جواهر الكلام - ج ٤٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إلى الحد الذي اعتبر الشارع في بينته غير بينة المال من زيادة العدد ونحوها ، ( وكذا لو أقام شاهدا وحلف ) كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

لو كان له بينة فأعرض عنها والتمس يمين المنكر أو قال : أسقطت البينة وقبلت باليمين فهل له الرجوع ) إليها بعد ذلك قبل الحلف؟ ( قيل ) والقائل الشيخ في محكي المبسوط وتبعه ابن إدريس فيما حكي عنه ( لا ) يجوز له ( وفيه تردد ، ولعل الأقرب الجواز ) بل هو الظاهر ، بل يمكن القطع به ، لإطلاق ما دل على حجيتها السالم عما يقتضي كون ذلك من الحقوق التي تسقط بالإسقاط لو فرض تصريحه بذلك فضلا عن غيره ، بل ظاهر الأدلة كونها من الأسباب المقتضية ثبوت الحق ، فلا يتصور فيها معنى الإسقاط الذي يتعلق بنحو حق الخيار وشبهه.

( وكذا البحث لو أقام شاهدا فأعرض عنه وقنع بيمين المنكر ) ثم عاد إليه قبل الحلف أو رد المنكر اليمين على المدعي ثم عاد إلى اختيار الحلف الذي قد عرفت الكلام فيه سابقا ، وأنه لا يخرج بشي‌ء من ذلك عن صدق المدعي والمنكر اللذين قد قرر الشارع الميزان لكل منهما بما عرفت.

٢٦١

المسألة ( السادسة : )

( لو ادعى صاحب النصاب إبداله في أثناء الحول ) لينفي عنه الزكاة ( قبل قوله بلا يمين ) بلا خلاف أجده فيه. بل حكى الاتفاق عليه غير واحد ، وكذا لو قال المسلم : لا زكاة أو لا خمس علي أو دفعتهما مثلا حيث يجوز له ذلك.

( وكذا لو خرص عليه فادعى النقصان ) في الثمرة المخروصة أو الزرع عما خرص عليه لينقص عنه ما قدر عليه من الزكاة بلا خلاف أجده فيه ، بل الاتفاق محكي عليه أيضا.

( وكذا لو ادعى الذمي الإسلام قبل الحول ) ليتخلص عن الجزية بناء على وجوبها عليه مع الإسلام بعده لا خلاف فيه والاتفاق محكي عليه مع أن الحق بين العبد وربه ولا يعلم إلا من قبله.

( أما لو ادعى الحربي ) بعد سبيه ( الإنبات بعلاج لا ) بالطعن ( بالسن ) الذي تدفعه الطبيعة غالبا الذي جعله الشارع أمارة البلوغ ( ليتخلص ) بذلك ( من القتل ) الذي هو حد من حدود الله تعالى التي تدرأ بالشبهة من دون يمين ، خصوصا في المقام الذي يقتضي الأصل عدم بلوغه الذي هو شرط قبول اليمين فـ ( ـفيه تردد ) من ذلك ومن ظهور ما دل على كونه علامة للبلوغ في الحكم به حتى يعلم خلافه ، وإلا لم يقتل محتمله وإن لم يدعه ، وهو مخالف للإجماع المحكي في المسالك وغاية المراد ولغير ذلك.

ومن هنا قال المصنف ( ولعل الأقرب أنه لا يقبل إلا مع

٢٦٢

البينة ) لكن لا يخفى عليك ما فيه من أنه بعد تسليم الظهور لا ينافي تحقق الشبهة الدارئة ، بل الظاهر تحققها مع عدم اليمين خصوصا في مثل الفرض ، لما عرفت. فما عن بعضهم ـ من اعتباره هنا فعلا في قول أو بعد التأخير إلى زمان القطع ببلوغه في آخر في قبولها ، لأنها أقل ما تثبت به الدعوى المنافية للحكم عليه بالبلوغ ظاهرا واستحقاقه القتل فلا يزول ذلك بمجرد دعواه ، ولأنه أحوط وأوثق في الحكم ـ واضح الضعف.

وحينئذ يسقط ما فرعه عليه من أنه لو نكل عن اليمين على الأول بل وعلى الثاني قتل بمجرد نكوله وإن لم نقل بالقضاء به في غيره ، أو يقتل لثبوت سببه ظاهرا مع عدم تحقق المانع الذي هو اليمين للدعوى المزبورة.

نعم قد يتوقف في قبول ذلك منه بالنسبة إلى غير القتل الذي يدرأ بالشبهة ، بل ظاهر المسالك العدم ترجيحا للظاهر السالم هنا من الدرء بالشبهة ، ولأنه إن كان عدم العلاج شرطا لما جاز قتل محتملة إلا بعد العلم بالانتفاء ، وهو باطل إجماعا ، كما في غاية المراد والمسالك. وإن كان قد يناقش بمنع الظهور أولا ، ومنع الدليل على تقديمه على الأصل ثانيا ، ضرورة كون الثابت أنه علامة البلوغ الإنبات الطبيعي لا العلاجي ، ولا أصل ـ ولو بمعنى الظاهر ـ يقتضي كون هذا الشخص من الأول حتى مع ادعاء أنه من الثاني ، والفرض أنه شي‌ء لا يعلم إلا من قبله ، وقتل محتملها مع عدم الدعوى لأصالة عدم العلاج ، ولظهور ما دل على كونه علامة في الحكم به ما لم يحصل العلم أو الشك ، والإجماع المحكي عليه لا يقتضي مساواة الفرض له ، فتأمل.

