جواهر الكلام - ج ٤٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بلا معارض ، ضرورة عدم الفرق في العمل بين الجرح الثابت وبين عدم ثبوت العدالة.

وفي بعض نسخ المتن : « ولو اختلف الشهود في الجرح والتعديل قال في الخلاف توقف الحاكم ولو قيل يعمل على الجرح كان حسنا » وهو الذي شرحها في المسالك ، ولذا قال فيها بعد أن حكى عن الشيخ ذلك : « وهو يتم مع عدم إمكان الجمع ، كما لو تكاذبا ، أما مع الإطلاق فلا وجه للتوقف ، لعدم التعارض ».

وفيه أن التعارض في صورة إطلاق العدالة والفسق متحقق ، إذ كما يحتمل اطلاع الجارح على ما خفي على المعدل يمكن اطلاع المعدل ولو بتجدد التوبة على ما خفي على الجارح ، نعم قد يقوى الظن بالأول للغلبة المزبورة ، ومع فرض عدم اعتبارها فالعمل على بينة الجرح ، لكن على الوجه الذي سمعته لا على جهة الحكم بفسقه تقديما لبينته ، ضرورة عدم المرجح لها غير ما عرفت ، فمع فرض عدم اعتباره فليس حينئذ إلا الوقف عن الحكم بمقتضاهما ، وهو عين العمل بالوجه الذي ذكرناه ، بل لعل الشيخ لا ينكره وإن عبر بالوقف إلا أن المراد ما ذكرناه.

أو يقال : إن المراد الوقف عن الحكم أصلا حتى بيمين المنكر الذي لم يعلم حجيته في هذا الحال ، باعتبار وجود بينة المدعي وإن كان لا عمل عليها باعتبار معارضتها ببينة الجرح ، وحينئذ فيكون ميزان الحكم مجهولا لانسياق الأدلة في غير الفرض فيرجع إلى الصلح أو غيره ، فتأمل.

وقد يقال أيضا : إن هذا كله مع فرض عدم أمر سابق يمكن استصحابه من عدالة أو فسق وإلا حكم به.

واحتمل في كشف اللثام تقديم التعديل على الجرح للأصل مع الخلو عن ظهور المعارض ، وهو جيد فيما يرجع إلى ما ذكرناه لا مطلقا.

١٢١

وبذلك بان لك الحال في جميع صور المسألة كما بان لك التشويش في جملة من كلام الأصحاب ، والله العالم.

المسألة ( التاسعة : )

( لا بأس بتفريق الشهود و ) استقصاء سؤال كل واحد منهم من دون علم الآخر عن مشخصات القضية بالزمان والمكان وغيرهما ، ليستدل على صدقهم باتفاق كلمتهم وعدمه باختلافهم ، للأصل وزيادة التثبت.

بل الظاهر أنه ( يستحب ) ذلك ( في من لا قوة ) عقل ( عنده ) بحيث يخشى من غلطه أو تدليس الأمر عليه وكذا غير ذلك مما تحصل منه الريبة في الشهادة ، كما فعله دانيال (ع) في شهود على امرأة بالزنا فعرف منه كذبهم (١) وكذا داود (ع) (٢) لقوله تعالى (٣) : ( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) وإن قلنا بنسخ شرائعهم بشريعتنا ، إذ هو لا ينافي الأمر فيها ببعض ما كان عندهم ، إذ المسلم منعه التعبد بشرعهم من حيث إنه مشروع عندهم لا مطلقا.

على أن المروي (٤) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام نحو ذلك أيضا في سبعة خرجوا في سفر ففقد واحد منهم فجاءت امرأته إلى علي عليه‌السلام وذكرت ذلك له ، فاستدعاهم وسألهم فأنكروا ، ففرقهم‌

__________________

(١) الكافي ٧ ص ٤٢٦ ـ ٤٢٧.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٣٧٢.

(٣) سورة الأنعام : ٦ ـ الآية ٩٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١ وفيه‌ « ان شابا قال لأمير المؤمنين ٧ : إن هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في السفر فرجعوا ولم يرجع أبي ... ».

١٢٢

وأقام كل واحد منهم إلى سارية ، ووكل به من يحفظه ، ثم استدعى واحدا منهم وسأله فأنكر ، فقال عليه‌السلام : الله أكبر ، فسمعه الباقون ، فظنوا أنه قد اعترف ، فاستدعى واحدا بعد واحد فاعترفوا بقتله ، فقتلهم علي عليه‌السلام.

بل منه يستفاد عدم اختصاص التفريق بالشهود ، وأن للحاكم التوصل إلى معرفة الحق بما يراه في ذلك الوقت مما لا ينافي الشرع.

