جواهر الكلام - ج ٤٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

سقوط حقه مطلقا متى رد عليه اليمين التي طلبها من المنكر وأبي عن وقوعها في ذلك المجلس ، ودعوى أن المتبادر والمنساق منها ما لم يذكر عذرا مسموعا أو ما لم يأت ببينة ولو في مجلس آخر واضحة المنع.

ومن ذلك كله يعلم ما في المحكي عن المفيد وأبي الصلاح والفاضل في التحرير والشهيدين والكاشاني من عدم سقوط دعواه إذا جاء ببينة ، بل في الروضة نسبته إلى المشهور وإن كنا لم نتحققه ، بل لعل المحقق خلافه.

وأضعف منه ما عن ظاهر المبسوط وموضع من القواعد من أن له إعادة الدعوى في غير المجلس ولو مع عدم البينة ، وعن بعض التفصيل بين حكم الحاكم عليه بالنكول وعدمه فلا يطالب في الأول ويطالب في الثاني ، إذ الجميع كما ترى بعد ما عرفت.

مضافا إلى احتمال عدم البحث من أصله بعد فرض التماس المنكر الحكومة وقد حكم ، فإنه لا دعوى حينئذ ، ولا وجه لإعادتها بعد انقطاعها ، كما هو واضح ، ومع عدم الحكم يتجه السماع مطلقا.

لكن قد يقال : المراد بيان أن حكم الحاكم يكون على هذا الوجه نحو حكومته على الغائب ، وإن كان يرد عليه حينئذ أن ظاهر أدلة المقام بناء على إرادة تعليم كيفية القضاء اقتضاء كون القضاء من الحاكم في مثل هذا النظم من الدعوى بأنه لا حق له ولا شي‌ء له بعد صدق إبائه عن الحلف مطلقا من غير فرق بين المجلس وغيره ، ووجود البينة وعدمها ، وحكم الحاكم بنكوله وعدمه.

وعلى كل حال فقد بان لك ضعف الأقوال المزبورة التي لا أثر لها في شي‌ء من النصوص ، بل ظاهرها خلافها بعد الإغضاء عن المراد بالمجلس الظاهر في محل الدعوى ، ويحتمل إرادة إنشاء الدعوى الأول وهما معا كما ترى ، وكذا التفصيل بالبينة وعدمها وغيره مما سمعت الذي‌

١٨١

هو مجرد اقتراح في النصوص بلا شاهد ، بل لعل التأمل الجيد يشهد بخلافه ، ومن الغريب تصريح بعضهم بأن عدم الحلف من المدعي بعد الرد كيمين المنكر في الحكم ثم الحكم بعد ذلك بسماع البينة في ذلك المجلس أو مطلقا ، فلاحظ وتأمل.

ولو ردت عليه اليمين فذكر أن دعواه ظنية ـ وإن كان قد أبرزها بصورة الجزم ـ أو أن المال لغيره فإن أمكنه إثبات ذلك لم يرد عليه ، وإلا حلف المنكر على نفي ذلك وقضى عليه بالنكول ، بل لو بذل اليمين بعد ذلك لم يسمع إلا في الأول مع احتمال تجدد العلم له وإن لم يحلف المنكر كان له رد اليمين عليه. وبالجملة تجري عليه أحكام الدعوى ، والله العالم.

( وإن نكل المنكر بمعنى أنه لم يحلف ولم يرد قال الحاكم : إن حلفت ) أو رددت ( وإلا جعلتك ناكلا ، ويكرر ذلك ثلاثا استظهارا لا فرضا ) على ما ذكره الأصحاب ، كما في الكفاية مؤميا إلى أنه إن لم يكن إجماع ففيه نظر ، وهو كذلك بل من وجوه ، خصوصا بعد ذكرهم نحو ذلك في نكول المدعي ، وخصوصا بعد أن لم يكن النكول عنوانا لما عثرنا عليه من النصوص ، وخصوصا بعد تحققه بالامتناع الأول منه من غير حاجة إلى جعل الحاكم.

وعلى كل حال ( فإن أصر قيل ) والقائل الصدوقان والشيخان والديلمي والحلبي وغيرهم ( يقضي عليه بـ ) ـمجرد ( النكول ).

( وقيل ) والقائل الشيخ والكاتب والقاضي وابنا حمزة وإدريس والفاضل والشهيدان على ما حكي عن بعضهم ( يرد اليمين على المدعي فان حلف ثبت حقه وإن امتنع سقط ) حقه ، بل في المسالك نسبته إلى سائر المتأخرين ، وفي الرياض إلى كثير من القدماء ، بل عن الخلاف‌

١٨٢

والغنية الإجماع عليه.

( و ) لكن مع ذلك ( الأول أظهر ) عند المصنف ، بل قال ( وهو المروي ) لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » والتفصيل قاطع للشركة ، والرد إنما جاء من قبل الراد لا بأصل الشرع ، فهو مخصوص بما إذا اختاره للنصوص (٢) لا مطلقا.

وصحيح ابن مسلم (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الأخرس كيف يحلف؟ قال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كتب له اليمين وغسلها وأمره بشربها فامتنع ، فألزمه بالدين » وظاهره عدم رد اليمين وإلا لنقل أو لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب بل الحاجة ، بل ظاهر الفاء تعقيب ذلك للامتناع بغير مهلة تخلل اليمين ، وفعله عليه‌السلام حجة كقوله.

