جواهر الكلام - ج ٤٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

على انتقال جديد ممن انتزعها سمعت بلا خلاف ولا إشكال ، بل لا يبعد القول بسماعها مع الإطلاق المحتمل لذلك ، لعموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « البينة » وما دل على قبول شهادة العدل (٢) وغير ذلك. ومما ذكرنا يعلم النظر في ما في المسالك من وجوه ، فلاحظ وتأمل.

المسألة ( السادسة : )

( لو ادعى دارا في يد زيد ) بأجمعها ( وادعى عمرو نصفها ) ولم يصدق زيد أحدهما ( وأقاما ) معا ( البينة ) وتساوتا عددا وعدالة ( قضي لمدعي الكل بالنصف ) المشاع ( لعدم المزاحم ) له فيه ( وتعارضت البينتان في النصف الآخر ، فيقرع بينهما ويقضى لمن يخرج اسمه مع يمينه ) فان امتنع حلف الآخر ( ولو امتنعا ) معا ( من اليمين قضي بينهما ) في النصف ( بالسوية فيكون لمدعي الكل ثلاثة أرباع ) النصف الذي لا معارض له فيه ، وربع من النصف الآخر ( ولمدعي النصف الربع ) كما هو واضح. وقد سمعت الكلام فيه مفصلا (٣) ضرورة كونه فردا من مسألة تداعي العين الخارجة عن أيديهما التي قد عرفت الحال فيها.

نعم يحكى عن ابن الجنيد هنا أنه بعد أن فرض المسألة في ما لو كانت العين في أيديهما ـ وهي التي أشار إليها المصنف بقوله ( ولو كانت

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٢ والوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٦ والباب ـ ٧ ـ منه ـ الحديث ٤.

(٣) راجع ص ٤٠٧ ـ ٤٠٨.

٤٨١

يدهما على الدار وادعى أحدهما الكل والآخر النصف وأقام كل منهما بينة ) بذلك ( كانت لمدعي الكل ، ولم يكن لمدعي النصف شي‌ء ) وذلك لما عرفت من أن نصفا منها لا نزاع لهما فيه ، وهو الذي في يد مدعي الكل ، فلم يبق إلا النصف الذي في يد الخصم ، وقد قلنا بتقديم بينة الخارج ( لأن بينة ذي اليد بما في يده غير مقبولة ) نعم لو لم تكن بينة كان القول قوله بيمينه ولا يمين له على مدعي الكل ، وحينئذ تكون الدار بينهما نصفين ـ قال : « يقتسمان الدار مع البينة وعدمها على طريق العول ، فيجعل لمدعي الكل الثلثان ولمدعي النصف الثلث ، لأن المنازعة وقعت في أجزاء غير معينة ولا مشار إليها ، بل كل واحد من أجزائها لا يخلو من دعوى كل منهما باعتبار الإشاعة ، فلا يتم ما ذكروه من خلوص النصف لمدعي الكل بغير منازع ، بل كل جزء يدعي مدعي النصف نصفه ومدعي الكل كله ، ونسبة إحدى الدعويين إلى الأخرى بالثلث ، فتقسم العين أثلاثا ، واحد لمدعي النصف واثنان لمدعي الكل ، فيكون كضرب الديان في مال المفلس والميت ».

وفي المختلف « وهو الأقوى عندي لو زاد المدعون على اثنين » وفي كشف اللثام « يعني واستوعب دعاوي غير مدعي الجميع العين أو زادت عليها ، كما إذا ادعى أحد الثلاثة الجميع وآخر منهم الثلثين وآخر الثلث أو النصف ، فإنه حينئذ لا يبقى في العين جزء لا نزاع فيه بخلاف ما إذا ادعى أحدهم الجميع ، وكل من الآخرين الثلث ».

قلت : يمكن أن يكون مبنى كلام ابن الجنيد على دعوى ظهور نصوص التنصيف (١) بعد الإقراع وعدم اليمين منهما في العول ، ضرورة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٢ و ٣ و ٤ والباب ـ ٩ ـ من كتاب الصلح ولكن ليس في شي‌ء من هذه النصوص ذكر عن القرعة.

٤٨٢

أن بينة كل منهما تقتضي الكل وهما متعذران فيحصل النقصان عليهما. ومن هنا اتجه التعدية إلى التثليث لو كانوا ثلاثة ، والتربيع لو كانوا أربعة وهكذا ، وليس إلا لما ذكرنا. ومنه مفروض المسألة التي لا يمكن الجمع فيها بين بينة النصف مثلا وبين بينة الكل ، فنقول في النصف كما عالت في الأول ، فيوزع عليهما أثلاثا ، لأن نسبة الكل إلى النصف كذلك ، فالعول عنده نحو العول في الفرائض لو لا نصوص أهل العصمة عليهم‌السلام لقضاء كل بينة مثلا بمقتضاها نحو قوله : للزوج النصف وللأختين من الأب الثلثان ومن الأم الثلث ، لا مثل العول في تزاحم الديون على التركة الذي مرجعه عند التأمل أيضا إلى ذلك.

لكن فيه أن محل النصوص حيث لا يسلم جزء من العين لا نزاع فيه ، أما في المفروض فلا دلالة فيها عليه ، بل لعل ظاهر‌ مرسل ابن المغيرة (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجلين كان بينهما درهمان فقال أحدهما : الدرهمان لي ، وقال الآخر : هما بيني وبينك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أما الذي قال : هما بيني وبينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له فيه شي‌ء وأنه لصاحبه ، وأما الآخر فبينهما » خلاف ذلك. وكذا مرسل ابن أبي حمزة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا.

