جواهر الكلام - ج ٤٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

صناعته مع يمينه ، على أنه لا يوافق مختاره فيها في مسألة المتاع ، فتأمل جيدا.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو ادعى أبو الميتة أنه أعارها بعض ما في يدها من متاع أو غيره كلف البينة كغيره من الأسباب ) للعمومات ( و ) لكن ( فيه رواية بالفرق بين الأب وغيره ضعيفة ) في احتمال في الكافي والتهذيب نعم هي في الفقيه هي صحيحة جزما على ما قيل ، وهي‌ رواية جعفر بن عيسى (١) قال : « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام جعلت فداك المرأة تموت فيدعي أبوها أنه أعارها بعض ما كان عندها من متاع وخدم أتقبل دعواه بلا بينة أم لا تقبل دعواه بلا بينة؟ فكتب عليه‌السلام : يجوز بلا بينة ، قال : كتبت إليه جعلت فداك إن ادعى زوج المرأة الميتة أو أب الزوج أو أم زوجها في متاعها أو خدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم أيكونون بمنزلة الأب في الدعوى؟ فكتب : لا ».

وقد أطنب ابن إدريس في ردها بأنها كتابة ، ولا يجوز للمستفتي أن يرجع إلا إلى قول المفتي دون ما يجده بخطه بغير خلاف من محصل ضابط لأصول الفقه إلى أن قال : « ولقد شاهدت جماعة من متفقهة أصحابنا المقلدين لشواذ الكتاب يطلقون بذلك وأن أبا الميتة لو ادعى كل المتاع وجميع المال كان قوله مقبولا بغير بينة ، وهذا خطأ عظيم في هذا الأمر الجسيم ، لأنهم إن كانوا عاملين بهذا الحديث فقد أخطأوا من وجوه : أحدها أنه لا يجوز العمل بأخبار الآحاد عند محصلي أصحابنا على ما كررنا القول فيه وأطلقناه ، الثاني أن من يعمل بأخبار الآحاد لا يقول بذلك ولا يعمل به إلا إذا سمعه من الراوي من الشارع ، والثالث أن الحديث ما فيه أنه ادعى أبوها جميع متاعها وخدمها ، وإنما قال لبعض ما كان عندها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

٥٠١

ولم يقل جميع ما كان عندها ، ثم إنه مخالف لأصول المذهب ولما عليه إجماع المسلمين أن المدعي لا يعطي بمجرد دعواه ـ إلى أن قال. ثم لم يورد هذا الحديث إلا القليل من أصحابنا ، ومن أورده في كتابه لا يورده إلا في باب النوادر ، وشيخنا المفيد وسيدنا المرتضى لم يتعرضا له ولا أورداه في كتبهما ، وكذلك غيرهما من محققي أصحابنا ، وشيخنا أبو جعفر ما أورده في كتبه ، بل في كتابين منها فحسب إيرادا لا اعتقادا ، كما أورد أمثاله من غير اعتقاد لصحته ـ إلى أن قال ـ : ثم شيخنا أبو جعفر الطوسي رجع عنه وضعفه في جواب المسائل الحائريات المشهورة عنه المعروفة » ثم حكى عن المفيد أن النوادر هي التي لا عمل عليها ، ثم احتمل حمله على الاستفهام بإسقاط حرفة ، أو على إرادة التهجين والذم لمن يرى ذلك ، كما قال الله تعالى (١) ( ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) إلى آخره.

ولكن في كشف اللثام « أن الذي رأيناه في حائريات الشيخ أنه سأل عن الرجل إذا ادعى بعد وفاة ابنته إذا هلكت عند زوجها أنه قد أعارها جميع متاعها هل يقبل قوله في ذلك كما يقبل في بعضه؟ وإن ادعى عليها في حياتها ما ادعاه بعد وفاتها من إعارتها بعض المتاع أو كله فما الحكم في ذلك؟ فأجاب الشيخ القول قول أبيها في الحالين مع يمينه أنه كان أعارها ولم يهبه لها ولا استحقه على وجه ـ ثم قال في الكشف أيضا ـ : وعندي لا إشكال ولا مخالفة فيه للأصول ، وأن المراد ادعاء الأب فيما جهزها به وعلم أنه نقلها من بيت أبيها ، وأنه الذي أعطاها ، فحينئذ إذا ادعى أنه أعارها فالقول قوله ، لأن الأصل عدم انتقال الملك ، والفرق بينه وبين الزوج وأبيه وأمه ظاهر ، لجريان العادة بنقل المتاع والخدم من بيت الأب ـ ثم قال ـ : وقريب منه ما في التحرير من الحمل‌

__________________

(١) سورة الدخان : ٤٤ ـ الآية ٤٩.

٥٠٢

على الظاهر من أن المرأة تأتي بالمتاع من بيت أهلها ».

قلت : لا ريب في ضعف الحملين المزبورين في كلام ابن إدريس ، لعدم جريانهما في المكاتبة الخالية عن قرائن الأحوال ، على أن ملاحظة آخرها مناف لهما أيضا ، وأما ما ذكره في التحرير ففيه أنه لا دليل على حجية مثل هذا الظاهر الذي لا دليل فيه على البقاء على ملكية أهلها لذلك مع العلم بكونه منهم » ضرورة كون اليد أمارة شرعية على الملك وإن لم يدعه ذو اليد لموت ونحوه ، ولا يعارضها أصالة عدم الانتقال ولا غيرها ، كما هو واضح.

