جواهر الكلام - ج ٤٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ولو جاءا معا حكم بالقرعة ، ولو ابتدأ المتنازعان بالذهاب إليهما من غير دعاء قدم من يختاره المدعي.

هذا كله مع التصريح ، أما مع الإطلاق ـ كالمجرد عن التصريح بأحدهما ـ فالأصح الاستقلال بناء على ظهور الإطلاق في ذلك ، وربما احتمل الفساد ما لم يصرح بأحد الأمرين ، لاشتراك الإطلاق بينهما واختلاف حكمهما ، وهو كما ترى ، على أن صورة اتفاقهما متيقنة على كل حال.

ثم لا يخفى عليك خلو الثمرة في أمثال هذه المسائل ، ضرورة أن الامام عليه‌السلام أعلم بما يفعله مع تمكنه ، كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة ( الثامنة )

( إذا حدث ) في القاضي ( ما يمنع ) أصل ( الانعقاد ) في الابتداء ( انعزل ) به ( وإن لم يشهد الامام عليه‌السلام بعزله ) بل وإن لم يعلم بذلك ( كالجنون والفسق ) والإغماء والعمى والخرس وعدم الاجتهاد أو الضبط لغلبة الغفلة والنسيان ونحو ذلك مما عرفت اعتباره في أصل القضاء بناء على القول به ، لظهور دليل شرطيتها في الابتداء والاستدامة فلا وجه للاستصحاب.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو حكم لم ينفذ حكمه ) بل لا تعود بزوال هذه العوارض ، للأصل ، وربما فرق بين ما يزول سريعا كالإغماء وبين غيره كالجنون ، فتعود في الأول دون الثاني ، لأن الإغماء كالسهو الذي يزول سريعا ، ولا ينفك منه غالبا ، لكنه كما ترى ، ضرورة وضوح الفرق بين السهو والنوم وبين الإغماء المزيل العقل دونهما.

( وهل يجوز أن يعزل اقتراحا؟ ) الأقوى ذلك ، إذ هو‌

٦١

كالوكيل والوصي ، لأن ذلك حق للإمام عليه‌السلام فله أخذه وإعطاؤه لغيره.

ولكن ( الوجه ) عند المصنف تبعا لبعض أنه ( لا ) يجوز ( لأن ولايته استقرت شرعا ، فلا تزول تشهيا ) وهو كما ترى مصادرة محضة ، ولأن عزله حينئذ بمنزلة العبث ، وفيه عرضة للقدح في من ليس بمقدوح فيه ، وهو مجرد استحسان.

( أما لو رأى الامام عليه‌السلام أو النائب عزله لوجه من وجوه المصالح أو لوجود من هو أتم منه نظرا ، فإنه جائز ) قطعا ( مراعاة للمصلحة ).

ولكن لا يخفى عليك أن هذا البحث أيضا قليل الجدوى ، كما أومأنا إليه سابقا ، ضرورة أن الامام عليه‌السلام لا يفعل إلا ما يوافق المصلحة ويناسب المشروع ، ويجب طاعته في كل شي‌ء ، وفعله حجة كذلك ، وهو معصوم من الخلل مؤيد مسدد ، وإنما بحث في هذه الفروع من يجوز امامة من يتفق منه خلاف المشروع ، وحينئذ فمع حضوره عليه‌السلام هو أعلم بما يقع منه.

وكذا البحث في أنه هل ينعزل بمجرد عزله أو بعد بلوغ الخبر كالوكيل؟ وإن قال في المسالك : « فيه قولان ، أظهرهما الثاني ، لعظم الضرر في رد قضيته بعد العزل وقبل بلوغ الخبر ، فيكون الحكم فيه أولى من الوكيل » وكان مرجعه إلى استصحاب بقاء نفوذ حكمه ، لكن قد يناقش بمعلومية استناد ذلك إلى الاذن المعلوم انقطاعه ، ومن هنا لم يكن إشكال عندهم بالانعزال بغير ذلك من الموت ونحوه قبل البلوغ.

وكذا لا فائدة فيما ذكروه هنا أيضا من أن ذلك إذا عزله لفظا أو كتب إليه اني عزلتك أو أنت معزول ، أما إذا كتب إليه « إذا أتاك‌

٦٢

كتابي فأنت معزول » لم ينعزل قبل أن يأتيه الكتاب بحال ، وإذا كتب إليه « إذا قرأت كتابي هذا فأنت معزول » لم يعزل قبل القراءة ، ثم إن قرأه بنفسه فذاك وإن قرئ عليه فوجهان : أحدهما لا ينعزل نظرا إلى صورة اللفظ ، والثاني الانعزال نظرا إلى المعنى عرفا ، لأن غرض الإمام إعلامه صورة الحال لا قراءته بنفسه ، ولو كان أميا فقرئ عليه فالحكم بالانعزال أظهر مع احتمال العدم ، نظرا إلى مدلول اللفظ ، ومثله في اختلاف ظاهر اللفظ والمعنى إطلاق الكتاب على مجموعه أو على الغاية المقصودة منه.

