الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

الاحرام الذي هو شرط الترتب فهو ليس شرطا لا للوجوب الانشائي ولا للوجوب الفعلي وانما هو شرط للواجب اي الحج (١).

٧ ـ وفي هذه النقطة ندفع الشبهة التي قد يستند اليها في اثبات استحالة الواجب المشروط ، وهي ان الوجوب المشروط لو كان ممكنا فيلزم ان لا يكون الوجوب ثابتا قبل تحقق شرطه ، فوجوب الحج مثلا يلزم ان لا يكون ثابتا قبل الاستطاعة لتأخر تحقق المشروط عن تحقق شرطه مع ان من الواضح ثبوت الوجوب للحج قبل تحقق الاستطاعة فان قوله تعالى : ( « ولله على الناس ... » ) يثبت الوجوب للحج سواء كان مستطيع خارجا ام لا ، ولازم ذلك عدم اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة.

والجواب : ان لوجوب الحج مرحلتين : مرحلة الوجوب الانشائي ومرحلة الوجوب الفعلي ، والآية الكريمة ناظرة الى الوجوب الانشائي ، فانها تنشأ الوجوب للحج ، وقد تقدم في النقطة السادسة ان الوجوب الانشائي ليس مشروطا بالاستطاعة الخارجية حتى يقال كيف ثبت قبل تحققها ـ الاستطاعة الخارجية ـ وانما هو مشروط بالاستطاعة الفرضية وهي ثابتة عند تحقق الوجوب الانشائي ، فان المولى حينما ينشأ وجوب الحج يفترض المستطيع ويقول لو فرض وجود مستطيع وجب عليه الحج ، هذا في الوجوب الانشائي الذي تكفلته الآية الكريمة ، واما الوجوب الفعلي فهو لا يتحقق الا بعد تحقق الاستطاعة خارجا. اذن بتحقق الاستطاعة خارجا يصير الوجوب فعليا وقبل ذلك لا وجوب فعلي حتى يرد الاشكال وانما المتحقق هو الوجوب الانشائي وهو مشروط بالاستطاعة

__________________

(١) وقد اشار قدس‌سره لهذه النقطة بقوله : « واذا لاحظنا المرحلة الثالثة بدقة ... الخ ». ثم ان اول من وجدناه يقسم الشروط الى القسمين المذكورين شروط الاتصاف وشروط الترتب هو الشيخ العراقي في تقرير درسه بدايع الافكار ص ٣٣٥

٢٦١

الفرضية المتحققة حين تحققه (١).

٨ ـ وقد تسأل عن ثمرة هذا البحث وانه ماذا يترتب على الوجوب المشروط لو كان ممكنا؟ والجواب ان لهذا المبحث ارتباطا وثيقا بحل مشكلة المقدمات المفوتة التي حاصلها ان من المسلّم وجوب الاغتسال على الجنب في شهر رمضان قبل طلوع الفجر والحال ان وجوب الصوم يبتدأ بعد طلوع الفجر ، ان لازم هذا تحقق وجوب المقدمة قبل تحقق وجوب ذيها وهو امر غير معقول (٢) وقد قدمت عدة حلول للمشكلة المذكورة احدها ما ذكره الشيخ الانصاري ـ مبنيا على رأيه من استحالة الوجوب المشروط ـ من ان وجوب الصوم لا يكون مشروطا بطلوع الفجر بل هو ثابت قبل ذلك ايضا ، ومع ثبوته قبل الطلوع يكون ثبوت الوجوب للغسل قبل الطلوع على وفق القاعدة وليس مخالفا لها كما يأتي ايضاح ذلك ص ٣٤٩ من الحلقة (٣).

قوله ص ٣٣٠ س ١ وكيفية استيفائها : عطف تفسير على قوله « ترتب تلك المصلحة ».