ولكن الانصاف مع ذلك عدم خلو كلام ابن الجنيد من قوة مع تزاحم الأمارات الشرعية ، ولم يكن شي‌ء متسالم عليه فيما بينهم أنه لأحدهم ، ولعله لذلك أو لما يقرب منه سمعت الميل إليه في المختلف في ما فرضه ، فلاحظ وتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب الصلح الحديث ١.

(٢) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الصلح ـ الحديث ٢ وذكره في التهذيب ج ٦ ص ٢٩٢ الرقم ٨٠٩.

٤٨٣

( ولو ادعى أحدهم النصف والآخر الثلث والثالث السدس وكانت يدهم عليها ) فلا نزاع حتى على مذهب الإسكافي ، لأن سهام المدعين لا تزيد على أجزاء العين ، من غير فرق بين إقامة البينة وعدمها ( فـ ) ـان ( يد كل واحد منهم على الثلث ) بناء على ما عرفت من أن اشتراك الأيدي على الدار يقتضي كون كل يد على مقدارها ( لكن صاحب الثلث ) في الفرض ( لا يدعي زيادة على ما في يده ) الذي اقتضته ( وصاحب السدس يفضل في يده ما لا يدعيه هو ولا مدعي الثلث ) وهو السدس ( فيكون لمدعي النصف فيكمل له النصف ) ضرورة نقصان الثلث عن النصف بسدس والفرض صيرورته له.

ولا فرق في ذلك بين إقامتهم البينة وعدمها كما أشار إليه بقوله : ( وكذا لو قامت لكل منهم بينة بدعواه ) وكأن المصنف نبه على حكمها لمكان خلاف بعض العامة فيها حيث جعل مع إقامتهم البينة لمدعي النصف ثلثا ونصف سدس بناء على أن السدس الزائد على ما في يده لا يدعيه على مدعي السدس خاصة ، بل إنما يدعيه شائعا في بقية الدار وهي في يد الآخرين جميعا ، فنصفه على مدعي الثلث وعارضت فيه بينته وترجحت باليد على تقدير إقامتهما البينة ، وقدم قول ذي اليد على تقدير عدمها ونصفه على مدعي السدس ، فيحكم به لمدعي النصف ببينته ، لأن بينة مدعي السدس لا تعارضها ، فيجعل لمدعي النصف ثلث ونصف سدس ، وللآخرين مدعاهما ، ويبقى بيد مدعي السدس نصف سدس لا يدعيه أحد.

ولا يخفى عليك ضعف القول المزبور المبني على تقديم بينة الداخل ، ضرورة تعلق الدعوى بالدار ولا تعارض فيها كما عرفت ، ولو قدمنا بينة الخارج أخذ منه نصف السدس وقد كمل له نصفه ، كما أن مدعي السدس كذلك ، بل في يده زيادة نصف سدس هو مقدار ما نقص من‌

٤٨٤

سهم مدعي الثلث فيتجه أخذه له ببينته تتمة لسهمه ، وعن بعض آخر من العامة أنه إذا جحد بعضهم بعضا كانت بينهم أثلاثا ، وهو أوضح فسادا من الأول لاقتضائه الحكم بالثلث لمن يدعي أن له السدس ، فتأمل.

( ولو ادعى أحدهم الكل والآخر النصف والثالث الثلث ) وكانت يدهم أجمع عليها ( ولا بينة قضي لكل واحد بالثلث ، لأن يده عليه ، وعلى الثاني والثالث اليمين لمدعي الكل ) الشامل لما في أيديهما ( وعليه وعلى مدعي الثلث اليمين لمدعي النصف ) إن لم يعترف لذي الثلث ، وليس لمدعي الثلث يمينا عليهما ، لأنه لا يدعي زائدا على ما في يده بخلاف مدعي النصف ، فإنه يدعي سدسا عليهما ، ومدعي الكل فإنه يدعي جميع ما بأيديهما.

وإن أقام أحدهم بينة فان كان المستوعب أخذها منهم ثلث منها بيده مع يمينه أو عدمه إن قلنا بكفاية البينة عنه والباقي ببينته ، وإن أقامها مدعي النصف خاصة أخذه بإضافة سدس يأخذه منهما بالبينة إلى ما في يده بغير يمين أيضا بناء على نيابتها عنه للداخل ـ وفي كشف اللثام مازجا عبارة القواعد « أخذ النصف مما في يد الآخرين أو بإضافة نصفي سدس يأخذهما من الباقين إلى ما في يده » انتهى ـ والنصف الباقي بين الآخرين نصفان لكل منهما سدس ونصف سدس ، لكن للمستوعب منهما السدس بغير يمين ، لعدم المنازع له فيه ، ويحلف على نصف السدس للثالث ، فإنه يدعيه الآن عليه ، كما أنه هو يحلف للمستوعب على جميع الربع الذي أخذه ، وهو السدس ونصف ، وإن أقامها مدعي الثلث أخذ ما في يده من غير يمين إن قلنا بكفاية البينة عنه ـ وفي كشف اللثام « أخذه أي الثلث الذي بيده أو الذي بأيدي الباقين » انتهى ـ والباقي بين الآخرين للمستوعب منهما السدس منه بغير يمين ، لعدم المنازع له فيه ،

٤٨٥

ويحلف على السدس الآخر الذي يدعيه الآن مدعي النصف عليه ، كما أن مدعي النصف يحلف على جميع ما يأخذه من السدسين للمستوعب الذي يدعيهما عليه.