ومما ألحق بذلك دعوى البلوغ مطلقا أو بالاحتلام خاصة ، لإمكان إقامة البينة على السن ، واعتبار الإنبات ، لأن محله ليس من العورة ، وعلى تقديره فهو من مواضع الضرورة ، وعلى كل حال لا يمين وإلا‌

٢٦٣

لزم الدور ، لأن اعتباره موقوف على البلوغ الموقوف على اعتباره ، وقد تقدم الكلام فيه في محله.

وفي غاية المراد « وربما ألحق به مدعي بنوة الصغير ولا منازع » بل فيها وفي المسالك أيضا « مدعي أنه من أهل الكتاب لتؤخذ منه الجزية ، ومدعي تقدم الإسلام على الزنا بالمسلمة حذرا من القتل ، ومدعي فعل الصلاة والصيام خوفا من التعزير ، ومدعي إيقاع العمل المستأجر عليه إذا كان من الأعمال المشروطة بالنية كالحج والصلاة ، ودعوى الولي إخراج ما كلف به من نفقة وغيرها ، والوكيل بفعل ما وكل فيه على إشكال فيها ، ودعوى مالك الدار لو نازعه المستعير والمستأجر في ملكية الكنز على قول مشهور ، ودعوى من أحرز الطعام أنه للقوت وإن زاد لا للاحتكار وقول المدعي مع نكول المنكر على القول بالقضاء به ، ومدعي الغلط في إعطاء الزائد عن الحق لا التبرع ، ودعوى المحللة الإصابة ، ودعوى المرأة فيما يتعلق بالحيض والطهر في العدة وغيرها ، ودعوى الضئر أنه الولد ، ومنكر السرقة بعد إقراره مرة لا في المال ، ومدعي هبة المالك ليسلم من القطع وإن ضمن المال ، ومنكر موجب الرجم الثابت بإقراره ، ومدعي الإكراه فيه أو الجهالة مع إمكانهما في حقه. ومدعي الضرورة في الكون مع الأجنبي مجردين ، ومنكر القذف بناء على عدم سماع دعوى مدعيه بدون البينة ، ومدعي رد الوديعة في المشهور ، ومدعي تقدم العيب مع شهادة الحال » وفي المسالك « وضبطها بعضهم بأنه كل ما كان بين العبد وبين الله تعالى أو لا يعلم إلا منه ولا ضرر فيه على الغير ، أو ما تعلق بالحد أو التعزير ».

قلت : لا إشكال في قبول دعوى المسلم المحمول على الصحة قولا وفعلا مع عدم المعارض والمنازع ، خصوصا ذوي الأيدي على ما في‌

٢٦٤

أيديهم في تطهير وغيره ، وأما مع الخصومة المسموعة في جملة من هذه الأمور المذكورة فلا إشكال في اعتبار اليمين في كل من قدم قوله ، لتوقف انقطاعها عليه قطعا ، نعم حيث لا خصومة ينبغي تصديق المسلم مع احتماله ، حتى في مثل دعوى الوكالة على مال الغير فضلا عما لا يعلم إلا من قبله ، وبذلك يظهر لك النظر في الضابط المزبور ، بل وفي غيره حتى ما ذكراه من الإشكال في قبول قول الولي والوكيل ، فتأمل.

المسألة ( السابعة : )

( لو مات ) رجل ( ولا وارث له وظهر له شاهد بدين ) موجود أيضا في روزنامجته فأنكر من عليه دين ( قيل ) والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة ( يحبس حتى يحلف أو يقر لتعذر ) رد ( اليمين في طرف المشهود له ) بموته واستحالة تحليف المسلمين والامام عليه‌السلام.

( وكذا ) قال فيه أيضا ( لو ادعى الوصي ) على الوارث ( أن الميت أوصى للفقراء ) وليس في كلامه ( وشهد واحد ) بذلك ( وأنكر الوارث ) ذلك فالقول قوله بيمينه ، ولو نكل لم يمكن رد اليمين ، لأن الوصي لا يجوز له أن يحلف عن غيره ، والفقراء والمساكين لا يتعينون ، ولا يتأنى منهم الحلف ، فقال قوم : يحكم بالنكول ويلزم الحق ، لأنه موضع ضرورة ، وقال آخرون : يحبس الوارث حتى يحلف أو يعترف.

