الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-91029-3-0
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٩٢

شموليّة الحكم

للعالم والجاهل

٤١
٤٢

شمول الحكم للعالم والجاهل :

قوله ص ١٩ س ١٠ واحكام الشريعة تكليفية ... الخ :

وقع تساؤل يقول : هل الاحكام التي شرعها سبحانه كوجوب الصلاة والصوم تختص بخصوص العالم بها او تعمّ جميع الناس بما فيهم الجاهل؟ وقد تبدو الغرابة على هذا التساؤل حيث تقول من المحتم اختصاص الاحكام بالعالم ، اذ كيف يعاقب الانسان على شيء لم يعلم به.

ولدفع الغرابة نقول : ان التساؤل عن اختصاص الاحكام وشمولها تارة يطرح بالنسبة الى العقاب فيقال : هل الجاهل بالحكم يستحق العقاب او لا؟ وجوابه واضح ، فالعقاب مختص بالعالم ولا يتنجز (١) الحكم الاّ في حق من اطّلع عليه. واخرى يطرح بلحاظ عالم التشريع ، فالحكم عند تشريعه هل خصص بالعالم او لا ، بعد الفراغ عن اختصاصه في مرحلة العقاب بالعالم؟ وقد تقول : ان البحث بهذه الصيغة لغو ، اذ ما لفائدة في ثبوت الحكم في عالم الواقع بحق الجاهل ما دام لا يعاقب عليه؟ وهذا الكلام وجيه يأتي التعرّض له بعد قليل.

ولنعد الى صلب الموضوع ، اتفقت كلمة الامامية حتى صار ذلك من القضايا الواضحة لديهم على شمول الاحكام للجميع للوجوه التالية :

أ ـ الاخبار المستفيضة (٢) الدالة على اشتراك الاحكام ، وقد ورد في بعض

__________________

(١) التنجّز عبارة اخرى عن استحقاق العقاب.

(٢) الاستفاضة مرتبة دون التواتر بقليل.

٤٣

الاحاديث ما مضمونه : يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له هلاّ عملت فيقول لم اعلم ، فيقال هلاّ تعلّمت (١). ان هذا الحديث يدل بصراحة على ثبوت الاحكام في حق الجاهل ايضا والاّ لم يكن للتوبيخ والعقاب معنى.

ب ـ ان نفس الادلة الاولية ـ كدليل وجوب الصوم والصلاة وو ... ـ تكفي لاثبات التعميم فانها مطلقة ولم تقيد بالعالم.

ومقتضى هذين الوجهين ثبوت الاشتراك الاّ اذا قام دليل خاص على الاختصاص كما في الجهر بدل الاخفات وبالعكس او الاتمام بدل القصر.

ج ـ تقدم في الحلقة الثانية ص ٢٦١ ان من المستحيل اختصاص الحكم بالعالم للزوم محذور الدور ، فان الحكم اذا كان ثابتا لخصوص العالم كان معنى ذلك توقف الحكم على العلم بالحكم مع ان من الواضح توقف العلم بالحكم على ثبوت نفس الحكم ـ فان العلم بالشيء موقوف على ثبوت ذلك الشيء ـ ونتيجة هذا توقف ثبوت الحكم على ثبوت الحكم. وقد مرّ في الحلقة السابقة اشكال وجواب على هذا الدور.

كيف نخالف الوجدان؟

قد يقال : ان محذور الدور وان كان وجيها الاّ انا نشعر بالوجدان ان تقييد الحكم بالعلم امر ممكن فمن الوجيه ان يقول المولى لعبده ان اطّلعت على تشريع الوجوب للحج وجب عليك حينذاك الحج. وكيف التوفيق بين هذا الوجدان وبين الدور؟

والجواب : لا بد من التمييز بين صورتين في احداهما يقيّد الحكم الفعلي بالعلم بنفس الحكم الفعلي ، وهذا ما كنا نبحث عنه وقلنا انه غير ممكن لمحذور

__________________

(١) راجع نص الحديث في البحار : ١ / ١٧٧ ح ٥٨.