وفي كشف اللثام بعد أن ذكر ما سمعت قال : « وكون الباقي بين الآخرين على هذين التقديرين مبني على ما سيأتي من إسقاط بينة الداخل اليمين ، وإلا فمن أقام بينة أخذ ما يدعيه مما في أيدي الباقين وبقي ما في يده وباقي ما في أيديهما يتنازعان فيه ، فما بأيديهما يقتسمانه كما ذكر ، وما في يد ذي البينة خارج عن أيديهما ، فيقرع ويحكم بكله أو بعضه لمن حلف منهما ».

وقد يناقش فيه بأنه لا يتم ذلك في المشاع ، بل مناف لما تسمعه من إقامة كل منهم البينة المنزلة على ما في يده إلا ما زاد عليه ، على أن البينة لا تزيد على إثبات المشاع الذي كانت تقتضيه اليد ، وكأن الذي أحوجه إلى ذلك ذكرهم البينة هنا ، وظاهرهم عدم الاحتياج معها إلى يمين مع معروفية تقديم بينة الخارج عندهم ، كمعروفية عدم الاكتفاء بها عن اليمين في الداخل ، ومع هذه المقدمات يقتضي تنزيل مفاد البينة على الخارج بالتقرير الذي ذكره.

إلا أن ذلك كله كما ترى ، بل كلام الأصحاب الآتي فيما لو أقام كل منهم البينة كالصريح في خلافه ، فلا محيص عن حمل كلامهم هنا على تقدير تقديم بينة الداخل ، أو على الاكتفاء بها عن اليمين ، أو التزام اليمين على ما في اليد فتأمل.

( وإن أقام كل منهم بينة فان قضينا مع التعارض ببينة الداخل فالحكم كما لو لم تكن بينة ، لأن لكل واحد بينة ويدا على الثلث فـ ) ـتقسم الدار بينهم حينئذ أثلاثا و ( إن قضينا ببينة الخارج وهو الأصح ) ‌

٤٨٦

كما عرفت ( كان لمدعي الكل مما في يده ثلاثة من اثني عشر بغير منازع ) لأنه لا معارض له فيما في يده إلا مدعي النصف بنصف سدس ، وهو واحد من الأربعة التي هي الثلث الذي في يده ( و ) كان له أيضا ( الأربعة التي في يد مدعي النصف ) أي الثلث ( لقيام البينة ) له أي ( لصاحب الكل بها وسقوط بينة صاحب النصف بالنظر إليها ، إذ ) الفرض أنه ( لا تقبل بينة ذي اليد ) على ما في يده ( و ) كان له أيضا ( ثلاثة مما في يد مدعي الثلث ) الذي بينته داخل بالنسبة إليه بخلاف بينة المستوعب ( و ) حينئذ ( يبقى واحد مما في يد مدعي الكل المدعي النصف ) لأن بينته بالنسبة إليه بينة خارج ، ولا تعارضها بينة المستوعب التي هي داخلة بالنسبة إليه ( وواحد مما في يد مدعي الثلث يدعيه كل واحد من مدعي النصف ومدعي الكل ) وهو خارج عنهما ، فـ ( ـيقرع بينهما ) بعد تساوي بينتهما ( ويحلف من يخرج اسمه ويقضى له ) فان امتنع احلف الآخر وقضي له ( فان امتنعا قسم بينهما نصفين ) كما عرفته في العين التي تداعياها وهي خارجة عنهما. وحينئذ ( فيحصل ) من مجموع ما عرفت ( لصاحب الكل عشرة ونصف ، ولصاحب النصف واحد ونصف ، وتسقط دعوى مدعي الثلث ) فان بينته داخلة ، فلا تعارض الخارجة.

وقد ظهر لك من ذلك كله أن لمدعي النصف من الاثنى عشر ثمن ، ولمدعي الكل سبعة أثمان ، فإذا أردت إخراج ذلك صحيحا فرضت النزاع في أربعة وعشرين ، فإن لمدعي الكل منها واحدا وعشرين ، ولمدعي النصف ثلاثة.

هذا وفي القواعد جعل لمدعي النصف سدسا ، وللمستوعب خمسة أسداس ، وهو مبني على أخذ السدس تاما من المستوعب. وفيه أنه‌

٤٨٧

لا يدعيه تماما عليه ، بل يدعي نصفه عليه والنصف الآخر على مدعي الثلث ، كما عرفت ، والله العالم.

ولو كانت يدهم جميعا خارجة واعترف ذو اليد بأنه لا يملكها ولا بينة فللمستوعب النصف ، لعدم المنازع له فيه من كل من مدعي النصف والثلث ، ويقرع في النصف الآخر ، فان خرجت للمستوعب أو للثاني حلف وأخذ ، وإن خرجت للثالث حلف وأخذ الثلث ، ثم يقرع بين الآخرين في السدس ، فمن خرج حلف وأخذ.

ولو أقام أحدهم خاصة بينة فان كانت للمستوعب أخذ الجميع ، وإن أقامها مدعي النصف أخذه ، ويبقى للمستوعب السدس بغير منازع ، والثلث يتنازع فيه مع مدعيه ، والحكم فيه كما لو لم تكن بينة. ولو أقامها مدعي الثلث أخذه وللمستوعب السدس أيضا بغير منازع ، والنصف يقرع فيه بين مدعيه والمستوعب.