وخبر عبد الرحمن (٤) المتقدم سابقا المعمول عليه بين الأصحاب في اليمين مع البينة في الدعوى على الميت.

ولأن ظاهر الإحلاف أنه حق المنكر ، فلا يستوفى إلا بإذنه ، كما أنه لا يحلف المنكر إلا بإذن المدعي ، ولأنه كنكول المدعي عن اليمين التي هي ليست إلا يمين المنكر فنكوله عنها إن لم تكن أولى في تسبيب القضاء به فهو مساو.

لكن قد يناقش بأن أقصى دلالة الأول على أن جنس اليمين على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٥ والباب ـ ٢٥ ـ منها الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كيفية الحكم.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

١٨٣

المنكر وأنه وظيفته ، ولا دلالة فيه على حكم النكول ، بل ولا منافاة بينه وبين الرد منه أو من الحاكم القائم مقامه.

وبالقطع بعدم إرادة ظاهر الثاني ، ضرورة اشتراط الحكم بنكوله عن رده أيضا ، فلا بد في إصلاحه حينئذ من تقدير ، والتزام كونه موافقا لذلك ليس بأولى من جعله مخالفا له ، والحاجة هي تعليم كيفية حلف الأخرس لا كيفية الحكم في الدعوى مطلقا ، على أنه قضية في واقعة لا عموم فيها وموقوف على العمل به ، والمشهور عدم العمل به ، بل هو مناف لما أطبق عليه الجمهور من حكاية خلافه عن علي عليه‌السلام.

وبأن خبر عبد الرحمن مع موافقته للعامة لا جابر له في المقام وإن تلقاه الأصحاب بالقبول في غيره ، على أنه في الفقيه أبدل « وإن لم يحلف فعليه » بقوله : « وإن رد اليمين على المدعي فلم يحلف فلا حق له » فلا دلالة فيه ، واختلاف متنه بذلك موجب للتزلزل فيه.

على أنه يجري فيه ما سمعته من المناقشة في الصحيح السابق من عدم القائل بإطلاقه ، فلا بد من تقييده إما بالنكول عن الرد أيضا ـ كما هو مناط الاستدلال ـ أو بما إذا رد اليمين على المدعي وحلف ، وليس بمرجوح بالإضافة إلى الأول ، بل لعله أرجح بملاحظة غيره من النصوص الدالة على ذلك ، خصوصا مرسل يونس (١) السابق المتضمن جعل يمين المدعي بعد الرد أحد الأربعة التي يستخرج بها الحقوق.

بل لعل التدبر فيما تضمنه يقتضي كون المراد من الخبر الأول ، فان لم يحلف ورد اليمين على المدعي وحلف فعليه ـ أي المنكر ـ الحق ، ضرورة ظهور المضمر في كون المركب السبب في ذلك ، فيعارض ما هو ظاهر الخبر الأول من كون تمام السبب عدم الحلف ، إذ لا معنى لجعله‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٤.

١٨٤

جزء تارة وتمام السبب أخرى ، فيحمل الأول حينئذ على الثاني.

وربما يؤيد ذلك قوله عليه‌السلام متصلا به بعد تأليفه مما في الفقيه وغيره لأنه خبر واحد : « وإن رد اليمين على المدعي فلم يحلف فلا حق له » متكلا على بيان صورة ما إذا رد وحلف على‌ قوله عليه‌السلام : « وإن لم يحلف » فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.

بل قد يناقش فيه أيضا بإجمال مرجع ضمير « عليه » فيه والمبتداء المقدر ، إذ كما يحتمل أن يكون المنكر وأن المبتداء المقدر الحق كما يدعيه الخصم يحتمل المدعي وأن المبتداء المقدر الحلف ، بل يمكن إرادة غير المال من الحق أيضا ، بمعنى أن عليه حق الدعوى ولم تنقطع عنه بمجرد نكوله ، بل ربما وجب عليه المال بذلك إذا رد اليمين على المدعي فحلف ولو من الحاكم.

وبأن في ذيله تأييدا للقول الثاني ، وهو‌ قوله عليه‌السلام : « ولو كان ـ أي المدعى عليه ـ حيا لألزم باليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه » بصيغة المجهول على ما حكاه في الرياض عن تهذيب معتبر مصحح عنده مضبوط ، قال : « وبه صرح بعض الفضلاء » وحينئذ لا وجه للعدول عن عطفه على الأول بلفظ « رد اليمين » إلا التنبيه على عدم انحصار الرد في المنكر وإمكان كونه غيره ، وليس إلا الحاكم ، فتأمل.

وبإمكان المنع لحقية المنكر الإحلاف ، على أن الإحلاف هنا ليس إلا لمصلحة المنكر بانقطاع الدعوى عنه ، فربما جاز بدون إذنه ، مضافا إلى معلومية ولاية الحاكم على كل ممتنع ، فيقوم مقامه حينئذ في الرد الذي يمكن نكول المدعي معه ، فيسقط حقه ، ومن هنا وجب على الحاكم تعرف عدم حصول مسقط الحق بذلك ، والقياس مع بطلانه عندنا غير تام ، للفرق بعدم فرد آخر للمدعي يصلح للحاكم من يقوم مقامه فيه مع نكوله‌

١٨٥

عنه بخلافه في المقام ، فان له الرد الذي نكل عنه.

