الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 964-8991-19-7
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٥٢٧

جرت بالفعل على العمل باخبار الثقات الامر الذي يدلل على وصول المسوغ لهم من المعصوم عليه‌السلام بلا حاجة للتمسك لحجيتها بالامضاء وعدم الردع.

اعتراض على السيرة العقلائية.

قوله ص ٢٤١ س ١٥ وهناك اعتراض يواجه ... الخ : ذكرنا فيما سبق ان سيرة العقلاء لا تكون حجة الا اذا كانت ممضاة وغير مردوع عنها. وقد يقال : ان الردع عنها ثابت حيث وردت نصوص كثيرة تنهى عن اتباع الظن كقوله تعالى « ان يتبعون الا الظن » ، وحيث ان خبر الثقة لا يفيد الا الظن فيكون العمل به مردوعا عنه بمقتضى هذه النصوص (١).

ويمكن تقديم الاجوبة الاربعة التالية :

١ ـ ما ذكره الميرزا ـ مبنيا على مسلكه وهو مسلك جعل العلمية (٢) ـ من ان السيرة بعد ما جرت على التمسك بالخبر فيكون حجة ، وبما ان معنى الحجية هو العلمية يصير الخبر ـ بعد السيرة على التمسك به وحجيته ـ علما ، وبصيرورته علما يخرج من الآيات الناهية عن اتباع الظن لانها تنهى عن الظن والمفروض صيرورته علما ، وحيث ان خروج الخبر من موضوع الآيات خروج تعبدي وليس حقيقيا ـ لان السيرة لا تجعل الخبر علما حقيقة وانما تجعله علما تعبدا ـ صح القول بان السيرة حاكمة على الآيات لان كل دليل يوسّع او يضيّق تعبدا موضوع دليل

__________________

(١) هذا التساؤل يختص بسيرة العقلاء لانها التي تحتاج الى امضاء ، اما سيرة المتشرعة فلا تحتاج الى امضاء كي يقال بان الردع عنها ثابت

(٢) حاصل المسلك المذكور ان المولى حينما يقول ان الخبر حجة فمعنى ذلك اني جعلت الخبر علما وطريقا ، وقد مر هذا ص ٢٥ من الحلقة

١٠١

آخر يسمى بالحاكم.

ويمكن مناقشة هذا الجواب بما يلي :

ا ـ لو سلمنا ان معنى جعل الحجية هو جعل العلمية فيمكن ان نقول : ان الايات الناهية عن اتباع الظن تنفي الحجية عن الظن وكأنها تقول ـ بدل قولها « ان الظن لا يغني من الحق شيئا » ـ ان الظن ليس حجة ، وحيث ان معنى الحجية هو جعل الظن علما فلا بد وان يكون معنى نفي الحجية هو نفي جعل الظن علما ، فاذا ضممنا مضمون السيرة الى الآيات كانت النتيجة هكذا : الخبر حجة وعلم ـ وهذا مضمون السيرة ـ وان اي ظن من الظنون بما في ذلك الخبر ليس حجة وعلما ، وهذا مضمون الآيات ، وواضح انه على هذا لا تكون السيرة حاكمة ومخرجة للخبر من الآيات بل بينهما معارضة واضحة اذ كلاهما ناظر الى الخبر ، والسيرة تقول هو علم والآيات تقول هو ليس علما (١). وقد تقدم مضمون هذا الايراد ص ٢٢٧ من الحلقة.

ب ـ انا نسأل عن الحاكم والمخرج للخبر من الايات ، فهل هو سيرة العقلاء او هو الامضاء الشرعي للسيرة لا نفسها؟ وكلاهما باطل. اما الاول فلأنه لا يحق للعقلاء جعل الخبر علما ، اذ الحكم بان الظن لا يغني من الحق شيئا حكم شرعي ، ومن الجلي ان توسيع موضوع كل حكم او تضييقه لا يحق الا لجاعل ذلك الحكم دون غيره ، وحيث ان جاعل هذا الحكم هو الشارع فالذي يحق له اخراج الخبر من الظن هو الشارع فقط دون العقلاء. وعلى الثاني يرد : ان الشارع وان كان يحق له اخراج الخبر من الآيات ولكن تحقق الامضاء الشرعي للسيرة اول

__________________

(١) ولعل الذي اوجب اعتقاد الميرزا بحكومة السيرة تخيله ان مفاد الآيات تحريم العمل بالظن تكليفا لا الارشاد الى عدم حجية الظن ، والحال ان مفادها الارشاد دون التحريم

١٠٢

الكلام ، وهو المتنازع فيه ، فان الخصم يقول : ان الامضاء الشرعي لم يتحقق بل تحقق الردع لقوله تعالى « ان الظن لا يغني ... » ، فدعوى ان الامضاء الشرعي حاكم ومخرج للظن الخبري من الآيات فرع تحققه. وبكلمة اخرى : قول الميرزا ان السيرة جرت على التمسك بالخبر كلام صحيح ، ولكن قوله فيكون حجة وعلما لا نسلمه ، اذ لا يكون الخبر حجة وعلما الا اذا كانت السيرة ممضاة من قبل الشارع ، والمفروض انه لم يثبت الامضاء ، لانا نحتمل ان الآيات رادعة عن السيرة.