وإن أقام كل منهم بينة وتساوت فالنصف للمستوعب ، لعدم المنازع ، والسدس الزائد على الثلث يتنازعه المستوعب ومدعي النصف ، وقد تعارضت فيه بينتاهما ، والثلث يدعيه الثلاثة وقد تعارضت فيه البينات الثلاثة ، فيقرع بين المتنازعين فيما تنازعوا فيه ، فمن خرج اسمه حلف وأخذ ، فإن نكلوا اقتسموا المتنازع فيه ، فيقسم المستوعب ومدعي النصف السدس بينهما نصفين لأنهما المتنازعان فيه دون مدعي الثلث ، وأما الثلث فيقتسمونه أثلاثا بينهم ، فيكون للمستوعب النصف بلا منازع ونصف السدس وثلث الثلث ، ولمدعي النصف ثلث الثلث ونصف السدس ، ولمدعي الثلث ثلث الثلث خاصة وهو التسع ، وتصح في ستة وثلاثين ، للمستوعب خمسة وعشرون ، ثمانية عشر بلا نزاع وثلاثة نصف السدس الزائد وأربعة ثلث الثلث ، ولمدعي النصف سبعة ، ثلاثة نصف السدس وأربعة ثلث‌

٤٨٨

الثلث ، ولمدعي الثلث أربعة ، ثلث الثلث ، هذا كله على المشهور.

وأما على العول فتصح في أحد عشر ، للمستوعب ستة ، ولمدعي النصف ثلاثة ، ولمدعي الثلث اثنان ، لأن فريضتهم من ستة ، ويعال عليها نصفها وثلثها ، والله العالم.

( ولو كانت في يد أربعة فادعى أحدهم الكل والآخر الثلثين والثالث النصف والرابع الثلث ففي يد كل واحد ربعها ) بناء على ما عرفته من اقتضاء اليد ذلك ( فان لم تكن بينة قضينا لكل واحد ) منهم ( بما في يده وأحلفنا كلا منهم لصاحبه ) لأنه لم يخلص لأحد منهم ، ( ولو كانت يدهم خارجة ) فان أقام أحدهم بينة حكم له.

( و ) إن كان ( لكل ) منهم ( بينة خلص لصاحب الكل الثلث ، إذ لا مزاحم له ) فيه من كل واحد من الثلاثة مع تداخل الدعاوي بعضها في بعض وإرادة القضاء فيها أجمع ، لا أن له ذلك على كل حال حتى لو أراد رفع اليد عن الدعوى أو كانت الدعاوي مترتبة وكان القضاء بين كل واحد مع الأخرى مستقلا إلا مع إقرار المدعي بالثلث مثلا أن له ذلك في النصف المدعى به مثلا.

( و ) حينئذ مع التداخل المزبور وإرادة القضاء في الجميع ( يبقى التعارض بين بينة مدعي الكل ومدعي الثلثين في السدس ) الزائد على النصف ، إذ لا ينازعهما فيه أحد من الباقين ( فيقرع بينهما فيه ) بعد تساوي البينتين عدالة وعددا ، فمن خرج اسمه حلف وأخذه ، وإلا حلف الآخر ، فان امتنعا قسم بينهما نصفين.

( ثم يقع التعارض بين بينة مدعي الكل ومدعي الثلثين ومدعي الصنف في السدس أيضا ) وهو الزائد على الثلث لا ينازعهم فيه الرابع ( فيقرع بينهم فيه ) على الوجه السابق ( ثم يقع التعارض بين الأربعة

٤٨٩

في الثلث ) الباقي ( فيقرع بينهم ) فيه أيضا ( ويختص به من تقع القرعة له ) بعد يمينه ( و ) قد عرفت غير مرة أنه ( لا يقضى ) في نحو الفرض ( لمن يخرج اسمه ) بها ( إلا مع اليمين ).

( ولا يستعظم أن يحصل بالقرعة الكل لمدعي الكل ) بخروج القرعة له في المراتب كلها ( فان ما حكم الله تعالى به غير مخطئ ) فلا قسمة بتعارض البينات من غير قرعة كما ذهب إليه بعضهم للاستبعاد المزبور.

( ولو نكل الجميع عن الأيمان قسمنا ما يقع التدافع فيه بين المتنازعين في كل مرتبة بالسوية ) وحينئذ ( فتصح القسمة من ستة وثلاثين سهما ) لأنها أقل عدد لسدسه نصف وثلث.

( لمدعي الكل عشرون ) منها ، اثنا عشر بلا نزاع ، وثلاثة نصف السدس الذي تنازع فيه مع مدعي الثلثين ، واثنان ثلث السدس الذي تنازع فيه معه أيضا ومع مدعي النصف ، وثلاثة ربع الثلث الذي يتنازع فيه مع الجميع.

( ولمدعي الثلثين ثمانية ) ثلاثة نصف السدس الذي تنازع فيه مع مدعي الكل ، واثنان ثلث السدس الذي تنازع فيه معه أيضا ومع مدعي النصف ، وثلاثة ربع الثلث الذي تنازع فيه مع الجميع.

( ولمدعي النصف خمسة ) اثنان ثلث السدس الذي تنازع فيه مع مدعي الجميع ومدعي الثلثين ، وثلاثة ربع الثلث الذي تنازع فيه مع الجميع.