وكيف كان فوجوب تعرف الحاكم المسقط مع الاحتياط وأصالة عدم ثبوت الحق إلا به والإجماع المحكي وصحيحي عبيد بن زرارة (١) وهشام (٢) السابقين والمحكي من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه رد اليمين على المدعي (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « المطلوب أولى باليمين من الطالب » (٤) المقتضى اشتراكهما في اليمين وإن كان المطلوب أحق ، وقوله تعالى (٥) ( تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ ) الظاهر في مشروعية اليمين المردودة دليل الخصم.

ولكن في الجميع أيضا نظر ، إذ لا دليل على قيام الحاكم مقام الممتنع فيما امتنع عنه مما هو عليه فيما هو له ، ضرورة أن الرد هنا حق له لا عليه ، وقد امتنع منه كي يقوم الحاكم مقامه ، على أنه لا دليل على عموم ولايته بحيث يشمل الفرض ، ولا يجب عليه تعرف المسقط.

والاحتياط معارض بمثله فيما لو فرض امتناع المدعي عن الحلف بعد الرد من الحاكم ، خصوصا إذا كان تعظيما لله تعالى ، على أن الأصل براءة ذمة الحاكم من التكليف بالرد ، والمدعي من التكليف باليمين ، وأصالة عدم توجه اليمين على غير المنكر ، وعدم كونها حجة للمدعي ، وعدم كون النكول عنها حجة عليه ، وعدم صحة تعرف الحاكم الرد ، وعدم جوازه من حيث إنه حق للمنكر.

والإجماع المحكي ـ مع أنه موهون بمصير من عرفت إلى خلافه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣.

(٣) سنن الدار قطني ج ٤ ص ٢١٣.

(٤) سنن الدار قطني ج ٤ ص ٢١٩.

(٥) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١٠٨.

١٨٦

خصوصا من تقدم على حكاية ـ محتمل لإرادة بيان أصل مشروعية رد اليمين في مقابلة المحكي عن أبي حنيفة وغيره ممن لم يشرع ردها بحال ، فإنه اللائق بدعوى أن على ذلك إجماع الفرقة وأخبارهم ، بل لعله الظاهر من عبارتي الخلاف والغنية المحكي فيهما خلاف أبي حنيفة ، فلاحظ وتأمل.

بل ليس في صحيح هشام (١) وعبيد (٢) والمحكي من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) وقوله (٤) إلا بيان ذلك ، وهو غير محل البحث ، أي الرد المخصوص ، بل لعل استدلال الشيخ بالآية (٥) التي هي قضية في واقعة خارجة عما نحن فيه ، بل بعيدة الشبه به ، كالصريح في إرادة بيان أن في الشرع يمينا مردودة في مقابل قول أبي حنيفة المزبور ، لا فيما نحن فيه.

وبذلك كله ظهر لك أن أدلة الطرفين محل نظر ، وأنه ليس في النصوص تعرض لتعليم القاضي في خصوص الفرض القضاء وأنه بالنكول أو بالرد من الحاكم.

نعم قد يقال : إنه بعد فرض الإجماع المركب على انحصار القضاء في الفرض بأحد الأمرين وأن اختيار أمر ثالث ـ من تخيير الحاكم بين الرد والقضاء وبين القضاء بالنكول أو بإلزام المنكر على اختيار أحد الثلاثة ولو بحبسه على ذلك ، كما عساه أومأ إليه ذيل خبر البصري (٦) أو غير ذلك ـ خرق للإجماع المزبور يتجه القول حينئذ إنه يرد اليمين منه على المدعي ، لأصالة عدم ثبوت الحق بدونه ، ولظهور حصر استخراج‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٢.

(٣) سنن الدار قطني ـ ج ٤ ص ٢١٣.

(٤) سنن الدار قطني ـ ج ٤ ص ٢١٩.

(٥) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١٠٨.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

١٨٧

الحقوق في مضمر يونس (١) بالأربعة ، ومجرد النكول خارج عنها ، بل لعل النصوص المستفيضة أو المتواترة الدالة على انحصار كيفية القضاء بين الناس بالبينات والأيمان تقتضي ذلك.

ففي خبري سليمان بن خالد (٢) ومحمد بن قيس (٣) ومرسل أبان ابن عثمان (٤) « أن نبيا شكى إلى ربه القضاء فقال : كيف أقضي بما لم تر عيني ولم تسمع اذنى؟ فقال : اقض بينهم بالبينات وأضفهم إلى اسمي يحلفون به » وفي الأخير منهما أن الله أوحى إلى داود عليه‌السلام ذلك أيضا ، وفي‌ خبر هشام بن الحكم (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان ».

