الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-91029-3-0
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٩٢

الطبع ، والصحيح وضعها بعد ذلك.

قوله ص ١٢٥ س ٦ في معقولاته الاولية : اذا كان للشيء وجود في الخارج حقيقة وانتزع الذهن له مفهوما فهذا المفهوم في عالم الذهن يسمى بالمعقول الاولي ، كمفهوم الانسان فان له وجودا في الخارج حقيقة فمفهومه في الذهن يسمى بالمعقول الاولي ، فالمعقول الاولي هو المفهوم الذي ينتزع من الخارج وله ما بازاء في عالم الخارج ، وهذا بخلاف المعقول الثاني فانه ليس له ما بازاء في عالم الخارج كمفهوم الممكن ، فانه ليس له وجود خارجا.

ومن خصائص المعقول الثانوي كونه منتزعا من المعقول الاولي ووصفا له ، فمفهوم الممكن وصف منتزع من مفهوم الانسان الذي هو معقول اولي.

قوله ص ١٢٦ س ١ بخصوصيات ذهنية وجودا وعدما : اي خصوصيات ذهنية وجودية ـ وهي لحاظ وجود العلم ولحاظ عدم وجود العلم ـ او عدمية ، وهي عدم كلا اللحاظين.

قوله ص ١٢٦ س ٤ وجودا وعدما : اي بخصوصية خارجية وجودية ـ وهي وجود العلم خارجا ـ او عدمية وهي عدم وجود العلم خارجا.

قوله ص ١٢٦ س ٥ كذلك : اي خارجا.

قوله ص ١٢٦ س ١٤ الاولى : وضع الفارزة قبل كلمة « الاولى » من خطأ الطبع.

قوله ص ١٢٧ س ٦ ومن هنا : اي لما لم يكن القيد الثانوي رقم (٣) مرآة لشيء خارجي تعين ان يكون مرآة وحاكيا عن طبيعة الانسان المهملة التي هي امر ذهني.

قوله ص ١٢٨ س ١ ثم اذا تجاوزنا وعاء المعقولات الاولية ... الخ : اي لو

٤٠١

تركنا مفهوم الانسان الذي هو معقول اولي ونظرنا الى لحاظ الانسان الذي هو معقول ثانوي ، فان نفس اللحاظ معقول ثانوي لعدم الوجود له خارجا. وقد تقدم ان المعقولات الثانوية اوصاف منتزعة من المعقولات الاولية.

قوله ص ١٢٨ س ٨ اللابشرط المقسمي : الصواب : اللابشرط القسمي.

التقابل بين الاطلاق والتقييد.

قوله ص ١٣٠ س ٥ عرفنا ان الماهية عند ملاحظتها ... الخ : واضح ان الاطلاق يقابل التقييد وينافيه غير انه وقع الحديث بين الاصوليين في ان التقابل الواقع بينهما هل هو تقابل الضدين او العدم والملكة او النقيضين؟ والاقوال في ذلك ثلاثة :

١ ـ ان التقابل بينهما تقابل الضدين. وحيث ان الضدين عبارة عن الامرين الوجوديين اللذين بينهما غاية التنافي فصاحب هذا القول لا يفسر الاطلاق بعدم التقييد والا صار امرا عدميا بل بلحاظ رفض القيود ـ كلحاظ رفض قيد الايمان عن الرقبة ـ وواضح ان اللحاظ امر وجودي وليس عدميا لانه عبارة عن الوجود الذهني (١). وهذا القول اختاره السيد الخوئى « دام ظله ».

٢ ـ ان التقابل بينهما تقابل العدم والملكة باعتبار ان الاطلاق ليس امرا وجوديا بل عدمي ، اي عدم التقييد ولكن لا مطلق عدم التقييد وانما عدم التقييد في المورد القابل له ، اما عدم التقييد في المورد غير القابل فليس اطلاقا ، فمثلا تقييد الحكم بالعلم امر مستحيل (٢) ، فاذا لم يقيد فلا يكون عدم التقييد اطلاقا ، فالحكم

__________________

(١) فمعنى لاحظت هذا الشيء تصورته في ذهني.

(٢) فلا يمكن ان يقال تجب الصلاة ان كنت عالما بوجوب الصلاة ، اذ العلم بالوجوب موقوف ـ

٤٠٢

بوجوب الصلاة مثلا بالنسبة الى قيد العلم ليس مقيدا ولا مطلقا بل مهمل. اما انه ليس مقيدا فلاستحاله التقييد ، واما انه ليس مطلقا فلان الاطلاق هو عدم التقييد في المورد القابل له ، والمفروض عدم قبول المورد التقييد. وهذا الرأي اختاره الميرزا قدس‌سره.

٣ ـ ان التقابل بينهما تقابل النقيضين باعتبار ان الاطلاق هو عدم لحاظ التقييد سواء كان المورد قابلا للتقييد ام لا. وهذا الرأي اختاره السيد الشهيد قدس‌سره.

اذن الاقوال في المسألة ثلاثة. والسبب في تعددها هو الاختلاف في تفسير معنى الاطلاق ، فمن فسره بلحاظ رفض القيود اختار الرأي الاول ، ومن فسره بعدم التقييد في المورد القابل للتقييد اختار الرأي الثاني ، ومن فسره بمطلق عدم التقييد اختار الرأي الثالث.

الفارق بين الاقوال.