( ولمدعي الثلث ثلاثة ) ربع الثلث الذي تنازع فيه مع الجميع. وحينئذ يكون الإقراع في مواضع ثلاثة ، أو يقال : قد لا يحتاج إلى ذلك ، بل يأخذ المستوعب الثلث بلا مزاحم ، ثم يتقارع الجميع في الباقي ، فإن خرج المستوعب أو الثاني أخذه ، فان كلا منهما يدعي كله ، وإن خرج الثالث أخذ منه النصف وأقرع بين الثلاثة الباقين في الباقي وهو‌

٤٩٠

السدس ، فمن خرج أخذه ، وإن خرج الرابع أخذ الثلث وأقرع بين الثلاثة الباقين في الثلث الباقي ، هذا كله مع خروج المدعى به عن أيديهم.

( ولو كان المدعى ) به ( في يد الأربعة فـ ) ـقد عرفت أن ( في يد كل واحد ربعها ، فإذا أقام كل واحد منهم بينة بدعواه قال الشيخ : يقضي لكل واحد بالربع ، لأن له بينة ويدا ) بناء منه على تقديم بينة الداخل.

( والوجه القضاء ببينة الخارج على ما قررناه ) وحينئذ ( فيسقط اعتبار بينة كل واحد بالنظر إلى ما في يده ويكون ثمرتها في ما يدعيه مما في يد غيره ، فيجمع بين كل ثلاثة ) منهم ( على ما في يد الرابع وينتزعه لهم ، ويقضي فيه بالقرعة واليمين ، ومع الامتناع بالقسمة ) على حسب ما تقدم ( فيجمع بين مدعي الكل والنصف والثلث على ما في يد مدعي الثلثين وذلك ربع اثنين وسبعين ) لأنا نريد عددا لربعه ثلث وتسع ولتسع ربعه نصف وهي كذلك ( وهو ) أي ربعها ( ثمانية عشر ، فمدعي الكل يدعيها أجمع ومدعي النصف يدعي منها ستة ) لأن دعواه ستة وثلاثين وبيده منها ثمانية عشر ، والباقي له ثمانية عشر على الثلاثة في كل ربع ستة ( ومدعي الثلث يدعي ) منها ( اثنين ) تسعها ، لأن دعواه الثلث أربع وعشرون ، بيده منها ثمانية عشر ، فالباقي له ستة على ربع كل واحد من الثلاثة اثنان.

وحينئذ ( فنكون عشرة منها لمدعي الكل ) بلا نزاع ( لقيام البينة بالجميع الذي تدخل فيه العشرة ) التي قد عرفت عدم منازعة الآخرين له فيها ( ويبقى ما يدعيه صاحب النصف ـ وهو ستة ـ يقرع بينه وبين مدعي الكل فيها ويحلف ) من يخرج اسمه وإلا حلف الآخر ( ومع الامتناع يقسم بينهما ) نصفين على حسب ما عرفته في غيرها‌

٤٩١

( و ) يبقى ( ما يدعيه صاحب الثلث وهو اثنان يقرع عليه بين مدعي الكل وبينه ، فمن خرج اسمه أحلف وأعطي ولو امتنعا قسم بينهما ) نصفين على حسب ما عرفته مكررا.

( ثم يجمع دعوى الثلاثة على ما في يد مدعي النصف ) وهو ثمانية عشر أيضا ( فصاحب الثلثين يدعي عليه عشرة ) لأن دعواه الثلثين ثمانية وأربعين وبيده ثمانية عشر منها ، فالباقي له ثلاثون على كل منهم عشرة ، وهي خمسة أتساع ثمانية عشر ( ومدعي الثلث يدعي ) منها ( اثنين ) كما عرفته ( و ) حينئذ ( يبقى في يده ) منها ( ستة لا يدعيها إلا مدعي الجميع ، فتكون له ) لقيام البينة على الجميع التي تدخل فيه ( ويقارع الأخيرين ) في العشرة والاثنين ( ثم يحلف ) من يخرج اسمه ( وإن امتنعوا أخذ ) من كل منهما ( نصف ما ادعياه ) وهو خمسة من العشرة وواحد من الاثنين.

( ثم يجتمع الثلاثة على ما في يد مدعي الثلث وهو ) أيضا ( ثمانية عشر فمدعي الثلثين يدعي منه عشرة ) لما عرفت ( ومدعي النصف يدعي ستة ) لما عرفت أيضا ( يبقى ) منه ( اثنان لمدعي الكل ) بلا منازع ( ويقارع على ما أفرد للآخرين فان امتنعوا عن الأيمان قسم ذلك بين مدعي الكل وبين كل واحد منهما بما ادعاه ) على حسب ما عرفت.

( ثم تجتمع الثلاثة على ما في يد مدعي الكل ) وهو أيضا ثمانية عشر ( فمدعي الثلثين يدعي عشرة ) منها لما عرفت ( ومدعي النصف يدعي ) منها ( ستة ، ومدعي الثلث يدعي اثنين ، فتخلص يده عما كان فيها ) لأن ذلك تمام ثمانية عشر ، وإذا تم ذلك ( فيكمل لمدعي الكل ستة وثلاثون من أصل اثنين وسبعين ) أربعة عشر مما في‌

٤٩٢

يد الثاني ، واثنا عشر مما في يد الثالث ، وعشرة مما في يد الرابع ( ولمدعي الثلثين عشرون ) خمسة مما في يد الثالث ، وخمسة أخرى مما في يد الرابع ، وعشرة مما في يد المستوعب ( ولمدعي النصف اثنا عشر ) ثلاثة مما في يد الثاني. وثلاثة أخرى مما في يد الرابع ، وستة مما في يد المستوعب ( ولمدعي الثلث أربعة ) اثنان مما في يد المستوعب ، واثنان مما في يد الباقين ( هذا إن امتنع صاحب القرعة عن اليمين ومنازعة ) وإلا كان الحاصل غير ذلك كما هو ظاهر.