واحتمال إرادة القضاء بالأيمان ولو من حيث النكول عنها خلاف الظاهر منها ، وخروج القضاء بنكول المدعي عن ذلك لدليله لا ينافي التقسيم المزبور ، بل لعل النصوص الكثيرة الواردة في ترجيح البينات عند التعارض باليمين (٦) ظاهرة في ذلك أيضا ، بل لعل سبر أدلة القضاء يشرف الفقيه على القطع بأن الأصل في القضاء ذلك ، وأنه لا قضاء بدون ذلك إلا ما خرج من نكول المدعي الذي قد عرفت قيام البحث في أن القضاء بالسقوط به في المجلس أو مطلقا مع عدم البينة أو عدم الحكم بالنكول أو مطلقا كما عرفت.

وحينئذ فلا مناص بعد فرض الإجماع المركب المزبور عن ذلك

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كيفية الحكم.

١٨٨

ولعله لذا جزم ابن إدريس بأن القول بالقضاء بمجرد نكول المنكر من دون حلف المدعي اشتباه وخطأ محض ، بل قد يحتمل كلام القائلين به إرادة تسبيب نكول المنكر لزوم الحق ولو باقتضائه حلف المدعي بعد الرد عليه من الحاكم.

بل لعله ظاهر المحكي عن ابن زهرة منهم ، فإنه بعد أن اختار في المقام القضاء برد اليمين على المدعي قال بعد ذلك بورقة تقريبا : « وإن نكل المدعى عليه عن اليمين لزمه الخروج عن حق خصمه فيما ادعاه » وهو لا يتم إلا بما ذكرناه.

( و ) على كل حال فـ ( ـلو بذل المنكر يمينه بعد ) الحكم بـ ( ـالنكول لم يلتفت إليه ) بناء على القضاء به بلا خلاف أجده فيه وفي عدم الالتفات إليه أيضا بعد إحلاف الحاكم المدعي على القول الثاني ، كما اعترف به في الرياض لتمامية الأمر وثبوت الحق وحصول الفصل بسبب القضاء عليه حينئذ بعد الأدلة التي سمعتها من الطرفين التي لا يعارضها إطلاق ما دل على أن اليمين عليه بعد تقييدها به ، بل في الرياض دعوى اختصاصه بحكم التبادر وغيره بيمينه قبل الحكم عليه بنكول أو إحلاف المدعي برد اليمين عليه ولو من الحاكم.

نعم في الرياض « هذا إذا كان الحكم عليه بنكوله بعد عرض حكمه عليه ولو مرة ، ولو قضى بنكوله من غير عرض فادعى الخصم الجهل بحكم النكول ففي نفوذ القضاء إشكال من تفريطه ، وظهور عذره ، ولعل الثاني أظهر ، وبالأصل أوفق ».

قلت ـ بعد الإغضاء عن قوله : « ولو مرة » المشعر بإرادة العرض لتحقيق النكول لا تفهيم الحكم ـ : ليس في شي‌ء مما وصل إلينا من الأدلة وجوب العرض عليه بمعنى إعلامه حكم النكول ، والأصل البراءة ،

١٨٩

فلا وجه لنقض الحكم حينئذ مع العلم بحاله فضلا عن دعواه الجهل ، خصوصا بعد ملاحظة الاستصحاب وغيره.

بل ولا يجب العرض عليه بالمعنى السابق مرة وإن صرح بوجوبها بعضهم فضلا عن تكرار ذلك عليه ثلاثا للاستظهار وإن ذكره المصنف وغيره ، بل لعل الموجود فيها خلافه ، وهو القضاء باليمين أو برده أو بالنكول عنه في المدعي والمنكر ونحو ذلك مما يقتضي عدم عذرية الجهل بذلك موضوعا وحكما فضلا عن دعواه.

ومن هنا استظهر في كشف اللثام أنه لا يجب إلا الأمر بالحلف لا قوله : « إن حلفت وإلا جعلتك ناكلا » ولا مرة ، للأصل.

ولو بذلها قبل حلف المدعي اليمين المردودة فالمتجه جوازه ، للأصل من غير فرق بين كون الرد منه أو من الحاكم ، واحتمال أن ذلك مقتض لإسقاط حقه من اليمين فلا يعود لا دليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه وإن قال الحاكم له : احلف فضلا عن إقباله عليه بوجهه ، خصوصا مع رضا المدعي بذلك خلافا للفاضل في التحرير فجعل قول الحاكم له : احلف كالقضاء بالنكول.

هذا وفي الرياض أيضا « أن المستفاد من عبائر الجماعة عدا الماتن في النافع عدم الالتفات إلى اليمين المبذولة بعد النكول لا بعد الحكم به ، وهو مشكل ، ولهذا اعترضهم المقدس الأردبيلي فقال : هو فرع ثبوت الحق بالنكول فورا ، ولا دليل عليه ، وهو حسن إلا أن احتمال مسامحتهم في التعبير وإرادتهم ما هنا أي الحكم بالنكول قائم ».

قلت : لا ريب في بعد الاحتمال المزبور ، بل الظاهر كون المراد من عبارة النافع هو تحقيق كونه ناكلا ، لا الحكم به نفسه ، أو الحكم عليه بالحق بمقتضى نكوله ، فإن الأول ليس من مورد الحكم على الظاهر ،

١٩٠

والثاني مفروغ منه ليس محلا للتنبيه ، نعم لعل وجهه ما أشرنا إليه من تحقق سبب الحكومة وحصول ميزانها المقرر شرعا عند القائل به ، نحو نكول المدعي عن اليمين المردودة عليه. وبذلك يندفع ما حكاه عن المقدس الأردبيلي ، كما أنه مما ذكرناه يعلم النظر فيما في كشف اللثام حتى فيما حكاه فيه عن التحرير والدروس ، فلاحظ وتأمل.