قوله ص ٣٣٠ س ٦ وشرب الدواء سواء كان مطلوبا تشريعيا ... الخ : شرب الدواء اذا اراده نفس المريض سمي بالمراد التكويني لان الارادة التكوينية عبارة عن تعلق ارادة المريد بنفس فعله لا بفعل غيره ، اما لو اراده الطبيب سمي بالمراد التشريعي لان الارادة التشريعية تعني تعلق ارادة المريد بفعل غيره لا بفعل نفسه ، وباتضاح هذا نقول : المقصود ان مصلحة استعمال الدواء مشروطة

__________________

(١) وقد اشار قدس‌سره لهذه النقطة بقوله : « واما ما يقال من ان الوجوب المشروط ... الخ ».

(٢) ويسمي الأصوليون مثل الغسل بالمقدمة المفوتة حيث ان المكلّف لو لم يأت به قبل زمان وجوب ذي المقدمة لفاته الصوم. ويأتي التعرض لمشكلة المقدمات المفوتة ص ٣٤٧ من الحلقة تحت عنوان « المسؤولية عن المقدمات قبل الوقت ».

(٣) وقد تعرض ١ لهذه النقطة بقوله : « واما ثمرة البحث عن امكان ... الخ ».

٢٦٢

بالمرض في اصل ثبوتها وببعدية الطعام في ترتبها من دون فرق بين كون استعمال الدواء قد اراده الطبيب او اراده نفس المريض.

قوله ص ٣٣٠ س ٩ في المرحلة الثانية : لو كان قدس‌سره يعبر هكذا : « وشروط الاتصاف تكون شروطا في المرحلة الثانية اي لنفس الارادة » لكان اوضح.

قوله ص ٣٣٠ س ١٣ فالانسان لا يريد ... الخ : عدم وضع هذا رأس السطر اولى فانه متصل بسابقه. ثم ان هذا مثال للارادة التكوينية ، واما ما يذكره بقوله « ولا يريد من مأموره ... الخ » فهو مثال للارادة التشريعية ، وقوله « كذلك » : اي مريضا.

قوله ص ٣٣٠ س ١٥ او لمن يوجهه : وهو الطبيب ، فانه الذي يوجّه المريض.

قوله ص ٣٣١ س ٤ ومتعلقة ... الخ : اي هي فعلية بيد انها متعلقة بالمقيد اي الحصة الخاصة وهي الدواء المقيد بما بعد الطعام.

قوله ص ٣٣١ س ٥ نحو ايجاد القيد نفسه : اي نحو ايجاد الطعام او بتعبير ادق بعدية الطعام.

قوله ص ٣٣١ س ٨ بل بوجودها التقديري اللحاظي : فان المريض يريد استعمال الدواء عند اعتقاد كونه مريضا وتخليه لذلك سواء كان مريضا حقا ام لا فلو لم يقدّر المرض ـ اي لم يلحظه ولم يعتقده ـ لما اراد استعمال الدواء حتى لو كان مريضا واقعا.

قوله ص ٣٣١ س ٨ لان الارادة معلولة : اي والنكتة فيما ذكرناه واضحة ، فان الانسان انما يريد الدواء عند اعتقاده بمرضه وعند اعتقاده بوجود المصلحة في

٢٦٣

استعماله للدواء وليست ارادته للدواء مرتبطة بوجود المرض والمصلحة واقعا.

قوله ص ٣٣١ س ٩ ولحاظ ماله دخل ... الخ : عطف تفسير على قوله « ادراك المصلحة ».

قوله ص ٣٣١ س ١٦ او فيمن يتولى توجيهه : هذا في الارادة التشريعية ، وما سبقه ناظر الى الارادة التكوينية.

قوله ص ٣٣٢ س ٢ فقد علمنا سابقا : وذلك في مواطن متعددة منها في الحلقة الاولى ص ١٥٦. والمقصود : انا عرفنا ان جعل الحكم عبارة عن نفس الحكم الانشائي اي انشاء وجوب الحج مثلا على المستطيع.