نعم لو فرض كون الدعوى بين الأب والوارث أو بينه وبين البنت بدعوى التمليك عليه كان القول قوله حينئذ ، لأنه منكر حينئذ لا مدع ، وعلى ذلك يحمل ما سمعته من الشيخ في الحائريات ، بل يمكن حمل الخبر المزبور عليه.

ولا ينافيه الفرق بين الأب وغيره ، لإمكان دعوى غلبة كون الدعوى بينه وبين البنت في ذلك بخلاف غيرهم ، ولو فرض كون الدعوى على حسب ما عرفت كان القول قولهم أيضا كالأب وإن أبي الخبر المزبور عن التنزيل على ذلك ونحوه ، فلا ريب في عدم جواز العمل به ، لضعفه عن مقابلة العمومات بعد عدم العمل به من أحد سوى ما يحكى عن الصدوق ، حيث رواه في كتابه الذي قال : « إنه لا يروى فيه إلا ما يعمل به » وقد ذكرنا غير مرة رجوعه عن هذا القول ، كما اعترف به بعض الأفاضل ، والله العالم.

٥٠٣

( المقصد الثالث)

( في دعوى المواريث )

( وفيه مسائل : )

( الأولى )

( لو مات المسلم عن ابنين ) مثلا ( فتصادقا على تقدم إسلام أحدهما على موت الأب وادعى الآخر مثله فأنكر أخوه ) ولم يعلم تأريخ أحدهما أو علم تأريخ موت الأب دون الآخر ( فالقول قول المتفق على إسلامه ) المدعى عليه الشركة ( مع يمينه أنه لا يعلم أن أخاه أسلم قبل موت أبيه ) إن كان قد ادعى عليه العلم ، وإلا فلا حلف كما في كشف اللثام ، لأنه ضابط الحلف على نفي فعل الغير.

( وكذا لو كانا مملوكين ) مثلا ( فأعتقا واتفقا على حرية أحدهما واختلفا في الآخر ) إذ المناط في الجميع ـ وهو استصحاب البقاء على دينه وعلى رقيته ـ واحد ، كذا ذكره من تعرض لذلك.

لكن قد يشكل الأول بل والثاني ـ بناء على أن أصالة تأخر الحادث لا تفيد تأخر نفس المدعى به عن نفس الآخر المعلوم تأريخه ـ بأن ذلك يقتضي عدم الحكم بإسلامه قبل موت الأب ، وذلك لا يكفي في نفي الإرث المقتضي له نفس الولدية ، والكفر والرق مانعان ، لا الإسلام والحرية شرطان حتى يكفي فيه عدم تحقق الشرط ، ومن هنا لو اتفقا على أن‌

٥٠٤

أحدهما لم يزل مسلما أو حرا واختلفا في الآخر جزم في كشف اللثام بأن القول قول الآخر لأصل الإسلام والحرية والإرث ، ويحلف على أن الميت لم يسبق إسلامه ولا حريته. وكذا لو ادعى كل منهما ذلك وأنكر الآخر.

وفي المسالك « احتمل في الأول مساواته في الحكم للسابق ، لأصالة عدم الإسلام وتقديم قوله ، لأن ظاهر الدار تشهد له ، وليس مع صاحبه أصل يستصحب هنا بخلاف السابق ، وكذا في الثاني احتمل الوجهين : أحدهما أنه لا يصرف إلى واحد منهما شي‌ء ، لأن الأصل عدم الاستحقاق ، وثانيهما جعل المال بينهما بعد حلف كل واحد منهما ، لأن ظاهر الدار يشهد لكل منهما ـ لكنه قال ـ : أصحهما الثاني ».

وفي كشف اللثام « نعم إن كانت الدار دار كفر وكان إسلام المورث مسبوقا بكفره احتمل ترجيح الظاهر على الأصل ، فلا يرث المختلف فيه ما لم يعلم انتفاء المانع من إرثه بالبينة ، ولو ادعى المختلف فيه علم الآخر بحاله كان له إحلافه على نفيه ».

وفيه ما عرفت أيضا ، وكذا في قوله أيضا : « ولو اتفقا على كفر كل منهما أو رقيته زمانا وادعى كل منهما سبق إسلامه أو حريته على الموت وأنكر الآخر ولم تكن بينة ولا ادعى أحدهما العلم على الآخر أو ادعاه فحلف على العدم لم يرث أحد منهما ، لأنه لا إرث ما لم يثبت انتفاء المانع ، ولا مجال هنا للحلف ، لأن كلا منهما مدع لزوال المانع عن نفسه ، وأما إنكاره ففي الحقيقة إنكار لعلمه بزوال المانع عن الآخر ، ولا يفيد الحلف عليه ، بل خصمهما في الحقيقة هو الوارث المسلم ، فان كان غير الامام عليه‌السلام حلف على عدم العلم بزوال المانع » ضرورة أنك قد عرفت الاكتفاء باحتمال سبق زوال المانع مع فرض جهل تأريخ الموت ، بل الظاهر الاكتفاء بمقارنته ، لإطلاق دليل المقتضي الذي هو‌

٥٠٥

معنى أصل الإرث الذي احتج به سابقا ».

