جواهر الكلام - ج ٤٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لا خصوص ذي اليد ومدعيه وإن كانت النصوص قد اشتملت عليه.

( وفي ) إطلاق ( القولين تردد ) بناء على ما عرفته من اختلاف صورة الدعوى التي يتجه في إحداهما ما ذكره الشيخ وفي الأخرى ما ذكره الحلي بناء على تقديم بينة الخارج ، وإن قلنا بتقديم بينة الداخل اتجه تقديم بينة المستأجر ، ومع فرض تساويهما في ذلك يرجع إلى القرعة ، كما هو واضح. وأما إذا كانت البينة لأحدهما خاصة فلا ريب في القضاء بها له في صورة التحالف وللمدعي في الصورة الأخرى ، أما إذا أقامها المنكر فيها فلا عبرة بها بناء على عدم بينة له مطلقا.

( و ) مما تقدم يظهر لك الحكم في ما ( لو ادعى استئجار دار ) معينة مدة معينة بأجرة كذلك ( فقال المؤجر : بل آجرتك بيتا منها ) وفي التحرير وكشف اللثام أو ادعى استئجارها شهرين بعشرة والمؤجر شهرا بها ، ضرورة اتحاد وجه البحث فيهما ، ولذا ( قال الشيخ ) فيها ( يقرع بينهما ) نحو ما سمعته منه في السابقة أو يتحالفان على قوله الآخر.

( وقيل ) والقائل ابن إدريس في محكي السرائر ( القول قول المؤجر ) نحو ما سمعته منه أيضا في تقديم قول المستأجر في نفي الزيادة في الأجرة.

( و ) لكن في المتن هنا أن ( الأول أشبه لأن كل واحد منهما مدع ) مع تردده في القولين في السابقة ، على أن تعليله يقتضي التحالف لا القرعة ، ولعله لظهور التداعي في المقام بخلاف الأول الذي مرجعه إلى دين في الذمة ، ولذا جزم في التحرير بالفرق بينهما. وعلى كل حال فلا يخفى عليك طرد ما تقدم هنا.

( و ) منه ما ( لو أقام كل منهما بينة تحقق التعارض مع

٤٦١

اتفاق التأريخ ) أو إطلاقهما أو إطلاق إحداهما وتأريخ الأخرى والتساوي في العدد والعدالة ، فيقرع بينهما على القول بالتحالف ، وتقدم بينة المستأجر على القول بكونه المدعي الخارج والمؤجر هو الداخل الذي لا بينة له.

وفي كشف اللثام « في الأول يحكم بالقرعة مع اليمين ، فان نكلا فالظاهر أن البيت لما اتفقا على إجارته فهو في إجارته إلى أن تمضي المدة ويقتسمان الباقي نصفين ، ويسقط من الأجرة بالنسبة ، وكذا مع الاختلاف في الزمان يقتسمان شهرا من الشهرين ، فتكون الدار عند المستأجر شهرا ونصفا ، ويسقط من الأجرة ربعها ، وإن كان النزاع أو رفعه بعد مضي المدة وتصرف المستأجر في تمام الدار وتمام الشهرين يثبت للمالك في نصف غير البيت أو في نصف شهر أجرة المثل ».

وفيه أن المتجه في الأول ثبوت الأجرة مع قسمة ما فيه النزاع بالنصف ، نعم يتجه أجرة المثل في الأخير ، لوقوع التصرف فيه بلا أجرة ، ويمكن القول هنا بالقرعة بلا يمين ، لعدم تناول دليل التنصيف للفرض كما سمعته في المسألة الثانية ، بل لعله هنا أولى.

وفي الدروس « فان اتحد التأريخ أعملنا أو أسقطنا أو أقرع مع اليمين » ولعل إعمالهما بمعنى تقديم بينة الداخل أو الخارج ، وإسقاطهما بمعنى الرجوع إلى الحكم مع عدم البينة كل على مختاره فيه ، وأما احتمال كون المراد بإعمالهما بطلان الإجارة في البيت وصحتها في بقيته بالنسبة بعد تصويرها بإيقاع ذلك من الأصليين والوكيلين فبعيد أو باطل.

( ومع التفاوت ) في التأريخ ( يحكم للأقدم ) وبطلان المتأخر ( لكن ) قد ذكر المصنف وغيره هنا أنه ( إن كان الأقدم بينة البيت حكم بإجارة البيت بأجرته وبإجارة بقية الدار بالنسبة من الأجرة ) لبطلان ما قابل البيت المفروض تقدم إجارته منها وصحة الباقي ، فلو كان‌

٤٦٢

البيت يساوي نصف أجرة الدار صح في باقيها بنصف الأجرة ، فيجتمع على المستأجر مجموع الأجرة للبيت الذي قد تقدم تأريخ إجارته ونصفها لبقية الدار ، فإذا فرض مثلا أن الأجرة التي اتفقا عليها عشرة لكن ادعى المستأجر أنها أجرة الجميع وادعى المؤجر أنها أجرة البيت وكان المتقدم تأريخ بينة البيت ثبت على المستأجر خمسة عشر في مقابلة المجموع عشرة أجرة البيت ببينة المؤجر ، وخمسة في مقابلة باقي الدار ببينته ، ولا ينافي ذلك خروجه عن دعواهما التي هي وقوع عقد واحد منهما وكون العوض فيه عشرة ، وإنما الاختلاف فيما تضمنه في مقابلة العشرة الدار أو البيت ، لأن الثابت في الشرع حجية بينتهما لا دعواهما ، وقد اقتضتا ما عرفت ، فينبغي العمل به ، لاحتمال كونه الواقع وإن خرج عن دعواهما معا ، كما سمعته في تنصيف العين التي ادعى كل منهما له وهي في أيديهما ، وتسمعه في غيره ، بل قد يقال بوجوب العمل بكل منهما وإن علم الحاكم بخروج الحاصل من مقتضي الاجتهاد في إعمالهما عن الواقع فضلا عن دعواهما مع احتماله الواقع.