٤٤

الدور. وفي الصورة الثانية يقيد الحكم الفعلي بالعلم بالتشريع ، فيقول المولى : اذا علمت بتشريع الحكم كان ثابتا عليك بالفعل ، وهذه الصورة ممكنة ولا يلزم فيها محذور الدور ، وهي ما يعبّر عنها بتقييد المجعول (١) بالعلم بالجعل (٢) ، بخلافه في الصورة السابقة حيث يقيد المجعول بالعلم بنفس المجعول. وما نشعر بامكانه بالوجدان هو الصورة الثانية ، وما قلنا بلزوم محذور الدور فيه هو الصورة الاولى.

ثمرة البحث :

وبعد ان عرفنا استحالة اختصاص الحكم بالعالم نعرج على ثمرة البحث المذكور.

ان الاحكام اذا كانت عامة لجميع الناس فلازم ذلك ان الامارة والاصل اللذين يتمسك بهما المكلف حالة جهله بالحكم الواقعي قد تصيبان وقد تخطئان ، فان الاحكام الواقعية ما دامت ثابتة حالة الجهل فالامارة وهكذا الاصل قد تصيبها وقد لا تصيبها ، غاية الامر في حالة عدم الاصابة يكون المكلف معذورا وغير مستحق للعقاب لانه اتبع ما جعله الشارع حجة عليه. وتسمى هذه الحالة ـ أي حالة كون الامارة مصيبة تارة ومخطئة اخرى ـ بمسلك التخطئة ، وهو كما اتضح لا يعني كون الامارة مخطئة دائما ، بل يعني انها قد لا تصيب الواقع احيانا.

وهناك مسلك آخر معاكس تماما لمسلك التخطئة يسمى بمسلك التصويب ، وهذا المسلك له شكلان :

__________________

(١) المجعول : عبارة اخرى عن الحكم الفعلي.

(٢) الجعل : عبارة اخرى عن التشريع أو الحكم الانشائي.

٤٥

أ ـ ان يفرض ان الله سبحانه لم يسجل في حق الجاهل شيئا من الاحكام وانما ينتظر اخذ المكلف بالامارة ، فان اخذ بها وقالت ان صلاة الجمعة واجبة مثلا سجل في حق الانسان المذكور وجوب صلاة الجمعة ، وان قالت بحرمتها سجلت الحرمة. وبناء على هذا لا يتصور خطأ الامارة للواقع ، اذ ليس للواقع وجود بقطع النظر عنها حتى تصيبه مرة وتخطئه اخرى ، بل هي المولّدة له (١).

وهذا الشكل واضح البطلان ، فان الواقع ما دام لا يشتمل على حكم فالامارة تكون امارة ومرشدة الى ماذا؟

ب ـ ان يفرض اشتمال الواقع على احكام مشتركة بين الجميع ، بيد ان الامارة بعد الاخذ بها اذا كانت مطابقة للواقع بقي الواقع على ما هو على ، وان لم تطابقه زال وتسجّل بدله الحكم الذي ادت اليه الامارة ، وبناء على هذا الشكل لا يمكن خطأ الامارة ايضا لان المفروض تبدل الواقع وتسجيل مضمون الامارة عند عدم اصابتها.

والتصويب بهذا الشكل وان كان في نفسه معقولا ولا يسجّل عليه ما سجّل على الشكل السابق لكنه غير مقبول ، اذ بناء عليه لا يوجد حكم واحد مشترك بين الجميع ، فمن كانت امارته مخطئة يكون الحكم في حقه مغايرا لمن لم تكن امارته مخطئة. وعدم الاشتراك في حكم واحد باطل لوجهين سبق وان اشرنا لهما :

١ ـ ان عدم الاشتراك مخالف لظاهر ادلة الاحكام حيث انها تقتضي بمقتضى اطلاقها اشتراك الاحكام بين جميع الناس.