نعم قد يقال : باختصاص جواز التفريق قبل ثبوت العدالة وطلب المدعي الحكم وإلا أشكل الجواز بظهور النصوص في وجوب الحكم حينئذ ، ولذا قال في المسالك : « ومحل التفريق قبل الاستزكاء إن احتيج إليه » بل ظاهره حتى مع الريبة ، لعدم ثبوت مانعيتها عن الوزن بالميزان الشرعي الموضوع للوزن به بين الناس.

اللهم إلا أن يستفاد من تلك الأدلة عدم الوجوب مع الريبة وإن طلب الخصم حتى ييأس مما يزيلها من نحو ذلك ، وحينئذ يحكم معها لإطلاق الأدلة ، بل ربما توقف بعضهم من الحكم معها تنزيلا للإطلاق المزبور على غير الفرض ، لكنه كما ترى.

ومما ذكرنا يعلم ما في إطلاق المصنف جواز التفريق الذي يمكن تنزيله على إرادة جوازه من حيث كونه كذلك لا مع حصول سبب وجوب الحكم ، أو على إرادة جوازه في أصل سماع شهادتهم لأنه أحد الأفراد ، وفيه زيادة استظهار ، والله العالم.

١٢٣

المسألة ( العاشرة : )

لا يشهد الشاهدان بالجرح إلا مع المشاهدة لفعل ما يقدح في العدالة أو أن يشيع ذلك في الناس شياعا موجبا للعلم ) للتواتر أو غيره مما يحصل به القطع ، بخلاف العدالة التي يكفي فيها غلبة الظن بسبب الخلطة والممارسة المقتضية لذلك ، لأنها الطريق إلى أمثالها أو لظهور النصوص (١) في الاكتفاء بنحو ذلك ، وإلا لم يكن التعديل إلا للمعصوم عليه‌السلام كما أومى إليه في بعض النصوص (٢).

( و ) حينئذ فـ ( ـلا يعول على سماع ذلك ) أي الجرح ( من الواحد والعشرة ) من حيث كونهم كذلك ( لعدم اليقين بخبرهم ) أما لو حصل ولو لشدة عدالتهم وضبطهم وتحرزهم فلا ريب في الاكتفاء به لأنه المدار.

نعم في المسالك « إن لم يبلغ المخبرون حد العلم لكنه استفاض وانتشر حتى قارب العلم ففي جواز الجرح به وجهان ، من أنه ظن في الجملة وقد نهى الله عن أتباعه إلا ما استثنى ، ومن أن ذلك ربما كان أقوى من البينة المدعية للمعاينة ، كما مر في نظائره ».

وفيه ما لا يخفى بعد فرض عدم حصول مرتبة العلم ، وعدم الدليل على الاكتفاء بمثله ، وحرمة القياس على البينة التي مبناها التعبد ، ومن هنا كان ظاهر المصنف وغيره اشتراط العلم.

وعلى كل حال فليس له الشهادة بالجرح بخبر الواحد وما فوقه إذا لم يبلغ ذلك الحد إجماعا كما في المسالك قال : « نعم له أن يشهد على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب كيفية الحكم.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١٣.

١٢٤

شهادتهم بشرط الشهادة على الشهادة ».

قلت : قد يتوهم أنه لولا الإجماع المزبور لأمكن القول بالاكتفاء في الشهادة به وبغيره بالبينة عنده ، بناء على عموم حجيتها شرعا لكل أحد ، ضرورة كونها حينئذ طريقا شرعيا كالشهادة بمقتضى الاستصحاب واليد ونحوها مما جعله الشارع أمارة على ذلك ، وكذا حكم الحاكم بالعدالة أو الفسق ، فان له ذلك كما صرح به في القواعد ، بل الظاهر اكتفاء الحاكم الآخر باخبار الأول من دون شهادة آخر.

لكن يدفعه اعتبار العلم في الشاهد على وجه لا يقوم مقامه الحجة شرعا ، بل لو أبرز ذلك على وجه الشهادة كان مدلسا ، بخلافه في نحو الملك باليد الدالة عليه باعتبار أن الشهادة به شرعا وعرفا بنحو ذلك ، وكذا الكلام في حكم الحاكم بل هو أولى ، لأنه إلزام بحكم الموضوع لا أنه من طرق ثبوته.

والموجود هنا في القواعد أنه « له ـ أي الحاكم ـ أن يحكم بالعدالة والجرح بشهادة عدلين إن نصب حاكما في التعديل » وفي الكشف « والجرح ، ولا يشترط المعاينة أو الشياع الموجب للعلم ، ويشترط في القاضي ، فإذا أخبر حاكما آخر بعدالته أو فسقه اكتفى به ، ولم يشترط شهادة آخر » وهو غير ما نحن فيه ، وإن كان ما في المتن والشرح لا يخلو من بحث من وجوه.