( و ) على كل حال فـ ( ـفي الموضعين إشكال ) عند المصنف والفاضل ( لأن السجن عقوبة لم يثبت موجبها ) وفيه أن موجبها اقتضاء الدعوى المسموعة من المنكر اليمين أو الأداء بعد تعذر الرد.

٢٦٥

واحتمال سقوط اليمين باحتمال كون الحق عليه مركبا من الحلف أو الرد ـ فتعذر الرد يسقط استحقاق الخصوصية ، وليس هو كالواجب المخير الذي يتعين أحد فرديه بتعذر الآخر ، وإنما هو من الحقوق المستحقة له وعليه ـ واضح الضعف ، ضرورة إطلاق الأدلة استحقاق اليمين على المنكر والمدعى عليه ، واستحقاق الرد إنما جاء بنصوص أخر ظاهرة في استحقاقه على من يصح الرد عليه ، فينبغي حينئذ استحقاق اليمين على المنكر من حيث كونه كذلك على حسب ما استفيد من الإطلاق الأول وليس في أدلة الرد ما يقتضي لزوم ذلك للمنكر من حيث كونه منكرا على حسب استحقاق أصل اليمين عليه ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

وحينئذ فالحبس المذكور في كلام الشيخ الذي وافقه عليه الشهيد في الدروس متجه.

وأما ما في المسالك ـ من أنه لو قيل هنا بالقضاء بالنكول وإن لم نقل به في غيره كان وجها ، واحتمله غيره أيضا ـ ففيه أنه لا دليل على إخراجه بالخصوص ، وكأن ترك الشيخ ذكر الشاهد في الثاني دون الأول لعدم توقف صحة الدعوى فيها عليه ، بخلاف الأول المفروض عدم علم الامام عليه‌السلام به إلا من الشاهد ، وإن كان فيه ما عرفت من جواز الدعوى بدونه ، والأمر سهل.

لكن بقي شي‌ء : وهو أن الظاهر عدم اختصاص حكم ذلك بالفرض المزبور ، ضرورة أنه لو كان له وارث لم يحلف مع الشاهد ، لأن المفروض عدم علمه بالدين ، وإنما وجد ذلك في روزنامجته ، فيتعين له حينئذ بعد صحة الدعوى فيه اليمين على المنكر أو أداء الحق ، ولا فرق بين الامام عليه‌السلام وغيره من الورثة في ذلك.

نعم مع فرض علمهما تتوجه اليمين من الوارث غير الامام (ع)

٢٦٦

مع الشاهد ، بخلاف الامام عليه‌السلام المعصوم من الخطأ والزلل وإن استعمل الموازين الشرعية والأصول المرعية ، لكنه مسدد في خصوصياتها التي استعملها عن الخطأ بخلاف غيره ، فهو منزه عن انقلاب علمه جهلا أو خطأ ، فلا يمين إنكار عليه ولا عليه بينة فيما يدعيه ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان ، وربما يكون بعضكم ألحن من الآخر بحجته » لا يريد وقوع الخطأ منه في حكمه ، بل المراد أن ما وضعته للقضاء من هذا الميزان قد يتفق فيه الخطأ لهم ، فمن اقتطع له قطعة مع علم المقطوع له بذلك كأنما قطع له قطعة من نار ، وليس المراد خطأه صلى‌الله‌عليه‌وآله لو استعملها ، فإنه مطهر من الرجس ، تطهيرا ، فتأمل.

المسألة ( الثامنة : )

( لو مات وعليه دين يحيط بالتركة لم ينتقل إلى الوارث ) عند المصنف وجماعة ( وكانت بحكم مال الميت ) وحينئذ يتبعه النماء ( وإن لم يحط انتقل إليه ما فضل عن الدين ) ولكن قد ذكرنا في كتاب الحجر (٢) وغيره أن الأقوى انتقالها إليه مطلقا وقد أشبعنا الكلام فيه.

( و ) كيف كان فعلى الأول ( في الحالين للوارث المحاكمة على ما يدعيه لمورثه ، لأنه قائم مقامه ) في الحلف دون الغريم وإن تعلق به حقه ، وحينئذ فلو أقام شاهدا حلف هو معه دون الديان ، نعم في القواعد « إن امتنع كان للديان إحلاف الغريم ، لتعلق حقه بالتركة ، فإن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٢) راجع ج ٢٦ ص ٨٩ ـ ٩٣.

٢٦٧

حلف برأ منه لا من الوارث ، فان حلف الوارث بعد ذلك كان للديان الأخذ من الوارث إن أخذ ، لأنه من التركة ، وفي الأخذ من الغريم إشكال » ولعله من سقوط حقه عليه بإحلافه.

لكن فيه أن أخذه باعتبار صيرورته تركة بحلف الوارث ، فهو مستحق له من هذه الجهة وإن سقط الاستحقاق من تلك الجهة. ومنه يعلم عدم الفرق بين أخذ الوارث له وعدمه.