وكيف كان ففي الدروس احتمال الحكم بصحة الاجارتين مع عدم التعارض ، لأن الاستئجار الثاني يبطل ملك المستأجر فيما سبق ، وكأنه فرضه في غير دعوى اتحاد العقد ، إذ يمكن حينئذ استئجار البيت منه أولا ثم انتقل منه إلى المؤجر بعقد إجارة من المستأجر ثم آجره الدار كلها فتصح الإجارتان ، والله العالم.

( ولو ادعى كل منهما أنه اشترى دارا معينة ) من شخص بعينه ( وأقبض الثمن وهي في يد البائع ) ولا بينة لأحدهما فإن كذبهما حلف لهما واندفعا عنه ، وإن صدق أحدهما دفع له العين وحلف للآخر وإن لم نقل إن الإقرار بها قبل القبض بمنزلة التلف لآفة سماوية ،

٤٦٣

وللآخر إحلافه لادعائه عليه أيضا ، وإن عاد فأقر للثاني غرم له القيمة إلا أن يصدقه الأول ، فيدفع العين إليه ، نعم لو قلنا إن الإقرار قبل القبض إتلاف كالآفة السماوية لم يتوجه له اليمين حينئذ وإن كان هو كما ترى. ولو صدق كل واحد في النصف حكم به لكل منهما وحلف لهما ، ولو قال : لا أعلم لمن هي منكما ففي كشف اللثام تقارعا وقضي لمن خرج بالقرعة بعد اليمين.

ولو أقام كل منهما بينة ( قضي بالقرعة مع تساوي البينتين عدالة وعددا وتأريخا ) أو مطلقتين أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة بناء على عدم تأخر مجهول التأريخ عن معلومه ( و ) إذا كان كذلك ( حكم لمن يخرج اسمه مع يمينه ) على المشهور ، لما عرفته من الأدلة السابقة أو لا معها على احتمال أو قول ، وفي كشف اللثام « ويحتمل الاقتسام للتعارض والتساقط فيحلف الثالث لهما لو أكذبهما إلى آخر ما مر » والتفريع على احتمال التساقط.

( و ) كيف كان فـ ( ـلا يقبل قول البائع لأحدهما ) بعد الحكم بما سمعت ، لكن في كشف اللثام « لاعترافه بأنه ليس عليها يد ملك وقيام البينة بذلك ، ويحتمل القبول فيكون المقر له ذا اليد فتقدم بينته أو بينة الآخر على الخلاف » وفيه أن جزم المصنف وغيره بعدم قبول قول البائع مبني على كون ذلك قد كان منه بعد الحكم بمقتضى القرعة وبعد انتزاعها منه بالبينتين ، فلا وجه للاحتمال المزبور.

( و ) على كل حال ( يلزمه إعادة الثمن على الآخر ، لأن قبض الثمنين ممكن فتزدحم البينتان فيه ) أي تجتمع فيه بخلاف عقد البيع ، ولو نكل من أخرجته القرعة حلف الآخر ( ولو نكلا عن اليمين قسمت بينهما ) على حسب ما تقدم في العين التي قد ادعيا ملكيتها ( و ) لكن‌

٤٦٤

هنا ( يرجع كل منهما بنصف الثمن ) الذي دفعاه إلى البائع المفروض قبضه للثمنين.

نعم في كشف اللثام « إلا إذا اعترفا أو اعترف أحدهما أو شهدت بينتاهما أو إحداهما بقبض المبيع ، فمن قبضه من بائعه باعترافه أو بشهادة بينة لم يكن له الرجوع عليه بشي‌ء من الثمن ، لثبوت استحقاقه له بالإقرار أو بالبينة ، غاية الأمر أنه اغتصب منه نصف العين بعد ذلك ».

وقد سبقه إلى ذلك الشهيد في المسالك ، فإنه قال في المسألة الأخيرة : « وحيث قلنا بثبوت الخيار على تقدير القسمة فذلك إذا لم تتعرض البينة لقبض المبيع ولا اعترف به المدعي ، وإلا فإذا جرى القبض استقر العقد ، وما يحدث بعده فليس على البائع عهدته » وكذا في التحرير ، وقد وقع ذلك للرافعي من الشافعية.

وفيه أن الاعتراف بالقبض أو ثبوته بالبينة لا ينافي الرجوع بالثمن بعد ثبوت استحقاق المبيع لغير البائع بالبينة ، كما هو واضح. اللهم إلا أن يقال : إن عدم الرجوع بعد القبض لتركهما اليمين باختيارهما ، ولكن ذلك غير موافق لما سمعته من التعليل ، بل لا يتم فيما سمعته من كشف اللثام أخيرا ، على أن ترك اليمين إن كان مقتضيا لذلك فلا فرق فيما بين قبل القبض وبعده.

