الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

والى المتعلق.

أ ـ اما مثال الشرط المتقدم الراجع لأصل الحكم فكرؤية هلال رمضان بالنسبة الى وجوب الصوم ، فان رؤية الهلال شرط لاصل الوجوب وهي شرط متقدم ، اذ وجوب الصوم يبتدأ من حين طلوع الفجر ، وحيث ان رؤية الهلال متقدمة على طلوع الفجر فهي شرط متقدم على طلوع الفجر الذي هو زمان ابتداء وجوب الصوم.

ب ـ واما مثال الشرط المقارن الراجع لمتعلق الحكم فهو كالزوال بالنسبة لوجوب الصلاة ، فانه شرط لاصل الوجوب وهو مقارن لزمان حدوث الوجوب ، فان الوجوب يحدث مقارنا للزوال لا بعده.

ج ـ واما مثال الشرط المتقدم لمتعلق الوجوب فهو كالوضوء بالنسبة للصلاة ، فان الوضوء شرط للصلاة التي هي متعلق الوجوب وليس شرطا لوجوبها ، وهو شرط متقدم عليها بناء على ان الشرط هو الوضوء بمعنى الغسلات والمسحات لا الطهارة المسببة عنه والا كان شرطا مقارنا.

د ـ واما مثال الشرط المقارن لمتعلق الوجوب فهو كالاستقبال بالنسبة للصلاة فانه شرط لنفس الصلاة لا لوجوبها ، وهو مقارن لها.

٣ ـ ان الشرط كما يكون متقدما او مقارنا للمشروط كذلك يكون احيانا متأخرا عنه ، ولتوضيح ذلك نذكر مثالين احدهما للشرط المتأخر الراجع للحكم وثانيهما للشرط المتأخر الراجع للمتعلق.

أ ـ اما الراجع لاصل الحكم فكأجازة بيع الفضولي بناء على الكشف ، فان الاجازة شرط للملكية الحاصلة من حين العقد ، فالملكية امر متقدم حاصل من حين العقد وشرطها وهو الاجازة امر متأخر ، فالاجازة اذن شرط لنفس الحكم ـ

٢٨١

اي الملكية (١) ـ وهي متأخرة من حيث الزمان عن زمان ثبوت الحكم.

ب ـ واما الراجع لمتعلق الحكم فكالغسل الليلي بالنسبة الى صوم اليوم السابق للمستحاضة ، فان الغسل شرط للصوم الذي هو متعلق الحكم وهو شرط متأخر من حيث الزمان عن صوم اليوم السابق.

٤ ـ وبعد ان عرفنا ان الشرط قد يكون متأخرا فسوف تتضح المشكلة التي اشرنا لها في اول البحث ، وهي ان الشرط من احد اجزاء العلة ، والعلة كما لا يمكن ان تتأخر بكاملها عن المعلول فكذا لا يمكن تأخر بعض اجزائها ، فان العلة لو تأخرت فلازمه تأثير المعدوم في الموجود فان المعلول لا يوجد الا بالعلة وحيث ان العلة غير موجودة عند تحقق المعلول كما هو المفروض فيلزم من ايجادها للمعلول مع فرض عدمها تأثير العلة التي هي معدومة في المعلول الذي هو امر موجود ، وهذا هو ما قلنا من ان الشرط لو كان متأخرا عن المشروط يلزم تأثير المعدوم في الموجود.

وبهذا تنتهي النقاط الاربع التي ذكرنا في اولاها ان الشرط قد يكون شرطا للحكم وقد يكون شرطا للمتعلق ، وفي الثانية ذكرنا ان الشرط قد يكون متقدما وقد يكون مقارنا ، وفي الثالثة ذكرنا ان الشرط قد يكون متأخرا (٢) ، وفي الرابعة ذكرنا اشكال الشرط المتأخر (٣).

__________________

(١) والملكية وان لم تكن حكما تكليفيا لكنها حكم وضعي ، ونحن لم نخصص الكلام بالحكم التكليفي بل هو شامل للاعم منه ومن الوضعي ، ثم انه عبر في الكتاب بكلمة « النفوذ » ، والمراد منها هو الصحة ، فان نفوذ العقد عبارة اخرى عن صحته ، ومن الواضح ان الصحة كنفس الملكية حكم وضعي ، ولا فرق بين ان يقال الاجازة شرط للملكية او الاجازة شرط لصحة العقد فانه على كلا التقديرين يكون الشرط شرطا للحكم يعني الوضعي

(٢) وانما افردنا الشرط المتأخر في نقطة مستقلة باعتبار ان المشكلة تكمن فيه

(٣) والآخوند وسّع مشكلة الشرط المتأخر وعمّمها للشرط المتقدم فقال ان الشرط المتقدم ـ

٢٨٢

وبعد التعرف على مشكلة الشرط المتأخر نذكر حلين من الحلول المقترحة لها (١) :

الحلّ الأول :

عرفنا ان اشكال الشرط المتأخر له مجالان :

أ ـ الشرط المتأخر للواجب كالغسل الليلي بالنسبة الى صوم المستحاضة المتقدم ، فان شرطه متأخر لا لاصل الوجوب بل لمتعلقه وهو الصوم الذي يعبر عنه بالواجب.