وقد تسأل عن الفارق بين هذه الاقوال. والجواب : انه يظهر في موردين :

١ ـ على القول الثالث لا يمكن تصور شق ثالث للحكم لا يكون مطلقا ولا مقيدا بل لا بد وان يكون اما مطلقا او مقيدا ، اذ النقيضان لا يوجد لهما شق ثالث لا يصدقان عليه ، وهذا بخلافه على القول الاول والثاني فانه يمكن ان يكون الحكم لا مطلقا ولا مقيدا كما لو لم يمكن للمولى تقييد الحكم فانه لا يكون مطلقا ولا مقيدا بناء على القول الثاني ، واذا كان المولى في مقام الاهمال او الاجمال لم يكن الحكم مطلقا ولا مقيدا بناء على القول الاول ايضا. وتسمى هذه الحالة التي لا يكون

__________________

ـ على ثبوت الوجوب ، فلو كان ثبوت الوجوب موقوفا على العلم بالوجوب ايضا لزم الدور.

٤٠٣

الحكم فيها مطلقا ولا مقيدا بحالة الاهمال.

٢ ـ في حالات استحالة التقييد ـ كتقييد الحكم بالعلم ـ هل يكون الاطلاق مستحيلا ايضا او واجبا او ممكنا؟ بناء على القول الثالث يكون الاطلاق واجبا لانه اذا استحال احد النقيضين كان ثبوت النقيض الآخر واجبا ، وبناء على القول الثاني يكون الاطلاق مستحيلا لانه في باب العدم والملكة اذا استحالت الملكة استحال مقابلها ايضا ، وبناء على القول الاول يكون الاطلاق ممكنا لانه في باب الضدين اذا استحال احدهما لم يكن وجود الآخر واجبا ولا مستحيلا بل ممكنا فيما اذا كان لهما ثالث كما في البياض فانه اذا استحال وجوده لم يكن وجود السواد واجبا لامكان ثبوت لون ثالث. وفي المقام كذلك ، فان الاطلاق والتقييد بما انهما ضدان لهما ثالث ـ وهي حالة الاهمال ـ فاستحالة التقييد لا تجعل ثبوت الاطلاق واجبا ولا مستحيلا.

اختيار القول الثالث.

والصحيح من بين الاقوال الثلاثة السابقة هو القول الثالث اي كون التقابل تقابل التناقض ، لان المقصود من الاطلاق قابلية المفهوم لشمول جميع الافراد التي يصلح ان يشملها ، فمفهوم الانسان مثلا مطلق بمعنى ان له قابلية شمول جميع افراده ، ومن الواضح مادمنا لم نلحظ التقييد فمقتضى هذه القابلية شمول الحكم لجميع افراد الانسان ـ في مثل قولنا اكرم كل انسان ـ فان القابلية المذكورة لازم لا ينفك عن مفهوم الانسان وبالتالي يكون الاطلاق لازما غير منفك عن مفهوم الانسان ما دام لم يلحظ التقييد. وعليه فلا حاجة الى لحاظ عدم التقييد كما يعتقده السيد الخوئي حيث انه يرى ان الاطلاق يحتاج الى لحاظ عدم التقييد ـ ومن هنا

٤٠٤

كان الاطلاق عنده امرا وجوديا ـ كلا لا نحتاج لذلك بل يكفي عدم لحاظ التقييد لما ذكرنا من ان قابلية الشمول ذاتية وبمجرد عدم لحاظ التقييد تكون تلك القابلية مقتضية لسريان الحكم وشمول المفهوم لجميع الافراد.

لا يقال : ان القابلية اذا كانت ذاتية للمفهوم ولا يمكن انفكاكها عنه فكيف انفكت عنه في موارد التقييد كقولنا « اكرم انسانا عالما » فان مفهوم الانسان لا يصلح في هذا المورد لشمول جميع الافراد بما في ذلك غير العالم بل يختص بالعالم.

فانه يقال : ان التقييد لا يسلب القابلية ، فمفهوم الانسان بعد تقييده صالح ايضا لشمول جميع الافراد ، غاية الامر بعد التقييد ينعدم مفهوم الانسان ويحدث بدله مفهوم جديد وهو مفهوم الانسان العالم الذي هو اضيق من مفهوم الانسان ، فلاجل انعدام المفهوم الاول وتبدله الى مفهوم جديد نحس بعدم قابلية انطباق مفهوم الانسان على غير العالم.

لا يقال : ان مفهوم الانسان بعد التقييد لم ينعدم وانما ضيّق بالتقييد.

فانه يقال : ان المفهوم بعد تقييده يصبح مغايرا له قبل تقييده ، اذ المفاهيم في عالم الذهن متغايره وليس بعضها اخص او اعم او مساويا للبعض الآخر ، فان الاخصية والاعمية والمساواة من خصائص عالم الخارج واما في عالم الذهن فجميع المفاهيم متباينة بما في ذلك المفاهيم المتساوية ، فمفهوم الانسان والناطق وان كان بينهما في عالم الخارج مساواة الا انه في عالم الذهن توجد بينهما مباينة ، فان صورة الناطق غير صورة الانسان وليست احداهما عين الاخرى. وهكذا في المقام نقول : ان مفهوم الانسان ومفهوم الانسان العالم وان كان بينهما في عالم الخارج نسبة العموم والخصوص المطلق الا انهما في عالم الذهن متباينان اذ صورة

٤٠٥

هذا غير صورة ذاك (١).

الاطلاق والتقييد الثبوتيان والاثباتيان.

