جواهر الكلام - ج ٤٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في ما رواه‌ إسحاق (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام في دابة في أيديهما وأقام كل واحد منهما البينة أنها نتجت عنده ، فأحلفهما علي عليه‌السلام فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف ، فقضى بها للحالف ، فقيل : فلو لم يكن في يد واحد منهما وأقاما البينة ، قال : أحلفهما فأيهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف ، فان حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين ، قيل : فان كانت في يد أحدهما وأقاما جميعا بينة ، قال : أقضي بها للحالف الذي هي في يده ».

وخبر غياث (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام اختصم إليه رجلان في دابة كلاهما أقاما البينة أنه أنتجها فقضى بها للذي هي في يده وقال : لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين ».

مؤيدا ذلك بما رواه‌ العامة عن جابر بن عبد الله الأنصاري (٣) « إن رجلين تداعيا دابة وأقام كل منهما بينة أنها دابته أنتجها فقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للذي في يده ».

( وقيل ) والقائل المشهور على ما حكي بل عن الغنية الإجماع عليه ( يقضى للخارج ل ) لأدلة التي سمعتها سابقا التي منها خبر منصور (٤) السابق المشتمل مع ذلك على ( أنه لا بينة على ذي اليد كما لا يمين على المدعي ، عملا بـ ) ـقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) : « واليمين على من أنكر » ( والتفصيل قاطع للشركة ) وإن كان فيه ما فيه.

ومنه يعلم ما في قوله ( وهو أولى ) لما عرفت ، ولكن عليه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣.

(٣) سنن البيهقي ـ ج ١٠ ص ٢٥٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٣.

٤٢١

لا إشكال في تقديمها مع فرض تقييد بينة الخارج وإطلاق بينة الداخل ، وهي الصورة الثالثة التي تركها المصنف اعتمادا على ظهور حكمها بالأولوية القطعية على التقدير المزبور وإن كان الذي يقوى خلافه للخبرين (١) المؤيدين بخبر جابر (٢) وبما دل على حجية شهادة العدلين ولو من المنكر ، حتى نصوص المقام ، ومقتضاها حينئذ دفع حجة المدعي الذي لم يعلم تقدمها عليها ، فيقى حق اليمين على المنكر بحاله الذي مقتضى دليله استحقاقه ولو كان مع المنكر بينة ، خلافا للمحكي عن الشيخ فأسقط اليمين عنه ترجيحا لبينته باليد على بينة الخارج ، فكما لا يحلف الخارج لا يحلف الداخل ، وهو مبني على عدم تساقط البينتين ، بل على استعمالهما ، والأقوى ما عرفت.

وعلى كل حال فما عن المجلسي من حمله النصوص المزبورة على التقية لشهرته بين العامة فتوى ورواية يدفعه ما سمعت من موافقة خبر بينة الخارج لأحمد بن حنبل أيضا ، بل ملاحظة كلام العامة يقضي باضطراب أقوالهم في ذلك على وجه لا تقية في إظهار الحق فيما بينها ، خصوصا مع نسبته إلى علي عليه‌السلام على أن المحكي عن الشيخ نسبته إلى مذهبنا وأنه الذي تدل عليه أخبارنا ، فكيف يحمل مثله على التقية ، والله العالم.

هذا كله مع تقييدهما ( أما لو شهدت للمتشبث بالسبب وللخارج بالملك المطلق فإنه يقضي لصاحب اليد سواء كان السبب مما لا يتكرر كالنتاج ونساجة الثوب الكتان أو يتكرر كالبيع والصياغة ) كما عن الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار والمبسوط والقاضي والطبرسي والفاضلين والشهيدين ، بل عن الأول الاشعار بالإجماع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٢ و ٣.

(٢) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٥٦.

٤٢٢

حيث قال : « قبلناها » بل عنه أيضا أنه قال : « بلا خلاف بيننا لقوة البينة حينئذ ».

قيل : ولما في‌ خبر عبد الله بن سنان (١) « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان إذا اختصم الخصمان في جارية فزعم أحدهما أنه اشتراها وزعم الآخر أنه أنتجها فكان إذا أقاما البينة جميعا قضى بها للذي أنتجت عنده » بناء على أن مبنى ذلك قوة النتاج على الشراء ، وفيه أن ذلك يقتضي الترجيح في الأسباب ، ولم يلتزم به القائل المزبور في المقيدتين ، ولعل الأولى الاستدلال له بإطلاق قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) المتقدم.

( وقيل ) والقائل ابن إدريس فيما حكي عنه ( بل يقضى للخارج وإن شهدت بينته بالملك المطلق ) بل في الرياض عن الصدوقين والمفيد والحلبي وابن زهرة إطلاق تقديم بينة الخارج ، بل عن الأخير الإجماع عليه ( عملا بالخبر ).

( والأول أشبه ) بأصول المذهب وقواعده المقتضية حجية البينة من المدعي والمنكر ، فاما أن يفزع إلى ترجيح بينة المنكر بالتقييد واليد ، أو يقال : لا دليل على الترجيح بهما ، ومقتضاه تكافؤهما وبقاء الدعوى ، كما إذا لم تكن بينة ، فيتوجه اليمين على صاحب اليد الذي هو المدعى عليه لغة وشرعا وعرفا ، وعليه ينزل قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخبرين (٣) السابقين ، ويستفاد منه ما نحن فيه بالأولوية ، نعم يشكل الاستدلال للمصنف القائل في مفروض الخبرين بتقديم بينة الخارج ، إذ لا وجه للأولوية حينئذ ، فليس له إلا ما عرفت ، وفيه ما سمعت.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٢ و ٣.