ولو أقام أحدهما بينة في هذه المسائل قضي بها ، ولو أقام كل واحد بينة في صورة اختلافهما بأنه لم يزل مسلما وصاحبه أسلم بعد موت الأب تعارضتا ورجع إلى القرعة مع عدم المرجح ، بل الظاهر ذلك أيضا في الأول الذي لم يتعرض فيه لخصوص تأريخ الموت أو الإسلام وإن جعله في المسالك أحد الاحتمالات ، والثاني احتمالا ، وتقديم بينة مدعي تقدم الإسلام ، لاشتمالها على زيادة ، وهي نقله إلى الإسلام في الوقت السابق ، والأول مستصحب دينه ، فمع الأول زيادة علم ، ورد بأن بينة المتأخر تشهد بالحياة في زمان بينة المتقدم ، فيتحقق التناقض ، قال : « وربما احتمل ضعيفا تقديم بينة المتأخر بناء على أنه قد يغمى عليه في التأريخ المتقدم فيظن الشاهدان موته ، وهو ضعيف ، لأنه قدح في الشاهد ».

وهذه الاحتمالات الثلاثة قد ذكرها غير واحد أيضا في المسألة الثانية ، ولا ريب في ضعف الأخيرين منها ، نعم لو قلنا بعدم قبول بينة الداخل وأنه في المسألة الثانية مدع تأخر الإسلام اتجه حينئذ تقديم بينة الآخر عليه فيها ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( لو اتفقا أن أحدهما أسلم في شعبان والآخر في غرة رمضان ) أي أوله ( ثم قال المتقدم : مات الأب قبل ) دخول ( شهر رمضان ، وقال المتأخر : مات بعد دخول رمضان كان الأصل بقاء الحياة ، والتركة بينهما نصفين ) بلا خلاف ولا إشكال وإن كان المدرك عندنا عدم ثبوت المانع ، فالمقتضي حينئذ بحاله لا استصحاب الحياة ، فتأمل جيدا.

٥٠٦

قال في كشف اللثام هنا : « وكل من أقام منهما بينة على دعواه ثبتت ، ولو أقاما تعارضت البينتان للتناقض ، وربما يحتمل ضعيفا تقديم مدعي التقديم ، لاشتمال دعواه على زيادة ، وتقديم مدعي التأخير ، لجواز أن يكون قد أغمي عليه أولا فتوهم الموت ، نعم لو صرحت هذه البينة بالإغماء أولا فلا إشكال في تقديمها ، كما أنه لو صرحت الأخرى بأنه كان قد مات ولم يعلم بموته إلا بعد رمضان مثلا لم يكن إشكال في تقديمها ».

قلت : قد عرفت احتمال أن بينة المتأخر بينة داخل فتقدم عليه بينة الخارج فتأمل.

المسألة ( الثالثة )

إذا كان ( دار ) مثلا ( في يد انسان وادعى آخر أنها له ولأخيه الغائب إرثا عن أبيهما و ) أنكر الإنسان ذلك فـ ( ـأقام ) المدعي ( بينة فان كانت كاملة وشهدت أنه لا وارث سواهما سلم إليه النصف ) بلا خلاف ولا إشكال ، والقاسم الحاكم أو أمينه أو من في يده الدار ( وكان الباقي في يد من كانت الدار في يده ) إلى مجي‌ء الغائب ، كما عن المبسوط ، لعدم ثبوتها له قبل دعواه بها ، إذ البينة حجة للمدعي بها لا غيره.

( و ) لكن الأقوى ما ( في الخلاف ) من أنه تنتزع منه ( وتجعل في يد أمين حتى يعود ) لأن البينة حجة شرعية ، كما هو مقتضى إطلاق دليلها إلا إذا ردها ذو الحق أو رفع يدا عن حقه والحاكم ولي الغائب ، ولأنه بإنكاره سقط عن الأمانة ، وفي كشف اللثام « ولأن الدعوى للميت والبينة له ، ولذا تقضى منها ديونه وتنفذ وصاياه » واختاره في المختلف.

٥٠٧

وفيه أن ذلك يقتضي عدم تمامية الدعوى قبل حضور الوارث الآخر ، ومن هنا قرر ذلك في المسالك في وجه اختيار المبسوط لا الخلاف ، وهو مبني على أن الذي يقوم مقام الميت تمام الوارث لا بعضه ، اللهم إلا أن يقال : يكفي في إثبات كونه للميت إقامة بعض الورثة البينة على ذلك ويتبعه حكم الميراث ، بخلاف الشركاء ، فإنه لا يكفي إقامة أحدهم البينة في ثبوت الحق لغيره بدون وكالة أو ولاية ، مع احتماله ، لإطلاق دليل البينة ، فتأمل.

( و ) على كل حال فـ ( ـلا يلتزم القابض للنصف إقامة ضمين بما قبض ) للأصل وغيره بعد ثبوت الانحصار بالبينة.