وتظهر الفائدة فيما لو ذهب بعض الكتابة بحيث تعذرت قراءته ، فإنه لا تصدق قراءة الكتاب إن جعلنا المفرد المضاف مفيدا للعموم ، كما هو رأي المحققين من الأصوليين ، وكذا القول في بلوغه ، هذا بحسب اللفظ.

وأما بالنظر إلى المعنى فالمقصود بلوغ ما يفيد الخبر أو قراءة ما يحصل به الغرض وإن لم يتم القراءة مع إمكانها فضلا عن تعذرها ، فتعتبر قراءة الفصول المقصودة التي يحصل بها إعادة المطلوب وإن بقي غيرها كالبسملة والحمد لله ونظائرهما ، إلى غير ذلك مما أطنب فيه العامة في كتبهم من الخرافات الفاسدة والاحتمالات الباردة المبتنية على اعتبارات واستحسانات ونحوهما المقصود فيها صيرورة الكتاب ضخما لينال به الجائزة من سلطان زمانه نسأل الله تعالى أن يعيذنا من هذه النيات السيئة ، وأن يعصمنا من الخيالات الشيطانية التي يوحيها بعض إلى بعض من زخرف القول وغروره ، فإنه ولي الصواب وإليه المرجع والمآب.

٦٣

المسألة ( التاسعة : )

إذا مات الامام عليه‌السلام قال الشيخ : الذي يقتضيه مذهبنا انعزال القضاة أجمع ) لأنهم نوابه وولايتهم فرع ولايته ، فإذا زال الأصل زال الفرع ، فإن أمر كل عصر إلى إمام ذلك العصر.

( وقال في المبسوط : لا ينعزلون ، لأن ولايتهم ثبتت شرعا ) بتوليته ( فلا تزول بموته ) للأصل المؤيد بما في الانعزال من الضرر العام اللاحق للخلق بخلو البلدان من الحكام إلى أن يجدد الامام اللاحق نوابا فتعطل المصالح.

بل في المسالك « قد يقدح هذا في ولاية الفقيه حال الغيبة بأن الامام الذي قد جعله قاضيا وحاكما قد مات فيجري في حكمه الخلاف المذكور ـ ثم قال ـ : إلا أن الأصحاب مطبقون على استمرار تلك التولية ، فإنها ليست كالتولية الخاصة ، بل حكم بمضمونه فان إعلامه بكونه من أهل الولاية على ذلك كإعلامه بكون العدل مقبول الشهادة ، وكذا اليد مقبول الخبر ، وغير ذلك ، وفيه بحث ».

قلت : وجه البحث ظهور الأدلة في كونه إنشاء نصب منه ، بل هو كاد يكون صريح‌ قوله عليه‌السلام (١) : « فاني جعلته قاضيا وحاكما » لا أنه مجرد إعلام ، وكيف يكون إعلاما وقد عرفت الاحتياج إلى إنشاء النصب والاذن.

نعم قد يقال في دفعه ـ مضافا إلى ما سمعته من النص (٢) على‌

__________________

(١) راجع التعليقة (٥) من ص ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٩.

٦٤

نصبه من صاحب الزمان روحي له الفداء ـ : إن إمام العدل له النصب في الأزمنة المتأخرة عن زمان موته ، فان الزمان بأجمعه لجميعهم ومعصومون عن الخطأ ، ولا ينطقون عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي ، وهذا الفرع إنما ذكره العامة على أصولهم في أئمتهم المنصوبين من قبلهم لا من ربهم بخلاف أئمتنا عليهم‌السلام الذين هم أولياؤنا أحياء وأمواتا ، وإنما ينعزل نوابهم بالموت حيث تكون التولية منهم مقيدة بذلك ولو بظاهر الحال ، لا لانقطاع ولايتهم بالموت ، فإذا كانت من أحدهم على الاستدامة صريحا أو ظاهرا فلا إشكال في عدم الانعزال ، ومنه نصب الصادق عليه‌السلام لكل من عرف حلالهم وحرامهم (١) الظاهر بل الصريح في ذلك ، فيمضي حينئذ حكمه ولو بعد موته في زمن الامام الآخر المعبر في الحقيقة عن الأول ، فإن حكمهم واحد وأمرهم واحد ، كما هو معلوم من أصول الشيعة ، بل هو من ضروريات مذهبهم.

( و ) بذلك ظهر لك أن ( الأول أشبه ) لكن على الطريق الذي ذكرناه ، لا لانقطاع ولايتهم بالموت ، ولو فرض عدم ظهور في تقيد الولاية بزمن حياتهم كان المتجه بقاؤها حتى يأتي العزل من الامام المتأخر الذي هو في الحقيقة عزل من الامام الذي قبله تمسكا بإطلاق مقتضيها مع فرضه ، أما إذا لم يكن بل ليس إلا صيرورته قاضيا في زمن الحياة فالمتجه الحكم بانقطاعها ، لأن ذلك لا يكفي في ثبوت الاذن في الزائد عليه ، إذ الاستصحاب هنا لا وقع له بعد التنويع المزبور ، ومن ذلك يعلم ما في الأصل المزبور ، كما هو واضح.