__________________

(١) ولوضوح بطلانه ينقل صاحب المعالم في كتابه ان كل واحدة من فرقتي الاشاعرة والمعتزلة تبرأت منه ونسبته الى الفرقة الاخرى.

٤٦

٢ ـ ان عدم الاشتراك مخالف للادلة المستفيضة (١) الدالة على الاشتراك.

قوله ص ١٩ س ١١ واحكام الشريعة تكليفيّة ووضعيّة : فحرمة الخمر التي هى حكم تكليفي تعم الجميع كما وان نجاسته التي هي حكم وضعي تعم الجميع ايضا.

قوله ص ١٩ س ١١ في الغالب : التعبير بالغالب اشارة الى ان بعض الاحكام لا تعم الجاهل كوجوب القصر والاتمام والجهر والاخفات ، ومن هنا وقع بحث بين الاصوليين في توجيه اختصاص الحكمين المذكورين بالعالم بعد ما تقدم من استحالة الاختصاص لمحذور الدور.

قوله ص ٢٠ س ٤ وفقا لطبيعة العلاقة بين الحكم وموضوعه : العلاقة بين الحكم وموضوعه هي علاقة العلية والمعلولية ، فالحكم معلول والموضوع علة ، ولازم ذلك تقدم الموضوع على الحكم وتوقف الحكم على الموضوع ، لان العلة متقدمة على المعلول والمعلول متوقف على العلة. وقد تقدم في الحلقة الاولى ص ١٢٧ س ١٣ الاشارة الى طبيعة العلاقة هذه.

قوله ص ٢٠ س ٧ المجعول فيه : الانسب حذف كلمة فيه.

قوله ص ٢٠ س ٩ في الشبهة الحكمية او الموضوعية : اذا كان الحكم المشكوك كليا فالشبهة حكمية ، كالشك في حكم التدخين ، فان الشك فيه شك في الحكم الكلي للتدخين الكلي ، واذا كان المشكوك حكما جزئيا فالشبهة موضوعية كالشك في ان هذا الحيوان المعين ذكّي اولا.

قوله ص ٢٠ س ١١ والادلة : اي الامارات.

__________________

(١) دعوى استفاضة الاخبار باشتراك الاحكام ذكرها الشيخ الاعظم في رسائله وعهدة ذلك عليه.

٤٧

قوله ٢٠ س ١٤ وفي مقابلة : الصواب وفي مقابله. اي في مقابل مسلك التخطئة مسلك آخر يسمى مسلك التصويب.

قوله ص ٢٠ س ١٦ له : اي لله سبحانه.

قوله ص ٢٠ س ١٦ من حيث الاساس : اي ابتداءا وبقطع النظر عن الامارة.

قوله ص ٢٠ س ١٧ عنها : اي عن الادلة والاصول.

قوله ص ٢١ س ١ مخفّفة : اي اقل محذورا.

قوله ص ٢١ س ٢ من حيث الاساس : اي بقطع النظر عن الامارة.

٤٨

الحكم الواقعي

والظاهري

٤٩
٥٠

الحكم الواقعي والظاهري :

قوله ص ٢١ س ١٢ ينقسم الحكم الشرعي ... الخ : تقدم في الحلقة الثانية ص ١٨ ان الحكم الشرعي ينقسم الى قسمين واقعي وظاهري ، فان الحكم اذا كان ثابتا للشيء من دون تقييد بالشك او بالاحرى بعدم العلم فهو واقعي ، وان كان مقيدا بذلك فهو ظاهري.

مثال الأول : وجوب الصلاة ، فانه ثابت للصلاة من دون اي قيد ، وهكذا مثل وجوب الحج وحرمة السرقة وو ...

ومثال الثاني : الاصول العملية والامارات ، فان اصالة الاباحة مثلا تثبت الاباحة عند عدم العلم بالحكم الواقعي ، وهكذا الامارة فانها حجة عند عدم العلم بالواقع.

