جواهر الكلام - ج ٤٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بل وغيره من الأصحاب ، فلاحظ وتأمل ، فإن المسألة غير محررة.

والأصل فيه أن مقتضى الإطلاق عدم شرطية غير ما علم اشتراطه بعد عدم إطلاق في دليل الشرطية يقتضي أزيد من ذلك ، ضرورة كون المسلم العلم بمدخلية العقل ونحوه في الجملة ، فمن اللازم الاقتصار على المتيقن وبقاء غيره على مقتضى الإطلاق ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( ـلا أثر لتغير حال المكتوب إليه في الكتاب ) بموت أو عزل أو فسق أو غيره ( بل كل من قامت عنده البينة ) من الحكام ( بأن الأول حكم به وأشهدهم على ذلك عمل بها ) لعموم دليل حجيتها المقتضي حينئذ كون حكمه بذلك كالمعلوم ، فيجب الحكم بإنفاذه ( إذ اللازم لكل حاكم إنفاذ ما حكم به غيره من الحكام ) لأن حكمه حكمهم عليهم‌السلام سواء كتب إليه أم لا ، نعم ليس لمن اتفق عزله عن نصب الحكومة الحكم بالإنفاذ سواء كان خليفة الأول أو غيره.

وتصح الكتابة عندنا لواحد بخصوصه في الإنفاذ ولمطلق الحكام وإن كان لا يختص الحكم به في المكتوب إليه خلافا لبعض العامة ، فلم يجوز الكتابة إلى غير المعين ، وهو واضح الضعف ، كوضوحه في كثير مما ذكروه في كتبهم من هذه المسائل وغيرها مما هو غير منطبق على أصولنا ، لأن مبناه على قياس أو استحسان.

٣٢١

( مسائل ثلاث : )

( الأولى : )

( إذا أقر ) المدعى عليه بأنه ( المحكوم عليه ) و ( أنه هو المشهود عليه ألزم ) ه‍ الحاكم بأداء ما عليه بلا خلاف ولا إشكال.

( ولو أنكر و ) لم تكن شهادة الشهود على عينه بل ( كانت الشهادة بوصف يحتمل الاتفاق ) فيه مع غيره ( غالبا فـ ) ـلا ريب في أن ( القول قوله مع يمينه ما لم يقم المدعي بينة ) بل عن بعضهم بطلان أصل الحكم على عنوان مشترك بين متعددين كمحمد بن أحمد ونحوه ، لأن المحكوم عليه منهم لم يتعين بإشارة ولا وصف ، حتى لو حضر رجل واعترف بأنه محمد بن احمد المعني بالكتاب لم يلزم ذلك ، لبطلان الحكم في نفسه ، إلا أن يقر بالحق فيؤاخذ به ، بخلاف ما لو استقصى الوصف ولم يقصر وظهر الاشتراك واتفق اشتباهه ، ولعله لا يخلو من وجه ، لقصور أدلة الحكم على الغائب عن مثل الفرض وإن كان ظاهر المصنف الإلزام ، بل هو صريح المسالك ، والدروس.

قال في الأخير : « لو اقتصر القاضي على صفة مشتركة غالبا كأحمد بن محمد وأقر واحد أنه المعني بالحكم ألزم ، وقيل لا ، لأنه قضاء مبهم ، فيبطل من أصله ، وهو بعيد ».

وفي القواعد « ولو قصر القاضي فكتب اسم المقر أو المشهود عليه واسم أبيه خاصة فأقر رجل أنه يسمى باسمه وأن أباه يسمى باسم أبيه وأنه المعني بالكتاب ولكن أنكر الحق فالوجه أنه يلزم بالحق على إشكال ينشأ من أن القضاء المبهم في نفسه غير ملزم » وهو صريح فيما قلناه وإن‌

٣٢٢

توقف في الفرض من حيث احتمال كون الإبهام في الكتابة لا في عنوان الحكم.

وفي التحرير « ولو قصر القاضي فكتب اني حكمت على جعفر بن محمد فالحكم باطل حتى لو أقر رجل بأنه جعفر بن محمد وأنه المقصود بالكتاب ولكن أنكر الحق لم يلزمه شي‌ء بالقضاء المبهم » بل أرسل في غاية المراد بطلان الحكم إرسال المسلمات وإن كان الانصاف عدم خلوه من البحث إن لم يكن إجماعا.

وكيف كان فان نكل حلف المدعي وتوجه عليه الحكم ، وإن قال : لا أحلف أنه ليس اسمي ولا نسبي ولكن أحلف على أنه لا يلزمني شي‌ء ففي إجابته وجهان ، أصحهما في المسالك وغيرها عدمه ، لقيام البينة على المسمى بهذا الاسم ، وذلك يوجه الحق عليه.

وفيه أن قيامها عليه بعد فرض الاشتراك لا يوجه الحق عليه ، فالأولى تعليله بأن المدعى عليه كونه المحكوم عليه بكذا ، فلا يكفي الحلف على ذلك ، اللهم إلا أن يصرح بإرادة الإلزام ولو من الحاكم ، وحينئذ فيتجه انطباق اليمين على المدعي ، وبذلك يفرق بين المقام وما تقدم سابقا من الاكتفاء باليمين على براءة الذمة في جواب دعوى القرض مثلا ، هذا كله مع اشتراك الوصف.

