جواهر الكلام - ج ٤٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

نعم لا بأس بالقول بوقوف الدعوى حتى يرتفع العذر نحو ما سمعته في الغائب وغيره ممن يتوجه عليه اليمين ولكنه غير حاضر ، فإن إيقاف الدعوى لعدم حصول شرط ميزان القضاء غير عزيز ، اللهم إلا أن يكون هناك إجماع يقطع العذر ، والله العالم.

( البحث الثاني في يمين المنكر والمدعي )

لا إشكال ولا خلاف في كون الأصل في ( اليمين ) أن ( تتوجه على المنكر تعويلا على الخبر ) بل الأخبار (١) الدالة على ذلك وعلى الإجماع بقسميه عليه ( و ) لا ينافي ذلك توجه اليمين ( على المدعي مع الرد ) للنصوص (٢) السابقة أو النكول على الأصح ( ومع الشاهد الواحد ) وإذا كان أمينا ( و ) نحو ذلك ، بل ( قد تتوجه مع اللوث في دعوى الدم ) كما تسمعه إنشاء الله ، ضرورة كون الجميع للأدلة المخرجة عن الأصل المزبور الذي هو بمعنى القاعدة الشرعية المستفادة مما عرفت.

( و ) على كل حال فـ ( ـلا يمين للمنكر مع بينة المدعي ) التي هي حجة شرعا من دون ضم يمين المدعي معها ( لانتفاء التهمة عنها ) وما في بعض النصوص (٣) من تحليفه معها استظهارا قد عرفت البحث فيه سابقا ( و ) أنه مذهب بعض العامة.

نعم ( مع فقدها فالمنكر مستند إلى البراءة الأصلية ، فهو أولى

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كيفية الحكم.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

٢٤١

باليمين ) على نفي الدعوى من المدعي على إثباتها إلا إذا رده.

( ومع توجهها ) عليه أو على المدعي ( يلزم الحلف على القطع ) والبت ( مطردا ) وإن كان مستنده أمارة شرعية من يد ونحوها ، لأنه المنساق من النصوص الموجبة له ، بل كاد يكون صريح خبري الأخرس (١) وابن أبي يعفور (٢) والصحيح المشتمل على يمين الاستظهار (٣) وغير ذلك.

نعم قال غير واحد من أصحابنا ( إلا على نفي فعل الغير ، فإنها على نفي العلم ) به بخلاف إثباته أو نفي فعل نفسه أو إثباته لتعسر العلم بالنفي في الأول غالبا ، ولو فرض جاز له الحلف على البت وعلى نفي العلم ، ومرجعه إلى اعتبار الجزم في المحلوف عليه دائما بعد فرض عدم توجه اليمين على المدعى عليه إلا مع دعوى العلم به عليه ، وحينئذ فيمينه على نفيه على البت باعتبار تعلقه في أمر يرجع إلى نفسه ، ولعله لذا في القواعد بعد ما ذكر الاستثناء المزبور قال : « والضابط أن اليمين على العلم دائما » ونحوه عن التحرير ، بل لعل إلى ذلك يرجع ما عن ابن أبى ليلى من كونه على البت مطلقا ، خلافا للمحكي عن الشعبي والنخعي فعلى نفي العلم مطلقا.

لكن ذكر بعض متأخري المتأخرين أنه لا وجه للاستثناء المزبور حينئذ ، ضرورة كونه حينئذ على البت دائما ، وقد يدفع بإمكان إرادة الأصحاب الاجتزاء به في مثل الفرض الذي متعلق الدعوى فيه فعل الغير ، وأنه عالم به وإن كان متعلقة نفي العلم به لا العلم بنفيه بخلاف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

٢٤٢

غيره من الصور ، فإنه لا يجزئ وإن كان في ضمن دعوى المدعي العلم به أيضا فتأمل جيدا. وقد تقدم تحقيق الحال في جواب المنكر بقول : لا أعلم ولا أدري ، فلاحظ وتأمل وإن أطنب بها بعض متأخري المتأخرين هنا.

وعلى كل حال ( فـ ) ـقد ظهر لك أنه ( لو ادعى عليه ابتياع أو قرض أو جناية فأنكر حلف على الجزم ) لأنه فعل نفسه.

( و ) أما ( لو ادعى على أبيه الميت ) مثلا ( لم يتوجه ) عليه ( اليمين ما لم يدع عليه العلم ، فيكفيه الحلف أنه لا يعلم ).

( وكذا لو قال ) المدعى عليه قد ( قبض ) ما علي ( وكيلك ) فإنه يكفيه حينئذ الحلف على نفي العلم إن ادعى عليه ، وإلا انحصر الإثبات بالبينة ، لكن في كشف اللثام « فإذا حلف الموكل أثبت المدعي قبض الوكيل أو حلف على البراءة » وفيه أنه لا وجه للحلف بدون رضا الموكل ، بل ومع رضاه إن لم نقل : إنها من اليمين المردودة ، بناء على أن المراد منها كل يمين رضي بها المدعى عليه من المدعي وإن لم تتوجه عليه ، كما في الوارث ونحوه.