والابحاث عن الحكم التي تقدمت منا سابقا كنا نقصد منها التحدث عن خصوص الحكم الواقعي ، وبقي علينا التحدث عن الحكم الظاهري ، ولكن قبل ختم الحديث عن الحكم الواقعي نشير الى قضية ترتبط به وهي : ان للحكم الواقعي ـ على ما تقدم في الحلقة الثانية ـ مرحلتين :

أ ـ مرحلة الواقع المعبر عنها بمرحلة الثبوت.

ب ـ مرحلة الابراز والاظهار المعبر عنها بمرحلة الاثبات.

وفي مرحلة الثبوت يمر الحكم بادوار ثلاثة فانه لا بد من فرض المصلحة

٥١

اولا ثم الارادة ثانيا (١) وفي الدور الثالث يحكم المولى ويعتبر الحكم في ذمة المكلّف.

واذا اردنا استيضاح هذه الادوار اكثر امكننا مراجعة القوانين المدينة ، فان الدولة اذا ارادت اصدار قانون فاولا تلحظ المصلحة في تشريع القانون ، وبعد احرازها لذلك يحصل لديها ارادة نحوه ثم في الدور الثالث تأخذ بالحكم وجعل القانون ، وبتمامية هذه الادوار تعلن عن القانون في الصحف والجرائد ، ان الادوار الثلاثة الاولى هي التي تمثل ادوار مرحلة الثبوت ، والدور الرابع (٢) هو الذي يمثّل مرحلة الاثبات.

والذي نريد التحدث عنه الآن هو الدور الثالث ، وهو دور جعل الحكم المعبر عنه بالاعتبار ، ان جعل الحكم واعتبار الفعل في ذمة المكلف تعبيران مترادفان. وللاعتبار ثلاث خصائص هي :

أ ـ ان الحكم في عالم الثبوت وان كان بحاجة الى الادوار الثلاثة السابقة الاّ ان المهم منها هو الاولان ، فبدون المصلحة والارادة لا يكون للحكم حقيقة وروح ، فان روح الحكم وحقيقته تكمن في المصلحة والارادة ، واما الاعتبار فهو اجنبي عن ذلك ، ودوره دور العامل المنظّم والصياغي للحكم ، فالاعتبار صياغة للحكم ومنظم له وليس وجوده ضروريا في حقيقته.

ومن نتائج هذا الفرق بين الدورين الاولين والثالث ان العبد لو اطّلع على

__________________

(١) حذفنا كلمتي المفسدة والكراهية خوف التشويش ، ويعبر عن المصلحة والمفسدة بملاك الحكم ، كما ويعبر عن مجموع الدورين الاولين بمبادىء الحكم ، فاذا قيل مبادىء الحكم فالمراد المصلحة والمفسدة والارادة والكراهة.

(٢) اي الاعلان عن ذلك في الصحف والجرائد.

٥٢

ارادة المولى لشيء يشتمل على مصلحة من دون ان يجعل الحكم ويعتبره في ذمته كما لو صرّح وقال : « اني اريد منك الاتيان بالماء » كفى ذلك في وجوب الامتثال ، فان العبارة المذكورة وان كانت لا تبرز الاعتبار بل الارادة فقط بيد انها كافية في وجوب الامتثال.

ب ـ ان الاعتبار قد لا يستعمله المولى ـ وان كانت الاستعانة به هي الطابع العام ـ كما هو الحال في الاحكام الموجهة الى افراد معيّنة مثل قول المولى لعبده اريد منك الماء ، فان الحكم المذكور موجه لفرد معين ، وهذا بخلاف الاحكام التي لها طابع العمومية والشمول فانه يستعان عادة فيها بالاعتبار كقوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ... ) فان الآية الكريمة واضحة في جعل الحكم واعتباره في ذمة كل مستطيع ، ومثل : كل من بلغ السن القانوني فعليه خدمة العلم او كل من بلغ السن الشرعي وجب عليه الصوم والصلاة وو ...