( ونعني بالكاملة ذات المعرفة المتقادمة والخبرة الباطنة ) بما شهدت به والظاهر الاكتفاء في ثبوت الوصفين بشهادتهما بذلك بعد ثبوت عدالتهما ، بل الظاهر كون المراد بكمالها أنها تشهد بالنفي ، وحينئذ فعدم شهادتها بذلك هو عدم كمالها ، فقول المصنف ( ولو لم تكن البينة كاملة وشهدت أنها لا تعلم وارثا غيرهما ) بمنزلة التفسير لها كقوله أولا : « وشهدت » إلى آخره.

لكن في المسالك « قد اختلفت عبارات الأصحاب في معنى البينة الكاملة هاهنا ، فمقتضى عبارة المصنف والأكثر أن المراد بها ذات الخبرة والمعرفة بأحوال الميت ، سواء شهدت بأنها لا تعلم وارثا غيرهما أم لا ، وحينئذ تنقسم إلى ما يثبت بها حق المدعي بأن تشهد بنفي وارث غيره وإلى غيره ، وهي التي لا تشهد بذلك » وقال أولا في بيان الشهادة : « إذا شهد عدلان من أهل الخبرة بباطن حال الميت أن هذا ابنه مع آخر ليس له وارث غيرهما في ما يعلمان ، ولا يجب القطع بل لا يصح ، ولا تبطل به شهادتهم » وتبعه في ذلك كله كاشف اللثام في تفسير عبارة‌

٥٠٨

القواعد التي هي مثل عبارة المتن.

وما أدري ما الذي دعاهما إلى ذلك!! مع أن حمل العبارة على إرادة التفسير أولى ، كما هو صريح الإرشاد ، قال : « ولو ادعى ما في يد الغير أنه له ولأخيه الغائب بالإرث وأقام بينة كاملة بأن شهدت بنفي وارث غيرهما سلم إليه النصف ، ولا ينافي ذلك قوله في المتن : ونعني » إلى آخره المحمول على إرادة بيان أن الشهادة بالنفي على وجه القطع لا تكون غالبا إلا من ذي الخبرة الباطنة ، ودعوى المفروغية من الاجتزاء بشهادة ذي الخبرة بنفي العلم محل منع وإن جزم به في الدروس كدعوى المفروغية من عدم قبول شهادة غير ذي الخبرة بالنفي على وجه القطع ، بل هو في الحقيقة قدح في الشاهد العدل ، فالتحقيق حينئذ الاكتفاء بالشهادة بالنفي من العدل مطلقا وعدم الاكتفاء بها إذا كانت بنفي العلم كذلك إلا إذا أريد من عدم العلم النفي فيما يعلم ، فإنها شهادة بالنفي حينئذ كما هو ظاهر كلامهم خصوصا الدروس ، وبهذا المعنى يمكن الفرق بين ذات الخبرة وغيرها ، لكن قد يقال : إن الشهادة بالنفي المزبور أيضا لا تكون إلا من ذي الخبرة أو شبهه.

نعم قد يقال بالاكتفاء بالاستصحاب بالشهادة بالنفي لخبر معاوية (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون في داره ثم يغيب عنها ثلاثين سنة ويدع عياله فيها ثم يأتينا هلاكه ونحن لا ندري ما حدث في داره ولا ندري ما أحدث له من الولد ، إلا أنا لا نعلم نحن أنه أحدث في داره شيئا ولا حدث له ولد ولا نقسم هذه الدار بين ورثته الذين ترك في هذه الدار حتى يشهد شاهدا عدل أن هذه الدار دار فلان بن فلان مات وتركها ميراثا بين فلان وفلان أو نشهد على هذا ، قال : نعم » ‌

__________________

(١) الوسائل كتاب الشهادات الباب ١٧ الحديث ٢.

٥٠٩

وغيره من النصوص.

وعلى كل حال فما ذكرناه هو المراد بالكمال وعدمه ، ضرورة عدم اعتبار الكمال زائدا على ذلك في شي‌ء مما وصل إلينا من الأدلة ، كما هو واضح.

وبذلك ظهر لك ما فيهما بل وما في غيرهما ، ومن الغريب دعواه في المسالك عدم إمكان الشهادة بالنفي وعدم صحته إلا على إرادة العلم ، إذ هو مخالف للوجدان ، كما هو واضح.

فان كانت البينة كاملة بالمعنى المزبور دفع إلى ذي الحق ، وإلا ( أرجئ التسليم حتى يبحث الحاكم عن الوارث مستقصيا بحيث لو كان وارث لظهر ) لأن أصل العدم لا يفيد انحصار الوارث في الظاهر ، على أن قاعدة الضرر الحاصل بضمان من في يده المال لو ظهر بعد ذلك معارضة له ، فأصل البراءة من وجوب الدفع إلى هذا الحاضر الذي لم يعلم انحصار الوارث فيه بحاله.

بل ظاهر قول المصنف وغيره ( وحينئذ يسلم إلى الحاضر نصيبه ويضمنه استظهارا ) أنه لا يجب الدفع بعد البحث والفحص إلا بعد أخذ ضامن منه بما يقبضه لو ظهر بعد ذلك ، بناء على صحة ضمان العين والمجهول مراعاة للاحتمال الذي يبقى بعد البحث والفحص.

