الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

اثبات صغرى الدليل الشرعي

قوله ص ١٩٤ س ١ بعد ان تكلمنا عن الدلالات ... الخ : تقدم صفحة ٨٥ ، ٨٦ من الحلقة عند منهجة ابحاث الكتاب ان البحث تارة يقع في الدليل الشرعي واخرى في الدليل العقلي ، وان البحث عن الدليل الشرعي يقع في ثلاث نقاط : البحث عن الدلالات العامة ، والبحث عن اثبات صدور الدليل ، والبحث عن حجية الظهور. وكان البحث فيما مضى ناظرا الى النقطة الاولى وهي الدلالات العامة. ومن الآن يراد التحدث عن النقطة الثانية ، وهي البحث عن الوسائل والطرق التي يمكن بها اثبات صدور الدليل.

وفى هذا المجال توجد وسيلتان لاثبات صدور الدليل من المعصوم عليه‌السلام هما :

١ ـ وسيلة يمكن بواسطتها حصول اليقين بصدور الدليل. ومثالها الخبر المتواتر ، فانه بواسطته يحصل القطع بصدور الدليل من المعصوم عليه‌السلام.

٢ ـ وسيلة تحصّل اليقين التعبدي بصدور الدليل من دون حصول اليقين الوجداني بذلك. ومثلها خبر الثقة ، فانه بناء على حجيته لا يحصّل اليقين الوجداني بصدور الدليل منه عليه‌السلام وانما علينا ان نحكم تعبدا بصدوره ولو من دون حصول يقين وجداني بذلك. ونتحدث اولا عن الوسيلة الاولى التي هي مثل الخبر المتواتر.

وقبل كل شيء نطرح السؤال التالي : كيف يحصل اليقين بواسطة الخبر

٢١

المتواتر؟ توجد لهذا السؤال اجابتان احداهما للمشهور يأتي بيانها ص ١٩٨ من الحلقة ، وثانيتهما للسيد الشهيد. والاجابة الثانية مبنية على تطبيق حساب الاحتمال ، فكل من الخبر المتواتر او الاجماع او السيرة او الشهرة يحصّل اليقين بصدور الدليل من المعصوم عليه‌السلام عن طريق تطبيق حساب الاحتمال (١).

ولتوضيح ذلك نمنهج ما ذكره قدس‌سره ضمن النقاط التالية :

١ ـ تقدم ص ٦٢ من الحلقة ان القطع (٢) على قسمين : موضوعي وذاتي. واليقين الموضوعي هو الحاصل من مناشىء عقلائية ، والذاتي هو الحاصل من مناشىء غير عقلائية. وتقدم ايضا ان كلا اليقينين حجة بما في ذلك اليقين الذاتي حيث انه لو نهى الشارع عنه يلزم التناقض في نظر القاطع.

وقد تقول : ما دام كلا القطعين حجة فما الفائدة في تقسيم اليقين اليهما والبحث عن اسباب حصول اليقين ما دام هو حجة من اي سبب كان؟ والجواب : انا نريد بالبحث عن اسباب حصول اليقين الاطلاع على اسباب اليقين الموضوعي لنأخذ بها ونحذر من اسباب اليقين الذاتي. وبكلمة اخرى : عند البحث عن حجية القطع لا وجه للتفرقة بين القسمين لأن كليهما حجة ولكن عند البحث عن اسباب حصول اليقين لا بأس بالتفرقة بين القسمين لنقترب من اسباب حصول اليقين الموضوعي ونبتعد عن اسباب اليقين الذاتي.

٢ ـ ان اليقين الموضوعي تارة يكون ثابتا من دون ان يكون مستنتجا من

__________________

(١) وهذا يعدّ من الافكار الجديدة والجميلة للسيد الشهيد قدس‌سره فانه كما استفاد من حساب الاحتمال في كتابه « الاسس المنطقية للاستقراء » لاثبات وجود الله سبحانه استفاد منه ايضا في علم الاصول في المجالات المذكورة

(٢) كلمة القطع واليقين مترادفتان

٢٢

قضية اخرى وثانية يكون مستنتجا من قضية اخرى.

مثال الاول : اليقين بان الكل اكبر من الجزء ، فان هذه القضية ثابتة في الذهن البشري بدون استعانة بقضية اخرى ، وتسمى مثل هذه القضية بالقضية الاولية.

ومثال الثاني : اليقين بان العالم حادث ، فانه مستنتج من قضية اخرى وهي ان العالم متغير وكل متغير حادث.

٣ ـ ان اليقين المستنتج من قضية اخرى على قسمين :

ا ـ ان يكون بين القضيتين ملازمة عقلية ، وهذا كما في المثال الثاني ، فان اليقين بكون العالم حادثا يلازم اليقين بان العالم متغير وكل متغير حادث ، اذ قولنا العالم متغير وكل متغير حادث قياس منطقي ، والقياس المنطقي يستلزم عقلا اليقين بالنتيجة.