( و ) أما ( إن كان الوصف مما يتعذر اتفاقه إلا نادرا لم يلتفت إلى إنكاره ) الحكم عليه بعد اعترافه بأنه المسمى بذلك الاسم وبالوصف أو قيام البينة عليه بذلك بلا خلاف أجده بين من تعرض ( لأنه خلاف الظاهر ) وهو كذلك مع فرض كون الاحتمال لا يقدح في الاطمئنان الذي هو علم في العادة ، أما غيره فمشكل ، لأن أقصاه الظن ، ولا دليل على اعتباره هنا بحيث يقطع قاعدة المدعي والمنكر.

( ولو ادعى أن في البلد مساويا له في الاسم والنسبة كلف إبانته

٣٢٣

فإن كان المساوي حيا سئل ، فإن اعترف أنه الغريم ألزم وأطلق الأول ، وإن أنكر وقف الحكم حتى يتبين ) كذا ذكره غير واحد ، لكن قد يشكل الأول بعد فرض كون المدعي خص الأول في الدعوى ، فان اعتراف الثاني لا يقتضي سقوط دعواه ، بل لا يجوز له الدعوى على الثاني وأخذ الحق منه ، ولكن مع فرض الاشتراك يتوجه له اليمين عليه على قاعدة المدعى والمنكر.

ومنه يعلم الإشكال في الثاني الذي ذكر فيه وقوف الحكم ، نعم مع فرض عدم دعوى من المدعي على خصوص الأول وإنما دعواه على حسب عنوان المكتوب المفروض اشتراكه قد يتم ذلك على إشكال في وقوف الدعوى ، لاحتمال توجه اليمين له على كل منهما بناء على صحة الدعوى بمثل ذلك من الوارث ونحوه ، ولا يكون فيها يمين رد ، هذا كله مع كونه حيا.

( و ) أما ( إن كان المساوي ميتا وهناك دلالة تشهد بالبراءة إما لأن الغريم لم يعاصره أو لأن تأريخ الحق متأخر عن موته ) أو غير ذلك ( ألزم الأول وإن ) لم يكن دلالة تشهد على ذلك ، بل ( احتمل ) كون الحق عليه ( وقف الحكم حتى يتبين ) وفيه البحث السابق.

المسألة ( الثانية )

قد تقدم البحث في أن ( للمشهود عليه ) في عين أو دين ( أن يمتنع من التسليم ) للمالك أو وكيله ( حتى يشهد القابض ) له على ذلك ، لقاعدة لا ضرر ولا ضرار ، وفي ضمانه للعين حينئذ في زمان الامتناع وجهان.

٣٢٤

( ولو لم يكن بالحق شاهد قيل : لا يلزم بالإشهاد ) لتمكنه حينئذ من إنكار الأصل لو نازعه ( ولو قيل : يلزم كان حسنا حسما لمادة المنازعة أو كراهة لتوجه اليمين ) وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلا في باب الوكالة ، فلاحظ وتأمل.

المسألة ( الثالثة : )

( لا يجب على المدعى دفع الحجة مع الوفاء ) لأنها ملكه والناس مسلطون على أموالهم و ( لأنها حجة له لو خرج المقبوض مستحقا ) مثلا.

( وكذا القول في البائع ) مثلا ( إذا التمس المشتري كتاب الأصل ) لأنه ملكه و ( لأنه حجة له على البائع الأول لو خرج المبيع مستحقا ) مثلا والله العالم.

( الفصل الثاني)

( في لواحق من أحكام القسمة )

التي لا ريب في شرعيتها كتابا بقوله تعالى (١) ( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ ) و ( نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ) (٢) وسنة ، فقد‌ روي (٣) « أن‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٨.

(٢) سورة القمر : ٥٤ ـ الآية ٢٨.

(٣) روى ذلك الشيخ في المبسوط ج ٨ ص ١٣٣.

٣٢٥

عبد الله بن يحيى كان قساما لأمير المؤمنين عليه‌السلام وقد قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر على ثمانية عشر سهما (١) » وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الشفعة فيما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وعرفت الطرق فلا شفعة » (٢) وغير ذلك من النصوص ، وإجماعا بقسميه ، بل ضرورة وقد تقدم الكلام في حقيقتها ، وأنها ليست بيعا عندنا وإن اشتملت على رد ، بل وفي جملة من أحكامها في كتاب الشركة (٣).

( و ) حينئذ فـ ( ـالنظر ) هنا ( في القاسم والمقسوم والكيفية واللواحق : )

( أما الأول )

( فـ ) ـلا ريب في أنه ( يستحب للإمام عليه‌السلام أن ينصب قاسما ) لأنها حينئذ من المصالح العامة التي ينبغي للإمام القيام بها ، بل في القواعد عليه الإجماع ، إلا أن الظاهر إرادته الاستحباب المذكور ( كما ) عبر به في تحريره وإرشاده أو في بعض الوجوه المتوقف قطع النزاع عليه ، وقد ( كان لعلي عليه‌السلام ) قاسم اسمه عبد الله ابن يحيى (٤) والظاهر كما قيل الحضرمي الذي هو من شرطة الخميس المبشر من أمير المؤمنين عليه‌السلام بالجنة (٥).

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ١٠ ص ١٣٢.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٠٢.

(٣) راجع ج ٢٦ ص ٣٠٩.