٢ ـ ما ذكره الآخوند من ان الايات الكريمة ـ المعبر عنها في الكتاب بالعمومات ـ لا يمكن ان تكون رادعة عن السيرة للزوم الدور من الرادعية ، فالرادعية مستحيلة لانها دورية ، ونوضح الدور ضمن المقدمات الثلاث التالية :

ا ـ ان كون الايات رادعة موقوف على ان يكون عمومها للسيرة حجة ، اذ العموم الحجة هو الذي يمكن التمسك به دون غيره.

ب ـ وعموم الآيات لا يكون حجة الا اذا لم تكن السيرة مخصصة للآيات ، اذ لو كانت مخصصة للآيات لم يكن عمومها لها ـ السيرة ـ حجة كما هو واضح.

ج ـ وعدم كون السيرة مخصصة للآيات موقوف على ان تكون الآيات رادعة عن السيرة ، اذ لو لم تكن الآيات رادعة عن السيرة لكانت السيرة حجة وبالتالي مخصصة للآيات.

اذن كون الايات رادعة موقوف على كون الايات رادعة ، وهو ما قلناه من كون رادعية الايات دورية.

والجواب : انا نسلم المقدمة الاولى وهي : ان رادعية الآيات موقوفة على حجية عمومها ، ولكن لا نسلم المقدمة الثانية التي تقول ان حجية عموم الايات

١٠٣

موقوفة على عدم كون السيرة مخصصة للآيات ، اذ المقصود منها اما ان حجية عموم الآيات موقوفة على العلم بأن السيرة ليست مخصصة للآيات او ان المقصود ان حجية عموم الآيات موقوفة على عدم العلم بكون السيرة مخصصة للآيات (١).

وما ذكر من الدور يتم على الاحتمال الاول ، لانه لا يحصل العلم بعدم كون السيرة مخصصة للايات الا اذا كانت الآيات رادعة عن السيرة فيلزم الدور ، واما على الاحتمال الثاني فالدور غير لازم ، لانا نقول هكذا : رادعية الايات موقوفة على حجية عمومها ، وحجية عمومها موقوفة على عدم العلم بتخصيص السيرة للآيات ، ومن الواضح ان عدم العلم بتخصيص السيرة للآيات ليس موقوفا على كون الآيات رادعة حتى يلزم الدور ، بل انا ما دمنا نشك في ان الآيات رادعة عن السيرة أو لا ـ وبتعبير آخر ان الامضاء الشرعي للسيرة هل هو متحقق أو لا ـ يصدق انا لا نعلم بكون السيرة مخصصة للآيات. وحيث ان الاحتمال الصحيح هو الثاني ـ اذ العقلاء يتمسكون بالعموم ما داموا لم يحرزوا المخصص له بلا حاجة الى احراز عدم التخصيص ـ فلا دور.

٣ ـ ما ذكره الشيخ الاصفهاني من ان مدرك حجية ظهور الآيات ـ بل وكل ظهور ـ هو السيرة العقلائية ، ومعه يقال ان العقلاء ما دام يتمسكون بالخبر ويجعلونه حجة فلا يمكن ان تنعقد سيرتهم على العمل بظهور الآيات للتنافي الواضح بينهما ، اذ سيرتهم اذا انعقدت على حجية ظهور الآيات فلازم ذلك ان لا

__________________

(١) والثمرة بين الاحتمالين تظهر عند الشك في كون السيرة مخصصة للآيات ، فعلى الاحتمال الاول لا يكون عموم الآيات حجة ، اذ شرط الحجية العلم بعدم المخصص والمفروض انا نشك فيه ، وهذا بخلافه على الاحتمال الثاني ، فان عموم الآيات يكون حجة لأن حجية العموم مشروطة بعدم العلم بالتخصيص والمفروض الشك في المخصص

١٠٤

شيء من الظن بحجة ، ومع حكمهم بعدم حجية الظن كيف يتمسكون بالخبر ويجعلونه حجة والحال انه لا يفيد الا الظن. وعليه فالعقلاء ما داموا يتمسكون بالخبر فلا يمكن ان يتمسكوا بظهور الآيات وبالتالي لا يكون ظهور الآيات حجة ، ومن ثم لا يمكن ان تكون الآيات رادعة عن السيرة

والجواب : انه لا منافاة بين حجية الخبر وحجية ظهور الآيات في العموم ، ووجه ذلك يتجلى بعد التعرف على المقصود من حجية الظهور ، فما هو المقصود من قولنا الظهور حجة؟ المقصود ان العقلاء يجعلون الظهور كاشفا عن مراد المتكلم ، فظهور الآيات يرونه كاشفا عن مراده سبحانه وأنه لا شيء من الظن بحجة ، وحجية الظهور بهذا المعنى لا تتنافى وحجية الخبر ، وهل ترى منافاة بين ان يقال ظهور الآيات كاشف عن عدم حجية الظن لدى الشارع والقول بأن الظن الخبري حجة لدى العقلاء؟ كلا لا منافاة بين كاشفية الظهور عن مراد الشارع وحجية الظن الخبرى ، وانما المنافاة ثابتة بين ما انكشف بالظهور ـ وهو عدم حجية الظن لدى الشارع ـ وبنائهم على حجية الخبر.

