الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-91029-3-0
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٩٢

درجة احتمال الحلية اقوى من احتمال الحرمة او اضعف او مساويه ، فالمدار ليس على قوة الاحتمال بل على المحتمل ، فالحلية بما هي حلية ترجّح وان كان احتمالها ضعيفا.

ج ـ ان تكون ناشئة بسبب قوة الاحتمال والمحتمل معا ، والحكم الظاهري في هذا الشكل هو الاصل العملي التنزيلي وان شئت فعبر عنه بالمحرز (١) ، ومثاله قاعدة الفراغ من الوضوء فمن توضأ وشك بعد فراغه في غسل اليد اليمنى فلا يعتني لشكه ويبني على صحة وضوئه لقوة احتمال غسل اليمنى بشكل صحيح ، فان الانسان عادة لا يفرغ من عمل الاّ بعد اتيانه بجميع اجزائه وشرائطه ، فالفراغ له كاشفية عن غسل اليد اليمنى ، ولكن هل تمام النكتة في الحكم بصحة الوضوء هي الكاشفية المذكورة؟ كلا ، اذ لو كانت هي تمام النكتة فاللازم الحكم بصحة الوضوء حتى لو حصل الشك قبل الفراغ منه فيلزم الشاك في غسل اليمنى عند حصول شكه قبل الفراغ عدم الاعتناء بشكه والبناء على غسل اليمنى فيما اذا كان احتمال غسلها قويا مع انه لم يقل احد بذلك بل يقول الفقهاء بلزوم العود الى اليمنى وغسلها ما دام الشك مفروضا اثناء الوضوء ، ومن هذا نفهم ان قوة الاحتمال وحدها لا تكفي الاّ اذا انضم اليها الفراغ (٢).

ومن خلال هذا اتضح ان حقيقة الامارة تتقوم بقوة الاحتمال لا بجعلها علما وطريقا وان كان المناسب للمولى في مقام الانشاء التعبير بقوله : « جعلت الامارة علما » الاّ ان ذلك مجرد مناسبة في مقام التعبير ـ اذ المناسب لقوة كاشفية الشيء التعبير بجملة جعلته كاشفا وعلما ـ لا انها هي الاساس الذي تتقوّم به

__________________

(١) فانه لا فرق في نظر السيد الشهيد بين الاصل التنزيلي والاصل المحرز.

(٢) اي الاّ اذا انضم اليها قوة المحتمل.

٨١

حقيقة الامارة.

كما واتضح ان حقيقة الاصل العملي تكمن في قوة المحتمل لا بجعل الوظيفة العملية وان كان المناسب في مقام التعبير ان يقال « جعلت الحلية وظيفتك العملية » اذ المناسب لملاحظة الحلية بخصوصها التعبير بجملة « جعلت الحلية وظيفتك العملية » الاّ ان هذا ليس هو الاساس المقوم للاصل.

هذه هي التفرقة الاساسية بين الاصل الامارة لا ما ذكره الميرزا (١).

قوله ص ٣٦ س ١١ المبني :

الصواب المبنى.

قوله ص ٣٦ س ١٢ والتوفيق بينه ... الخ :

عطف تفسير على قوله تصوير الحكم الظاهري.

__________________

(١) ويأتي في اوائل الجزء الثاني من الحلقة انشاء الله اعتراض آخر على الميرزا حاصله : ان من اراد التفرقة لا بد وان يفرق بشكل يتناسب والخصوصيات الثابتة لكل من الامارة والاصل لا كيفما شاء. والخصوصية الثابتة للامارة هي حجيتها في اللوازم غير الشرعية بخلاف الاصل فهو ليس حجة في ذلك ، فلو اخبر الثقة بحياة زيد وكان لازم حياته الى حين الاخبار نبات لحيته عادة فانه يثبت بذلك ، بخلاف ما اذا كان اثبات بقاء حياته بالاستصحاب فانه لا يثبت نبات اللحية وبالتالي لا تثبت اللوازم الشرعية المترتبة على ذلك كوجوب التصدق ، فالفارق لا بد من تقديمه بشكل يتناسب وتفسير الخصوصية المذكورة ، وما ذكره الميرزا لا يفي بذلك كما يأتي ايضاحه.