قوله ص ١٣٢ س ١٥ وبهذا الصدد يجب ان نميز ... الخ : الاطلاق والتقييد تارة يكونان ثبوتيين واخرى اثباتيين. والفرق بينهما انه تارة ينظر الى الحكم المشرّع بقطع النظر عن الدليل الدال عليه ، واخرى يلتفت الى الدليل ويجعل اطلاقه كاشفا عن اطلاق الحكم واقعا وتقييده كاشفا عن تقييد الحكم واقعا.

ويسمى الاطلاق والتقييد في الحالة الاولى بالاطلاق والتقييد الثبوتيين وفي الحالة الثانية بالاطلاق والتقييد الاثباتيين.

والاقوال الثلاثة السابقة كانت ناظرة الى الاطلاق والتقييد الثبوتيين كاطلاق وتقييد الحكم الثابت في قلب المشرع بقطع النظر عن الدليل الدال عليه فانهما يتقابلان تقابل التضاد على رأي او العدم والملكة على رأي ثاني او التناقض على رأي ثالث ، واما الاطلاق والتقييد الاثباتيان فقد اتفقت الكلمة ومن دون خلاف في كون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، فاطلاق الدليل لا يمكن ان يكشف عن كون الحكم مطلقا واقعا الا اذا كان بامكان المولى تقييد الدليل ولم يقيده ، اما اذا لم يمكن تقييده لبعض الاسباب ـ كما اذا كان يخاف من عدو ـ فعدم تقييده لا يكون دالا على اطلاق الحكم واقعا. وقد مرت الاشارة الى هذا في الحلقة الثانية ص ١٢٢.

__________________

(١) ويمكن استيضاح ذلك اكثر بما لو اخذنا بآلة التصوير صورتين احداهما للانسان والاخرى للانسان العالم فكما ان بين الصورتين تغايرا خارجيا كذلك الصورتان اللتان يأخذهما الذهن لمفهوم الانسان ومفهوم الانسان العالم متغايرتان.

٤٠٦

قوله ص ١٣٢ س ٥ تجعله صالحا لاسراء الحكم : اي ان تلك القابلية تجعل المفهوم صالحا لان يسرّي ـ بتشديد الراء ـ الحكم الى جميع افراده ، فحينما يقال اكرم كل انسان يسري الحكم الى جميع افراد الانسان سريانا شموليا بسبب تلك القابلية ، وحينما يقال اكرم انسانا ما يسري الحكم الى فرد واحد من افراد الانسان سريانا بدليا. والسريان الشمولي يعني ثبوت الحكم لجميع الافراد.

والسريان البدلي يعني ثبوت الحكم لفرد واحد من الافراد.

قوله ص ١٣٢ س ٧ لازمة له : خبر لقوله « وهذه القابلية ».

قوله ص ١٣٢ س ٩ اللازم وملزومه : المراد من اللازم القابلية ، ومن الملزوم ذات المفهوم.

قوله ص ١٣٢ س ١٧ عن التقابل ... الخ : متعلق بقوله « متميز ».

قوله ص ١٣٢ س ١٧ اي عدم ذكر ... الخ : هذه الجمله من قوله « اي عدم » الى قوله « بقرينة الحكمة » جملة معترضة يقصد بها تفسير الاطلاق الاثباتي.

قوله ص ١٣٣ س ١ والتقييد المقابل له : عطف على « الاطلاق الاثباتي ».

احترازية القيود وقرينة الحكمة.

قوله ص ١٣٤ س ١ قد يقول المولى اكرم الفقير العادل ... الخ : في هذا البحث يراد توضيح قاعدتين هما :

١ ـ قاعدة احترازية القيود.

٢ ـ قاعدة مقدمات الحكمة.

وقد ذكر في الكتاب مثالين احدهما ـ وهو اكرم الفقير العادل ـ مثال

٤٠٧

للقاعدة الاولى ، والثاني ـ وهو اكرم الفقير ـ مثال للقاعدة الثانية.

وقبل توضيح مطالب الكتاب نذكر ثلاث مقدمات تساعد على فهمها وهي :

١ ـ قرأنا في الحلقة الثانية ان المفهوم في الجملة الشرطية مثلا هو انتفاء طبيعي الحكم عند انتفاء الشرط لا انتفاء شخص الحكم ، فمثلا حينما نقول « اذا جاءك زيد فاكرمه » فشخص الحكم هو وجوب الاكرام المسبب عن مجىء زيد والمقيد به ، وطبيعى الحكم هو اصل وجوب الاكرام من اي سبب كان. ولا اشكال عند انتفاء مجيء زيد ينتفي وجوب الاكرام المقيد بالمجىء ولم يخالف في ذلك احد فانه ما دام الوجوب مقيدا بالمجىء فيلزم انتفاؤه عند انتفائه. وانتفاء مثل هذا الحكم ليس هو المفهوم بل المفهوم هو انتفاء اصل وجوب الاكرام وطبيعيّه عند انتفاء المجيء ، فاذا دلت الجملة السابقة على ان زيدا اذا لم يجيء فلا يجب اكرامه حتى اذا رجع من سفر الحج او مرض او صار فقيرا او ... كان ذلك هو المفهوم.

