جواهر الكلام - ج ٤٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ومن اختلاف الغرض في التعدد والاتحاد ، بل أشكل من ذلك لو كانت الشركة لا ترتفع إلا عن بعض الأعيان كعبدين بين اثنين قيمة أحدهما مائة وقيمة الآخر مأتان وطلب أحدهما القسمة ، فيختص من خرجت له القرعة بالخسيس وربع النفيس ، لعدم ارتفاع تمام الشركة بهذه القسمة ، فيشكل الجبر عليها ، ولو كانت الأعيان من أنواع مختلفة كعبد تركي مع هندي وثوب إبريسم مع ثوب كتان ففي الإجبار هنا وجهان أيضا ، بل أولى بالمنع ، هذا كله مع اتحاد الجنس ، أما مع اختلافه كعبد مع ثوب مثلا فلا إجبار في قسمة أعيانها بعض في بعض وإن تساوت بثمنها ، والثالث قسمة الرد ، ولا جبر فيها أيضا ، كما ستعرف ».

وهو كما ترى لا نعرف له مدركا ينطبق على أصولنا إلا دعوى حصول الضرر في بعض دون آخر ، وهي مجرد اقتراح ، وإنما صدر من العامة على أصولهم الفاسدة من قياس أو استحسان أو مصالح مرسلة ، وإنما المنطبق على أصولنا ما سمعته من الضابط المزبور ، نعم قد يتوقف في دعوى اقتضائه عدم قسمة العقار مع تعدده بعض في بعض ولو مع الانحصار في ذلك للضرر ، ضرورة كونه كالدار المختلف بناؤها والبستان المختلف أشجارها في عدم صدق الضرر عرفا ، وكذا قسمة مختلف الجنس بعضه في بعض مع الانحصار فيه.

اللهم إلا أن يكون في مختلف جهة الشركة فيه ، بمعنى عدم الشركة في مجموع آحاده وإن تحققت في أفراده بأسباب مستقلة ، فإنه لا جبر في قسمة بعض في بعض قطعا ، بل الظاهر عدم مشروعية القسمة فيه بالمعنى المصطلح وإن جازت بنوع من الصلح ونحوه ، لكون القسمة حينئذ قسمة معاوضة لا إفراز ، وذلك لأنه معها يكون له النصف من كل منهما مثلا ، ولا يجب عليه معاوضة ما يستحقه في أحدهما بما لصاحبه‌

٣٤١

في الآخر ، إذ ليست هي إفراز حينئذ ، بخلاف ما لو كانت الشركة في مجموعه ، فان له حينئذ نصفا منه ، وهو يمكن انطباقه على أحدهما.

ومن ذلك يظهر لك اعتبار الإشاعة في مجموع الأعيان المشتركة التي يراد قسمتها بعض في بعض ، بل لا موضوع للقسمة في غيره مما آحاده مشتركة بأسباب مستقلة من دون شركة بمجموعه ، وليس المراد في الأول اعتبار نصف المجموع مثلا كي يرد حينئذ عدم جواز قسمة بعض المال المشترك دون بعض أو قسمة بعض بالإفراز والآخر بالتعديل والمعلوم خلافه نصا وسيرة ، وإنما المراد زيادة مصاديق النصفية بملاحظة الشركة في المجموع على وجه يصح قسمته بعض في بعض بحيث يكون النصف أحد المالين مثلا ، فتأمل فإنه دقيق نافع ، وحينئذ فالمتجه عدم الفرق بين العقار وغيره ومتحد الجنس ومختلفه مع فرض انحصار قسمته بعض في بعض بالتعديل بالقيمة الذي فرض ارتفاع الضرر معه عرفا ، فيندرج في الضابط المزبور.

وبذلك بان لك النظر في كلام كثير من الأصحاب حتى المصنف فيما يأتي له من عدم الجبر على قسمة الدارين والدكاكين والأقرحة بعضها في بعض وإن انحصر قسمتها فيه ، نعم هو كذلك لو فرض إمكان قسمة كل منها بالإفراز على وجه لا ضرر فيه ، فان المتجه عدم الجبر على خصوص هذا الفرد من القسمة ، كما في كل مقام يمكن فيه قسمة الافراز ، فإنها مقدمة على قسمة التعديل ، لأنها أتم الافراد وأقل ضررا وأليق بمراعاة حق الاشتراك ، وحينئذ فالجبر عليها عند اختلافهما في الإرادة في محله ، نعم لو تعذرت ولو للضرر انتقل إلى قسمة التعديل إلا مع التراضي بها معه ، فالمدار في الجميع ـ متساوي الأجزاء ومختلفها والمتحد والمتعدد عقار وغير عقار مختلف النوع ومتحده بل مختلف الجنس وغيره ـ على‌

٣٤٢

ذلك بعد فرض الاشتراك في مجموعه ، لا أن الشركة مختصة بآحاده الذي قد عرفت عدم موضوع لقسمته بعض في بعض وإنما يقسم كل واحد من آحاده بقسمة مستقلة ، وتفاوت الغرض ليس ضررا ماليا ، مضافا إلى عدم حصول منع بقاء الشركة التي لا يجب الجبر معها على المهاياة ، والله العالم.

( وإذا سألا ) أي الشريكان مثلا ( القسمة ) للشي‌ء ( ولهما بينة بالملك ) كذلك ( قسم ) بينهما بلا خلاف حتى من العامة ولا إشكال ، إذ البينة حجة شرعية وإن لم يحضر خصم.