قوله ص ٣٣٢ س ٤ مشروطا : الصواب : شروطا.

قوله ص ٣٣٢ س ٨ باعتباره امرا نفسيا منوطا ومرتبطا : الصواب : منوط ومرتبط. والمقصود الاشارة الى نكتة كون الوجوب الانشائي للحج مشروطا بافتراض الاستطاعة وتقديرها لا بوجودها الخارجي ، وحاصل النكتة : ان الوجوب الانشائي عبارة عن الانشاء ، والانشاء امر نفسي ، والامر النفسي لا يمكن ان يكون مشروطا ومرتبطا بالامر الخارجي بل بالامر النفسي اي بافتراض الاستطاعة وتقديرها وتصورها.

قوله ص ٣٣٢ س ٩ كالارادة تماما : اي فكما ان الارادة منوطة بالشرط بوجوده التصويري لا بوجوده الخارجي ـ كما اشير الى ذلك في الصفحة السابقة من الحلقة س ٦ ـ كذلك في الجعل.

قوله ص ٣٣٢ س ١٠ ولهذا كثيرا ما يتحقق الجعل ... الخ : فالحكم الانشائي بوجوب الحج على المستطيع مثلا ثابت قبل ان تتحقق الاستطاعة خارجا.

قوله ص ٣٣٢ س ١١ واما فعلية المجعول : هذا عدل لقوله في س ٧ « ان

٢٦٤

الجعل باعتباره ... الخ » ، اي هذا كله في الجعل واما المجعول وهو الحكم الفعلي بوجوب الحج ... الخ.

قوله ص ٣٣٢ س ١٤ واما شروط الترتب : اي هذا كله في الاستطاعة التي هي شرط للاتصاف واتضح انها بوجودها الخارجي شرط للوجوب الفعلي وبوجودها اللحاظي شرط للوجوب الانشائي ، واما شروط الترتب كالاحرام فهي ليست شرطا لاصل الوجوب بل شرط للواجب اي الحج ، فان الحج هو المراد للمولى وهو الواجب ايضا ، وبما ان شرط الترتب كالاحرام مثلا هو شرط للمراد كما مر في النقطة الثالثة فيلزم ان يكون شرطا للواجب ايضا ، فان الواجب والمراد شيء واحد وهو الحج فاذا كان الاحرام شرطا للمراد فهو شرط للواجب ايضا ، والى هذا المعنى اشار قدس‌سره بقوله « تبعا لاخذها قيودا في المراد ».

قوله ص ٣٣٢ س ١٦ وبهذا نعرف : اي بهذا نعرف ان الوجوب الفعلي للحج ـ المعبر عنه بالمجعول ـ لا يكون ثابتا قبل تحقق الاستطاعة ـ التي هي شرط الاتصاف ـ خارجا لان وجوب الحج ما دام مشروطا في عالم الانشاء والجعل بالاستطاعة فيلزم ان لا يصير فعليا الا بعد تحققها خارجا.

قوله ص ٣٣٣ س ٣ بين الجعل والمجعول : اي بين الوجوب الانشائي للحج والوجوب الفعلي له.

قوله ص ٣٣٣ س ٤ اناطة الجعل بالوجود التقديري : اي ومن الواضح ان لحاظ المولى وتقديره للشرط ثابت عند تحقق الحكم الانشائي ، فان المولى حينما يقول « ولله على الناس ... الخ » يفترض الاستطاعة ويقدّرها وكأنه يقول : كل من فرض وقدّر انه مستطيع فالحج واجب عليه ، اذن لم يلزم ثبوت الحكم قبل شرطه.

٢٦٥

قوله ص ٣٣٣ س ٥ واناطة المجعول بالوجود الخارجي له : اي واناطة الحكم الفعلي بالوجود الخارجي للشرط ، وواضح ان الوجوب الفعلي للحج لا يثبت قبل تحقق الاستطاعة خارجا وانما الثابت هو الوجوب الانشائي وهو ليس مشروطا بالاستطاعة الخارجية ، ومعه فلا يلزم ثبوت الوجوب قبل تحقق شرطه.