نعم قد يناقش في أصل جواز تناول الغريم له مطلقا باقتضاء اليمين التي قد ذهبت بما فيها عدم كونه تركة في حقه وإن صار تركة للوارث بيمينه ، فلا يتعلق به حق الدين حينئذ ، كما أنه قد يناقش ـ لولا الإجماع على الظاهر ـ في أصل جواز الحلف للوارث مع الشاهد أو المردودة بناء على بقاء التركة على حكم مال الميت بكونها حينئذ يمينا لإثبات مال الغير ، وتعلق حقه بها على وجه تكون ملكا له بإبراء الغريم مثلا ونحوه لا يقتضي اختصاص جواز الحلف به دون الغريم المتعلق حقه أيضا بالتركة ، وستسمع إنشاء الله لهذا تتمة فيما يأتي.

( البحث الثالث في اليمين مع الشاهد )

لا خلاف ولا إشكال عندنا في أنه ( يقضي بالشاهد واليمين في الجملة استنادا إلى ) المقطوع به من ( قضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقضاء علي عليه‌السلام بعده ) على ما رواه العامة (١) والخاصة (٢) بل وافقنا عليه أكثر العامة.

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ١٠ ص ١٦٧ ـ ١٧٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم.

٢٦٨

خلافا لأبي حنيفة وأتباعه ، وقد‌ قال للصادق عليه‌السلام (١) : « كيف تقضون باليمين مع الشاهد الواحد؟ فقال الصادق عليه‌السلام : قضى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقضى به علي عليه‌السلام عندكم ، فضحك أبو حنيفة ، فقال الصادق عليه‌السلام : أنتم تقضون بشهادة واحد شهادة مائة ، فقال : ما نفعل ، قال : بلى تشهد مائة فترسلون واحدا يسأل عنهم ثم تجيزون شهادتهم بقوله ».

وقد دخل الحكم بن عتبة وسلمة بن كهيل على أبي جعفر عليه‌السلام يوما فسألاه عن شاهد ويمين (٢) فقال : « قضى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقضى به علي عليه‌السلام عندكم بالكوفة ، فقالا : هذا خلاف القرآن ، قال : وأين وجدتموه خلاف القرآن؟ فقالا : إن الله عز وجل يقول ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ ) (٣) فقال لهما : فقوله ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ ) هو أن لا تقبلوا شهادة واحد ويمينا!! ثم قال : إن عليا عليه‌السلام كان قاعدا في مسجد الكوفة فمر به عبد الله التميمي ومعه درع طلحة ، فقال له علي عليه‌السلام : هذه درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، فقال له عبد الله : فاجعل بيني وبينك قاضيك الذي رضيته للمسلمين ، فجعل بينه وبينه شريحا ، فقال علي عليه‌السلام : هذه درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، فقال له شريح : هات على ما تقول بينة ، فأتاه بالحسن عليه‌السلام فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، فقال : هذا شاهد ولا أقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر ، قال : فدعا قنبر فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، فقال شريح : هذا مملوك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٦.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٢.

٢٦٩

ولا أقضي بشهادة مملوك ، قال : فغضب علي عليه‌السلام وقال : خذوها فان هذا قضى بجور ثلاث مرات ، قال : فتحول شريح عن مجلسه وقال : لا أقضي بين اثنين حتى تخبرني من أين قضيت بجور ثلاث مرات؟ فقال له : ويلك أو ويحك إني لما أخبرتك أنها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة قلت : هات على ما تقول بينة ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حيث ما وجد غلول أخذ بغير بينة ، فقلت : رجل لم يسمع الحديث ، فهذه واحدة ، ثم أتيتك بالحسن فشهد ، قلت : هذا واحد ولا أقضي بشهادة واحد حتى يكون معه آخر ، وقد قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة واحد ويمين ، فهذه ثنتان ، ثم أتيتك بقنبر فشهد أنها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة ، فقلت : هذا مملوك ولا أقضي بشهادة مملوك. ولا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا ، ثم قال : ويلك أو ويحك إمام المسلمين يؤتمن من أمورهم على ما هو أعظم من هذا ».

وكان اقتصاره عليه‌السلام على خطائه ثلاثا في هذه القضية على فهم شريح القاصر ، وإلا فهو مخطئ من وجوه أخر أيضا قد أشار عليه‌السلام إلى بعضها ، وبذلك ظهر لك حال قاضيهم وحال الفقيهين لهم الحكم وسلمة وحال إمامهم الأعظم أبي حنيفة وسوء أدبه.

( ويشترط شهادة الشاهد أولا وثبوت عدالته ثم اليمين ) بلا خلاف أجده فيه ، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب ، ( و ) حينئذ فـ ( ـلو بدأ باليمين ) قبل الشهادة أو بعدها قبل التزكية ( وقعت لاغية وافتقر إلى إعادتها بعد الإقامة ) لكن الانصاف عدم دليل واضح على ذلك غير أصالة عدم ثبوت الحق بدون ذلك بعد الشك في إرادة غيره من الإطلاق ، خصوصا بعد الترتيب في أكثر‌

٢٧٠

النصوص (١) التي وقفنا عليها.