ب ـ ان لا يكون بين القضيتين ملازمة عقلية. ومثال ذلك : تناول قرص الاسبرين مرات متعددة عند صداع الرأس مع افتراض زوال الصداع في كل مرة ، فان التقارن بين هاتين الحادثتين ـ تناول القرص وزوال الصداع ـ في المرة الاولى وان كان لا يستلزم اليقين بكون تناول القرص هو العلة لزوال الصداع ، اذ من المحتمل وجود علة اخرى لم نطلع عليها ولكن هذا التقارن يوجب احتمال كون العلة هي قرص الاسبرين بدرجه معينة ولنفرضها ٥% ، وعندما يحصل هذا التقارن في المرة الثانية يأخذ الاحتمال بالارتفاع قليلا فيصبح بدرجة ١٠% مثلا. وبحصول التقارن المذكور مرات متوالية يأخذ الاحتمال بالارتفاع اكثر فاكثر الى ان يصبح الاحتمال المقابل ـ اي احتمال كون العلة شيئا آخر غير قرص الاسبرين ـ ضعيفا جدا الى حد لا يحتفظ به الذهن البشري ويحصل عند ذلك القطع بكون

٢٣

العلة هي الاسبرين ، فان احتمال وجود العلة الاخرى وان كان لا يزول بالكلية بل يبقى حتى النهاية بدرجة ضعيفة ولكن لشدة ضعفه يشعر الانسان بحصول اليقين له لعدم تمكن الذهن البشري من الاحتفاظ بالاحتمال بعد ضآلته الشديدة.

وبهذا تجلى كيف يتولد اليقين من حساب الاحتمال.

٤ ـ يصطلح على اليقين الحاصل من القياس (١) باليقين الموضوعي الاستنباطي ، وعلى الحاصل من مجموعة قضايا باليقين الموضوعي الاستقرائي. وسبب التسمية واضح ، فان اليقين في الحالتين المذكورتين حيث انه حاصل من مناشىء عقلائية فهو موضوعي ، والاول بما انه مستنبط من القياس فهو استنباطي ، والثاني بما انه حاصل من الاستقراء فهو استقرائي.

٥ ـ ان القضية المستنتجة من القياس ثابتة في المقدمتين ـ فقولنا « العالم حادث » الذي هو النتيجة ثابت في الكبرى التي تقول « كل متغير حادث » اذ احد مصاديق الكبرى هو العالم حادث ـ فان النتيجة في باب القياس اصغر من المقدمتين ، لكون السير فيه من الكلي الى الجزئي ، وهذا بخلافه في القضية المستنتجة من الاستقراء ، فانها غير ثابتة في القضايا المستقرءة ، اذ النتيجة في باب الاستقراء اكبر من المقدمات لكون السير فيه من الجزئيات الى الكلي.

٦ ـ ان الوسائل التى تحصّل اليقين بصدور الدليل هي : التواتر ، الاجماع ، سيرة المتشرعة ، الشهرة. واليقين في كل هذه يحصل في نظر السيد الشهيد بواسطة حساب الاحتمال بخلافه على رأي المشهور ، فانه يحصل بطريق آخر. ومن هنا لا بد من البحث عن التواتر والاجماع والشهرة (٢) لنوضح كيف يحصل اليقين فيها

__________________

(١) المراد من القياس القياس المنطقي وهو عبارة عن الصغرى والكبرى

(٢) واما سيرة المتشرعة فقد تقدم الحديث عنها في الحلقة الثانية

٢٤

عن طريق حساب الاحتمال.

قوله ص ١٩٥ س ٢ ونحوهما : كالشهرة وسيرة المتشرعة.

اي انه بعد افتراض تحقق اليقين فهو حجة من دون فرق بين القسمين.

قوله ص ١٩٥ س ١٥ على اساس قياس من الاقيسة المنطقية : المراد من الاقيسة المنطقية الاشكال الاربعة للقياس.

قوله ص ١٩٦ س ١٠ اذ قد يكون اقترانهما صدفة : ليس المقصود من الصدفة زوال الصداع بلاعلة بل زواله بعلة اخرى غير ملتفت لها ، وعلى هذا يكون قوله ١ « ويكون للحادثة الاخرى علة غير منظورة » عطف تفسير للصدفة.

قوله ص ١٩٧ س ٨ والسيرة : كان من المناسب ذكر الشهرة بدل السيرة لانها ـ الشهرة ـ المبحوث عنها فيما بعد ، واما السيرة ـ اي سيرة المتشرعة ـ فقد تقدم الكلام في الحلقة الثانية عن كيفية افادتها اليقين عن طريق حساب الاحتمال.

٢٥

مبحث التواتر

قوله ١٩٧ س ١٠ الخبر المتواتر من وسائل ... الخ : الوسائل المحصّلة لليقين الوجداني متعددة منها : التواتر ، الاجماع ، الشهرة.

ونبحث اولا عن الخبر المتواتر وكيفية افادته اليقين في نظر المشهور ثم عن كيفية افادته لذلك في نظر السيد الشهيد. وعند بيان طريقة المشهور نبيّن بالمناسبة وبالتبع طريقة المشهور في كيفية تولد اليقين في القضية التجريبية وأنّ تناول قرص الاسبرين عدة مرات كيف يولد اليقين بان الاسبرين هو العلة للشفاء.

