جواهر الكلام - ج ٤٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فيما لو فرض أن المدعى عليه ادعى عدم استحقاق الولد لذلك ، فإنه يسمع منه ذلك ، وحينئذ لو حلف على ذلك لم ينفع يمين الولد ، فان ثبوته لأبيه أعم من استحقاقه له بخلاف يمين الوالد ، فإنه لا يجرى فيها شي‌ء من ذلك ، ضرورة كون صورتها أنه الآن مستحق له ، فلا وجه لدعوى عدم استحقاقه له ولا لليمين على ذلك ، ولكن لا يخلو من نظر.

ثم قال : « ولو أقر المدعى عليه بعد موت الوالد وشهد به واحد كان للولد الحلف بعد الشهادة ، كما كان يحلف الوالد ، وكفاه إن لم يثبت المدعى عليه البراءة أو الانتقال بعد إقراره ، وهذا الحلف ليس مما قام فيه مقام الوالد ، ولا هذه الدعوى دعواه ».

وعلى كل حال ففي وجوب إعادة الشهادة لحلف الولد إشكال في القواعد أقواه عندنا عدم الوجوب ، للأصل وغيره بعد اتحاد الدعوى وقيام الوارث منها مقام المورث ، فتغاير المدعيين لا يعددها ، ولو ورث الناكل الحالف قبل الاستيفاء استوفى المحلوف عليه ، لثبوت ملكه له ما لم يكذبه في الدعوى ، لأخذه بإقراره.

( ولا ) يجوز أن ( يحلف من لا يعرف ما يحلف عليه يقينا ) وإن كان هو مقتضى الأصول العقلية ، وقد تقدم جملة من الكلام فيه ، لما سمعته من النصوص (١) المصرحة بذلك ، إلا أن من المقطوع به جواز الحلف على ما تقتضيه اليد من الملك ، كما سمعت التصريح به في الخبر (٢) السابق ، وإنما المراد هنا عدم جواز حلف الوارث مثلا بما يجده مكتوبا بخط والده أو بما يشهد له به شاهد ، خلافا لبعض العامة ، فجوز الحلف على شهادة شاهد واحد ، أما لو شهد له به شاهدان فقد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب الأيمان.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٢.

٢٨١

يقال بالجواز ، لأنها حجة شرعية ، بل قد يحتمل جواز الحلف على مقتضى استصحاب الموضوع الثابت ، لكنه لا يخلو من إشكال بل منع فيهما ، لعدم العلم المعتبر في الحلف الذي لم يثبت قيام نحو ذلك مقامه في الفرض ، بل لعل الثابت خلافه.

( ولا يثبت مالا لغيره ) وإن تعلق له به حق بلا خلاف ، بل قد يظهر من المسالك وغيرها الإجماع عليه ، ولا إشكال ، للأصل السالم عن معارضة ما دل على الثبوت بها بعد ظهوره في المدعي لنفسه ، لكن في كشف اللثام « إلا الولي لمال المولى عليه ، فان الحالف إما المنكر أو المدعى له ، أما الولي فقوله بمنزلة قول المولى عليه » ولم أجده لغيره ، بل إطلاقهم يقتضي خلافه.

وحينئذ ( فلو ادعى غريم الميت مالا له على آخر مع شاهد فان حلف الوارث ) لأنه المالك للتركة عندنا وإن كان الدين مستوعبا ( ثبت ) وإن تعلق به حق الديان.

نعم قد يستشكل فيما لو كان الدين مستوعبا مثلا وقلنا ببقاء التركة على حكم مال الميت ، فان يمين الوارث حينئذ لإثبات مال الغير ، إلا أن ظاهرهم الاتفاق على جواز حلفه على كل حال ، لأن له تعلقا به على وجه يكون له بإبراء الديان مثلا.

وفيه أن التعلق لا يكفي في جواز الحلف لإثبات مال الغير ، اللهم إلا أن يكون مثل هذا التعلق كافيا. ومنشأه ظهور الأدلة ، بل قد يدعى معلومية قيام الوارث مقام مورثه في مثل ذلك ، فله الحلف حينئذ على ماله ، ثم يتبعه التعلق بالدين ، وربما يخرج على جواز حلفه كذلك تبعية الوصية ، بل صريح بعضهم أنه بعد الحلف يتعلق بالمال الوصايا والديون ، وهو كذلك في الوصايا التي تكون كالديون ، وهي الكلية المتعلقة بالتركة‌

٢٨٢

تعلق الدين ، بل قد يقال : إن التركة معها ملك الوارث وإن وجب عليه أداؤها منه إلا على احتمال انحلالها إلى حصة مشاعة من التركة ، بناء على أن الكلي في الخارج لا يكون إلا عليها ، ولكن فيه بحث أو منع قد ذكرناه في محله.

أما الوصية بالثلث على وجه لا تعلق للوارث به فان قلنا بكونه ملكا للوارث تحرزا من بقاء المال بلا مالك لخروج الميت عن قابليته ابتداء واستدامة لم يكن إشكال في جواز حلفه أيضا ، أما إذا قلنا ببقائه على حكم مال الميت فقد يشكل جواز حلفه بكونه لإثبات مال الغير ، والفرض عدم التعلق به كما في المال المتعلق به الدين ، لخروجه بالوصية عن إرث الوارث ، وليس في الأدلة ما يقتضي قيام الوارث مقام المورث حتى في هذا الذي لا تعلق للوارث به في وجه.

اللهم إلا أن يقال : إنه قد ورث حق الدعوى به وإن صار بعد الثبوت على حكم مال الميت ولا تعلق للوارث به ، ولكنه كما ترى ، ولم أجد ذلك محررا في كلام الأصحاب.