نعم في المسالك تعليله بأن « المدعي وظيفته البينة لا اليمين بالأصالة فإذا أقام شاهدا صارت البينة التي هي وظيفته ناقصة ويتممها اليمين بالنص (٢) بخلاف ما لو قدم اليمين ، فإنه ابتدأ بما ليس له وظيفته ، ولم يتقدمه ما يكون متمما له ، وأما ثبوت عدالته فلا يترتب على شهادته بل المعتبر العلم بها قبل ».

وفي كشف اللثام أنه « استدل له بأن جانبه حينئذ يقوى ، وإنما يحلف من يقوى جانبه ، كما أنه يحلف إذا نكل المدعى عليه ، لأن النكول قوى جانبه ».

وهما معا كما ترى ، ولعله لذا جوز بعض العامة تقدم اليمين على الأداء ، لتنزيلها منزلة الشاهد الذي لا ترتب في شهادتهما ، وآخر على التعديل.

كل ذا مع أن ما سمعته من المسالك لا يتم على ما هو الأقرب ، كما في القواعد من أن الحكم إنما يتم ويصح بهما معا لا بأحدهما ، لأن النصوص (٣) تضمنت القضاء بهما ، ولتوقفه على كل منهما ، فيكون حجة مركبة منهما تمام كل واحد منهما موقوف على الآخر.

وربما احتمل ضعيفا أن يكون بالشاهد بشرط اليمين ، كيمين الاستظهار مع بينة المدعي ، لأنها قول المدعي وهو ليس بحجة ، وأن يكون باليمين وحدها ، لأن المعلول إنما يحصل بعدها ، ولأنها كالقسامة مع الشاهد.

وضعف الكل ظاهر ، وتظهر الفائدة في الغرم وقدره مع رجوع الشاهد ، فعلى الأول النصف ، وعلى الثاني الكل ، ولا يغرم شيئا على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كيفية الحكم.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم.

٢٧١

الآخر ، وربما قيل بغرمه بناء على أن اليمين إنما تقوت به.

( و ) كيف كان فـ ( ـيثبت الحكم بذلك في الأموال ، كالدين والقرض والغصب ) والالتقاط والاحتطاب والأسر ( و ) ما يقصد به المال كما ( في المعاوضات ، كالبيع والصرف والصلح والإجارة والقراض والهبة والوصية له والجناية الموجبة للدية ) أصلا ( كالخطإ ) المحض ( وعمد الخطأ وقتل الوالد ولده والحر العبد وكسر العظام والجائفة والمأمومة ، وضابطه ما كان مالا أو المقصود منه مالا ) بخلاف القصاص ونحوه وفاقا للمشهور ، بل عن الخلاف والسرائر الإجماع عليه.

مضافا إلى إطلاق ما ورد في القضاء بهما خصوصا مثل‌ خبر أبي مريم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أجاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شهادة شاهد مع يمين طالب الحق إذا حلف أنه لحق ».

ونحوه‌ خبر منصور بن حازم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق » ومثله خبر البصري (٣).

وفي الفقيه (٤) « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة شاهد ويمين المدعي ، وقال نزل علي جبرئيل بشهادة شاهد ويمين صاحب الحق ، وحكم به في العراق أمير المؤمنين عليه‌السلام ».

بل في‌ صحيح ابن مسلم (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس ، فأما ما كان من حقوق الله تعالى أو رؤية الهلال فلا » وقد سمعت خبر درع طلحة (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٦.

٢٧٢

خلافا لما عن النهاية والاستبصار والغنية والمراسم والإصباح والكافي من التخصيص بالديون ، بل في الغنية الإجماع عليه ، ولعله لخبر حماد (١) « سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : كان علي عليه‌السلام يجيز في الدين شهادة رجل ويمين المدعي ».

وخبر أبي بصير (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له عند الرجل الحق وله شاهد واحد ، فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحق ، وذلك في الدين ».

وخبر القاسم بن سليمان (٣) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة رجل مع يمين الطالب في الدين وحده ».

وخبر محمد (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين ، ولم يكن يجيز في الهلال إلا شاهدي عدل ».

بل عن الشيخ في الاستبصار حمل إطلاق النصوص السابقة على التقييد في هذه النصوص ، وخبر درع طلحة (٥) إنما أنكر أمير المؤمنين عليه‌السلام على إطلاق قول شريح : « ما أقضي إلا بشاهد آخر معه » ضرورة عدم كون خصوص المقام مما يكتفى فيه بالشاهد واليمين من الوالي.

نعم قد يقال : إن حمل المطلق على المقيد إنما يصح بعد فرض التقييد وعدم قوة المطلق من حيث كونه مطلقا وهما معا ممنوعان ، لإمكان عدم إرادة التقييد في النصوص السابقة ، ضرورة أن القضاء بهما في الدين أو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٦.

٢٧٣

جوازه لا يقتضي عدم القضاء ولا عدم جوازه بغيره.