(٤) روى ذلك الشيخ في المبسوط ج ٨ ص ١٣٣.

(٥) رجال البرقي ص ٣ ط إيران عام ١٣٤٢ ه‍ ش.

٣٢٦

( و ) كيف كان فلا خلاف في أنه ( يشترط فيه البلوغ وكما العقل ) لعدم قابلية الفاقد لهما بعد كونه كالبهائم لذلك ، بل ( والايمان ) بالمعنى الأخص فضلا عنه بالمعنى الأعم بل ( والعدالة ) لعدم قابلية فاقدها فضلا عن فاقده لنصب الامام له وجعله أمينا له في قسمة الإجبار وغيرها على وجه تمضي قسمته كما تمضي حكومة الحاكم ، بل هي قسم من الحكومة. ( و ) من هنا اشترط أيضا فيه ( المعرفة بالحساب ) ونحوه مما تحتاج إليه القسمة غالبا على نحو اشتراط ما يحتاج إليه القاضي في القضاء.

نعم قد يتوقف في أصل استفادة كون ذلك من المناصب مما وصل إلينا من الأدلة ، إذ ليس إلا ما سمعته من أنه كان لعلي عليه‌السلام قاسم (١) وهو أعم من ذلك ، لاحتمال إعداده لإيقاع هذا الفعل لو احتيج إليه ، لا لأنه منصب وولاية كمنصب القضاء والامارة ، بل لعله كالكتابة والوزن ونحوهما ، اللهم إلا أن يكون إجماع كما هو ظاهر إرسالهم له إرسال المسلمات ، فيكون حينئذ هو الحجة فيه وفي اشتراط الشرائط المزبورة.

( و ) كيف كان فـ ( ـلا يشترط ) فيه ( الحرية ) عندنا ، بل يجوز أن يكون عبدا إذا استجمع الشرائط وأذن المولى ، خلافا لبعض العامة ، كما لا يشترط في صحة القسمة حضوره بلا خلاف ( و ) لا إشكال ، فـ ( ـلو تراضى الخصمان ) مثلا ( بقاسم ) غير قاسم الامام جاز قطعا.

بل ( لم يشترط ) فيه ( العدالة ) لأنه وكيل عنهما ، بل ولا الإسلام ، كما أشار إليه المصنف بقوله ( وفي التراضي بقسمة الكافر

__________________

(١) راجع التعليقة (٤) ص ٣٢٦.

٣٢٧

نظر ) من جهة كونه نوع ركون أو سبيل أو ولاية ، ولكن ( أقربه الجواز كما ) في غيره من أفراد التوكيل الذي لا إشكال في صحته من المسلم في مثل ذلك.

وحينئذ فيختص باعتبار التكليف خاصة من بين الشرائط المزبورة كما صرح به غير واحد ، وهو كذلك إذا أريد توكيله منهما على تولي القسمة بينهما ، أما إذا رضيا بتعديله وإقراعه من دون توكيل له فقد يشكل اعتبار البلوغ فيه أيضا ، لصدق القسمة بينهما برضاهما بالقرعة التي هي في الحقيقة المميزة لحق كل منهما عن الآخر والتعديل ونحوه من المعدات التي لا تفاوت فيها بين وقوعها من مكلف وغيره ، ويمكن أن لا يريد الأصحاب هذا الفرد ، فلا ينافيه إطلاقهم اشتراط التكليف.

أو يقال : إنه شرط فيها مطلقا ، لأنها من المعاملات التي يشترط فيها ذلك ، ولذا يتبعها حكم الصحة والفساد وغيرهما من أحكام المعاملة فالقسمة حينئذ من حيث إنها قسمة يعتبر في مباشرها البلوغ ، والرضا من الشركاء في مباشرة غير البالغ مثلا لا يجدي كالرضا ببيعه مثلا ، إذ هي بناء على ما سمعت قسم من أقسام الإنشاء الذي رتب الشارع عليه أحكاما ، فتأمل.

وعلى كل حال فلا ريب في عدم اشتراط القاسم في صحة القسمة بل ( لو تراضيا بأنفسهما من غير قاسم ) جاز بلا خلاف ولا إشكال لإطلاق الأدلة وعمومها.

( و ) كيف كان فـ ( ـالمنصوب من قبل الامام عليه‌السلام ) أو نائب الغيبة بناء على أن له ذلك أيضا كالإمام عليه‌السلام ( تمضي قسمته بنفس القرعة ، ولا يشترط رضاهما بعده ) بلا خلاف ولا إشكال ، كما لا يعتبر رضاهما بعد حكمه ( وفي غيره ) ‌

٣٢٨

ولو أنفسهما أو من نصباه وكان بصفات قاسم الامام ( يقف اللزوم على الرضا بعد القرعة ) في محكي المبسوط والتحرير وغاية المرام والرياض اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن بعد أن لم يكن إطلاق يقتضي ترتب الأثر ، وفي خصوص المشتملة على الرد منها في محكي الإيضاح والدروس ، لأنها حينئذ معاوضة ، فلا بد فيها من التراضي قبلها ومعها وبعدها ، بل ظاهر التنقيح ومحكي الإيضاح خروج هذا الفرد من النزاع ، حيث إنهما بعد أن ذكرا الخلاف السابق والوجه فيه قالا : « هذا كله فيما لا يشتمل على الرد ، أما المشتمل عليه فلا بد فيه من الرضا قبل وبعد ، وصورة الرضا أن يقول : رضيت بالقسمة ».