كما أن ما في القواعد أيضا من أنه « لو أقام المدعى عليه بينة أن هذين الشاهدين شهدا بهذا الحق عند حاكم فرد شهادتهما لفسقهما بطلت شهادتهما » كذلك أيضا وإن قال في كشف اللثام : « فهما شاهدا فرع على الحاكم ».

ثم إن المراد بمشاهدة فعل ما يقدح في العدالة حصول العلم بكونه‌

١٢٥

على الوجه المحرم وإلا لم يشهد به ، ضرورة أعمية شرب الخمر مثلا من ذلك ، ودعوى أن للأفعال ظهورا يجب الأخذ به كالأقوال واضحة المنع ، فان الفعل من حيث هو كذلك لا ظهور فيه ، وإنما يحصل معه بعض المقارنات المقتضية لكونه كذلك ، فهي إن أفادت العلم جرى عليه الحكم ، وإلا كان من الظن الذي لا دليل على حجيته بل الدليل على خلافه ، نعم لا عبرة بالاحتمال الذي لا يعتد به ولا ينافي القطع في العادة ، كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة ( الحادية عشرة : )

( لو ثبت عدالة الشاهد ) مثلا ( حكم باستمرار عدالته حتى يتبين ما ينافيها ) لقاعدة اليقين ( وقيل ) وإن كنا لم نتحقق القائل بذلك منا ( إن مضت مدة يمكن تغير حال الشاهد فيها استأنف البحث عنه ) نعم هو محكي عن بعض العامة لبعض الاعتبارات ( و ) لكن ( لا حد لذلك ، بل بحسب ما يراه الحاكم ) وعن المبسوط عن بعضهم تحديده بستة أشهر ، ولا يخفى عليك ضعف الجميع.

المسألة الثانية عشرة :

( ينبغي أن يجمع قضايا كل أسبوع ووثائقه وحججه ) التي للغير عنده ( ويكتب عليها ) قضاء أسبوع كذا من شهر كذا من سنة كذا ومحضر فلان وسجل فلان ووثيقة فلان ، بل ينبغي جمع قضاء كل يوم ، ويكتب عليه : قضاء يوم كذا من أسبوع كذا.

١٢٦

وعلى كل حال ( فإذا اجتمع ما لشهر كتب عليه : قضاء شهر كذا ، فإذا اجتمع ما لسنة جمعه وكتب عليه : قضاء سنة كذا ) كل ذلك لتسهيل إخراج المطلوب منه له ولمن بعده من الحكام من ديوان الحكم ، وكان ينبغي ذكر ذلك في الآداب ، خصوصا مع عدم دليل له سوى ما عرفته فيها وسوى ما في‌ خبر عقبة بن خالد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام المشتمل على قضية مع غيلان بن جامع وفيه « قلت : وكيف تقضي يا غيلان؟ قال : أكتب هذا ما قضى به فلان بن فلان لفلان بن فلان يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ثم أطرحه في الدواوين ، قال : قلت : هذا الحتم من القضاء » ‌

المسألة ( الثالثة عشرة : )

( كل موضع وجب على الحاكم كتابة المحضر فـ ) ـلا يجب عليه مقدماته لكن ( إن حمل له من بيت المال ما يصرفه في ذلك ) لأنه من أهم مصالح السياسة ( وجب عليه الكتابة ؛ وكذا إن أحضر الملتمس ذلك من خاصته و ) إلا فـ ( ـلا يجب على الحاكم دفع القرطاس ) والمداد والقلم ونحو ذلك ( من خاصته ) لعدم ثبوت الوجوب المطلق المقتضي لذلك ، بل لا دليل على الوجوب مع البذل أيضا وإن نسبه في المسالك إلى الأشهر تارة وإلى المعروف بين الأصحاب أخرى ، معللا له بأن ذلك حجة فكان عليه إقامتها كالحكم ، وكما لو أقر له بالحق وسأله الإشهاد على إقراره إلا أنه كما ترى ، ضرورة أن الحجة حكمه والاشهاد عليه لا كتابة الحكم ، بل وكذا كتابة الاشهاد على الإقرار.

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٤٢٩.

١٢٧

وقوله تعالى (١) ( وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ ) مع أنه في غير ما نحن فيه محمول على ضرب من الكراهة ، للقطع بعدم وجوب ذلك ، نعم هو راجح من حيث كونه قضاء حاجة وضبطا للحق وإقامة للمعروف.