ب ـ الشرط المتأخر للحكم كاجازة عقد الفضولي بناء على الكشف ، فان الاجازة المتأخرة شرط لحصول الملكية التي هي امر متقدم وثابت من حين العقد بناء على الكشف.

حلّ المشكلة في المجال الأول :

اما بالنسبة الى المجال الاول ـ اي شرائط الواجب ـ فيمكن دفع الاشكال بانا حينما نقول الغسل الليلي شرط للصوم فليس المقصود ان الغسل الذي يؤتى به

__________________

ـ يرد فيه الاشكال ايضا فان العلّة كما لا يمكن ان تتأخر كذلك لا يمكن ان تتقدم بل هي مقارنة زمانا للمعلول

(١) قد يقال ان المشكلة باطلة من جذورها فان العلة انما يستحيل تأخرها عن المعلول في خصوص الامور التكوينية فالنار لا يمكن ان تتأخر عن الاحراق ، واما القضايا الشرعية فلا بأس بتأخر العلة فيها عن المعلول لانها بيد الشارع وراجعه له فيمكنه تأخير العلة عن معلولها.

وهذا الجواب وان نسب الى صاحب الجواهر ولكن يرد عليه ان العلّة اذا كان يستحيل تأخرها عن المعلول فلا فرق في الاستحالة بين القضايا الخارجية والقضايا الشرعية ، وهذا نظير استحالة اجتماع النقيضين فهل ترى من الصحيح ان يقال ان النقيضين يستحيل اجتماعهما في القضايا الخارجية التكوينية فقط؟ كلا ان الاستحالة لا تختص بمجال دون آخر

٢٨٣

في الليل يكون مؤثرا في الصوم المتقدم حتى يقال بان الامر المتأخر كيف يؤثر في الأمر المتقدم ، وانما المقصود ان المطلوب ليس هو مطلق الصوم بل الحصة الخاصة وهي الصوم الذي يكون بعده غسل في الليل ، فان المولى اذا طلب شيئا فتارة يكون مطلوبه الشيء على اطلاقه واخرى حصة خاصة منه ، فاذا طلب منك زيارته فتارة يكون مطلوبه مطلق الزيارة واخرى حصة خاصة منها ، وعلى تقدير كون المطلوب هو الحصة فتارة تكون تلك الحصة هي الزيارة المقرونة بامر متقدم ـ كالزيارة التي يكون قبلها اخبار حتى يتمكن من احضار الفاكهة او الانتظار في البيت ـ واخرى تكون هي الزيارة المقرونة بامر مقارن كالزيارة التي يكون معها تقديم الهدية ، وثالثة تكون هي الزيارة المقرونة بامر متأخر كالزيارة التي لا يكون بعدها اظهار المن والتفضل.

اذن ليس المقصود من كون الغسل الليلي شرطا للصوم تأثيره في الصوم المتقدم ليقال ان المتأخر كيف يؤثر في المتقدم وانما المقصود تعلّق الطلب بالحصة الخاصة وهي الصوم الذي بعده غسل ، وتعلق الطلب بالحصة الخاصة امر معقول ، والتحصيص كما يعقل حصوله بشيء متقدم او مقارن كذلك يعقل حصوله بامر متأخر كما هو واضح.

وباختصار : ان روح هذا الجواب ترجع الى اخراج الغسل الليلي عن صفة التأثير والعلية الى صفة التحصيص (١).

حل المشكلة في المجال الثاني :

واما بالنسبة الى المجال الثاني ـ اي شرائط نفس الحكم ـ فالجواب : ان شرط الحكم تارة يكون شرطا للحكم الانشائي الذي يعبّر عنه بشرط الجعل

__________________

(١) هذا الجواب ذكره السيد الخوئي دام ظله

٢٨٤

واخرى يكون شرطا للحكم الفعلي الذي يعبّر عنه بشرط المجعول.