( و ) على كل حال فـ ( ـهل لهما أن يفسخا ) البيع الذي ثبت لكل منهما بالبينة؟ ( الأقرب ) عند المصنف والفاضل وغيرهما ( نعم ، لتبعض المبيع ) عليه ( قبل قبضه ) وعدم حلفهما تنزيها عن القسم بالله عذر ، ويحتمل العدم ، لأن لكل منهما إحراز الكل بيمينه ، فالتبعيض إنما جاء منهما ، وأشار المصنف بقوله : « قبل قبضه » إلى ما صرح به في كشف اللثام من أنه « لا خيار لهما مع دعوى كل منهما قبض المبيع‌

٤٦٥

أو شهدت البينة به » وفيه ما عرفت من عدم الفرق في ثبوت الخيار بالتبعيض قبل القبض وبعده بعد أن كان ذلك لثبوت استحقاقه للغير بالبينة ، وكذا بالنسبة إلى الرجوع بالثمن.

وكيف كان فان فسخا كانت العين للبائع ورجع كل منهما عليه بكمال الثمن ( ولو فسخ أحدهما كان للآخر أخذ الجميع ) حينئذ الذي هو مقتضى بينته ( لعدم المزاحم ) له.

خلافا للمحكي عن الشيخ فليس له ، لأن الحاكم قد قضى له بنصفها دون النصف الآخر فلا يعود إليه ، وضعفه واضح ، على أن الذي حكاه عنه في الدروس التفصيل ، قال : « ولو فسخ أحدهما فللآخر الجميع ، وفيه أوجه ثالثها ـ وهو مختار الشيخ في المبسوط ـ الفرق بين كون الآخذ الأول والثاني ، لأن القضاء للأول بالنصف إذا لم يتعقبه فسخ يقرر ملكه عليه بحكم الحاكم ، فليس له نقضه بأخذ الجميع ، ونعني بالأول الذي فاتحة القاضي بتسليم النصف فرضي ، بخلاف ما إذا فسخ المفاتح ، فإن الثاني يأخذ الجميع قطعا ، لإيجاب بينته الجميع ما لم ينازع وإن كان هو أيضا ضعيفا ».

وتوهم أن مقتضى الفسخ الرجوع إلى البائع لا إليه بمقتضى الحكم الظاهري مدفوع بأن التنصيف قد كان جمعا بين البينتين ، ومع فرض الفسخ استقلت بينة الآخر بكون الجميع له بلا معارض ، بل المتجه صيرورة ذلك له قهرا عليه ، لأنه مقتضى دعواه وبينته.

( و ) لكن قال المصنف وغيره ( في لزوم ذلك عليه تردد ) من ذلك ومن استصحاب الخيار له ( أقربه اللزوم ) للأصل وغيره بعد انتفاء المقتضي له.

ولو أرخت البينتان تأريخين مختلفين حكم للسابق وبالثمن للآخر ،

٤٦٦

بل في كشف اللثام « وإن أمكن أن يكون باعها من الأول ثم اشتراها ثم باعها من الثاني ، لحصول الجمع بين البينتين ببيعها من الثاني وإن لم يشترها ، لجواز بيع ملك الغير ، لكن إذا لم يجزه انفسخ واستقر عليه الثمن » أي فلا يتوقف الجمع بينهما على الأول.

ولو كانت في يد أحدهما قضي بها له مع عدم البينة وعليه اليمين للآخر ، ولو أقاما بينة حكم للخارج على رأي وللداخل على آخر ، كما عرفت الكلام فيه ، والله العالم.

( ولو ادعى اثنان ) مثلا ( أن ثالثا اشترى من كل منهما هذا المبيع ) الذي في يده بثمن معين عكس المسألة السابقة ( وأقام كل منهما بينة ) ففي القواعد والتحرير ( فان اعترف لأحدهما قضي عليه بالثمن ، وكذا إن اعترف لهما قضي عليه بالثمنين ) لإمكان صدقه ولو بشرائه ثم بيعه ثم شرائه ، لكن فيه أن الحكم المزبور لا مدخلية فيه لاقامتهما البينة ، ضرورة استناده إلى اعترافه به لا إليها ، ولذا لو اختص بأحدهما قضي له بالثمن خاصة دون الآخر ، فيحلف له إن لم تكن له بينة ، وإلا أخذ منه أيضا كما ستعرف.

( و ) على كل حال فـ ( ـان أنكر ) هما مع إقامة كل منهما البينة على دعواه ( وكان التأريخ مختلفا أو مطلقا قضي بالثمنين جميعا ، لمكان الاحتمال ) الذي هو شراؤه من أحدهما ثم بيعه من الآخر ثم شراؤه منه ، ومهما أمكن الجمع بين البينتين وجب بخلاف المسألة السابقة ، إذ الشراء لا يجوز لملك نفسه ، والبيع يجوز لملك غيره ولو فضولا ، كذا قيل.