بل ينبغي أن يكتب نسختين : إحداهما تكون في يد الملتمس والأخرى تبقى في ديوان الحكم لتنوب عن الأخرى على تقدير تلفها ، وليؤمن من تغييرها ، بل في المسالك وجوب كتابة النسختين على تقدير القول بوجوب أصل الكتابة ، ولكن قد عرفت ما في الأصل فضلا عن الفرع ، اللهم إلا أن يكون منصوبا من قبل الامام عليه‌السلام لذلك على وجه يرتزق من بيت المال ، فان الوجوب عليه متجه حينئذ ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة عشرة : )

( يكره للحاكم أن يعنت الشهود إذا كانوا من ذوي البصائر والأذهان القوية ) (٢) ( مثل أن يفرق بينهم ) ويكلفهم ما يثقل عليهم من المبالغة في مشخصات القضية التي شهدوا بها ، ووعظهم وتحذيرهم عقاب شهادة الزور ( لأن في ذلك ) نوع ( غضاضة لهم ) وامتهان ( و ) إن كان لا يصل إلى حد الحرمة.

نعم ( يستحب ذلك في موضع الريبة ) ولو لضعف بصيرة الشاهد وذهنه للاستظهار ، كما عرفته سابقا.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٨٢.

(٢) وفي الشرائع الموجود عندي « الأديان القوية ».

١٢٨

المسألة ( الخامسة : عشرة )

(لا يجوز للحاكم ) بلا خلاف أجده فيه ( أن يتعتع الشاهد وهو أن يداخله في ) أثناء ( التلفظ بالشهادة ) بكلام يجعله ذريعة إلى أن ينطق به ويعدل عما كان يريده هداية له إلى شي‌ء ينفع أو إيقاعا له فيما يضر ( أو يعقبه ) بكلام ليجعله تتمة شهادته ، وليستدرجه إليه بحيث تصير به الشهادة مسموعة أو مردودة.

( بل ) يجب عليه أن ( يكف عنه حتى ينتهي ما عنده ) ويحكم بمقتضاه حينئذ ( وإن ) كان ( يتردد ) ويتلعثم في شهادته لهيبة الحاكم ومجلس الحكومة أو غيرهما ، بل في المسالك حرمة ذلك عليه سواء كان الشاهد يأتي بما داخله به وتعقبه لولاه أم لا ، وهو كذلك بناء على اعتبار القصد المزبور بالتعتعة ، بل لا فرق بين الحاكم وغيره عدا الخصم فيه ، لما فيه من تضييع الحق وترويج الباطل ونحوهما مما هو معلوم الحرمة لغير الحاكم فضلا عنه ، أما إذا لم يكن كذلك بل كان من الإعانة على إبراز مقصده ونحو ذلك فيشكل حرمته ، للأصل وغيره.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو تردد ) الشاهد ( في الشهادة ) لأمر قد عرض له ( لم يجز ترغيبه في الاقدام على الإقامة و ) إغراؤه بذلك ، كما ( لا ) يجوز له ( تزهيده في إقامتها ) وترديده بها بعد فرض جزمه بالمشهود به ، لما فيه من الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

( وكذا لا يجوز إيقاف عزم الغريم عن الإقرار ) بالحق ( لأنه ظلم لغريمه و ) لكن ( يجوز ذلك في حقوق الله ، فان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لما عز عند اعترافه بالزنا : لعلك قبلتها ، لعلك

١٢٩

لمستها ) في الخبر (١) المشهور ( وهو تعريض ) منه ( بإيثار الاستتار ) وحمل له على عدم الإتمام بتكرار الإقرار أربع مرات ، كل ذلك من الرأفة بعباده ورحمتهم ، ولذا درأ عنهم حدوده بالشبهات (٢).

المسألة ( السادسة عشرة : )

( يكره أن يضيف أحد الخصمين دون صاحبه ) لما فيه من ترجيحه على الآخر وتطرق التهمة والميل ، وقد‌ روي (٣) « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام نزل به ضيف فمكث عنده أياما ثم تقدم إليه في خصومة لم يذكرها له ، فقال له : أخصم أنت؟ قال : نعم ، قال : تحول عنا ، لأن رسول الله نهى أن يضاف الخصم إلا ومعه خصمه » بل الظاهر مرجوحية حضور ضيافة الخصم مطلقا ، بل وكل ما يقتضي ترجيحه على خصمه ، والله العالم.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ٢٢٦.

(٢) إشارة الى ما رواه في الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث من كتاب الحدود.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ٢.

١٣٠

المسألة ( السابعة عشرة : )

( الرشوة ) مثلثة ( حرام على آخذها ) إجماعا بقسميه ونصوصا (١) بل في المسالك اتفق المسلمون على تحريم الرشوة على القاضي والعامل.

( و ) كذا ( يأثم الدافع لها إن توصل بها إلى الحكم له بالباطل ) للإعانة على الإثم ( و ) لأن‌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن الراشي والمرتشي (٢) نعم ( لو كان ) توصل بها ( إلى حق ) قد توقف على ذلك ( لم يأثم ) هو واختص الإثم بالآخذ ، بل ظاهر المصنف والفاضل جواز ذلك وإن لم يتوقف ، ولعله كذلك إذا لم يعلم الحال مع معروفية مدخلية الرشوة في ذلك عند قضاة العامة وعمالهم.