( ولو كان للمدعي بينة لم يقل الحاكم أحضرها ) بمعنى عدم جواز ذلك له ، كما عن المبسوط والمهذب والسرائر ( لأنه حق له ) إن شاء جاء به وإلا فلا ، إذ قد يريد اليمين.

( وقيل ) كما عن الشيخين والديلمي والحلبي والقاضي في أحد قوليه ( يجوز ) له ذلك بل في الرياض نسبته إلى أكثر المتأخرين ، بل في المسالك إلى أكثر أصحابنا ، للأصل بعد فرض كون المراد من الأمر الاذن والاعلام لا الوجوب والإلزام ( وهو حسن ).

ولكن في القواعد والمختلف والدروس التفصيل بين علم الحاكم بمعرفة المدعي بكون المقام مقام بينة فالأول ؛ وجهله بذلك فالثاني ، والأولى حمل القول الأول على إرادة الوجوب من الأمر على وجه الإلزام به ، كما هو مفاد دليله ، ولا ريب في عدم جواز ذلك ، ضرورة عدم وجوبه عليه ، لإمكان إرادته اليمين ، بل له إسقاط الدعوى من أصلها ، والثاني على إرادة الجواز والاعلام من الأمر ، ولا ريب في جوازه ، للأصل وغيره ، وبذلك يكون النزاع لفظيا.

بل منه أيضا يعلم ما في التفصيل الذي مرجعه إلى بيان أصل الحكم شرعا ، وهو لا مدخلية له فيما نحن فيه ، كما لا مدخلية في أصل بيان الحاكم الحكم بأن على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين ونحو ذلك مما هو بيان وتعرف لميزان القضاء المقرر شرعا ، وهو واضح.

١٩١

( و ) كيف كان فـ ( ـمع حضورها ) ففي المتن وغيره ( لا يسألها الحاكم ما لم يلتمس المدعي ) لأنه حقه ، فلا يتصرف فيه من غير إذنه ، وإن كان يكفي في سؤاله أن يقول إذا أحضرها : هذه بينتي أو شهودي أو نحوهما ، بل قد يقال بالاكتفاء بشاهد الحال ، بل قد يقال : إن ذلك حق للحاكم ، فلا يتوقف على الاذن مطلقا كي يحتاج إلى الدلالة عليه بشاهد الحال ونحوه.

وعلى كل حال فإذا أراد سؤالها ففي القواعد « قال : من كانت عنده شهادة فليذكر إن شاء ، ولا يقول لهما اشهدا » ولعله لأنه أمر لهما بالشهادة ، وقد لا تكون عندهما شهادة ، وربما توهما بذلك أن عليهما الشهادة وإن لم يعين بالحال. نعم له أن يقول : من كانت عنده شهادة فليشهد ولا يكتم شهادته ونحو ذلك ، لأنه أمر بالواجب ونهى عن المحرم ، وفيه أن مثل ذلك خطاب عرفي يراد منه الشهادة وإن كانت عندهما ، واحتمال توهمهما لا يقدح بعد فرض ظهور الخطاب في ذلك ، كما هو واضح.

( ومع الإقامة بالشهادة ) قيل ( لا يحكم إلا بمسألة المدعي أيضا ) لأن ذلك حق له ، وربما كان له غرض في عدم الحكم ، ولو فرض جهل المدعي بتوقف حكم الحاكم على طلبه بينه له ، لكن قد يقال : إن له الحكم وإن لم يسأله المدعي ، لأن ذلك منصبه ووظيفته كما عرفته فيما سبق ، ومفروض المسألة عدم رفع يد المدعي عن دعواه ، ولكن لم يخطر في باله الاذن ولو لجهل أو غفلة ، وحينئذ فلا ريب في اقتضاء إطلاق الأمر (١) بالحكم بين الناس عدم التوقف على الاذن كما هو واضح.

( و ) على كل حال فـ ( ـبعد أن يعرف عدالة البينة ) على‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٥٨ وسورة المائدة : ٥ الآية ٤٢ وسورة ص : ٣٨ الآية ٢٦.

١٩٢

وجه تكون صالحة لإثبات الدعوى ( يقول ) للخصم ( هل عندك جرح ) وفي وجوب ذلك إشكال ( فإن قال : نعم وسأل الانظار في إثباته أنظره ) لإمكان صدقه ، ول‌ قول علي عليه‌السلام لشريح (١) : « واجعل لمن ادعى شهودا أمدا بينهما ، فإن أحضرهم أخذت له بحقه وإن لم يحضرهم أوجبت عليه القضية » إلا أنه كما ترى لا تعيين فيه لمدة الانظار التي قدرها في المبسوط وغيره ( ثلاثا ) بل لا أجد فيه خلافا بينهم من دون تفصيل بين بعد المسافة وقربها ، مع أن ظاهر المرسل المزبور كون الأمد بحيث يمكن إتيان البينة فيه ، كما هو ظاهر النافع.