اما اذا كان الشرط المتأخر شرطا في مقام الجعل فيمكن دفع المشكلة فيه بسهولة حيث يقال ان الاجازة المتأخرة انما تكون شرطا في عالم الجعل بوجودها اللحاظي لا بوجودها الخارجي ، اي ان لحاظ الاجازة هو الشرط دون الاجازة الخارجية المتأخرة فانه مرّ سابقا ان المولى حينما يشرع الحكم يلاحظ الشرائط ويفرضها موجودة ثم يجعل الحكم قائلا لو فرض ان المالك اجاز فالملكية ثابتة من حين العقد ، فالشرط لجعل الملكية ليس هو نفس الاجازة المتأخرة بل فرض الاجازة ولحاظها ، ومن الواضح ان لحاظ الاجازة امر مقارن للجعل وليس متأخرا عنه وانما المتأخر هو الملحوظ لا نفس اللحاظ.

واما اذا كان الشرط المتأخر شرطا للمجعول اي للحكم الفعلي فنحتاج الى جواب جديد ولا يكفينا الجواب السابق ، فان الشرط للملكية الفعلية ليس هو لحاظ الاجازة بل نفس الاجازة الخارجية اذ الملكية الفعلية لا تحصل بمجرّد لحاظ الاجازة بل بنفس الاجازة ، ومعه يشكل بان الامر المتأخر كيف يمكنه التأثير في الامر المتقدم؟ ويمكن دفع ذلك بان الاجازة المتأخرة وان كانت مؤثرة في الأمر المتقدم اي في الملكية المتقدمة الا ان ذلك لا محذور فيه ، اذ الامر المتأخر انما لا يصح ان يؤثر في الأمر المتقدم فيما لو كان الامر المتقدم ذا وجود خارجي حقيقي ، اما اذا كان وجوده فرضيا واعتباريا فلا محذور في تأثير الأمر المتأخر فيه ، فان الامر الاعتباري سهل المؤونة ، ومن الواضح ان الملكية وبقية الاحكام ليست موجودات خارجية حقيقية ولذا لا ترى بالعين ولا تلمس باليد بل هي مجرد افتراض واعتبار يفترضه العقلاء ، ولا مانع من تأثير الأمر المتأخر في ايجاد امر اعتباري متقدم فالمولى عند حصول الاجازة المتأخرة يقول : انا الآن اعتبر

٢٨٥

حصول الملكية من حين العقد ، وهو شيء معقول.

مناقشة الحل :

وهذا الحل وان كان متينا لكنه يدفع نصف المشكلة لا جميعها ، فان مشكلة الشرط المتأخر لها مجالان :

أ ـ ان الوجوب المتقدم كيف يؤثر فيه الأمر المتأخر؟ والمشكلة في هذا المجال تندفع بالجواب المتقدم فيقال بأن الوجوب الانشائي ليس شرطه نفس الأمر المتأخر بل لحاظ الأمر المتأخر ، واللحاظ امر مقارن ، واما الوجوب الفعلي فهو مجرّد اعتبار وافتراض.

ب ـ ان الأمر المتأخر كيف يؤثر في اتصاف الفعل بالمصلحة او في ترتب المصلحة فانه تقدم ص ٣٣٦ من الحلقة ان الشرط يكون شرطا للواجب فيما اذا كان شرطا لترتب المصلحة ويكون شرطا لاصل الوجوب فيما اذا كان شرطا لأصل المصلحة ، ومن الواضح ان اتصاف الفعل باصل المصلحة او ترتب المصلحة امر تكويني خارجي وليس امرا اعتباريا افتراضيا حتى يقال بان الأمر المتأخر يمكن ان يؤثر في الامر الاعتباري ، فمثلا الغسل الذي هو شرط للصوم اذا حصل في الليل ترتبت المصلحة على الصوم السابق وحينئذ يقال كيف يؤثر الغسل المتأخر في ترتب المصلحة على الصوم المتقدم والحال ان ترتب المصلحة امر خارجي حقيقي وليس اعتباريا. وهكذا يأتي الاشكال نفسه في الغسل الليلي فيما لو فرضناه شرطا لاصل الوجوب (١) فان الغسل في الليل كيف يمكنه ان يؤثر في اتصاف الصوم السابق بالمصلحة والحال ان الاتصاف بالمصلحة امر تكويني

__________________

(١) وهذا الافتراض غير مطابق للواقع. ثم ان المقصود من كون الغسل شرطا لاصل الوجوب ان المرأة اذا لم تغتسل في الليل فلا يكون الصوم واجبا في النهار السابق وانما يثبت عليها الوجوب فيما لو اغتسلت في الليل

٢٨٦

خارجي لا يمكن ان يؤثر فيه الأمر المتأخر.

وبكلمة جديدة : ان الحكم ذو مراحل اربع منها مرحلة الملاك ومنها مرحلة الاعتبار اي مرحلة جعل الوجوب ، ومشكلة الشرط المتأخر تأتي في كلتا هاتين المرحلتين ففي مرحلة الملاك يقال : ان الامر المتأخر كيف يؤثر في وجود اصل المصلحة او في ترتبها ، وفي مرحلة الاعتبار ـ اي الوجوب ـ يقال : كيف يؤثر الامر المتأخر في الوجوب المتقدم ، وهذا الجواب الاول يحل المشكلة في المرحلة الثانية دون الاولى ، ومن هنا نكون بحاجة الى تقديم جواب جديد يمكنه دفع المشكلة في كلتا المرحلتين.