وفيه أن الاحتمال في الشراء لمال نفسه فضولا عن الغير ممكن أيضا ، فالأولى في وجه الفرق اتحاد المدعى به في المسألة السابقة ، وهو شراء‌

٤٦٧

المبيع من مالكه إلا أنه لم يعلم السابق منهما ليكون شراء اللاحق في غير محله بخلاف المقام ، فان المدعى به استحقاق الثمن الذي ثبت بثبوت سببه ، فمع فرض قيام البينة به في وقتين مثلا وجب المسبب ، حتى لو كان المدعى واحدا ، نعم لو فرض كون الثمن معينا وكل منهما قد ادعاه بسبب كونه البائع لثمنه وأقام كل منهما بينة تحقق التعارض ولو مع إطلاقهما فتأمل جيدا.

هذا وفي المسالك وغيرها احتمال كون المطلقتين أو المطلقة إحداهما كمتحدي التأريخ الذي ستسمع حكمه ، لاحتمال الاتحاد ، والأصل براءة المشتري ، فلا يؤخذ إلا باليقين ، ولعله لذا كان المحكي عن ظاهر الشيخ التردد ، ولكن لا يخفى عليك ظهور البينة في التعدد ، والأصل تعدد المسبب بتعدد سببه.

( ولو كان التأريخ واحدا تحقق التعارض ، إذ لا يكون الملك الواحد في الوقت الواحد لاثنين ، ولا يمكن إيقاع عقدين ) من الأصيلين مثلا ( في الزمان الواحد ) وحينئذ ( فـ ) ـلا محيص عن أن ( يقرع بينهما ) لما عرفته من النص والفتوى على أن ذلك حكم البينتين المتعارضتين بعد فقد الترجيح بينهما ( فمن خرج اسمه أحلف وقضي له ، ولو امتنعا من اليمين قسم الثمن بينهما ) إن كان متفق الجنس والوصف وإلا كان لكل واحد نصف ما ادعاه من الثمن ، لأن الدعوى في الحقيقة على المثمن ، وتنصيفه يقتضي تنصيف الثمن أو يقسم الثمن بينهما بلا قرعة أو يقرع بلا يمين أو يحكم بسقوط البينتين على ما مر من الخلاف والاحتمال.

( ولو ادعى ) مدع ( شراء المبيع من زيد وقبض الثمن وادعى آخر شراءه من عمرو وقبض الثمن ) وكانت العين في يد البائعين أو أحدهما أو خامس ( وأقاما بينتين متساويتين في العدالة والعدد والتأريخ

٤٦٨

فالتعارض متحقق ) ضرورة عدم كون المال الواحد مملوكا بتمامه لشخصين في زمان واحد ( فحينئذ يقضى بالقرعة ) لما عرفته سابقا ( ويحلف من خرج اسمه ويقضى له ) ويرجع الآخر على بائعه بالثمن ( ولو نكلا عن اليمين قسم المبيع بينهما ) وقد عرفت احتمال القسمة بلا قرعة والتساقط.

( و ) على كل حال فإذا اقتسماها ( رجع كل منهما على بائعه بنصف الثمن ) وفي كشف اللثام إن لم يدعيا قبض العين ولا شهدت به بينتاهما وفيه البحث السابق ( ولهما ) حينئذ ( الفسخ والرجوع بالثمنين ) لتبعض الصفقة ( ولو فسخ أحدهما جاز ، و ) لكن ( لم يكن للآخر أخذ الجميع ) كما عرفته سابقا ( لأن النصف الآخر لم يرجع إلى بائعه ) بل إلى بائع آخر بخلاف السابق.

وكذلك لو كانت العين في يدهما مع تعارض البينتين أو فقدان البينة مع التحالف أو نكولهما ويرجع كل بنصف الثمن ، ولهما الفسخ ، وفي كشف اللثام بالشرط المتقدم ، وفيه ما عرفت.

ولو كانت في يد أحدهما قضي له ببينته أو للخارج على الخلاف ، ويرجع الآخر على بائعه بالثمن ، وفي كشف اللثام « إلا إذا اعترف أو شهدت بينته بقبض العين » وفيه ما عرفت. وكذا لو كانت في يد البائع المصدق لمدعي الشراء ، فان كانت في يد أحدهما فمدعي الشراء منه ذو اليد ، فيقضي له ببينته أو للخارج ، وإن كانت بأيديهما وصدق كل منهما مشتريه فكلاهما ذو اليد ، فيقسم بينهما عند التعارض ، ويرجع كل منهما بنصف ثمنه ، بناء على ما ذكرناه من عدم الفرق في ذلك بين القبض وعدمه بعد أن كان ثبوت ذلك بالبينة.

ولذا قال في الدروس : « الثالثة : بائعان ومشتريان بأن ادعى كل منهما‌

٤٦٩

أنه اشتراها من آخر وأقبضه الثمن وأقاما بينتين ، فان تشبثا قسمت بينهما ورجع كل على بائعه بنصف الثمن ، وإن تشبث أحدهما بني على ترجيح الداخل أو الخارج ، فيرجع المرجوح بالثمن ، وإن خرجا وتكافأت البينات أقرع على الأقوى ، ومع النكول يقسم ويرجع كل على بائعه بنصف الثمن ، سواء كانت في يد أحد البائعين أو يد أجنبي ولكل منهما الفسخ ، وليس للآخر أخذ الجميع لو فسخ أحدهما ، لعدم عوده إلى بائعه » وكلامه صريح في الرجوع ولو بعد القبض ، وكذا في القواعد ، والله العالم.