( ولو مات القاضي الأصلي ) الذي نصبه إمام العدل انعزل كل نائب له في شغل معين ، كبيع على ميت أو غائب أو سماع بينة في حادثة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٦.

٦٥

معينة بغير خلاف ، كما في المسالك قال : « وفي التصرف في شغل عام كقوام الوقوف والأيتام وجهان ناشئان من الوجهين اللذين في نواب الامام من حيث التبعية وترتب الضرر بزوال ولايتهم إلى أن يتجدد الولاية ».

وفيه أنه مع فرض كونهم وكلاء عنه لا إشكال في انفساخها بموته ، من غير فرق بين كون متعلقها عاما أو خاصا ، لأن الفرض زوال ولاية الأصل بموته ، بل الظاهر ذلك مع فرض كونهم أولياء ، لأن ولايتهم فرع ولايته ، لكن عن الإيضاح نفي الخلاف عن عدم انعزالهم ، فان تم إجماعا فذاك ، وإلا كان المتجه ما ذكرنا ، نعم لو كان النصب وكيلا أولياء عن الامام وكان ذلك جائزا له لم ينعزل قطعا ، والله العالم.

وأما الخليفة عنه في القضاء فقيل ( لم ينعزل ) أي ( النائب عنه ) فيه ( لأن الاستنابة ) فيه ( مشروطة بإذن الإمام عليه‌السلام فالنائب عنه كالنائب عن الامام ، فلا ينعزل بموت الواسطة ) كما لا ينعزل وكيل الوكيل إذا أذن له في توكيله عن الموكل.

وقيل : ينعزل وإليه أشار المصنف بقوله ( والقول بانعزاله أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، لأنه فرعه ، وكالوكيل عنه ينعزل بموته وليس هو نائبا عن الامام وإن توقف استخلافه عنه عليه.

وربما أشكل القولان معا على إطلاقهما ، أما الأول فلأن النيابة قد تكون مستندة إلى قرائن الأحوال كاتساع الولاية ، والنائب فيها ليس نائبا عن الامام بل عن القاضي ، ولم يحصل من الامام ما يقتضي الإذن لفظا حتى يقال : إن الاستنابة مشروطة بإذن الامام ، ولو سلم أن التولية على هذا الوجه إذن في المعنى لم يدل على كونه إذنا في استنابته عن الامام بوجه من الدلالات.

وأما الثاني فلأن من جملة الأقسام أن يكون الامام قد أذن له صريحا‌

٦٦

في الاستنابة إما مطلقا أو عن الامام ، فلا يتم الحكم مطلقا بكون النائب تابعا للمستنيب.

فيتجه على هذا وجه ثالث قد جزم به الرافعي في الروضة من بعض كتب الشافعية وهو « أن القاضي إن لم يكن مأذونا في الاستخلاف بل استخلف بناء على جوازه مطلقا أو مع شهادة القرائن انعزل خليفته بموته ، لأن الاستخلاف في هذه الحالة إما أن يكون جوازه مشروطا بالحاجة فكان النائب كالمعين في العمل ، فإذا زالت ولايته بطلت المعاونة ، لعدم الحاجة إليها ، وإما لأن الخليفة كالوكيل حيث جوزناها مطلقا ، فتبطل بموت الموكل لأنه كالمعين أيضا ، وإن لم يكن لحاجة وكان مأذونا في الاستخلاف نظر ، فان قال : استخلف عني فاستخلف لم ينعزل خليفته ، لأنه مأذون من جهة الإمام ، فكأنه حينئذ سفير في التولية وإن قال : استخلف عن نفسك أو أطلق انعزل ، لظهور غرض المعاونة وبطلانها ببطلان ولايته ».

وفيها أيضا « لو نصب الإمام نائبا عن القاضي فعن السرخسي لا ينعزل بموت القاضي ولا انعزاله للاذن له من جهة الامام ».

ومال إليه في المسالك قال : « إلا أن يكون الاذن مقيدا بالنيابة عن القاضي فيتبعه كالأول » وهو جيد. لكن قد يناقش بالتفصيل بين ما يستفاد منه الإذن ، فإن دعوى انحصار إفادة القرائن في الاستخلاف عنه لا عن الأصل ممنوعة ، ضرورة أعميتها من ذلك ، كما هو واضح.

٦٧

المسألة ( العاشرة : )

( إذا اقتضت المصلحة تولية ) القضاء مثلا ( من لم يستكمل الشرائط ) بأن كان قاصرا في العلم والعدالة ( انعقدت ولايته ) في أحد الوجهين أو القولين ( مراعاة للمصلحة في نظر الامام عليه‌السلام كما اتفق لبعض القضاة في زمن علي عليه‌السلام ) وهو شريح المعلوم انتفاء بعض الشرائط فيه.