وربما ينقدح من هذا الإشكال في الحلف من المالك على العين التي تعلق بها الخمس والزكاة ، لأنه أيضا حلف لإثبات مال الغير ، لكن السيرة على خلافه ، ولعلها لبقاء تعلقه بها ، والأولى إذا أراد الحلف أن ينقلها إلى ملكه بما يقابل الخمس في ذمته حتى يتمحض له ، لأنه مخير في دفعه منه ومن غيره.

( و ) على كل حال فـ ( ـان امتنع ) الوارث ( لم يحلف الغريم ) على أنه ملك الميت ، ولا يجبر الوارث على الحلف ، للأصل وغيره ، ولكن للغريم إحلاف المدعى عليه ، لأن له تعلقا بذلك ، فإن أحلفه برأ من الغريم ولم يبرأ من الوارث ، فان حلف الوارث كان للغريم‌

٢٨٣

أخذه من حيث ثبوت كونه تركة ، بل يقوى جواز مطالبته به قبل قبض الوارث له ، وإن استشكل فيه الفاضل من إحلافه ، لكن فيه أن سقوط استحقاقه عليه من جهة لا ينافي الاستحقاق من جهة أخرى ، كما أسلفنا الكلام فيه.

( وكذا لو ادعى رهنا وأقام شاهدا أنه ) ملك ( للراهن لم يحلف ) على أنه ملك الراهن ( لأن يمينه لإثبات مال الغير ) حينئذ لكن في الدروس الإشكال في ذلك مما عرفت ومن ثبوت النفع ، إلا أني لم أعرفه لغيره من أصحابنا ، وإنما هو محكي عن بعض العامة ، نعم لو ادعى الرهانة وأراد إثباتها من غير تعرض للمالك لم يبعد إثباتها بالشاهد واليمين ، ولا ينافيها كونه ملكا للغير ، فإنه يمكن تعلق الرهانة به وإن كان ملكا للغير ، بل لو ادعى غريم الميت أن له حق الوفاء من هذه العين من غير تعرض لمالكها أمكن الثبوت وإن لم يثبت أنها تركة ميت ، إلا أني لم أر مصرحا بذلك ، ولعله لتوقف ثبوت حق الاستيفاء له على كونه تركة للميت ، والفرض عدم ثبوتها بيمينه ، وبذلك يفرق بينه وبين الأول ، فتأمل.

( ولو ادعى الجماعة مالا لمورثهم وحلفوا ) أجمع ( مع شاهدهم ثبتت الدعوى ) بلا خلاف ولا أشكال ( وقسم بينهم على الفريضة ، ولو كان وصية قسموه بالسوية ) لظهورها في ذلك ( إلا أن يثبت التفضيل ) من الموصى ( ولو امتنعوا لم يحكم لهم ) لعدم تمام الحجة.

( ولو حلف بعض أخذ ولم يكن للممتنع معه شركة ) لإطلاق أدلة القضاء بالشاهد واليمين ، وانحلال دعوى الجماعة إلى دعاوي متعددة ، كما عرفته في المسألة السابقة ، وحينئذ لم يكن للممتنع معه شركة ، لأنه‌

٢٨٤

بتركه لليمين قد أبطل حجته وأسقط حقه ، فصار بمنزلة غير الوارث.

وفي المسالك « وقد يشكل الفرق بين هذا وبين ما لو ادعيا على آخر مالا وذكرا سببا موجبا للشركة كالإرث ، فإنه إذا أقر لأحدهما شاركه الآخر فيما وصل إليه ، فخص بعضهم هذا بالدين وذاك بالعين ، لأن أعيان التركة مشتركة بين الورثة ، والمصدق معترف بأنه من التركة بخلاف الدين ، فإنه إنما يتعين بالتعيين والقبض ، فالذي أخذه الحالف تعين لنفسه بالقبض ، فلم يشاركه الآخر فيه ، وهذا الحكم مبني على ما إذا استوفى بعض الشركاء نصيبه من الدين هل يشاركه الآخر أم لا؟ وهذه التخصيصات لا توافق مذهب المصنف من مشاركة الشريك في الدين فيما قبضه الآخر منه ، ومع ذلك فلو انعكس الفرض انعكس الحكم ».

قلت : الذي صرح بالفرق الفاضل في التحرير ، فإنه قال على ما حكي عنه : « ولا شركة للغائب فيما أخذ الحاضر إذا كانت الدعوى دينا ، أما لو كانت عينا وأخذ نصيبه منها بالشاهد واليمين فإن الغائب إذا حضر وامتنع من اليمين أخذ نصيبه مما أخذ ، كما لو ادعى الوارثان عينا فأقر لأحدهما فصالحه كان للآخر الشركة ».

وقال في الإرشاد في كتاب الشهادات في مفروض المسألة : « ولو استوفى الحاضر حصته من الدين لم يساهمه الغائب ، وإن كان عينا ساهمه ».

وقال في القواعد في مفروض المسألة : « هل للمولى عليه منهم شركة فيما يقبضه الحالف؟ الأقرب ذلك إن كمل وحلف ».

وعلله شارحه الأصبهاني بأن الإرث أو الوصية سبب لاشتراك الكل بالإشاعة والمفروض اعتراف الحالف بالسبب المشرك ، والاستيفاء ليس بقسمة ، ثم قال الشارح المزبور : « وهو ظاهر في العين دون الدين ، لأنه يتعين بالقبض ، وأما إذا لم يحلف فقد أسقط حقه ، ويحتمل الشركة‌

٢٨٥

وإن لم يحلف ، لاعتراف القابض بشركته بالإشاعة وأن القسمة بغير إذنه ، فباعترافه لم تقع موقعها ، والعدم مطلقا للحكم بانتزاع ما قبضه ، فهو أبلغ من القسمة بالتراضي ».