قوله ص ٣٣٣ س ٧ في بحث مقبل : اي ص ٣٤٩ من الحلقة.

٢٦٦

المسؤولية اتجاه المقدمات

٢٦٧
٢٦٨

المسؤولية اتجاه القيود والمقدمات :

قوله ص ٣٣٤ س ١ تنقسم المقدمات ... الخ : حاصل هذا المبحث ان الأصوليين قسموا المقدمة الى ثلاثة اقسام :

١ ـ مقدمة الوجوب. ويقصد منها المقدمة التي يتوقف عليها اصل الوجوب بحيث لا يكون متحققا قبل تحققها كالاستطاعة لوجوب الحج ، فانه قبل تحققها لا وجوب اصلا للحج.

وانما صار وجوب الحج مشروطا بالاستطاعة باعتبار انه سبحانه حينما جعل الوجوب للحج وانشأه لم يجعله على مطلق المكلّف بل على المكلف المستطيع فبسبب اخذ الاستطاعة قيدا صار الوجوب مشروطا بها والا لم يكن مشروطا بل مطلقا.

٢ ـ المقدمة الشرعية للواجب (١) ، وهي المقدمة التي لا يتوقف عليها اصل الوجوب ، وانما يتوقف عليها امتثاله توقفا شرعيا كالوضوء بالنسبة الى الصلاة ، فان اصل وجوب الصلاة ليس مشروطا بالوضوء ـ والا يلزم عدم وجوبها على من لم يتوضأ ـ وانما هو شرط لحصول الواجب ، وبكلمة اخرى هو شرط لامتثال الوجوب ، وحيث ان توقف امتثال الامر بالصلاة على الوضوء توقف شرعي وليس توقفا عقليا سمي هذا القسم من المقدمة بالمقدمة الشرعية للواجب.

__________________

(١) ينبغي الالتفات الى ان مقدمة الواجب والمقدمة الوجودية ومقدمة الصحة الفاظ مترادفة فلا غرابة اذا عبّرنا تارة بمقدمة الواجب واخرى بالمقدمة الوجودية

٢٦٩

٣ ـ المقدمة العقلية للواجب ، وهي المقدمة التي لا يتوقف عليها اصل الوجوب بل امتثاله توقفا عقليا كالسفر بالنسبة الى الحج ، فان وجوب الحج لا يتوقف على السفر والا يلزم عدم ثبوت الوجوب على من لم يسافر وانما هو مقدمة لامتثاله ، وهذه المقدمة مقدمة عقلية فان العقل هو الذي يحكم بلزوم السفر لامتثال الامر بالحج بخلافه في الوضوء فانه لا يحكم بمقدميته للصلاة ، ومن هنا يسمى مثل السفر بالمقدمة العقلية باعتبار ان العقل هو الذي يحكم بمقدميته. ومن امثلة المقدمة العقلية ارتقاء السلّم فانه لو وجب النوم على السطح فالعقل يحكم بمقدمية ارتقاء السلّم ووجوبه ليتمكن من امتثاله.

وبعد اتضاح هذه الاقسام الثلاثة للمقدمة نشير الى فارق بين القسم الثاني والثالث ، ففي القسم الثاني لم يأمر المولى بذات الصلاة بل بالصلاة المقيدة بالوضوء ، فحصول الوضوء يكون مقدمة للتقيّد المطلوب ، اذ المفروض ان المطلوب ليس هو ذات الصلاة بل الصلاة مع التقيد بالوضوء ، فتحصيل الوضوء انما يلزم من باب انه مقدمة لحصول التقيد بالوضوء ، وهذا بخلافه في القسم الثالث فان المولى يأمر بذات الحج لا الحج المقيد بالسفر ، فالاتيان بالسفر اذن لا يكون مقدمة للتقيّد لفرض عدم طلب تقيد الحج بالسفر (١).