( و ) كيف كان فـ ( ـفي هذا ) أي أصل اعتبار الرضا في لزومها بعد القرعة ( إشكال ) كما في القواعد وغيرها ( من حيث إن القرعة وسيلة إلى تعيين الحق و ) الفرض أنه ( قد قارنها الرضا ) فلا يعتبر بعدها ، لأن التعيين على هذا الوجه أوجب تميز أحد الحقين عن الآخر ، فيتعين بالرضا المقارن ، بل في اللمعة والروضة والمسالك وظاهر القواعد حصول التعيين بتراضيهما على القسمة وتخصيص كل واحد من الشركاء بحقه وإن لم تحصل القرعة ، بل في الكفاية نسبته إلى ظاهر الأكثر وصريح بعض وإن كنا لم نتحققه ، لصدق القسمة وتسلط الناس على أموالها ، وغير ذلك مما يستفاد من الأدلة من الاكتفاء في نحو ذلك بطيب النفس ، وخلو كثير من النصوص (١) التي ذكرناها في كتاب الشركة عن القرعة ، كخلو موضوع نصوص القرعة (٢) عن الشركة.

ومن هنا أطنب في الحدائق في الإنكار على الأصحاب بذكر القرعة ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الشركة.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كيفية الحكم.

٣٢٩

حتى أنه أساء الأدب ، ونسبهم في ذلك إلى متابعة العامة.

وجزم هنا في المسالك بالصحة في الفرض ، وقال : « كما تصح المعاطاة في البيع ، إلا أن المعاطاة فيه يتوقف لزومها على التصرف من حيث إن ملك كل واحد من العوضين للآخر فيستصحب ملكه إلى أن يتصرف أحدهما بإذن الآخر فيكون رضا منه بكون ما في يده عوضا عن الآخر ، أما القسمة فإنها مجرد تمييز أحد النصيبين عن الآخر ، وما يصل إلى كل منهما هو عين ملكه لا عوضا عن ملك الآخر ، فيكفي تراضيهما عليها مطلقا ».

وفيه ـ بعد الإغضاء عما في القياس على المعاطاة في البيع الظاهر الفرق بينهما ـ أن ذلك يقتضي الاحتياج إلى القرعة التي هي لإخراج مثل ذلك ، لا الاستغناء عنها والاكتفاء بمجرد التراضي الذي هو مقتضى المعاوضة لا التمييز والتعيين ، وحينئذ فالمتجه اعتبارها في المال المشترك المتحد سبب الشركة فيه ، إذ ليس في الأدلة ما يقتضي تحقق القسمة بدونها ، فأصالة بقاء الشركة حينئذ بحالها بعد عدم دليل على الاكتفاء بالرضا معينا إلا القياس على كلي الدين ونحوه مما استفيد الاكتفاء بالقبض مثلا من أدلة الوفاء والأمر بالإعطاء ونحو ذلك.

ونصوص القسمة ـ بعد احتمال اعتبار القرعة في مفهومها باعتبار أنها تميز الحق عن الآخر ولا مميز له في الشرع غير القرعة التي هي لكل أمر مشكل ومشتبه ـ لا إطلاق فيها ، خصوصا بعد معروفية الإقراع في قسمة المشتركات بين العوام والخواص ، وظاهر الأساطين من الأصحاب المفروغية من اعتبارها فيها.

بل قد يتوقف في قيام الصلح مقامها ، باعتبار عدم معلومية العوض والمعوض عنه لأحدهما وإن كان يقوى في النظر جوازه ، لعموم أدلته حتى‌

٣٣٠

لو قلنا باستحقاق الشريك حصة معينة في علم الله تعالى ، وهي التي تخرج بالقرعة لو أقرع ، فإنه حينئذ إن صادف المغايرة أثر أثره وإلا كان لغوا ، والثمرة حاصلة ، بل لا يبعد الاكتفاء بالتراضي على جهة معاطاته ، بل ينبغي الجزم بمشروعية الصلح وبمعاطاته ، بل وغيرهما كالبيع ونحوه في المشتركات المتعددة المختلفة جهة الشركة فيها ، فيصالحه حينئذ عما يستحقه في هذا بما يستحقه في الآخر.

ولكن لا يخفى عليك أن ذلك كله ليس قسمة ، بل هو حينئذ صلح تلحقه أحكامه ، والمراد هنا تحقق القسمة التي هي أصل برأسها بمجرد التراضي وليس في الأدلة ما يقتضيه.

نعم الظاهر عدم اعتبار الرضا بعد القرعة مع فرض سبق الرضا بالقسمة بها ، ضرورة ظهور أدلتها في اقتضائها التعيين والتمييز ، فمع حصوله بها لا دليل على عوده ، بل إن كان مراد من قال باعتبار الرضا بعدها في اللزوم حصول الملك بها ولكنه جائز حتى يرضى بعدها كان محجوجا حينئذ باستصحابه بعد عدم الدليل على فسخه.

وبذلك ظهر لك ما أطنب فيه في الرياض الذي محصله أصالة بقاء الشركة المقطوع بظاهر أدلة القرعة وصدق القسمة وباستصحاب الملك وغير ذلك ، وقد ذكرنا جملة من الكلام في كتاب الشركة وخصوصا فيما سمعته من المحدث البحراني ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم والهادي.