وفي المسالك « أنه فرق آخرون بين الإقرار وبين المقام بأن المدعي هناك تلقى الملك من إقرار ذي اليد ثم ترتب على ما أقر به إقرار المصدق بأنه إرث ، فلذلك شاركه فيه ، بخلاف ما هنا ، فان السبب هنا الشاهد واليمين ، فلو أثبتنا الشركة لملكنا الناكل بيمين غيره ، وبعيد أن يمتنع الإنسان من الحلف ثم يملكه بحلف غيره ، مع أن اليمين لا تجرى فيها النيابة ، وعلى هذا فلا يفرق بين العين والدين ـ وأشكله فيها ـ بأن سبب الملك ليس هو اليمين بل الأمر السابق من إرث أو وصية وغيرها ، واليمين إنما كشفت عن استحقاقه السابق ورفعت الحجر عنه ـ ثم قال ـ : ولو فرض حلف الآخر بعد ذلك فان كان قبل الدفع إلى الأول فلا كلام ، وإن كان بعده ففي مشاركة الثاني له وجهان : من وجود السبب المقتضي للشركة ، وسبق الحكم باختصاص الأول بما حلف عليه وقبضه ، وتظهر الفائدة في المشاركة في النماء الحاصل قبل يمين الثاني ».

وفي الدروس بعد أن ذكر نحو ما سمعته من التحرير قال : « ويشكل بالفتوى أن الشريك في الدين يأخذ نصيبه من شريكه » إلى غير ذلك من كلماتهم المشوشة في المسألة.

والتحقيق عدم الفرق بين الدين والعين بعد تحقق سبب الشركة فيهما ، إذ الدين عين أيضا ، إلا أنها كلية ، وقد تقدم التحقيق في الشركة بالدين أنه إذا قبض بعض الشركاء لنفسه ودفعه المديون له أيضا كذلك لم يختص به عن الشريك الآخر لو فرض إجازته القبض وفاء عن الدين المشترك ، خلافا لابن إدريس ، وقد ذكرنا النصوص والفتاوي على‌

٢٨٦

خلافه ، ضرورة عدم ولاية للمديون على تعيين الحصة المشاعة التي هي للشريك في عين خارجية وإن اتفق معه ، نعم لو أراد الاستقلال بذلك صالحه عن حصته المشاعة بعين أو حول عليها على إشاعتها أو نحو ذلك مما ذكرناه في وجه اختصاص بعض الشركاء عن بعض حتى في العين.

ومنه يعلم النظر فيما في التحرير من لحوق الشريك للآخر لو صالحه عن حصته في العين زيادة على ما سمعته منه ومن غيره من اختصاص الشريك عن الغائب فيما يقبضه بالشاهد واليمين من حصته في الدين.

وأغرب من ذلك ما سمعته من المحكي في المسالك من الفرق المزبور بين الإقرار وغيره ، ضرورة أن لحوق الشريك فيما قبضه الآخر بيمينه ليس لإثبات حقه بيمين غيره مع فرض نكوله ، بل هو لاعتراف القابض بإشاعة الدين وإن توصل هو إلى قبض بعضه بعنوان أنه حصة له بيمينه ، لكن ذلك لا يغير الواقع وما في النفس الأمر. وأغرب منه ما سمعته من الاحتمالات في كشف اللثام.

نعم قد يتجه اختصاص الشريك في الدين والعين بما يقبضه منهما إذا لم يعلم بقاء سبب الشركة ، لاحتمال الإبراء من شريكه أو نقله بحصته على الإشاعة أو نحو ذلك ، والعلم السابق بحصول مقتضى الشركة لا يقتضي التشريك فيما يدفعه المديون أو من في يده العين منها مع عدم ثبوت الشركة بظاهر الشرع ، بل ربما ثبت عدمها بظاهر الشرع ، كما لو رضي بيمينه أو نكل عن يمين ردت عليه أو نحو ذلك وحينئذ فالحكم الظاهري لم يعلم فساده ، كما لم يعلم عدم تمامية ما قصداه معا من الاختصاص بعد عدم حجية الأصول المثبتة عندنا.

بل قد يقال باختصاصه في هذا الحال مع غيبة الشريك الآخر وإن جاء وحلف ، لكن ذلك لا يقتضي التشريك في حق القابض الأول ، إذ‌

٢٨٧

يمكن كذبه بيمينه ، كما يمكن ذلك في الأول ، فلا يلحق أحدهما الآخر إلا مع تداع جديد بينهما.

( و ) بذلك بان لك الحال في جميع أطراف المسألة حتى ( لو كان في الجملة مولى عليه ) لصغر ونحوه ، فإنه لم يحلف وليه لكون المال لغيره ، ولكن ( يوقف نصيبه ، فان كمل ورشد حلف واستحق وإن امتنع لم يحكم له ) وفي شركته للقابض الأول حلف أو لم يحلف وشركة الآخر له على تقدير حلفه ما سمعته ، وليس للولي مطالبة المديون بكفيل إلى أوان الحلف على الأصح ، كما أنه لا يجب على الوالي أخذ نصيب المولى عليه من الغريم ، لعدم الثبوت وإن تردد في محكي التحرير في نصيب الغائب ، واحتمل في كشف اللثام الفرق بين العين فيؤخذ والدين فلا.