ولو كانت الدعوى عليه بأن عبده جنى على المدعي بما يوجب استحقاقه أو بعضه وأنكر ففي كونه كالميت باعتبار أنه فعل الغير ، فلا يتوجه عليه يمين إلا مع دعوى العلم ، فيجزؤه حينئذ الحلف على نفيه ، أو كونه كالدعوى عليه نفسه باعتبار أن العبد مال له فهو الغريم المدعى عليه ، وجهان ، ولذا قال في القواعد : « وهل يثبت اليمين على البت على المولى في نفي أرش الجناية عن العبد؟ إشكال » ولعله من أنه الغريم ومن أنه فعل الغير ، وفي كشف اللثام ما حاصله « أنه على الأول ينحصر إثبات حقه حينئذ بالبينة إذا حلف على نفي العلم أو اعترف به المدعي ، وعلى الثاني إن نكل عنها لزم الأرش بحلف المدعي أو لا به‌

٢٤٣

وإن حلف على عدم العلم ».

ولعل الوجه الأول وفاقا لكشف اللثام ومحكي التحرير والدروس والمجمع ، وفي المسالك « وربما بني الوجهان على أن أرش الجناية يتعلق بمحض الرقبة ، أم بالرقبة والذمة جميعا حتى يتبع بما فضل بعد العتق ، فان قلنا بالأول حلف على البت ، لأنه يحلف ويخاصم لنفسه ، وإن قلنا بالثاني فعلى نفي العلم ، لأن للعبد على هذا ذمة » وفيه أن المخاصمة لنفسه لا توجب أن يكون فعله فعله ، وإلا فالوارث يخاصم لنفسه ، ويحلف على نفي العلم.

وأما لو كانت الدعوى إتلاف بهيمته التي قصر في حفظها ففي القواعد ومحكي التحرير يجب الحلف على البت ، لأنها لعدم شعورها بمنزلة الآلة وفعلها بمنزلة فعل ربها ، وحينئذ فإن نكل قضى عليه به أو برد اليمين على المدعي ، لكن في محكي الدروس على قول ، وظاهره التردد ، بل في كشف اللثام عن بعضهم الحلف على نفي العلم ، وهو المحكي عن الأردبيلي ، وحينئذ فلا نكول بعدم الحلف على البت ، بل لا يمين إن لم يدع عليه العلم. لكن في كشف اللثام « والحق أنه إن علم العدم حلف على البت ، وإلا فعلى نفي العلم ، وإذا حلف عليه أثبت المدعي الإحلاف أو حلف عليه ، وفيه الاشكال السابق في دعوى قبض الوكيل » وفي الحواشي المنسوبة للشهيد « أن العبد يخالف البهيمة من وجهين : الأول أن البهيمة لا تضمن جنايتها إلا مع التفريط بخلافه ، الثاني أن جناية العبد تتعلق برقبته ، فإذا أتلف لم يضمن مولاه بخلاف البهيمة ، فإنها إذا أتلفت بتفريط فان المالك يضمن جنايتها ، ولا تتعلق برقبتها ».

ولو نصب البائع وكيلا ليقبض الثمن وسلم المبيع فقال له المشتري : إن موكلك أذن في تسليم المبيع وأبطل حق الحبس وأنت تعلم ففي الاكتفاء‌

٢٤٤

بالحلف على نفي العلم ، لأنها لنفي فعل الغير ، أو لا بد من اليمين على البت ، لأنه يثبت لنفسه استحقاق اليد على المبيع ، فان لم يحلف قضى عليه بالنكول أو برد اليمين ، وجهان كما في المسالك.

وكذا لو طولب البائع بتسليم المبيع فادعى حدوث عجز عنه ، وقال للمشتري : أنت عالم به ففي المسالك « قيل : يحلف على البت ، لأنه يستبقي بيمينه وجوب تسليم المبيع إليه ، ويحتمل الحلف على نفي العلم ، لأن متعلقة فعل الغير ».

وفيها أيضا « أنه لو مات عن ابن في الظاهر فجاء آخر وقال : أنا أخوك فالميراث بيننا فأنكر قيل : يحلف على البت أيضا ، لأن الإخوة رابطة جامعة بينهما ، ويحتمل قويا على نفي العلم كالسابقة » إلى غير ذلك مما ذكروه في المقام.

ولكن تحقيق الحال في ذلك متوقف على تحقيق اقتضاء الدعوى المتعلقة بفعل الإنسان نفسه نفيا وإثباتا وبفعل الغير إثباتا يمينا على البت أو ردا ، وإلا كان ناكلا قضى عليه به أو بردها من الحاكم ، ولا يجديه الجواب بنفي العلم وإن صدقه المدعي فضلا عما لو ادعاه عليه أيضا ، فإن جميع هذه الفروع مبنية على ذلك.

وقد تقدم سابقا في جواب المنكر ما يستفاد منه المناقشة في ذلك ، ونزيد هنا بأنه لا دليل على تسبيبها ذلك ، وما في‌ النصوص (١) من أن « البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه » ينساق منه حال كون الجواب إنكارا ، خصوصا بعد ما في‌ الخبر الآخر (٢) من أن « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » بل هو كالمقيد للأول بناء على إرادة الحصر عنه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣ وفيه‌ « البينة على من ادعى ... ».