الحل الثاني :

وهو ما ذكره جماعة منهم الآخوند. وحاصله : ان الشرط للملكية ليس نفس الاجازة المتأخرة بل هو التعقب ولحوق الغسل الليلي ، ومن الواضح ان التعقب واللحوق امر مقارن وليس امرا متأخرا وانما المتأخر هو طرف التعقب واللحوق لا نفس التعقب واللحوق.

وان شئت قلت : ان هذا الجواب يعترف بان الشرط المتأخر امر مستحيل اذ الاتصاف باصل المصلحة او ترتب المصلحة امر حقيقي خارجي لا يمكن ان يؤثر فيه الامر المتأخر بيد انه يحاول تأويل الشرط واخراجه من كونه شرطا متأخرا الى كونه مقارنا حيث يجعل الشرط هو التعقب واللحوق لا نفس الاجازة والغسل المتأخر.

٢٨٧

ثمرة البحث عن امكان الشرط المتأخر.

وما هي ثمرة البحث عن امكان الشرط المتأخر واستحالته ، فانه بعد ما دل الدليل الشرعي على شرطية الغسل الليلي للصوم المتقدم فلا فائدة للبحث عن امكان الشرط المتأخر فان كل ما دل الدليل عليه لا بدّ من التسليم به سواء كان الشرط المتأخر مستحيلا ـ الذي لازمه جعل الشرط هو التعقب بالغسل لا نفسه ـ ام كان ممكنا فانه على كلا التقديرين لا ثمرة عملية لذلك وان كانت الثمرة العلمية ثابتة حيث انه بناء على استحالة الشرط المتأخر يلزم تحويل الشرط وجعله هو التعقب بالغسل لا نفسه. وباختصار : ان الثمرة العلمية وان كانت ثابتة ولكن ما هي الثمرة العملية؟ يمكن في هذا المجال ذكر ثمرتين :

١ ـ انه بناء على استحالة الشرط المتأخر يلزم استحالة الواجب المعلق بخلافه بناء على امكانه فانه يلزم امكانه. وقد مر ذلك في الحلقة السابقة ص ٢٧٥ ويأتي في هذه الحلقة ص ٣٤٦. ولتوضيح ذلك نذكر مثالا للواجب المعلق ثم نذكر كيفية ارتباط امكانه بامكان الشرط المتأخر.

لو فرض ان انسانا اهديت له اموال في غير اشهر الحج فهل يثبت عليه وجوب الحج من حين الاهداء او لا؟ هناك من الفقهاء من يقول بان الوجوب يثبت من حين الاهداء ولا يجوز التصرف في تلك الاموال بشراء دار بها او التزويج او السفر وغير ذلك (١) بل يجب التحفظ الكامل عليها ليمكن الحج بها في اشهر الحج ، فالوجوب اذن يستقر من حين الاهداء ويكون فعليا غاية الامر يكون الواجب وهو الحج متأخرا ومعلقا على مجيء الاشهر ، وهذا ما يصطلح

__________________

(١) الاّ اذا لزم الحرج والمشقة الشديدة من عدم ذلك

٢٨٨

عليه بالواجب المعلق. وينبغي الالتفات الى ان الوجوب وان كان يثبت من حين الاهداء لكنه مشروط بعدم طرو المرض في اشهر الحج وهكذا هو مشروط ببقاء المكلف عاقلا وبعدم سرقة تلك الاموال والا فكيف يمكن بقاء الوجوب. اذن ثبوت الوجوب من حين الاهداء مشروط بامر متأخر وهو ان يكون المكلف عاقلا وقادرا على الحج في اشهره ، فاذا قلنا باستحالة الشرط المتأخر فلازم ذلك استحالة ثبوت الواجب المعلق ويكون ثبوت الوجوب للحج من حين الاهداء مستحيلا. ومن هنا نرى ان الميرزا لما كان يبني على استحالة الشرط المتأخر اختار استحالة الواجب المعلق ايضا وما ذاك الا لأن امكان الواجب المعلق يرتبط بامكان الشرط المتأخر.