ج ـ ان المصلحة اذا اقتضت شيئا معينا واراده المولى ففي مقام جعل الحكم قد يحكم بوجوب نفس ذلك الشيء الذي تمركزت فيه المصلحة والارادة ـ وهذه الصورة هي الغالبة ـ وقد لا يحكم بوجوب ذلك الشيء وانما يحكم بوجوب مقدمته التي تؤدي اليه. اذن ليس من اللازم تعلق الوجوب والاعتبار بنفس ما فيه المصلحة والارادة بل قد يتعلقان بمقدمته ، كما هو الحال في الزواج ، فان العلقة الزوجية هي التي يريدها الشارع وفيها المصلحة ولكنه في مقام جعل الحكم قد يقول المولى يجب العقد الذي هو كما نعلم سبب مؤد الى العلقة الزوجية وليس نفسها.

ومثال آخر يأتي من السيد الشهيد نفسه الاشارة اليه ص ٣٧٢ ، فان المشهور حينما عرّفوا الواجب الغيري بانه عبارة عن الواجب الذي وجب لاجل

٥٣

واجب آخر اشكل عليهم بان لازم التعريف المذكور صيرورة جميع الواجبات واجبات غيرية ، فان الصلاة مثلا وجبت لاجل فائدة معينة ، وهي الانتهاء عن الفحشاء والمنكر ، وهذه الفائدة واجبة التحصيل ـ والاّ فكيف وجبت الصلاة ـ ولازم ذلك ان تكون الصلاة قد وجبت لاجل واجب آخر وهو الفائدة.

ان هذا الاشكال اجيب عنه بان الانتهاء عن الفحشاء وان كان محبوبا ومرادا للشارع المقدس الاّ ان الوجوب لم يتعلق به وانما تعلق بالصلاة ، فالشارع لم يقل يجب الانتهاء عن الفحشاء بل قال : اقيموا الصلاة ، وما دام الوجوب والاعتبار لم يتعلق بالفائدة فلا يصدق على الصلاة انها وجبت لاجل واجب آخر.

وباختصار : ان الوجوب والاعتبار قد يتعلق بشيء آخر غير ما تمركزت فيه الارادة والمصلحة ، اذ المولى بعد ان كان له حق الطاعة علينا فله الحق في تحديد المركز الذي تجب اطاعته فيه ، فلربما يجعل المركز نفس ما فيه المصلحة والارادة ولربما يجعله المقدمة الى ذلك التي هي ليست مراده بالاصالة ، والى هنا ينتهي الحديث عن الاحكام الواقعية ويقع بعد ذلك عن الاحكام الظاهرية.

قوله ص ٢١ س ١٣ حكم شرعي مسبق : المراد من الحكم المسبق هو الحكم الواقعي فان الحكم الظاهري مجعول عند الشك في الحكم الواقعي.

قوله ص ٢١ س ١٤ الاحكام الواقعيّة : مفعول به لكلمة نقصد.

قوله ص ٢٢ س ٢ ليس عنصرا ضروريا : يوجد كلام في عدد مراحل الحكم فالشيخ العراقي في بدائع الافكار ص ٣٢٥ ذهب الى ان حقيقة الحكم هي الارادة المسبوقة بالمصلحة فوجوب الصلاة مثلا عبارة عن ارادة الصلاة ، والاعتبار ليس واحدا من مراحل الحكم ، وعبارة الكتاب لا تنفي كون الاعتبار

٥٤

واحداً من مراحله وانما تنفي ضرورته ، فالحكم اعتبار شرعي بيد ان روحه المقومة له هي المصلحة والارادة دون الاعتبار ، وانما يستعين الحاكم به لتعيين مصب حق الطاعة.

قوله ص ٢٢ س ٣ بل يستخدم غالبا : كلمة غالبا المستعملة هنا وبعد سطر يشير بها قدس‌سره الى الخصوصية الثانية من الخصوصيات الثلاث للاعتبار.

قوله ص ٢٢ س ٤ الذي يقوم الاعتبار : في العبارة شيء من التأمل ، والمناسب ان يقال : ونريد ان نشير الآن الى حقيقة العنصر الثالث الذي هو الاعتبار ، والتعبير بكلمة غالبا في غير محله ، فان كون العنصر الثالث هو الاعتبار دائمي وليس غالبيا وانما الغالب الاستعانة بالاعتبار.