كما أنه ظهر لك أيضا عدم الفرق حينئذ فيما ذكرنا بين منصوب الامام عليه‌السلام وغيره ، ضرورة كونه في غير قسمة الإجبار كمنصوبهما ، فمع فرض اعتبار الرضا بعد القرعة في صحة القسمة لم يتفاوت ذلك بين الامام عليه‌السلام وبين غيره ، إذ هو منصوب للقسمة الشرعية ، بل يتجه في قسمة الإجبار اعتبار رضاه بعدها أيضا عوضا عنهما ،

٣٣١

لأن القسمة مفهوم واحد لا تختلف حقيقتها باختلاف القاسم ، كما هو واضح. وحينئذ فاتفاقهم على عدم اعتباره بعدها فيه دليل على تحققها وصحتها بدونه في غيره أيضا ، إذ ليس قسمته بين الشريكين برضاهما حكما منه ، بل هو كأحد أفراد القسمة.

وكذا ظهر لك أيضا عدم الفرق بين قسمة الرد وغيره ، ضرورة أنها قسم من القسمة المفروض إفرازها بالقرعة وإن استتبعت وجوب الرد على من خرج له النصيب الأوفر بها فهو استحقاق آخر يتبع القسمة المزبورة ، وليس هو معاوضة مستقلة خارجة عن القسمة كي يعتبر فيها التراضي ، بل أقصاها تعاوض شرعي من توابع القرعة التي قد عرفت أنها مميزة في قسمة الرد وغيرها.

( و ) كيف كان فـ ( ـيجزئ القاسم الواحد إذا لم يكن في القسمة رد ) في مذهب الأصحاب كما في المسالك ، بل لم يحك هو الخلاف في ذلك إلا عن بعض العامة ، فاعتبر التعدد فيها جاعلا لها من قسم الشهادة ( و ) هو كما ترى ، بل مناف لما سمعته من نصب علي عليه‌السلام قاسما واحدا (١).

نعم ( لا بد من اثنين ) فصاعدا ( في قسمة الرد ، لأنها تتضمن تقويما ، فلا ينفرد الواحد به ) لأنه من مقام الشهادة ( و ) إن كان ( يسقط اعتبار الثاني مع رضا الشريك ) لأن الحق لهما ، وهما مسلطان عليه. ومن هنا قال في المسالك : « لا إشكال في اعتبار العدد منها حيث لا يتراضى الشريكان بالواحد ، لأن العدد شرط في التقويم مطلقا ».

ولكن قد ينافيه ( أولا ) ما سمعته من نصب علي عليه‌السلام قاسما واحدا (٢) وإلا كان المتجه نصب الاثنين احتياطا ، لاحتمال حصول‌

__________________

(١) راجع التعليقة (٤) ص ٣٢٦.

(٢) راجع التعليقة (٤) ص ٣٢٦.

٣٣٢

الرد في القسمة. و ( ثانيا ) أن التقويم غير منحصر في قسمة الرد ، فان كثيرا من الأموال المشتركة المختلفة كالحيوانات ونحوها لا تقسم إلا بالتقويم وإن لم يكن فيها رد ، واحتمال إرادة ذلك كله من قسمة الرد على معنى أنه قد يكون فيها رد مناف لما هو المصطلح عندهم من أن قسمة الرد المشتملة على دفع مال آخر من أحد الجانبين ، ولذا أطلقوا عدم الجبر فيها بخلاف باقي ما يقسم بالتقويم الذي لا رد فيه ، فإنه يجبر عليه. و ( ثالثا ) أن التقويم لا مدخلية له في القسمة التي هي إفراز الحق ، وإنما هو من مقدماته ، والفرض ظهور كلامهم في تعدد القاسم لا المقوم ، على أنه يمكن القول بتولي الواحد القسمة فيها وإن احتيج إلى التعدد بعدها في تقويم ما زاد في أحد النصيبين ، إذ ذاك أمر خارج عن القسمة. ومن هنا كان لعلي عليه‌السلام قاسم واحد (١) فتأمل جيدا.

( و ) على كل حال فـ ( ـأجرة القسام ) المنصوب من قبل الامام عليه‌السلام ( من بيت المال ) المعد للمصالح التي منها القسمة إن لم يكن يرتزق منه وإلا فلا أجرة له ، لقيام ارتزاقه منه مقامها ، بل يمكن إرادة ذلك منها ، كما عساه ظاهر القواعد حيث عبر أولا بالارتزاق وثانيا بالأجرة ، لاختصاص منفعة عمله بغيره ، بخلاف المؤذن ونحوه ممن شرك مع الغير في الانتفاع ، فإنه يعبر عنه بالارتزاق والأمر سهل.

وعلى كل حال فذلك له من بيت المال إذا نصب على هذا الوجه ( فان لم يكن إمام ) ينصب للقسمة شخصا كذلك ( أو كان و ) لكن ( لا سعة في بيت المال ) ولو لوجود الأهم من ذلك لتجهيز جيش أو سد ثغر ( كانت أجرته على المتقاسمين ) وإن كانت قسمة‌

__________________

(١) راجع التعليقة (٤) من ص ٣٢٦.