هذا بعد الإغضاء عن قصور السند ولا جابر له ، لما عرفت من أن المشهور التعدية ، بل قد سمعت دعوى الإجماع عليه من الشيخ والحلي ، بل عن الفاضل في المختلف نفي الخلاف فيه ، حيث حمل كلام النهاية على المال المطلق ، بل ادعى الإجماع فيه في محل آخر. وفي الرياض « وهو ظاهر في ورود الدين بالمعنى العام الشامل له » بل يظهر من مجمع البحرين وروده لمطلق الحقوق ، وعليه يمكن حمل عبارة من عدا النهاية عليه أيضا ، فيرتفع الخلاف. ولعله لهذا لم يشر إلى الخلاف هنا أحد من الأصحاب وإن كان فيه ما فيه.

نعم قد يستفاد من المقابلة في الخبر الأخير (١) أن المراد به الأعم ، لكن مقتضاه بل ومقتضى صحيح ابن مسلم وغيره (٢) مما اشتمل على لفظ « الحق » عموم ذلك لكل حق للناس حتى القصاص والوصاية والوكالة ونحوها ، لا خصوص المال ، نعم تخرج الشهادة على الهلال الذي لا وجه للحلف عليه من حيث إنه كذلك من أحد ، وكذا غيره من الموضوعات العامة التي لا حق بالخصوص فيها لأحد ، وإنما يراد ثبوتها لترتب الأحكام الشرعية ، وكذا كل ما لم تشرع اليمين فيه مثل حقوق الله تعالى التي هي أيضا لا دعوى لأحد بالخصوص فيها.

وبالجملة كل ما تشرع فيه رد يمين الإنكار على المدعي يشرع فيه الشاهد واليمين ، لأن الظاهر كون هذه اليمين يمين المنكر صارت للمدعي الذي له شاهد ، وحينئذ فالاجتهاد في النصوص يقتضي الاختصاص بالدين أو التعميم لكل حق ، إلا أن الأصحاب على خلاف ذلك ، بل جعلوا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٢ و ٥ و ٨.

٢٧٤

ضابطه المال أو المقصود منه المال ، ولعلهم فهموا من نصوص الدين ذلك وحملوا عليها نصوص الحقوق أو أنهم عملوا‌ بالمرسل عن ابن عباس « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : استشرت جبرئيل في القضاء باليمين مع الشاهد فأشار علي بذلك في الأموال ، وقال : لا تعدو ذلك » ولكن ليس هو من طرقنا ولا معروف النقل في كتب فروعنا ، وإنما رواه في المسالك ، بل لعل مضمونه لا يوافق أصول الشيعة ، ويمكن أن يكون من محرفات العامة ، لأنك قد سمعت ما نزل به جبرئيل عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخبر السابق (١) وربما تسمع إنشاء الله فيما يأتي زيادة تنقيح لذلك.

وكيف كان فلا إشكال في الاجتزاء بها مع المرأتين القائمتين مقام رجل في الشهادة ، كما عن الأكثر ، خصوصا بعد‌ خبر منصور بن حازم (٢) قال : « حدثني الثقة عن أبي الحسن عليه‌السلام أنه قال : إذا شهدت لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز » وحسنة الحلبي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف بالله أن حقه لحق ».

فما عن ابن إدريس ـ من المنع لعدم الإجماع والتواتر ـ مبني على أصله من انحصار الدليل بذلك ونحوه. نعم ما عن التحرير من الجزم بالعدم في هذا الكتاب واضح الضعف ، خصوصا بعد مخالفته ذلك في المحكي عنه في كتاب الشهادة من الجزم بالقبول من غير نقل خلاف.

( و ) على كل حال فـ ( ـفي ) ثبوت ( النكاح ) ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٣.

٢٧٥

بالشاهد واليمين ( تردد ) وخلاف ، فعن المشهور عدم ثبوته بالشاهد واليمين مطلقا ، لأن المقصود منه بالذات التناسل والمهر ، والنفقة من التوابع ، وفي القواعد « الأقرب الثبوت إن كان المدعي الزوجة » ووافقه عليه في المسالك ، ولعله لأنها تثبت مهرا ونفقة بخلاف الزوج ، وعن بعضهم تقييده بما إذا كان دعواها بعد الدخول أو التسمية ، لأنهما يثبتان المال ، وضعفه في المسالك بأن النفقة لا تتوقف على الأمرين ، ومفوضة المهر تدعي مهرا في الجملة مطلقا. ولا يخفى عليك ما فيه.

ولو ماتت الزوجة كانت دعوى الزوج تتضمن المال وهو الميراث بل في كشف اللثام لعله ليس من دعوى النكاح ، بمعنى أنهم لم يريدوا بها ما يعمه ، بل في المسالك يمكن تضمن دعوى الزوج المال مطلقا نظرا إلى استحقاقه إياه.