٢ ـ المقصود من قاعدة احترازية القيود ان المتكلم اذا اخذ في كلامه قيد العدالة مثلا وقال « اكرم الفقير العادل » كان ذلك دخيلا في مراده واقعا بحيث اذا لم يكن الفقير عادلا فلا وجوب ، فالوجوب مقيد بالعدالة ويزول بزوالها ، وبقيد العدالة احترز عن اكرام الفقير الفاسق. ومضمون القاعدة بالشكل الذي ذكرنا واضح ومرتكز في ذهن كل انسان عرفي ولا يحتاج الى اقامة دليل عليه. والسيد الشهيد قدس‌سره في كلامه لم يقصد الاستدلال على القاعدة المذكورة بل قصد توضيح نكاتها وتحليلها تحليلا عرفيا وان استعمل بعض المصطلحات التي قد يظن السامع لها انه يريد بيان مطلب غير عرفي.

٣ ـ ذكرنا سابقا ان لكل كلام ثلاث دلالات هي :

٤٠٨

أ ـ الدلالة التصورية. وهي عبارة عن خطور المعنى الى الذهن ، فاذا قيل زيد قائم خطر للذهن قيام زيد وان صدرت الجملة من اصطكاك حجرين.

ب ـ الدلالة التصديقية الاولى. وهي دلالة الكلام على ان المتكلم قد قصد اخطار المعنى واراد ذلك. ولا تحصل الدلالة المذكورة اذا صدر الكلام من اصطكاك حجرين بل تختص بحالة كون المتكلم ممن يمكنه القصد.

ج ـ الدلالة التصديقية الثانية. وهي دلالة الكلام على ان المتكلم قد قصد اخطار المعنى عن جد لا عن هزل.

وبعد هذه المقدمات الثلاث نعود لتوضيح مطالب الكتاب ونمنهجها في عدة نقاط ترتبط الخمس الاولى منها بقاعدة احترازية القيود والبقية بمقدمات الحكمة.

١ ـ ان المولى اذا قال « اكرم الفقير العادل » فالذى يخطر للذهن ـ وخطور المعنى عبارة اخرى عن الدلالة التصورية ـ اكرام خصوص الفقير العادل لا كل فقير. وبتعبير آخر ان قيد العدالة يخطر الى الذهن. ونفهم من الجملة المذكورة ايضا ان المتكلم قصد اخطار قيد العدالة. وهذا ما يسمى بالدلالة التصديقية الاولى. كما ونفهم ان قصد اخطار قيد العدالة وليد الجد دون الهزل اي هو دخيل في المراد واقعا. وهذا ما يسمى بالدلالة التصديقية الثانية.

وهذه النقطة تعرض لها قدس‌سره من قوله « ففي الحالة الاولى » الى قوله س ٨ « وليس هازلا ».

٢ ـ قلنا ان الجملة المذكورة تدل بالدلالة التصديقية الثانية على ان قيد العدالة دخيل في مراد المتكلم واقعا. وهنا نسأل عن السبب في حصول هذه الدلالة. والسبب هو : ان ظاهر حال كل متكلم تطابق المدلول التصديقي الثاني لكلامه مع المدلول التصديقى الاول ، اي ان ظاهر كلامه ان كل ما قصد اخطاره

٤٠٩

فهو مراد له واقعا. وبسبب هذا الظهور يثبت ان قيد العدالة دخيل في مراد المتكلم واقعا. وهذا هو ما يسمى بقاعدة احترازية القيود.

وهذه النقطة تعرض لها قدس‌سره من قوله س ٩ « وبحكم ظهور الحال » الى قوله ص ١٣٥ س ٣ و « مرجع ظهور التطابق ».

٣ ـ وقد تسأل عن المنشأ لظهور التطابق بين المدلول التصديقي الاول والمدلول التصديقي الثاني. والمنشأ هو الظهور في ان كل ما يقوله المتكلم هو مراد له واقعا. وقيد العدالة بما انه قد قاله المتكلم فهو مراد له واقعا.

وهذه النقطة اشار لها قدس‌سره من قوله ص ١٣٥ س ٣ « ومرجع ظهور التطابق » الى قوله س ٥ « يريده جدا ».

٤ ـ ان هذا الظهور الجديد ـ وهو ان كل ما قاله يريده واقعا ـ له موضوع وهو « ما قاله ». وفي هذه النقطة نريد توضيح كيف يمكن اثبات ان قيد العدالة مثلا قد قاله المولى؟ ان الطريق لذلك هو الدلالة التصورية والدلالة التصديقية الاولى ، اذ بهما يثبت ان المولى قد قال وقصد اخطار قيد العدالة.

وهذا النقطة تعرض لها قدس‌سره من قوله س ٦ : والدلالة التصورية الى قوله س ٩ : المذكور.

٥ ـ بقاعدة احترازية القيود يثبت ان قيد العدالة دخيل في وجوب الاكرام بحيث اذا لم تكن العدالة ثابتة فلا يكون وجوب الاكرام ثابتا.

ولرب قائل يقول : ان قاعدة احترازية القيود اذا كانت تثبت دخالة قيد العدالة في وجوب الاكرام بحيث ينتفي الوجوب عند عدم العدالة فلازم ذلك ثبوت المفهوم للجملة الوصفية ويكون مثل قولنا اكرم الفقير العادل دالا على المفهوم وانه لا يجب اكرام الفقير غير العادل مع ان الاعلام قد اطبقت كلمتهم تقريبا على عدم ثبوت

٤١٠

المفهوم للوصف فكيف التوفيق؟ والجواب : ان قاعدة الاحتراز في القيود تثبت انعدام وجوب الاكرام المقيد بالعدالة عند انتفاء العدالة ، اي تثبت ان شخص الحكم منتف عند انتفاء العدالة ، وهذا ليس مفهوما ، فان المفهوم هو انتفاء طبيعى الحكم لا شخصه.