بل صرح بعضهم كالشهيد في الدروس وغيره بعدم الاكتفاء بالتكفيل ، لإمكان الإتلاف والإعسار خلافا لما عن ابن حمزة من الاكتفاء به وإن كان ذلك لا يخلو من نظر ، ضرورة عدم العبرة بمثل الاحتمال المفروض شرعا على وجه يرفع وجوب دفع الحق إلى صاحبه ، والأصل براءة ذمته من دفع ضمين ، على أنه إذا وجب مع الضمين وجب بدونه ، ضرورة كون الضمين لا يشخص أنه صاحب الحق ، اللهم إلا أن يكون ذلك كله لقاعدة الضرر التي هي العمدة في الأحكام المزبورة ، وإلا فأصل العدم‌

٥١٠

لا زالوا يتمسكون به في الموضوعات من غير اعتبار للفحص والنظر ، وقد سمعت جواز الشهادة به ، وليس هو مشخصا حتى يكون أصلا مثبتا ، بل وجوب الدفع إليه لثبوت كونه وراثا مع عدم شريك له للأصل ، فلذلك حينئذ من أحكامه الثابتة له من حيث كونه كذلك ، لا إثبات شي‌ء آخر به ، كما هو واضح.

ومنه يعلم عدم وجوب خصوص الضمين أو الكفيل ، بل المراد الوثوق العادي بحضور المال عند ظهور شريك مثلا ، وربما كان الوارث موثوقا بوفائه وملاءته. بل منه يعلم أيضا أن المدار على الاحتمال المعتد به لا الوهمي.

بل ويعلم أيضا أن المراد عدم إلزام من في يده المال بالدفع حتى يستظهر بالبحث والفحص والضمين ، لا عدم الجواز اعتمادا على أصل العدم بعد البحث والفحص إلا مع أخذ الضمين ، ضرورة كونه المصلحة بناء على كون الوجه في المسألة ما عرفت للدافع ، فإذا رضي بالدفع بلا ضمين لم يكن بذلك بأس ، نعم لو كان الوجه في ذلك الاستظهار لذي المال الذي لم يتحقق كونه الحاضر ببينة شرعية اتجه حينئذ عدم الجواز وإن رضي الدافع ، والله العالم.

هذا كله إذا لم يكن الوارث الحاضر ذا فرض ، وأما إذا كان ذا فرض لا ينقص عن فرضه على كل تقدير فلا إشكال في وجوب دفع نصيبه تاما إليه.

( ولو كان ذا فرض ) ينقص على تقدير وجود الوارث عن فرضه ( أعطي مع اليقين بانتفاء الوارث ) أو مع الشهادة الكاملة أو غيرها مع البحث وإعطاء الضمين ( نصيبه تاما ) بلا إشكال ( وعلى التقدير الثاني ) أي عدم اليقين واقعا ولا شرعا ( يعطيه اليقين ) ‌

٥١١

أي ما يتيقن استحقاقه له ( إن كان وارث ، فيعطى الزوج ) مثلا ( الربع ) لاحتمال وجود ولد منها ولو شبهة ( والزوجة ربع الثمن ) لاحتمال وجود زوجات له ثلاثة ، يدفع ذلك لهما ( معجلا من غير تضمين ) لاستحقاقهما إياه على كل حال ( وبعد البحث يتم الحصة ) لهما فيعطى الزوج النصف والزوجة الثمن ( مع الضمين ).

( وإن كان الوارث ممن يحجبه غيره كالأخ ) المحجوب بالأبوين والأولاد ( فإن أقام البينة الكاملة ) التي تشهد بأنه الوارث لا غير ( أعطي المال ) كله ( وإن أقام بينة غير كاملة أعطي بعد البحث والاستظهار بالضمين ) ولا يعطى قبله شي‌ء إلا إذا تيقن مقدار مخصوص.

هذا وفي المسالك تبعا للدروس « ولو صدق المتشبث المدعي على عدم وارث غيره فلا عبرة به إن كان المدعى به عينا ، لأنه إقرار في حق الغير ، وإن كان دينا أمر بالتسليم ، لأنه إقرار في حق نفسه ، لأنه لا يتعين للغائب على تقدير ظهوره إلا بقبضه أو قبض وكيله ، وقد تقدم البحث في نظيره من دعوى وكالة الغائب في الأمرين ».

وقد وافقهما على ذلك في كشف اللثام ، قال : « وحكم الدين حكم العين في جميع ذلك إلا في وجوب انتزاع حصة الغائب ، فقد يقال بالعدم ، والفرق أن الأحوط هنا العدم ، لأنه لا يتلف ما لم ينتزع ، لتعلقه بالذمة ، وبأن العين شي‌ء واحد شهدت به البينة والدين حقوق متفرقة بعدد مستحقيه ، ويفارقها أيضا في أنه لا يكفي في العين تصديق صاحب اليد في الانحصار ، ويكفي في الدين ، فإذا صدقه أعطي نصيبه كاملا من غير بحث ، أخذا بإقراره ».