٢٤٥

وكون الإنكار الجواب بالنفي على البت دون نفي العلم ، وإلا كان اليمين عليه ولو على نفي العلم وإن لم يدعه المدعى عليه ، فتتفق النصوص حينئذ أجمع ، خصوصا بعد استفاضة النصوص على عدم الحلف إلا على العلم ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر هشام بن سالم (١) : « لا يحلف الرجل إلا على علمه » وفي خبر أبي بصير (٢) ومرسل يونس (٣) « لا يستحلف الرجل إلا على علمه » مع زيادة « ولا تقع اليمين إلا على العلم استحلف أو لم يستحلف ».

ودعوى أن تعذر العلم عليه يوجب الرد عليه ليس بأولى من القول بأن الواجب عليه الحلف على ما يعلمه من عدم العلم بما يدعيه المدعي وإن كانت الدعوى متعلقة بفعل نفسه ، إذ لا دليل بالخصوص على الاجتزاء به في نفي فعل الغير دون فعل النفس مع فرض اتحادهما كذلك ، واعتبار البت في اليمين في كلام الأصحاب على وجه يقتضي عدم الاجتزاء بها على نفي العلم إلا إذا كان متعلقها فعل الغير إنما هو حيث تتوجه عليه يمين كذلك ، كما إذا كان جوابه الإنكار المحض على ما هو الغالب.

وبذلك يظهر لك حينئذ ما في الفروع السابقة جميعها وأنه لا فرق في الحكم فيها بين القول بتعلقها في فعل الغير أو فعل المدعي عليه في الاجتزاء بيمين نفي العلم مطلقا أو إذا ادعى عليه » وإلا كان طريق إثباتها منحصرا في البينة ، نحو الدعوى على الصغير والمجنون والغائب ونحوهم.

هذا كله بناء على عدم جواز حلفه على البت بمقتضى الأصول ولو يقول : « لا حق لك علي » و « لا تستحق علي شيئا » ونحوهما » وإلا كان له الحلف حينئذ على ذلك أو رد اليمين وإلا كان ناكلا.

ثم لا يخفى عليك أن الدعوى يختلف كيفية إبرازها ، فقد تبرز على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب الأيمان الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب الأيمان الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب الأيمان الحديث ٤.

٢٤٦

وجه تتعلق بالمدعى عليه وإن كانت في الواقع هي متعلقة بفعل الغير ، كما إذا ادعى عليه مثلا أن ما في يده من المال له من دون قول : « قد غصبه مورثك » مثلا ، ولا ريب في استحقاقه اليمين حينئذ على النفي واقعا لا على عدم العلم ، وقد تقدم ما يستفاد منه زيادة تحقيق للمقام.

ومن التأمل في جميع ما ذكرنا يظهر أن الذي أوقع بعض الناس في الوهم إطلاق اعتبار الجزم في اليمين على وجه لا يكفي فيه نفي العلم إذا كان متعلق الدعوى فعل المدعى عليه ، ولكن قد عرفت تحقيق الحال ، والله العالم.

هذا وقد ظهر لك حال اليمين ممن توجهت عليه ( أما المدعي ولا شاهد له فلا يمين عليه ) لما سمعته من قوله (ص) : البينة عليه ( إلا مع الرد أو نكول المدعى عليه على قول ) قوي عرفته سابقا ( فان ردها المنكر توجهت ) على المدعي ( فيحلف ) حينئذ ( على الجزم ، ولو نكل سقطت دعواه إجماعا ) كما عرفت الكلام في ذلك مفصلا.

بل وفي قوله أيضا ( ولو رد المنكر اليمين ) التي كانت في الأصل له ( ثم بذلها قبل الإحلاف ) أو في أثنائه ولو بعد توجيه الحاكم لها عليه وأن له ذلك ، بخلاف ما لو بذلها بعد الإحلاف فإنه ليس له إجماعا وإن ( قال الشيخ ) في المحكي من مبسوطة في الأول ( ليس له ذلك إلا برضا المدعي ) لسقوط استحقاقه منه برده ( و ) لكن ( فيه تردد ) واضح ( منشأه أن ذلك تفويض لا ) ( إسقاط ) بل قد عرفت سابقا أن إطلاق الأدلة والاستصحاب وغيرهما تقتضي الأول كما لا يخفى.

( و ) لا خلاف ولا إشكال في أنه ( يكفي مع الإنكار الحلف على نفي الاستحقاق ) وإن كانت الدعوى سببا خاصا ( لأنه يأتي

٢٤٧

على الدعوى ) لكونه عاما لها ، ولا دليل على اعتبار الخصوصية في الجواب ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، بل ربما يكون له غرض في الجواب بذلك ( فـ ) ـلا يكلف غيره.

نعم ( لو ادعى عليه غصبا أو إجارة مثلا فأجاب بأني لم أغصب ولم استأجر قيل ) والقائل الشيخ فيما حكي عنه ( يلزمه الحلف على وفق الجواب ) الذي صدر منه ( لأنه لم يجب به إلا وهو قادر على الحلف عليه و ) لكن ( الوجه ) بل الأصح ( أنه ) لا يلزم بذلك ، للأصل وإطلاق الأدلة.