٢ ـ وهذه الثمرة تظهر فيما اذا دل الدليل على اعتبار الرضا في شيء معين كما هو الحال في باب العقود ، فان الفضولي لو اجرى عقدا على ملك الغير لم يكن عقده صحيحا وموجبا للنقل والانتقال الا بعد اجازة المالك ورضاه ، فاذا أجاز حصلت الملكية ، وهذا شيء واضح ولكن لو شككنا في ان اجازة المالك هل هي ناقلة او كاشفة فما هو الموقف؟ وبكلمة اخرى : لو شك في كون الاجازة هل هي شرط مقارن للملكية او شرط متأخر فما هو الموقف (١)؟ وفي هذه الحالة تظهر الثمرة فلو قلنا باستحالة الشرط المتأخر فمن اللازم البناء على كون الاجازة ناقلة

__________________

(١) هذا التعبير من حيث المضمون نفس التعبير الاول ، فان معنى كون الرضا شرطا مقارنا للملكية هو ان الملكية لا تحصل الا اذا قارنها الرضا ، فحين حصول الرضا تحدث الملكية مقارنة له ، واذا كانت الملكية لا تحصل الا عند الرضا فهذا معناه ان الرضا ناقل وموجب لحصول الملكية من حين حصوله وليس كاشفا عن حصول الملكية من حين العقد. واما اذا قلنا بان الرضا شرط متأخر فمعنى ذلك ان الرضا حينما يحصل في الزمان المتأخر فالملكية تحصل في الزمان المتقدم ، فحصول الملكية في الزمان المتقدم منوط بحصول الرضا في الزمان المتأخر ، واذا كان هذا معنى كون الرضا شرطا متأخرا فلازمه كون الاجازة كاشفة ، فحصول الرضا في الزمان المتأخر يكشف عن تحقق الملكية في الزمان المتقدم

٢٨٩

لا كاشفة لان معنى الكشف هو ان الاجازة حينما تحصل بعد العقد بساعة او ساعتين فهي تؤثر في حصول الملكية من حين العقد وان كانت ـ اي الاجازة ـ متأخرة ، وهذا مما لا يمكن الالتزام به بناء على استحالة الشرط المتأخر اذ كون الاجازة المتأخرة مؤثرة في حصول الملكية المتقدمة فيه احتمالان كلاهما باطل :

أ ـ ان تكون نفس الاجازة المتأخرة بالرغم من تأخرها مؤثرة في حصول الملكية المتقدمة ، وهذا باطل لان لازمه تأثير الامر المتأخر في الامر المتقدم وقد فرض استحالة الشرط المتأخر اي استحالة تأثير المتأخر في المتقدم.

ب ـ ان لا يكون الشرط لحصول الملكية المتقدمة نفس الاجازة المتأخرة ليلزم تأثير المتأخر في المتقدم بل الشرط هو التعقب ولحوق الاجازة الذي هو امر مقارن للعقد وليس متأخرا عنه ، وهذا الاحتمال وان كان معقولا اذ لا يلزم منه تأثير المتأخر في المتقدم لفرض ان المؤثر هو التعقب الذي هو امر مقارن للعقد ولكن مع ذلك لا يمكن المصير اليه لمخالفته لظاهر دليل « لا يحل مال امرىء الا بطيبة نفس منه » اذ ظاهره ان الشرط لحلية المال هو نفس طيب النفس لا التعقب بذلك.

والخلاصة : لو قلنا باستحالة الشرط المتأخر فاللازم البناء على كون الاجازة ناقلة لان كونها كاشفة فيه احتمالان كلاهما باطل ، هذا لو قيل باستحالة الشرط المتأخر.

واما اذا قلنا بامكانه فلا يتعيّن كون الاجازة ناقلة بل كلا احتمالي الكشف والنقل ممكن ولا بد من اتباع ظاهر الدليل والعمل به فان اقتضى النقل قيل به وان اقتضى الكشف قيل به.

قوله ص ٣٣٨ س ١ للحكم المجعول : المقصود من القيد هو الشرط ، كما ان

٢٩٠

المقصود من الحكم المجعول هو الاعم من الحكم التكليفي والوضعي.

قوله ص ٣٣٨ س ٧ مقيدا : الانسب : مقيدة.

قوله ص ٣٣٨ س ١١ لنفوذ : اي لصحة عقد الفضولي ، وبتعبير آخر لحصول الملكية ، فان الملكية والصحة والنفوذ كلها متقاربة ، وهي حكم وضعي.

قوله ص ٣٣٨ س ١٢ على القول بالكشف : واما على القول بالنقل فالاجازة تكون من قبيل الشرط المقارن.

قوله ص ٣٣٨ س ١٣ الدخيل في صحة صيام النهار : كان من المناسب ان يقال : الذي هو قيد وشرط لنفس صيام النهار ، فان تعبير الكتاب قد يفهم منه ان الغسل قيد لنفس الصحة ، وحيث ان الصحة حكم وضعي فيلزم ان يكون الغسل شرطا متأخرا لنفس الحكم والحال ان المفروض التمثيل لشرط الواجب لا لشرط الحكم.