٤٢٣

وبذلك كله ظهر لك أن الأقوى تقديم بينة الداخل إلا في المطلقتين إن تم الإجماع عليها ، وأولى منها ما إذا كانت بينة الخارج مقيدة والداخل مطلقة ، وإن أمكن ترجيح ما ذكره المصنف بالشهرة على فرض تحققها ، والله العالم.

( و ) أما ( لو كانت في يد ثالث ) وهي الصورة الثالثة ففي المتن وغيره ( قضي بأرجح البينتين عدالة ، فإن تساويا قضي لأكثرهما شهودا ، ومع التساوي عددا وعدالة يقرع بينهما ، فمن خرج اسمه أحلف وقضي له ، ولو امتنع أحلف الآخر وقضي له ، وإن نكلا قضي به بينهما بالسوية ) بل في المسالك وغيرها نسبته إلى الشهرة ، بل في الغنية الإجماع عليه ، بل في الرياض نسبته إلى الأشهر ، بل عامة متأخري أصحابنا والنهاية وكتابي الحديث وموضع من الخلاف والحلي والقاضي والحلبي وابن حمزة ويحيى بن سعيد وابن زهرة ، مع أنه هو بعد ذلك قد اعترف باختلاف كثير من فتاوى القدماء في الترجيح بالأعدلية والأكثرية والرجوع بعد التساوي فيهما إلى القرعة.

قال : « فبين من اقتصر على اعتبار الأعدلية خاصة كالمفيد ، من اقتصر على اعتبار الأكثرية كذلك كالاسكافي والصدوقين ، نعم ذكرا قبل اعتبارها إن أحق المدعيين من عدل شاهداه ، فان استوى الشهود في العدالة فأكثرهما شهودا ، وهو ليس نصا في اعتبار الأعدلية ، وبين من اقتصر على اعتبارهما خاصة ولم يذكر الترتيب بينهما ولا القرعة بعدهما كالشيخ في موضع من الخلاف قائلا إنه الظاهر من مذهب الأصحاب ، وبين من اقتصر على ذكر المرجح مطلقا من دون بيان له ولا ذكر قرعة كالديلمي والشيخ في موضع من الخلاف ، لكنه ذكر القرعة بعد العجز عن الترجيح مدعيا عليه الإجماع من الإمامية ، وبين من فصل بعين ما في‌

٤٢٤

العبارة لكنه مقدما للأكثرية على الأعدلية كالحلي في السرائر وعزه إلى ظاهر الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، وبين من اقتصر على القرعة خاصة كالعماني ».

ومن الغريب الركون بعد ذلك إلى دعوى شهرة محققة فضلا عن إجماع ابن زهرة ، وأغرب من ذلك اعتماده في الرياض عليه ، وجعله هو الجامع بين النصوص والفتاوى المختلفة قال : « خصوصا بعد اعتضاده بالشهرة المحكية ، وما سمعته من إجماع الشيخ صريحا وظاهرا وإجماع السرائر في الجملة » إذ هو كما ترى لا يفيد الفقيه طمأنينة ، على أنه ليس على جميع الأحكام المزبورة ، قال : « وإن كان مع كل منهما بينة ولا يد لأحدهما حكم لأعدلهما شهودا ، فان استويا في ذلك حكم لأكثرهما شهودا مع يمينه ، فان استويا أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه حلف وحكم له ، وإن كان لكل واحد منهما يد ولا بينة لأحدهما كان الشي‌ء بينهما نصفين ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة » وهو خال عن حلف الآخر وعن القضاء بالنصف مع نكولهما.

وعلى كل حال فلا ريب في عدم الوثوق بالإجماع المزبور بعد ما عرفت خصوصا مع شدة اختلاف النصوص أيضا ، ففي الصحيح (١) « أن عليا عليه‌السلام أتاه قوم يختصمون في بغلة فقامت البينة أنها لهؤلاء أنتجوها على مذودهم لم يبيعوا ولم يهبوا وقامت لهؤلاء البينة بمثل ذلك ، فقضى بها لأكثرهم بينة واستحلفهم ».

وفي‌ صحيح داود (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في شاهدين شهدا على أمر واحد وجاء آخران فشهدا على غير الذي شهدا واختلفوا قال : يقرع بينهم ، فأيهم قرع فعليه اليمين ، وهو أولى بالقضاء ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٦.

٤٢٥

ونحوه‌ الصحيح الآخر (١) عنه عليه‌السلام أيضا غير أنه قال : « أولى بالحق ».

وفي‌ خبر البصري (٢) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « كان علي عليه‌السلام إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود عدلهم سواء وعددهم سواء أقرع بينهم على أيهم يصير اليمين ، قال : وكان يقول : اللهم رب السماوات السبع أيهم كان الحق له فأده إليه ، ثم يجعل الحق للذي يصير عليه اليمين إذا حلف ».