وحينئذ فـ ( ـان تطوع بذلك صح ، وإن اقتصر على نفي الاستحقاق كفى ) وظهور قدرته على الحلف عليه من جوابه به لا يقتضي إلزامه بذلك ، بل لا يلزم وإن صرح بقدرته عليه ، على أنه ربما كان له غرض بتغيير المحلوف عليه عما أجاب به ، لمعلومية التسامح في العادة في المحاورة بما لا يتسامح به في حال الحلف الأول.

( ولو ادعى المنكر الإبراء أو الإقباض ) مثلا ( فقد انقلب ) المنكر ( مدعيا والمدعي منكرا ، فيكفي المدعي ) حينئذ ( اليمين على بقاء الحق ) وإن كان قد أجاب بإنكار ذلك بخصوصه على نحو ما سمعته في المنكر ، بل في المسالك عن الشيخ الموافقة على ذلك هنا.

( ولو ) تطوع فـ ( ـحلف على نفي ذلك ) لطلب خصمه ( كان آكد لكنه غير لازم ) عليه لما عرفت.

( وكل ما ) أي مقام ( يتوجه ) استحقاق ( الجواب عن الدعوى فيه ) ولو بقول : لا أعلم لا نحو الحدود التي لا تسمع الدعوى فيها مجردة عن البينة كما ستعرف ( يتوجه معه اليمين ) ولو عليه أيضا ( ويقضي على المنكر به مع النكول كالعتق والنسب والنكاح ) والطلاق‌

٢٤٨

والرجعة والفيئة في الإيلاء ( وغير ذلك ، وعلى القول الآخر ) الذي قد عرفت قوته فيما تقدم ( ترد اليمين على المدعي ، ويقضى له مع اليمين وعليه مع النكول ) كل ذلك لعموم ( لإطلاق خ ل ) الأدلة.

خلافا لبعض العامة ، فمنع من توجه الحلف على المنكر في الأبواب المزبورة ، معللا له بأن المطلوب من التحليف الإقرار أو النكول ليحكم به ، والنكول نازل منزلة البذل والإباحة ، ولا مدخل لهما في هذه الأبواب.ولآخر منهم ، فخص التحليف فيما يثبت بشاهدين ذكرين إلحاقا له بالحد.

وعموم الأدلة التي‌ منها « اليمين على المدعى عليه » (١) و « من أنكر » (٢) حجة عليهم ، مضافا إلى خصوص‌ ما رووه (٣) من « أن ركانة أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله طلقت امرأتي البتة ، فقال : ما أردت بالبتة؟ قال : واحدة ، فقال : والله ما أردت بها إلا واحدة؟ فقال ركانة : والله ما أردت بها إلا واحدة ، فردها إليه ثم طلقها الثانية في زمن عمر والثالثة في زمن عثمان » حيث اكتفى فيه باليمين على ما أخبر به من قصده بها في الطلاق.

( مسائل ثمان : )

( الأولى : )

( لا يتوجه اليمين ) في الدعوى ( على الوارث ) بالدين أو العين ( ما لم يدع عليه العلم بموت المورث والعلم بالحق وأنه ترك في

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣.

(٣) سنن البيهقي ـ ج ٧ ص ٣٤٢.

٢٤٩

يده ) أي الوارث ( مالا ) يفي بالكل أو البعض إن كانت الدعوى دينا ، بلا خلاف أجده بين من تعرض لذلك من المصنف ومن تأخر عنه وإن كان فيه ما ستعرف.

( و ) على كل حال فلا إشكال في أن الوارث لا يجب عليه أداء دين المورث إلا مما تركه بعد تحقق كونه وارثا وتحقق الدين ، فمتى انتفى أحد هذه الثلاثة في نفس الأمر لم تتوجه عليه دعوى أصلا ، ومن هنا ( لو ساعد المدعي ) أي صدقه ( على عدم أحد هذه الأمور ) الثلاثة في الواقع ( لم يتوجه ) له عليه دعوى فضلا عن اليمين ، بل ظاهر المتن سقوط الدعوى أيضا بالتصادق على انتفاء العلم في أحد الأولين بل وبالإطلاق.

هذا ( و ) قد عرفت فيما مضى أنه ( لو ادعى عليه العلم بموته أو بالحق كفاه الحلف أنه لا يعلم ) لتعلقهما في النفي عن الغير الذي هو الضابط في ذلك عندهم.

( نعم لو أثبت الحق والوفاة وادعى في يده مالا حلف الوارث على القطع ) لا نفي العلم ، لتعلق الدعوى حينئذ بأمر راجع إليه ، بل قد عرفت أن التحقيق في هذه أيضا الاكتفاء بذلك لو أجاب بنفي العلم ، بل قد يقال بعدم اعتبار دعوى العلم بالحق في استحقاق اليمين على الوارث بعد إثبات الأمرين الآخرين ، ضرورة صدق الدعوى عليه بذلك ، وحينئذ فتندرج في‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه » إلا أن الظاهر الاكتفاء بيمينه على نفي العلم.