٨٢

التنافي بين

الأحكام الظاهرية

٨٣
٨٤

التنافي بين الأحكام الظاهرية :

قوله ص ٣٦ س ٥ : عرفنا سابقا ان الاحكام الواقعية ... الخ :

يقصد بهذا البحث طرح التساؤل التالي : هل يمكن للمولى ان يشرّع للشيء المشكوك حكمين ظاهريين اولا؟ فالتدخين الذي يشك في حكمه الواقعي هل يمكن الحكم عليه ظاهرا بالاباحة والحرمة معا؟ والمقصود من التساؤل المذكور البحث عن اصل امكان تشريع الحكمين الظاهريين بقطع النظر عن وصولهما (١) لوضوح ان تشريعهما مع افتراض وصولهما الى المكلّف امر غير ممكن لعدم امكان امتثالهما ، ولذا لا بد من فرض وصول احد الحكمين او عدم وصول شيء منهما.

والجواب عن هذا التساؤل يختلف باختلاف تفسير حقيقة الحكم الظاهري ، اذ تقدم ان السيد الخوئي دام ظله يفسّره بالحكم الناشىء من مصلحة في اصل الجعل بينما السيد الشهيد يفسّره بالحكم الناشىء من نفس مصلحة الحكم الواقعي ، وعلى التفسير الاول يمكن تشريع الحكمين الظاهريين المتنافيين ، اذ المانع من تشريعهما اما :

أ ـ نفس كونهما حكمين متنافيين ، وجوابه ما تقدم من ان الحكم مجرّد اعتبار ولا محذور في اعتبار امرين متنافيين.

ب ـ واما اجتماع المبادىء في شيء واحد ، وجوابه ان مبادىء كل حكم ظاهري تقوم بجعله فهذا الحكم الظاهري تقوم مصلحته بجعله وذاك تقوم مصلحته

__________________

(١) المراد من الوصول العلم.

٨٥

بجعله ايضا فلا يلزم اجتماع المصلحتين في شيء واحد.

ج ـ واما عدم امكان امتثالهما ، وجوابه ان المفروض عدم وصول كليهما فلا يحتاجان الى الامتثال معا.

واما على التفسير الثاني فذاك غير ممكن ، لأن الحكم الظاهري هو الحكم الناشىء على طبق الملاك الاهم ، فاذا اريد تشريع كلا الحكمين فلازم ذلك كون الملاك الاهم هو المصلحة والمفسدة معا وهو غير ممكن ، هذا كله بالنسبة للحكم الظاهري.

واما الحكم الواقعي فلا اشكال في عدم امكان تشريع حكمين منه ، فلا يمكن ان يقال : التدخين مباح وحرام واقعا ، لأن ثبوت الاباحة الواقعية يعني وجود المصلحة في التدخين بينما ثبوت الحرمة الواقعية يعني وجود المفسدة فيه فيلزم اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد ، ولا يمكن ان يقال هنا بان المصلحة قائمة في هذا الجعل والمفسدة في ذاك الجعل ، فان هذا الكلام يتم في الحكم (١) الظاهري فقط.

__________________

(١) لهذا المبحث ثمرات تأتي الاشارة لواحدة منها ص ٦٩ من الحلقة.

٨٦

وظيفة

الأحكام الظاهرية

٨٧
٨٨

وظيفة الأحكام الظاهرية :

قوله ص ٣٧ س ١٦ وبعد ان اتضح ان الاحكام الظاهرية ... الخ :

لتوضيح هذا المبحث نطرح التساؤل التالي : اذا فرض ان الحكم الواقعي للتدخين هو الحرمة ودلت الامارة على الحرمة ايضا فلو خالف المكلّف ودخّن فهل يستحق عقابين احدهما على الحرمة الواقعية والآخر على الحرمة الظاهرية او لا يستحق الاّ عقابا واحدا على مخالفة الحرمة الواقعية؟

الصحيح انه لا يستحق الاّ العقاب على الحرمة الواقعية ، لان الحكم الظاهري لم ينشأ عن مصلحة خاصة به مغايرة لمصلحة الواقع حتى توجب مخالفته استحقاق العقاب وانما هو ناشىء عن اهمية مفسدة الحرمة الواقعية وقد شرّع لتنجيزها ـ الحرمة الواقعية ـ او للتعذير عنها (١).

وباختصار : وظيفة الاحكام الظاهرية ليست الاّ تنجيز الاحكام الواقعية او التعذير عنها من دون ان تكون موضوعا مستقلا لحكم العقل باستحقاق العقاب ، ومن هنا جاءت العبارة المشهورة : الاحكام الظاهرية احكام طريقية وليست حقيقية بمعنى انها لم تنشأ عن مصلحة خاصة بها كي توجب مخالفتها استحقاق العقاب ، وانما هي مجرد طرق لتنجيز الواقع او للتعذير عنه بخلاف الاحكام الواقعية فانها حقيقية اي هي ناشئة عن مصلحة مستقلة ثابتة فيها.