وفي‌ موثق سماعة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أن رجلين اختصما إلى علي عليه‌السلام في دابة فزعم كل واحد منهما أنها نتجت على مذوده وأقام كل واحد منهما بينة سواء في العدد ، فأقرع بينهما سهمين فعلم السهمين كل واحد بعلامة ـ ثم قال ـ : اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، أيهما كان صاحب الدابة وهو أولى بها فأسألك أن تخرج سهمه ، فخرج سهم أحدهما فقضى له بها ».

ونحوه‌ خبر عبد الله بن سنان (٤) إلا أنه قال في آخره : « فأسألك أن تقرع وتخرج اسمه ، فخرج اسم أحدهما فقضى له بها » إلى غير ذلك من النصوص التي تقدم بعضها أيضا.

إنما الكلام في استنباط الأحكام المذكورة أو غيرها منها ، فالتحقيق أن يقال : إنه يمكن استفادة ترجيح الحكم المزبور في خصوص هذه الصورة بتخصيص نصوص القرعة بما إذا تساوت البينتان عددا وعدالة ولم تكن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٥.

٤٢٦

العين في أيديهما ، أما الأول فواضح ، وأما الثاني فلما سمعته من النص (١) الدال على التنصيف في ما إذا كان بأيديهما ، وعلى أن القول قوله إذا كان في يد واحد منهما (٢) وأصرح من ذلك‌ المرسل (٣) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أيضا « في البينتين يختلفان في الشي‌ء الواحد يدعيه الرجلان أنه يقرع بينهما فيه إذا اعتدلت بينة كل واحد منهما وليس في أيديهما ، فإن كان في أيديهما فهو فيما بينهما نصفان ، وإن كان في يد أحدهما فالبينة فيه على المدعي واليمين على المدعى عليه ».

بل منه يستفاد عدم العبرة بهذه المرجحات في غير هذه الصورة ، ولذا لم يعتبرها الأكثر في غيرها ، خلافا لمن عرفت.

كما أنه يستفاد أيضا منه ومن خبر البصري (٤) كون الأعدلية مرجحة ، ضرورة عدم صدق الاعتدال معها ، بل ذكرها مع العدد في خبر البصري يقتضي كونها مثله في الترجيح المستفاد من دليله بالخصوص ، وإلا لم يكن ثمرة لذكره معه بعد فرض معلومية كونه بمجرده مرجحا ، كما سمعت التصريح به في الصحيح (٥).

نعم قد يقال : إن المتجه بناء على ذلك ما سمعته من ابن إدريس ناسبا له إلى ظاهر الأصحاب من تقديم الأكثرية عليها ، لإطلاق دليلها القاضي بالرجوع إليها ولو مع الأعدلية في الجانب الآخر ، ولا ينافي ذلك‌

__________________

(١) لم يتقدم فيما سبق ما يدل على التنصيف فيما إذا كان بأيديهما غير المرسل الذي سيذكره ، وما دل على التنصيف فيما تقدم هو خبري إسحاق وغياث وموردهما ما لو لم تكن في يد واحد منهما.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٢ و ٣.

(٣) المستدرك الباب ـ ١٠ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

٤٢٧

ثبوت الترجيح بها في الجملة إلا أن المشهور خلافه كما عرفت ، ولعله لإطلاق ما دل على الترجيح بهما من النص وغيره ، فيحصل التعارض بينهما في صورة اختلاف البينتين بالأعدلية في واحدة والأكثرية في الأخرى شبه التعارض من وجه. ولا ريب في أن الترجيح للأعدلية ، لإجماع ابن زهرة المعتضد بالشهرة المحققة بين الأصحاب ووجود ذلك في رسالة علي بن بابويه التي قيل فيها : كانوا إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إليها وفي النهاية التي هي متون الأخبار وغير ذلك.

وأما اشتراط اليمين لمن خرج بالقرعة فهو صريح بعض النصوص (١) بل‌ قوله عليه‌السلام في خبر البصري (٢) : « ثم يجعل » إلى آخره مشعر بما ذكره الأصحاب من كون اليمين على الآخر إذا لم يحلف المخرج بالقرعة ، ضرورة اقتضاء الشرط عدم كون الحق له بعدم اليمين والفرض أنه منحصر فيهما ، واحتمال ثبوته للآخر من دون يمين مناف لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) : « إنما أقضي عليكم بالبينات والأيمان » مع أن ثبوته فيمن أخرجته القرعة يقتضي أولويته بذلك ، بل لعل إقراع الامام لاستخراج من يصير عليه اليمين يراد منه الأعم من الصيرورة ولو بالأخرة ، بل لعل إجماله بقوله عليه‌السلام : « ثم يجعل » إلى آخره إشارة إلى ذلك ، فتأمل فإنه دقيق.

بل منه يعلم اعتبار اليمين أيضا من ذي البينة المرجحة بغير القرعة كالأعدلية والأكثرية ، وإن ترك المصنف وجماعة التعرض له فيهما ، حتى ظن بعض الناس الخلاف في ذلك ، إلا أن الظاهر كون تركه اعتمادا على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١ وفيه‌ « إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان ».

٤٢٨

ما ذكروه في القرعة التي هي أحد المرجحات للبينة ، كما يومئ إليه بعض نصوصها (١) على أنه قد نص عليه في الأكثرية التي ذكرت في الخبر (٢) مع الأعدلية على وجه يظهر اتحادهما في كيفية الترجيح ، ولذا نص غير واحد على اليمين فيها ، كما نص عليه بعض في الأعدلية.