( وإن كان يدهما عليه ولا منازع قال الشيخ في المبسوط : لا يقسم ) كما في الدروس وإن كنا لم نتحققه ، بل المحقق من موضع منه التصريح بالجواز ، كالمحكي عن أبي علي في المختلف ( وقال في الخلاف : يقسم وهو الأشبه ) بأصول المذهب وقواعده من غير فرق بين العقار وغيره من المنقول وغيره ، بل لعله لا خلاف فيه بيننا ، بل قد يظهر من بعضهم الإجماع عليه ( لأن ) اليد و ( التصرف دلالة الملك ) وليس قسمة الحاكم لهما حكما منه بالملك على وجه يقطع خصومة الخصم لو ظهر ، كغيرها من تصرفاته فيها تبعا لظاهر اليد.

على أنه إذا أراد الاحتياط كتب في كتاب القسمة صورة الحال بعد الإعلان بذلك على وجه لو كان هناك منازع لظهر ، فما عن أحد قولي الشافعية من عدم جواز القسمة وأبي حنيفة من عدم قسمة غير المنقول مع القول بأنه ملكنا إرثا واضح الفساد.

٣٤٣

النظر ( الثالث في كيفية القسمة )

المحتاجة إلى التعديل ، وأقسامها أربعة لأن ( الحصص إن تساوت قدرا ) بأن كان الشركاء ثلاثة مثلا لكل واحد ثلث ( وقيمة ) بمعنى مساواة أجزاء المقسوم لقيمة الجملة ( فـ ) ـهو القسم الأول.

وكيفية ( القسمة ) فيه ( بتعديلها على ) قدر ( السهام ، لأنه يتضمن القيمة ) إذ قد عرفت تساوي قيمة الأجزاء لقيمة الجملة ، وذلك ( كالدار ) مثلا ( تكون بين اثنين ) مثلا ( و ) الفرض أن ( قيمتها متساوية ) لعدم التفاوت في أجزائها ( وعند التعديل ) بقسمتها نصفين ( يكون القاسم مخيرا بين الإخراج ) للرقع ( على الأسماء والإخراج على السهام ).

( أما الأول فهو أن يكتب كل نصف في رقعة ويصف كل واحد ) منهما ( بما يميزه عن الآخر ، ويجعل ذلك مصونا في ساتر كالشمع أو الطين ) أو غيرهما ( ويأمر من لم يطلع على الصورة ) المكتوبة في الرقعتين ( بإخراج أحدهما على اسم أحد المتقاسمين ، فما خرج فـ ) ـهو ( له ).

( وأما الثاني فهو أن يكتب كل اسم ) من اسمي الشريكين مثلا ( في رقعة ويصونهما ) أيضا بساتر كالأول ( ويخرج ) من يأمره ممن لم يطلع على ما فيهما ( على سهم من السهمين فمن خرج اسمه فله ذلك السهم ).

والظاهر عدم وجوب خصوص كتابة الرقاع وعدم الصون في ساتر ، بل وعدم وجوب كون المأمور مكلفا ، بل وغير ذلك من القيود المزبورة ،

٣٤٤

إذ المراد حصول التعيين من غير اختيارهما أو وكيلهما ، بل يفوضان أمره إلى الله تعالى ويفعلان ما يفيده وإن كان الأولى الاقتصار على المأثور والمعهود.

( وإن تساوت ) الحصص ( قدرا لا قيمة ) لاختلاف أجزاء المقسوم بالنسبة إلى ذلك فقد يكون الثلثان منه مثلا مساويا للثلث الآخر في القيمة وهو القسم الثاني ، وحينئذ إذا أراد أن يقسم ( عدل السهام قيمة ) لأنها المدار في رفع الضرر ( وألغى القدر ، حتى لو كان الثلثان ) مثلا ( بقيمته مساويا للثلث جعل الثلث ) نصفا ( محاذيا للثلثين ) اللذين هما النصف الآخر ( وكيفية القرعة عليه كما صورناه ) سابقا من الإخراج على الأسماء أو السهام.

( وإن تساوت الحصص قيمة لا قدرا مثل أن يكون للواحد النصف وللآخر الثلث وللآخر السدس وقيمة أجزاء ذلك الملك متساوية ) وهو القسم الثالث ، وحينئذ فإذا أريدت القسمة ( سويت السهام على أقلهم نصيبا ) لأن المفروض تساوي القسمة ( فجعلت أسداسا ) كما هو الضابط في كل قسمة اختلفت سهامها ، فإنها تعدل على أقلها ما لم يكن فيها كسر ، وإلا احتيج تعديلها إلى فرضها عددا ينطبق عليها ، كما لو فرض كون النصف في مفروض المسألة بين اثنين ، فإنه لا تصح القسمة بالتعديل أسداسا للكسر فيها حينئذ ، فلا تتساوى السهام كي يتجه الإقراع ، بل لا بد من تعديلها باثني عشر جزء ، لأنه الذي منه الثلث والسدس والربعان صحاحا ، فتعدل هكذا.

( ثم ) على كل حال ( كم يكتب رقعة؟ فيه تردد بين أن يكتب بعدد ) أسماء ( الشركاء ) فيكون في الفرض ثلاثة كما هو الأشهر ( أو بعدد السهام ) فيكون ستة ، رقعة باسم صاحب السدس ورقعتان باسم صاحب الثلث وثلاثة لصاحب النصف.