لو رجعنا الى الكتب المنطقية (١) للتعرف على رأي المشهور في كيفية حصول اليقين في الخبر المتواتر نجد ان المنطق الارسطي (٢) يعرّف الخبر المتواتر بالخبر الذي نقله جماعة كثيره يستحيل تواطؤهم على الكذب. ومن خلال هذا التعريف نفهم ان الخبر المتواتر يتركب من مقدمتين :

أ ـ اخبار جماعة كثيرة.

ب ـ ان الجماعة الكثيرة يستحيل اجتماعها على الكذب.

اما المقدمة الاولى فهي ثابتة بالحس والوجدان ، اذ سمعنا بالاذن اخبار

__________________

(١) كحاشية ملا عبد الله ومنطق المظفر

(٢) المنطق المتداول اليوم هو المنطق الارسطي نسبة الى واضعه ارسطو. وقد استمر هذا المنطق من زمن ارسطو والى يومنا هذا. وحينما نعبر برأي المشهور فالمقصود رأي المنطق الارسطي الذي هو السائد الى اليوم

٢٦

الجماعة الكثيرة.

واما المقدمة الثانية فمن حقنا ان نسأل المنطق الارسطي ونقول كيف يمكن اثبات ان الجماعة الكثيرة يستحيل اجتماعها على الكذب؟ ويجيبنا عن ذلك بان هذه القضية هي من القضايا البديهية التي يحكم بها العقل بمجرد تصورها ، فهي مثل قضية « الكل اكبر من الجزء » فكما ان هذه القضية بديهية ويحكم بها العقل بمجرد تصورها كذلك قضية ان الجماعة الكثيرة يستحيل اجتماعها على الكذب هي مما يحكم بها العقل بمجرد تصورها. ومن هنا عدّ المنطق الارسطي الخبر المتواتر واحدا من القضايا الضرورية الست ، فانا قرأنا فى المنطق ان القضايا الضرورية ست احداها المتواترات.

وشبيه هذا البيان ذكره المنطق الارسطي في القضية التجريبية ، فان اليقين بكون الاسبرين علة للشفاء حاصل من مقدمتين هما :

ا ـ اقتران الشفاء بتناول القرص مرات عديدة.

ب ـ ان الصدفة لا تتكرر دائما ولا غالبا. ومع عدم تكرر الصدفة فلا يمكن ان يكون الشفاء حاصلا صدفة وليس لأجل تناول القرص.

واذا سألنا المنطق الارسطي عن هذه القضية ـ التي هي بمثابة الكبرى ـ وقلنا له ما هو المدرك لها لأجابنا ان هذه القضية بديهية مثل قضية الكل اكبر من الجزء. ومن هنا عدّ المنطق الارسطي القضية التجريبية واحدة من القضايا الست الضرورية. واضاف قائلا ان هذه القضية ليست ثابتة بسبب التجربة لانها هي المدرك لا ثبات القضية التجريبية ـ اي كون القرص علة للشفاء ـ فلو كانت ثابتة بالتجربة يلزم الدور (١).

__________________

(١) وستأتي مناقشة ذلك وان قضية الصدفة لا تتكرر ثابتة بسبب التجربة وليست من القضايا ـ

٢٧

ومن خلال هذا العرض يتضح ان الكبرى في الخبر المتواتر هي ان الجماعة الكثيرة يستحيل اجتماعها على الكذب بينما الكبرى في باب التجربة هي ان الصدفة لا تتكرر.

وبعد التأمل يمكننا القول بان كلتا الكبريين واحدة وهي ان الصدفة لا تتكرر ، فان الجماعة الكثيرة انما يستحيل اجتماعها على الكذب من جهة استحالة تكرر الصدفة ، فان لازم اجتماع جميع المخبرين على الكذب افتراض ان مصالح جميع المخبرين قد اتفقت صدفة واقتضت الكذب ، وهذا معناه تكرر الصدفة.

وباختصار : ان المنطق الارسطي يرى أن السبب في افادة القضية التجريبية والمتواترة لليقين هو القياس المنطقي المركب من مقدمتين كبراهما قضية « الصدفة لا تتكرر » التي قال انها ضرورية لا تحتاج الى استدلال.

رأي السيد الشهيد

واما السيد الشهيد فهو يرى ان السبب لتولد اليقين في القضية المتواترة والتجريبية هو حساب الاحتمال ـ لا ما ذكره المنطق الارسطي ـ فان المخبر الاول حينما يخبر عن قصة « غدير خم » مثلا فاحتمال صدقه ثابت ولنفرضه ١% فاذا اخبر الثاني فاحتمال الصدق يقوى الى ٢% مثلا. وهكذا بكل اخبار جديد يقوى احتمال الصدق ويضعف من ذلك الجانب احتمال الكذب الى درجة الصفر او قريب منه. هذا هو منشأ حصول اليقين في القضية المتواترة وليس هو تلك القضية التي افترضها المنطق الارسطي وهي « الصدفة لا تتكرر ».

__________________

ـ الاولية الضرورية

٢٨

ونفس الشى يقال في القضية التجريبية ، فان احتمال كون العلة للشفاء تناول القرص وان كان ضعيفا في المرة الاولى الا انه يقوى في المرة الثانية والثالثة وهكذا الى ان يحصل اليقين او ما يقرب منه.