( أما الخلع والطلاق والرجعة والعتق والتدبير والكتابة والنسب والوكالة والوصية إليه وعيوب النساء فلا ) يثبت شي‌ء منها بهما ، لخروجها عن الضابط المزبور ، بل لعله من الواضح في الطلاق والنسب والوكالة والوصية إليه والعيوب ، بل في كشف اللثام في شرح عبارة الفاضل « عدم ثبوت الطلاق بهما » زيادة « وإن استلزم تنصيف المهر أو سقوط النفقة ، والرجعة وإن استلزمت النفقة ، والعتق وإن كان الرقيق مالا ، والكتابة وإن استدعت مالا ، والتدبير والنسب وإن استلزما إرثا أو نفقة ، والوكالة وإن كانت في مال وبجعل والوصية إليه وإن كانت كذلك ، وعيوب النساء وإن استتبعت براءة عن المهر أو ردا للثمن وغرامة ».

بل في المسالك الاتفاق على عدم ثبوت الرجعة بهما ، لأنها لا توجب مالا ، إذ النفقة يوجبها النكاح الأول لا هي. نعم قد يتوقف في الخلع‌

٢٧٦

إذا ادعاه الزوج وإن أطلق جماعة المنع منه ، بل في الروضة نسبته إلى الأكثر لتضمنه حينئذ دعوى المال وإن انضم إليه أمر آخر ، بل في الروضة « ينبغي القطع بثبوت المال كما لو اشتملت الدعوى على الأمرين في غيره كالسرقة ، فإنهم قطعوا بثبوت المال » وقواه في الرياض ، وحكى عن الدروس الجزم به ، وفي المسالك الوجه قبوله بهما ناقلا عن العلامة في أحد قوليه.

وأما العتق فالمشهور عدم ثبوته بهما ، لمعلومية عدم مالية الحرية ، ولكن عن بعضهم ثبوته بهما ، لتضمنه المال من حيث إن العبد مال للمولى ، فهو يدعى زوال المالية ، وظاهر اللمعة عدم الخلاف في المنع من القبول في التدبير والكتابة والاستيلاد ، لكن في الروضة ظاهره عدم الخلاف ، مع أن البحث آت فيها ، وفي الدروس ما يدل على أنه بحكم العتق لكن لم يصرحوا بالخلاف ، فلذا أفردها ، وفي المسالك اختلف كلام الفاضل في القواعد والتحرير ، ففي كتاب العتق والتدبير قطع بثبوتهما بهما من غير نقل خلاف ، وفي هذا الباب قطع بعدم ثبوتهما بهما كذلك ، وتوقف في الدروس مقتصرا على نقل القولين ، وله وجه.

( وفي الوقف إشكال ) بل وخلاف ، فعن الشيخ في الخلاف المنع مطلقا ، وعنه في المبسوط والمحكي في السرائر والحلبي والفاضل وغيرهم ثبوته بهما مطلقا ، وفي الدروس والمسالك وغيرها الثبوت بهما إذا كان خاصا ، وقد ذكر غير واحد أن ( منشأه ) أي الاشكال والخلاف ( النظر إلى من ينتقل ) فهل هو إلى الموقوف عليهم أم إلى الله تعالى أم الأول مع الانحصار والثاني مع عدمه أو يبقى على ملك الواقف؟ وقد عرفت تحقيق الحال في ذلك في كتاب الوقف.

( والأشبه ) عند المصنف وغيره ( القبول ، لانتقاله إلى الموقوف

٢٧٧

عليهم ) لكن قد يشكل في مثل العام بعدم صحة اليمين من أحد الموقوف عليهم وإن قلنا بالانتقال فيه إلى الموقوف عليهم ، ضرورة كونهم حينئذ كمستحقي الزكاة والخمس والوصية على الوجه العام ، كما أنه قد يشكل أصل المنشإ المزبور بإمكان القول بالاكتفاء بملك المنفعة الذي لا إشكال في كونها ملكا للموقوف عليهم وإن لم نقل بكونه ملكا لهم ، وفي القواعد في كتاب الشهادات « الأقرب جريانهما في حقوق الأموال كالأجل والخيار والشفعة وفسخ العقد وقبض نجوم الكتابة وفي النجم الآخر إشكال » إلى غير ذلك من كلماتهم المبتنية على اندراج مثل هذه الأفراد في الضابط المزبور وعدمه.

وفي الرياض « لا بد من تحقيق معنى تعلق الدعوى بالمال الموجب لقبول القضاء بهما هل هو التعلق المقصود بالذات من الدعوى أو مطلق التعلق ولو بالاستتباع؟ والذي يقتضيه النظر في كلماتهم أن المراد به هو الأول ، ولذا لم يثبتوا بهما النسب والرجعة بلا خلاف أجده ، بل عليه الوفاق في المسالك مع أنهما يستتبعان المال من النفقة ونحوها بلا شبهة ، وحينئذ فالأقوى في النكاح عدم الثبوت مطلقا وفي الخلع على التفصيل ولي في الثالث توقف ، ولكن الأصل يقتضي العدم مع كونه أشهر ».