( و ) على كل حال ( يجب على المرتشي إعادة الرشوة إلى صاحبها ) لبقائها على ملكه ، حتى لو وقعت في ضمن عقد هبة أو بيع محاباة أو وقف ، فإنه بناء على أن نحو ذلك من أفراد الرشاء لا ريب في فساد العقود المزبورة ، نحو ما كان منها إعانة على الإثم ، ترجيحا لأدلة فسادها على ما يقتضي صحتها ، بل النهي فيها عن نفس المعاملة ، بل لعل ذلك هو مبنى فساد الرشوة التي هي غالبا تكون بعنوان الهبة رشوة.

كما أن منه يتضح الأمر في الهدية أيضا ، ضرورة أنه متى كانت أيضا رشوة لحقها حكم الهبة رشوة حرمة وفسادا ، أما إذا لم تكن رشوة ولا متوصلا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب القاضي والباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٢) المستدرك الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ٨.

١٣١

بها إلى باطل أو جزاء عليه فلا ريب في حليتها ، وإطلاق النصوص (١) أن هدايا العمال غلول وسحت ونحو ذلك يمكن إرادة المدفوعة لهم دفعا للباطل ونحوه منهم منه ، وهو شي‌ء آخر غير الرشوة التي هي محرمة وإن كانت للحكم بالحق على الأصح ودليله ما يستفاد من خبر تحف العقول (٢) وغيره مما تقدم في المكاسب (٣) كما يمكن إرادة بيان حرمة استيثار العمال بها ، بل مرجعها إلى بيت مال المسلمين ، لأنه من توابع عمل المسلمين.

وهو المراد حينئذ من‌ خبر أبي حميد الساعدي (٤) « استعمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا من الأسد يقال له أبو الليثة على الصدقة ، فلما قدم قال : هذا لكم وهذا أهدي لي ، فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر ، فقال : ما بال العامل نبعثه على أعمالنا يقول : هذا لكم وهذا أهدي لي ، فهلا جلس في قلب بيت أمه وأبيه ينظر أيهدى له أم لا ، والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تنفر ، ثم رفع يده حتى رأينا عفرة إبطه ، وقال : اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ » وليس المراد منه حرمة الهدية في نفسها مع أنه هو صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بالتهادي للتحاب والتواد (٥) ولا زال (ص) يقبل الهدية ، حتى‌ قال (٦) : « لو أهدي إلى كراع لقبلته ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ٦ والباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٢ من كتاب التجارة وسنن البيهقي ج ١٠ ص ١٣٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٣) راجع ج ٢٢ ص ١٤٥ ـ ١٤٩.

(٤) سنن البيهقي ج ٤ ص ١٥٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٦) الوسائل الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١٣ من كتاب التجارة.

١٣٢

فالتحقيق حينئذ ما عرفت من حرمة الهدية رشوة كالهبة رشوة وحينئذ يكون الرشاء أعم من كل من هذه العقود من وجه نحو الإعانة على الإثم ، فتأمل جيدا كي تعرف ما في المسالك وغيرها من حرمة الهدية للقاضي والعامل ممن لم تكن عادته الهدية له قبل ذلك أو كانت للقاضي من أحد الخصمين ، بل وغير ذلك من المباحث.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو تلفت ) أي الرشوة ( قبل وصولها إليه ضمنها له ) لعموم « على اليد » (١) وغيره مما تقدم الكلام فيه وفي جميع ما يتعلق بالمسألة موضوعا وحكما في المكاسب (٢) فلاحظ وتدبر ليظهر لك الحال في كثير من مباحث المقام حتى الإشكال في الضمان مع التلف ، خصوصا إذا كانت الرشوة من الأعمال التي تبرع بها الراشي ونحوه مما لا يد فيه للمرتشي ولا أمر بالعمل ، وحتى فيما ذكره بعض من حرمة ما يقع من المدعي من الأعمال لأجل الحكم وإن لم يدخل ذلك تحت الرشوة في الاسم ولكن يدخل في الحكم ، ضرورة عدم الدليل على الحرمة المنافية للأصل وغيره بعد عدم الاندراج في اسم الرشوة أو غيره مما هو عنوان للحرمة كالمتوصل به إلى الباطل ونحوه ، أما إذا كان وصلة إلى الحق فلا بأس به بعد أن لم يكن رشوة كما هو الفرض.