يبقى علينا ان نوضح كيف نحصر السبب لحصول اليقين في حساب الاحتمال والحال ان كون السبب هو تلك القضية التي افترضها المنطق الارسطي امر محتمل ايضا.

وفي هذا المجال يمكن ذكر نكتتين للحصر :

ا ـ ان القضية التي افترضها المنطق الارسطي هي مبنية بنفسها على التجربة ، فانه حيث لا حظنا في وقائع كثيرة ومتعددة ان لكل شيء علة منظورة ـ اي مشخصة ـ ولم يقع صدفة حكمنا بان الصدفة لا تتكرر. فمنشأ هذه القضية اذن هو التجربة وليست هي قضية اولية ثابتة في عقل الانسان. وما دامت ثابتة بالتجربة فلا يمكن ان تكون هي السبب لحصول اليقين بالقضية التجريبية.

ب ـ ان حصول اليقين في القضية المتواترة والتجريبية لو كان ناشئا من تلك القضية التي افترضها المنطق الارسطي فاللازم ان يحصل اليقين بشكل واحد في جميع الحالات مع انا نلاحظ ان حصول اليقين يكون اسرع لو كان المخبرون في درجة عالية من الوثاقة او كانت الظروف تساعد على صدق تلك القضية وهكذا بالنسبة الى بقية العوامل المؤثرة. وهذا منبه وجداني على ان السبب في حصول اليقين ليس هو تلك القضية التي ادعى المنطق الارسطي ثبوتها في العقل وانها من القضايا الضرورية الواضحة والالزم ان يكون حصول اليقين على منوال واحد في جميع الحالات.

وملخص الحديث : ان المنطق الارسطي يرى ان السبب لحصول اليقين في

٢٩

القضية المتواترة والتجريبية هو القياس المنطقي المركب من مقدمتين كبراهما عقلية بديهية بينما السيد الشهيد يرى السبب هو الاستقراء وتطبيق حساب الاحتمال.

قوله ص ١٩٨ س ٦ في القضايا الضرورية الست : ورد في منطق المظفر ج ٣ مبحث اليقينيات مانصه : « فالبديهيات اذن هي اصول اليقينيات وهي على ستة انواع بحكم الاستقراء : اوليات ، ومشاهدات ، وتجريبيات ، ومتواترات ، وحدسيات ، وفطريات ». والمنطق الارسطي يدعي ان قضية « الصدفة لا تتكرر » من القسم الاول اي من القضايا الاولية ، وهي قضايا يحكم بها العقل بمجرد تصور الطرفين والنسبة مثل الكل اكبر من الجزء.

قوله ١٩٨ س ١٠ عليّة الحادثة الاولى للحادثة الثانية : اي عليّة تناول القرص للشفاء ، فتناول القرص هو الحادثة الاولى والشفاء هو الحادثة الثانية.

قوله ص ١٩٩ س ٣ ولا يمكن في رأيه ان تكون ثابتة بالتجربة : ولكن سيأتى منه ص ٢٠٠ س ١٦ انها ثابتة بالتجربة ومعه فلا يمكن ان تكون هي السبب لحصول اليقين بالقضية التجريبية.

قوله ص ٢٠٠ س ٥ وان الاعتقاد بها : عطف تفسير.

قوله ص ٢٠٠ س ١٠ بامكان افتراض وجود علة اخرى غير منظورة : ويعبّر عن العلة غير المنظورة بالصدفة ، فالصدفة هي وجود علة اخرى غير ملتفت اليها.

قوله ص ٢٠٠ س ١٦ ونفس الكبرى : هذا هو الرد الاول على المذهب الارسطي.

قوله ص ٢٠٠ س ١٧ ومن هنا ... الخ : هذا هو الرد الثاني. اي ومن اجل ان المنشأ حساب الاحتمال لا تلك القضية التي افترضها المنطق الارسطي نجد ان

٣٠

حصول اليقين ... الخ.

قوله ٢٠١ س ٢ بكل ماله دخل ... الخ : سيأتي في البحث التالي اي ص ٢٠٢ من الحلقة الامور الموجبة لتقوية الاحتمال وبالتالي لسرعة حصول اليقين.

قوله ص ٢٠١ س ٦ مفردات التواتر : وهي كل خبر من الاخبار.

قوله ٢٠١ س ٩ وكذلك الحال في لاقترانات : هذا راجع الى القضية التجريبية ، وما قبل ذلك كان ناظرا الى القضية المتواترة.

قوله ص ٢٠١ س ١٥ وليس مشتقا : اي ليس ناشئا.

الضابط للتواتر

قوله ص ٢٠٢ س ١ والضابط في التواتر ... الخ : قد يسأل : متى يصل الخبر الى درجة التواتر ويعد خبرا متواترا؟ والجواب : يحصل ذلك فيما اذا اخبر جماعة كثيرة عن مضمونه ، فكثرة المخبرين ـ كما اذا كانوا عشرين او ثلاثين ـ هي الملاك في صيرورة الخبر متواترا وافادته اليقين ، فكل خبر اخبر به جماعة كثيرة وحصل بسبب ذلك اليقين فهو متواتر.

