكر بيانات اخرى نقتصر على اثنين منها :

الاول : ان كل قاطع يعتقد بكون قطعه كاشفا عن ثبوت الشيء وليس مثبتا له ، فمن قطع بوجود الاسد في الشارع فهو لا يعتقد ان قطعه هو الذي جاء بالاسد الى الشارع بل دور قطعه دور الكاشف عن وجود الاسد. وفي مقامنا نطبق هذا ونقول : ان القاطع بوجوب الجمعة لا يصدّق بكون قطعه هو المولّد للوجوب وانما يرى ان قطعه كاشف عن تحقق الوجوب ، ومعه فلا يمكن للمولى تشريع الحكم بوجوب الجمعة على القاطع بالوجوب ، لان مثل هذا الحكم لا يمكن ان يصدّق به المكلف اذ لازمه كون القطع مولدا للوجوب ، ومع عدم امكان تصديق المكلف به يكون تشريعه لغوا.

الثاني : ما ذكره الميرزا. وهو يتوقف على بيان مقدمة صغيرة حاصلها : ذكر في علم المعقول ان العلم بالاشياء يحصل بواسطة حضور صورها في الذهن ،

٣١٧

فالعلم بالكتاب يحصل بحضور صورة الكتاب في الذهن والعلم بزيد يحصل بحضور صورته في الذهن وهكذا. ويسمى مثل هذا العلم بالعلم الحصولي ، فالعلم الحصولي اذن عبارة عن حضور صور الاشياء وارتسامها في الذهن. اما نفس الصور كيف يحصل العلم بها؟ لا يحصل العلم بها بواسطة حضور صور اخرى ـ والا يلزم التسلسل ، اذ الصورة الاولى تعلم بواسطة حضور صورة ثانية ، والثانية بواسطة ثالثة وهكذا ـ بل بواسطة حضورها في الذهن مباشرة ، فالصورة الذهنية الاولى بما انها حاضرة بنفسها في الذهن فلا يحتاج بعد حضورها بنفسها الى حضور صورتها. ويصطلح على مثل هذا العلم بالعلم الحضوري. وعليه فحصول العلم بالاشياء يتم عن طريق العلم الحصولي اي بحضور صورها في الذهن واما نفس الصور فيتم العلم بها عن طريق العلم الحضوري اي بحضورها بنفسها.

وبعد هذه المقدمة ذكر الميرزا ان القطع بالحكم لو اخذ في موضوع نفس الحكم يلزم الدور. ولكن اين يلزم الدور؟ يلزم في مرحلة الوصول اي في مرحلة العلم ، فالمكلف لا يمكنه العلم بالحكم والاطلاع عليه الا بشكل دوري ، وهذا بخلاف الدور المتقدم سابقا (١) فانه كان يلزم في مرحلة الجعل والتشريع بينما هذا يلزم في مرحلة العلم والوصول. وايضاحه يتم بالشكل التالي.

١ ـ ان تحقق العلم بالحكم يتوقف على العلم بالموضوع ، فالمكلف لا يمكنه العلم بوجوب الاجتناب عن هذا السائل الا اذا علم بكونه خمرا ، فان الخمر هو موضوع وجوب الاجتناب ، ولا يتحقق العلم بوجوب الاجتناب الا بعد العلم بتحقق الخمرية ، وهكذا لا يمكنه العلم بان هذا الفعل المعين واجب الا اذا علم بانه

__________________

(١) الذي كان يقول ان العلم بالحكم موقوف على ثبوت الحكم ، فلو كان ثبوت الحكم موقوفا على العلم به يلزم الدور

٣١٨

صلاة مثلا وعليه فالعلم بالوجوب او اي حكم آخر موقوف على العلم بتحقق موضوع ذلك الحكم.

٢ ـ وبعد توقف العلم بالحكم على العلم بالموضوع نسأل عن الموضوع ونقول ما هو الموضوع في مقامنا الذي يتوقف العلم بالحكم على العلم به؟ انه العلم بالحكم ، اذ المفروض ان العلم بالحكم اخذ موضوعا للحكم.