وحينئذ فاحتمال عدم اليمين فيهما أو في خصوص الأعدلية في غاية الضعف ، كاحتمال عدم اليمين مع القرعة الذي هو كالاجتهاد في مقابلة النص وإن ترك في بعض نصوصها كخبري سماعة (٣) وعبد الله بن سنان (٤) المحمولين على قضية في واقعة قد اشتملت على دعاء الامام عليه‌السلام ـ الذي لا برد ـ بخروج اسم من له الحق ، لا أنه أقرع على من تصير اليمين منهما كما في خبر البصري (٥) وهذه دقيقة أخرى فيه لطيفة تظهر بملاحظة كيفية ما وقع من الإقراع فيه وفيهما ، فلاحظ وتأمل.

وأما التنصيف بينهما على تقدير النكول فلإطلاق قوله عليه‌السلام في‌ خبر إسحاق (٦) : « وإذا لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين » وهذا أقصى ما يمكن أن يقال في النصوص ، ولا ينافيه مخالفة ما في بعض نصوص أخر بعد الإجماع بقسميه على اطراحه على وجه لا يقدح فيه ندرة المخالف.

( و ) منه يعلم ضعف ما ( قال ) ه ( في المبسوط ) من أنه مع التساوي ( يقضي ) بينهما ( بالقرعة إن شهدتا ) أي البينتان ( بالملك المطلق ، ويقسم بينهما ) بالسوية ( إن شهدتا بالملك المقيد وإن اختصت إحداهما بالتقييد قضي بها دون الأخرى ) وإن قيل في توجيهه : إنه جمع بين ما دل على القرعة وخبري تميم بن طرفة (٧) وغياث (٨) المتقدمين سابقا بالتفصيل المزبور.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٤.

(٨) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣.

٤٢٩

لكن فيه أن المفروض في خبري سماعة (١) وابن سنان (٢) من أخبار القرعة المقيدتين (٣) كما أن فيها المطلق أيضا ، وفي أخبار التنصيف المقيدتين كخبر غياث (٤) والمطلقتين كخبر تميم بن طرفة (٥) فليس في ما ذكره جمع بين النصوص ، بل في خبر إسحاق (٦) ما هو خارج عن الجميع ، وهو تحليفهما معا ، فأيهما حلف ونكل الآخر كانت للحالف ، فان حلفا جميعا كانت بينهما نصفين.

ولم أعرف من عمل به عدا ما تسمعه من ظاهر أبي علي ولذا حمله الشيخ على أنهما اصطلحا على ذلك ، وعن الاستبصار « ويمكن أن يكون ذلك نائبا عن القرعة بأن لا يختارا القرعة واختار كل واحد اليمين ورأى ذلك الامام صوابا كان مخيرا بين العمل عليه والعمل على القرعة ».

نعم في كشف اللثام عن ظاهر أبي علي العمل به ، قال : « ولو كانت العين في أيديهما جميعا أو لم تكن في يد واحد وتساوى عدد البينتين عرضت اليمين على المدعيين ، فأيهما حلف استحقها إن أبى الآخر ، وإن حلفا جميعا كانت بينهما نصفين ، قال : ولو اختلفت أعداد البينتين فتشاحا على اليمين أقرع بينهما بسهام على أعداد الشهود لكل واحد منهما ، فأيهما خرج سهمه كانت اليمين عليه ، فإذا حلف دفعت العين التي قد ادعيت إليه ».

وكأنه استند في الأخير إلى‌ خبر السكوني (٧) عن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام « أن عليا عليه‌السلام قضى في رجلين ادعيا بغلة فأقام أحدهما شاهدين والآخر خمسة ، فقال : لصاحب الخمسة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٥.

(٣) هكذا في النسخة الأصلية ، والعبارة غير نقية ، فإن « المقيدتين » خبر « أن » وهي في محل الرفع ، والصحيح هكذا « إقامة المقيدتين ».

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٠.

٤٣٠

خمسة أسهم ، ولصاحب الشاهدين سهمان » حاملا للسهام فيه على سهام القرعة ، وفائدة تكثير السهام نظير ما مر ذكره في القسمة ، وهو تكثير رقاع الأكثر شهودا ليكون أقرب إلى الخروج.

لكن لا يخفى عليك أنه مناف لما دل على الترجيح بالكثرة ، كما لا يخفى عليك قصوره عن المقاومة له من وجوه ، ولذا حكي عن الشيخ حمله على الاصطلاح. وفي كشف اللثام « وأولى منه استناد قضائه إلى أمر آخر » كقصور مقاومة ما دل على التنصيف مطلقا عن أخبار القرعة المعتضدة بما سمعت ، فالجمع حينئذ بإرادة التنصيف بعد القرعة على الوجه الذي عرفت أو بغير ذلك أولى.

( و ) لذا قال المصنف : إن ( الأول أنسب بالمنقول ) بل لعل التأمل الجيد يقتضي عدم ظهور شي‌ء من النصوص في كون التقييد مرجحا على وجه يقتضي اختصاص من كانت بينته كذلك بالمال ، وخبر غياث (١) وغيره مما ذكر فيه المقيدتان ظاهر في ترجيح اليد.