قوله ص ٣٣٩ س ١ على قول بعض الفقهاء : وعلى القول الآخر الذي يقول بان الغسل الليلي شرط لصوم اليوم الآتي يكون الغسل مثالا للشرط المتقدم للواجب.

قوله ص ٣٣٩ س ٣ والقيد : عطف تفسير للشرط.

قوله ص ٣٣٩ س ١٠ وليس القيد علة : اي وليس الشرط مؤثرا ليلزم تأثير المتأخر في المتقدم وانما هو محصص فقط.

قوله ص ٣٣٩ س ١١ والتحصيص : كان من المناسب وضع الفارزة قبل كلمة « والتحصيص » ، اي ومن الواضح ان التحصيص كما يمكن : ... الخ.

قوله ص ٣٣٩ س ١١ كما تقدم : اي ص ٣٣٢.

قوله ص ٣٤٠ س ١ ولكنه : اي الحكم.

٢٩١

قوله ص ٣٤٠ س ٥ والوجوب : عطف تفسير للحكم من باب عطف الخاص على العام ، وقوله « او للواجب » عطف على قوله للحكم.

قوله ص ٣٤٠ س ٦ للضابط المتقدم : اي ص ٣٣٦ من الحلقة.

قوله ص ٣٤٠ س ١٠ والجواب المذكور : اي ومن الواضح ان هذا الجواب ناظر الى حل مشكلة الشرط المتأخر بلحاظ عالم الوجوب الاعم من الانشائي والفعلي (١) ولم ينظر لحلها بلحاظ عالم الملاك.

قوله ص ٣٤٠ س ١٣ ووجودها : قوله « في ترتب المصلحة » ناظر الى شرط الواجب الذي هو شرط للترتب ، كما وان قوله « ووجودها » ناظر الى شرط الوجوب الذي هو شرط لاصل وجود المصلحة.

قوله ص ٣٤٠ س ١٣ ودخل : عطف على « دخل قيد الواجب ».

قوله ص ٣٤٠ س ١٤ وترتب المصلحة : الواو استينافية ، اي ومن الواضح ان ترتب المصلحة وأصل الاتصاف بها امر تكويني وليس مجرد اعتبار.

قوله ص ٣٤١ س ٣ كالغسل المذكور : المثال المذكور مجرد افتراض غير مطابق للواقع ، فان الغسل شرط للواجب لا للوجوب.

قوله ص ٣٤١ س ٥ ومن هنا قد يقال : اي من ان الشرط المتأخر لا يمكن ان يؤثر في الامر المتقدم ـ وهو ترتب المصلحة او اصل الاتصاف بها ـ قيل باستحالة الشرط المتأخر والتزم بتأويل كل شرط متأخر الى مقارن. وهذا شروع في الجواب الثاني عن اشكال الشرط المتأخر.

قوله ص ٣٤١ س ١٤ في الحلقة السابقة : بل وفي هذه الحلقة يأتي ص ٣٤٦.

__________________

(١) ويعبر عن الوجوب الانشائي بعالم الجعل وعن الوجوب الفعلي بالمجعول او بالوجوب المجعول

٢٩٢

قوله ص ٣٤١ س ١٥ وتظهر من ناحية اخرى : هذا عطف على قوله « تظهر من ناحية ... الخ » وهو اشارة الى الثمرة الثانية.

قوله ص ٣٤٢ س ١ متقدما : المناسب : مقارنا ، ولكنه قصد من المتقدم غير المتأخر الذي هو صادق على المقارن.

قوله ص ٣٤٢ س ٣ في المثال : اي في مثال البيع.

قوله ص ٣٤٢ س ٥ ان كان بالمعنى الحقيقي للشرط المتأخر : اي بمعنى ان نفس الاجازة المتأخرة ـ لا التعقب بالاجازة ـ مؤثرة في حصول الملكية المتقدمة.

قوله ص ٣٤٢ س ٦ وان كان بالتأويل : اي بان يكون التعقب بالاجازة هو الشرط.

قوله ص ٣٤٢ س ٨ واما على الثاني : هذا عدل لقوله في السطر الثاني : فانه على القول بامتناع الشرط المتأخر.

٢٩٣
٢٩٤

الواجب المعلّق

٢٩٥
٢٩٦

زمان الوجوب والواجب :

قوله ص ٣٤٣ س ١ لا شك في ان زمان الوجوب ... الخ :

هذا هو المبحث المعروف بالواجب المعلق. واول من نسبت له فكرة الواجب المعلّق هو صاحب الفصول. ولتوضيحها نقول : ان زمان الوجوب :

أ ـ تارة يتطابق مع زمان الواجب تطابقا تاما ، كصلاة الظهر ، فان زمان الصلاة محدد بما بين الزوال والغروب ، وهذا الزمان هو بنفسه زمان الوجوب ، فان وجوب صلاة الظهر محدد ايضا بما بين الزوال والغروب ، ويسمى مثل هذا بالواجب المنجّز (١).