وان شئت قلت : ان المنافاة ان كانت ثابتة فهي بين المنكشف بظهور الايات والعمل بالخبر لا بين الكاشفية عن المراد والعمل بالخبر ، وحيث ان حجية الظهور تعني الكاشفية عن المراد ـ لا نفس المراد ـ فهي لا تتنافى والعمل بالخبر. وكأن الاصفهاني قدس‌سره تخيل ان معنى حجية ظهور الايات هو ان الظن ليس حجة ، مع ان من الواضح ان عدم حجية الظن هو المراد والمنكشف بالظهور وليس هو نفس حجية الظهور ، فان معنى حجية الظهور كونه كاشفا عن المراد ، ومن الجلي ان نفس الكاشفية لا تتنافى وحجية الخبر.

٤ ـ والصحيح ان يقال في الجواب : ان الايات اذا كانت رادعة عن السيرة

١٠٥

فهي تردع عن اي سيرة؟ فهل تردع عن سيرة المتشرعة او تردع عن سيرة العقلاء؟

فان كان المقصود هو الاول فيرده ان الآيات لو كانت صالحة للردع عن سيرة المتشرعة فلماذا لم يرتدعوا ولماذا بقوا يتمسكون بالاخبار والحال ان هذه الآيات يقرؤنها صباحا ومساء؟ ان عدم ارتداعهم دليل واضح على ان الايات المذكورة لا تصلح للردع والا لارتدعوا بسببها (١).

وان كان المقصود هو الثاني فيرده : انا وان كنا نحتمل ان الايات تردع العقلاء ولكنهم لم يعيروا لها اهمية ، بل تساهلوا وتسامحوا ، ان العقلاء بما هم عقلاء وان احتملنا في حقهم ذلك حتى مثل زرارة ومحمد بن مسلم ـ فانا سابقا لم نحتمل في حقهم التهاون باعتبار انا كنا نلاحظهم بما هم متشرعة ومن اصحاب الامام الصادق عليه‌السلام ، اما اذا نظرنا اليهم بما هم عقلاء فنحتمل في حقهم ذلك ـ لكنا نقول ان سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة حيث انها مستحكمة وقوية جدا فاذا اريد الردع عنها فلا بد وان يكون الردع قويا جدا وبمستوى قوتها ، فان ردّ الفعل لا بد وان يتناسب مع الفعل في القوة ولا يقل عنه درجة ، فلو كان القرآن الكريم يقصد ردع السيرة لكان من المناسب ان ترد اية بل آيات صريحة في ذلك تقول ان الخبر ليس حجة ، والحال انا لا نجد ذلك في الآيات الناهية عن الظن ، فانها تنهى عن الخبر باطلاقها الشامل له ولا تنهى عنه بخصوصه ، ومثل هذا لا يكفي في الردع عن مثل السيرة المذكورة.

__________________

(١) ان قلت : لعلها صالحة للردع وانما لم يرتدعوا لتسامحهم وتساهلهم.

قلت : كيف يحتمل ذلك في حق زرارة ومحمد بن مسلم وأبان ونظائرهم ممن قال الامام الصادق عليه‌السلام في حقهم : لو لا هؤلاء لاندرست آثار النبوة؟

١٠٦

قوله ص ٢٤٠ س ١١ كما تقدم كيفية ... الخ : هذا اشارة الى السؤال الثاني وجوابه ، كما وان قوله « وقد تقدم في الحلقة السابقة بيان ... الخ » اشارة الى السؤال الاول وجوابه.

قوله ص ٢٤١ س ٢ وعلاقات الآمرين بالمأمورين : هذا عطف تفسير للاغراض التشريعية ، فانها تعني الاوامر الصادرة من الموالي الى العبيد.

قوله ص ٢٤١ س ١٢ الامر الذي يفرض : اي ان الميل العقلائي الى العمل بخبر الثقة اذا لم يكن مرضيا للشارع لزمه الردع عنه حتى لا يطبقه العقلاء في الاحكام الشرعية.

قوله ص ٢٤٢ س ٩ ما يدل على الحجية : وهو السيرة. والضمير في قوله « مدلولها » يرجع الى الآيات. وقوله « فلا معنى لحكومته عليه » يعني لا معنى لحكومة مدلول السيرة على مدلول الآيات.

قوله ص ٢٤٢ س ١٠ موضوعها : المناسب : موضوعهما.

قوله ص ٢٤٢ س ١٦ أو يضيقون : الصواب : أو يضيقوا. وقوله « من قبل غيرهم » : اي من قبل الشارع.

قوله ص ٢٤٣ س ١٣ كذلك : اي في العموم.

قوله ص ٢٤٣ س ١٥ ما لم يعلم ب ... الخ : كلمة « ما » زائدة.

قوله ص ٢٤٤ س ٩ وتنجزه به : عطف تفسير لاكتشاف مراد المولى بالظهور.

قوله ص ٢٤٤ س ١٠ عمل آخر لهم : وهو العمل بخبر الثقة. والذي تنجز بالظهور هو عدم حجية الظن.

قوله ص ٢٤٤ ص ١٧ التقريب الاول : المراد به التمسك بسيرة المتشرعة

١٠٧

الذي مر تقريبه ص ٢٤٠ من الحلقة. ولا يخفى ان قوله ١ « لاننا اثبتنا في التقرير الاول ... الخ » يريد به ان كيفية اثبات انعقاد سيرة المتشرعة على العمل بالخبر مرت في التقريب الاول من الحلقة الثانية ص ١٩٦.

قوله ص ٢٤٥ س ١ واقامة الحجة : عطف تفسير للردع.

قوله ص ٢٤٥ س ٢ بالتقريب الثاني : وهو التقريب الثاني المار ص ٢٤٠ من الحلقة.