__________________

(١) التنجيز مصطلح يطلق عند دلالة الامارة على ثبوت التكليف بينما التعذير يطلق عند دلالتها على الاباحة ونفي التكليف.

٨٩

وهناك منبّه وجداني يرشد الى ان الاحكام الظاهرية هي احكام طريقية لا توجب مخالفتها استحقاق العقاب ، وهو انها لو كانت موجبة لذلك ـ اي لاستحقاق العقاب ـ يلزم في حالة قطع المكلّف بحرمة التدخين مثلا ان تكون حاله فيما اذا خالف ودخن احسن من غير العالم بحرمة التدخين ، اذ العالم لا يوجد في حقه حكم ظاهري بخلاف الجاهل فانه يوجد في حقه فلا بد من عقاب العالم بعقاب واحد وعقاب الجاهل بعقابين وهذا ما يرفضه الوجدان.

قوله ص ٣٨ س ٦ وراء مبادىء الاحكام الواقعية :

اي غير مبادىء الاحكام الواقعية. وكلما استعملت كلمة وراء فهي بمعنى غير.

قوله ص ٣٨ س ٨ يستقل العقل بلزوم التحفظ ... الخ :

فاذا كنا نعلم بوجوب احدى الصلاتين اما الظهر او الجمعة وحكم الشارع بوجوب الاحتياط ولزوم الاتيان بهما معا فالعقل لا يحكم بلزوم التحفظ على حكم الشارع بوجوب الاحتياط بما هو حكم ظاهري وانما يحكم بلزوم التحفظ على الواجب الواقعي المردد بين الظهر والجمعة ، والمكلّف اذا خالف الاحتياط وترك احدى الصلاتين حكم العقل باستحقاقه العقاب على ترك الواجب الواقعي لا على ترك الاحتياط بما هو حكم ظاهري.

قوله ص ٣٩ س ٢ واما الاحكام الواقعية فهي احكام حقيقية ... الخ :

هذا عدل لقوله في الصفحة السابقة « ان الاحكام الظاهرية طريقية لا حقيقية فهي مجرد وسائل ... الخ ».

٩٠

التصويب بالنسبة الى

بعض الأحكام الظاهرية

٩١
٩٢

التصويب بالنسبة الى بعض الاحكام الظاهرية :

قوله ص ٣٩ س ٨ تقدم ان الاحكام الواقعية محفوظة ... الخ :

في هذا المبحث يراد التعرض لرأي خاص بالشيخ الآخوند وتلميذه الاصفهاني.

وقبل التعرض له نشير الى مطلب ، وهو انه بناء على الطريقة التي اختارها السيد الشهيد لرد شبهة ابن قبة (١) لا توجد اي منافاة بين الحكمين الواقعي والظاهري بل بينهما كمال الالفة ، وبعد الالفة المذكورة لا يلزم من تشريع الحكم الظاهري في مورد معين التبدل في الحكم الواقعي ، وهذا معناه بتعبير آخر نفي التصويب ، اي لا يلزم من تشريع الحكم الظاهري تبدل الحكم الواقعي.

وبعد معرفة هذا تعرف الجواب عما لو سألك سائل عن وجوب الاعادة لو امتثل المكلّف الحكم الظاهري وانكشف بعد ذاك مخالفته للواقع ، ان الصحيح هو عدم الاجزاء ، فان الحكم الواقعي ما دام باقيا ولم يتغير فمن اللازم امتثاله الاّ اذا قلنا بتبدل الحكم الواقعي الى ما يوافق الظاهري فلا تلزم حينذاك الاعادة لعدم ثبوت الحكم الواقعي حتى يلزم امتثاله.

وبهذا نعرف وجود ملازمة بين القول بالتصويب والقول بالاجزاء ، فكلما

__________________

(١) وحاصلها ان الاحكام الظاهرية لم تنشأ عن مبادىء خاصة بها بل عن مبادىء الحكم الواقعي ، فالمصلحة الواقعية لحلية الماء مثلا سبب لحكمين : الحكم الواقعي بالحلية والحكم الظاهري بحلية كل سائل مردد بين الماء والخمر.

٩٣

قيل بالتصويب لا بد من القول بالاجزاء ، وكلما قيل بعدمه فلا بد من القول بعدمه.