( وإن مات ) المولى عليه مثلا ( قبل ذلك كان لوارثه الحلف ) أنه لمورث مورثه ( واستيفاء نصيبه ) كما سمعته في غيره ، والأقوى عدم احتياج إعادة الشهادة حتى في الوصية ، لكن في كشف اللثام إن كان الدعوى في الإرث لم يفتقر إلى إعادة الشهادة وإن لم يأت الولي بالشاهد ، وإن كان في الوصية افتقر إن لم يأت الولي به ، والفرق أنه ثبت في الأول أولا ملك المورث ، وهو ملك واحد ، بخلاف الثاني ، وفيه أن إطلاق الأدلة يقتضي أعم من ذلك ، كما أومأنا إليه سابقا في دعوى الجماعة غير الورثة.

هذا كله بالإثبات بالشاهد واليمين ، أما إذا كان بالبينة فلا خلاف عندهم في انتزاع حصة الغائب أو المولى عليه من العين والدين ولو من الحاكم الذي هو ولي الغائب في نحو ذلك ، كما لو علم بالاستحقاق ، نعم في الدروس احتمل بقاء حصة الغائب في الدين واستبعده.

٢٨٨

وقد يشكل أصل الأخذ بأن البينة وإن كانت حجة شرعية إلا أنها لمن ادعى بها بنفسه أو وكيله أو وليه لا مطلقا ، ويدفع بإطلاق ما دل على حجيتها ما لم يعلم فسادها ، على أن الولي هنا ولو الحاكم الذي يتوقف استقلال الحاضر على نصيبه على مقاسمته له ، فتأمل جيدا.

( مسائل خمس : )

( الأولى : )

( لو قال : هذه الجارية ) التي في يد زيد مثلا ( مملوكتي وأم ولدي ) وأنكر زيد وأقام شاهدا على ذلك ( حلف مع شاهده وثبت ) بذلك ( رقيتها ) بلا خلاف ولا إشكال ، لأنها مال وإن كانت أم ولد ، ولكن يختص الثبوت بها ( دون الولد ، لأنه ليس مالا ) حتى يثبت بالشاهد واليمين ( و ) إن كان ( يثبت لها حكم أم الولد ) من عدم جواز بيعها وغيره ( بإقراره ) وحينئذ فيثبت من تلك الدعوى المتضمنة لأمور أربعة اثنان : كونها مملوكته ، والثاني أنها أم ولد ، الأول بالشاهد واليمين والثاني بالإقرار ، ويبقى لحوق الولد به ، ويتبعه كونه حرا ، ولا ريب أن الشاهد واليمين لا يثبت النسب عند الأصحاب ، نعم يلحقه حكم الولد من حيث الإقرار ، فهو حينئذ كمدعي بنوة عبد الغير ، وقد تقدم البحث فيه في محله ، والوجه ثبوت حريته على تقدير انتقاله إلى ملكه في الظاهر في وقت ما لا معجلا.

وأما الحرية فبناء على ثبوتها بالشاهد واليمين فقد يقال بعدمه هنا باعتبار كونها هنا تابعة للنسب لا واقعة بالذات ، وانتفاء المتبوع يستتبع انتفاء التابع.

٢٨٩

وفيه أن انتفاءه واقعا يقتضي ذلك ، لا عدم الحكم به في ظاهر الشرع ، وحينئذ يمكن إثباتها بهما ، كما لو اشتملت الدعوى على أمرين يثبت أحدهما بذلك دون الآخر ، وحينئذ ففي الفرض تثبت حريته بهما ، ولا يقدح فيها كونها تابعة لما لا يثبت بهما ، ضرورة كونها مدعى بها في الجملة ، فهي حينئذ كدعوى السرقة.

ودعوى أن حرية الولد ليست من حقوق المدعي كي تندرج في ضابط الشاهد واليمين يدفعها أنها من حقوقه مع استنادها إلى كونه ولدا له ، بل قد يقال : إن الحكم بملكية الجارية يقتضي الحكم أيضا بملكية الولد الذي هو من نمائها التابع لها ، كما لو ثبت غصب جارية ، فإنه يحكم له بالولد الحاصل منها في يد الغاصب ، بل ثبوت الاستيلاد يقتضي ذلك ، وحينئذ فينتزع الولد ويتم لحوقه به بإقراره وإن كان قد يناقش بتقديم ما تقتضيه اليد من الملك فعلا على ذلك ، خصوصا بعد دعواه الحرية بالاستيلاد الذي لا يقتضي ثبوته بالإقرار كونه كذلك في حق المدعى عليه.

هذا وفي المسالك « الأظهر الأول ، لأنه لا يدعي تملك الولد ولا عتقه ، وإنما يدعي نسبه وحريته ، وهما لا يثبتان بهذه الحجة ، وعلى هذا فيبقى الولد في يد صاحب اليد ».

وفيه أن دعوى نسبه وحريته تشتمل على دعوى مال ودعوى غيره ، بناء على أن دعوى زوال المال عمن هو في يده ومحكوم بكونه مالا له بظاهر الشرع ـ نحو دعوى العبد العتق على من في يده ـ من دعوى المال ، بل لو فسرت دعوى المال بالتي تتعلق بالمال لو لا الدعوى لكان ما نحن فيه من ذلك قطعا ، إذ هو مال لمالك الجارية باعتبار كونه نماءها التابع لها أو لمن في يده باعتبار اليد الظاهرة عليه.

وعلى كل حال هي دعوى مال على هذا التقدير وغير مال ، فيثبت‌

٢٩٠

منها بالشاهد واليمين ما رجع إلى المال دون الآخر وإن كان يثبت حينئذ بإقراره بعد ثبوت الحرية ، فتأمل.