ثم إنه قد يتوهم من اقتصار المصنف في التعارض على الصورة المزبورة عدمه في غيرها ، مع أن الظاهر تحقق ذلك أيضا في صورة الإطلاق ، إذ هي كغيرها من صور الإطلاقات السابقة ، بل وكذا لو أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى بناء على عدم الحكم بتأخر مجهول التأريخ عن معلومه ، كما حرر في محله ، نعم لو كانا مؤرخين بتأريخين مختلفين ففيه البحث السابق في تقديم الملك السابق وعدمه.

هذا وفي القواعد في أصل المسألة زيادة قول كل من المتداعيين وأنها أي العين ملكهما ، ولعله لجواز أن يكون اشتراها أحدهما للآخر وأن يكون باعها أحد البائعين وكالة عن الآخر أو فضولا.

وفي المسالك « يقوم مقام ذلك أن يقول : وتسلمته أو سلمه هو إلى ، لأن الظاهر أنه إنما ينصرف بالتسليم في ما يملك ، وفي دعوى الشراء من صاحب اليد لا يحتاج أن يقول : وأنت تملكه ، ويكتفى بأن اليد تدل على الملك ، وكذلك يشترط أن يقول الشاهد في الشهادة اشتراه من فلان وهو يملكه أو اشتراه وتسلمه منه ، وهذا القيد حسن ، وسيأتي اختيار المصنف إياه ، وكأنه تركه هنا اتكالا عليه ، وفرعوا عليه أنه‌

٤٧٠

يجوز أن يقيم شاهدين على أنه اشترى من فلان وآخرين على أن فلانا كان يملكه إلى أن باع منه ، لحصول المطلوب من جملة الشهود ، ولكن الآخرين إن شهدا هكذا فقد شهدا على البيع والملك أيضا ، وكذا إذا أقام شهودا على أنه اشترى منه وقت كذا وآخرين على أنه كان يملك ذلك إلى وقت كذا ، ولو أقام أحد المدعيين بينة على أنه اشترى الدار من فلان وكان يملكها وأقام آخر البينة على أنه اشتراها من مقيم البينة الأولى حكم ببينة الثاني وإن لم يقل لمقيم البينة وأنت تملكها ، كما لا يحتاج أن يقول لصاحب اليد ، لأن البينة تدل على الملك ، كما أن اليد تدل عليه » ولا يخفى ما في ذلك كله من التطويل بلا طائل ، ضرورة معلومية كون المراد النزاع في الشراء من المالك ولو بظاهر اليد أو غيرها.

( ولو ادعى عبد أن مولاه أعتقه وادعى آخر أن مولاه باعه منه ) وكان العبد في يد المولى أو ثالث أو لا يد لأحد عليه ولم تكن لأحدهما بينة وأكذبهما المولى حلف لهما يمينين. وإن كذب أحدهما وصدق الآخر ففي التحرير وظاهر القواعد حلف لمن كذبه.

لكن في كشف اللثام « والحق ما في المبسوط من أنه إن صدق المشتري لم يحلف للعبد ، لأنه لو أقر بعد ذلك بالعتق لم يقبل ، لكونه إقرارا في حق الغير ولم يلزمه غرم ، وكذا إن صدق العبد لم يحلف للمشتري ، لأنه لو صدقه بعد ذلك فقد اعترف بالإتلاف قبل الإقباض ، وهو كالآفة السماوية في انفساخ البيع به ، نعم إن ادعى عليه قبض الثمن حلف له إن أنكره ».

وبه جزم في المسالك ، لكن قال : « إن قلنا : إن إتلاف البائع كالآفة السماوية » وسبقهما إلى ذلك الرافعي من الشافعية قال : « وقال الروزباني : وليس هنا موضع يقر لأحد المدعيين ولا يحلف للآخر‌

٤٧١

قولا واحدا إلا هذا ».

وفيه منع عدم توجه اليمين للمشتري ، فإنه مع إقراره المستخرج باليمين يكون من الحيلولة لا التلف ، فيغرم له القيمة ، ولذا جزموا في المسألة السابقة ـ وهي دعوى الاثنين شراء العين من شخص هي في يده ـ أنه لو أقر لأحدهما كان اليمين عليه للآخر ، بل وله اليمين على المقر له ، فلا يبعد حينئذ أن يكون هنا أيضا له اليمين على السيد والعبد ، كما أنه قد يقال باليمين على السيد للعبد مع الإقرار للمشتري ، لعموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « البينة » وفائدته ثبوت الحرية في حقه على وجه لو انتقل إليه بعد ذلك بارث وغيره يحكم بحريته إن لم نقل بوجوب شرائه فعلا عليه ، كما عن بعضهم التصريح به ، وإلا كانت الثمرة واضحة.

وإن كان في يد المشتري ففي المسالك وكشف اللثام قدم قوله بيمينه ، وفيه أنه مدع على السيد بعد اعترافه بالشراء منه وإن كان في يده ، ولعله لذا أطلق في القواعد تقديم قول السيد فيه ، هذا كله مع عدم البينة.

أما معها وكان العبد في يد السيد المكذب لهما أو في يد أجنبي أو لا يد لأحد عليه فان اختصت بأحدهما عمل بها ( و ) إن ( أقاما ) معا ( البينة قضى لأسبق البينتين تأريخا ) لتبين بطلان الثاني منهما بيعا أو عتقا.