بل ذلك هو مقتضى التأمل في عبارة الشيخ في المبسوط قال فيها أولا : « تحليف الحالف لا يخلو إما أن يحلف على فعل نفسه أو فعل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٥.

٢٥٠

غيره ، فان حلف على فعل نفسه كانت على البت والقطع نفيا وإثباتا ، وإن كانت على فعل غيره نظرت فان كانت على الإثبات كانت على العلم ، وإن شئت اختصرت ذلك ، وقلت : الأيمان كلها على القطع إلا ما كانت على النفي عن الغير ، فإنها على العلم » إذ هو كالصريح في أن اليمين المزبورة هي يمين الدعوى المتعلقة بفعل الغير لا دعوى العلم بذلك التي هي كغيرها من الدعاوي ولا تحتاج إلى استثناء.

وأوضح من ذلك قوله أيضا : « إذا ادعى رجل على ابن رجل ميت أي من جهة أبيه لم تقبل منه الدعوى حتى يدعى عليه الحق ويدع موت الأب وأنه خلف في يده تركة ، لأنه إن لم يمت الأب فلا حق له على ابنه ، وإن مات ولم يخلف فلا حق له عليه أيضا ، فلا بد من دعوى ثلاثة أشياء أي دعوى الحق على أبيه ، ودعوى موته ، ودعوى أنه خلف في يده تركة ـ ثم قال ـ : فان ثبت الموت وثبت أنه خلف تركة فحينئذ تسمع دعواه بالحق عليه ، ويكون القول قول الابن إنه لا يعلم أن على أبيه حقا » وهو كالصريح فيما قلناه ، ولكن زاد فيها « لإرادة تحريرها اعتبار العلم بالموت والعلم بالحق ».

وكان الأحرى الموافق لإطلاق‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه » ولغير ذلك إبقاءها على حاله من غير هذه الزيادة التي تبعه عليها من تأخر عنه ، بل صارت عندهم كالقاعدة في كل دعوى لها تعلق بفعل الغير ، ومقتضاه أن اليمين حينئذ على نفيه طرف دعوى أخرى لا مدخلية لها في الأولى ، بل هي على هذا التقدير لا طرف لها ، بل مقتضاه أنه ليس للوارث رد اليمين على المدعي ما لم يدع عليه العلم ، ضرورة عدم توجه يمين عليه أصلا حتى يكون له‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٥.

٢٥١

ردها أو نكول عنها ، بل مقتضاه أن اليمين المردودة في دعوى العلم حلف المدعي على علمه لا على أصل الحق ، وهو خلاف ظاهر كلمات هؤلاء الذين اعتبروا العلم في توجه اليمين فضلا عن غيرهم.

وبالجملة إعطاء النظر حقه يقتضي ما ذكرناه وإن كان كلام المصنف ومن تأخر عنه منافيا لذلك بعد أن ذكروا نحو ما سمعته من المبسوط أولا الذي هو ظاهر فيما قلناه ، لتقسيمهم اليمين إلى القسمين : أحدهما البت ، وهي المتعلقة بفعل الإنسان نفسه نفيا وإثباتا وبإثبات فعل الغير ، والثاني على نفي العلم ، وهي المتعلقة في نفي فعل الغير ، ضرورة اقتضاء ذلك كون اليمين التي أوجبتها نفس الدعوى على الوجهين المزبورين لا يمين دعوى العلم ، إذ هي دعوى مستقلة لا تحتاج إلى جعل اليمين قسما ثانيا ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

بل منه يعلم أن الأمر مشوش غير منقح عندهم ، خصوصا بعد اقتضائه ما هو كالمقطوع بفساده من عدم سماع الدعوى في غير الوارث أيضا ، كما لو ادعى مدع على عين في يد آخر أنه سرقه سارق وباعه أباك من دون أن يدعي عليه العلم بذلك ، ضرورة عدم الفرق بين الوارث وغيره في ذلك.

بل لا يبعد في الوارث وغيره الإلزام بيمين البت التي هي الأصل لو فرض الجواب به على وجه ادعى أنه عالم بذلك ، ويترتب عليه حكم النكول وغيره ، خلافا لبعضهم ، فإنه صرح في الفرض بتخييره بينه وبين الحلف على نفي العلم ، كما أنه لا يبعد الإلزام به أيضا في دعوى موت المورث ، وكان على وجه لا يعسر الاطلاع فيه على ذلك ، لحضوره معه في البلد مثلا ، كما عن أحد وجوه الشافعية.

وعلى كل حال فقد ظهر لك التحقيق في المسألة ، إلا أن المصنف‌

٢٥٢

قطع طريقها باعتبار العلم بالحق في استحقاق اليمين ، بل في أصل الدعوى التي قد عرفت صراحة كلام الشيخ في عدم توقف سماعها على ذلك بعد ثبوت موت المورث وأن له مالا في يد الوارث ، نعم لا تتوجه قبل ثبوتهما ، ضرورة لا دعوى مع الوارث قبل أن تتحقق وارثيته ، كما لا دعوى عليه إذا لم يكن في يده مال.