المسألة ( الثانية : )

( لو ادعى بعض الورثة أن الميت وقف عليهم دارا ) مثلا ( و ) بعدهم ( على نسلهم فان حلف المدعون ) أجمع ( مع شاهدهم ) الواحد بناء على القضاء بذلك في مثله ( قضي لهم ) بالوقفية ولم يؤد منه دين ولا ميراث ولا وصية ، فان انقرض المدعون معا أو على التعاقب فهل يأخذ البطن الثاني الدار من غير يمين أم يتوقف قبضهم على اليمين؟ ففي المسالك « فيه وجهان مبنيان على أن البطن الثاني يتلقون الوقف من البطن الأول دون الواقف ، فعلى الأول كما هو الأشهر فلا حاجة إلى اليمين ، كما إذا أثبت الوارث ملكا بالشاهد واليمين ثم مات ، فان وارثه يأخذه بغير يمين ، ولأنه قد ثبت كونه وقفا بحجة يثبت بها الوقف فيدوم ، كما لو ثبت بالشاهدين ، ولأنه حق ثبت لمستحق فلا يفتقر المستحق بعده إلى اليمين ، كما لو كان للمدعي ملكا ، ولأن البطن الثاني وإن كانوا يأخذون عن الواقف فهم خلفاء عن المستحقين أولا ، فلا يحتاجون إلى اليمين ، كما إذا أثبت الوارث للميت ملكا بشاهد ويمين وللميت غريم ، فان له أن يأخذه بغير يمين ».

وهو كما ترى لا محصل له ، ضرورة عدم تعقل تلقيهم من البطن الأول على وجه يقتضي التلازم بينهما أو اندراج حقهم في حق الأولين حتى يكون اليمين من الأولين مثبتا لحقهم لا حق الغير ، والقياس على إثبات الملك مع حرمته عندنا هو مع الفارق ، ضرورة أن الانتقال إلى الإرث‌

٢٩١

وتعلق حق الدين من لوازم الملك ، بخلاف كونه وقفا على خصوص الثاني ، فإنه ليس من لوازم الأول ، والحجة الشرعية إنما هي في حق صاحب الحق لا لإثبات الشي‌ء في نفس الأمر ، ولهذا كان فرق بينهما وبين البينة ، فالمتجه حينئذ التوقف على اليمين كالبطن الأول.

ثم قال فيها تفريعا على هذا « وحينئذ فلو كان الاستحقاق بعد الأولاد للفقراء وكانوا محصورين كفقراء قرية ومحلة فالحكم كالأول ، وإن لم يكونوا محصورين بطل الوقف ، لعدم إمكان إثباته باليمين ، وعادت الدار إرثا ، وهل تصرف إليهم بغير يمين؟ وجهان ، ويحتمل عودها إلى أقرب الناس إلى الواقف بناء على أنه وقف تعذر مصرفه ، كالوقف المنقطع ، ويجري فيه الخلاف الذي قد تقدم في الوقف ».

وهذا الكلام أغرب من الأول ، إذ ما ذكره من الاحتمال الأخير لم نعرف أحدا ذكره في الوقف المنقطع ، ولا وجه له ، فإن أقرب الناس إلى الواقف لا مدخلية له في شي‌ء من ذلك ، واحتمال إرادة الإرث منه كما عساه يشعر به كلامه في آخر المسألة يدفعه أنه ذكره بعد أن ذكر البطلان وأنه صار إرثا ، والبحث في كونه لورثة الواقف حين الوقف أو حين الانقطاع أو غير ذلك تقدم في محله ، نعم ذكروا في الوقف المعلوم بقاؤه على الأبد واتفق تعذر مصرفه أنه يحتمل صرفه في أقرب الجهات إلى الوقف الأول أو في مطلق وجوه البر ، والفرض أن المقام ليس منه قطعا ، لعدم ثبوت وقفه.

وكذا ما ذكره من الوجهين بعد الجزم ببطلان وقفه وعوده إرثا في توقف صرفه إليهم على اليمين وعدمه ، إذ لا استحقاق لليمين على الوارث بعد عدم مدع لكون المفروض وقفه على الفقراء وهم غير منحصرين.

بل ما ذكره أولا من الحلف على فرض كون الوقف على فقراء‌

٢٩٢

قرية أو محلة قد يناقش فيه بأنه لا وجه له مع فرض كون المراد الجنس وإن اتفق انحصار أفراده في الخارج ، فان ذلك لا يجعل للمخصوصين من حيث كونهم كذلك حق الدعوى على وجه لهم الحلف مع الشاهد واليمين المردودة ونحو ذلك ، فتأمل.

ولو مات أحد الحالفين صرف نصيبه إلى الآخرين ، فان لم يبق إلا واحد صرف الكل إليه ، لأن استحقاق البطن الثاني مشروط بانقراض الأولين ، ولكن في المسالك أيضا « وهل أخذ الآخرين بيمين أو بغيره مبني على أن البطن الثاني هل يأخذ بيمين أم لا؟ فان قلنا بعدمه فهنا أولى ، وإن قلنا به فهنا وجهان : من انتقال الحق إلى الثاني عن غيره فيفتقر إلى الحلف ، ومن كونه قد حلف مرة وصار من أهل الوقف ، فيستحق بحسب شرط الوقف تارة أقل وتارة أكثر ».

وفيه أنه أيضا إسراف من الكلام ، ضرورة الفرق بين ذلك وبين البطن الثاني ، بل ليس فيه إلا وجه واحد ، لأن اليمين الأولى قد أثبتت استحقاق الحالف على حسب ما وقف الواقف ، فلا يحتاج حينئذ في صيرورة نصيب الميت إليه إلى يمين ، كما هو واضح.