ب ـ واخرى يكون زمان الوجوب متقدما على زمان الواجب ، وطبيعي ليس المقصود ابتداء زمان الواجب بعد انتهاء زمان الوجوب فانه مستحيل بل المقصود ان زمان الوجوب يتقدم على زمان الواجب ويبقى مستمرا الى نهاية زمان الواجب ، كما هو الحال في وجوب صوم شهر رمضان ، فانه يبتدأ من حين رؤية الهلال على ما يستفاد من قوله تعالى « فمن شهد منكم الشهر فليصمه » (٢) بينما زمان الصوم متأخر عن ذلك حيث يبتدأ من حين طلوع الفجر الذي هو متأخر عن زمان رؤية الهلال (٣). واصطلح صاحب الفصول على مثل هذا

__________________

(١) وعبارة الكتاب لم تشر له

(٢) حيث يدل على ان مجرد رؤية الهلال تكفي لتوجه الامر بالصوم

(٣) ومثال آخر لذلك وجوب الحج فانه تقدم في البحث السابق ان بعض الفقهاء يقول اذا استطاع المكلّف وجب عليه الحج وان كانت استطاعته قبل اشهر الحج ويكون الوجوب فعليا ثابتا قبل اشهر الحج والواجب وهو الحج معلقا على مجيء اشهر الحج

٢٩٧

الواجب الذي يكون زمان الوجوب فيه متقدما على زمان الواجب بالواجب المعلق حيث ان الوجوب فيه فعلي والواجب معلق على امر متأخر كطلوع الفجر.

ولو سئل عن الفرق بين الواجب المعلق والواجب المشروط كان الجواب انهما يشتركان في ان كلا منهما غير منجّز ـ اي غير فعلي ـ من بعض الجهات ويختلفان في ان الواجب المشروط يكون نفس الوجوب فيه غير فعلي ومشروطا بشرط ، واما في الواجب المعلق فالواجب غير فعلي بل مشروط بخلاف الوجوب ، فالصوم مثلا هو المعلق والمشروط بمجيء زمان لم يحصل بعد كطلوع الفجر مثلا (١).

وبعد اتضاح حقيقة الواجب المعلق تعرضت عبارة الكتاب الى اشكال وبعد الجواب عنه تعرضت الى اشكالين فتكون مجموع الاشكالات ثلاثة هي :

١ ـ ان توجيه الوجوب للصوم قبل مجيء زمان الصوم لغو ، اذ ما الفائدة في توجيه الوجوب من حين رؤية الهلال ما دام لا يمكن الاتيان بالصوم حينئذ.

__________________

(١) وقد تقول : مرّ سابقا ان الشيخ الاعظم قدس‌سره يفسر الواجب المشروط بتفسير يخالف فيه المشهور ، فالمشهور يقول ان الواجب المشروط هو الواجب الذي يكون نفس الوجوب فيه مشروطا بالشرط ـ وكان من المناسب ان يسمى بالوجوب المشروط لا الواجب المشروط ـ بينما الشيخ الاعظم يقول ان نفس الوجوب لا يكون مشروطا ـ لاستحالة تقييده اذ هو مفاد للهيئة ومفادها معنى حرفي ، والمعنى الحرفي جزئي لا يقبل التقييد ـ بل الواجب هو المشروط ، فجميع القيود على رأيه ترجع الى المادة اي الى الواجب ، والوجوب مطلق وفعلي ، فمثلا وجوب صلاة الظهر فعلي ثابت قبل تحقق الزوال فان الزوال ليس قيدا للوجوب وانما هو قيد للواجب وهو الصلاة.

وبعد هذا يتّضح عدم وجود فرق بين الواجب المعلق والواجب المشروط بتفسير الشيخ ، ومن هنا نرى ان الشيخ حينما يسمع من صاحب الفصول فكرة الواجب المعلق ينكر عليه ذلك ، وما ذاك الا لأنه لا يرى للواجب المعلق وجودا في مقابل الوجوب المشروط بتفسيره ، وعلى هذا فهو في الحقيقة لا ينكر روح الواجب المعلّق وانما ينكر الوجود الخاص له في مقابل الواجب المشروط بتفسيره