وان شئت قلت : ان قاعدة الاحتراز لو كانت تدل على انتفاء اصل وجوب الاكرام عند انتفاء العدالة حتى ولو فرض المرض او المجيء من السفر او غير ذلك كان المفهوم ثابتا ولكن المفروض انها لا تثبت ذلك وانما تثبت ان شخص الحكم المقيد بالعدالة منتف عند انتفاء العدالة.

وهذه النقطة تعرض لها قدس‌سره من قوله س ١٠ : « وقاعدة الاحترازيه » الى قوله س ١٥ : « في الحلقة السابقة ».

مقدمات الحكمة.

٦ ـ والكلام فيما سبق كان راجعا الى قاعدة الاحتراز في القيود ومن الآن يقع عن مقدمات الحكمة.

توضيح ذلك : ان المولى لو قال : « اكرم الفقير » دل ذلك بالدلالة التصورية على وجوب اكرام ذات الفقير. ومدلول كلمة الفقير بما انه الطبيعة المهملة فالذي يخطر الى الذهن هو ذات الفقير ولا يخطر الاطلاق ، كما ويثبت بمقتضى الدلالة التصديقية الاولى ان المولى قد قصد اخطار اكرام ذات الفقير ولا يصح القول انه قصد اخطار الاطلاق ، اذ الاطلاق ليس مدلولا وضعيا لكلمة الفقير على ما تقدم سابقا.

وهذه النقطة اشار لها قدس‌سره من قوله س ١٦ : « واما في الحالة الثانية » الى

٤١١

قوله ص ١٣٦ س ٨ : « ولم يقله ».

٧ ـ واذا ثبت ان المولى لم يذكر قيد العدالة ولم يقله وانما ذكر وجوب اكرام ذات الفقير نطبق ظهورا جديدا وهو ان ظاهر حال كل متكلم بيان تمام مراده الواقعى ، ولازم ذلك ان قيد العدالة ليس جزء من المراد الواقعي والاّ لبيّن. وعليه فكل قيد لم يبينه المولى فهو لا يريده واقعا. وهذا ما يسمى بالاطلاق او بمقدمات الحكمة.

وقد تعرض قدس‌سره لهذه النقطه من قوله س ٨ : « وهذا يحقق » الى قوله س ١٥ « او مقدمات الحكمة ».

٨ ـ انا لو قارنا بين الظهور الذي تعتمد عليه قاعدة الاحتراز في القيود والظهور الذى تعتمد عليه مقدمات الحكمة لوجدنا ان الظهور الاول هو ظهور حال المتكلم في ان كل ما قاله يريده بينما الظهور الثاني هو ظهور حال المتكلم في ان ما لا يقوله لا يريده. ويمكننا ان نسمي الظهور الاول بالظهور الايجابي في التطابق والظهور الثاني بالظهور السلبي في التطابق ، ونكتة التسمية واضحة ، فان الاول ظهور ايجابي في التطابق بين ما قاله وما اراده من دون اشتمال على حرف سلب بينما الظهور

الثاني ظهور سلبي يشتمل على اداة السلب.

وقد اشار قدس‌سره لهذه النقطة من قوله س ١٧ : « وبالمقارنة نجد » الى قوله ص ١٣٧ س ٩ : « ويلاحظ ان ظهور ».

٩ ـ لو قارنا بين الظهور الاول والظهور الثاني لوجدنا ان الاول اقوى من الثاني ، فظهور حال المتكلم في ان ما قاله يريده اقوى ، فالمتكلم اذا قال اعتق رقبة مؤمنة يكون ظهور حاله في ان قيد الايمان الذي قاله يريده اقوى لان احتمال الاشتباه في ذكره لقيد الايمان ضعيف جدا بخلاف ما لو قال اعتق رقبة من دون

٤١٢

ذكر قيد الايمان فان ظاهر حاله في ان القيد الذي لم يقله لم يرده اضعف اذ احتمال الاشتباه في عدم ذكر القيد اقوى بالنسبة الى احتمال الاشتباه في ذكره.

ومن هنا صح القول : متى ما اجتمع المطلق والمقيد ـ مثل اعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة ـ اخذ بالمقيد وطرح اطلاق المطلق لان احتمال الاشتباه فى ذكر قيد الايمان في جملة اعتق رقبة مؤمنة ضعيف جدا بخلاف احتمال الاشتباه في عدم ذكر قيد الايمان في جملة اعتق رقبة فانه ليس ضعيفا جدا.

وهذه النقطة اشار لها قدس‌سره بقوله س ٩ : « ويلاحط ان ظهور حال » الى قوله س ١٤ : « لقواعد الجمع العرفي ».

١٠ ـ من خلال ما تقدم اتضح ان قرينة الحكمة تتركب من مقدمتين هما :

ا ـ عدم ذكر المتكلم لقيد الايمان مثلا.

ب ـ ظهور حال المتكلم في ان كل قيد لم يذكره فهو لا يريده واقعا ، والمقدمة الاولى بمثابة الصغرى والمقدمة الثانية بمثابة الكبرى.

وهذه النقطة اشار لها قدس‌سره بقوله ص ١٣٧ س ١٥ : « ويتضح مما ذكرناه » الى قوله ص ١٣٨ س ٩ : « لم يذكر في الكلام ».