__________________

(١) ورد في عبارة الكتاب ان المقدمة المذكورة ـ كالوضوء مثلا ـ مقدمة عقلية للتقيّد ، وقد تسأل : ان كون الوضوء مقدمة للتقيد امر مسلم ولكن كيف هو مقدمة عقلية لا شرعية؟ ولتوضيح الجواب نذكر رأيا للآخوند يقول فيه : ان تقسيم المقدمة الى شرعية وعقلية ليس تاما بل المقدمة دائما عقلية ، فالوضوء مثلا مقدمة عقلية بتقريب : ان الوضوء انما صار مقدمة للصلاة باعتبار ان المولى لم يأمر بذات الصلاة بل بالصلاة+ التقيد بالوضوء ، ومن الواضح ان التقيد بالوضوء بعد ما كان مطلوبا فتكون مقدمية الوضوء مقدمة عقلية ، اذ مقدمية القيد لتحقق التقيد مما يحكم بها العقل ، فالتقيد بالوضوء بعد ما كان مطلوبا يحكم العقل بلزوم الاتيان بالقيد وهو الوضوء لكي يحصل التقيد. ـ

٢٧٠

وبعد هذا نطرح التساؤلين التاليين :

١ ـ هل يجب على المكلّف ايجاد جميع الاقسام الثلاثة للمقدمة او خصوص القسمين الأخيرين؟

٢ ـ متى يجعل المولى المقدمة وجوبية ومتى يجعلها وجودية؟ وبتعبير آخر ما هو الضابط الذي يسير عليه المولى في جعل بعض المقدمات شرطا لاصل الوجوب والبعض الآخر شرطا للواجب؟

اما بالنسبة للتساؤل الأول فجوابه : ان المقدمة اذا كانت وجوبية فلا يجب على المكلف ايجادها ، فالاستطاعة مثلا لا يجب ايجادها ، اذ قبل تحققها لا وجوب للحج ليحرك نحو تحصيلها وبعد تحققها فالامر بالحج وان كان موجودا لكنه لا يحرك نحو تحصيلها ، لانه بعد فرض حصولها يكون تحريكه نحوها من قبيل التحريك لتحصيل الحاصل.

واما اذا كانت المقدمة وجودية ـ كالوضوء بالنسبة للصلاة ـ فيجب تحصيلها ويكون الامر بالصلاة مثلا محركا نحو تحصيل الوضوء ، لان كل امر يحرك نحو ايجاد متعلقه وحيث ان المقدمة الوجودية قيد في المتعلق ـ فان الوجوب متعلق بالصلاة المقيدة بالوضوء ـ فامر « صل » مثلا الذي يحرك نحو متعلقه يكون محركا ايضا نحو ايجاد الوضوء لفرض ان التقييد بالوضوء جزء من المتعلق. اجل ان

__________________

ـ وان شئت قلت : ان المولى بعد ما امر بالمقيد ـ المراد بالمقيد هو ذات المقيد كالصلاة مثلا+ التقيد ـ فالعقل يحكم بلزوم الاتيان بالقيد لان المقيد عبارة عن ذات المقيد+ التقيد ، وحيث ان التقيد لا يحصل الا بواسطة ايجاد القيد فاللازم عقلا ايجاد القيد مقدمة للتقيد.