ومنه يعلم حينئذ النظر في ترجيح بينة الداخل به على بينة الخارج إذا كانت مطلقة وإلا لاقتضى ذلك التوقف مع فرض تقييدهما معا والرجوع إلى القرعة لا ترجيح بينة الخارج أو الداخل ، فالتحقيق حينئذ الرجوع إلى النص في ذلك لا التقييد والإطلاق الذي لم نجد للترجيح به أثرا في نصوصنا ، وإنما هو شي‌ء ذكره العامة ، نعم في بعض النصوص الترجيح بالأسباب كما سمعته في خبر النتاج والشراء المروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) المقدم لبينة الأول على الثاني بناء على أن الوجه فيه ذلك ، وهو مع عدم القائل به خروج عما نحن فيه.

ولو أقر الثالث بالعين لأحدهما فالوجه ـ كما في القواعد ـ أنه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٥.

٤٣١

كاليد ، تقدم على قيام البينتين أو تأخر ، لقيام المعنى القائم في اليد فيه ، ويحتمل العدم بعد إقامة البينتين ، لكشفهما عن أن يد المقر مستحقة للإزالة ، فإقراره كإقرار الأجنبي ، بل قد يشكل ـ إن لم يكن إجماع ـ اندراج ذلك قبل إقامة البينتين فضلا عما بعده في ما دل على حكم ذي اليد بالنسبة إلى الدخول والخروج ، ولعله لذا أطلق بعضهم الحكم من غير فرق بين إقرار الثالث وعدمه ، فتأمل جيدا.

ولو لم يكن العين في يد أحد ـ وهي الصورة الرابعة ـ فالظاهر أن حكمها لهم ما كانت في يد ثالث ، لإطلاق الدليل ، ولا ينافي ذلك إطلاق خبر تميم بن طرفة (١) بعد تنزيله على غيره ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف بل ولا إشكال في أنه ( يتحقق التعارض بين الشاهدين والشاهد والمرأتين ) مثلا ، لصدق اسم البينة على كل منهما ، فتشمله الأدلة السابقة وإن كان قد ينساق إلى الذهن في بادئ النظر قوة الأولى على الثانية أو بالعكس للأكثرية ، لكن لا عبرة به لأنه كالاستحسان.

( ولا يتحقق بين الشاهدين وشاهد ويمين ) لا لما ذكر من بعض الأمور الاعتبارية ، بل لعدم صدق اسم البينة ، فلا يندرج حينئذ في النصوص السابقة.

( وربما قال الشيخ ) في فصل الرجوع عن الشهادة من المبسوط : ( نادرا يتعارضان ويقرع بينهما ) كالبينتين ناسبا له إلى مذهبنا ، لكن لم نتحققه وإن حكاه الشهيد عنه صريحا ، إلا أن المحكي عن الفخر نسبة التردد إليه ، لاقتصاره على نقل قولي العامة في ذلك ( و ) على تقديره فلا ريب في ضعفه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٤.

٤٣٢

بل ( لا ) تعارض ( بين شاهد وامرأتين وشاهد ويمين ) لما عرفت فضلا عن الشاهدين ، فلا يلتفت إليه ، على أن الأكثرية متحققة ( بل يقضى بالشاهدين والشاهد والمرأتين دون الشاهد واليمين ).

( و ) كذا لا خلاف ولا إشكال في أن ( كل موضع قضينا فيه بالقسمة فإنما هو في موضع يمكن فرضها ) بإمكان الاشتراك فيه وإن لم يقسم فعلا كالعبد والأمة ( دون ما يمتنع ) لامتناع الشركة فيه ( كما إذا تداعى رجلان زوجة ) فيحكم حينئذ بالقرعة فيه قطعا كما نص عليه في‌ مرسل داود بن أبي زيد العطار (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل كانت له امرأة فجاء رجل بشهود فشهدوا أن هذه المرأة امرأة فلان وجاء آخرون فشهدوا أنها امرأة فلان فاعتدل الشهود وعدلوا ، قال : يقرع بين الشهود ، فمن خرج اسمه فهو المحق ، وهو أولى بها ».

بل في المسالك « لا يمين عليه ، لأن فائدته القضاء للآخر مع نكوله وهو منفي هنا » وفيه أنه لا مانع منه ، وإنما المنفي التنصيف بينهما على تقدير النكول منهما ، بل يتجه فيه انتفاؤها عنهما. نعم لا تعرض في الخبر لليمين ، ولا ينافي إطلاق ثبوتها في غيره ، خصوصا بعد ما عرفت أن القرعة لا ثبات الرجحان الذي يتبعه اليمين على حسب الترجيح بالأعدلية والأكثرية ، بل قد يقال إن ظاهر المصنف وغيره ذلك أيضا لاقتصارهم في مخالفة السابقة على عدم التنصيف هنا ، لعدم تعقله.

ومما ذكرنا يظهر لك النظر في كلام الفاضل حيث قال : « فصل في أسباب الترجيح لحجة على أخرى ، وهي ثلاثة : الأول قوة الحجة كالشاهدين والشاهد والمرأتين على الشاهد واليمين ، ولو اقترنت اليد بالحجة الضعيفة احتمل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٨ وهو مرسل داود بن أبي يزيد العطار.