( فان اتفقتا ) في العدد والعدالة والتأريخ أو الإطلاق أو أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى ( قضي بالقرعة مع اليمين ) على من أخرجته لزوما للأدلة السابقة ، لا احتياطا كما عن الشيخ ، فان نكل حلف الآخر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم.

٤٧٢

( ولو امتنعا ) معا ( من اليمين قيل ) والقائل الشيخ وجماعة ( يكون نصفه حرا ونصفه رقا لمدعي الابتياع ) لأدلة التنصيف السابقة ، لكن لا تخلو دعوى شمولها لمثل الفرض من تأمل ونظر ، ولذا نسبه المصنف إلى القيل. ( و ) لكن عليه ( يرجع ) على البائع ( بنصف الثمن ) لفوات نصف المبيع ، وفي كشف اللثام « إن لم يعترف أو لم تشهد بينة بإقباضه العبد » وفيه البحث السابق ، وله خيار التبعيض على الأقوى لما عرفت.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو فسخ عتق كله ) لزوال المزاحم للبينة الشاهدة على المولى بعتقه ( و ) لو لم يفسخ المشتري فـ ( ـهل يقوم على بائعه ) إن كان موسرا؟ ( الأقرب نعم ) وفاقا لجماعة ( لشهادة البينة بمباشرة عتقه ) فيتم شرط السراية.

وما يقال ـ من أن البينة قد شهدت بإعتاقه كله ولم يعمل بها ، وإنما حكم بعتق النصف حكما قهريا للتعارض بناء على عدمها في القهري فلا سراية ، على أن الواقع إما عتق الكل أو البيع أو عدم واحد منهما ، ولا معنى للسراية على الجميع ـ يدفعه بناء الأحكام على مقتضى ظاهر الأدلة الشرعية ، وهو هنا عتق النصف بالبينة ولو بعد الأدلة على إعمالها مع التعارض على الوجه المزبور.

ولو كان العبد في يد المشتري فان قدمنا بينة الداخل حكم له ، وإن قدمنا بينة الخارج حكم بالعتق ، لأن العبد خارج ، وعن بعض العامة على الأول تقدم بينة العبد ، لأنه الداخل ، إذ يده على نفسه ، وفيه أنه لو قلنا يكون للحر يد على نفسه إنما يكون للعبد ذلك بالعتق وإلا فهو في يد السيد أو المشتري.

٤٧٣

ولو كان في يد البائع فصدق المشتري فهو ذو اليد بناء على ما عرفته سابقا في العين في يد ثالث ، فتأمل.

( مسائل : )

( الأولى : )

( لو شهد للمدعي بأن الدابة ملكه منذ مدة فدلت سنها على أقل من ذلك قطعا أو أكثر ) منها إن ادعى أنها نتجت عنده ( سقطت البينة ، لتحقق كذبها ) كما في القواعد والتحرير وغيرهما ، لكن عن بعض النسخ أو « أكثريا » عطفا على « قطعا » وهي التي شرحها في المسالك ، فقال : « أما على تقدير كون الدلالة قطعية فواضح ، لأن الكذب حينئذ قطعي ، وأما على تقدير الأكثرية فالدلالة ظنية ، ويشكل معارضتها للحكم الظاهر من عدالة الشاهد ، وفي التحرير اقتصر في الحكم بسقوط البينة على الدلالة القطعية ، وهو أولى ».

قلت : لا ينبغي التأمل في عدم معارضة الظن للشهادة التعبدية ، وظني غلط النسخة التي شرحها ، بقرينة عدم عنوان من أحد من الأصحاب بذلك عدا الفاضل في الإرشاد ، فإنه قال « قطعا أو ظاهرا » وقرينة تعليله بتحقق الكذب ، فلا وجه للإشكال في ما ذكره ، ولا أظنه قولا لأحد ، إنما الكلام في بطلان البينة مطلقا أو في خصوص ما كذبت به ، الظاهر الثاني ، ولم أجد ذلك محررا في كلامهم ، والله العالم.

٤٧٤

المسألة ( الثانية : )

( إذا ادعى دابة ) مثلا ( في يد زيد وأقام بينة أنه اشتراها من عمرو فان شهدت البينة بالملكية مع ذلك للبائع أو للمشتري أو بالتسليم قضي للمدعي ) بناء على تقديم الملك السابق ، بل اليد السابقة على اللاحقة.

( وإن شهدت بالشراء لا غير قيل ) والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة وتبعه جماعة ، بل في المسالك نسبه إلى الأكثر ( لا يحكم ) له به ، ( لأن ذلك قد يفعل فيما ليس بملك ، فلا تدفع اليد المعلومة بالمظنون ) بل المحتمل ( وهو قوي ) عند المصنف وغيره ( وقيل ) والقائل الشيخ في محكي الخلاف ( يقضى له ) على القول المزبور ( لأن الشراء دلالة على التصرف السابق الدال على الملكية ) كما أن اليد السابقة دالة عليها ، إذ كما أن الظاهر من اليد كونها أصالة لا نيابة ولا عدوانا ، فكذا البيع والشراء ، خصوصا الواقعان منه بعنوان الملكية والسلطنة بلا معارض له وإن لم يكن المال في يده.