( وربما منع من ذلك ) بل هو أحد الوجهين أو القولين أيضا ، بل لعله أقواهما كما هو خيرة الفاضل في المحكي من تحريره ، للأصل بل الأصول ، ولإطلاق دليل الشرطية ، بل صريح النص والفتوى عدم كونه مشروعا للتقية على وجه تجري عليها أحكام القضاء الصحيح ، كما في الصلاة والوضوء والغسل فضلا عن غيرها ، ومن هنا استفاضت النصوص (١) في النهي عن المرافعة إلى قضاتهم ، وأنها من المرافعة إلى الجبت والطاغوت مع استفاضتها (٢) في الحث على الصلاة معهم ، وأنها كالصلاة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

بل ظاهر النص (٣) والفتوى بل صريح بعضهما عدم صحة قضاء قضاة أئمة الجور وإن حكموا بالحق ، وحينئذ فلا مصلحة تقتضي تغيير الحكم فيه ، كما يومئ إليه إصراره عليه‌السلام في عدم تولية معاوية‌ حتى قال (٤) : « قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ، ولكن دونها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٤.

(٤) نهج البلاغة ـ الخطبة ٤١ ( ص ١١٨ ط إيران ) وفيه‌ « قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه ... ».

٦٨

حاجز من تقوى الله تعالى ».

وما وقع منه من إقرار شريح لا دلالة فيه ( فإنه ) ليس باختياره أولا ، ولا دليل على إجرائه عليه حكم القضاء الصحيح ثانيا و ( لم يكن يفوض ) إليه ولا ( إلى ) غيره من ( من يستقضيه ولا يرتضيه ، بل يشاركه فيما ينفذه ) ثالثا ، قال عليه‌السلام لشريح في خبر سلمة (١) : « وإياك أن تنفذ قضية في قصاص أو حد من حدود الله أو حق من حقوق المسلمين حتى تعرض ذلك علي إنشاء الله » ( فيكون هو الحاكم في الواقعة لا المنصوب ) قال الصادق عليه‌السلام في حسن هشام (٢) : « لما ولى أمير المؤمنين عليه‌السلام شريحا القضاء اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتى يعرضه عليه ».

وما في المسالك ـ من المناقشة فيه بأن المروي من حال شريح معه خلاف ذلك ، وفي حديث الدرع الغلول (٣) ما يرشد إلى ما ذكرناه ـ لا يخفى عليك ما فيه ، بل حديث الدرع الغلول مرشد إلى عكس ما ذكره ، حيث نبهه به على خطائه في قضائه به من وجوه ، قال النخعي (٤) : « دخل الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل على أبي جعفر عليه‌السلام فسألاه عن شاهد ويمين ، فقال : قضى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقضى به علي عليه‌السلام عندكم بالكوفة ، فقالا : هذا خلاف القرآن ، قال : وأين وجدتموه خلاف القرآن؟ فقالا : إن الله عز وجل يقول : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ ) (٥) فقال لهما أبو جعفر عليه‌السلام : فقوله :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٦.

(٥) سورة الطلاق : ٦٥ الآية ٢.

٦٩

( وَأَشْهِدُوا ) هو أن لا تقبلوا شهادة واحد ويمينا؟ ثم قال : إن عليا عليه‌السلام كان قاعدا في مسجد الكوفة ، فمر به عبد الله بن قفل التميمي ومعه درع طلحة ، فقال له علي عليه‌السلام : هذا درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، فقال له عبد الله : فاجعل بيني وبينك قاضيا الذي رضيته للمسلمين ، فجعل بينه وبينه شريحا ، فقال علي عليه‌السلام : هذه درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، فقال له شريح : هات على ما تقول بينة ، فأتاه بالحسن عليه‌السلام فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، فقال : هذا شاهد ، ولا أقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر ، قال : فدعا قنبرا فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، فقال شريح : هذا مملوك ، ولا أقضي بشهادة مملوك ، قال : فغضب علي عليه‌السلام وقال : خذوها فان هذا قضى بجور ثلاث مرات قال : فتحول شريح عن مجلسه ، ثم قال : لا أقضي بين اثنين حتى تخبرني من أين قضيت بجور ثلاث مرات؟ فقال : ويلك أو ويحك إني لما أخبرتك أنها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، قلت : هات على ما تقول بينة ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حيث ما وجد غلول أخذ بغير بينة ، فقلت : رجل لم يسمع الحديث ، فهذه واحدة ، ثم أتيتك بالحسن فشهد ، فقلت : هذا شاهد ولا أقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر ، وقد قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة واحد ويمين ، فهذه ثنتان ، ثم أتيتك بقنبر فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، فقلت : هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك ، ولا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا ، ثم قال : ويلك أو ويحك إمام المسلمين يؤتمن من أمورهم على ما هو أعظم من هذا » ورواه في الفقيه بزيادة « وقال أبو جعفر عليه‌السلام :

٧٠

فأول من رد شهادة المملوك رمع ».

وبالجملة يمكن القطع من مذهبنا بعدم انعقاد القضاء لفاقد الشرائط كالعلم ونحوه على وجه يلحقه حكم القضاء الصحيح وإن حكم بغير ما أنزل الله تعالى ، خصوصا بعد ما سمعته سابقا من تقسيم القضاة ، وأن واحدا في الجنة والباقي في النار ، وإطلاق اسم القاضي عليه لا يقتضي صحة قضائه لا ظاهرا ولا واقعا ، كما هو واضح.