( وإن امتنعوا ) أجمع من اليمين ( حكم بها ميراثا ) للجميع وتتعلق بها الوصايا والديون ( و ) لكن ( كان نصيب المدعين وقفا ) لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، دون نصيب غيرهم ، فان مات الناكلون ففي المسالك « في صرف حصتهم إلى أولادهم على سبيل الوقف بغير يمين وجهان مبنيان على تلقي الوقف ، كما تقدم ».

وفيه أن الإقرار من ذي النصيب هنا كاف في ثبوت الوقف لهم ، بل لا وجه لليمين هنا مع عدم المنازع لهم ، إذ الفرض إقرار الأب بما أصابه من نصيب الإرث ، إلا أنه قد نكل عن اليمين السابقة ، وليس لشركائهم مخاصمة معهم في ذلك.

٢٩٣

ثم قال : « وهل للأولاد أن يحلفوا على أن جميع الدار وقف؟ وجهان من كون الأولاد تبعا لآبائهم ، فإذا لم يحلفوا لم يحلفوا ، ومن أنهم يتلقون الوقف من الواقف فلا تبعية ، وربما بنى الخلاف على أن الوقف المنقطع الابتداء هل يصح أم لا؟ فان منعناه لم يحلف الأولاد على الجميع ، لانقطاعه قبل طبقتهم ، وإن جوزناه جاء الوجهان ، والحق مجيئهما حتى على المنع ، لأن حلف الأولاد اقتضى عدم انقطاعه في الواقع وإن انقطع بالعارض حيث لم يحلف آباؤهم ، ولأن البطن الثاني كالأول في تلقي الوقف من الواقف ، ولأن منع الثاني يؤدي إلى جواز إفساد البطن الأول الوقف على الثاني وهذا لا سبيل إليه ، فالقول بجواز حلفهم قوي ، كما هو خيرة الشيخ والمصنف وغيرهما ».

وفيه أيضا ـ بعد الإغضاء عما في الأول من الوجهين ـ أن يمين الأولاد لا يصلح لإثبات اتصال الوقف ، لأنه حينئذ يكون يمينا للغير ، واحتمال الاتصال بعد كونه منقطعا في ظاهر الشرع غير مجد ، وإطلاق الإثبات بالشاهد واليمين لا ينافي الفساد من جهة أخرى ، فتأمل. إذ الظاهر عدم خلاف محقق في أن للبطن الثاني اليمين مع نكول البطن الأول عنه بناء على تلقيهم من الواقف ، ويكفي في صحة الوقف في حقهم احتمال الاتصال وإن كان هو منقطعا في ظاهر الشرع بمعنى عدم ثبوته للبطن الأول ، والله العالم.

( ولو ( فان خ ل ) حلف بعض ) وكانوا ثلاثة مثلا فحلف واحد منهم ( ثبت نصيب الحالف ) على تقدير الوقفية وهو الثلث ( وقفا وكان الباقي طلقا ) بالنسبة إلى غير المدعي ( تقضى منه الديون وتخرج الوصايا ، وما فضل ) عن ذلك يكون ( ميراثا ) للجميع حتى الحالفين ، كما هو ظاهر بعض ، بل عن بعضهم التصريح به ،

٢٩٤

لاعتراف غيرهم من الورثة باشتراكه بينهم أجمع وإن كان مدعي الوقف قد ظلم بأخذ حصته منه بيمينه ، ولا يحسب عليه ما أخذه من حقه في الباقي ، لأنه معين وهو الدار المفروضة لا مشاع ، فيؤاخذون بإقرارهم ويقسم على الحالف وغيره ، وعلى هذا فما يخص الحالف يكون وقفا على الناكل ، لأن الحالف معترف لهم بذلك.

ولكن فيه أنهم إنما يعترفون بالاشتراك في الجميع ، وأن ما أخذه الحالف بالوقفية إنما استحقه بالإرث ، والحالف معترف بأنه لا يستحق إلا ما أخذه ، نعم إن زاد نصيب مدعي الوقف إرثا على نصيبه وقفا كان الزائد مجهول المالك ، ولعله لذا قيل ـ كما عن المبسوط التصريح به ـ : إن الفاضل يقسم بين المنكرين من الورثة والذين نكلوا دون الحالف ، لأنه مقر بانحصار حقه فيما أخذه وأن الباقي لإخوته مثلا وقفا ، بل الظاهر أيضا كون الزائد من نصيبهم إرثا على نصيبهم وقفا مجهول المالك نحو ما سمعته في الأول.

ثم حصة الناكلين تصير وقفا بإقرارهما كما أن حصة الحالف من حيث الإرث كذلك ، وحينئذ فإذا مات الناكلان والحالف حي فنصيبهما له على ما شرط الواقف بإقرارهم ، بل لا حاجة إلى اليمين كما عرفته فيما سبق ، فإذا مات الحالف فالاستحقاق للبطن الثاني مع حلفهم كما سمعت.