٤٣٣

تقديمها والتعادل » إذ قد عرفت عدم اندراجها في النصوص ، فلا تعارض أصلا ، بل يكون اليد ـ كما إذا لم يكن شاهد ـ لا تعارض بينة الخارج ، كما هو واضح ، نعم لو قلنا : إن مدرك تقديم الشاهدين على الشاهد واليمين قوة الأول وضعف الثاني توجه حينئذ احتمال قوته لو اقترن بمرجح آخر ولو ضعيف ، فان الضعيفين يغلبان القوي ، إلا أنه كما ترى يناسب مذاق العامة ، ولذا كثر نحو ذلك في كلامهم ، أما على أصولنا التي لا قياس فيها ولا استحسان ولا مثل هذه الاعتبارات فلا يتوجه ذلك ، إذ قد عرفت أن الموجود في نصوصنا تعارض البينات لا كل مثبت للحق من الشاهد واليمين واليمين المردودة ونحوهما ، فتأمل جيدا.

ثم قال : « الثاني اليد ، فيقدم الداخل على الخارج على رأي ، والأقوى العكس إلا أن يقيمها بعد بينة الخارج على إشكال ، فلو ادعى عينا في يد غيره فأقام البينة فأخذها منه ثم أقام الذي كانت في يده أنها له نقض الحكم وأعيدت إليه على إشكال » وفيه أيضا ما لا يخفى ، ضرورة اقتضاء ذلك التسلسل المنافي لحكمة القضاء الذي هو الفصل بين المتخاصمين ، والفرض أنها دعوى واحدة ، فالمتجه عدم سماعها مطلقا.

ثم قال أيضا : « ولو أراد ذو اليد إقامة البينة قبل ادعاء من ينازعه فالأقرب الجواز ، ولو أقام بعد الدعوى أي ممن لا بينة له لإسقاط اليمين جاز » وفيه أن مبنى تقديم بينة الخارج على أنه لا بينة للداخل فلا يسجل لها حينئذ ، ولا تسقط يمينا كما هو واضح ، على أن فائدة هذا التسجيل إن كان لقطع ما يأتي من الدعاوي ، فهو واضح البطلان ، وإن كان لإرادة الحكم له فيما يأتي لو توجهت عليه دعوى بناء على تقديم بينة الداخل ففيه أن المدار على التعارض حال الدعوى.

على أنه ليس في كلامه إشعار ببناء المسألة على تقديم بينة الداخل ،

٤٣٤

نعم صرح في التحرير وقال : « لا أعرف لأصحابنا نصا في ذلك ، ومنع أكثر الجمهور منه ، إذ لا بينة إلا على خصم ، فطريقه أن ينصب لنفسه خصما ـ ثم قال ـ : والأقرب عندي سماع البينة لفائدة التسجيل ».

ثم قال أيضا : « ولو أقام بعد إزالة يده ببينة الخارج وادعى ملكا سابقا ففي التقديم بسبب يده التي سبق القضاء بإزالتها إشكال » وفي كشف اللثام تبعا للتحرير « من سبق يده ، وأنه الداخل والبينة تشهد له بالملك المستند إلى ذلك الزمان ، ومن كون تلك اليد قد اتصل القضاء بزوالها ، أما لو أقام البينة بعد القضاء للخارج قبل إزالة اليد فهي بينة الداخل » وفيه ما لا يخفى من أنه ليس من الداخل على التقديرين ، بل قد عرفت عدم سماع دعواه لانقطاعها بالقضاء للخارج.

ثم قال أيضا : « وإذا قدمنا بينة الداخل فالأقرب أنه يحتاج إلى اليمين » وكأنه مناف لما ذكره سابقا من إسقاطها اليمين ، اللهم إلا أن يفرق بين معارضة البينة وبين معارضة مجرد الدعوى ، فتسقط على الأول ، فيبقى استحقاق اليمين بحاله بخلاف الثاني ، ولعل ذلك يكون فائدة التسجيل الأول ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه أيضا فتأمل.

وإذا قامت البينة على الداخل أو أقر فادعى الشراء من المدعي أو ثبت الدين عليه ببينته أو إقرار فادعى الإبراء فإن كانت البينة بدعواه حاضرة سمعت قبل إزالة اليد وتوفية الدين ، وإن كانت غائبة طولب في الوقت بالتسليم ، لثبوت الاستحقاق شرعا من غير ظهور معارض ، وليس له المطالبة بكفيل ، للأصل.

ثم إذا أقام البينة استرد ، وربما احتمل العدم والتأجيل ثلاثة أيام كما هو حكم مدعي جرح الشهود ، ولكنه واضح الضعف ، نعم لو طلب‌

٤٣٥

الإحلاف على أنه لم يبعه منه أو لم يبرأه قدم على الاستيفاء ، لكونه كحضور البينة.

هذا وفي القواعد « ولو اعترف لغيره بملك لم تسمع بعده دعواه لأخذه بإقراره حتى يدعي تلقي الملك من المقر له إما بواسطة أو غيرها ، ولو لم يعترف ولكن أخذ منه لغيره بحجة ففي احتياجه بعده في الدعوى إلى ذكر التلقي منه إشكال ».