نعم قد يقال : إن الذي يقتضيه الانصاف والتدبر في ما ورد في شريح أنه يجوز نصب غير مستكمل الشرائط على إنفاذ القضاء بالحق بعد العلم به بخصوصه ، والله العالم.

المسألة ( الحادية عشر : )

( كل من لا تقبل شهادته ) له أو عليه ( لا ينفذ حكمه ) كذلك ( كالولد على الوالد والعبد على مولاه والخصم على خصمه ، ويجوز حكم الأب على ولده وله ، والأخ على أخيه ) لأنه شهادة وزيادة ، فيشترط في نفوذه ما يشترط في نفوذ الشهادة في الطرفين أو أحدهما ، وحينئذ لا يقبل حكم الخصم على خصمه ( و ) يقبل ( له ) مع عدم منافاة الخصومة للعدالة ، هكذا ذكره المصنف وثاني الشهيدين وغيرهما ذكر المسلمات ، فان تم إجماعا كان هو الحجة ، وإلا كان للنظر فيه مجال ، ضرورة إمكان منع كون الحكم شهادة على وجه يلحقه حكمها المعلق عليها من حيث كونها شهادة ، بل دعوى التزام ذلك في حاكم الغيبة فلا ينفذ حكمه على من كانت بينه وبينه خصومة لم يخرج بها عن العدالة في غير تلك الخصومة من المنكرات ، خصوصا بعد‌ قوله عليه‌السلام : « جعلته حاكما‌

٧١

عليكم » (١) و « هو حجتي عليكم » (٢) و « الراد عليه كالراد علينا » (٣) ونحو ذلك ، ولعله لذا حكي عن بعضهم اختصاص المنع بقاضي التحكيم.

وفي محكي التحرير « ولو تولى وصي اليتيم القضاء فهل يقضي له؟ فيه نظر ينشأ من كونه خصما في حقه ، كما في حق نفسه ، ومن أن كل قاض فهو ولي الأيتام ».

قلت : لا إشكال في عدم منع مثل ذلك ـ مع عدم الوصاية ـ الحكومة ، لعدم اختصاص الولاية له ، وكذا شهادة الفقير أو حكومته بأن في مال زيد الزكاة مثلا ، بل وكذا الكلام في مصرف الوقف من العلماء والعدول ونحوهم ، فان ذلك ونحوه لا يمنع الحكومة ولا الشهادة ، لعموم أدلة القبول ، أما الولاية المخصوصة كالأب والجد والوصي فالظاهر عدم قبول شهادتهم للمولى عليه لأنها تجر نفعا إليهم ، أما إذا كان الأب حاكما مثلا أو الوصي كذلك ففي قبول حكمه له نظر ، أقواه العدم ،

( النظر الثاني )

( في الآداب )

( وهي قسمان : مستحبة ومكروهة ) إلا أن كثيرا منها لا دليل عليها بالخصوص ، ولكن ذكرها الأصحاب وغيرهم من غير إشعار بتوقف في شي‌ء منها ، ولعله لعدم احتياج الاستحباب الأدبي إلى دليل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ١.

٧٢

بالخصوص ، ويكفي فيه مشروعية أصل الأدب ، فالتسامح فيه زائد على التسامح في السنن.

وكيف كان فهي كثيرة خصوصا في كتب العامة حتى أفردت بالتصنيف ، وقد ذكر المصنف المهم منها‌ ( فـ ) ـقال ( المستحب أن يطلب ) قبل دخوله أو حينه ( من أهل ولايته من يسأله عما يحتاج إليه في أمور بلده ) وعن العلماء فيها والعدول ومن هو مستحق للتعظيم وغير ذلك مما ينبغي الاطلاع عليه لمثله.

( وأن يسكن عند وصوله في وسط البلد ليرد الخصوم عليه ورودا متساويا ) ليكون ذلك أقرب إلى التسوية بينهم التي قد عرفت حالها في الكلام والإنصات والمجلس وغيرها.

( وأن ينادي بقدومه إن كان البلد واسعا لا ينتشر خبره فيه إلا بالنداء ) أن فلانا قد قدم قاضيا فمن أحب سماع قراءة عهده فليحضر ساعة كذا من يوم كذا ، فإذا حضروا قرأ عليهم العهد ، وإن كان معه شهود شهدوا.

وقيل : يستحب أن يكون دخوله يوم الاثنين تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في دخوله المدينة ، وهو كما ترى. نعم في كشف اللثام « ينبغي له أن يقصد الجامع إذا قدم ، ويصلي ركعتين ، ويسأل الله العصمة والإعانة ».

( وأن يجلس للقضاء في موضع بارز مثل رحبة ) وهي الصحراء بين أفنية القوم والمسجد ( أو فضاء ليسهل الوصول إليه ) ولئلا تهابه الناس أو بعضهم لو جلس في بيت مثلا.