وإن كان الحالف حيا عند موت الناكلين فأراد أولادهم أن يحلفوا ففي المسالك « على القولين المذكورين في أولاد الجميع إذا نكلوا ، والأصح أن لهم الحلف ـ قال ـ : وأما حكم نصيب الحالف الميت قبلهما ففيه ثلاثة أوجه : أحدها أنه يصرف إلى الناكلين ، لأنه قضية الوقف ، إذ لا يمكن جعله للبطن الثاني لبقاء البطن الأول ، ولأنه أقرب الناس إلى الواقف ، وعلى هذا ففي حلفهم الخلاف السابق ، فان قلنا بالحلف يسقط بالنكول‌

٢٩٥

كالأول. والثاني أنه يصرف إلى البطن الثاني ، لأنه بنكول الناكل سقط حقه وصار كالمعدوم ، وإذا عدم البطن الأول كان الاستحقاق للثاني ، وهذا هو الذي اختاره الشيخ في المبسوط. والثالث وهو أضعفها أنه وقف تعذر مصرفه ، لأنه لا يمكن صرفه إلى الباقين من البطن الأول لنكولهم ، ولا إلى البطن الثاني ، لأن شرط استحقاقه انقراض الأول ، فإذا تعذر مصرف الوقف بطل كمنقطع الآخر ، ويرجع إلى أقرب الناس إلى الواقف ، ويحتمل على هذا صرفه في وجوه البر ، لأن هذا الانقطاع لم يكن واقعا ، وإنما طرأ فكان كما لو بطل رسم المصلحة الموقوف عليها ، وعلى هذا فإذا زال التعذر بأن مات الناكل وانتقل إلى البطن الثاني جاء في حلفه ما مر ، وكذا في حلف أقرب الناس إليه إذا كان هو الناكل ».

وفيه أنه لا ريب في صرف نصيبه من حيث الإرث إلى الناكلين ، كما صرف نصيبهم إليه من هذه الحيثية للإقرار ، وأما ما زاد عليه فيرجع إلى شركائه المنكرين للوقف ، لانقطاع حكم يمينه بموته ، ولم يتحقق استحقاق البطن الثاني باعترافه ، نعم لو مات الناكلان انتقل إليهم حينئذ بيمينهم وإلا كان إرثا ، والله العالم.

هذا ( و ) قد عرفت أن ( ما يحصل من الفاضل للمدعين يكون وقفا ) للإقرار. ( و ) كذا عرفت أنه ( لو انقرض الممتنع كان للبطن التي تأخذ بعده الحلف مع الشاهد ، ولا يبطل حقهم بامتناع الأول ) كما هو واضح.

وإذا أحطت بجميع ما ذكرنا عرفت الكلام فيما ذكره المصنف في‌

٢٩٦

المسألة ( الثالثة : )

من أنه ( إذا ادعى الوقفية عليه وعلى أولاده بعده وحلف مع شاهده ثبتت الدعوى ، ولا يلزم الأولاد بعد انقراضه يمين مستأنفة ) عند المصنف وجماعة ( لأن الثبوت الأول أغنى عن تجديده ) وهم يتلقون الوقف منه ، بمعنى الاكتفاء بثبوته في حق الأولين عن إثباته في حق البطن الثاني.

لكن قد عرفت أن فيه منعا واضحا ، ضرورة كونه كذلك إذا كان في مال لا منازع لهم فيه لا في مثل الفرض ، نعم يتجه ذلك فيما يخصهم على تقدير الارثية لا ما زاد ، فإنه يحتاج إلى اليمين.

( وكذا ) الكلام ( إذا انقرضت البطون وصار إلى الفقراء أو المصالح ) فإنه بناء على ما ذكرنا يتجه حينئذ انقطاع الوقف ، لعدم صحة اليمين من أحدهم ، واحتمال سقوطه هنا وإن قلنا به في غيرهم لعدم حصرهم ضعيف ، بل مناف لظاهر الأدلة هذا كله في وقف الترتيب.

( أما لو ادعى التشريك بينه وبين أولاده افتقر البطن الثاني إلى اليمين ( يمين خ ل ) قطعا بل لا خلاف أجده فيه ( لأن البطن الثاني بعد وجودها تعود كالموجودة وقت الدعوى ) ضرورة تلقي الجميع من الواقف ، ولا يثبت حق أحد منهم بيمين غيره.

وحينئذ ( فلو ادعى إخوة ثلاثة ) مثلا ( أن الوقف عليهم وعلى أولادهم مشتركا فحلفوا مع الشاهد ) ثبت ذلك بالنسبة إليهم ، ولم يتعلق فيه حق وصية ولا دين ولا حق إرث لغيرهم ، فإذا كان كذلك ( ثم صار لأحدهم ولد ) مثلا ( فقد صار الوقف أرباعا ) بعد‌

٢٩٧

أن كان أثلاثا ( و ) لكن ( لا تثبت حصة هذا الولد ما لم يحلف ، لأنه يتلقى الوقف عن الواقف ، فهو كما لو كان موجودا وقت الدعوى ، و ) حينئذ ( يوقف له الربع ) ونماؤه.

وفي المسالك « في تسليمه إلى وليه أو يوضع في يد أمين وجهان : منشأهما مؤاخذتهم بإقرارهم ، كما لو كانت العين في يد ثلاثة فاعترفوا بربعها لصبي ، فإنهم يلزمون بإقرارهم ، ويدفع إلى وليه ، ومن عدم ثبوت الحق له حينئذ لتوقفه على اليمين ، وهذا هو الأصح ، والفرق بينه وبين المثال واضح ».

قلت : بل يتوقف في أصل إيقافه ، لما عرفته في الوجه الأصح ، وحينئذ يجري عليه حكم ما لم يثبت وقفه ، ويحرم الثلاثة منه ، لاعترافهم بعدم استحقاقهم فيه شيئا ، إلا أني لم أجد قائلا بذلك ، ولعله قوى للاحتياط في مثله ، ولو لعدم معلومية أنه للموقوف عليه أو للوارث على وجه لا ينقح بأصل أو غيره ، ضرورة انكشافه باليمين أنه للموقوف عليه من أول الولادة ، فهو أشبه شي‌ء بالمال المشتري فضولا حال عدم العلم بالإجازة ، والأصل فيه أنه بعد انتزاع الثلاثة إياه من الوارث بيمينهم لم يعلم كيفية رجوعه إلى الوارث بالنكول أو صيرورته إلى الموقوف عليه باليمين التي تنكشف حاله بها حال الولادة ، فتأمل جيدا.