٢٩٨

وفيه : ان مصلحة الصوم اذا فرض حدوثها من حين رؤية الهلال فمن المناسب توجيه الوجوب من حين الرؤية وعدم تأخيره الى طلوع الفجر ، فان توجيه الوجوب يتبع ثبوت المصلحة ، فمع فعلية المصلحة من حين الرؤية فالمناسب توجهيه من حينها ايضا دون ان يلزم محذور اللغوية ، بل يمكن ان نضيف ان ثبوت الوجوب من حين الرؤية له بعض الفوائد ، فلو كان ثابتا قبل طلوع الفجر كان محركا للمكلف نحو تحصيل مقدمات الصوم ، فمثلا من جملة مقدماته الغسل من الجنابة ، فاذا لم يكن الوجوب ثابتا قبل الفجر يرد اشكال يقول لا وجه لوجوب الغسل قبل الفجر ما دام وجوبه مقتبسا من وجوب الصوم ، واذا اريد الاتيان بالغسل من حين طلوع الفجر لزم فوات الصوم ، فالاتيان به قبل الفجر لا وجه لوجوبه وبعده مفوت للصوم ، وهذا الاشكال يسمى باشكال المقدمات المفوتة. وانما سمي بذلك باعتبار ان الغسل اذا لم يؤت به قبل الفجر فات الصوم. والاشكال مندفع بناء على ثبوت وجوب الصوم قبل الفجر ، اذ يقال انما وجب الغسل قبل الفجر لثبوت وجوب الصوم آنذاك ، واما بناء على عدم ثبوته قبل الفجر فالاشكال يبقى بحاجة الى جواب آخر (١).

٢ ـ ان حقيقة الوجوب (٢) ليست هي الا التحريك ، فحقيقة الامر بالصوم هي التحريك نحو الصوم ، ولكن ليس المقصود هو التحريك الفعلي فانه باطل بالوجدان ، اذ امر « صم » ليس محركا للمكلّف تحريكا فعليا والا يلزم عدم وجود عاص على وجه الارض ، لان الامر اذا كان يحرك تحريكا فعليا للصوم عاد الكل

__________________

(١) قد يقال : ان الوجه في وجوب الغسل قبل الفجر هو دلالة الروايات على ذلك. وفيه : انا نوجه السؤال الى نفس الروايات ونقول كيف اثبتت الوجوب للغسل قبل الفجر بعد ما كان وجوب الصوم يبتدأ من حين طلوع الفجر

(٢) وقد ذكر هذا في الكتاب بعنوان الاعتراض الاول

٢٩٩

ممتثلا لامر الصوم فلا بدّ وان يكون المقصود هو التحريك الشأني ، اي ان امر « صم » فيه شأنية وقابلية تحريك المكلّف نحو الصوم ، وبعد هذا نقول ان الوجوب قبل مجيء زمان الواجب ليست له قابلية تحريك المكلّف نحو الصوم فان قابلية التحريك فرع قابلية التحرك وحيث انه لا يمكن التحرك قبل الفجر فلا يمكن التحريك آنذاك وبالتالي يلزم عدم امكان تحقق الوجوب قبل الفجر اذ قد عرفنا ان حقيقة الوجوب متقومة بقابلية التحريك وحيث فرض عدم القابلية قبل الفجر فلا حقيقة للوجوب آنذاك.

وفيه : انا لا نسلم تقوّم حقيقة الوجوب بالتحريك بل الوجوب عبارة عن اعتبار الفعل في ذمة المكلّف ، اجل الداعي والغرض من اعتبار الفعل في الذمة هو تحريك المكلّف الى الفعل ، فالتحريك اذن هو الداعي لاعتبار الوجوب لا انه نفس حقيقة الوجوب ، وبعد هذا نقول : ان المستفاد من ادلة الواجبات ان الداعي لاعتبار الوجوب وان كان هو التحريك نحو الفعل ولكن ليس هو التحريك من اول زمان ثبوت الوجوب الى آخر زمان ثبوته حتى يقال بان الوجوب في الواجب المعلّق لا يمكن ان يكون محركا من اول زمان ثبوته وانما الداعي هو ان يكون محركا ولو في بعض فترة ثبوته (١) ، ومن الواضح ان وجوب الصوم الثابت قبل طلوع الفجر وان لم يكن قابلا لتحريك المكلّف من بداية ثبوته ولكنه يمكن ان يكون محركا له بعد ذلك اي حينما يطلع الفجر.

٣ ـ ان فكرة الواجب المعلّق تعتمد على امكان الشرط المتأخر ، فاذا لم

__________________

(١) فمثلا قوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) يستفاد منه ان الداعي لاعتبار الوجوب هو تحريك المكلّف نحو الصوم ولكن لا من حين رؤية الهلال بل ولو بعد فترة. وهكذا مثل خطاب « اقم الصلاة لدلوك الشمس » يستفاد منه ان الداعي هو تحريك المكلّف الى الصلاة خلال فترة ما بين الزوال والغروب اي ولو في بعض هذه الفترة لا في جميعها

٣٠٠