٣٣٣

إجبار أو كان الطالب للقسمة أحدهم ، خلافا لما عن أبي حنيفة وأحد وجهي الشافعية فيختص بالطالب ، وفيه أن العمل المحترم قد وقع لهم أجمع فيستحق عوضه ما لم يقصد التبرع به ( فان ) كانت القسمة بسؤالهم و ( استأجره كل واحد ) منهم ( بأجرة معينة ) عليه ( فلا بحث ) في استحقاق ذلك المعين من غير ملاحظة السهام أو الرؤوس.

نعم قد ذكروا إشكالا من جهة أخرى فيما لو فرض ترتب العقود وكان الشركاء اثنين مثلا فعقد واحد لإفراز نصيبه ، فعلى القسام إفراز النصيبين ، وتميز كل واحد منهما عن الآخر ، لأن تمييز نصيب المستأجر لا يمكن إلا بتمييز نصيب الآخر ، وما يتوقف عليه الواجب فهو واجب فإذا استأجر بعد ذلك الآخر على تمييز نصيبه فقد استأجره على ما وجب عليه واستحق في ذمته لآخر فلم يصح ، وكذا لو كانوا ثلاثة فعقد واحد لإفراز نصيبه ثم الثاني أشكل عقد الثالث بما سمعت.

وأجيب كما في المسالك وبعض كتب العامة بأن السؤال مبني على أنه يجوز استقلال بعض الشركاء باستئجار القسام لإفراز نصيبه ولا سبيل إليه ، لأن إفراز نصيبه لا يمكن إلا بالتصرف في نصيب الآخرين ترددا وتقديرا ، ولا سبيل إليه إلا برضاهم ، نعم يجوز أن ينفرد واحد منهم برضا الباقين فيكون أصيلا ووكيلا ، ولا حاجة إلى عقد الباقين ، وحينئذ إن فصل ما على كل منهم بالتراضي فذاك وإن أطلق وزع.

وفيه أن حاصله كما في كشف اللثام عدم استقلال أحد منهم بالاستئجار وإيجاب الإفراز على ذمة الأجير ، وهو كما قيل لا يدفع الإشكال ، ضرورة إمكان فرضه باستغناء القاسم للتردد فيه بضبطه إياه سابقا أو باستحقاقه ذلك لاستئجار ونحوه ، أو يفرض برضا الشريك بالتردد فيه أو التخطي‌

٣٣٤

أو كون القسمة إجبارا والمستأجر المستضر.

ولعل لذا في كشف اللثام بعد حكاية الجواب المزبور قال : « والحق عدم الاندفاع ومن هنا التزم بعض الناس التفصيل بين القدرة على الافراز على وجه يكون واجبا مطلقا فلا يصح الاستئجار ثانيا ، وبين كونه غير مقدور فيصح ، لأنه يكون واجبا مشروطا ».

وفيه أن المتجه في الثاني عدم صحة الأولى لا صحة الثانية مع الأولى كما هو مفروض البحث ، اللهم إلا أن يراد أن الأولى وقعت مراعي صحتها بوقوع الثانية ، كما لو اتحد الإيجاب وترتب القبول خاصة ، فإنه يقع مراعى بوقوع القبول من غيره ، والتحقيق عدم صحة الثانية حيث تصح الأولى من دون مراعاة للثانية مع كون المستأجر عليه شيئا واحدا وإن تعدد عوضه ، ولذا جاز الاستئجار عليه منهما دفعة واحدة ، بخلاف الترتيب المقتضي استقلال الأول في الاستحقاق وكونه كالأجير الخاص بالنسبة إليه ، لتعينه بالعمل الغير القابل للتعدد ، فهو حينئذ كالمستأجر لحيازة شي‌ء من المباح مثلا ، فإنه لا يجوز استئجاره ثانيا عليه لآخر بخلاف ما لو استأجراه دفعة كما هو واضح.

( و ) كيف كان فـ ( ـان استأجروه في عقد واحد ) بأجرة معينة ( و ) لكن ( لم يعينوا نصيب كل واحد ) منهم ( من الأجرة لزمتهم الأجرة بالحصص ، وكذا لو لم يقدروا أجرة كان له أجرة المثل عليهم بالحصص لا بالسوية ) عندنا من غير خلاف يعرف فيه بيننا ، وفي محكي الخلاف دليلنا أنا لو راعيناها على قدر الرؤوس ربما أفضى إلى ذهاب المال ، كأن يكون بينهما لأحدهما عشر العشر سهم من مائة سهم والباقي للآخر ويحتاج إلى أجرة عشرة دنانير على قسمتها ، فيلزم من له الأقل نصف العشرة ، وربما لا يساوي سهمه دينارا واحدا‌

٣٣٥

فيذهب جميع المال وهذا ضرر ، والقسمة وضعت لازالة الضرر ، فلا يزال بضرر أعظم منه.

وفي كشف اللثام « ولأن الأجرة تزيد بزيادة العمل ، والعمل يزيد بزيادة المعمول ، فكل من كانت حصته أزيد فالعمل له أزيد ، كمن يسقي جريبين من الأرض فعمله أزيد ممن يسقي جريبا ، وأن تحمل المشقة أكثر ، وكمن رد عبدا قيمته مائة فعمله أزيد ممن رد عبدا قيمته خمسون ، والغموض في قلة النصيب إنما جاء من كثرة نصيب الآخر ».