وبعد هذه المقدمة نعود الى رأي العلمين الخراساني والاصفهاني ، انهما فصّلا بين الاصل والامارة فالاصل يقتضي امتثاله الاجزاء بخلاف الامارة ، فاذا كنت شاكا في طهارة ثوبك وتمسكت بقاعدة الطهارة وصلّيت فيه وبعد ذلك انكشفت نجاسته واقعا فلا تلزم الاعادة ، اما اذا دلت الامارة على طهارته وانكشف بعد ذاك نجاسته فلا بد من الاعادة.

والوجه في ذاك ان قاعدة الطهارة تثبت طهارة ظاهرية في مقابل الطهارة الواقعية ، فهي تقول ان الشيء عند عدم العلم بنجاسته واقعا فهو طاهر ظاهرا ، ومع ثبوت هذه الطهارة الظاهرية يلزم توسع دائرة الشرطية في دليل « صل في الطاهر » ، فان هذا الدليل قبل تشريع قاعدة الطهارة يدل على ان شرط صحة الصلاة هو خصوص الطهارة الواقعية فقط ، ولكن بعد تشريع القاعدة يتوسع مفاده الى : « صلّ في الطاهر الواقعي والظاهري » وهذه التوسعة يعبر عنها بالحكومة ، فقاعدة الطهارة حاكمة على دليل « صلّ في الطاهر » بمعنى انها ناظرة له وموسعة لدائرته (١) ، وبعد التوسعة لا بد من الحكم بصحة الصلاة لاشتمالها على الشرط ، اجل بعد الفراغ من الصلاة واتضاح نجاسة الثوب ترتفع الطهارة الظاهرية بسبب زوال موضوعها ـ وهو الشك ـ ويلزم تحصيل الطهارة من جديد للصلوات الآتية ، هذا في صورة الاستناد لقاعدة الطهارة.

واما لو اخبر الثقة ـ الذي هو امارة ـ بالطهارة وانكشفت بعد ذلك نجاسته

__________________

(١) وقد تسأل عن الملزم لحكومة قاعدة الطهارة وتوسعتها لدليل « صلّ في الطاهر ».

والجواب : ان قاعدة الطاهرة اذا لم توسع دليل « صلّ في الطاهر » كان تشريعها لغوا وبلا فائدة ، اذ ما فائدة تشريع الطهارة الظاهرية ما دام لا يستفاد منها في الصلاة وبقية الموارد.

٩٤

فحيث ان الامارة لا تثبت طهارة مقابل الطهارة الواقعية وانما هي ترشد اليها غاية الامر قد تصيبها وقد تخطأها ـ فلا تتوسع دائرة الشرطية حتى تقع الصلاة صحيحة ، بل يكون الشرط منحصرا بالطهارة الواقعية فيلزم البطلان (١).

قوله ص ٣٩ س ١٢ الجارية في الشبهات الموضوعية :

اختار العلمان الاجزاء في خصوص الاصول العملية المثبتة للموضوع او بتعبير آخر المثبتة للشرط (٢) ، اما اذا كان الاصل جاريا في الحكم او بتعبير آخر في الشبهة الحكمية فلا يحكم بالاجزاء ، فلو شكّ في بقاء وجوب الجمعة في زماننا هذا فاستصحب الوجوب وادّيت الجمعة ثم انكشف وجوب الظهر واقعا فلا اجزاء بل يلزم الاتيان بالظهر.

قوله ص ٤٠ س ٧ ليس جعل الحكم المماثل :

اي المماثل لما تقوله الامارة فاذا كانت تخبر عن طهارة الثوب فلا تثبت طهارة ظاهرية مماثلة للطهارة التي تخبر عنها.

قوله ص ٤٠ س ١٠ هذا محرز :

اي بل يقول هذا طاهر واقعا وان طهارته الواقعية ثابتة.

قوله ص ٤٠ س ١٥ وسيأتي بعض الحديث عنه :

وذلك ص ٣٩٥ ، ولكن سيتضح هناك انه قدس‌سره يحيل الجواب على مبحث التعارض ، واذا رجعنا الى مبحث التعارض لم نجد من اوله الى آخره

__________________

(١) يأتي توضيح هذا التفصيل ثانية عند شرح ص ٣٩٥ تحت عنوان الامر الظاهري يجزي في بعض الصور عند علمين.

(٢) ويعبر عن الاصول المذكورة بالاصول الموضوعية او الجارية في الشبهة الموضوعية لانها تجري عند الشك في الموضوع وهو الشرط كالطهارة.