هذا وقد يقال : باختصاص الرشوة فيما بذل للقاضي على الحكم ولو بحق وللعامل على الباطل ، أما الثاني فللإجماع المحكي في المسالك ، وأما الأول فلظاهر النصوص (٣) وما في بعضها من الإطلاق كالنبوي (٤) الذي‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

(٢) راجع ج ٢٢ ص ١٤٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب القاضي.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب القاضي الحديث ٨.

١٣٣

لا ينافيه القيد في آخر غير جامع لشرائط الحجية في الخروج عن أصل البراءة ونحوه ، والله العالم.

المسألة ( الثامنة عشرة : )

( إذا التمس الخصم إحضار خصمه مجلس الحكم ) واستعدى الحاكم عليه أعداه و ( أحضره ) مع الإمكان ( إذا كان حاضرا ) بلا خلاف أجده فيه ، بل في المسالك نسبته إلى علمائنا وأكثر العامة ، وكذا عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه ، لتعلق حق الدعوى به ، ولاقتضاء منصبه ذلك ( سواء حرر المدعي دعواه أم لم يحررها ) وسواء كان من أهل المروات أم لا ، ونحوها ولو كان قاضيا معزولا (١) وسواء علم الحاكم بينهما معاملة أم لا ، خلافا لبعض العامة والمحكي عن الإسكافي منا ، فلم يوجبوا إحضار ذوي المروات والشرف مجلس الحكم ، وعن بعض أنه يستدعيه إلى منزله ، ولا ريب في ضعفه ، لإطلاق الأدلة وغيره وإن كان الأولى التحرز في إحضار ذوي الشرف وخصوصا القاضي المعزول ونحوه.

ثم الإحضار قد يكون بختم يدفعه إلى المدعي ليعرضه عليه مكتوب فيه « أجب القاضي » وقد يكون بمحضر من الأعوان.

__________________

(١) الموجود في النسخة الأصلية ابتداء هكذا « وسواء كان من أهل المروات أم لا » ثم أضيف في الهامش بعد قوله : « أم لا » قوله : « ونحوها ولو قاضيا معزولا » فصارت العبارة مشوشة : ولو كان ما في الهامش خارجا بعد قوله : « المروات » كان أولى ، حيث تكون العبارة هكذا « وسواء كان من أهل المروات ـ ونحوها ولو قاضيا معزولا ـ أم لا ».

١٣٤

ويكون مئونته على الطالب إن لم يرزق من بيت المال ، بل إن كان امتناعه عصيانا استعان بأعوان السلطان وعزره بما يراه ، بل في المسالك « في كون مئونة المحضر ـ والحال هذه ـ على المطلوب لامتناعه أو على المدعى وجهان » وإن كان فيه ما لا يخفى ، بل في أصل وجوب المئونة فيه وفي الأول إذا لم تندرج تحت سبب من الأسباب الشرعية نظر ، إذ لا دليل عليها هنا بالخصوص على وجه يحكم بوجوبها وإن لم تندرج في معاملة الإجارة أو الجعالة أو نحوهما مما يتوقف على التراضي كما هو واضح.

وكذا النظر فيما ذكر هنا أيضا من أنه « إن استخفى بعث من ينادي على بابه أنه إن لم يحضر إلى ثلاث سمرت داره أو ختم عليها ، فإن لم يحضر بعد الثلاث وسأل المدعي السمر أو الختم أجابه إليه » إذ لم نجد له دليلا بالخصوص وإنما هو أحد أفراد التعزير التي هي للحاكم.

وفي القواعد « فان لم يحضر بعد الختم بعث الحاكم من ينادي إن لم يحضر أقام عنه وكيلا وحكم عليه ، فان لم يحضر فعل ذلك وحكم عليه وإن لم يحكم عليه حال الغيبة ابتداء » ولعله لأن الحاكم ولي الممتنع فيما امتنع منه الذي منه التوكيل هنا ، بل مقتضى إطلاقه رد اليمين من الوكيل على المدعي مع عدم البينة ، بناء على أن له التوكيل على ذلك ، فتأمل جيدا.

وإن كان عدم حضوره لعذر كالمرض ونحوه لم يكلف به ، ولكن إذا أمكن الجمع بينه وبين حق المستعدي بتوكيل وكيل عنه وإرسال من يحلفه إن ترتب عليه اليمين أو إرسال من يحكم بينهما فعله ، وإلا فلا ، بل للمستعدى عليه التوكيل مع الاختيار أيضا ، ويلزم المستعدى الرضا بذلك ، خلافا لأحمد وأبي حنيفة ، فلم يوجبا عليه الرضا بذلك ، وإذا أبى إلا حضوره أجبر عليه إن امتنع ، هذا كله مع حضور الخصم.