( وأن يبدأ بأخذ ما في يد الحاكم المعزول من ) ديوان الحكم المشتمل على المحاضر والسجلات و ( حجج الناس وودائعهم ) ووثائق الأيتام والأوقاف ونحو ذلك ، لأنها كانت في يده بالولاية التي انتقلت منه‌

٧٣

إليه ، فيتوصل بذلك إلى معرفة تفاصيل أحوال الناس ومعرفة حقوقهم وحوائجهم.

( ولو ) اتفق أنه ( حكم في المسجد صلى عند دخوله ) فيه ركعتين ( تحية المسجد ) كما يستحب ذلك لكل داخل إليه ( ثم يجلس مستدبر القبلة ) كما عن الأكثر ( ليكون وجه الخصوم ) إذا وقفوا بين يديه ( إليها ) ليكون ذلك أردع لها عن كلام الباطل وخصوصا وقت الاستحلاف.

( وقيل ) والقائل الشيخ في محكي مبسوطة وابن البراج على ما حكى عنه ( يستقبل القبلة ، لقوله عليه‌السلام (١) : خير المجالس ما استقبل به القبلة ) وهو أحق من غيره ( و ) لكن ( الأول أظهر ) لما عرفت.

( ثم ) إذا تفرغ القاضي من مهماته وأراد القضاء استحب له أن ( يسأل ) أولا ( عن أهل السجون ) لأنهم في عذاب ( ويثبت أسماءهم ) وما حبسوا به ومن حبسوا له ( وينادي في البلد بذلك ) ويقول : إن القاضي ينظر في أمر المحبوسين ( ويجعل له وقتا ) معينا يوم كذا فمن له محبوس فليحضر ( فإذا اجتمعوا أخرج اسم واحد واحد ويسأله عن موجب حبسه ويعرضه على خصمه فان ثبت لحبسه موجب أعاده وإلا أشاع حاله بحيث إن لم يظهر له خصم أطلقه ).

وجواب المحبوس يفرض على وجوه : ( منها ) أن يعترف بالحبس بالحق ، فان كان ما حبس به مالا أمر بأدائه ، فإن قال : أنا معسر فعلى ما عرفته في الفلس (٢) فان لم يؤد ولم يثبت إعساره رد إلى الحبس ، وإن أدى أو ثبت إعساره نودي عليه فلعل له خصما آخر ، فان لم يظهر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

(٢) راجع ج ٢٥ ص ٣٢٤ ٣٢٨.

٧٤

خلى سبيله ، وإن كان ما حبس عليه حدا أقيم عليه وخلى.

و ( منها ) أن يقول : « شهدت علي البينة فحبسني القاضي » يبحث (١) عن حال الشهود ، فان كان مذهبه أنه يحبس بذلك تركه أيضا محبوسا وبحث وإلا أطلقه.

و ( منها ) أن يقول : « حبست ظلما » ففي المسالك « إن كان الخصم معه فعلى الخصم الحجة ، والقول قول المحبوس بيمينه » وفيه أنه يمكن العكس عملا بأصالة الصحة في فعل القاضي ، وإن كان للمحبوس خصم غائب ففي إطلاقه وإبقائه في الحبس وجوه : الإطلاق ، لأنه عذاب وانتظار الغائب قد يطول ، والإبقاء مع الكتابة إلى خصمه ، فان لم يحضر أطلق ، والإطلاق مع المراقبة إلى أن يحضر خصمه ويكتب إليه أن يعجل ، فإن تأخر لا لعذر تركت المراقبة ، وعن الشهيد التخيير بينها وبين الكفيل ، وهو جيد ، إذ المدار على الجميع بين الحقين.

( وكذا لو أحضر محبوسا وقال : لا خصم لي ، فإنه ينادي في البلد فان لم يظهر له خصم ) أو مطلع على حاله ( أطلقه ) للأصل وغيره.

( وقيل ) والقائل الشيخ فيما حكي عنه ( يحلفه مع ذلك ) واستحسنه بعضهم ، وفيه أنه لا وجه مع عدم خصم له ، والأصل البراءة ، ولذا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بتمريضه.

( ثم ) إذا فرغ من ذلك ( يسأل عن الأوصياء عن الأيتام ) الذين لا قابلية لهم إلى المرافعة وأولياء الجهات العامة ( ويعمل معهم ما يجب من تضمين أو إنفاذ أو إسقاط ولاية إما لبلوغ اليتيم أو لظهور خيانة أو ضم مشارك إن ظهر من الوصي عجز ) وغير ذلك من الأحكام الشرعية.

وفي المسالك « فإذا حضر من يزعم أنه وصى تفحص القاضي عن‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ، والأولى هكذا « فيبحث ».

٧٥

شيئين : أحدهما أصل الوصاية ، فإن أقام بينة بها قرره عليها إلى أن يحصل ما يزيلها من فسق فينزع المال من يده ، فان كان المال كثيرا لا يمكنه القيام بحفظه والتصرف فيه ضم إليه من يعينه ، والثاني تصرفه في المال ، فان قال : فرقت ما أوصى به نظر إن كانت الوصية لمعينين لم يتعرض لأن الدعوى لهم إن لم يصل ، وإن كانت بجهة عامة فان كان عدلا أمضى تصرفه ولم يضمنه ، وإن كان فاسقا ضمنه لتعديه بالتفريق لا عن ولاية ».