١١ ـ ان الدلالة على الاطلاق تزول عند ذكر المتكلم القيد حيث تختل بذلك المقدمة الاولى من المقدمتين اللتين تعتمد عليهما قرينة الحكمة. وهذا شيء واضح ولكن وقع البحث بين الاصوليين في حالتين :

الاولى : لا اشكال في زوال الظهور الاطلاقي عند ذكر القيد متصلا بالمطلق ولكن هل يزول ايضا عند ذكر القيد منفصلا او لا؟ فاذا قال المتكلم اعتق رقبة وبعد يوم او يومين ذكر قيدا منفصلا وقال اعتق رقبة مؤمنة فهل هذا القيد المنفصل يزيل الظهور الاطلاقي من اساسه كما يزيله القيد المتصل او انه يبقى ولا يزول

٤١٣

غاية الامر يقدم المقيد المنفصل عليه من باب تقديم اقوى الحجتين ، فالظهور الاطلاقي حجة والمقيد حجة والثاني حيث انه اقوى من الاول يقدم عليه؟ نسب الى الشيخ الانصاري قدس‌سره الاحتمال الاول اي ان المقيد المنفصل يزيل الظهور الاطلاقي من اساسه ، بينما المشهور ذهبوا الى الاحتمال الثاني. والاحتمالان يرتبطان بمعرفة الظهور الذي يستند اليه الاطلاق ، فانا عرفنا ان الاطلاق يستند الى ظهور حال المتكلم في ان كل ما لا يقوله لا يريده ، اذ ان كل ما يريده لا بد وان يبينه ، ونحن نسأل هل ان كل ما يريده المتكلم لا بد وان يبينه بشخص كلامه الواحد او ان ظاهر حاله تبيانه كل ما يريده بمجموع كلماته الصادرة منه خلال مجموع عمره؟ فعلى الاول يلزم المتكلم ان يبين القيد متصلا بكلامه ، فاذا ذكره متصلا لم ينعقد الظهور الاطلاقي وان لم يذكره متصلا انعقد بينما على الاحتمال الثاني لا يلزم المتكلم ذكر القيد متصلا ، ولو ذكره منفصلا بعد سنة او سنتين زال الظهور الاطلاقي منذ البداية.

والصحيح ان ظاهر حال المتكلم تبيان كل ما يريده بشخص كلامه الواحد. والدليل على ذلك امران :

أ ـ الوجدان العرفي ، فانه قاض بان المتكلم لا بد وان يبين كل ما هو دخيل في مرامه بشخص كلامه الواحد لا بمجموع كلماته الى يوم القيامة.

ب ـ ان انعقاد الظهور الاطلاقي لو كان موقوفا على عدم ذكر القيد المنفصل ايضا لزم ان لا ينعقد اطلاق في الدنيا ابدا ـ اذ كل مطلق يطرحه المتكلم نحتمل بعد مدة قصيرة او طويلة ذكر قيد منفصل له ـ وهو خلاف الوجدان.

الثانية : وقع بحث بين الاصوليين في ان انعقاد الاطلاق هل يتوقف على عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب. وتوضيح ذلك ان : للمطلق حالات

٤١٤

ثلاث :

أ ـ ان لا تكون ارادة المتكلم لبعض الافراد اولى من ارادته للبعض الآخر كما لو قال المتكلم اشتر لي دفترا ولم يكن لبعض الدفاتر اولوية على بعض آخر.

وفي هذه الحالة لا قدر متيقن في البين وينعقد الاطلاق جزما.

ب ـ ان تكون ارادة المتكلم لبعض افراد المطلق متيقنة ولكن سبب تيقنها ليس هو الخطاب بل شيء آخر ، كما لو قال المتكلم اعتق رقبة ، فان ارادة المؤمنة متيقنة ، وهذا التيقن ثابت بقطع النظر عن الخطاب باعتبار ان المؤمنة افضل افراد الرقبة والعاقل عادة يريد الافضل ولا يرغب عنه. ومثل هذا القدر المتيقن لا يمنع من التمسك باطلاق المطلق والا يلزم عدم امكان التمسك بغالب الاطلاقات ، اذ غالبا ما يوجد قدر متيقن من خارج الخطاب.

ج ـ ان تكون ارادة المتكلم لبعض الافراد متيقنة ويكون سبب التيقن هو الخطاب. ومثال ذلك ما ورد في حديث زرارة انه سأل الامام الصادق عليه‌السلام عن المصلي يشك في التكبير بعد ما دخل في قراءة الحمد ، فاجاب عليه‌السلام يمضي في صلاته ولا يعتني للشك ثم سأله عمن شك في القراءة بعد ما دخل في الركوع فاجابه عليه‌السلام بالمضيّ وعدم الاعتناء ، ثم سأله ثالثا عمن شك في الركوع بعد ما دخل في السجود فاجابه عليه‌السلام بالمضي ايضا ثم قدّم له الامام عليه‌السلام قاعدة عامة وقال له « اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء » (١). ومثل هذه القاعدة تسمى بقاعدة التجاوز. وقد وقع الحديث بين الفقهاء في ان القاعدة المذكورة هل يمكن تطبيقها في باب الحج ايضا او لا ، فمن شك في صحة طوافه بعد ان دخل في السعي هل يمكن تطبيق القاعدة عليه او لا؟ ذهب بعض الفقهاء الى عدم

__________________

(١) الوسائل ج ٥ باب ٢٣ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة حديث ١.