وفي القواعد وغيرها احتمال التساوي ، للتساوي في العمل ، فإنه ليس إلا إفرازا أو حسابا أو مساحة ، والكل مشترك بينهما ، بل قد يكون الحساب في الأقل أغمض ، وقلة النصيب توجب كثرة العمل ، لوقوع القسمة بحسب أقل الأنصباء ، فان لم يجب على الأقل نصيبا من الأجرة أزيد فلا أقل من التساوي.

ولكن لم يذهب إليه أحد من أصحابنا ، بل عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك موافقتنا على ذلك ، نعم هو محكي عن أحمد بن حنبل ، ونقض عليه الفاضل في القواعد بالحفظ للمال المشترك ، فان له الأجرة بالحصص مع التساوي في العمل ، ومرجع هذا وغيره مما سمعته أو لم تسمعه مما ذكر هنا إلى معلومية القاعدة في المشترك أن جميع ما يترتب عليه من نفع أو غرم هو على الحصص إذا كان قد ترتب عليه من حيث الاشتراك ، كما في مفروض البحث الذي هو أجرة المثل للعمل في المشترك من حيث إنه كذلك أو المسمى في العقد الواقع من هذه الحيثية ، ولذا قد وافق عليها هنا من عرفت من العامة عدا ابن حنبل فضلا عن الخاصة ، ووجهه ـ بعد معلومية مقابلة العوض بالعمل ـ أن التوزيع يكون بحسب أثر العمل في المال المشترك ، لا بالنسبة إلى المتعاملين الذين لا مدخلية لهم في المعاوضة‌

٣٣٦

ولا ريب في استخراج السهام المتعددة لذي السهم الأكثر بعد تعديل المال المشترك على الأقل نصيبا ، كما هو واضح ، والله العالم.

النظر ( الثاني في المقسوم )

(وهو إما متساوي الأجزاء ) وصفا وقيمة ( كذوات الأمثال مثل الحبوب والأدهان أو متفاوتها كالأشجار والعقار ، فالأول يجبر الممتنع مع مطالبة الشريك بالقسمة ) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم ، بل الظاهر الاتفاق عليه ، ولعله العمدة بعد قاعدة وجوب إيصال الحق إلى مستحقه مع عدم الضرر والضرار في القسمة المفروض شرعيتها ( لأن الإنسان له ولاية الانتفاع بماله ) قطعا ( و ) لا ريب أن ( الانفراد أكمل نفعا ).

ولا فرق في ذلك بين الجامد والمائع الذي مسته النار للعقد كالدبس والرب لا للتصفية كالعسل والسمن وغيرهما ، وما عن بعض العامة من عدم جواز القسمة في الأول لعدم جواز بيعه بعضه ببعض ولو مثلا بمثل وهي بيع خرافة في خرافة.

نعم لو تعددت الأجناس المشترك فيها فطلب أحدهما قسمتها أنواعا بالقيمة ففي القواعد لم يجبر ، لتعلق الغرض غالبا بالعين ، ولأنه قسم من قسمة الرد ، نعم لو تراضيا على القسمة كذلك لم يكن به بأس ، ولا ينافيه عدم الجبر عليه ، لإمكان القسمة بطريق آخر جامع بين الجميع.

( و ) كيف كان فـ ( ـيقسم ) المكيل والموزون وغيرهما ( كيلا ووزنا ) وخرصا ومقابلة ( متساويا ومتفاضلا ربويا كان وغيره ، لأن القسمة ) عندنا ( تمييز حق لا بيع ) كي يلحقها أحكامه‌

٣٣٧

من القبض في المجلس لو كانت في نقدين مثلا ، ومن عدم الزيادة لو كانت في ربوي ، ومن العلم بالمقدار لو كانت في مجهول ، بل قد عرفت فيما مضى هنا وفي الشركة أنها ليست معاوضة ، وإنما هي تمييز حق استخراج بالقرعة حتى في قسمة الرد وإن كان فيها شبه المعاوضة إلا أنه تعاوض شرعي لا معاوضة معاملة. ومن ذلك يظهر لك المناقشة بما في المسالك وغيرها ، فلاحظ وتأمل.

هذا وفيها هنا أيضا « وأما قوله متساويا ومتفاضلا فالأصل في القسمة أن يكون بنسبة الاستحقاق ، فإذا كان المشترك بينهما نصفين كان إفرازه قسمين ، وإن كان بينهما أثلاثا كان إفرازه كذلك ، والتفاضل في الثاني بحسب الصورة وإلا فهو متساو حقيقة ، لأن مستحق الثلث له فيما في يد صاحب الثلثين ثلث ولصاحب الثلثين فيما في يد صاحب الثلث ثلثاه ، فالقسمة على هذا الوجه موجبة للتسوية بينهما بالنظر إلى أصل الحق ، وإن أراد بالتفاضل ترجيح أحدهما على الآخر بزيادة على حقه فليس ذلك بداخل في حقيقة القسمة ، بل هو هبة محضة للزائد ، فلو ترك قوله : متساويا ومتفاضلا كان أولى ».

وفيه أن المراد بيان جواز قسمة الربويات بالتفاوت من حيث الجودة والرداءة ، فلو كان الحب مشتركا بينهما وفرض اختلافه على وجه يكون الوزنتان من بعضه تقابل بالوزنة من غيره فعدلا السهام بذلك واقتسماه على هذا الوجه فإنه لا إشكال في صحة القسمة عندنا ، بخلافه لو قلنا إنها بيع للربا ، بل وإن قلنا إنها معاوضة وأن الربا عام للمعاوضات ، لما عرفت أنها ليست معاوضة معاملة ، والله العالم.