٣٤٥

( و ) لكن ( الأقرب الاقتصار على عدد الشركاء ، لحصول المراد به ، فالزيادة كلفة ) وإن كان الأقوى جوازه أيضا ، بل عن المبسوط قوة تعينه ، لأن كل من كان سهمه أكثر كان حظه أوفر » وله مزية على صاحب الأقل ، فإذا كتب صاحب النصف ثلاث رقاع كان خروج رقعته أسرع وأقرب وإذا كتب له واحدة كان خروج رقعته ورقعة صاحب السدس سواء.

وفيه أن ذلك لا فائدة فيه بعد فرض تعديل السهام ، فلا ريب في أن الأول أولى ، لحصول الفائدة مع الاختصار وترك اللغو في إخراج الثانية والثالثة لصاحب النصف بعد إخراج الأولى والثانية لصاحب الثلث.

( إذا عرفت هذا فإنه يكتب ) حينئذ ( ثلاث رقاع لكل اسم رقعة ، فتجعل للسهام أول وثاني وهكذا إلى الأخير ) الذي هو السادس ( والخيار في تعيين ذلك ) أي ترتيب السهام على الوجه المزبور ( إلى المتقاسمين ، ولو تعاسرا عينه القاسم ) دفعا للنزاع ، ويحتمل استخراجه بقرعة أيضا ثم تدفع الرقاع ـ بعد وضعها في ساتر كما عرفت ـ إلى من لم يطلع على ما فيها ( ثم يأمره بإخراج رقعة ) منها ( فان تضمنت اسم صاحب النصف فله ) الأسهم ( الثلاثة الأول ثم ) يأمره بأن ( يخرج ثانية ، فان خرج صاحب الثلث فله السهمان الآخران ) وهو الرابع والخامس ( و ) حينئذ ( لا يحتاج إلى إخراج الثالثة ، بل لصاحبها ما بقي ) وهو السهم السادس.

( وكذا لو خرج اسم صاحب الثلث أولا كان له السهمان الأولان ثم يخرج أخرى ، فإن خرج صاحب النصف فله الثالث والرابع والخامس ، ولا يحتاج إلى إخراج أخرى لأن السادس تعين لصاحبها ).

( وهكذا لو خرج اسم صاحب السدس أولا كان له السهم الأول

٣٤٦

ثم يخرج الأخرى ، فإن كان صاحب الثلث كان له الثاني والثالث ، والباقي لصاحب النصف ، ولو خرج في الثانية صاحب النصف كان له الثاني والثالث والرابع وبقي الآخران ) وهو الخامس والسادس ( لصاحب الثلث من غير احتياج إلى إخراج اسمه ) وذلك كله واضح.

كوضوح الحال فيما لو فرض كتابة ست رقاع بأسمائهم ، فإذا خرج واحدة من رقاع صاحب النصف أولا أعطى الثلاثة الأول ، فإذا خرجت ثانية باسمه أو ثالثة كانت ملغاة ، للاستغناء عنها بالأولى ، وإن خرجت واحدة من رقعتي صاحب الثلث بعد رقعة صاحب النصف أعطي الرابع والخامس ، ولا يحتاج إلى إخراج ما بقي ، كما أنه لو خرجت رقعة صاحب السدس أعطي الرابع ، ولا يحتاج بعد إلى إخراج غيرها ، لتعين السهمين الأخيرين ، وهما الخامس والسادس لصاحب الثلث ، وكذا الكلام لو خرجت أولا إحدى رقعتي صاحب الثلث أعطي السهمان الأولان وتلغى رقعته الثانية ، فإن خرج بعده رقعة صاحب السدس أعطي الثالث وتعين الباقي لصاحب النصف من غير حاجة إلى إخراج.

( و ) كيف كان فـ ( ـلا ) يصح أن تكتب رقاع و ( يخرج ) ها ( في هذه ) الصورة من القسمة ( على السهام ) نحو ما سمعته في الصورتين الأوليين ( بل ) يتعين إخراج رقاع هذا القسم ( على ) المسمين بتلك ( الأسماء ) المكتوبة في الرقاع بالطريق الذي ذكرنا ( إذ لا يؤمن أن يؤدي ) إخراجها على السهام نحو ما سمعته في القسمين الأولين ( إلى تفرق السهام ، وهو ضرر ) غير جائز إلا مع الرضا به ، إذ قد يخرج السهم الثاني لصاحب السدس ، وهو مقتض لتفرق ملك صاحب الثلث أو النصف ، وكذا لو خرج له الخامس ، بل قد يخرج لصاحب النصف مثلا الرابع ، فيحصل النزاع‌

٣٤٧

بينهم في إتمامه بسهمين قبله أو بعده ، والقسمة إنما شرعت لدفع النزاع.

هذا وفي الروضة للرافعي من علماء الشافعية « وإن أثبت الأجزاء في الرقاع فلا بد من إثباتها في ست رقاع ، وحينئذ فالتفريق المحذور لو لزم إنما يلزم إذا خرج أولا صاحب السدس ، وهو مستغن عنه ، بأن يبدأ بصاحب النصف ، فان خرج الأول باسمه فله الأول والثاني والثالث ، وإن خرج الثاني فكذلك ، فيعطي معه ما قبله وما بعده ، وإن خرج الثالث ففي شرح مختصر الجويني أنه يتوقف فيه ويخرج لصاحب الثلث ، فان خرج الأول أو الثاني فله الأول والثاني ، ولصاحب النصف الثالث والرابع والخامس ، وإن خرج الخامس فله الخامس والسادس ، ثم أهمل باقي الاحتمالات ، وكان يجوز أن يقال : إذا خرج لصاحب النصف الثالث فهو له مع اللذين قبله ، وإن خرج الرابع فهو له مع اللذين قبله ، ويتعين الأول لصاحب السدس ، وإن خرج الخامس فهو له مع اللذين قبله ، ويتعين السادس لصاحب السدس ، وإن خرج السادس فهو له مع اللذين قبله ، وإن أخذ زيد حقه ولم يتعين حق الآخرين أخرج رقعة أخرى باسم أحدهما ، فلا يقع تفريق » إلى آخر ما ذكره مما هو غير معهود في كيفية القرعة.