٤١٥

عموميتها ، اذ القدر المتيقن من تلك القاعدة هو الصلاة وهو قدر متيقن من نفس الخطاب والمحاورة ، فان الخطاب والمحاورة كانا يدوران حول الصلاة وليس هذا التيقن من الخارج ، اذ بقطع النظر عن الخطاب لا اولوية للصلاة على الحج.

والى هذا الرأي ذهب الآخوند قدس‌سره فانه ذكر ان وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع من التمسك بالاطلاق واستدل على ذلك بان من المحتمل ان يكون مراد المتكلم خصوص الصلاة اي خصوص القدر المتيقن فان كلامه يفي ببيان هذا القدر المتيقن ، ومع وفائه به لا يصدق ان المتكلم قد اخل بمراده لو كان مراده واقعا خصوص القدر المتيقن اي خصوص الصلاة.

ومثال ثان لتوضيح القدر المتيقن في مقام التخاطب : ما لو سأل سائل الامام عليه‌السلام عن الفقير العادل هل يجب اكرامه او لا فاجاب بانه يجب اكرام الفقير من دون ان يذكر قيد العدالة ، فانه في هذا المثال وان كان الجواب مطلقا الا ان القدر المتيقن منه هو وجوب اكرام الفقير العادل لاكل فقير ، وهذا القدر المتيقن قدر متيقن في مقام التخاطب فان السؤال كان مرتبطا بالفقير العادل لا مطلق الفقير.

وهنا يقول صاحب الكفاية ايضا ان هذا القدر المتيقن يمنع من التمسك باطلاق الخطاب لاحتمال ان يكون المراد اكرام خصوص الفقير العادل وهو قد حصل بيانه.

هذا ولكن المناقشة في رأي الآخوند هذا بان كل ما هو دخيل في مراد المتكلم لا بد من بيانه ، فقيد الايمان مثلا لو كان دخيلا في المراد لا بد من بيانه في الكلام بان يقال اعتق رقبة مؤمنة ، فاذا لم يبين بالكلام استنتج عدم دخالته في المراد الواقعي. وهنا ايضا يقال : لو كان قيد العدالة دخيلا في وجوب اكرام الفقير لبيّن بالكلام وحيث لم يبين كان ذلك دليلا على عدم مدخليته في المراد.

٤١٦

لا يقال : ان نفس كون العدالة قدرا متيقنا من الخطاب بيان لمدخليتها في المراد الواقعي.

فانه يقال : لا نسلم ذلك ، فان كون العدالة هي القدر المتيقن ليس معناه ان المتكلم قد بين دخالة العدالة في مراده.

تنبيهات ترتبط بمقدمات الحكمة ...

قوله ص ١٤٢ س ٤ هذا هو البحث في اصل الاطلاق ... الخ : وبعد التعرف على حقيقة قرينة الحكمة يقع الكلام عن تنبيهات ترتبط بذلك :

التنبيه الاول :

ان الدلالة الاطلاقية هل هي ناظرة الى تحديد المدلول التصديقي اي المراد الجدي او الى المدلول التصوري اي المدلول الوضعي؟ والصحيح هو الاول ، فان الدلالة الاطلاقية ترتكز على ظهور حال المتكلم في ان ما لا يقوله لا يريده ، وبما ان هذا الظهور ناظر الى تحديد المراد الجدي ـ حيث يحدد ان القيد ما دام لم يقله المتكلم فهو لا يريده واقعا ـ فاللازم ان تكون الدلالة الاطلاقية التي ترتكز على هذا الظهور ناظرة الى تحديد المراد الجدي ايضا. اجل اذا بنينا على الرأي الثابت قبل سلطان العلماء القائل بان الاطلاق جزء من المعنى الموضوع له فاللازم ان تكون الدلالة الاطلاقية ناظرة الى تحديد المدلول التصوري.

التنبيه الثاني :

ان قرينة الحكمة تارة تقتضي الاطلاق الشمولي واخرى الاطلاق البدلي ، فمثلا اذا قال المتكلم اكرم العالم كانت قرينة الحكمة في كلمة العالم مقتضية للاطلاق الشمولي اي لوجوب اكرام جميع افراد العلماء ولكن بالنسبة الى الاكرام الذي هو

٤١٧

متعلق الوجوب لا تقتضي شموليته بل تقتضي بدليته ، اي انها تقتضي وجوب ايجاد فرد واحد من افراد الاكرام لا جميعها ، فان للاكرام افرادا متعددة كاهداء الهدية او الزيارة عند المرض او القيام عند الدخول في المجلس وغير ذلك ، وهذه الافراد لا يجب جميعها لان ايجاد جميعها في حق كل فرد امر صعب بل لعله غير مقدور.

اذن قرينة الحكمة تقتضي بالنسبة الى الموضوع ـ وهو العالم ـ الشمولية بينما بالنسبة الى المتعلق تقتضي البدلية.