( و ) أما ( الثاني ) وهو المتفاوتة أجزاؤه فـ ( ـاما أن يستضر الكل ) بقسمته ( أو البعض أو لا يستضر أحدهم ، وفي الأول

٣٣٨

لا يجبر الممتنع ) عن القسمة ( كالجواهر والعضائد الضيقة ) ونحوها المتوقف قسمتها على كسرها وإلا فإذا أمكن بتعديلها بالقسمة أجبر الممتنع كما تسمعه في الثياب والعبيد ، إذ هو أحد الأفراد الذي لا ضرر فيه ولا رد ، كما أنه قد عرفت قوة القول بصحة قسمتها مع التراضي وإن تضرر الجميع بناء على إرادة نقص القيمة منه لا الخروج عن المالية ، فلاحظ وتأمل.

( وفي الثاني إن التمس المستضر ) لقلة نصيبه مثلا على القسمة ( أجبر من لا يتضرر ) لأن المانع من جهته وقد فرض زواله برضاه إذا كان الضرر النقص ، وإن قلنا إنه الخروج عن التمول أشكل جوابه إلى ذلك ، لأنه سفه ، إلا أن يفرض غرض صحيح يخرجه عنه.

( وإن امتنع المتضرر لم يجبر ) عندنا لقاعدة لا ضرر ولا ضرار ( و ) لا ريب في أنه ( يتحقق الضرر المانع من الإجبار بعدم الانتفاع بالنصيب ) أصلا ( بعد القسمة. وقيل ) : يتحقق مع ذلك بعدم الانتفاع به فيما كان ينتفع به مشتركا وإن لم تنقص قيمته ، وقيل ( بنقصان القيمة ) على وجه يتحقق به الضرر الفاحش ( وهو أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، كما حققنا ذلك في كتاب الشركة (١) ( و ) إن كان ( للشيخ ) بل ولغيره في المسألة ( قولان ) الأول والأخير.

( ثم ) اعلم أن ( المقسوم ) مثليا كان أو قيميا عقارا أو غيره متحدا أو متعددا متفقا في الجنس أو مختلفا ( إن لم يكن فيه رد ولا ضرر أجبر الممتنع وتسمى قسمة إجبار ، وإن تضمنت أحدهما لم يجبر ، وتسمى قسمة تراض ، و ) حينئذ ( يقسم الثوب الذي لا تنقص قيمته بالقطع كما تقسم الأرض ) المتساوية أجزاؤها قسمة إجبار وإن كانا قيميين ، لعدم ضرر وعدم رد فيها. ( وإن كان ينقص ‌

__________________

(١) راجع ج ٢٦ ص ٣١٥.

٣٣٩

بالقطع لم يقسم ، لحصول الضرر بالقسمة ) وكذا الأرض.

( وتقسم الثياب ) اتحدت في النوع أو اختلفت. ( و ) كذا تقسم ( العبيد ) كذلك ( بعد التعديل بالقيمة قسمة إجبار ) مع فرض انحصار قسمتها في ذلك ، لأن التعديل المزبور رافع للضرر عرفا ، فتندرج حينئذ هي وغيرها في الضابط المزبور الذي هو منطبق على جميع ما تسمعه مما ذكر في المقام ، وإن كان في دعوى تحقق الضرر في بعض الأمثلة كالدكاكين المتلاصقة والدور المتجاورة في قسمتها بعض في بعض تأمل ونظر ، كما ستعرف.

هذا ولكن في المسالك وبعض كتب العامة كالروضة للرافعي من الشافعية تشويشا في المسألة حيث ذكر فيها « أن الأقسام ثلاثة : الأول قسمة الافراز ، وهو أن يكون الشي‌ء قابلا للقسمة لتساوي أجزائه في الصفات ، كذوات الأمثال ، والثوب الواحد كذلك ، والأرض المتحدة كذلك ، ولا إشكال في أنها قسمة إجبار مع فرض عدم الضرر ، والثاني قسمة التعديل ، وهي ما يعدل سهامها بالقيمة ، وهي تنقسم إلى ما يعد شيئا واحدا وإلى ما يعد شيئين فصاعدا ، فالأول كالأرض المختلفة أجزاؤها ، والبستان المختلفة أشجارها ، والدار المختلف بناؤها ونحو ذلك ، وظاهر عبارة المصنف دخول الإجبار فيها ، ويحتمل عدمه ، لاختلاف الأغراض ، والأقوى الأول ، والثاني ينقسم إلى عقار وغيره ، فالأول كدارين أو حانوتين ، ولا جبر هنا على قسمتهما بعض في بعض وإن أمكن التعديل بالقيمة ، وأما غير العقار فان كان من نوع واحد كعبيد أو ثياب وأمكن التسوية فيها بالعدد والقيمة فظاهر المصنف والأكثر الجبر في قسمتها أعيانا ، ولو لم يمكن التسوية في العدد كثلاثة أعبد بين اثنين على السوية أحدهما يساوي الآخرين ففي الجبر هنا وجهان : من التعديل بالقيمة‌

٣٤٠