وفي كشف اللثام « لما تقدم من الإشكال في ما يقدم من دعوى الداخل وإقامة البينة بعد إزالة يده فيحتاج إليه على عدم السماع ، بل هو عين ما تقدم ، وفي التحرير احتمل أن لا تسمع حتى يذكر في الدعوى تلقى الملك منه ، لأن البينة في حقه كالإقرار والسماع ، لأن المقر مؤاخذ بإقراره في الاستقبال ، وإلا لم يكن للأقارير فائدة ، أما حكم البينة فلا يلزم على كل حال ، وإن كانت الحجة هي اليمين المردودة بنيت المسألة على كونها كالإقرار أو البينة ».

قلت : قد يقال : يكفي في صحة دعواه مع الإقرار فضلا عن غيره احتمال تلقيه وإن لم يذكره ، حملا لدعوى المسلم على الوجه الصحيح شرعا ، فتشملها العمومات ، وعلى كل حال فالأجنبي إذا لم يعترف بالعين لمن في يده لا يحتاج في دعواه إلى ذكر التلقي قطعا ، وإن كان ذو اليد أقام بينة لإسقاط اليمين أو التسجيل ، فإن البينة ليست حجة عليه ، لأنه مدع ، وكذا الأجنبي عن المتداعيين أولا أحدهما ذو اليد وإن أقام الآخر البينة ، فإن بينته حجة على ذي اليد لا عليه ، فله دعوى الملك مطلقا ، كما هو واضح.

ولو ادعى عليه قرضا أو ثمنا فجحد الاستحقاق كان له أن يدعي الإيفاء ويقيم البينة عليه ، لعدم المنافاة ، أما لو جحدهما بمعنى أني‌

٤٣٦

لم استقرض ولم اشتر لم تسمع دعواه الإيفاء حينئذ ، ولا تقبل بينته به ، لأنه مكذب حينئذ لها.

وكيف كان فالثابت من المرجحات المذكورة في بعض كتب العامة والخاصة اشتمال إحدى البينتين على زيادة كزيادة التأريخ ( و ) حينئذ فـ ( ـالشهادة بقدم الملك أولى من الشهادة بالحادث ) في العين الخارجة عن أيديهما ( مثل أن تشهد إحداهما بالملك في الحال والأخرى بقديمه ، أو إحداهما بالقديم والأخرى بالأقدم ، فالترجيح لجانب الأقدم ) كما عن الشيخ وابني إدريس وحمزة ، بل في المسالك نسبته إلى المشهور ، وعللوه بأن الزائدة تثبت الملك في وقت لا تعارضها الأخرى ، وإنما يتساقطان في محل التعارض دون السابق الذي لا معارض له فيها ، والأصل في الثابت دوامه ، ولهذا له المطالبة بالنماء في ذلك الزمان ممن تصرف فيه ، لأنه ملك لا معارض له فيه ، فيجب استدامته وإن لا يثبت لغيره ملك إلا من جهته ، ولم أجد في شي‌ء من النصوص إشارة إليه إلا ما في‌ صحيح ابن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام عن علي عليه‌السلام « أنه كان إذا اختصم الخصمان في جارية فزعم أحدهما أنه اشتراها وزعم الآخر أنه أنتجها وكانا إذا أقاما البينة جميعا قضى بها للذي أنتجت عنده ».

ولكن مع ذلك كله قد احتمل غير واحد التساوي ، لأن المتأخرة لو شهدت أنه اشتراه من الأول قدمت على الأخرى قطعا ، لأنها لما صرحت بالشراء علم أنها اطلعت على ما لم تطلع عليه الأخرى ، فإنها وإن شهدت بأنها ملكه من ابتداء سنتين مثلا إلى الآن لكن غايته أنه علم أنه ملكه ولم يعلم بمزيله في المدة.

واحتمال ترجيح القديمة حتى مع ذكر المتأخرة السبب ـ كما في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٥.

٤٣٧

التحرير ـ لعدم المعارض لها في السابق أيضا واضح الضعف ، ضرورة أنه بذكرها السبب كما تعارض الأخرى في المدة المشتركة تعارضها فيما قبلها وتسقطها ، وحينئذ فلا إشكال في تقديمها عليها مع ذكرها السبب ، فأما إذا أطلقت أي المتأخرة كما هو المفروض فلا أقل من التساوي إن لم نقل بالرجحان أيضا ، لأنها تدعي أيضا الاطلاع على ما لم تطلع عليه الأخرى ، فإنه ما لم يظهر لها ما يرجح الملك أو يعينه منذ سنة فكيف تشهد به ، وغاية الأخرى أنها لم يظهر لها ذلك والإثبات مقدم ، إلا أن هذه البينة لما لم تتعرض لسبب الملك أمكن استناد شهادتها إلى اليد ، وهي تحتمل الملك وغيره ، ويمكن أن تكون الأخرى أيضا تعلم باليد وأنها لغير الملك ، ولذا حكمنا بالتساوي.

وما قالوه من ثبوت الملك في الماضي وهو هنا السنة الأولى ببينة الأقدم من غير معارضة البينة الأخرى فمدفوع بأنه إنما ثبت تبعا لثبوته في الحال ، فان النزاع في الملك فيه ، ولهذا لو انفرد أحد المتداعيين بادعاء الملك في الماضي خاصة مع ادعاء خصمه الملك في الحال لم تسمع دعواه ولا بينته ، لعدم تعارض الدعويين ، فالمقصود في الإثبات إنما هو الملك في الحال ، وإذا لم يثبت لتعارض البينتين فيه فلا عبرة بثبوته في الماضي.