وقد يسأل ثانيا : ما هو عدد المخبرين الذي يحصل بسببه اليقين؟ والجواب : لا يمكن الحصر في عدد معين ، اذ هناك عوامل تؤثر في سرعة حصول اليقين وبطئه ، فاذا حصلت فلربما العشرة او الاقل يحصل بها اليقين واذا لم تحصل فلربما لا يحصل بالعشرين. وتلك العوامل يمكن تقسيمها الى قسمين :

ا ـ عوامل موضوعية ، وهي العوامل التي لا تختص بشخص دون اخر ، بل هي لو حصلت في حق اي شخص اثرت في سرعة حصول اليقين او بطئه.

٣١

ب ـ عوامل ذاتية ، وهي العوامل التي تختص ببعض الاشخاص ولا تعم الجميع.

اما العوامل الموضوعية فنذكر لها خمسة امثلة :

١ ـ وثاقة المخبرين ونباهتهم ، فانه كلما كان كل واحد من المخبرين شديد الوثاقة والنباهة كان حصول اليقين اسرع كما هو واضح.

٢ ـ اختلاف ظروف المخبرين ومسالكهم ، فانه كلما اختلفت ظروف المخبرين من حيث الزمان والمكان والخصوصيات الاخرى وهكذا كلما اختلفت مسالك المخبرين وآراؤهم ومذاهبهم كان حصول اليقين اسرع بخلاف ما اذا تقاربت الظروف والمسالك ، فان حصول اليقين يكون ابطء ، حيث ان احتمال وجود مصلحة شخصية واحدة تدعو الى كذب الجميع قوى.

٣ ـ غرابة القضية المخبر عنها ومألوفيتها ، فان القضية المخبر عنها اذا كانت غريبة وغير مألوفة ـ كما اذا اخبر عن حصول المطر بنزول الحصى بدل الماء ـ فحصول اليقين يكون ابطء بخلاف ما اذا كانت مألوفة.

٤ ـ الأطلاع على الظروف الخاصة لكل مخبر ، فان العدو اذا اخبر عن قضية هي في صالح عدوه كان حصول اليقين اسرع لضعف احتمال وجود المصلحة في الاخبار كذبا ، بخلاف ما اذا كان الاخبار من المحب ، فان حصول اليقين يكون ابطء لقوة احتمال وجود المصلحة في الاخبار كذبا.

٥ ـ وضوح المدرك للشهود وعدمه ، فان المدرك للشهود اذا كان هو الحس ـ كالاخبار عن نزول المطر ، فانه قضية محسوسة تشاهد بالبصر ـ فحصول اليقين اسرع بخلاف ما اذا كان المستند ليس هو الحس كالاخبار عن العدالة ـ فانها لا تحس بالعين او السمع ، بل تعرف بآثارها ولوازمها ـ فيكون حصول اليقين

٣٢

ابطء.

واما العوامل الذاتية فنذكر لها ثلاثة امثلة :

١ ـ طباع الناس المختلفة ، فان بعض الاحتمالات ضيئلة جدا لا يمكن لأي ذهن بشري الاحتفاظ بها كما اذا كان الاحتمال ١٠٠٠٠٠٠ / ١ ، وهناك بعض الاحتمالات يمكن لبعض الاذهان الاحتفاظ بها دون بعض الاذهان الاخرى كاحتمال ٥% ، فانه لا يمكن للعجائز الاحتفاظ به ، ولذا يحصل اليقين لهن بسرعة حيث يزول هذا الاحتمال الضعيف من اذهانهن ولا يحتفظن به بخلافه في الشاب المثقف فانه يبقى محتفظا به ولا يسرع حصول اليقين له.

٢ ـ المباني السابقة الثابتة في الذهن ، فان الانسان اذا كان يبني على افضلية الامام امير المؤمنين عليه‌السلام فالروايات الواردة لاثبات افضلية غيره عليه لا يحصل منها اليقين له ، وهذا بخلافه لو كانت موافقة للمبنى السابق ودالة على افضلية الامام عليه‌السلام فانه يسرع حصول اليقين له.

ثم ان المبنى القبلي يؤثر على سرعة وبطء حصول اليقين وان كان وهما غير مطابق للواقع ، فانه ما دام مطابقا للواقع في نظر صاحبه يكفي ذلك لتأثيره اثره.

٣ ـ المشاعر العاطفية ، فان الناس يختلفون من حيث حسن الظن بالآخرين وصفاء نفوسهم ، فمن كان له حسن الظن وصفاء النفس يسرع لديه حصول اليقين لو وصلته اخبار تثني على انسان معين بخلاف من لا صفاء لنفسه وله سوء الظن فانه لا يسرع لديه حصول اليقين.

قوله ص ٢٠٢ س ٣ لان ذلك يتأثر : اي لان حصول اليقين من الكثرة يتأثر ... الخ.

قوله ص ٢٠٢ س ١٢ عاملا عكسيا : اي معاكسا لسرعة حصول اليقين.

٣٣

قوله ص ٢٠٣ س ٤ ايجابا : اي تؤثر في سرعة حصول اليقين. وقوله « او سلبا » يعني يؤثر في بطء حصول اليقين.