قوله ص ٢٤٥ س ٢ فقد يكون له وجه : لما ذكرنا من احتمال ان الآيات ردعت العقلاء ولكنهم لم يرتدعوا ، فان العقلاء يمكن افتراض عدم ارتداعهم وان لم يمكن ذلك في حق المتشرعة.

قوله ص ٢٤٥ س ٥ من هذا القبيل : اي من قبيل قوله تعالى « ان الظن لا يغني من الحق شيئا » ، فانه باطلاقه يشمل خبر الثقة.

الدليل العقلي على حجية الخبر

قوله ص ٢٤٥ س ٦ واما دليل العقل فله شكلان .. الخ : تقدم ان الادلة على حجية الخبر ثلاثة : الكتاب ، السنة ، العقل. وتم الحديث الى الآن عن الاستدلال بالكتاب والسنة ، واتضح ان الاستدلال بآية النبأ والسيرة بكلا شكليها تام. واما الاستدلال بالعقل فله شكلان :

الشكل الاول : ما ذكره الشيخ الاعظم في رسائله لا ثبات حجية خصوص اخبار الثقات. وحاصله : انه توجد لدينا اخبار كثيرة ذكر قسم كبير منها في كتاب « وسائل الشيعة ». وجميع هذه الاخبار لم يرد من طريق الثقات ، بل بعضها ورد من طريقهم. واذا فرض انا فرزنا اخبار الثقات فنسأل : هل يمكن دعوى القطع

١٠٨

بصدور بعض اخبار الثقات؟ فاذا فرض ان عدد اخبار الثقات (١٠٠٠) مثلا فهل يمكن دعوى القطع بصدور (١٠) مثلا من اهل البيت عليهم‌السلام؟ نعم يمكن دعوى القطع هذه ، اذ لا يحتمل ان جميع اخبار الثقات كاذب ولم يصدر شيء منها منهم عليهم‌السلام ، وبذلك يتشكل لدينا علم اجمالي بصدور (١٠) اخبار من بين (١٠٠٠) خبر ، ومعه يجب العمل بكل خبر للثقة نحتمل صدوره منهم عليهم‌السلام بمقتضى منجزية العلم الاجمالي ، فكما انه لو علمنا بنجاسة (١٠) أواني من بين (١٠٠٠) آنية يجب الاجتناب عن الجميع كذا في المقام يجب العمل بكل خبر نحتمل صدوره منهم عليهم‌السلام ، وهذا هو المطلوب ، اذ ثبت عن طريق هذا البيان لزوم العمل بكل خبر للثقة وهو معنى حجيته.

وقد اعترض على هذا البيان باعتراضين احدهما نقضي والآخر حلي.

الجواب النقضي.

اما الجواب النقضي فحاصله : انا كما نعلم اجمالا بصدور بعض اخبار الثقات كذا نعلم اجمالا بصدور مجموعة من بين جميع اخبار الوسائل ، فيمكن ان نشير الى جميع اخبار الوسائل بما في ذلك الاخبار الضعيفة ونقول انا نعلم اجمالا بصدور مجموعة من هذه الاخبار ، وبناء على هذا لا تنحصر اطراف العلم الاجمالي باخبار الثقات فقط بل تعم الاخبار الضعيفة ايضا ، ومعه يثبت لزوم العمل بالاخبار الضعيفة ايضا ، وهذا ما لا يمكن الالتزام به ، فان الاخبار الضعيفة ليست حجة ولا يلزم العمل بها.

وذكر الآخوند في كفايته ردا على هذا النقض بانا نسلم بهذا العلم الاجمالي الكبير الذي دائرته جميع اخبار الوسائل ولكن هذا لا يتنافى وأن يكون الى جانب

١٠٩

هذا العلم الكبير علم اجمالي صغير دائرته خصوص اخبار الثقات ، ففي نفس الوقت الذي نشير فيه الى جميع اخبار الوسائل ونقول انا نعلم بصدور (١٠) منها يمكن ان نشير الى خصوص اخبار الثقات ونقول انا نعلم بصدور (١٠) منها ، ومع ثبوت العلمين المذكورين نقول ان العلم الكبير منحل بواسطة العلم الصغير ، ومع الانحلال يكون العلم المنجز هو الصغير دون الكبير. ووجه الانحلال ما تقدم في الحلقة الثانية ص ٣٧٠ من انحلال كل علم كبير بالصغير متى ما توفر شرطان :

ا ـ كون الصغير بعض اطراف الكبير.

ب ـ كون المعلوم فى الكبير لا يزيد على المعلوم في الصغير. وكلا هذين الشرطين متوفر في المقام.

اما الاول فلأن اخبار الثقات هي قسم من مجموع اخبار الوسائل.

واما الثاني فلأن المعلوم صدوره من بين مجموع اخبار الوسائل لا يزيد على المعلوم صدوره من بين اخبار الثقات.