واحتمل في كشف اللثام تنزيل الإطلاق المزبور من المصنف وغيره على ما إذا لم يدع بعد مسافة البينة بحيث لا تحضر في ثلاثة أيام ، قال : « وإذا كان كذلك أنفذ الحاكم حكمه ، والخصم على حجته إذا أثبت الفسق ».

وفيه أن المرسل المزبور غير جامع لشرائط الحجية ، وإطلاق الأدلة يقتضي تحقق ميزان القضاء ، ولكن التأخير ثلاثة أيام لقاعدة لا ضرر ولا ضرار بعد فتوى الأصحاب بذلك ، وبقاء الخصم على حجته مناف للقضاء الذي هو الفصل ، ولعله لذا كان ظاهر المصنف وغيره اعتبار دعوى الخصم وجود الجارح في الانظار ، فلو أراده حينئذ لاحتمال حصوله لم ينظر ، وليس هو إلا لتحقق ميزان القضاء ، هذا كله في بينة الجرح ، وأما بينة الدعوى في غيره فستسمع الكلام فيها إنشاء الله.

وكيف كان ( فان تعذر الجرح ) مدة الإنظار ( حكم ) عليه ( بعد سؤال المدعي ) أو مطلقا كما عرفت ، لكن عن المبسوط استحب أن يقول للمدعى عليه : قد ادعى عليك كذا وشهد به عليك كذا وكذا وأنظرتك جرح الشهود فلم تفعل فيها أنا ذا أحكم عليك ليتبين أنه حكم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ١.

١٩٣

بحق ، والأمر سهل.

( ولا يستحلف المدعي مع البينة ) القابلة لإثبات الحق بلا خلاف فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى‌ خبر محمد بن مسلم (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يقيم البينة على حقه هل عليه أن يستحلف؟ قال : لا » وخبر أبي العباس (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا أقام الرجل البينة على حقه فليس عليه يمين » خلافا لبعض العامة وإن وافقه ما في‌ الخبر (٣) من وصية علي عليه‌السلام لشريح « ورد اليمين على المدعي مع بينته ، فان ذلك أجلى للعمى وأثبت للقضاء » لكنه ضعيف قاصر عن معارضة ما عرفت ، بل يمكن حمله على ما تسمعه من الصور المستثناة أو على ضرب من الندب مع رضا المدعي وطلب المدعي عليه أو غير ذلك ، على أن المروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤) أنه اشترط على شريح أن لا ينفذ قضاء إلا بحضرته.

وعلى كل حال فلا ريب في الحكم المزبور ( إلا أن تكون الشهادة على ميت فيستحلف على بقاء الحق في ذمته استظهارا ) لازما في الإثبات بالبينة بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، كما اعترف به غير واحد ، بل في الروضة هو موضع وفاق ، وفي المسالك تارة نسبه إلى الشهرة من غير ظهور مخالف ، وأخرى إلى الاتفاق ، لكن ظاهره أخيرا الشك في الإجماع ، بل لم تصدر الوسوسة في ذلك إلا منه ، وتبعه الأردبيلي رحمه‌الله نعم قد خلت عنه كثير من كتب القدماء كالمقنعة والانتصار والنهاية والخلاف والوسيلة والكافي والمراسم والغنية والسرائر وجامع الشرائع ، بل قيل لم يصرح به أحد قبل المصنف غير الشيخ ، إلا أن ذلك غير قادح في تحصيل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ١.

١٩٤

الإجماع على بعض طرقه المقررة في الأصول ، ولذا حكاه الصيمري عليه هنا ، فلا ريب في الاستدلال به بناء على حجية مثله.

على أن الأصل في ذلك‌ قوي عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) الذي رواه المحمدون الثلاثة المنجبر بما عرفت قال : « قلت للشيخ يعني موسى ابن جعفر عليهما‌السلام ـ كما عن الفقيه ـ أخبرني عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلا يكون له البينة بماله. قال : فيمين المدعى عليه ، فان حلف فلا حق له ، وإن لم يحلف فعليه ـ كما في الكافي والتهذيب ، وأبدل في الفقيه قوله : « وإن لم » إلى آخره بقوله : « وإن رد اليمين على المدعى فلم يحلف فلا حق له » ـ فان كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وأن حقه لعليه ، فإن حلف وإلا فلا حق له ، لأنا لا ندري لعله قد وفاه ببينة لا نعلم موضعها أو بغير بينة قبل الموت ، فمن ثم صارت عليه اليمين مع البينة ، فإن ادعى ولا بينة فلا حق له ، لأن المدعى عليه ليس بحي ، ولو كان حيا لألزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه فمن ثم لم يثبت له عليه حق ».

وصحيح الصفار (٢) الذي رواه الثلاثة أيضا « كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقع عليه‌السلام إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدعي اليمين ( يمين خ ل ) وكتب إليه أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيرا أو كبيرا بحق له على الميت أو على غيره وهو القابض للوارث الصغير وليس للكبير‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب الشهادات ـ الحديث ١.