قلت : قد عرفت في ما تقدم المناقشة في عدم وجوب دفع العين على من في يده مع اعترافه بانحصار الحق في المطالب وإن كان ذلك لا يقتضي‌

٥١٢

ثبوت الانحصار شرعا ، وأما وجوب انتزاع الدين فالظاهر أن دليله متحد مع دليل العين ، فتأمل.

المسألة ( الرابعة : )

( إذا ماتت امرأة وابنها ) مثلا ولم يعلم سبق أحدهما ولا الاقتران ( فقال أخوها : مات الولد أولا ثم المرأة فالميراث ) الحاصل من تركتها المشتملة على إرثها ( لي وللزوج نصفان وقال الزوج : بل ماتت المرأة ) أولا فارثها لي ولولدها ( ثم الولد فالمال ) كله ( لي قضي لمن تشهد له البينة ) بلا خلاف ولا إشكال ، فإن أقاما بينتين متكافئتين أقرع على حسب ما تقدم ، إلا أن الظاهر هنا مع نكولهما معا بعد القرعة قسمة نصف المدعي به بينهما ، لأنه الذي عليه النزاع دون النصف الآخر ، فإنه مفروغ منه للزوج ( ومع عدمها ) أي البينة أصلا ( لا يقضى بإحدى الدعويين ، لأنه لا ميراث إلا مع تحقق الحياة ؛ فلا ترث الأم من الولد ) لعدم العلم بحياتها حال موته ( ولا الابن من أمه ) لعدم العلم بحياته حال موتها ، ( و ) حينئذ ( يكون تركة الابن لأبيه ) بعد يمينه أنه ما مات قبل أمه ( وتركة الزوجة بين الأخ والزوج ) بعد يمينه أنها ما ماتت قبل ولدها نصفين لا أرباعا ، لأنه لم يتعارض في النصف يمينان ، كما لا يتعارض في تركة الولد يمينان ، فان الزوج يدعيه بتقدم موت الزوجة ، فإذا حلف الأخ تعين له ، لأنه حلف سابقا ما مات قبل أمه ، فيكون بمقتضى اليمينين إرثه لأبيه ، كما أن الأم إرثها بينهما لانتفاء وارثية الولد بيمين الأخ.

وبذلك ظهر الفرق بين اليمينين والبينتين اللتين قد عرفت الحكم فيهما‌

٥١٣

وكذا الحكم لو نكلا معا عن الأيمان أصلا.

هذا إذا لم يتفقا على وقت موت أحدهما فإن اتفقا عليه واختلفا في موت الآخر قبله أو بعده فالمصدق مدعي التأخر ، لأن الأصل دوام الحياة بناء على الحكم بتأخر مجهول التأريخ عن معلومه ، وإلا كان الحكم كما عرفت أيضا.

ولو علم سبق أحدهما الآخر ولكن لم يعلم بخصوصه ولم يتداعيا فيه فالمتجه القرعة التي هي لكل أمر مشكل ، كما أن المتجه مع فرض عدم التداعي واعترافهما معا بعدم معلومية السبق والاقتران عدم التوارث بين الأم والولد ، فيختص إرثه بأبيه وقسمة تركة أمه بينهما بالنصف ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

( لو قال ) الوارث ( هذه الأمة ميراث أبي وقالت الزوجة ) مثلا ( هذه أصدقني إياها أبوك ) فالقول قول الأول بيمينه ، فان ادعت المرأة ( ثم ) أقامت بينة قضي بها له ، بل لو ( أقام كل منهما بينة قضي ) هنا أيضا ( بـ ) ـتقديم ( بينة المرأة ) وإن قلنا بتقديم بينة الداخل في غير المقام ( لأنها ) أي بينتها ( تشهد بما يمكن خفاؤه على الأخرى ).

وكذا لو كانت العين في يد أجنبي لا يدعيها فكذلك ، لعدم التعارض بين البينتين ، نعم لو تناقضتا قطعا بأن تدعي الاصداق في وقت بعينه فتشهد بينة الوارث بموته قبل ذلك الوقت تحقق التعارض ، فيقرع مع عدم المرجح وإن كان ذلك لا يخلو من نظر يعلم مما قدمناه في المباحث السابقة.

٥١٤

( المقصد الرابع )

( في الاختلاف في الولد )

المعلوم عدم لحوقه بأبوين فصاعدا عندنا ، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من الإلحاق بهما مع الاشتباه ، بل عن أبي يوسف الإلحاق بثلاثة ، بل عن المتأخرين من العامة جواز الإلحاق بألف أب على قول أبي حنيفة ، بل عنه أيضا الإلحاق بأمين إذا تنازعتا واشتبه الأمر ، بل قد يأتي بناء على ما سمعته من متأخريهم لجواز إلحاقه بألف أم.

ولا عبرة بالقيافة في مذهبنا ، وفي‌ المرسل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) « لا يؤخذ بقول عراف وقاثف » بل عنه عليه‌السلام (٢) أيضا أنه « لم يكن يقبل شهادة أحد منهما » وعن أبي جعفر عليه‌السلام (٣) « من سمع قول قائف أو كاهن أو ساحر فصدقه أكبه الله على منخريه في النار » وما في بعض النصوص من الدلالة على قبولهم عليه‌السلام قول القائف (٤) محمول على خصوص الواقعة التي طابق فيها قوله الواقع.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٤ وفيه‌ « لا آخذ بقول عراف ولا قائف » ‌

رواه الصدوق قده ) عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول ... » وهو ليس بمرسل.