كظهور الحكم لو أقام أحدهم بينة خاصة ، بل وظهور غير ذلك مما تقدم نظيره في المسائل السابقة ، فتدبر.

المسألة ( السابعة : )

( إذا تداعى الزوجان متاع البيت ) الذي في يدهما كلا أو بعضا ( قضي ) به ( لمن قامت له البينة ) منهما مطلقا بلا خلاف كما في الرياض.

( وإن لم تكن بينة فيد كل واحد منهما على نصفه ، قال في المبسوط ) وتبعه العلامة في القواعد وولده في المحكي من شرحه ( يحلف كل منهما لصاحبه ) كغير المتاع مما يتداعى فيه اثنان مثلا وكان في أيديهما ( سواء كان مما يختص بالرجال ) كالعمائم والطيالسة والسلاح والدرع ونحوها ( أو النساء ) كالحلي والمقانع ونحوها ( أو يصلح لهما ) كالفرش والأواني ( وسواء كانت الدار لهما أو لأحدهما ) أو لغيرهما ( وسواء كانت الزوجية باقية أو زائلة ) بطلاق ونحوه ، بل في كشف اللثام وسواء كانت يدهما عليه مشاهدة كعمامة أو خلخال‌

٤٩٣

لبساه ( يلبسانه خ ل ) أو حكما وهو الكون في بيت يسكنانه ، وسواء جرت العادة بجهاز مثلها بقدره أم لا ، كل ذلك للعمومات التي منها‌ « البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه » (١).

( ويستوي في ذلك تنازع الزوجين والوارث ) أو أحدهما مع الآخر ، لأعمية الدليل المزبور من ذلك كله ، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من أنه إن تنازع أحدهما وورثة الآخر فالقول قول الباقي منهما ، وأنه إن كان في يدهما حكما فما يصلح للرجال أو لهما فالقول قوله ، وإلا فقولها وعن أبي يوسف إن جرت العادة في جهاز مثلها بقدره فالقول قولها.

( وقال ) الشيخ ( في الخلاف ) ومحكي النهاية ( ما يصلح للرجال للرجل ، وما يصلح للنساء للمرأة ، وما يصلح لهما يقسم بينهما ) بعد التحالف أو النكول ، وقد سبقه إلى ذلك الإسكافي ولحقه ابنا حمزة وإدريس والكيدري والقاضي في ظاهره ـ وإن خصه بحال الطلاق ـ ويحيى بن سعيد والفاضلان في النافع والتحرير والتلخيص وأبو العباس في المهذب والشهيد في الدروس وغيرهم على ما حكي عن بعضهم.

بل في المسالك نسبته إلى الأكثر ، بل عن نكت النهاية للمصنف نسبته إلى المشهور ، بل عن الخلاف والسرائر الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ صحيح النخاس (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إذا طلق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما يكون للنساء ، وما يكون للرجال والنساء يقسم بينهما ، قال : وإذا طلق الرجل المرأة فادعت أن المتاع لها وادعى الرجل أن المتاع له كان له ما للرجال ولها ما للنساء ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٤ من كتاب الفرائض.

٤٩٤

والموثق (١) « في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل يموت قبل المرأة قال : ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شي‌ء منه فهو له ».

وخبر زرعة عن سماعة (٢) « سأله عن الرجل يموت ما له من متاع البيت؟ قال : السيف والسلاح وثياب جلده » وقصور الدلالة عن إفادة تمام المدعى صريحا ـ كما ذكره جماعة ـ غير ضائر بعد اعترافهم بالظهور.

هذا ( وفي رواية ) مروية بعدة طرق فيها الصحيح والموثق ( أنه للمرأة ، لأنها تأتي بالمتاع من ) بيت ( أهلها ) وأفتى بها الشيخ أيضا في المحكي من استبصاره.

قال عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح (٣) « سألني أبو عبد الله عليه‌السلام كيف قضاء ابن أبي ليلى؟ قلت : قد قضى في مسألة واحدة بأربعة وجوه في التي يتوفى عنها زوجها فيجي‌ء أهله وأهلها في متاع البيت ، فقضى فيه بقول إبراهيم النخعي : ما كان من متاع الرجل فللرجل ، وما كان من متاع النساء فللمرأة ، وما كان من متاع يكون للرجل والمرأة قسمه بينهما نصفين ، ثم ترك هذا القول ، فقال : المرأة بمنزلة الضيف في منزل الرجل ، لو أن رجلا أضاف رجلا فادعى متاع بيته كلف البينة ، وكذلك المرأة تكلف البينة ، وإلا فالمتاع للرجل ، ورجع إلى قول آخر ، فقال : القضاء أن المتاع للمرأة إلا أن يقيم الرجل البينة على ما أحدث في بيته ، ثم ترك هذا القول ، ورجع إلى قول إبراهيم الأول ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٣ ـ ٢ من كتاب الفرائض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٣ ـ ٢ من كتاب الفرائض.

(٣) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١ وذكره في التهذيب ج ٦ ص ٢٩٧ الرقم ٨٢٩.