الجواب الحلّي

قوله ص ٢٤٧ س ٥ الثاني جواب حلي ... الخ : واما الجواب الحلي ـ وقد اشار له الشيخ الاعظم في رسائله ـ فهو :

ا ـ ان الدليل المذكور لا يثبت وجوب العمل بالخبر الدال على الاباحة وانما يثبت وجوب العمل بالخبر الدال على الوجوب او الحرمة مع ان المقصود من حجية الخبر كونه حجة سواء كان دالا على التكليف ـ كالوجوب او الحرمة ـ او على الاباحة. والوجه في عدم اثبات هذا الدليل لوجوب العمل بالخبر الدال على الاباحة ان الدليل المذكور يقتضي وجوب العمل بخبر الثقة من باب العلم

١١٠

الاجمالي بصدور مجموعة من اخبار الثقات ، فان مقتضى منجزية العلم الاجمالي لزوم الاحتياط والعمل بكل خبر للثقة يحتمل صدوره ومن الواضح ان العلم الاجمالي لا يقتضي لزوم العمل بالخبر الدال على الاباحة ، فان العلم الاجمالي منجز في خصوص باب الوجوب والحرمة دون بقية الاحكام ، فمثلا لو على بان احد الانائين حرام وجب الاجتناب عنهما من باب الاحتياط ومنجزية العلم الاجمالي ، اما لو علم باباحة احد الانائين (١) فهل يجب ارتكاب كلا الانائين؟ كلا ، اذ الاحتياط يقتضي الاتيان بالواجب او ترك الحرام ولا يقتضي الاتيان بالمباح او تركه.

ب ـ ان الدليل المذكور قد لا يقتضي احيانا وجوب العمل بالخبر حتى اذا كان دالا على الوجوب او الحرمة. ولتوضيح ذلك نقول : يوجد في القرآن الكريم بعض العمومات الدالة على اباحة كل شيء كقوله تعالى « خلق لكم ما في الارض جميعا » (٢) ، ومثل هذا العموم حجة بلا اشكال ، اذ سنده قطعي ودلالته معتبرة لانه ظاهر في العموم والظهور حجة. وبعد هذا نقول لو ورد خبر ثقة يقول : لحم الارنب حرام فهذا الخبر مع انه يدل على التحريم ولكن مع ذلك لا يلزم الاخذ به ، لان لازم الاخذ به طرح العموم القرآني الدال بعمومه او اطلاقه على حليه لحم الارنب ، ومن الواضح ان طرح العموم القرآني الذي هو حجة جزما بخبر لم تثبت

__________________

(١) مع افتراض عدم الاطلاع على حال الاناء الثاني ، اما مع الاطلاع على انه محرم فهذا معناه العلم الاجمالي بحرمة احد الانائين.

(٢) فان اللام في قوله تعالى « لكم » تدل على النفع اي خلق لنفعكم ما في الارض جميعا ، ولازم ذلك حلية جميع ما في الارض ، وما خرج فانما يخرج بالمخصص.

١١١

حجيته (١) ليس هو من الاحتياط في شيء اذ اي احتياط في طرح الدليل القرآني الذي هو حجة جزما لخبر لم تثبت حجيته بعد.

اجل يمكن ان يقال : ان طرح العموم القرآني يمكن تقريب كونه موافقا للاحتياط ببيان ان العمومات القرآنية بشكل عام وخصوصا مثل عموم « خلق لكم ما في الارض جميعا » مما نجزم بطرو تخصيصات كثيرة عليها اخرجت منها كثيرا من الاشياء وحكمت عليها بالحرمة ، وهذه التخصيصات لا نعرفها تفصيلا بل اجمالا فيعلم اجمالا بوجود محرمات كثيرة خرجت بالتخصيص من العمومات ، ومع علمنا هذا فلا تكون العمومات حجة في عمومها لان شرط حجية العموم ان لا يعلم بطرو التخصيص عليه ، اما مع العلم بذلك يكون سقوطه عن الحجية وعدم العمل به هو الملائم للاحتياط بمعنى ان التمسك به لا ثبات حلية الارنب مثلا يكون مخالفا للاحتياط ، اذ لعل الارنب هو من جملة تلك المحرمات التي خرجت من العمومات.

ومن خلال هذا البيان اتضح ان العمل بالعمومات غير جائز وان طرحها هو المناسب. واتضح انه لئن لم يمكنّا سابقا جعل خبر الثقة مخصصا للعموم القرآني ـ من جهة ان طرح معلوم الحجية لاجل مشكوك الحجية مخالف للاحتياط ـ فيمكننا من خلال هذا البيان طرح العموم القرآني لان في طرحه الموافقة الكاملة للاحتياط. وطرح العموم القرآني هذا وان لم يكن تقييدا او تخصيصا (٢) لكنه هو

__________________

(١) اذ المفروض ان خبر الثقة لم تثبت حجيته بعد بل يراد بالدليل العقلي المذكور اثبات حجيته.

(٢) لان التقييد او التخصيص معناه وجود عام وخاص كلاهما حجة ويقدم الخاص على العام ـ

١١٢

في نتيجة التقييد او التخصيص ، اذ التقييد او التخصيص يقتضي طرح العموم وعدم الاخذ به وهذا البيان يقتضي ايضا طرح العموم ، اجل في التقييد والتخصيص نطرح العموم لا لاجل عدم حجيته في نفسه بل لاجل وجود المخصص او المقيد ، واما في هذا البيان فنطرح العموم القرآني من باب انه ليس حجة في نفسه لا من اجل وجود المخصص او المقيد.

قوله ص ٢٤٥ س ٨ بالعلم الاجمالي : متعلق بالاستدلال.

قوله ص ٢٤٦ س ٩ العلم الذي ابرز ... الخ : وهو العلم الكبير ، والعلم الثاني هو العلم الصغير.

قوله ص ٢٤٧ س ١ على الحجة : لعل المناسب : على الحجية.