ثم لا يخفى ان السيد الشهيد قدس‌سره بهذه العبارة لا يريد ان يدعي ان الوضوء مقدمة عقلية كما يقول الآخوند وانما يقصد ان مقدمية الوضوء للتقيد مقدمية عقلية ولكن هذا المقدار لا يخرج الوضوء عن كونه مقدمة شرعية للصلاة ، فانه وان كان مقدمة عقلية لحصول التقيد الا ان اعتبار التقيد بالوضوء بما انه لم يثبت الا من طريق الشارع فبهذا الاعتبار يمكن عدّه مقدمة شرعية

٢٧١

الامر بالصلاة لا يحرك نحو الوضوء الاّ بعد دخول وقت الصلاة ، اذ قبل دخوله لا يكون فعليا ليحرك نحو الصلاة وبالتالي ليحرك نحو التقيد بالوضوء وانما يصير فعليا بعد دخول الوقت وحينذاك يحرك نحو المتعلق وبالتالي يحرك نحو الوضوء.

وبهذا يتضح ان المكلّف لا يمكنه ان ينوي الوجوب بوضوئه اذا اتى به قبل الوقت ، اذ قبل الوقت لا وجوب للصلاة ليجب الوضوء

وقد تسأل عن المقدمة التي هي وجوبية ووجودية معا ـ كالزوال بالنسبة لصلاة الظهر فانه من دون الزوال لا تجب صلاة الظهر بل ولا يمكن ايجادها ولو على سبيل الاستحباب ، فالزوال شرط لتحقق الوجوب وشرط لامكان تحقق الواجب ـ هل يجب على المكلف تحصيلها او لا؟ كلا لا يجب تحصيلها ، اذ قبل تحقق الزوال لا وجوب لصلاة الظهر لكي يحرك نحو تصيل المقدمة ، اجل ان القيد وهو الزوال اذا تحقق وصار الوجوب فعليا حرك هذا الوجوب المكلف نحو التقيد اي نحو ايجاد الصلاة بعد الزوال وعدم تأخيرها عن وقتها المقرر.

واما بالنسبة للتساؤل الثاني فجوابه : ان المقدمة تارة تكون شرطا لاصل الاتصاف بالمصلحة بحيث قبل تحققها لا تكون المصلحة متحققة اصلا ـ كما في الاستطاعة بالنسبة الى الحج فانه يمكن ان يقال بعدم المصلحة اصلا في الاتيان بحج الاسلام قبل تحقق الاستطاعة ـ واخرى تكون شرطا لترتب المصلحة لا لأصل وجودها ، وهذا كما في الاحرام والوضوء ، فاذا كانت :

أ ـ شرطا لاصل المصلحة فاللازم جعلها شرطا لاصل الوجوب اي جعلها مقدمة وجوبية ، لان الاستطاعة ما دامت غير متحققة فلا مصلحة في الحج لكي يهتم المولى بتحصيل الاستطاعة ويطلب ايجادها ، فاللازم في هذه الحالة جعل الاستطاعة مقدمة وجوبية للحج ، اذ لو جعلت مقدمة للواجب ـ اي قيدا في

٢٧٢

الواجب ـ للزم ايجادها لما مر في جواب السؤال الاول من وجوب ايجاد مقدمة الواجب.

ب ـ واما اذا كانت المقدمة شرطا لترتب المصلحة فلها حالتان ، فتارة تكون اختيارية للمكلف ـ كما هو الحال في الوضوء ـ واخرى غير اختيارية كما في دخول الوقت بالنسبة لصلاة الظهر (١) ، فان دخول الوقت ليس تحت اختيار المكلّف. فان كانت :

أ ـ اختيارية فاللازم اخذها قيدا في الواجب لان المصلحة في الصلاة مثلا ثابتة قبل تحقق الوضوء ، ومع ثبوتها قبل الوضوء فالمولى يهتم بتحصيل الوضوء ويلزم اخذه قيدا في الواجب اذ قيود الواجب يلزم على المكلّف تحصيلها.

ب ـ وان كانت غير اختيارية فيلزم اخذها قيدا في الواجب والوجوب معا. اما وجه اخذها قيدا في الواجب فباعتبار انها شرط للترتب. واما اخذها قيدا في الوجوب فلأنه لو اقتصر على اخذها قيدا في الواجب لزم على المكلّف تحصيلها والمفروض عدم امكان تحصيلها لكونها غير اختيارية.