١٩٥

( الكبير خ ل ) بقابض؟ فوقع عليه‌السلام نعم ، وينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم شهادته ، وكتب إليه أو تقبل شهادة الوصي على الميت بدين مع شاهد آخر؟ فوقع عليه‌السلام نعم من بعد يمين ».

والمناقشة في الأول بضعف السند ، وباحتمال غير الامام من الشيخ وغير الشاهدين من البينة ، وبأن ظاهره وجوب اليمين المغلظة بناء على ظهور لفظ « عليه » في الوجوب ، ولا قائل به وإلا فلا يدل على المطلوب ، ويمكن حمله على التقية أو الاستحباب وفي الثاني بأنه مكاتبة وباشتماله على ما هو مخالف للقواعد ومعارض بصحيحه الآخر (١) « كتب إليه عليه‌السلام أيضا رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا وفيهم صغار ، يجوز للكبار أن ينفذوا ويقبضوا ( ويقضوا خ ل ) ديونه لمن صح ( ممن صح خ لإن صح خ ل ) على الميت بشهود عدول قبل أن يدركوا الأوصياء الصغار ، فوقع عليه‌السلام نعم على الكبار ( الأكابر خ ل ) من الولد أن يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك » لا تستأهل ردا.

إنما الكلام في ظهور النص والفتوى في أصل اعتبار اليمين مع البينة في ثبوت الحق على وجه متى تعذر أحدهما سقط ، أو أن ذلك مخصوص فيما إذا كان المدعي صاحب الحق لا وصية أو وارثه ، لم أجد تحرير ذلك في كلامهم.

ولكن في بعض كتب المعاصرين حكاية الأول في بعض أفراد الفرض وإن اختار هو الثاني ، فإنه بعد أن فرض المسألة فيما لو ادعى وارث ميت على ميت آخر واختار عدم اليمين على البت عليه ، قال : « لأن الدليل إنما يدل على ثبوت اليمين على نفس المدعي ، فيبقى ما عداه على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من كتاب الوصايا ـ الحديث ١.

١٩٦

الأصل ، وأقصى ما يتوجه عليه بعد ذلك يمين نفي العلم » إلى آخر ما ذكره ، فان ما حضرني من نسخة كتابة غير نقية من الغلط.

لكن فيه أن ظاهر الفتوى والنص خصوصا الصحيح كون ذلك هو الحجة على الميت فيتجه حينئذ سقوط الحق ، إلا أنه كما ترى مناف لمذاق الفقه ، فقد يقال : إن للوارث الحلف على مقتضى الاستصحاب كما يحلف على مقتضى اليد ، لكن هو ـ مع أنه كما ترى أيضا ، خصوصا إذا كان المستصحب غير معلوم له وإنما شهدت به البينة ـ لا يتم في الوصي الذي لا يجوز حلفه لإثبات مال الغير ، اللهم إلا أن يقال به هنا باعتبار أنه ليس مثبتا ، بل هو شرط في حجية البينة التي هي في الحقيقة المثبتة ، أو يقال بالاكتفاء بيمين الوارث مع البينة في إثبات مفادها الذي لا فرق فيه بين متعلق الوصايا والإرث ، لأنها من الحجة المثبتة للموضوع في نفسه.

بل منه ينقدح عدم وجوب اليمين على كل واحد من الورثة ، بل يكفي يمين واحدة من أحدهم ، لأن مقتضى إطلاق النص اعتبار يمين واحدة في تمامية حجية البينة التي قد عرفت ثبوت الموضوع بها لسائر الشركاء وإن أقامها أحدهم ، فتأمل فإنه دقيق نافع. وإن كان لا يخلو من بحث ، ضرورة كون اليمين هنا نحوها مع الشاهد الواحد ، فلا يكتفى بها لغير ذي الحق.

بل قد يناقش في قبول اليمين من الوارث ، لتضمن يمين الاستظهار عدم الوفاء والإبراء ونحوهما ، ولا يكون منه على البت لأنه فعل الغير ، فمع فرض اعتبار يمين البت في يمين الاستظهار يتجه حينئذ سقوط الحق حينئذ كما سمعته أولا ، بل قد يؤيد بأنه مقتضى أصل عدم ثبوت الحق بعد فرض تعارض الأمارات على وجه لا وثوق بشي‌ء منها.

١٩٧

نعم قد يقال : ـ بعد استبعاد سقوط الحق مع البينة العادلة خصوصا مع قطع الوارث بالحق ، بل يمكن دعوى معلومية خلافه ولو بالسيرة القطعية ، واستبعاد سقوط اليمين في الدعوى على الميت مع ظهور النص والفتوى فيه ـ : إن المتجه إلزام الوارث باليمين على نفي العلم باستيفاء مورثه أو إبرائه ، لظهور الخبر الأول (١) في اليمين المخصوصة فيما إذا كان المدعي المستحق ، والتعليل فيه أيضا. وأما الثاني (٢) فليس فيه إلا اعتبار يمين بعد البينة ، فهي بالنسبة إلى كل أحد بحاله ، بل إن لم يكن إجماع على سقوط اليمين أو الانظار بها أمكن ذلك في ولي الطفل ، بل والوصي في وجه ، ولا حاجة إلى دعوى العلم في اعتبار هذا اليمين الذي هو للاستظهار من كل مدع بحسب حاله ، فتأمل جيدا.