٥٥
٥٦

الجمع بين الأحكام

الظاهرية والواقعية

٥٧
٥٨

الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية :

قوله ص ٢٣ س ١ واما الاحكام الظاهرية ... الخ : وقع كلام بين الاصوليين في ان الشارع هل يمكنه جعل الامارة والاصل العملي حجة (١) او لا؟ نسب الى ابن قبة ـ الذي هو احد علمائنا المتقدمين ـ استحالة ذلك ، فخبر الثقة مثلا لا يمكن جعله حجة لما يأتي من محاذير.

والمحاذير وان سجلها ابن قبة بلغته القديمة ، بيد انها بمرور الزمن هذّبت ومنهجت بما نراه اليوم.

كما وان المحاذير التي سننقلها لم يذكرها ابن قبة جميعا ، وانما ذكر بعضها واضيف اليه بعد ذلك بعض آخر.

وترجع حصيلة المحاذير الى ان الحكم الظاهري يتنافى والحكم الواقعي ولا يجتمع معه ، ومن هنا فاللازم لدفع هذه المحاذير التوفيق الكامل بين الحكم الظاهري والواقعي بحيث يمكن اجتماع هذا مع ذاك ، ولهذا يطلق الاصوليون على هذا المبحث اسم مبحث الجمع بين الاحكام الظاهرية والواقعية (٢).

وقد تفنن الاصوليون في كيفية الاجابة عن المحاذير المذكورة ، وقد تركت

__________________

(١) والمراد بالحكم الظاهري هنا هو هذه الحجيّة الثابتة للامارة والاصل ، وقد يطلق الحكم الظاهري على الحكم المستفاد من الامارة والاصل.

(٢) كان من الراجح للسيد الشهيد قبل ذكره لشبهات ابن قبة تسجيل عنوان باسم الجمع بين الاحكام الظاهري والواقعية.

٥٩

بعض الاجوبة تأثيرها على بعض المسائل الاصولية الاخرى الامر الذي يعطي لهذا المبحث اهميته حتى عبّر السيد الشهيد قدس‌سره عن هذه المحاذير في مجلس درسه الشريف بأنها حرّكت عجلة علم الاصول.

وتلك المحاذير او الشبهات ثلاث :

١ ـ تقدم في البحث السابق ان الاحكام الواقعية مشتركة بين الجميع ، ولازم ذلك اجتماع المثلين او الضدّين ، فان الحكم الواقعي لصلاة الجمعة اذا كان هو الوجوب مثلا وادّت الامارة التي اخذ بها المكلّف الى الوجوب ايضا لزم اجتماع المثلين على صلاة الجمعة : الوجوب الواقعي والوجوب الظاهري. وان ادّت الامارة الى الحرمة لزم اجتماع الضدين : الوجوب الواقعي والحرمة الظاهرية.

وهذه الشبهة تسمى بشبهة التضاد وهي مبنية على القول باشتراك الاحكام الواقعية ، اما على القول بالتصويب ـ بمعنى خلو الواقع عن الحكم في الجاهل ـ فلا تتم كما هو واضح.

وقد تقول ما المحذور في اجتماع الحكمين المتضادين او المتماثلين ما دام احدهما واقعيا والآخر ظاهريا وانما المحذور ـ كما تقدم في الحلقة الثانية ص ٢٠ ـ يختص بما اذا كان الحكمان واقعيين او ظاهريين؟

والجواب : ان ما تقدم في الحلقة الثانية كان جوابا مؤقتا والاّ فمجرد كون احد الحكمين ظاهريا والآخر واقعيا لا يزعزع من المشكلة شيئا ، فان كل واحد من الحكمين ما دام ناشئا عن مبادىء خاصة به فيلزم من اجتماع الحكمين اجتماع المصلحتين او المفسدتين او المصلحة والمفسدة ، وهذا المحذور يعمّ حالة ما اذا كان

٦٠