وكأن الأول مبني على أصالة ولاية الحاكم حتى يثبت الوصاية لا أنها تثبت إن لم يكن هناك وصي ، فيكفي في عدم ثبوتها دعوى مدعيها بلا معارض ، ولا تطلب منه البينة على ذلك كما زعمه بعض متفقهة العصر ، كما أن التضمين في الثاني مبني على عدم جواز وصاية الفاسق على ذلك.

ولو أن غير الوصي فرق الموصى به ففي المسالك « نظر إن كانت الوصية لمعينين وقع الموقع ، لأن لهم أن يأخذوه من دون واسطة ، وإلا ضمن » وفيه أنه كذلك إذا كان معينا ، أما إذا كان كليا فلا ، فيتجه الضمان حينئذ وإن كان لمعينين.

وكذا يضمن من تصرف ممن ليس له الولاية حتى في وقف المسجد والمسجد ونحوهما وإن صرفه في مصلحة إلا مع إجازة الولي في وجه ، بل في القواعد احتمال عدم الضمان حتى في تفرقة غير الوصي إذا كان في محله ، إلا أنه كما ترى ، ولو ظهر منه خيانة فأولى بالضمان كما هو واضح ، والله العالم.

( ثم ) إذا فرغ من ذلك ( ينظر في أمناء الحاكم ) الأول ( الحافظين لأموال الأيتام ) ونحوهم ( الذين يليهم الحاكم ولأموال الناس من وديعة ومال ) غائب و ( محجور عليه ، فيعزل الخائن ويسعد

٧٦

الضعيف بمشارك ، أو يستبدل به بحسب ما يقتضيه رأيه ) بخلاف الوصي ، فان الموصى قد نصبه ورضي بنظره الذي لم يعدم ، وإنما قصر عن الاستقلال فيتعين جبره بالمعين ، وليس له عزله اقتراحا ، أما الأمين من طرف الحاكم فله عزله كذلك ففي العجز بطريق أولى.

( ثم ) إذا فرغ من ذلك ( ينظر في الضوال واللقط فيبيع ما يخشى تلفه وما يستوعب نفقته ثمنه ، ويتسلم ما عرفه الملتقط حولا إن كان شي‌ء من ذلك في يد أمناء الحاكم ) لعدم قبول الملتقط تملكه ولا ائتمانه ، وفي المسالك هو حينئذ مخير بين أن يحفظها معزولة عن أمثالها في بيت المال وبين أن يخلطها ، فإذا ظهر المالك غرم له من بيت المال ، وهو موقوف على دليله إن كان.

( ويستبقي ) من الضوال واللقط ( ما عدا ذلك مثل الأثمان والجواهر محفوظة على أربابها لتدفع إليهم عند الحضور على الوجه المحرر ) في كتاب اللقطة (١) من أحكام ذلك وشرائطه ، كالتعريف حولا ونحوه ، ويقدم من كل نوع من ذلك الأهم فالأهم ، وإن عرضت حادثة استخلف من ينظر فيها أو فيما هو فيه ولا يؤخرها ، لأن الحبس عقوبة وحاجات الأطفال والغياب ناجزة.

ويستحب له أيضا حال القضاء أن يكون في أجل هيئة وسكينة ووقار ونحو ذلك مما يناسب ذلك.

( و ) أن ( يحضر من أهل العلم ) بالأحكام الشرعية ( من يشهد حكمه فإن أخطأ نبهوه ، لأن ) الإنسان محل الخطأ والنسيان ، ولا يعتبر فيهم الاجتهاد ، لأنه ليس المراد تقليدهم ، إذ قد عرفت اعتبار الاجتهاد في القاضي عندهم ، بل المراد الطمأنينة بصحة‌

__________________

(١) راجع ج ٣٨ ص ٣٠١ ـ ٣٠٢.

٧٧

ما قضى به ، وقد تحصل بمن لم يبلغ رتبة الاجتهاد إذا كان من أهل النظر والذكاء ، ولا فرق في ذلك بيننا وبين غيرنا في هذا الحكم ، ولذا حكي عنهم ذكره أيضا في آداب القضاء وإن كان ( المصيب عندنا واحد ) دونهم ، فان المصيب عندهم الجميع ، إلا أن ذلك لا مدخلية له في هذا الحكم ، ضرورة أن الإصابة عندهم مع موافقة الاجتهاد للدليل المناسب للحكم ، والمفروض هنا الغفلة عنه ، وأنه إذا نبه عليه تنبه وعلم أن الدليل الذي اعتمده أولا غير صحيح بحسب ما يراه.