وبذلك ظهر لك الفرق بين الأمور الثلاثة وإن كفى نفى أحدها في سقوط الدعوى ولذا كان المتجه الاجتزاء بيمين واحدة في سقوط دعوى المدعي في الأمور الثلاثة ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( إذا ادعى على المملوك فالغريم مولاه ، ويستوي في ذلك دعوى المال والجناية ) كما في القواعد والإرشاد والدروس وغيرها ، والظاهر أن المراد من ذلك ما إذا كانت الدعوى عليه من حيث إنه مملوك ، لا الدعوى عليه من حيث ذمته التي يتبع بها بعد العتق ، فإنها ليست مملوكة للسيد ، وإنما المملوك له بدنه وما في يده ، فمتى كانت الدعوى باستحقاق أحدهما كان الغريم المولى الذي يعتبر إقراره وإنكاره بالنسبة إلى ذلك ، بخلاف العبد ، فإنه لا إقرار له ولا إنكار يمضي على السيد.

فلو ادعى مثلا على مال في يد العبد مدع أنه له كان الخصم السيد فإن أقربه دفعه إليه وإن أنكر العبد ، وإن أنكره حلف له وبقي المال وإن أقر العبد.

وكذا إن ادعى على العبد أنه جنى خطأ ـ فيستحق المجني عليه استرقاقه أو فكه ـ كان الخصم السيد ، لتعلق الدعوى بماله ، فإن أقر بذلك‌

٢٥٣

دفعه أو فداه ، ولا يجدي إنكار العبد ، وإن أنكر حلف وسقطت الدعوى على السيد باستحقاق العبد وإن أقر بذلك.

وكذا الجناية عمدا المقتضية لاستحقاق استرقاق العبد ولو على جهة التخيير بينه وبين القصاص ، فالخصم أيضا السيد ، فإن أقر به دفعه للاسترقاق وإن أنكر العبد ، وإن أنكره حلف وسقطت الدعوى معه وإن أقر به العبد ، لأنه إقرار في حق الغير ، لكونه مملوكا.

كما أنه لا يثبت القصاص عليه بإقرار السيد الذي ليس له إلا ماليته دون إزهاق النفس. نعم لو اتفقا معا استحق القصاص لانحصار الحق فيهما.

هذا كله إذا كانت الدعوى على ما يرجع إلى السيد ، أما إذا كانت على ما لا يرجع إليه ، بل مرجعها بعد ثبوتها إلى ذمة العبد بعد العتق ـ كدعوى أنه أتلف مالا أو غصب عينا ولو موجودة ـ فلا ريب في أن الخصم فيها العبد ، لأنه الذي ينفع إقراره وإنكاره في الاستحقاق عليه بعد العتق ، بل وكذا دعوى الجناية خطأ بناء على اقتضائها المال عليه أيضا بعد العتق فضلا عن الجناية عمدا التي لا ريب في اقتضائها القصاص بعد فرض ثبوتها بإقراره بعد العتق ، لعموم « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » وغيره.

وبذلك ظهر لك أنه لا إشكال في إطلاق المصنف وغيره أن الغريم المولى بعد ظهور كون المراد في الدعوى على المملوك من حيث إنه مملوك لا الدعوى عليه من حيث ذمته التي يتبع بها بعد العتق مما لا يدخل في ملك السيد.

لكن في القواعد « إذا ادعى على مملوك فالغريم مولاه سواء كانت الدعوى مالا أو جناية ، والأقرب عندي توجه اليمين عليه ، فان نكل ردت على المدعي وثبتت الدعوى في ذمة العبد يتبع بها بعد العتق » ‌

٢٥٤

ومراده على الظاهر الإشارة بذلك إلى توجه سماع الدعوى على العبد منفردا ، أو اقتضاء الدعوى على المولى يمينا أخرى على العبد غير يمين المولى ، لأن له ذمة يتبع بها بعد العتق ، فيثبت حينئذ ذلك عليه بإقراره أو نكوله.

وهو الذي أشار إليه في الدروس قال : « ولو ادعى على العبد فالغريم المولى وإن كانت الدعوى معه ، ولو أقر العبد به تبع به ، ولو كان بجناية وأفر العبد فكذلك ، ولو أقر المولى خاصة لم يقتص من العبد ، ويملك المجني عليه بقدرها ، ويلزم من هذا وجوب اليمين على العبد لو أنكر الملزوم لسماع الدعوى عليه منفردا » وهو كالصريح فيما قلنا.

وليس مراد العلامة أن الغريم المولى ولكن اليمين في الدعوى على المولى على العبد كي يرد عليه ما في المسالك من التنافي بين كون الغريم المولى المقتضي لقبول إقراره ووجوب اليمين عليه مع إنكاره وغير ذلك من أحكام الدعوى ، بل هو من الغرائب وإن أطنب في كشف اللثام في توجيهه بعد موافقته على كون المراد من العبارة ذلك ، وما أدري ما الذي دعاهم إلى ذلك؟ فان كان هو عدم توجه اليمين على السيد لكون الفاعل غيره ففيه أنه يحلف على نفي العلم على مقتضى ضابطهم الذي ذكروه.