وفيه أنه إن كان مفروض المسألة قيام البينتين التي شهد كل منهما بالملكية الحالية لكل منهما بغير الاستصحاب ونحوه بل بالاطلاع على عدم الانتقال فلا ريب في تعارضهما في المدة المشتركة ، وبقاء الاستصحاب المستفاد من ثبوت الملك في الزمن السابق بحاله ، إذ لا قاطع له إلا البينة الساقطة بالأخرى ، فيبقى ملك لم يعلم زواله.

ومن ذلك يظهر لك ما في قوله : « إن الدعوى بالماضي غير مسموعة » ضرورة سماعها لإثبات الملك في الحال في مثل المقام ، بل وفي‌

٤٣٨

غيره إذا كان المراد إثباتها للمطالبة بالنماء في ذلك الوقت.

نعم لو كانت شهادة القديم بالاستصحاب فالمتجه تقديم الثانية عليها لا التساوي ، ضرورة ثبوت الانقطاع ببينة لم يعلم معارضها ، إذ الفرض كون مستند البينة الأخرى الاستصحاب الذي لا يعارض بينته ، فإن ملكية زيد فعلا تقطع ملكية عمرو المستصحبة. ودعوى احتمال كون مستند الثانية سببا لا يقتضي الملكية واقعا يدفعها التعبد بمفادها وإن لم نعلم سببه نعم لو فرض إطلاق الأولى على وجه لم يعلم مستندها اتجه حينئذ ما عرفته أولا من العمل بالاستصحاب بعد التعارض والتساقط فتأمل.

ولو أطلقت إحداها وأرخت الأخرى قيل : تساوتا ، لاحتمال الإطلاق هذا التأريخ وغيره زائدا أو ناقصا ، فلا زيادة في إحداهما على الأخرى إلا بالتعرض للتأريخ ، وهو مما لا يؤكد الملك ليتسبب الترجيح.

وفيه أيضا أن المتجه تقديم المطلقة مع العلم باستناد المؤرخة إلى الاستصحاب الذي قد عرفت عدم معارضته للبينة التي تقتضي انقطاعه ، أما إذا لم يعلم فالمتجه العمل بالاستصحاب أيضا اقتصارا في تساقطهما على ما علم تعارضهما فيه ، وهو الملك في الحال فيبقى غيره مستصحبا.

ولو شهدت إحداهما بسبب الملك كشراء أو إنتاج أو غيرهما ففي القواعد وغيرها قدمت على المطلقة المحتملة الاستناد إلى اليد ، وهي أعم ، أو الاستفاضة وقد تكذب ، وقد مر في خبر أبي بصير (١) ما يؤيده في الجملة.

وفيه أيضا أنه لا إشعار في خبر أبي بصير بذلك كما سمعته سابقا ، ولا دليل على الترجيح بمثله ، وإنما ذكره العامة لاندراجه في عنوان المرجح ، وهو الاشتمال على الزيادة ، والمسلم منه زيادة التأريخ ونحوه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

٤٣٩

مما يمكن أن تقوم به الأدلة لا مطلقا كما هو واضح.

هذا كله مع كون المشهود عليه ليس في يد أحدهما ، أما إذا كان فان كانت بينة الداخل الأسبق تأريخا ففي المسالك هو المقدم لا محالة ، بل عن الخلاف نفي الخلاف فيه ، لاجتماع مرجحين فيه ، ولعموم دليله ، ولكن في القواعد تعارض رجحان القدم وكون الآخر خارجا ، فيحتمل التساوي وتقديم الخارج لعموم دليله.

بل في كشف اللثام هو الأقوى قال : « ويضعف الأول بأن دليله إن تم نزلت بينة الخارج منزلة العدم ، ولا عبرة ببينة الداخل إذا لم يكن للخارج بينة ، وبأنه على القول بترجيح بينة الخارج لا عبرة ببينة الداخل أصلا ، لأنها ليست من شأنه ، وإذا لم تعتبر لم يكن لترجيحها بالقدمة وغيرها معنى ».

قلت : الظاهر بناء الأول على القول بأن للداخل بينة مسموعة ، وحينئذ يتوجه ترجيحها بالأمرين ، وتنزيل بينة الخارج منزلة العدم إنما هو لمعارضة بينة الداخل ، فلا وجه للقول بأنه لا عبرة ببينة الداخل إذا لم يكن للخارج بينة ، بل عن الخلاف الجزم بتقديم بينته هنا في صورة العكس أيضا مدعيا عليه الإجماع والأخبار ، ولعله لأن البينة بقدم الملك لم تسقط بها اليد ، كرجل ادعى دارا في يد رجل وأقام بينة بأنها كانت له أمس لم تزل بها فكذلك هنا ، ولعله لذا حكي عن أبي حنيفة مع تقديمه بينة الخارج أنه قدم الداخل هنا ، لأن بينته أفادت ما لم تفده اليد.

وفي كشف اللثام « ويقوى تقديم الخارج كما في المبسوط ، لأن بينته في الزمان المختص بها غير معارضة ، وإذا انفرد الخارج بالبينة فلا إشكال في تقديم قوله ».

٤٤٠