٤٩٥

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : القضاء الأخير وإن كان رجع عنه ، المتاع متاع المرأة إلا أن يقيم الرجل البينة ، قد علم من بين لابتيها ـ يعني بين جبلي منى ، لأنه قاله ونحن يومئذ بمنى ـ إن المرأة تزف إلى بيت زوجها بمتاع ».

وفي‌ خبر آخر له (١) أيضا حكى للصادق عليه‌السلام فيه اختلاف ابن أبي ليلى في هذه المسألة وقضاءه فيها أربع قضيات أولها كما في الخلاف وثانيها كما سمعته من المبسوط ثم قال : « ثم قضى بعد ذلك بقضاء لولا أني شهدته لم أرده عليه ، ماتت امرأة منا ولها زوج وتركت متاعا فرفعته إليه ، فقال : اكتبوا لي المتاع فلما قرأه قال : هذا يكون للمرأة والرجل فقد جعلته للمرأة إلا الميزان فإنه من متاع الرجل ، ثم سألته ما تقول فيه؟ فقال : القول الذي أخبرتني أنك شهدته منه قال : يكون المتاع للمرأة ، فقال عليه‌السلام : لو سألت من بينهما يعني الجبلين ـ ونحن يومئذ بمكة ـ لأخبروك أن الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل ، فتعطى الذي جاءت به ، وهو المدعى ، فان زعم أنه أحدث فيه شيئا فليأت بالبينة ».

( و ) كيف كان فـ ( ـما ذكره في الخلاف أشهر في الروايات وأظهر بين الأصحاب ) بل عن المبسوط أيضا نسبته إلى روايات الأصحاب ، بل لعل ما في المختلف راجع إليه ـ وإن جعله في المسالك قولا رابعا واختاره ناسبا له إليه وإلى الشهيد في الشرح وجماعة من المتأخرين.

قال : « والمعتمد أن نقول : إنه إن كان هناك قضاء عرفي يرجع إليه ويحكم به بعد اليمين ، وإلا كان الحكم فيه كما في غيره من الدعاوي ـ إلى أن قال ـ : لنا أن عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١ من كتاب الفرائض.

٤٩٦

والنظر راجعة إلى ما ذكرنا ، ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناء على الأصل ، وبأن المتشبث أولى من الخارج ، لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالبا ، وحكم بإيجاب البينة على من يدعي خلاف الظاهر ، والرجوع إلى من يدعى الظاهر. وأما مع انتفاء العرف فلتصادم الدعويين مع عدم الترجيح لأحدهما فتساويا فيها ـ ثم قال أيضا ـ : واعلم أن ما رواه الشيخ من الأحاديث يعطي ما فصلناه نحن أولا ، ويدل عليه حكمه عليه‌السلام بأن العادة قاضية بأن المرأة تأتي بالجهاز من بيتها ، فحكم لها به ، وأن العادة قاضية بأن ما يصلح للرجال خاصة فإنه يكون من مقتضياته دون مقتضيات المرأة ، وكذا ما يصلح للمرأة خاصة يكون من مقتضياتها دون مقتضيات الرجل ، والمشترك يكون للمرأة قضاء لحق العادة الشائعة ، ولو فرض خلاف هذه العادة في وقت من الأوقات أو صقع من الأصقاع لم يحكم لها » ضرورة أن مبناه أولا وآخرا الرجحان الناشئ من العادة ولو لكون الشي‌ء لا يصلح إلا لأحدهما ، فإن العادة قاضية بذلك ، فمرجع كلام المشهور حينئذ إلى ذلك ، خصوصا بعد تصريح ابن إدريس الذي قد عرفت دعواه الإجماع على ذلك في ما حكي عنه بذلك.

قال بعد ذكر القول المزبور : « وتعضده الأدلة ، لأن ما يصلح للنساء الظاهر أنه لهن وكذلك ما يصلح للرجال ، وأما ما يصلح للجميع فيداهما معا عليه ، فيقسم بينهما ، لأنه ليس أحدهما أولى به من الآخر ، ولا يترجح أحدهما على الآخر ».

وحينئذ فإطلاق بعض عبارات بعض القائلين منزل على ذلك ، كما جزم بذلك في الرياض تبعا للأردبيلي في شرحه.

لكن في التنقيح بعد أن اختار ما سمعته من المبسوط قال : « لتكافؤ الدعويين من غير ترجيح ، ولأن الحكم بما يصلح له لو كان حقا لزم‌

٤٩٧

الحكم بمال شخص معين لغيره ، لكونه صالحا لذلك الغير ، وهو باطل ، بيان اللزوم أنه جاز أن يموت للمرأة أب أو أخ فترث منه عما ثم وطيالسة ودروعا وسلاحا ، وتموت للرجل أم أو أخت فيرث منها حليا ومقانع وقمصا مطرزة بالذهب ، ويكون ذلك تحت أيديهما ، فلو حكم لكل بما يصلح له لزم الحكم بمال الإنسان لغيره ، لا يقال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن نحكم بالظاهر والله أعلم بالسرائر ، وما ذكرنا هو الظاهر ، لأنا نقول : نمنع أن ذلك هو الظاهر ، لأن الظاهر راجح غير مانع من النقيض ، ومع ما ذكرنا من الاحتمال لا رجحان ، وأما ما ذكره العلامة من العرف فممنوع ، لأنه لو كان قاعدة شرعية لزم الحكم بذلك في غير الزوجين لو حصل التداعي بين رجل وامرأة في متاع هذا شأنه ، وهو باطل ».