وأغرب من ذلك دعوى التنافي بين ما ذكره هنا وما ذكره في باب الإقرار ، وهو لا يقبل إقرار العبد بمال ولا حد ولا جناية توجب أرشا أو قصاصا إلا أن يصدقه السيد ، ويتبع بعد العتق بالمال ، ولو قيل يقبل ويتبع وإن لم يصدقه السيد كان وجها ، وهو كما ترى لا تنافي.

نعم في المقام رجح نفوذ إقراره على نفسه يتبع به بعد العتق في المال والجناية ، وفي الإقرار جزم به في المال وجعله في غيره وجها ، وهو ليس تنافيا. وليس المراد تبعيته بالمال بعد العتق مع تصديق السيد ، ضرورة عدم مدخلية تصديقه وتكذيبه بالنسبة إلى ذلك ، إذ قد عرفت‌

٢٥٥

أن ذمته ليست مملوكة للمولى.

وبالجملة لا يخفى عليك ما في المسالك ومجمع البرهان وكشف اللثام وغيرها من تشويش المسألة ، حتى أنه قال بعض من تأخر عنهم : إن هذه المسألة من المشكلات ، وجعل كلمات الأصحاب فيها مختلفة مضطربة ، وقد عرفت التحقيق وأنه لا إشكال في كون الخصم السيد مع كون الدعوى على المملوك أو ما في يده من حيث إنه مملوك ، ولا في كون الخصم العبد مع كونها في ذمته يتبع بها بعد العتق وأن إقرار كل منهما وإنكاره مجد فيما له وعليه دون الآخر ، من غير فرق في ذلك بين دعوى المال والجناية عمدا وخطأ.

نعم يظهر من المحكي من المبسوط اختصاص الخصومة في دعوى الجناية عمدا بالعبد دون المولى ، إلا أنه وافق على عدم تعجيله به وإن أقر به أو نكل عن اليمين ، قال : « إذا ادعى على العبد حق فإنه ينظر فان كان حقا يتعلق ببدنه كالقصاص وغيره فالحكم فيه مع العبد دون السيد ، فإن أقر به لزمه عند المخالف ، وعندنا لا يقبل إقراره ، ولا يقتص منه ما دام مملوكا ، فإن أعتق لزمه ذلك ، فأما إن أنكر فالقول قوله ، فان حلف سقطت الدعوى ، وإن نكل ردت اليمين على المدعي ، فيحلف ويحكم بالحق ، وإن كان حقا يتعلق بمال كجناية الخطأ وغير ذلك فالخصم فيه السيد ، فإن أقر به لزمه وإن أنكر فالقول قوله ، فان حلف سقطت الدعوى ، وإن نكل ردت اليمين على المدعي ، فيحلف ويحكم له بالحق ».

ولا يخفى عليك ما فيها ، ومن هنا حررها المصنف بما سمعت ، وتبعه عليه غيره ، وهو في غاية الجودة بناء على ما فسرناه به ، فتأمل جيدا كي يظهر لك ما في جملة هنا من المصنفات.

٢٥٦

المسألة ( الثالثة : )

( لا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة ) بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به غير واحد ، لأن من شرط سماع الدعوى أن يكون المدعي مستحقا لموجب الدعوى ، فلا تسمع في الحدود ، لأنها حق الله تعالى ، والمستحق لم يأذن في الدعوى ولم يطلب الإثبات ، بل أمر بدرء الحدود بالشبهات (١) وبالتوبة عن موجبها (٢) من غير أن يظهره للحاكم ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن حمل رجلا على الإقرار عنده بالزنا (٣) : « هلا سترته بثوبك » وسماعها بالبينة بمعنى ثبوتها بها ، لا أنها تكون دعوى له معها ، كما هو واضح ( و ) حينئذ فـ ( ـلا يتوجه ) فيها ( اليمين على المنكر ).

( نعم ) لو كان الحق مشتركا بين الله وبين الآدمي ، كما ( لو قذفه بالزنا ولا بينة فادعاه ) المقذوف بالزنا مثلا ( عليه ) ففي توجه اليمين على المقذوف به وعدمه قولان ( قال ) الشيخ ( في المبسوط : ) ( جاز أن يحلف ) اليمين المردودة ( ليثبت الحد على القاذف ) ترجيحا لحق الآدمي ، ويحتمل بل يمكن القطع به أن يكون المراد قذفه بالزنا بأن قال له : يا زاني ثم لما أريد قيام حد القذف عليه ادعى الزنا على المقذوف ولكن لا بينة له على ذلك جاز أن يحلف المقذوف على عدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث ٤ من كتاب الحدود.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ من كتاب الحدود.

(٣) سنن البيهقي ج ٨ ص ٢٢٨ و ٣٣٠ و ٣٣١ وفيه‌ « لو سترته بثوبك » ‌و‌ « لو كنت سترت عليه بثوبك ».

٢٥٧

الزنا ليثبت الحد على القاذف.