هذا وفي المختلف الاعتراض على الشيخ في اكتفائه في ثبوت الملك بالتسليم بحكمه أنه لو شهدت البينة للخارج بأن الدار كانت في يده منذ أمس أنه لا تزال اليد المتصرفة فكيف يمكن الجمع بين ذلك وبين ترجيحه هنا بتسليم البائع إلى المشتري.

وفيه أن ذلك مبني على قوله بترجيح اليد السابقة ، فإن له في المسألة قولين ، فلا يعترض عليه بالقول الآخر ، كما أن له في هذه المسألة قولين ، والذي يسهل الخطب في المسألة ما عرفت فيما سبق من أنه لا يقضى له حتى لو شهدت البينة بالملك السابق فضلا عن اليد السابقة ، لعدم‌

٤٧٥

معارضته للملك الفعلي المستفاد من اليد الفعلية ، فبناء هذه المسألة على المسألة السابقة ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( الصغير المجهول النسب إذا كان في يد واحد وادعى رقيته قضي بذلك ظاهرا ، وكذا لو كان في يد اثنين ) بلا خلاف أجده فيه ، لأنه وإن كان الأصل فيه الحرية إلا أن رقيته أمر ممكن ، وقد ادعاه ذو اليد ، ولا منازع له فيحكم به ، بل في التحرير والمسالك لا يلتفت إلى إنكاره بعد البلوغ لسبق الحكم برقيته ، بل وكذا في القواعد وعن التذكرة إلا أنه قال : « له اليمين على من في يده » وإن كان فيه أن ذلك لا يقتضي سقوط حجته ، كما في كل مدع دعوى لا معارض لها ، مثل الوكالة عن الغير وشبهها ، فإنه لا ينافي دعوى الغير عدمها بعد ذلك. ولعله لذا قال المصنف : « ظاهرا » بل في الإرشاد وغيره الجزم بأنه إذا بلغ وأنكر أحلف ، بل قال في موضع آخر من القواعد : « لو ادعى الصبي المميز الحرية لم تسمع ، فان بلغ وادعاها سمعت ، ولا تأثير لليد عليه ولا إبطال الدعوى السابقة ».

بل إن لم يكن إجماعا أو سيرة قطعية أمكن المناقشة بالحكم برقيته حال صغره على وجه تجري عليه أحكام الملك ، لخبر حمران بن أعين (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة ادعى الرجل أنها مملوكة له وادعت المرأة أنها ابنتها ، فقال : قد قضى علي عليه‌السلام قلت : وما قضى في هذا؟ قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٩.

٤٧٦

كان يقول : الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالرق وهو مدرك ، ومن أقام بينة على من ادعى من عبد أو أمة فإنه يدفع إليه ويكون رقا ، قلت : فما ترى أنت؟ قال : أرى أن يسأل الذي ادعى أنها مملوكة له بينة على ما ادعى ، فإن أحضر شهودا يشهدون أنها مملوكة لا يعلمون أنه باع ولا وهب دفعت الجارية إليه حتى تقيم المرأة من يشهد لها أن الجارية ابنتها حرة مثلها فلتدفع إليها وتخرج من يد الرجل ، فقلت : فان لم يقم الرجل شهودا أنها مملوكة له ، قال : تخرج من يده ، فإن أقامت المرأة البينة على أنها ابنتها دفعت إليها ، وإن لم يقم الرجل البينة على ما ادعى ولم تقم المرأة البينة على ما ادعت خلى سبيل الجارية ، تذهب حيث شاءت » فإنه ظاهر أو صريح بما ذكرنا.

ولعله لذا كان المحكي عن المبسوط توقف ثبوت رقية المميز على البينة كما عن الشافعية في وجه ، إلا أن المعروف بين أصحابنا ما سمعت وإن كان الخبر المزبور منافيا له ، وليس دعوى المرأة البينة مغيرا لموضوع المسألة ، ضرورة عدم يد للمرأة ، على أن قوله عليه‌السلام أخيرا : « تخرج من يده » مشعر بكون الجارية في يده ، على أن دليلهم المزبور مقتض للحكم بالرقية وإن لم يكن في يده ، مع أن اليد مقتضاها الملك في معلوم المالية لا أنها تنقح المشكوك في ماليته أنه مال.

بل المراد باليد في المتن وغيره الاستيلاء العرفي نحو استيلاء الوالد على ولده لا اليد بمعنى التصرف الملكي ، فإن ذلك هو معنى دعوى المسلم المالية ولا معارض له ، فمتى حصل المعارض كان على حجته التي هي هنا ما عرفت من كون الناس على الحرية.

ومن هنا صرح بعضهم بعدم الفرق في الحكم المزبور بين الصغير والمجنون الكبير ، بل والعاقل الساكت الذي لم يقر ولم ينكر وإن أشعرت‌

٤٧٧

بعض العبارات بنوع تأمل في الأول.

بل في الإرشاد التصريح بالإشكال في الأخير ، لأصالة الحرية في الآدمي ، وعدم دعواها لا يخرجها عن كونها أصلا ، وسكوته أعم من التصديق ، إلا أن ذلك إن تم اقتضى عدم الحكم بالرقية في الصغير ، ويؤيده الخبر المزبور ، لكن عرفت إجماعهم على الظاهر على الحكم برقيته.