قوله ص ٢٠٣ س ١٤ او من قدرته على : اي ان حسن الظن بالآخرين تارة يجعل احتمال صدق المخبر في اخباره قويا واخرى يكون سببا لعدم الاحتفاظ بالاحتمال الضئيل بالكذب وتحوّل احتمال الصدق الى اليقين نتيجة لعدم الاحتفاظ بالاحتمال الضئيل بالكذب.

قوله ص ٢٠٣ س ١٥ ايجابا او سلبا : فان من له سوء الظن يتفاعل مع الاحتمال الضئيل ويكون ذلك سببا لعدم حصول اليقين له ـ وهذا تفاعل ايجابي ـ بينما من له حسن الظن لا يتفاعل مع الاحتمال الضئيل ويكون ذلك سببا لحصول اليقين ، وهذا تفاعل سلبي.

تعدد الوسائط في التواتر

قوله ص ٢٠٤ س ١ اذا كانت القضية الاصلية ... الخ : اذا تعدد المخبرون عن قضية الغدير مثلا وكثر اخبارهم عنها الى حد التواتر ، فهنالك حالتان :

١ ـ ان يقول المخبرون : انا نشهد بسماع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

٢ ـ ان يقول المخبرون : لم نسمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من كنت ... الخ وانما سمعنا اشخاصا آخرين يشهدون بانهم سمعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول من كنت ... فزرارة مثلا يقول : سمعت ابا ذر يقول : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قائلا من كنت ... ويصطلح على زرارة اسم المخبر غير المباشري وعلى ابي ذر اسم المخبر المباشري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وباتضاح هاتين الحالتين نقول : اما الحالة الاولى فلا كلام فيها ، اذ متى ما

٣٤

كثر المخبرون بدرجة يحصل من اخبارهم اليقين كان خبرهم متواترا.

واما الحالة الثانية ـ وهي الحالة المتداولة فان الروايات المتداولة بيننا اليوم تخبر عن اهل بيت العصمة عليهم‌السلام مع الوسائط ـ فيمكن طرح السؤال التالي فيها : متى يكون الخبر مع الوسائط متواترا؟ والجواب : ان التواتر يتحقق حالة الوسائط فيما اذا تحقق احد الامرين التاليين :

١ ـ ان يكون عدد المخبرين في كل طبقة من الطبقات قد بلغ حد التواتر ، فلو كان التواتر يتحقق بخمسين مخبر مثلا فيلزم ان يكون عدد المخبرين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمباشرة خمسين شخصا كما ويلزم ان يكون الاخبار عن كل واحد من هؤلاء الخمسين بمقدار خمسين ايضا ، فابوذر الذي يخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمباشرة يلزم ان يخبر عنه خمسون شخصا ، وسلمان الذي يخبر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة يلزم ان يخبر عنه خمسون شخصا ايضا وهكذا الى تمام الخمسين. اجل يكفي وجود خمسين واحدة تخبر عن كل واحد من الخمسين السابقة ولا يلزم وجود خمسينات متعددة بعدد كل واحد من الخمسينات السابقة.

٢ ـ ان لا يكون كل واحدة من الطبقات بالغا حد التواتر ولكن نأخذ بتجميع القيم الاحتمالية لقضية الغدير التي يخبر عنها مخبرون غير مباشريين فنقول : ان قيمة احتمال صحة قضية الغدير التي يخبر زرارة باخبار سلمان عنها ١٠٠ / ١ مثلا ـ وانما كان الاحتمال ضعيفا لان كثرة الوسائط تقلل من قوة الاحتمال ـ وهكذا قيمة احتمال صحة قضية الغدير التي يخبر محمد بن مسلم باخبار عمار عنها ١٠٠ / ١ ، وبذلك يرتفع احتمال حقانية قضية الغدير الى ١٠٠ / ٢. وبهذا الشكل نأخذ بتحميع القيم الاحتمالية بعضها الى بعض الى ان يحصل اليقين. ومن الطبيعي ان هذا يحتاج الى وجود اخبارات غير مباشرية كثيرة ، فان قيمة احتمال صحة قضية الغدير مادام

٣٥

المخبر عنها غير مباشري ضعيفه فيحتاج الى تجميع اكثر.

قوله ص ٢٠٤ س ١ المطلوبة اثباتها : لعل حذف التاء من كلمة « المطلوبة » اولى.

قوله ص ٢٠٤ س ٥ من الشهادات الاخرى : اي الشهادة في كل طبقة من الطبقات.

قوله ص ٢٠٤ س ٩ للخبر غير المباشر : وهو اخبار كل مخبر من الطبقة المتأخرة عن الطبقة المتقدمة.

قوله ص ٢٠٤ س ١٤ لان مفردات الجمع ... الخ : المقصود من مفردات الجمع كل فرد من افراد الاخبار. وضمير « منها » يرجع الى القيمة ، اي ان قيمة الأخبار لو لم يكن مباشريا اصغر منها لو كان مباشريا.

اقسام التواتر

قوله ٢٠٥ س ١ اذا واجهنا عددا كبيرا ... الخ : حاصل المبحث المذكور ان التواتر على ثلاثة اقسام :

١ ـ ان يخبر الجميع عن مدلول مطابقي واحد ، كما هو الحال في حديث الغدير ، حيث يخبر الجميع عن جملة واحدة هي : « من كنت مولاه فهذا على مولاه ». ويسمى هذا بالتواتر اللفظي.