ولعل هذا ألصق بالمحكي عن المبسوط في الدروس ، بل لعله الظاهر من المتن أيضا ، بل في كشف اللثام عن المبسوط أنه قال : « فان ادعى عليه مثلا أنه زنى لزمه الإجابة عن دعواه ، ويستحلف على ذلك ، فان حلف سقطت الدعوى ، ويلزم القاذف الحد ، وإن لم يحلف ردت اليمين وثبت الزنا في حقه ، ويسقط عنه حد القذف ، ولا يحكم على المدعى بحد الزنا ، لأن ذلك حق الله تعالى محض ، وحقوق الله المحضة لا تسمع فيها الدعوى ، ولا يحكم فيها بالنكول ورد اليمين » ولعله لذا حكى عنه في الدروس أنه لو طلب القاذف يمين المقذوف على عدم الزنا أجيب ، فيثبت الحد إن حلف وإلا فلا ـ قال ـ : وهو حسن ، لتعلقه بحق الآدمي ونفي اليمين في الحد إذا لم يتعلق به حق آدمي » لكن في المسالك بعد أن حكى عن الشيخ القول بسماع الدعوى في القذف وجريان حكم اليمين فيها قال : « وفرع الشيخ على ذلك » ثم ذكر حكم القذف الصريح.

( و ) حينئذ ( فيه إشكال ) واضح ( إذ ) في النبوي ( لا يمين في حد ) وفي المرسل الذي هو كالصحيح بابن أبي عمير في رواية التهذيب بل وكذا في رواية الكافي المنجبر مع ذلك كله بالعمل (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أتى رجل لأمير المؤمنين عليه‌السلام برجل ، فقال : هذا قذفني ولم تكن له بينة ، فقال : يا أمير المؤمنين‌

__________________

(١) لم أعثر عليه في الوسائل مع التتبع التام ورواه الشيخ ( قده ) في التهذيب ج ١٠ ص ٧٩ الرقم ٣١٠ والكليني ( قده ) في الكافي ج ٧ ص ٢٥٥ نعم أشار الى ذيله في الوسائل في الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ١.

٢٥٨

استحلفه ، فقال : لا يمين في حد » وفي آخر (١) « لا يستحلف صاحب الحد » وفي ثالث (٢) « أن رجلا استعدى عليا عليه‌السلام فقال : إنه افترى علي ، فقال عليه‌السلام للرجل : فعلت ما فعلت؟ قال : لا ، فقال عليه‌السلام للمستعدى : ألك بينة؟ فقال : ما لي بينة فأحلفه ، فقال عليه‌السلام : ما عليه يمين » كل ذلك مضافا إلى الأصل بعد اختصاص النصوص بغير المفروض.

نعم قد يقال : إن أكثر هذه النصوص أو جميعها لا تنافي المحكي عن الشيخ على ما سمعته من الدروس بل ومن كلامه ، ضرورة عدم ثبوت الحد فيه باليمين ، وإنما هو بالقذف المحقق منه إلا أن له حق اليمين على المقذوف بأنه ما زنى ، ودعوى استفادة ذلك من الخبر بطريق الأولوية كما في كشف اللثام ممنوعة.

اللهم إلا أن يقال باندراج ذلك في عموم نفي اليمين في الحد ، بل لعله المراد من‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « لا يستحلف صاحب الحد » على معنى أن لا يمين على من له الحد ، أو يقال : يكفي في رده إطلاق ما دل على وجوب الحد بذلك في الكتاب والسنة (٤) نحو قوله تعالى (٥) : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ) إلى آخرها ، وغيره ولا دليل على اشتراطه بحلف المقذوف بعد ظهور‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) : « واليمين‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب حد القذف من كتاب الحدود.

(٥) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٥.

٢٥٩

على المدعى عليه » و « من أنكر » (١) في غير ذلك ممن يكون له حق في الدعوى المنساق منها ذلك ، لا أن المراد منها مجرد الادعاء وإن لم يكن له حق فيها.

وعلى كل حال فالمحكي عن الشيخ ضعيف وإن سمعت استحسانه في الدروس ، بل في كشف اللثام أنه قوي من حيث الاعتبار وقاعدة الإنكار ، وقد عرفت التحقيق ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة )

قد عرفت فيما تقدم أن ( منكر السرقة يتوجه عليه اليمين لإسقاط الغرم ) لأنها توجب أمرين : حق الآدمي وهو المال والثاني القطع وهو حق الله ولا ملازمة بينهما ، فيجري حكم الدعوى في الأول بالنسبة إلى اليمين ورده والنكول دون الثاني الذي قد عرفت عدم جعل الشارع اليمين حجة فيه ، بل لا دعوى من مدع حقيقة فيه.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو ) ادعاها عليه و ( نكل لزمه المال دون القطع بناء على القضاء بالنكول ، وهو الأظهر ) عند المصنف ولكن عرفت ضعفه ( وإلا حلف المدعي ).

( و ) على كل حال ( لا يثبت الحد على القولين ) لعدم ثبوت كونه سارقا على وجه يلحقه الحكم المعلق عليه في الكتاب (٢) والسنة (٣) فان اليمين لا تثبت الموضوع واقعا فضلا عن ثبوته به بالنسبة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب حد السرقة من كتاب الحدود.

٢٦٠