وكيف كان ( فان كمل ) بالبلوغ والرشد ( وحلف ) لحصول القطع له بالتسامح أو غيره ( أخذ ) الربع وغلته المتجددة بعد ولادته كما في المسالك ( وإن امتنع ) ففي المسالك في مصرف الربع وجوه : أحدها ما ( قال ) ه ( الشيخ ) في مبسوطة من أنه ( يرجع ربعه على الإخوة ، لأنهم أثبتوا أصل الوقف عليهم ما لم يحصل المزاحم ، و ) الولد ( بامتناعه جرى مجرى المعدوم ) ولأن الواقف جعل الثلاثة أصلا‌

٢٩٨

في الاستحقاق ثم أدخل من يتجدد على سبيل العول ، فإذا سقط الداخل فالقسمة بحالها على الأصول كما كانت ، فهو حينئذ مثل ما إذا مات إنسان وخلف ألفا فجاء ثلاثة وادعى كل واحد ألفا على الميت وأقام شاهدا ، فان حلفوا معه فالألف بينهم ، وإن حلف اثنان فهي لهما ، وإن حلف واحد فهي له.

( وفيه إشكال ينشأ من اعتراف الاخوة بعدم استحقاق الربع ) فلا يجوز لهم أخذه.

وزاد في المسالك يمنع الحكم في الأصل المشبه به ، قال : « بل ليس لصاحب الدين الأول إذا لم يحلف الثاني إلا أخذ حصته ، إلا أن يقضي بالنكول أو يبرؤه الثاني من حقه ، لأن الثاني أبطل حقه حينئذ بخلاف النكول بمجرده عند من لم يقض ببطلان الحق به ، ولهذا لو لم يحلف مع الشاهد ثم أتم البينة سمعت منه وحكم له بها ».

وفيه أنه يكفي في استقلال الأول بأخذ الجميع عدم ثبوت حق الثاني وإن كان يلحقه لو أثبت بعد ذلك ، نعم المتجه منع الشبه بما نحن فيه كما هو واضح.

وثانيها صرفه إلى الناكل ، لاعتراف الاخوة باستحقاقه ، وأجاب عنه في محكي المبسوط بأن الإقرار ضربان : مطلق ومقترن إلى سبب ، فإذا عزى إلى سبب فلم يثبت السبب عاد إلى المقر به ، كقولهم مات أبونا وأوصى لزيد بثلث ماله فرد ذلك زيد ، فإنه يعود إلى من اعترف بذلك ، وكذلك من اعترف لغيره بدار في يده فلم يقبلها الغير عادت إلى المقر ، فكذلك هنا.

وفيه ما لا يخفى من أن ثبوت السبب متحقق بالنسبة إلى المقر ، وإنما تخلف بالنسبة إلى المقر له ، ولازم ذلك انتقال المقر به عمن ثبت السبب في حقه وإن لم يثبت في حق الآخر ، ودعوى أن من أقر له بدار‌

٢٩٩

فلم يقبلها المقر له تعود إلى المقر بمجرد الإنكار ممنوعة ، بل تبقى مجهولة المالك ، أو يشرع له الدس في ماله.

وإن أراد إقرارهم بسبب يتوقف أثره على قبول ولم يحصل فهو مسلم ، ولكنه غير ما نحن فيه ، ضرورة أن الملك في المقام غير متوقف على قبول ، بل هم معترفون له به وإن لم يحلف ، بخلاف التمليك بالوصية المتوقف على القبول ، كل ذلك مضافا إلى اقتضائه حينئذ عدم اليمين.

وثالثها أنه وقف تعذر مصرفه ، إذ لا يصرف إلى الإخوة لما ذكرناه ، ولا إلى الولد لعدم ثبوته له ، فيرجع إلى الواقف أو ورثته كمنقطع الآخر أو إلى وجوه البر كما قررناه في السابق.

قلت : لا ريب في أن المتجه عوده إلى المنكرين أولا ، لعدم ثبوت ما يقتضي انتقاله عنهم ، فهو كما لو حلف أحد الثلاثة ونكل الآخران ، إذ قد عرفت ان الولد المتجدد كالموجود وقت الدعوى ، وما في القواعد ـ من أنه لا يصرف إلى المدعى عليه أولا ، ولا إلى ورثته ، لثبوت عدم استحقاقهم أولا ـ يدفعه أنه إنما يثبت بالنسبة إلى خصوص الحالفين ، والمتجدد مدع جديد ، ولذا احتاج إلى اليمين مع شاهده ، كما أشار إلى ذلك في الدروس وغيره ، وحينئذ لم تتم الدعوى إلى أن يحصل الحلف من الجميع.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو مات أحد الإخوة قبل بلوغ الطفل عزل له الثلث من حين وفاة الميت ، لأن الوقف صار أثلاثا وقد كان ) وقف ( له الربع إلى حين الوفاة ) فيضاف إليه نصف سدس ويوقف له ( فان بلغ وحلف أخذ الجميع ، وإن رد ) فعلى قول الشيخ ( كان الربع إلى حين الوفاة لورثة الميت والأخوين ، والثلث من حين الوفاة للأخوين ، وفيه أيضا إشكال كالأول ) وعلى غيره يرجع إلى الناكل ،

٣٠٠