٢ ـ ان يخبر الجميع عن مدلول تضمني او التزامي واحد ، كما لو اخبر اشخاص متعددون عن قضايا متعددة ترتبط بكرم حاتم ، فقال احدهم كان حاتم يوقد النار ليرى الضيوف بيته فيأتوا اليه ، وقال الآخر كان حاتم يقول لعبده لو اتيتني بضيف فأنت حر ، وشبيه بذلك نقل الآخرون. ان مثل هذه القصص

٣٦

تشترك جميعها في معنى واحد وهو كرم حاتم الذي هو مدلول تضمني او التزامي لها. ويسمى هذا بالتواتر المعنوي.

٣ ـ ان يخبر الجميع عن قضايا متعددة بلا اشتراك في مدلول مطابقي او تضمني او التزامي. ويسمى ذلك بالتواتر الاجمالي. ونتحدث ابتداء عن هذا القسم. ومثاله : كتاب الوسائل ، فان من فتحه ورأى فيه آلاف الاحاديث امكنه ان يقطع بان مقدارا منها كاذب اذ ما اكثر ما كذب على اهل البيت عليهم‌السلام ولنفترض عدد الكاذب (١٠٠) حديث ، وبذلك يتشكل علم اجمالي بكذب (١٠٠) حديث من احاديث الوسائل.

وبعد هذا نفترض انتخاب (١٠٠) رواية بشكل عشوائي بمعنى جمع روايات متعددة من مختلف الابواب ومن دون قصد مسبق لها ، فواحدة من كتاب الصلاة تدل على حكم يرتبط بالصلاة واخرى من الصوم تدل على حكم يرتبط به وثالثة من الحج تدل على حكم مرتبط به وهكذا ، ثمّ جمعت الروايات المذكورة بدون ان تشترك في مدلول تضمني او التزامي او مطابقي واحد.

وبعد جمع الروايات المذكورة التي هي بقدر (١٠٠) رواية نسأل : هل يمكن الجزم بان جميع هذه الروايات المائة ليس كاذبا بل واحد منها على الاقل صادق حتما؟ والجواب : نعم يمكن الجزم بذلك لان احتمال كذب مجموع المائة ضعيف جدا بحساب الاحتمال ، اذ قيمة احتمال كذب الرواية الاولى اذا كان ٢ / ١ وقيمة احتمال كذب الرواية الثانية ٢ / ١ ايضا وهكذا قيمة احتمال كذب كل رواية من الروايات الاخرى فاذا اردنا التعرف على قيمة احتمال كذب محموع المائة كان من اللازم ضرب ٢ / ١* ٢ / ١* ٢ / ١* ٢ / ١* ٢ / ١ وهكذا الى مائة نصف (١) ، ومن الواضح ان الاحتمال

__________________

(١) ولمعرفة النتيجة يضرب كل بسط في البسط الآخر وكل مقام في المقام الآخر ، وبضرب ـ

٣٧

الناتج بعد عملية الضرب يكون ضعيفا جدا وبالعكس من ذلك يصبح احتمال صدق واحدة من الروايات قويا جدا وبالغا الى حد الاطمئنان (١). وسبب حصول هذا الاطمئنان كما عرفت كثرة عدد الاخبار ، فان نفس الكثرة تولّد اطمئنانا بصدق واحد منها. ويمكن ان نصطلح على مثل هذه الكثرة المولدة للاطمئنان بالمضعف الكمي ، اي يضعف احتمال كذب الجميع بسبب الكم وهو

__________________

ـ ١* ١* ١* ١* ... تكون نتيجة البسط ١ ، وبضرب المقام بعضه ببعض ٢* ٢* ٢* ... تكون نتيجة المقام بالآلاف ، اي تكون قيمة احتمال كذب الجميع واحدا من آلاف الاحتمالات

(١) اجل صدق جميع الروايات المائه العشوائية ضعيف جدا ايضا ، لان قيمة احتمال ذلك يحصل بضرب ٢ / ١* ٢ / ١* ٢ / ١* ٢ / ١ ... ، ولكنا ندعي ان احتمال صدق رواية واحدة يصبح قويا دون الجميع. وللتعرف على قيمة احتمال صدق رواية واحدة لا يضرب ٢ / ١* ٢ / ١ ... فان عملية الضرب تتبع فيما لو اريد التعرف على قيمة احتمال صدق جميع الروايات. وبهذا تتضح نكتة الفرق بين ما اذا اريد التعرف على قيمة احتمال كذب الجميع وما اذا اريد التعرف على قيمة احتمال صدق رواية واحدة من بين آلاف روايات الوسائل ، ففي الحالة الاولى حيث يراد التعرف على قيمه احتمال كذب الجميع فلا بد من اتباع عملية الضرب بينما في الحالة الثانية حيث لا يراد التعرف على قيمة احتمال صدق الجميع بل على قيمة احتمال صدق رواية واحدة فلا معنى لاتباع عملية الضرب.