قوله ص ٢٤٧ س ٦ بالمعنى المطلوب : وهو كون الخبر حجة حتى لو كان دالا على الاباحة وحتى لو كان في مقابله عموم قرآني.

قوله ص ٢٤٧ س ٩ للاحكام الترخيصية : وهي الاباحة والكراهة والاستحباب.

قوله ص ٢٤٧ س ١٨ للتكاليف المعلومة بالاجمال : فان الاخبار التي نعلم بصدورها اجمالا انما يجب العمل بها من باب انها تدل على تكاليف ، فتلك التكاليف حيث انه يجب العمل بها وجب العمل بالاخبار المعلوم صدورها اجمالا.

قوله ص ٢٤٨ س ٢ في دليل قطعي الصدور : وهو كالعموم القرآني الذي

__________________

ـ بالتخصيص ، فالتخصيص اذن يستدعي كون العام حجة في عمومه بينما في هذا التقريب نريد ان نقول ان العام ليس حجة حتى بقطع النظر عن الخبر الدال على حرمة الارنب الذي هو اخص من العام.

١١٣

مثلنا به.

قوله ص ٢٤٨ س ٥ ومعلوم الحجية : عطف تفسير على قطعي الصدور.

قوله ص ٢٤٨ س ٦ ومن الواضح : لعل المناسب ان لا يوضع هذا رأس السطر.

قوله ص ٢٤٨ س ٨ التخصيص بها : لعل التعبير بكلمة « به » اولى من « بها » ، فان رجوع الضمير الى خبر الثقة اولى من رجوعه الى حجية خبر الثقة.

قوله ص ٢٤٨ س ١٠ مثلا : وورود ... الخ : نقطتا الشارحة في غير محله.

قوله ص ٢٤٨ س ١٣ والمطلقات الترخيصية : اي الدالة على عدم الوجوب وعدم الكراهة والمرخصة في الفعل مثل العموم القرآني الذي ذكرناه سابقا.

قوله ص ٢٤٨ س ١٥ فسوف لن ... الخ : فانه لو كان خبر الثقة حجة لامكن بواسطة اخبار الثقات تعيين موارد التخصيص ، ولكن حيث انه ليس حجة فلا يمكن تشخيص تلك الموارد ، ومع عدم تشخيصها يبقى العلم الاجمالي بطرو المخصصات على حاله لا ينحل ، ومع عدم انحلاله تسقط العمومات عن الحجية.

قوله ص ٣٤٨ س ١٧ لا نعمل بها : اي بالعمومات القرآنية الدالة على الترخيص.

قوله ص ٢٤٩ س ١ طرح اطلاق ما دل ... الخ : اي العموم القرآني.

قوله ص ٢٤٩ س ٢ والتقيد : عطف على « طرح ». اي يلزم ان يتقيد بحرمة الارنب من باب الاحتياط.

١١٤

الشكل الثاني

قوله ص ٢٤٩ س ٥ الشكل الثاني للدليل العقلي ... الخ : تقدم ان الدليل العقلي على حجية الخبر له شكلان ، وكان الحديث فيما سبق عن اولهما. واما الشكل الثاني فهو ما يسمى بدليل الانسداد وهو لا يثبت حجية خصوص الخبر بل حجية كل ظن من الظنون ، وحيث ان الخبر احد مصاديق الظن فتثبت حجيته (١) والدليل المذكور مركب من مقدمات خمس هي :

١ ـ انا نعلم اجمالا بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في الشريعة الاسلامية ، وهذه الواجبات والمحرمات باقية الى يوم القيامة ، فلنا اذن دعويان في هذه المقدمة ، احداهما : انا نعلم اجمالا بوجود واجبات ومحرمات. وثانيتهما : انها باقية الى يوم القيامة.

اما الدليل على الدعوى الاولى فواضح ، فانه ما دمنا نعتقد بان الاسلام شريعة فلا بد من وجود واجبات ومحرمات ، اذ الشريعة لا يمكن ان تكون شريعة الا اذا كان فيها واجبات ومحرمات ، ولا نتصور شريعة تشتمل على مجموعة مباحات بلا اشتمال على واجبات ومحرمات.

واما الدليل على الدعوى الثانية فواضح ايضا ، اذ من البديهي ان الواجب واجب والحرام حرام الى يوم القيامة.

٢ ـ ان تلك الواجبات والمحرمات لا نعلمها على سبيل التفصيل بل اجمالا.

__________________

(١) نلفت النظر الى مصطلحي الظن الخاص والظن المطلق فخبر الثقة او غيره من الظنون ان تمسك لحجيته بدليل الانسداد سمي بالظن المطلق ، وان تمسك بدليل قطعي خاص ـ غير دليل الانسداد ـ كالسيرة العقلائية او آية النبأ سمي بالظن الخاص او بالعلمي

١١٥

وبكلمة اخرى ان باب العلم بتلك الاحكام منسد وهكذا باب العلمي (١). اما انسداد باب العلم فهو بديهي ، اذ لا يمكن لفقيه ان يدعي تمكنه من تحصيل العلم بغالب الاحكام ، اجل بعض الاحكام معلوم كوجوب الصلاة والصوم لكنه مقدار قليل والمدعى ان المعظم ليس معلوما. واما انسداد باب العلمي فنحن نفترض ذلك ، فانّه عند الاستدلال بدليل الانسداد نفترض عدم حجية خبر الثقة والا لم تصل النوبة الى دليل الانسداد. ومع انسداد باب العلم والعلمي فلا يمكن تحصيل العلم بمواطن تلك المحرمات والواجبات.