هذا وفي المسالك « لو أقر له قبل الموت بمدة لا يمكن فيها الاستيفاء عادة ففي وجوب ضم اليمين إلى البينة وجهان ، من إطلاق النص (٣) الشامل لموضع النزاع ، وقيام الاحتمال وهو إبراؤه منه وقبضه من ماله ولو بعد الموت ، ومن البناء على الأصل والظاهر من بقاء الحق ، وهذا أقوى ».

وفيه أن ذلك مبني على اختصاص اليمين لنفي احتمال الوفاء من الميت دون غيره ، لكن فيه أولا أنه مناف لإطلاق صحيح الصفار (٤) بل وللخبر المزبور (٥) المراد منه ذلك على جهة التمثيل لا التقييد ، كما هو واضح.

نعم قد يقال بسقوطه فيما لو فرض شهادة الشهود ببقاء الحق في ذمة الميت على وجه لا احتمال لسقوطه أصلا إلى حين الدعوى أو حين‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب الشهادات ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب الشهادات ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

١٩٨

الوفاة بناء على الاجتزاء به ، مع أن ظاهر الصحيح المزبور (١) التعبد ، ويمكن بناؤه على الغالب ، فلا يحتاج إليه في نحو الفرض ، بل لعل ظاهر الخبر الأول (٢) كون اليمين للاستظهار ، باعتبار كون شهادة البينة بالاستصحاب ، والفرض في المقام خلافه ، فلا استظهار كما في صورة العلم بالحال ، والله العالم.

ثم إن ظاهر قوله : « وقبضه من ماله ولو بعد الموت » مراعاة نفي الاحتمال بعد الموت أيضا ، لكن ظاهر اليمين في الخبر المزبور (٣) اعتبار نفيه إلى حين الموت دون ما بعده ، اللهم إلا أن يكون المفروض معلومية انتفائه بعده ، إلا أنه كما ترى.

ثم إن ظاهر الصحيح بل والخبر اختصاص الحكم المزبور بالدين ، أما غيره من دعوى عين أو حق خيار فهو باق على مقتضى عموم حجية البينة بلا يمين ، اللهم إلا أن يقال بظهور الخبرين المزبورين في الفرق بين الميت والحي باعتبار اليمين فيما هو حجة على الحي استظهارا ، والدين فيهما إنما هو من باب المثال.

لكن لا يخفى ما فيه من المنع ، خصوصا بعد الفرق بين بينة العين والدين بأن مبنى الثانية على الاستصحاب غالبا بخلاف الأولى التي لا بد فيها من الشهادة على ملك المدعي إلى حين الدعوى ، لمعارضة اليد فيها ، فيمكن الاقتصار فيهما على الدين لذلك.

نعم لو شهدت البينة على أن العين كانت في يد الميت عارية أو غصبا أو نحوهما ولم تشهد أنها كذلك إلى حين الوفاة أو حين الدعوى وقلنا بالاكتفاء بها في الحي لأصالة عدم تجدد مقتض آخر لاستمرار قبضه أو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب الشهادات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

١٩٩

أصالة عدم قبض جديد بناء على إلحاق صورة الشهادة على القبض عارية أو غصبا مع عدم العلم بعودها وتجدد قبض جديد بالصورة الأولى التي علم فيها اتحاد القبض ، ولكن يحتمل تجدد مقتض لاختلاف استدامته عن ابتدائه احتمل هنا ضم اليمين معها بناء على أن ذكر الدين مثال لكل ما يحتمل فيه نحو ذلك من تجديد ملك ونحوه. بل في كشف اللثام أنه الوجه.

لكن قد يناقش ( أولا ) بمنع استفادة ذلك من الخبرين على وجه يخرج عن القياس الممنوع عند الشيعة ، و ( ثانيا ) بمنع الاجتزاء بمثل هذه البينة في الحي على وجه يرتفع ما تقتضيه اليد من الملكية في الزمان المتأخر الذي لا ينافيه وقوع القبض منه ابتداء عارية مثلا فضلا عن صورة احتمال تجدد قبض جديد منه.

وما في القواعد من أنه « لو أقام بينة بعارية عين ـ أي عند الميت ـ أو غصبها كان له انتزاعها من غير يمين » يراد به مع الشهادة على ذلك إلى حين الوفاة أو الدعوى ، لا أن المراد شهادتها بكونها عارية في الزمن السابق مع عدم العلم بحالها في غيره من الزمان المحتمل لتجدد قبض جديد أو مقتض لاختلاف الاستدامة مع الابتداء ، كما اختاره في كشف اللثام.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى عدم إلحاق العين بالدين في ذلك للعمومات وإن كان هو الأحوط مع فرض بذلها من المدعي ، نعم لو فرض تلفها في يده قبل موته على وجه يترتب عليه ضمانها اتجه حينئذ كونها كالدين ، بل هي من أفراده ، أما إذا فرض تلفها بعد موته وكانت مضمونة عليه فقد يقوى عدم اليمين عليه ، لقصور الخبرين (١)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١ والباب ـ ٢٨ ـ من كتاب الشهادات الحديث ١.

٢٠٠