وقد يقال : لماذا لا نتبع عملية الجمع للتعرف على قيمة احتمال الصدق كما كنا نتبعها في مثال الاسبرين ، حيث كنا نقول : ان احتمال عليّه الاسبرين في المرة الاولى اذا كان بقدر ١٠٠ / ١ ففي المرة الثانية يرتقي الى ١٠٠ / ٢.

والجواب : ان عملية الجمع تتبع فيما اذا كان كل احتمال يؤثر على قيمة الاحتمال الآخر بان كانت الاحتمالات مترابطة كما في مثال الاسبرين ، فان حصول الشفاء في المرة الاولى يقوّي من احتمال كون القرص هو العلة في المرة الثانية ، وهذا بخلافه في المقام فان الاحتمالات مستقلة ولا يؤثر صدق الرواية الاولى على قوة احتمال صدق الرواية الثانية لتغاير موضوع كل رواية مع موضوع الاخرى ، ومعه فلا معنى لاتباع عمليه الجمع

٣٨

الكثرة. وفي مقابل المضعف الكمّي يوجد مضعّف آخر يأتي في الصورة الثانية والثالثة يمكن ان يصطلح عليه بالمضعّف الكيفي.

والتواتر في هذه الحالة يسمى بالتواتر الاجمالي حيث يطمئن بصدور واحد من الاخبار على سبيل الاجمال دون تعيين.

وقد تسأل : ما فائدة الجزم بصدور خبر واحد من بين الاخبار المائة بعد ما لم يكن متميزا؟ والجواب : انه بعد العلم بصدور واحد من الاخبار المائة يجب الاحتياط وذلك بالاتيان بالصلاة التي دل واحد من الاخبار على وجوبها وبالصوم الذي دل خبر آخر على وجوبه وبالحج الذي دل خبر ثالث على وجوبه ، وهكذا يلزم الاتيان بجميع الافعال التي دلت الاخبار المئة على وجوبها. وهذا نظير ما لو كان لدينا (١٠٠) اناء وعلمنا بنجاسة اناء واحد منها فانه كما يجب الاجتناب عن الجميع كذلك في مقامنا يجب الاحتياط بالاتيان بالجميع.

مطلب ظريف

ثم ان السيد الشهيد ذكر مطلبا ظريفا وهو ان واحدا من الاخبار المائة وان كنّا نطمئن بصدوره ولكن لا يمكن ان يتحول هذا الاطمئنان الى اليقين ، اذ لو تحول وجزم بان جميع هذه المائة العشوائية ليس كاذبا بل واحد منها صادق جزما فيلزم ان يحصل الجزم المذكور في بقية المئات العشوائية ايضا لعدم الفرق بينها ، وبالتالي يلزم ان تبقى تلك المائة التي افترضنا اول البحث كونها كاذبة ـ حيث افترضنا في اول حديثنا عن القسم الثالث العلم بكذب مئة رواية من بين آلاف روايات الوسائل ـ بلا مصداق فلا بد على هذا الاساس من احتمال كذب جميع كل واحدة من المئات العشوائية ، ومع وجود هذا الاحتمال فلا يمكن تحول الاطمئنان الى

٣٩

يقين.

نعم يبقى شيء وهو انه بعد حصول الاطمئنان بصدق واحد من الاخبار المائة العشوائية فهل يكون هذا الاطمئنان حجة حتى يجب بسببه الاحتياط او لا؟ والجواب : ان مدرك حجية الاطمئنان هو السيرة العقلائية ، فان العقلاء جرت سيرتهم على الاخذ بالاطمئنان ، واذا رجعنا الى العقلاء فلا نجزم بجريان سيرتهم على الاخذ بالاطمئنان الاجمالي ـ اي الاطمئنان بصدور واحد غير معين من الاخبار ـ بل القدر المتيقن جريان سيرتهم على التمسك بالاطمئنان التفصيلي اي الاطمئنان بصدور خبر معين خاص. ومعه فلا يكون التواتر الاجمالى مجديا.

القسم الثاني من اقسام التواتر

قوله ص ٢٠٦ س ١٥ الحالة الثانية ... الخ : ذكرنا فيما سبق ان للتواتر اقساما ثلاثة ، وتحدثنا عن القسم الثالث ، والآن نتحدث عن القسم الثاني وهو ان تشترك جميع الاخبار في مدلول التزامي او تضمني واحد كما اذا نقل احد المخبرين قصة تدل على كرم حاتم ونقل الثاني قصة اخرى تدل على كرمه ايضا وهكذا ، فجميع هذه الاخبار يدل على مدلول التزامي او تضمني واحد وهو كرم حاتم (١).

وقد تسأل : هل هذا التواتر يحصّل الاطمئنان بصدور واحدة على الاقل من تلك القصص المنقولة؟ نعم يحصّل ذلك ، وبالتالي يدل على ثبوت الكرم لحاتم ، لان واحدة من تلك القضايا المنقولة اذا كانت صادرة حتما فيثبت بذلك كرم حاتم.

ولكن كيف يمكن لهذا القسم من التواتر تحصيل الاطمئنان بصدور واحدة

__________________

(١) وليس من المهم تحقيق ان كرم حاتم مدلول تضمني او التزامي

٤٠