وأطنب في الرياض في رده بأنه اجتهاد في مقابلة النص ، وبأن الظاهر لا ينافيه الاحتمال ، وبأن الأدلة المزبورة كافية في حجية مثل هذا الظاهر هنا وإن لم يتعد إلى غيره.

قلت : قد يقال : لا ظهور في النصوص بل ولا الفتاوى على وجه يخرج به عن القواعد المحكمة المقتضية للحكم باليد المفروض اشتراكها على ما لا يصلح إلا لأحدهما.

نعم لو كانت يد فعلية لأحدهما ولو لعدم وقوع الاستعمال في ما مضى من الزمان إلا من أحدهما زائدة على يد البيت المشتركة بينهما اتجه الحكم له به حتى لو كان من المختص بغيره ، وكذا لو علم بأنه في الأصل له وإن وضعه في البيت المفروض اشتراكه في اليد لهما ، فان اليد البيتية لا تصلح قاطعة لاستصحاب الملك ، ولعل‌ قوله عليه‌السلام في‌

٤٩٨

صحيح ابن الحجاج (١) السابق : « فتعطي الذي جاءت به من أهلها » شاهد على ذلك ، ضرورة أن الذي جاءت به جعلته في البيت المشترك بينهما.

أما إذا لم يكن ذلك وكانت اليد البيتية لهما معا عليه ولا طريق إلى معرفة مالكه إلا يدهما عليه فالمتجه حينئذ الحكم به بينهما ، ويمكن تنزيل النصوص على ذلك ، بل لعل‌ قوله عليه‌السلام في آخر الموثق (٢) : « ومن استولى شيئا فهو له » الذي هو كالاستدلال على ما قدمه من الحكم مشعر أو ظاهر في ذلك ، كاشعار‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « ثياب جلده » ونحوه ، بل لعل متاع النساء كذلك ، فان المراد ما يتمتعن به ويستعملنه فعلا ، ومجرد كونه لا يصلح إلا للنساء مثلا مع عدم العلم بإعداده للزوجة أو غيره لا ظهور في اختصاصه بالنساء كما سمعته من المقداد ، وربما كان في كلام ابن حمزة ظهور في الجملة في بعض ما قلناه ، لأنه قال : « وإن كان في يد أحدهما ـ أي شي‌ء من متاع البيت ـ كانت البينة على اليد الخارجة واليمين على المتشبثة ».

وعلى كل حال فإن أمكن تنزيل النصوص والفتاوى على ذلك بمعنى اختصاص كل منهما بما يصلح له مما كان في يده ولو باختصاص استعماله له أو كان معلوم الأصل أنه له كانت المسألة حينئذ على القواعد ، وإلا فلا ريب في أن المتجه المشهور ، لكن في خصوص المفروض الذي لم يكن لأحدهما يد زائدة على اليد البيتية عليه ، ولا علم كون أصله لأحدهما عملا بالنصوص المزبورة المعتضدة بما سمعت.

ولا ينافيها النصوص (٤) الدالة على كون المتاع للمرأة مطلقا التي قد سمعتها بعد عدم العمل بها من أحد حتى الشيخ في الاستبصار المحتمل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١ من كتاب الفرائض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٣ من كتاب الفرائض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٢ من كتاب الفرائض.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ميراث الأزواج من كتاب الفرائض.

٤٩٩

كون ما فيه جمعا بين الأخبار لا فتوى ، على أنها غير صريحة ، بل ولا ظاهرة في المخالفة ، بل الأخير منها ظاهر في إرادة المتاع الذي تأتي به من أهلها.

بل لعل التأمل في النصوص يقتضي تنزيلها على اعتياد كان في السابق أن المرأة تأتي بالمتاع التي يحتاجه البيت من فراش ورحى وأواني ونحوها ، بل هي كالصريحة في عدم حكم خاص تعبدي بين الرجل وزوجته في ذلك ، أو تنزيلها على إرادة بيان فساد القول بكونها كالضيف ، لأن كل أحد يعلم أنها حين تزف إلى زوجها تزف بمتاع ، أو غير ذلك ، فلاحظ وتأمل حتى تعرف قصورها عن معارضة غيرها من وجوه ، فضلا عن القواعد الشرعية.

على أنك قد سمعت ما ذكره الفاضل من دعوى دلالة هذه النصوص على ما عرفته منه الذي قد نزل بعضهم كلام المشهور عليه وإن كان هو بعيدا جدا.

بل كلامه عند التأمل في غاية البعد ، إذ حاصله استفادة الحكم الشرعي من الحكم العادي ، وهو واضح الفساد ، ضرورة عدم مدخلية للعادة في الأحكام الشرعية ، نعم قد يرجع إلى العرف في موضوع الحكم الشرعي لا فيه نفسه ، ودعوى دوران صدق المدعي والمدعى عليه على العادة المزبورة حتى لو كان في يد الآخر واضحة المنع ، بل من المقطوع به عدم إرادته ذلك.

وبالجملة كلامه لا يرجع إلى حاصل ينطبق على القواعد الشرعية الموافقة لأصول الإمامية ، وإن مال إليه جماعة ممن تأخر عنه.

بل من ذلك يعلم النظر فيما ذكره في القواعد من أنه لو كان في دكان عطار وتجار فاختلفا في قماشه أي ما فيه من آلات حكم لكل بآلة‌

٥٠٠