٣ ـ وبعد كون الموضوع هو العلم بالحكم تصير العبارة السابقة ـ اي قولنا العلم بالحكم يتوقف على العلم بالموضوع ـ بعد تبديل كلمة « الموضوع » بكلمة « العلم بالحكم » هكذا : العلم بالحكم يتوقف على العلم بالعلم بالحكم.

٤ ـ ان العلم بالعلم بالحكم ليس الا عبارة عن العلم بالحكم ، لانا عرفنا من خلال المقدمة السابقة ان نفس العلم بالحكم لا يعلم بواسطة ارتسام صورة ثانية في الذهن اي لا يحصل بواسطة علم ثان بل بحضور نفس الصورة الاولى لدى الذهن ، اذن العلم بالعلم بالحكم ليس علما ثانيا مغايرا للعلم الاول بل هو نفس العلم بالحكم.

٥ ـ وبعد اتضاح ان العلم بالعلم بالحكم ليس الا نفس العلم الاول وليس علما ثانيا منضما الى العلم الاول تصير العبارة السابقة هكذا : ان العلم بالحكم يتوقف على العلم بالحكم (١). وهذا ما رام الميرزا اثباته ، اذ اراد اثبات لزوم الدور في مرحلة العلم والوصول وقد تم ذلك اذ ثبت ان العلم بالحكم موقوف على العلم بالحكم.

__________________

(١) يمكن توضيح مطلب الميرزا هكذا : العلم بالحكم موقوف على العلم بتحقق الموضوع ، وحيث ان الموضوع هو العلم بالحكم فالقضية المذكورة تساوي ان العلم بالحكم موقوف على العلم بالعلم بالحكم ، وحيث ان العلم بالعلم بالحكم هو نفس العلم بالحكم فترجع القضية المذكورة الى ان العلم بالحكم موقوف على العلم بالحكم

٣١٩

ويمكن مناقشة ذلك بان لدينا ضورتين لا بدّ من التفرقة بينهما :

١ ـ ان يؤخذ العلم بثبوت الحكم الفعلي ـ المعبر عنه بالمجعول ـ في ثبوت الحكم الفعلي فيقال مثلا ان ثبوت الوجوب الفعلي للقصر على المسافر موقوف على ثبوت الوجوب الفعلي للقصر عليه. ولا اشكال في لزوم الدور في هذه الصورة ، اذ العلم بالحكم الفعلي موقوف على ثبوت الحكم الفعلي ، وثبوت الحكم الفعلي موقوف على العلم بالحكم الفعلي ، فبيان الميرزا للدور يكون تاما ، وهكذا البيان الاول حيث يصير العلم بالحكم الفعلي مولدا للحكم الفعلي لا كاشفا والحال ان واقع المطلب على العكس فان العلم بوجود الاسد في الدار لا يولّد وجوده فيه بل هو كاشف عنه.

٢ ـ ان يؤخذ العلم بالحكم الانشائي ـ المعبر عنه بالجعل او التشريع ـ في موضوع الحكم الفعلي فيقال هكذا : ان علمت بتشريع وجوب القصر على المسافر ثبت عليك حينذاك الوجوب الفعلي للقصر ، فالعلم بالمجعول لم يؤخذ في موضوع الحكم المجعول بل العلم بالجعل اخذ في موضوع الحكم المجعول. وهذه الصورة معقولة ولا يرد عليها البيان الاول ولا الثاني.

اما ان الاول لا يرد عليها فباعتبار انه لا يلزم في هذه الصورة صيرورة العلم بالشيء مولّدا له ، فالعلم بالتشريع لا يولّد التشريع بل يولّد الحكم الفعلي ، وهو معقول ، اذ لا محذور في ان يكون العلم بالشيء مولّدا لشيء آخر غير ما تعلق به العلم ، فالعلم بوجود الاسد وان لم يكن مولّدا لوجود الاسد ولكن لا محذور في توليده لشيء آخر كالخوف والفرار.

واما ان الثاني لا يرد عليها فباعتبار ان غاية ما يلزم هو توقف العلم بالحكم الفعلي على العلم بالتشريع والحكم الانشائي وهو مما لا محذور فيه انما

٣٢٠