ومع فرض جوازها كذلك على تقدير التراضي بها فالتفريق أيضا جائز مع التراضي به ، بل يجوز معه الابتداء بذي السدس على أن يكون إذا خرجت رقعته على الأول أو الثاني فله الأول أو خرجت على الخامس أو السادس فله السادس كيلا يلزم تفريق ، بل قد يفرض تفريق لا ضرر فيه ، كما في قسمة الحبوب والأدهان مثلا.

وعلى كل حال فهذه الوجوه خارجة عن مفروض المسألة ، فإنها مع فرض صحتها ودخولها في المعهود من إطلاق القرعة لا تنافي ما ذكره المصنف وغيره من عدم جريان ما ذكره في القسمين الأولين من إخراج‌

٣٤٨

الأسماء على السهام بالكيفية المزبورة فيهما في هذا القسم ، وإنما يختص بإخراج رقعة على الأسماء خاصة حذرا من حصول التفريق الذي لا ريب في احتماله على هذا الوجه ، والتخلص منه بما عرفت خروج عن المفروض ، وهو واضح.

كوضوح كون المراد من عبارة المتن عدم إخراج الرقاع على السهام على حسب ما ذكره في الأولين ، بل يختص إخراجها على الأشخاص المسمين بتلك الأسماء ، فلا إشكال حينئذ ، بل عن بعض النسخ إبدال العبارة المزبورة « ولا تخرج في هذه السهام على الأسماء ، إذ لا يؤمن » إلى آخره ، وهي صريحة في ما قلناه ، والله العالم.

( ولو اختلفت السهام والقيمة ) معا وهو القسم الرابع ولا يخفى عليك أنه إذا كان كذلك ( عدلت السهام تقويما وميزت على قدر سهم أقلهم نصيبا وأقرع عليها كما صورناه ) ضرورة عدم الفرق بين الصورتين إلا بتفاوت مقدار المساحة في السهام في الثانية دون الأولى ، نحو ما سمعته في القسم الثاني ، هذا كله في قسمة التعديل بدون رد.

( أما لو كانت قسمة رد ـ وهي المفتقرة إلى رد في مقابلة بناء أو شجر أو بئر ) أو نحو ذلك مما يكون في أحد السهمين ولا يمكن قسمته ـ ( فـ ) ـلا خلاف عندنا بل ولا إشكال في أنه ( لا تصح القسمة ) فيه ( ما لم يتراضيا جميعا ، لما يتضمن من ) دفع ( الضميمة التي لا تستقر إلا بالتراضي ) لعدم كونها من المال المشترك ، فلا وجه لجبر أحدهما عليها ، إذ هو كجبره على بيع ما لا يمكن قسمته ، بل لعله كذلك عند العامة فضلا عن الخاصة ، نعم قد يفرض الجبر في بعض الصور من باب السياسات التي لا مدخل لها فيما نحن فيه مما هو حكم شرعي.

( و ) إنما الكلام فيما ( إذا اتفقا على الرد وعدلت السهام ) ‌

٣٤٩

وأقرع ( فهل تلزم بنفس القرعة ) فيلزم بالرد من خرج الزائد له كما يلزم بالقبول من خرج الناقص له؟ ( قيل ) كما عن المبسوط والتحرير والإرشاد والدروس والإيضاح والمسالك وغيرها ( لا ) تلزم إلا بالرضاع بعد القرعة ، بل عن بعضهم التصريح باعتبار لفظ « رضيت » ونحوه بعد القسمة ( لأنها تتضمن معاوضة ، ولا يعلم كل واحد من يحصل له العوض فـ ) ـلا يتحقق رضا المعاوضة قبل القرعة ولذا قلنا ( يفتقر إلى الرضا بعد العلم بما ميزته القرعة ) حتى يتحقق الرضا المعتبر في صحة المعاوضة ، بل ويتحقق أيضا إنشاؤها ، وهو حاصل ما في محكي المبسوط وغيره من أن القرعة فيها تفيد معرفة البائع منهما من المشتري ، وقبل القرعة لا يعلم هذا ، فإذا علم بها البائع من المشتري وعلمنا من الذي يأخذ الزائد ويرد خمسين مثلا قلنا الآن قد بان ذلك الرجل ، فلا تلزم القسمة إلا بتراضيهما ، ثم قال : « وتفارق هذه قسمة الإجبار ، لأنه لا بيع فيها ولا شراء ، فلهذا لزمت بالقرعة ، وهذه فيها بيع وشراء ، فلا يلزم بها ـ ثم قال ـ : وأيضا لما لم يعتبر التراضي فيها في الابتداء فكذلك في الانتهاء ، وليس كذلك هنا ، لأنه اعتبر التراضي في ابتدائها فكذا في انتهائها ».

هذا ولكن قد تشعر نسبة المصنف والفاضل ذلك إلى القيل برده أو التردد فيه ، بل مقتضى إطلاق المصنف وغيره فيما تقدم عدم اعتبار الرضا بعدها في قسمة منصوب الامام عليه‌السلام عدم الفرق بينها وبين غيرها ، بل هو صريح الدروس.