لا تقل : اذا كان باب العلم والعلمي منسدا فكيف ادعي في المقدمة الاولى العلم اجمالا بوجود واجبات ومحرمات.

فانه يقال : ان علمنا بذلك وليد الاعتقاد بالشريعة الاسلامية ، فان لازم الشريعة هو الاشتمال على واجبات ومحرمات كما ذكرنا سابقا.

٣ ـ ان المحرمات والواجبات اذا كانت باقية الى يوم القيامة فكيف نمتثلها مع فرض عدم علمنا التفصيلي بها؟ قد يقال يمكن امتثالها عن طريق الاحتياط بان نأتي بكل فعل نحتمل وجوبه ونترك كل فعل نحتمل حرمته ، وبذلك نكون قد حصلنا على الموافقة القطعية ، ولكنه باطل ، لان الاحتياط التام في جميع الوقائع يستلزم العسر والحرج وقد قال تعالى : « ما جعل عليكم في الدين من حرج ».

٤ ـ وقد يقال نرجع الى الاصول العملية الجارية في كل واقعة ، فان كان الاصل الجاري هو البراءة اخذنا به وان كان هو الاستصحاب اخذنا به وهكذا ، ولكنه باطل ايضا ، اذ الاصول لا يمكن ان تجري مع وجود العلم الاجمالي.

٥ ـ واذا كان التكليف ثابتا بمقتضى المقدمة الاولى ولم يمكن العلم به تفصيلا

__________________

(١) ومن اجل هذه المقدمة سمي هذا الدليل بدليل الانسداد

١١٦

بمقتضى المقدمة الثانية ولم يجب الاحتياط بمقتضى المقدمة الثالثة ، ولم يجز الرجوع الى الاصول العملية بمقتضى المقدمة الرابعة فماذا نفعل؟ ان العقل يقول اذا حصل ظن بالوجوب كان اللازم الاخذ به ، اذ لو لم نأخذ به تعين الاخذ بالطرف الموهوم وهو احتمال عدم الوجوب ، وبما انه يقبح ترجيح المرجوح على الراجح فاللازم الاخذ بالظن ، وهذا هو المطلوب ، اذ كنا نقصد اثبات حجية الظن. واذا ثبتت حجيته ثبتت بذلك حجية خبر الثقة لانه احد مصاديق الظن (١). هذه هي حصيلة دليل الانسداد. ويمكن مناقشتها بما يلي :

ا ـ انا لا نسلم المقدمة الثانية التي تقول ان باب العلم والعلمي منسد ، فان باب العلم وان كان منسدا الا ان باب العلمي مفتوح ، اذ اثبتنا سابقا حجية خبر الثقة بآية النبأ والسيرة والطائفة العاشرة من الاخبار ، ومن الواضح ان اخبار الثقات وافية بمعظم الاحكام.

ب ـ لا نسلم المقدمة الاولى التي تقول ان لنا علما اجماليا بثبوت الاحكام في مجموع الوقائع ، اذ يمكن ان ندعي ان هذا العلم الاجمالي في مجموع الوقائع منحل بالعلم الاجمالي في دائرة اخبار الثقات.

وتوضيح ذلك : ان مجموع الوقائع ـ الا ما شذ ـ مشتبهة الحكم ، وهي كثيرة جدا (٢) ، ولنقرض ان عددها (١٠٠٠) واقعة. وهذه الوقائع نجزم بان حكم

__________________

(١) وقد وقع الخلاف بين الاصوليين في انه بعد تمامية دليل الانسداد هل يحكم العقل بحجية الظن او انه لا يحكم هو بذلك بل يستكشف ان الشارع قد جعل الظن حجة ، فعلى الاول تكون حجية الظن حكما عقليا ويسمى ذلك بمسلك الحكومة ، وعلى الثاني تكون حجية الظن حكما شرعيا ، ويسمى ذلك بمسلك الكشف

(٢) لا تقل : ان مجموع الوقائع ليست مشتبهة الحكم بل اكثرها معلوم ، فنعلم ان شرب الشاي ـ

١١٧

بعضها هو الوجوب او الحرمة ، اذ الشريعة لا يمكن ان تخلو من واجبات ومحرمات ، ولنفرض ان المقدار الذي نجزم بكونه محرما او واجبا هو بمقدار (١٠٠). ثم نقول انا لو رجعنا الى اخبار الثقات لكنّا نجزم بان قسما منها صادر من المعصوم عليه‌السلام ، وقد فرضنا ان ذلك القسم الذي نجزم بصدوره (١٠٠) حديث. وهذه الاحاديث المائة التي نجزم بصدورها حيث انها تحكي عن (١٠٠) تكليف لذا يكون العمل بها واجبا. ومن خلال هذا يتضح ان لنا علما اجماليا كبيرا ـ في مجموع الوقائع الالف ـ بثبوت (١٠٠) تكليف ، ولنا ايضا في دائرة اخبار الثقات (١٠٠) خبر نجزم بصدورها تدل على (١٠٠) تكليف ، ولازم ذلك انحلال العلم الكبير بالعلم الصغير ، لان الكبير ينحل بالصغير متى ما فرض ان الصغير جزء من الكبير ، وفرض ان المعلوم في الصغير لا يقل عن المعلوم في الكبير ، وكلا هذين الشرطين متوفر في المقام. وبانحلال الكبير بالصغير يكون الاحتياط واجبا في دائرة العلم الصغير فقط ، اي ان كل خبر ثقة دل على وجوب او تحريم واحتملنا صدقه يكون العمل به لازما ، وحيث ان الاحتياط في اطراف العلم الصغير لقلتها مما لا يوجب العسر ـ الذي كان لازما من الاحتياط في العلم الكبير ـ لذا يكون الاحتياط في اطراف الصغير لازما بلا مانع.