٩٥

تعرضا للجواب عن التفصيل المذكور ، وعليه فالسيد الشهيد لم يذكر في كتابه الجليل هذا جوابا عن ذلك ولكن اشرنا نحن الى ذلك عند شرح ص ٣٩٥.

٩٦

القضيّة

الحقيقة والخارجية

٩٧
٩٨

القضية الحقيقية والخارجية للاحكام :

قوله ص ٤١ س ١ مرّ بنا في الحلقة السابقة ... الخ :

حصيلة هذا المبحث ان المولى الحاكم تارة يصب حكمه على افراد معينة ومحصورة في الخارج كأن يقول مثلا « اكرم الشيخ الطوسي والانصاري والمفيد » ، وتسمى مثل القضية المذكورة بالخارجية لأن الحكم فيها منصب على الافراد الخارجية ، واخرى يصب حكمه على عنوان كلي فرضي كأن يقول « اكرم كل عالم » فان الحكم فيها منصب على كل من صدق عليه عنوان العالم ولو بعد سنين من دون اختصاص بالافراد الموجودة في الخارج بالفعل ، وتسمى مثل القضية المذكورة بالحقيقية.

ويمكن القول بان القضية الحقيقية ترجع دائما في روحها الى قضية شرطية وان كانت من حيث الشكل قضية حملية ، فالقضية السابقة ـ اكرم كل عالم ـ وان كانت من حيث الشكل حملية ولكنها روحا شرطية ، اذ المقصود منها إن فرض شخص ما عالما فاكرمه بينما القضية الخارجية لا ترجع روحها الى قضية شرطية.

ويمكن تسجيل ثلاثة فوارق بين القضية الحقيقية والخارجية ـ الاولان منهما نظريّان والثالث عملي ـ هي :

١ ـ في القضية الحقيقية مثل اكرم كل عالم يمكن الاشارة الى الشخص الجاهل والحكم عليه بانه لو فرض عالما وجب اكرامه ، بينما في القضية الخارجية مثل « اكرم الشيخ الطوسي والانصاري والمفيد » لا يمكن الاشارة الى الجاهل

٩٩

والحكم عليه بانه لو كان عالما وجب اكرامه ، اذ المفروض ان الحكم لم يوجّه لعنوان العالم بل لافراد معينة.

٢ ـ ان الحكم في القضية الحقيقية ينصب دائما على عنوان كليّ كعنوان العالم بينما في القضية الخارجية لا ينصب على العنوان الكلي بل على الذوات الخارجية كذات الشيخ الطوسي وو ... ، ومن هنا لا يمكن الافتراض والتقدير في القضية الخارجية فان الذوات لا يمكن فيها ذلك وانما يمكن في العناوين الكلية ، فعنوان العالم الكلي يمكن فيه ذلك فيقال : كل من فرض عالما فاكرمه بخلاف ذات الشيخ الطوسي فلا يمكن فيها القول كل من فرض ذات الشيخ الطوسي فاكرمه.

وقد تقول : اذا فرض اعتبار بعض القيود في القضية الخارجية فماذا يفعل المولى؟ فمثلا لو وجّه الحكم بوجوب الاكرام الى ثلاثة من اولاد العم وكان لتقواهم وتديّنهم مدخلية في وجوب اكرامهم فماذا يفعل؟ والجواب : انه اما ان يتصدى المولى بنفسه لاحراز تدينهم فاذا فحص واحرز تدينهم جميعا يقول حينذاك اكرم اولاد عمك بلا حاجة الى التقييد بالتديّن ، واما ان لا يتصدى بنفسه لذلك ويوكل الامر الى المكلّف فيقول اكرم اولاد العم ان كانوا متديّنين ، وعلى النحو الثاني تصير القضية مركبة من الحقيقية والخارجية ، فهي خارجية بلحاظ الموضوع وحقيقية بلحاظ الشرط.

٣ ـ ان التدين الذي له مدخلية في وجوب الاكرام اذا فرض انتفاؤه بعد فترة عن اولاد العم فهل يزول الحكم بوجوب الاكرام أو لا؟ والجواب : ان القضية اذا كانت حقيقية زال الحكم بالوجوب لانه مشروط بالتدين وعند انتفاء الشرط ينتفي المشروط ، واذا كانت القضية خارجية فلا يزول لان التديّن لم يؤخذ شرطا حتى يزول الحكم بزواله وانما المولى تصدى بنفسه لاحراز التدين ،

١٠٠