١٣٥

( أما لو كان غائبا لم يعده الحاكم حتى يحرر ) المدعي ( دعواه ) بخلاف الأول ( والفرق ) بينهما ( لزوم المشقة في الثاني ) ويمكن أن تكون غير مسموعة ، فمشروعية الإرسال عليه قبل تحريرها مشقة وضرر وحرج ( وعدمها في الأول ) الذي هو حاضر ، إذ لا مشقة عليه بالحضور.

لكن لا يخفى عليك ما فيه ، ضرورة أنه إن كان مجرد الدعوى حقا وإن لم تحرر لم يكن فرق بين الحاضر والغائب ، ولعله لذ أطلق المصنف في النافع وجوب أعداء الحاكم للمستعدى بإحضار خصمه ، وإلا لا يجوز إحضاره قبل تحرير الدعوى ، كما عن بعض المتأخرين احتماله ، خصوصا بعد ترتب ما سمعته من التعزير عليه ، بل في الرياض وله وجه ، إلا أن الإجماع الظاهر والمحكي حتى في كلامه كفانا مئونة البحث في ذلك ، سيما مع اعتضاده بما ذكر من أن ذلك كان معمولا به في الزمن السابق إلى الآن من غير إنكار.

لكن الإنصاف أنه لا يخفى عليك ما في دعوى الإجماع في أمثال هذه المسائل ، على أن المحكي عن الفاضل في المختلف عدم وجوب إحضار الغائب بعد تحرير الدعوى ، بل الحاكم يطلب من المدعي إثبات حقه ، فإذا ثبت أحضر ، فإن حضر وإلا باع ماله ودفعه إلى المدعي ، نعم لو لم يتمكن من الإثبات وطلب الخصم إحضاره لتحليفه أو كان معه المال بعث حينئذ في طلبه ، وإليه يرجع ظاهر ما عن الجامع وصريح الإسكافي من أنه لم يجب إحضاره إلا بعد أن يثبت المستعدى حقه عند الحاكم.

إلا أن ظاهرهما إحضاره حينئذ من دون ذكر بيع ماله إن لم يحضر ، فيتفق الثلاثة حينئذ على اعتبار إثبات الحق في وجوب الإحضار في الغائب ، ولعله للأصل وغيره بعد عدم الإجماع فيه بخلافه في الحاضر ، اللهم إلا‌

١٣٦

أن يدعى عدم الفرق بينهما في اقتضاء المنصب إغاثة المستعدي ، وحينئذ يتجه عدم اعتبار التحرير فيه كالحاضر ، والفرق بينهما بالمشقة التي يمكن وجودها في الحاضر لشرف أو غيره كما يمكن عدمها في الغائب غير مجد ، وحينئذ يتجه إطلاق المصنف في النافع ، فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو من تشويش في الجملة ، خصوصا بملاحظة كون موضوع المسألة إحضار الخصم باستعداء خصمه ، لا إرادة إثبات حقه ، فان ذلك مقام آخر ، وهو الحكم على الغائب عن مجلس الحكم وإن كان حاضرا في البلد ، وإحضاره لاستيفاء الحق منه غير إحضاره ليتبين أن الحق عليه أم لا.

ثم إن ( هذا ) كله ( إذا كان في بعض مواضع ولايته وليس له هناك خليفة يحكم ) وإلا سمع بينته إن كانت وأرسل إلى خليفته ، بل إن كان هناك من يصلح للاستخلاف أذن له في القضاء بينهما.

( وإن كان في غير ولايته ) لم يكن له أن يحضره كما في المسالك وإن كان لا يخلو من تأمل و ( أثبت الحكم عليه بالحجة وإن كان ) هو ( غائبا ) وباقيا على حجته من جرح أو غيره ، لما ستعرف من جواز الحكم على الغائب بشرائطه ، وإن رضي المدعي بأن يكتب إلى خليفته أو من يصلح للحكم أو لوال هناك أن يفصل بينهما فعل ، وإن سأله إقامة البينة عنده فإذا ثبت كتب بالثبوت إلى أحد هؤلاء من دون حكم فعل ، وإن أقام شاهدين لا يعرفهما الحاكم كتب « حضرني فلان بن فلان فادعى على فلان بن فلان وأشهد فلانا وفلانا » ليكون الحاكم هناك هو الباحث عن عدالتهما إن لم يعرفهما.

( ولو ادعى على امرأة فإن كانت برزة ) أي من عادتها البروز لحوائجها ولو إلى مجالس الرجال ( فهي كالرجال ) في جميع ما ذكرنا بالنسبة إلى الحضور والغيبة ، وإن زادت باشتراط كون الطريق أمنا بالنسبة‌

١٣٧

إليها ومعها من يوثق به من محرم أو نسوة ، إلا أن مرجع ذلك كله إلى خلوها عن العذر ولو بالنسبة إليها وعدمه ، ومثل ذلك في الرجل وإن اختلفت الأعذار بالنسبة إليهما.