وبالجملة يراد حضورهم للتنبيه على فساد الاجتهاد إن كان ، وهذا أمر يشترك فيه الجميع ، فإن إصابة الواحد إنما هي في نفس الأمر لا في الظاهر ، ومن الجائز أن لا يكون الحكم الذي ينبه عليه ووجب اتباعه هو الصواب في نفس الأمر ، إلا أن الواجب في الظاهر اتباع الراجح بعد استفراغ الوسع في تحصيل دليله سواء طابق الواقع الذي لا يعلمه إلا الله تعالى شأنه أو لا.

وإلى ما ذكرنا يرجع ما عن ابن الجنيد من أنه لا بأس أن يشاور الحاكم غيره فيما اشتبه عليه من الأحكام ، فان أخبره بنص أو سنة أو إجماع خفي عليه عمل به ، ضرورة معلومية اعتبار الاجتهاد عندهم ( و ) أنه لا يكفي التقليد. فليس المراد حينئذ إلا أنه ( يخاوضهم فيما يشتبه من المسائل النظرية لتقع الفتوى مقررة ) ومحققة ، ليأمن بذلك عن الخطأ في حكم الله تعالى شأنه.

ويمكن أن يريد المصنف استحباب حضورهم حتى مع العلم بصحة الاجتهاد ، لاحتمال خطأ الحكم الواقعي فيه ، فيمكن أن يحصل من أحد منهم ما يرشد إلى ذلك وإن لم يتبين به فساد الاجتهاد ، ومن أن ذلك لا يتم إلا على أصولنا من أن المصيب واحد لا على أصولهم القائلين‌

٧٨

صواب كل مجتهد اجتهادا صحيحا.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو أخطأ فأتلف ) بأن حكم لأحد بمال أو على أحد بقصاص أو نحو ذلك ثم ظهر أن الخطأ في الحكم ولم يكن مقصرا في الاجتهاد ( لم يضمن ) لأنه محسن ( وكان على بيت المال ) بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى ،

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر الأصبغ (١) : « ما أخطأه القضاة في دم أو قطع فهو على بيت مال المسلمين ».

( وإذا تعدى أحد الغريمين ) مثلا في مجلس القضاء على وجه محرم بأن كذب الشاهد أو نسب إلى القاضي الميل والجور ونحو ذلك نهاه عن المنكر و ( عرفه خطاءه برفق ، فان عاد زجره ، فإن عاد أدبه بحسب حاله مقتصرا على ما يوجب لزوم النمط ) والطريق الشرعي ، إذ هو حينئذ كغيره من المنكر الذي يجب الردع عنه بمراتبه المقررة.

نعم لو كان ذلك معه استحب له العفو.

وإن أساء الأدب مع الخصم أو القاضي أو غيرهما أو استعمل اللدد أي طلب اليمين من الخصم ثم قطعها عليه وقال : لي بينة سأحضرها ثم يعود إلى الأول وهكذا إيذاء وتعنتا عرفه أيضا طريق الأدب اللائق بمثل ذلك المقام برفق ، وبين له فساد ما ارتكبه ، بل في المسالك « فان بخع وإلا أغلظ له ، فإن أفاد وإلا جاز تأديبه بما يقتضيه اجتهاده من التوبيخ وإغلاظ القول ونحو ذلك » والله العالم.

( و ) أما ( الآداب المكروهة ) فهي ( أن يتخذ حاجبا وقت القضاء ) ونحوه من الولايات‌ للنبوي (٢) « من ولي شيئا من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ـ ١.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ١٠ ص ١٠١.

٧٩

الناس فاحتجب دون حاجتهم احتجب الله تعالى دون حاجته وفاقته وفقره » بل ربما قيل بالحرمة ، بل عن الفخر أنه قربه مع اتخاذه على الدوام ، بحيث يمنع أرباب الحوائج ويضر بهم ، بل في المسالك « هو حسن لما فيه من تعطيل الحق الواجب قضاؤه على الفور » وإن كان الجميع كما ترى ، ضرورة كون المراد كراهة اتخاذه من حيث كونه حاجبا ، فلا ينافي الحرمة من جهة أخرى ، والأمر سهل.

( وأن يجعل المسجد مجلسا للقضاء دائما ) لأنه إنما بني لذكر الله والصلاة ، ول‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « جنبوا المساجد صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم » والحكومة تستلزم غالبا ذلك ، بل قد تحتاج إلى إحضار الصبيان والمجانين ، بل قد تستلزم إدخال الحيض والمشركين ومن لا يتوقى النجاسة.

( و ) لكن لما كان من المعلوم اتفاق وقوعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) وأمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) بل دكة القضاء إلى الآن معروفة قال المصنف ( لا يكره لو اتفق نادرا ) فيكون المكروه منه حينئذ الدائم لا مطلقا ، بل ربما وجب في بعض الأحيان ، كما لو اتفقت فيه وكان تأخيرها منافيا للفورية أو لغيرها مما يحرم ، ووافقه عليه الفاضل.

( وقيل ) والقائل الشيخ في ظاهر المحكي من خلافه ومبسوطة : ( لا يكره مطلقا التفاتا إلى ما عرف من قضاء علي عليه‌السلام

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ١٠٣.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٩٨.

(٣) المستدرك الباب ١٧ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٥ و ٧.

٨٠