ولا يخفى عليك ما فيه ، ضرورة عدم ثبوت كون العنوان للحكم التعلق بالمال في شي‌ء من النصوص المروية من طرقنا كي يرجع في المراد منه إلى العرف ، وكلامهم غير منقح ، بل فيه من التشويش ما لا يخفى ، بل لم يعلم كون المراد بالتعلق المزبور ذاتا أو حال الدعوى ، كما إذا ادعى أنه ابن الرجل المزبور ليجوز إرثه ، نحو دعوى الرجل أن المرأة زوجته بعد موتها ليحصل الإرث الذي جعلوه خارجا عن مسألة النكاح بل قد سمعت ما في الروضة في الخلع من ثبوت المال بهما دون السبب‌

٢٧٨

نحو السرقة ، مع أن ذلك جار في جميع الأسباب التي لا إشكال عندهم في ثبوتها بهما ، كما هو ظاهر ضابطهم المزبور.

ومن الغريب اتفاقهم على خروج الوكالة على المال وإن كانت بجعل ، وكذا الوصية ، واختلافهم في العتق.

وبالجملة كل من أعطى النظر حقه في كلماتهم وخلع ربقة التقليد يعلم أنها في غاية التشويش ، والسبب فيه هو الضابط المزبور الذي لم نجده في شي‌ء من النصوص ، وإنما الموجود فيها عنوانا للحكم « حقوق الناس » بعد عدم تقييدها بنصوص الدين ، ولو للتجوز فيه بإرادة ذلك منه ، خصوصا بقرينة المقابلة بذكر ما لا يثبت به من الهلال وحقوق الله تعالى.

مؤيدا ذلك بما سمعته فيها من ذكر يمين المدعى ويمين صاحب الحق ، بل وبما تقدم سابقا من الخبر (١) المشتمل على أن استخراج الحقوق بأربعة ، وعد منها الشاهد واليمين الظاهر في كونه مثلها في ذلك.

بل قد عرفت سابقا أنه بالتأمل في نصوص المقام يستفاد منها أن اليمين الذي مع الشاهد هو يمين المنكر الذي لو شاء ردها على المدعي ، وحينئذ يكون الميزان ما يثبت بها ، ولكن حيث إن جملة من أوباش الناس لا تحمل عقولهم هذا الخلاف كان المتجه القول بأن عنوان الحكم هو ما ذكرناه ، ولكن كل ما ثبت إجماع محقق على عدم ثبوته بالشاهد واليمين وإن كان هو حقا للناس قلنا به وإلا فلا ، وحينئذ كل أفراد الخلاف داخلة فيما ذكرناه من الضابط وإن خرجت عما ذكروه من الضابط ، والله العالم.

( ولا تثبت دعوى الجماعة ) مالا بينهم مثلا ( مع الشاهد إلا مع حلف كل واحد منهم ) لأنها تنحل إلى دعاوي متعددة وإن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٤.

٢٧٩

كانت هي واحدة بالظاهر ، على أنك ستعرف الإجماع ظاهرا على عدم ثبوت اليمين مال آخر ، فلو اجتزئ هنا بيمين أحدهم كما استظهره المقدس البغدادي إن لم يكن إجماعا ثبت به حينئذ مال الغير ، فلا وجه لاحتماله كما لا وجه لاحتمال توقف ثبوت الدعوى على الحلف من الجميع بحيث لو حلف أحدهم لم يثبت ما يخصه أيضا ، ضرورة مخالفته لإطلاق الأدلة أجمع ، فتعين حينئذ ما سمعته أولا من الأصحاب بلا خلاف نجده فيه بينهم ، بل ولا إشكال بعد ما عرفت.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو امتنع البعض ) من الحلف ( ثبت نصيب من حلف ) لاندراجه في جميع الأدلة السابقة ( دون الممتنع ) بل في القواعد « ليس لولد الناكل بعد موت أبيه أن يحلف » ولعله لأنه إنما ينتقل إليه من أبيه ما ملكه ، ومع النكول يسقط الملك.

لكن فيه أنه لم يثبت سقوط الحق بمثل هذا النكول الذي هو ليس نكولا عن اليمين المردودة ، ولهذا قال هو بعد ذلك : « ولو أقام شاهدا واحدا ونكل عن اليمين معه احتمل أن يكون له الحلف وعدم القبول إلا بشاهد آخر » ولو أن هذا النكول مثل النكول عن اليمين المردودة لم يقبل منه حتى لو أقام شاهدا آخر ، فالمتجه أن نكوله عنه تأخير للدعوى التي لم يجبر عليها. وحينئذ فلولده الحلف بعد موت أبيه مع نكوله فضلا عما لو لم ينكل.

لكن في كشف اللثام أنه « يحلف كان لوالده إن كان يعلم ، لعدم سقوط الملك وقيام الوارث مقامه ، ولكن لا يكفيه هذا الحلف إلا إذا لم يثبت المدعى عليه البراءة أو الانتقال ولم يحلف على عدم استحقاق الولد ، بخلاف الوالد ، فإنه يحلف على استحقاقه الآن ، فلا يحلف المدعى عليه على العدم » وكان مرجعه إلى الفرق بين يمين الوالد والولد‌

٢٨٠