ومنه حينئذ يظهر عدم الفرق بين الجميع ، ضرورة عدم مدخلية منصوب الامام عليه‌السلام في المعاوضات ، على أن مرجعه الاكتفاء بقرعته عن إنشاء تعاوض ، بل يتعين الدفع على ذي السهم الزائد والقبول‌

٣٥٠

على ذي السهم الناقص ، فهو عوض شرعي لا معاوضة اصطلاحية ، ومن المعلوم عدم الفرق في نفاذ القرعة بين وقوعها منه ومن غيره.

وأيضا ظاهر الجميع كون ذلك فردا من أفراد القسمة ، لا أنها قسمة وبيع ، بل ظاهر جماعة ممن اعتبر الرضا بعدها الاكتفاء بإنشاء الرضا بها بعدها لا إنشاء معاوضة ، بل لا يكفي إنشاؤها على الاجمال ، بل لا بد من قصد البيع أو الصلح أو الهبة المعوضة أو نحو ذلك مما يقطع بعدم التزامهم به ، بل كلامهم كالصريح في نفي كون القسمة بيعا عندنا حتى قسمة الرد ، على أن هذا البيع بعد القرعة يجب إنشاؤه بينهما على وجه إذا امتنع يقوم الحاكم مقامه أو يبقى مختارا فيه.

والتزام الأول كما ترى ، والثاني مناف لمفاد القرعة الذي هو التعيين.

ولعله لذا احتمل في كشف اللثام وغيره اللزوم بنفس القرعة ، بل لعله الأقوى وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه ، بل قد عرفت فيما سبق إطلاق بعضهم الاكتفاء في صحتها ولزومها بالتراضي وإن كان فيها رد ، وأن القرعة عند التنازع.

لكن في المسالك هنا « ثم على تقدير التراضي عليها إن اتفقا على أن يكون الرد من واحد معين وأوقعا صيغة معاوضة تقتضي ذلك كالصلح وغيره فلا بحث ، وإن اتفقا عليه ودفع الراد العوض من غير صيغة خاصة كان الحكم كالمعاطاة لا تلزم إلا بالتصرف عند من جعل ذلك حكم المعاطاة وإن لم نقل بتوقف التراضي على القسمة مع عدم الرد على التصرف ، والفرق ما أشرنا إليه من اشتمال قسمة الرد على المعاوضة المقتضية للصيغة الدالة على التراضي على ما وردت عليه من العوض ، والمقسوم الزائد على ما قابل المردود غير متعين ، فلا يمكن تخصيصه باللزوم مع التراضي بدون التصرف ».

٣٥١

وفيه ما لا يخفى من منافاة ذلك لظاهر كلام أصحابنا وغيرهم من أن قسمة الرد من أفراد القسمة وإن كان لا إجبار فيها ، ولا يحتاج إلى صلح وغيره ، حتى من اعتبر الرضا بعد القرعة فإنما يريد الرضا بها قسمة ، وهو غير الرضا المعتبر في إنشاء المعاوضات المعلومة ، وكأنه اشتبه عليهم العوض والمعاوضة المصطلحة ، ولا ريب في الفرق بينهما ، وأقصى ما في قسمة الرد الأول لا الثاني ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم لو لم نقل إنها من أفراد القسمة بل هي قسمة ومعاوضة اعتبر حينئذ قصد معاوضة خاصة وتعيين المعوض عنه وغير ذلك مما في تلك المعاوضة التي يتفقان على إنشائها ، ومن المعلوم أن قسمة الرد قد تشتمل على زيادة وصف في أحد السهمين وزيادة عين وغير ذلك مما يتوقف معادلته للسهم الآخر على جبر ممن يكون له ذلك. وبالجملة يقوي في النظر الاكتفاء في لزومها بالقرعة ، ويتعين الدفع على ذي السهم الزائد والقبول على الآخر ، والله العالم.

( مسائل ثلاث : )

( الأولى : )

( لو كان لدار ) مثلا ( علو وسفل فطلب أحد الشريكين قسمتها بحيث يكون لكل واحد منهما نصيب من العلو والسفل بموجب التعديل جاز ) بلا خلاف ( و ) لا إشكال ، لأنه توصل إلى حق كل منهما ، بل ( أجبر الممتنع ) منهما عن ذلك ( مع ) فرض ( انتفاء الضرر ) المانع من الإجبار ، بل ظاهر إطلاق المصنف وغيره عدم الفرق في الإجبار المزبور بين أن يجعل نصيب كل منهما من العلو فوق‌

٣٥٢

نصيبه من السفل وعدمه ما لم يستلزم ضررا يرتفع معه الإجبار.

( ولو طلب انفراده بالسفل أو العلو لم يجبر الممتنع ) مع التمكن من الأول الذي لا ريب في تقدمه عليه ، لما فيه من إيصال الحق إلى مستحقه في كل منهما ، كما سمعته في تقديم قسمة الافراز على قسمة التعديل.

مضافا إلى ما في كشف اللثام من تعليله بأن البناء تابع للأرض والعلو للسفل ، فإنما يجبر على قسمة تأتي على الأرض ، ولأنه من ملك شيئا من الأرض ملك قراره إلى الأرض السابعة وهواءه إلى السماء ، فلو جعلنا لأحدهما العلو قطعنا السفل عن الهواء ، والعلو عن القرار ، أما مع فرض عدم إمكانه ولو للضرر فيه المانع من الإجبار عليه بخلاف الفرض فالأقوى الجبر عليه ، لأنه طريق لا ضرر فيه إلى إيصال الحق لمستحقه ، ولعل إطلاق المصنف وغيره لا ينافيه بعد تنزيله على التمكن من الأول ، حتى ما سمعته من كشف اللثام.