ج ـ لا نسلم بالمقدمة الثالثة ـ وهي عدم وجوب الاحتياط ـ على اطلاقها بل نسلمها في الجملة ، بمعنى ان الاحتياط الكامل في مجموع الوقائع الالف حيث انه عسري فنرفع اليد عنه لكن لا رفعا كاملا بل بالمقدار الذي يرتفع به العسر ،

__________________

ـ والقهوة جائز ، وشرب الخمر ونحوه محرم ، والصلاة والصوم او نحوهما واجب وهكذا في الباقي. فأين اذن الوقائع التي يقال ان اكثرها مجهول.

فانه يقال : ان هذه الوقائع صارت معلومة الحكم بسبب الاخذ باخبار الثقات ولكن مفروض كلامنا الآن عدم ثبوت حجية خبر الثقة.

١١٨

فان الضرورات تقدر بقدرها. وعلى ضوء هذا نقول : ان الاحتياط الكامل في مجموع الوقائع الالف وان لم يجب لكونه عسريا ، ولكن لا نرفع اليد عنه في دائرة المظنونات ، بل كلما ظننا بوجوب شيء كان العمل بالظن واجبا ، بيد ان العمل بهذا الظن واجب لا من باب انه ظن بل لان العمل به موافق للاحتياط. ويترتب على ذلك ـ اي كون العمل بظن الوجوب لازما من باب انه احتياط ـ انا لو ظننا بعدم الوجوب فلا يجب العمل بهذا الظن لان العمل به ليس موافقا للاحتياط وانما الموافق للاحتياط هو العمل بالطرف الموهوم اي احتمال الوجوب. اذن اللازم هو العمل بالاحتياط ، غير ان الاحتياط تارة يقتضي العمل بالطرف المظنون ـ وذلك فيما اذا كان الظن ظنا بالوجوب ـ واخرى يقتضي العمل بالطرف الموهوم ، وذلك فيما اذا كان الظن ظنا بعدم الوجوب.

وباختصار : ان لازم دليل الانسداد ـ بعد رفع اليد عن الاحتياط الكامل ـ هو العمل بالاحتياط الذي قد يكون تارة مطابقا للعمل بالظن واخرى غير مطابق له ، لا انه يلزم العمل بالظن في جميع الحالات حتى يكون لازم ذلك حجية الظن.

اجل نستدرك ونقول : اذا قال قائل ان الشريعة الاسلامية لم تبن على الاحتياط لانها الشريعة السمحة السهلة ـ فلو كان الاحتياط لازما سواء كان موافقا للطرف المظنون او للطرف الموهوم لم تكن سمحة سهلة ـ امكن ان نتنزل ونرفع اليد عن الاحتياط ونجعل المدار على الظن ، فاذا حصل ظن بالوجوب اخذنا به واذا حصل ظن بعدم الوجوب عملنا به ايضا وان لم يكن العمل بالظن المذكور موافقا للاحتياط ، ولازم هذا ان الحجة هو الظن وليس المدار على الاحتياط ، وبهذا يثبت المطلوب وهو حجية الظن.

١١٩

قوله ص ٢٤٩ س ١٠ بتكاليف شرعية : اي وجوبية وتحريمية ، واما الاحكام الترخيصية وهي الاباحة وأخواها فالعلم الاجمالي بها لا يكون منجزا ، ولذا اقتصر قدس‌سره على التكاليف الشرعية التي هي الواجبات والمحرمات.

قوله ص ٢٤٩ س ١١ في مجموع الشبهات : اي في مجموع الوقائع التي فرضنا انها ألف.

قوله ص ٢٤٩ س ١٤ لا قطعي وجداني : اي ان الطريق القطعي على قسمين :

ا ـ قطعي وجداني وهو كالخبر المتواتر.

ب ـ قطعي تعبدي وهو الظن الذي قام الدليل القطعي على حجيته.

قوله ص ٢٥٠ س ١ ان الاحتياط بالموافقة القطعية : اي ان الاحتياط الذي يحصل بواسطة الموافقة القطعية للعلم الاجمالي.

قوله ص ٢٥٠ س ١٣ والثاني ترجيح : المناسب ان لا يذكر هذا رأس السطر.

قوله ص ٢٥١ س ٤ بعض الامارات الشائعة : كخبر الثقة ، فانه من الامارات الشائعة ويفي بمعظم الاحكام.

قوله ص ٢٥١ س ١١ عن المرتبة العليا من الاحتياط : وهي الاحتياط في مجموع الوقائع الالف.

قوله ص ٢٥١ س ١١ بالقدر الذي : اي لا انه نرفع اليد عن الاحتياط رأسا.

قوله ص ٢٥١ س ١٤ وأين هذا من حجية الظن : اي ان هذا وان كان اخذا بالظن لكنه لا يستلزم حجية الظن ، فنحن نأخذ بالظن الوجوبى من باب انه

١٢٠