(٢) الموجود في البحار ج ١٠٤ ص ٣١٨ عن فقه الرضا‌ « نروى أنه لا تجوز شهادة عراف ولا كاهن » ‌

(٣) لم نعثر على هذه الرواية مع التتبع التام في مظانه ، وإنما رواها الشهيد ( قده ) في المسالك في مسألتنا هذه.

(٤) الكافي ج ١ ص ٣٢٢.

٥١٥

ومن ذلك خبر المدلجي (١) الذي بشر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أقدام أسامة وزيد بعضها من بعض ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن في شك من ذلك ، وإنما سر بذلك لطعن المنافقين بينهما إغاظة لهم وكان اعتمادهم على قول القائف.

فما عن الشافعي ومالك واحمد ـ من الرجوع إلى القائف في الولد للخبر المزبور ونحوه فان لم يكن قافة أو اشتبه عليهم ترك حتى يبلغ الولد فيلحق بمن ينتسب إليه ـ واضح الفساد.

وكيف كان فـ ( ـإذا وطئ اثنان ) مثلا ( امرأة ) في طهر واحد فان كان عن زنا لم يلحق الولد بأحدهما ، بل إن كان لها زوج يحتمل إلحاقه به ألحق به ، فان الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وإلا كان ولد زنا.

وإن كان ( وطءا يلحق به النسب ) ولم يعلم سبق أحدهما ( إما بأن يكون زوجة لأحدهما ومشتبهة على الآخر أو مشتبهة عليهما أو يعقد كل منهما عليها عقدا فاسدا ) لا يعلم به ( ثم تأتي بولد لستة أشهر فصاعدا ما لم يتجاوز أقصى الحمل فحينئذ يقرع بينهما ) بلا خلاف أجده فيه بيننا ، فإنها لكل أمر مشكل.

وعن زيد بن أرقم (٢) « أنهم أتوا أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة أتوها في طهر واحد كلهم يدعي الولد فأقرع وألحق الولد بمن أقرع ، وغرمه ثلثي قيمة الأم ، وأنهم سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك فقال : لا أعلم إلا ما قال علي عليه‌السلام ».

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٦٢.

(٢) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٦٧ راجع المستدرك ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٣ و ١٥.

٥١٦

وعن الباقر عليه‌السلام (١) « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أعجب ما ورد عليه فخبره بذلك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس من قوم يتنازعون ثم فوضوا أمرهم إلى الله تعالى إلا خرج سهم المحق » إلى غير ذلك مما مر في محله في باب أحكام الأولاد (٢) بل وفي غيره.

وعلى كل حال فمذهبنا الرجوع إلى القرعة ( سواء كان الواطئان مسلمين أو كافرين أو عبدين أو حرين أو مختلفين في الإسلام والكفر والحرية والرق أو أبا وابنه ) وإن كانت ولاية الأب على الابن وابنه بلا خلاف معتد به أجده بيننا في ذلك ، بل الظاهر الإجماع عليه ، بل ادعاه بعض صريحا.

وفي‌ صحيح الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إذا وقع المسلم واليهودي والنصراني على المرأة في طهر واحد أقرع بينهم ، فكان الولد للذي تصيبه القرعة » نعم عن لقطة المبسوط أن المسلم والحر أولى ، ولكن قد استقر الإجماع على خلافه.

ولو علم سبق أحدهما على الآخر في الوطء ففي إلحاقه بالأخير أو القرعة أيضا بحث مر في كتاب النكاح كما مر البحث في حكم وطء الثاني بعد تخلل الحيضة بينه وبين وطء الأول.

لكن في القواعد وكشف اللثام « أنه إذا كان ذلك انقطع الإمكان عن الأول ، لأن الحيض علامة براءة الرحم شرعا إلا أن يكون الأول زوجا في نكاح صحيح ، لكون الولد للفراش ، إلا أن يعلم الانتفاء ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٥.

(٢) راجع ج ٣١ ص ٢٤١ ـ ٢٤٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث ١ من كتاب الفرائض.

٥١٧

وتخلل الحيض لا يفيد العلم به هنا ، لقوة الفراش ، ولو كان زوجا في نكاح فاسد لم يظهر فساده للزوجين ففي انقطاع إمكانه نظر ، من تحقق الفراش ظاهرا وانتفائه حقيقة » إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه على كل من تقديري مجامعة الحيض للحمل وعدمه ، وقوة الفراش لو كانت تنفع لنفعت في اجتماعهما في طهر واحد أيضا ، فتأمل جيدا.

( هذا ) كله ( إذا لم يكن لأحدهم بينة ) أو كان لكل منهم بينة ولا مرجح ، وإلا حكم بها لمن كانت له ، لكن قد يصعب إقامة أصل البينة مع فرض تحقق الوطء من الكل في طهر واحد.