( وكذا ) الكلام ( لو طلب قسمة كل واحد منهما منفردا ) عن الآخر لا يجبر عليه مع التمكن من قسمتهما على الوجه الأول ، أما مع فرض عدم التمكن منه وفرض عدم الضرر في هذا يتجه الجبر ، لما عرفت من وجوب إيصال الحق إلى مستحقه مع عدم الضرر.

هذا وفي المسالك اقتصر في شرح عبارة المصنف على ذكر القسمين الأولين وترك القسم الثالث ، ولعله ليس في نسخته لكن ما جعله مدركا للأولين مناف له ، وذلك لأنه جعل العلو والسفل كالبيتين المتجاورين ، فيجبر إن طلب قسمة كل منهما على حدته ، ولا يجبر على قسمة أحدهما في الآخر على أن يكون لأحدهما العلو وللآخر السفل ، وهو صريح في منافاة ذلك لما ذكره المصنف من عدم الجبر لو طلب قسمة كل واحد منهما منفردا ، وإنما الذي ذكر الجبر فيه قسمتهما معا على أن يكون لكل‌

٣٥٣

واحد نصيب من العلو والسفل بقسمة واحدة.

على أنه لا يخفى عليك ما في دعوى جعل العلو والسفل بمنزلة البيتين المتجاورين ، ضرورة كونهما كبيوت الدار الواحدة لا مثل ذلك ، ولذا لم يجبر عندهم على قسمة كل منهما منفردا.

بل في القواعد « ولو طلب أحدهما قسمة السفل خاصة ويبقى العلو مشتركا أو بالعكس لم يجبر الآخر ، لأن القسمة للتمييز ، ومع بقاء أحدهما لا يحصل التمييز » ومراده أن البناء علوه وسفله تابع للأرض ، فالمشترك شي‌ء واحد ، فمع قسمة بعضه دون بعض لم يحصل التمييز ، إذ هو كما لو اشتركا في جريب من الأرض فطلب أحدهما قسمة نصفه وبقاء الآخر على الإشاعة.

والظاهر أن مراده عدم الجبر لا ما يتوهم من عدم صحة قسمة ذلك حتى مع الرضا ، باعتبار عدم التمييز في القسمة المفروضة التي هي عبارة عنه ، والفرض أن المشترك شي‌ء واحد عرفا ، خصوصا بعد ما عرفت من كون الشركة النصف مثلا في المشترك ، لا أنها في كل جزء جزء ، وحينئذ فمع فرض اتحاده يكون النصف المستحق دائرا بين مصاديقه فيه ، فيمكن أن يكون هذا النصف الذي أرادا قسمته بينهما ، فلا تصح القسمة ، حينئذ إلا مع إيقافه عليه أجمع.

لكنه كما ترى مخالف للمقطوع به بين الناس ، وخصوصا في المتماثلات بل وفي مثل الأرض المتحدة الواسعة إذا أرادوا قسمة بعضها ، ويكفي ذلك في جعلها متعددة ، فإنه لا إشكال في جواز قسمتها مع فرض عروض التعدد لها عرفا.

كما أنه يلزم على التوهم المزبور عدم الصحة في الذي عرض له الاتحاد بعد أن كان متعددا ، بل ملاحظة هذا الميزان تقتضي أمرا غريبا في الشريعة ،

٣٥٤

نعم قد يقال : إنه لا يجبر عليه إذا كان قد بذل القسمة فيه أجمع ، لعدم الدليل عليه في خصوص ذلك ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، كما أن ظاهرها جواز جميع أفراد القسمة مع التراضي بها ، كما تسمع تحقيقه إنشاء الله.

المسألة ( الثانية : )

( لو كان بينهما أرض وزرع ) فيها ( فطلب ) أحدهما ( قسمة الأرض حسب أجبر الممتنع ل ) ما عرفته من وجوب إيصال الحق إلى صاحبه مع عدم الضرر ، وهو هنا كذلك فـ ( ـان الزرع كالمتاع في الدار فـ ) ـلا يمنع من قسمتها.

نعم ( لو طلب قسمة الزرع ) خاصة ( قال الشيخ ) كما في المحكي عن مبسوطة هنا ( لم يجبر الآخر ، لأن تعديل ذلك بالسهام غير ممكن ) وفي صلحه « لأن قطع نصفه لا يمكن ، فان لكل واحد منهما حقا في كل طاقة منه ».

( وفيه إشكال ) واضح ( من حيث إمكان التعديل بالتقويم إذا لم يكن فيه جهالة ) وثبوت الحق في كل طاقة لا يمنع شرعية القسمة في أمثاله بل في كل شي‌ء ، ومن هنا جزم من تأخر عنه بالجبر عليه ، بل عن ابن البراج أنه قال : إذا كان التفصيل بين قوم وأرادوا قسمته لم يصح ذلك إلا ببيعه وقسمة ثمنه بينهم ، أو بأن يقطع من الأرض ويقسمونه كما يقسمون الغلة مثله ، أو يكون مما يمكن قسمته بالتعديل ، وهو غير مخالف.

بل يمكن أن يريد الشيخ ذلك أيضا على معنى إرادة قسمته مع بقائه زرعا ، لصعوبة تعديله حينئذ ، لعدم معرفة قوة استعداده ، وبالجملة‌

٣٥٥

يكون نزاعا في موضوع ، هذا كله في قسمته زرعا.