( وإن كانت مخدرة ) لا تخرج إلى مجالس الرجال وإن اتفق خروجها لضرورة ولو عزاء أو حمام أو زيارة أو نحو ذلك لم تكلف الحضور ، لكونها معذورة حينئذ ، ولكن ( بعث إليها من يثق به في الحكم بينها وبين غريمها ) جمعا بين الحقين أو توكل عنها وكيلا للمخاصمة فإذا احتاج إلى تحليفها أرسل إليها من يحلفها ، ولكن في القواعد « يرسل معه شاهدين على حلفها » وفيه أنه يمكن الاستغناء باخبار الأمين على ذلك.

نعم لو لم يعرفها الأمين أنها المستعدى عليها طلب شاهدين على ذلك أو تبين ذلك بقرائن وحكم بينهما من خلف الستر ، فان لم تكن بينة تعرفها من خلفه بسماع كلامها ونحوه التحفت بجلباب ونحوه وخرجت من وراء الستر ، بل إن احتيج إلى الإسفار أسفرت.

قال أبو الحسن الأول عليه‌السلام لجعفر بن عيسى بن يقطين (١) : « لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو حضر من يعرفها ، فأما إن لا تعرف بعينها ولا حضر من يعرفها فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها وعلى إقرارها دون أن تسفر وينظروا إليها ».

وكتب الصفار (٢) إلى الحسن بن علي عليهما‌السلام « في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها أو لا تجوز له الشهادة عليها حتى تبرز‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من كتاب الشهادات ـ الحديث ١.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٤٠ الرقم ١٣٢.

١٣٨

ويتبينها بعينها؟ فوقع عليه‌السلام تتنقب وتظهر للشهود ».

ولو استعدى على الشاهدين أنهما شهدا عليه زورا أعداه وأحضرهما ، فإن اعترفا وإلا طولب بالبينة على اعترافهما ، فان لم يكن توجهت له اليمين على الأقرب ، بل عن الإيضاح لو ادعى عليهما بمال وأنهما أتلفاه بشهادتهما الكاذبة واستوفى منه بغير حق توجهت اليمين قطعا.

ولو ادعى أحد الرعية على القاضي فإن كان هناك إمام يرافعه إليه وإن لم يكن وكان قاض في غير ولايته يرافعه إلى قاضي تلك البقعة ، وإن كان في ولايته وتعدد القاضي فيها فكذلك ، وإلا رافعه إلى خليفته. والدعوى على السلطان مع إنكاره باطلة عندنا للعصمة وكذا الإنكار لما يدعيه ، وقضية الأعرابي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما رافعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام معروفة (١).

( النظر الثالث )

( في كيفية ) مجلس ( الحكم )

( وفيه مقاصد : )

( الأول : )

( في وظائف الحاكم ، وهي سبع : ) ( الأولى ) تجب ( التسوية بين الخصمين ) وإن تفاوتا شرفا وضعة ( في السلام ) عليهما ورده‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١.

١٣٩

( والجلوس والنظر ) إليهما ( والكلام ) معهما ( والإنصات والعدل في الحكم ) وغير ذلك من أنواع الإكرام كالإذن في الدخول وطلاقة الوجه ، بل في المسالك لو لم يمكن التسوية بينهما في جواب السلام ابتداء بأن سلم أحدهما دون الآخر فيصبر هنيئة رجاء أن يسلم الآخر فيجيبهما معا ، فان طال الفصل بحيث يخرج عن كونه جوابا للأول فليرد قبله على المسلم ، وقيل : لا بأس بأن يقول للآخر سلم ، فان سلم أجابهما معا ، إلى غير ذلك مما ذكروه في التسوية.

لقول علي عليه‌السلام لشريح في‌ خبر سلمة بن كهيل (١) : « ثم واس بين المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك حتى لا يطمع قريبك في حيفك ، ولا ييأس عدوك من عدلك ».

وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في خبر السكوني (٢) : « من ابتلى بالقضاء فليواس بينهم في الإشارة والنظر وفي المجلس » ونحوه النبوي (٣) بإبدال « فليواس ». « فليساو ».

وفي آخر (٤) « ثلاث إن حفظتهن وعملت بهن كفتك ما سواهن ، وإن تركتهن لم ينفعك شي‌ء : إقامة الحدود على القريب والبعيد ، والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط ، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود ».

وقد تقدم ما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام من نهى النبي ( صلى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ١ وهو قول أمير المؤمنين عليه‌السلام كما في الكافي ج ٧ ص ٤١٣ والتهذيب ج ٦ ص ٢٢٦ الرقم ٥٤٣.

(٣) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ٢ وذكره في الفقيه ج ٣ ص ٨ الرقم ٢٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ٢.

١٤٠