اذن من خلال هذا اتضح ان المقدمة تكون وجوبية في حالتين :

١ ـ اذا كانت شرطا لاصل الاتصاف بالمصلحة.

٢ ـ اذا كانت شرطا لترتب المصلحة وكانت غير اختيارية.

قوله ص ٣٣٤ س ٤ كذلك : اي مما يتوقف عليها فعلية الوجوب.

قوله ص ٣٣٤ س ٤ واخذها مقدرة الوجود ... الخ : عطف تفسير على التقييد الشرعي.

__________________

(١) لئن كان في بعض الامثلة التي ذكرناها تأمل فالامر سهل بعد ما كان المقصود تقريب المطلب

٢٧٣

قوله ص ٣٣٤ س ٥ على نهج القضية الحقيقية : هذا راجع الى جعل الحكم ، فان الحكم بوجوب الحج مثلا مجعول على نهج القضية الحقيقية اي هو غير ثابت لخصوص الافراد الموجودة في الخارج بالفعل بل لكل من فرض انه مستطيع سواء كان موجودا بالفعل ام سيوجد في المستقبل.

قوله ص ٣٣٥ س ٧ والتقيد : التقيد عبارة عن الارتباط والاضافة بين شيئين ، فحينما يقال « غلام زيد » توجد ثلاثة اشياء : ذات الغلام ، وزيد ، والاضافة بينهما المعبر عنها بالتقيد. وفي مقامنا حينما يقال « تجب الصلاة المقيدة بالوضوء » فالمقصود ان الواجب هو : ذات الصلاة+ التقيد بالوضوء ، واما القيد فهو خارج عن المقيد ، اذ لو كان داخلا لكان جزء ولم يكن قيدا ، فان الفرق بين القيد والجزء هو ان الجزء داخل في المركب بينما القيد خارج عنه (١) ، فالركوع مثلا جزء من الصلاة بينما استقبال القبلة شرط لها ، وما ذاك الا لان الركوع داخل في حقيقة الصلاة ومقوم لها بينما استقبال القبلة خارج عنها وان كان يلزم ايقاعها مقيدة به.

قوله ص ٣٣٥ س ١٥ ولا مدينا : بضم الميم وهو من الادانة بمعنى العقاب. وقوله « بها » متعلق بقوله « مدينا » لا « بالمكلف ». وضمير « بها » يرجع الى المقدمات.

قوله ص ٣٣٦ س ٢ تبعا لتحريكه نحو متعلقه : اي ان الوجوب بما انه يحرك نحو متعلقه والمفروض ان المقدمة الوجودية قيد في المتعلق فيلزم ان يكون الوجوب محركا نحو المقدمة الوجودية ايضا.

__________________

(١) ولذا قال السبزواري في منظومته في مقام تحديد المقيد : « تقيد جزء وقيد خارجي » اي ان القيد خارج عن حقيقة المقيد وان كان ذات التقيد داخلا فيه وجزء منه

٢٧٤

قوله ص ٣٣٦ س ١٠ وايقاع الفعل مقيدا به : عطف تفسير على التقيد ، اي ان المقصود من تحريك الوجوب نحو التقيد هو انه يحرك نحو ايجاد الصلاة بعد الزوال مثلا في مقابل عدم ايجادها ابدا وايجادها لا بعد الزوال.

٢٧٥
٢٧٦

مبحث الشرط المتأخر

٢٧٧
٢٧٨

القيود المتاخرة زمانا عن المقيد :

قوله ص ٣٣٨ س ١ القيد سواء كان قيدا ... الخ :

يتعرض هذا البحث الى مشكلة واجهها الاصوليون تسمى بمشكلة الشرط المتأخر. وحاصلها : ان العلة كما نعرف لا يجوز تأخرها عن المعلول بل لا بدّ وان تكون مقارنة له ، وعلى ضوء هذا يقع الاشكال في بعض الموارد الشرعية التي تكون العلة فيها متأخرة عن المعلول كما في اجازة بيع الفضولي بناء على الكشف ، فان الملكية بناء على الكشف تحصل من حين العقد والحال ان العلة الموجبة لحصولها وهي الاجازة متأخرة عن العقد.