( أما لو كان بذرا ) بعد ( لم يظهر ) من الأرض ( لم تصح القسمة ) بلا خلاف ( لتحقق الجهالة ) المانعة من التعديل.

( ولو كان سنبلا قال ) الشيخ ( أيضا : لا يصح ) لعدم إمكان التعديل ( وهو مشكل ) أيضا ، بل أشد إشكالا من الأول ( لجواز بيع الزرع عندنا ) بل في المحكي من عبارة الشيخ اضطراب بالنسبة إلى ذلك ، قال : « فان كان بينهما أرض فيها زرع فطلب أحدهما القسمة فاما أن يطلب قسمة الأرض أو الزرع أو قسمتهما معا ، فان طلب قسمة الأرض دون غيرها أجبرنا الآخر عليها على أي صفة كان الزرع : حبا أو قصيلا أو سنبلا قد اشتد ، لأن الزرع في الأرض كالمتاع في الدار لا يمنع القسمة ، فالزرع مثله ، وأما إن طلب قسمة الزرع وحده لم يجبر الآخر عليه ، لأن تعديل الزرع بالسهام لا يمكن ، وأما إن طلب قسمتها مع زرعها لم يخل الزرع من ثلاثة أحوال : إما أن يكون بذرا أو حبا مستترا أو قصيلا ، فان كان حبا مدفونا لم تجز القسمة ، لأنا إن قلنا القسمة إفراز حق فهو قسمة مجهول أو معدوم فلا تصح ، وإن قلنا بيع لم يجز لمثل هذا ، وإن كان الزرع قد اشتد سنبله وقوي حبه فالحكم فيه كما لو كان بذرا وقد ذكرناه ، وإن كان قصيلا أجبرنا الممتنع عليها ، لأن القصيل فيها كالشجر فيها ، ولو كان فيها شجر قسمت بشجرها كذلك هنا ».

ويمكن إرادته من البذر اخضراره في الجملة ، فإنه في الحكم كالحب المدفون ، لعدم إمكان تعديله ، كما أنه يمكن أن يكون وجه الفرق بين كونه سنبلا قد قوي حبه وبين كونه قصيلا أن الأول قد صار بمنزلة المتاع المنفصل الموضوع في البيت فلا يتبع الأرض ، ولا يجبر على قسمته تبعا لها ، بخلافه قصيلا ، فإنه كالشجر فيها يجبر على قسمته معها ، إذ‌

٣٥٦

ليس هو كالحب المدفون الممتنع تعديله. ولم يتحقق تابعيته للأرض ، وكذا المخضر في الجملة الذي لم يتم إثباته ، ولا هو كالسنبل الذي قد آن انفصاله عن الأرض وإن كان فيه نظر ، ضرورة خروج الزرع بحاليه عن تبعية الأرض عرفا بخلاف الشجر ، ولعله لاتخاذ الثاني فيها باقيا كالبناء بخلاف الأول المبني على الانفصال ، ولذا شبه بالمتاع في البيت حتى من الشيخ نفسه في تعليل الجبر على قسمة الأرض وحدها ، فلاحظ وتأمل.

ومن هنا صرح في التحرير بعدم الجبر لو أريد قسمته تابعا للأرض لعدم كونه من توابعها ، ولذا لم تثبت الشفعة فيه بخلاف الشجر.

وعلى كل حال فمراد الشيخ الفرق بين السنبل وغيره في التبعية ، ولم يتعرض لقسمته سنبلا وحده ، ولعل المصنف قد عثر له على غير هذا الكلام ، والأمر سهل بعد وضوح الحال لديك حتى قسمتهما معا بعضا في بعض ، فإنه لا جبر فيها ، كما نص عليه غير واحد ، لعدم كونهما شيئا واحدا ، والفرض إمكان قسمة كل واحد منهما أو الأرض خاصة. فما عساه يتوهم من عبارتي المسالك والكفاية من الجبر فيه في غير محله.

نعم قد يأتي على ما اخترناه الجبر على ذلك مع فرض انحصار القسمة الخالية عن الضرر المانع من الإجبار فيه ، لوجوب إيصال الحق إلى مستحقه مع الإمكان وإن ترجح بعض أفرادها على بعض ، أما الأرض ذات الشجر فيجبر على قسمتها معه ، لكونه تابعا كالبناء ، ولذا تثبت الشفعة فيه ، وكذا يجبر على قسمتهما بعض في بعض مع فرض انحصار القسمة الخالية عن الضرر فيه ، بل وكذا يجبر على قسمة كل منهما أو أحدهما منفردا مع الفرض المزبور.

ويمكن إرجاع ما في القواعد وغيرها إلى ما ذكرنا ، قال : « ولو كان فيها غرس فطلب أحدهما قسمة أحدهما من الأرض أو الشجر خاصة‌