ومن هنا قال في غاية المراد : الصحيح الحكم برقية الكبير الساكت ، وهو قضية كلام الأصحاب ، وصرح به المصنف في بعض كتبه ، والأصل يخرجه عن كونه أصلا ما ينافيه ، وهو هنا موجود ، أي تصرف المسلم ودعواه الملكية ، بل مقتضى ذلك الحكم برقية الصغير المعلوم نسبه إذا كان ممكن الملكية ، ضرورة عدم الفرق في الدليل المزبور بين الجميع ، وإنما قيد الأصحاب بجهل النسب لإرادة إخراج معلومه المقتضي للعلم بالحرية لا مطلقا ، هذا كله في الصغير.

( أما لو كان كبيرا وأنكر ) الرقية على مدعيها عليه ( فـ ) ـلا ريب ولا خلاف في أن ( القول قوله ، لأن الأصل الحرية ) نعم لا تسمع دعوى التحرير إلا ببينته ، وهو غير دعوى الحرية ، وعلى ذلك يحمل ما في بعض النصوص (١) الدالة على جواز شراء المملوك من سوق المسلمين مع دعواه الحرية.

( و ) كذا ( لو ادعى اثنان رقيته فاعترف لهما قضي عليه ، وإن اعترف لأحدهما كان مملوكا له دون الآخر ) لعموم إقرار العقلاء (٢)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار ـ الحديث ٢ والمستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ منه الحديث ١.

٤٧٨

ولخصوص خبر حمران (١) المتقدم المعتضد بعدم خلاف أجده في الحكم بذلك هنا ، بل ولا عثرت على من حكاه ، نعم عن العامة قول بعدم قبول إقراره مطلقا ، وآخر بالقبول فيما يضر به نفسه لا فيما يضر غيره ، وحكي عن الشيخ في مسألة دعوى العبد العتق والآخر الشراء في إنكار كون العبد ذا يد على نفسه أنه قال : « لأنه لو كان ذا يد لقبل إقراره بالملكية لأحد المتنازعين فيه » ومقتضاه المفروغية من عدم قبول إقراره ، إلا أنه كما ترى لا دليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه.

وفي كشف اللثام « وإذا أقاما بينتين متعارضتين فصدق أحدهما خاصة لم تترجح به بينته ، لأنه لا يد له على نفسه ، فإنه إن كان حرا فلا يد له ، وإن كان مملوكا فلا يد عليه إلا لمالكه » وفيه أنه مناف لقبول إقراره بالرقية مع عدم البينة الذي اعترف به سابقا ، بل ظاهره الإجماع عليه ، فتأمل.

المسألة ( الرابعة : )

( لو ادعى كل منهما أن الذبيحة له وفي يد كل واحد بعضها ) منفصلا عن الآخر ( وأقام كل منهما بينة قيل : قضي لكل منهما بما في يد الآخر ، وهو الأليق بمذهبنا ) الذي هو تقديم بينة الخارج على الداخل ، أما على القول بتقديم بينة ذي اليد فيقضي لكل منهما بما في يده ، كما أنه يقضي بالإشاعة بينهما لو فرض اتصال البعض الذي في يد أحدهما بالآخر كما عرفته سابقا.

( وكذا ) الكلام فيما ( لو كان في يد كل واحد شاة وادعى

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٩.

٤٧٩

كل منهما الجميع وأقاما بينة قضي لكل منهما بما في يد الآخر ) إذ لا فرق بينهما وبين بعضي الذبيحة المنفصلين ، كما هو واضح.

ومما يتفرع على ذلك أنه لو كان المتخاصمان في بعضي الذبيحة المنفصلين كافرا ومسلما حكم بكون ما يقضي به للكافر ميتة وللمسلم مذكى وإن كان كل واحد من الجزءين انتزعه من الآخر ، عملا بظاهر اليد المعتبرة شرعا ، ولا يقدح في ذلك اليد السابقة ، بل لعل الحكم كذلك في الجزءين المتصلين ، ضرورة اتحاد المدرك فيهما ، كما تقدم الكلام في ذلك في قسم العبادات (١) فلاحظ.

المسألة ( الخامسة : )

( لو ادعى ) زيد ( شاة في يد عمرو وأقام بينة فتسلمها ثم أقام ) عمرو ( الذي كانت في يده بينة أنها له ) بالملك السابق الذي انتزعه منه زيد ( قال الشيخ : ينقض الحكم وتعاد ) الشاة إلى عمرو ( وهو بناء على القضاء لصاحب اليد ) فإنه قد كان عمرا ( والأولى أنه لا ينقض ) حتى لو قدمنا بينة ذي اليد ، إلا أنه خرجت من يده بحكم الحاكم ولو لعدم حضور بينته التي كانت نافعة له لو أقامها حال إقامة زيد بينته لا بعد انقطاع الخصومة وحكومة الحاكم المبنية على الدوام للأصل المؤيد بالحكمة وظاهر الأدلة ، بل لو قلنا بكونه الآن خارجا لم تسمع بينته أيضا بعد أن علم أن شهادتها بالملكية السابقة التي كانت مقتضى اليد ، لما عرفته من انقطاع الخصومة فيها ، فلا تسمع حينئذ دعوى تتعلق بها على وجه لا توجب يمينا فضلا عن قبول بينة بها ، نعم لو أقامها‌

__________________

(١) راجع ج ٨ ص ٥٥.

٤٨٠