( و ) كيف كان فـ ( ـيلحق النسب بالفراش المنفرد ) ولو شبهة ( والدعوى المنفردة ) لمجهول النسب ( وبالفراش المشترك ) بين اثنين فصاعدا ( والدعوى المشتركة ) لمجهول النسب بين اثنين أو أزيد ( و ) لكن المشترك ( يقضي فيه بالبينة ومع عدمها ) أو تعارضها ( بالقرعة ) خلافا لمن عرفته من العامة.

ولا فرق عندنا بين الرجل والمرأة في ذلك ، فلو استلحقت ولدا فان لم ينازعها أحد لحق بها ، وإلا فلذات البينة ، فان لم تكن أو تعارضت فالقرعة ، وقد مر في كتاب النكاح والإقرار (١) واللقطة (٢) جملة مما له تعلق في هذا الفصل وإن ذكر بعضهم بعض ذلك هنا ، فقال : « ومن انفرد بدعوى مولود صغير في يده لحقه إلا أن يضر بغيره ، كأن يكون معتقا ولاؤه لمولاه ، فان بنوته تقتضي تقدمه على المولى في الإرث ، فإن بلغ وانتفى عنه لم يقبل نفيه إلا ببينة ، استصحابا لما ثبت شرعا ، وكذا لو أقر بالمجنون فأفاق وأنكر ، وليس لأحدهما إحلاف الأب ، لأنه لو‌

__________________

(١) راجع ج ٣٥ ص ١٥٨ ـ ١٥٩.

(٢) راجع ج ٣٨ ص ٢٠٠.

٥١٨

جحد بعد الإقرار لم يسمع » ولا يخفى عليك وجه البحث في ذلك.

ثم قال : « ولو ادعى نسب بالغ عاقل فأنكر لم يلحقه إلا بالبينة ، وإن سكت لم يكن تصديقا ، ولو ادعى نسب مولود على فراش غيره بأن ادعى وطءا لشبهة لم يقبل وإن وافقه الزوجان ، بل لا بد من البينة على الوطء ، لحق الولد ، ولو تداعيا صبيا وهو في يد أحدهما لحق بصاحب اليد خاصة على إشكال في أن اليد هل ترجح النسب كما ترجح الملك ، نعم لو استلحقه صاحب اليد ولو ملتقطا وحكم له شرعا لم يحكم للآخر إلا ببينة ، ولو استلحق ولدا وقال : إنه من زوجتي هذه فأنكرت الزوجة ولادته ففي لحوقه بها بمجرد إقرار الأب نظر » قلت : بل منع لكونه إقرارا في حق الغير.

« ولو بلغ الصبي بعد أن تداعاه اثنان قبل القرعة فانتسب إلى أحدهما قبل ، وأشكله بعض بأنه إقرار في حق الغير مع عدم دليل على قيام تصديقه مقام البينة أو القرعة ، ولا عبرة بميل الطبع عندنا ، وإن لم ينتسب إلى أحد منهما أقرع إن لم ينكرهما معا ، وإلا لم تفد القرعة بناء على قبول تصديقه ، ولا يقبل رجوعه بعد الانتساب ، ولا اعتبار بانتساب الصغير وإن كان مميزا. ونفقته قبل الثبوت شرعا عليهما ، ثم يرجع من لم تلحقه القرعة به على الآخر » وفيه أن دفعها قد كان لإقراره فلا وجه لرجوعه.

« ولو أقام كل من المدعيين بينة بالنسب وتعارضتا ولا ترجيح حكم بالقرعة عندنا ، ولو أقام أحدهما بينة أن هذا ابنه وآخر بينة أن هذا بنته فظهر خنثى فان حكم بالذكورية بالبول وغيره فهو لمدعي الابن ، وإن حكم بالأنوثية فهو لمدعي الأنثى ، لأن كلا منهما لا يستحق إلا من ادعاه ، وإن ظهر خنثى مشكلا أقرع ».

٥١٩

إلى غير ذلك مما ذكروه هنا مما هو محل للنظر زيادة على ما أشرنا إليه ، والتعرض لتفصيل ذلك في محله أولى ، نسأل الله التوفيق له.

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، أولياء النعم ، وسادات الأمم ، ومنبع الجود والكرم ، فإنهم وسيلتي إلى ربي في توفيقي لإتمام بقية مباحث هذا الكتاب ، ويتلقاه مني بالقبول ، فإنه الجواد الكريم ذو المن القديم والفضل العميم على عبده المعترف بالتقصير في خدمة اللطيف الخبير ، وفرغ منه مؤلفه العبد العاثر محمد حسن ابن المرحوم الشيخ باقر نجل المرحوم عبد الرحيم نجل المرحوم آغا محمد الصغير نجل المرحوم عبد الرحيم الشريف الكبير يوم الثلاثاء خامس جمادى الأولى سنة (١٢٥٠) ألف ومأتين وخمسين ، ويتلوه إن شاء الله تعالى كتاب الشهادات.

إلى هنا ـ والحمد لله ـ تم الجزء الأربعون ، وقد بذلنا غاية الجهد في تنميقه وتحقيقه والتعليق عليه وتصحيحه فنشكره سبحانه على ما وفقنا لذلك ، ونسأله أن يديم توفيقنا لإخراج الأجزاء الأخيرة الثلاثة.

ويتلوه الجزء الحادي والأربعون في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى.

النجف الأشرف

محمود القوچاني‌

٥٢٠