ومثال ثان لذلك غسل المستحاضة ، فان الاستحاضة اذا كانت كثيرة فيجب على المرأة ثلاثة اغسال : غسل في الصباح ، وغسل في الظهر ، وغسل في الليل ، وقد وقع النزاع بين الفقهاء في ان الغسل الليلي هل هو شرط لصحة صوم اليوم السابق او هو شرط لصحة صوم اليوم الآتي ، وبناء على الرأي الاول القائل بانه شرط لصحة صوم اليوم السابق يكون الغسل شرطا متأخرا للصوم السابق (١). والمشكلة في هذين المثالين ونظائرهما تقول : ان الشرط بمثابة العلة او جزء العلة ، ومن الواضح ان العلة واجزاءها لا يجوز تأخرها عن المعلول.

وبعد اتضاح هذا نمنهج مطالب الكتاب ضمن النقاط الاربع التالية :

١ ـ ان الشرط في القضايا الشرعية تارة يكون شرطا لاصل الحكم

__________________

(١) واما بناء على كونه شرطا لصوم اليوم الآتي فالشرط متقدم لا متأخر

٢٧٩

واخرى شرطا لمتعلق الحكم. ونذكر لكل واحد مثالين.

أ ـ رؤية هلال رمضان بالنسبة الى وجوب الصوم ، فان وجوب الصوم مشروط برؤية الهلال ، ومن دون رؤيته لا يجب الصوم.

ب ـ الزوال بالنسبة الى وجوب صلاة الظهر فان صلاة الظهر لا تجب الا اذا تحقق زوال الشمس ، فالزوال شرط لاصل الوجوب.

وهذان مثالان للشرط الراجع لأصل الحكم. اما الراجع لمتعلق الحكم فهو :

ج ـ الوضوء بالنسبة الى الصلاة ، فانه ليس شرطا لوجوبها والا يلزم عدم وجوب الصلاة عند عدم تحصيل الوضوء ، وانما هو شرط لنفس الصلاة التي هي متعلق الحكم والتي تسمى بالواجب ايضا ، فالوضوء اذن شرط للواجب لا للوجوب (١).

د ـ استقبال القبلة بالنسبة للصلاة ، فانه ليس شرطا لوجوبها وانما هو شرط لنفس الصلاة التي هي متعلق الوجوب.

٢ ـ ان الشرط سواء كان راجعا للحكم ام لمتعلقه تارة يكون شرطا متقدما واخرى مقارنا. ولتوضيح ذلك نذكر اربعة امثلة اثنان منهما للشرط المتقدم الراجع الى الحكم والى المتعلق واثنان آخران للشرط المقارن الراجع الى الحكم

__________________

(١) يوجد اختلاف بين الفقهاء في شرط الصلاة وانه نفس الوضوء او الطهارة الحاصلة منه والمسببة عنه ، فهناك من يقول ان شرط الصلاة هو نفس الوضوء اي نفس الغسلات والمسحات وهناك من يقول ان الطهارة الحاصلة من الوضوء والمسببة عنه هي الشرط. ونحن حينما ذكرنا الوضوء كمثال للشرط المتقدم كان ذلك مبنيا على ان الشرط هو نفس الوضوء ، فان نفس الوضوء امر متقدم على الصلاة ، اما اذا كان الشرط هو الطهارة الحاصلة بالوضوء فالشرط شرط مقارن لان الطهارة الحاصلة من الوضوء امر مقارن للصلاة وليست متقدمة عليها

٢٨٠