٣٥٧

لم يجبر الآخر ، ولو طلب قسمتهما معا بعضا في بعض أجبر الآخر مع إمكان التعديل ، ولو كانت الأرض عشرة أجربة وقيمة جريب واحد منها يساوي قيمة تسعة أجربة ، فإن أمكن قسمة الجميع بينهما على أن يتساويا في الحصة مساحة وقيمة بأن يكون لأحدهما نصف ذلك الجريب ونصف التسعة الباقية وللآخر مثله بأن يكون الجريب في الوسط بحيث لا يلزم تفريق السهام وجب ، وإن تعذر التعديل كذلك بأن يكون الجريب في الطرف أو ذا بناء أو شجر أو نحو ذلك عدلت بالقيمة ، بأن جعل الجريب قسما والتسعة قسما وأجبر الممتنع عليها إذا لم يتضرر بتفريق السهام ولا غيره » والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( لو كان بينهما قرحان متعددة وطلب واحد ) من الشريكين مثلا ( قسمتها بعضا في بعض لم يجبر الممتنع ) لأن المشهور بين الأصحاب على ما في المسالك أن ما يعد شيئين فصاعدا من العقار كالدور المتعددة والأراضي المتعددة الخالية من الشجر ـ وهي المعبر عنها بالأقرحة ـ والدكاكين المتعددة ـ سواء تجاورت أم لا ـ والحبوب المختلفة كالحنطة والشعير لا يقسم بعضها في بعض ، بمعنى جعل بعضها في مقابل بعض قسمة إجبار ، وإنما يقسم كل واحد منها على حدته قسمة إجبار إذا أمكن ذلك من غير ضرر ، لأنها أملاك متعددة ، ولكل واحد منها خواص لا تحصل في الآخر ، بخلاف الأرض الواحدة والدار الواحدة وإن كنا لم نتحققه.

بل ذكرنا سابقا أن قاعدة وجوب إيصال الحق إلى مستحقه مع‌

٣٥٨

التمكن منه وعدم الضرر تقتضي الجبر إذا فرض الضرر بقسمة كل منها على حدته ، وفوات الغرض لا يمنع الإجبار ، كفواته في المتعدد من النوع الواحد كالثياب والعبيد التي ذكروا فيها الجبر.

بل قد عرفت أن مقتضى إطلاق المصنف ذلك فيها وإن اختلف نوعها كثوب إبريسم وكتان ، وعبد حبشي وزنجي ، ولعله لذا حكي عن ابن البراج التصريح بقسمة الدور والأقرحة بعضها في بعض مع تساوي الرغبات ، بل عنه أنه قال : « وكذا لو تضرر بعضهم بقسمة كل على حدته جمع حقه في ناحية » ومقتضى إطلاقه أولا الجبر وإن لم تكن متجاورة وأمكن قسمة كل واحد منها على حدته ، إلا أن المحكي عنه في كشف اللثام الحكم بالإجبار مع التجاور والتضرر إذا قسم كل على حدته بأن تكون حصة كل منهما في بعضها أو في كل مما لا يكاد ينتفع به.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو طلب قسمة كل واحد بانفراده أجبر الآخر ) مع إمكانه بلا ضرر بلا خلاف ولا إشكال ، للقاعدة المزبورة وغيرها ، بل قد ذكرنا سابقا أن هذا الفرد من القسمة يقدم على غيره من الأفراد ( وكذا ) الكلام ( لو كان بينهما حبوب مختلفة ) مثلا.

( و ) كذا لا خلاف ولا إشكال في أنه ( يقسم القراح الواحد ) بينهما ( وإن اختلفت أشجار أقطاعه كالدار الواسعة إذا اختلفت أبنيتها ) لأن الأصل في الملك هو الأرض ، وهي واحدة ، والأشجار والأبنية توابع.

وفي محكي المبسوط « ويفارق هذا إذا كانت الأقرحة متجاورة ، ولكل قراح طريق ينفرد به ، لأنها أملاك متميزة ، بدليل أنه إذا بيع سهم من قراح لم تجب الشفعة فيه بالقراح المجاور له ، وليس كذلك إذا كان القراح واحدا وله طريق واحدة ، لأنه ملك مجتمع ، بدليل أنه‌

٣٥٩

لو بيع بعضه وجب الشفعة فيه مما بقي ، وأصل هذا وجوازه على الشفعة فكل ما بيع بعضه فوجب فيه الشفعة فهو الملك المجتمع ، وكل ما إذا بيع بعضه لم تجب فيه الشفعة لمجاورة كانت أملاكا متفرقة ».

قلت : ليس المهم بيان الاتحاد والتعدد ، فان العرف كاف فيه ، بل المهم بيان اعتبار الاتحاد في قسمة الإجبار ، مع أنه ليس في شي‌ء مما وصل إلينا من الأدلة جعل ذلك عنوانا للحكم المزبور ، ومقتضى القاعدة المذكورة الأعم من ذلك ، على أنه لم يذكروا حكم المتحد عارضا والمتعدد كذلك ، وبالجملة التحقيق ما عرفت.

( و ) منه يعلم الحال أيضا فيما ذكره المصنف وغيره من أنه ( لا تقسم الدكاكين المتجاورة ) فضلا عن غيرها ( بعضها في بعض قسمة إجبار ، لأنها أملاك متعددة يقصد كل واحد منها بالسكنى على انفراده ، فهي كالأقرحة المتباعدة ) ضرورة عدم صلاحية ذلك للخروج عن مقتضى القاعدة المزبورة ، على أنه يمكن أن يقال : إنها واحدة ، لأن الأصل الأرض ، والبناء تابع ، فالدكاكين كبيوت الدار ، ولعله لذا حكم في الإرشاد بالجبر ، وهو كذلك مع فرض عدم إمكان قسمة كل واحد منها بانفراده ، والله العالم.

النظر ( الرابع في اللواحق وهي ثلاث : )

( الأولى : إذا ادعى ) الشريك ( بعد القسمة الغلط لم تسمع دعواه فإن أقام بينة سمعت وحكم ببطلان القسمة ، لأن فائدتها تمييز الحق ولم يحصل ، ولو عدمها فالتمس اليمين كان له إن ادعى على شريكه العلم بالغلط ).

٣٦٠