واذا تجلى هذا فقد يشكل ويقال : ان قرينه الحكمة شيء واحد فكيف اقتضت مرة الشمولية واخرى البدلية والحال ان الشيء الواحد لا ينتج حالتين مختلفتين؟ وقد اجيب بالاجوبه الثلاثة التالية :

١ ـ ما ذكره السيد الخوئي : « دام ظله » من ان مقدمات الحكمة لا تقتضي الا شيئا واحدا وهو عدم التقييد ولا تقتضي بنفسها الشمولية ولا البدلية حتى يقال انها شيء واحد فكيف اقتضت شيئين مختلفين ، وانما الشمولية والبدلية تثبتان بقرينة اخرى غير قرينة الحكمة ، فمثلا الاكرام لو وقع متعلقا للامر وقيل اكرم العالم كانت القرينة الخارجية مقتضية للبدلية حيث ان الشمولية يلزم منها التكليف بغير المقدور كما ذكرنا سابقا ، واما اذا وقع الاكرام متعلقا للنهي بان قيل لا تكرم الفاسق كانت القرينة الخارجية مقتضية للشمولية في الاكرام ، اذ لو كان المقصود لا تكرم الفاسق باكرام واحد من افراد الاكرام لزم محذور اللغوية لانا قلنا ان الانسان لا يمكنه عادة ان يأتي بجميع افراد الاكرام بل لا بد وان يكون واحد منها على الاقل متروكا ومعه يكون النهي عن الفرد الواحد من افراد الاكرام لغوا لتحقق تركه بلا حاجة للنهي عنه ويكون النهي عنه طلبا لتحصيل الحاصل.

ويرده : النقض بالحالات التي يكون فيها كل من الشمولية والبدلية امرا

٤١٨

معقولا كما هو الحال بالنسبة الى كلمة « العالم » في قولنا « اكرم العالم » ، فان كلا من الشمولية والبدلية في كلمة « العالم » معقولة ولا تقتضي القرينة الخارجية خصوص احدهما ، ومعه لا بد وان يكون السبب في استفادة الشمولية قرينة الحكمة لا القرينة الخارجية.

٢ ـ ما ذكره الشيخ العراقي قدس‌سره من ان قرينة الحكمة تقتضي شيئا واحدا وهو البدلية واما الشمولية فتستفاد من القرينة الخارجية. اما لما ذا كانت قرينة الحكمة مقتضية للبدلية فالجواب عنه ان قرينة الحكمة تقتضي تعلق الحكم بالطبيعة من دون مدخلية التقييد ، وواضح ان الطبيعة تصدق على الفرد الواحد فيكون الاتيان بالفرد الواحد كافيا ، واذا كان مراد المتكلم الشمولية فلا بد له من اقامة القرينة الخاصة على ان الطبيعة قد لا حظها سارية في جميع الافراد.

٣ ـ نفس الجواب السابق مع تغيير يسير بان نقول : ان قرينة الحكمة تقتضي شيئا واحدا وهو الشمولية ـ خلافا للجواب السابق حيث كان يقول انها تقتضي البدلية ـ باعتبار ان قرينة الحكمة تدل على تعلق الحكم بالطبيعة من دون اي قيد معها وبما ان الطبيعة غير المقيدة عامة وسارية في جميع الافراد فيلزم ان يكون الحكم المتعلق بها ساريا الى جميع الافراد. اذن قرينة الحكمة تقتضي الشمولية ولا يحكم بالبدلية الا اذا دلت قرينة خاصة عليها كما اذا دلت على لحاظ متعلق الامر ـ كالصلاة مثلا في امر « صل » مقيدا بوجوده الاول اي بفرده الاول بان يكون المقصود إإت بفرد واحد من الصلاة (١).

__________________

(١) يرد على هذا الوجه ما تقدم ص ١٢٢ س ١٤ من الحلقة من ان الطبيعة بعد اجراء قرينة الحكمة تقتضي البدلية ـ اي الاتيان بفرد واحد ـ دون الشمولية فهذا الوجه الثالث ان كان يتبناه السيد الشهيد قدس‌سره فهو يتنا فى مع ما تقدم.

٤١٩

التنبيه الثالث :

هناك اختلاف واضح بين الامر والنهي ، ففي النهي تتعدد الحرمة بعدد افراد المتعلق ، فاذا قيل لا تكذب وكان عدد الكذبات ١٠٠ انحل النهي الى ١٠٠ حرمة ، فاذا كذب المكلف كذبة واحدة كان عاصيا لحرمه واحدة وممتثلا لـ (٩٩) حرمة ، هذا في النهي. واما الامر فلا يحصل فيه هذا الانحلال ، فالوجوب في خطاب « صل » وجوب واحد متعلق بصلاة واحدة واذا خالف المكلف ولم يصل فلا يستحق الا عقابا واحدا.

وسبب هذا التعدد هناك وعدمة هنا هو الشمولية هناك والبدلية هنا ، فان متعلق النهي في مثل لا تكذب حيث انه شمولي ـ فان قرينة الحكمة تقتضي كون المقصود من الكذب جميع افراده لا كذبة واحدة ـ فاللازم تعدد الحرمة بعدد افراد المتعلق ، وهذا بخلافه في متعلق الامر ، فان قرينة الحكمة حيث انها تقتضي البدلية فيه وان المقصود صلاة واحدة من بين افراد الصلاة فاللازم ان يكون الحكم المستفاد حكما واحدا متعلقا بصلاة واحدة لا اكثر.

وباختصار : ان الحكم في النهي يتعدد بعدد افراد المتعلق بخلافه في الامر فانه لا يتعدد.

اجل بعض النواهي لا يتعدد فيها الحكم وذلك فيما اذا كان المتعلق غير قابل للتكرار كما في مثل « لا تحدث » فان الحدث لا يقبل التكرار ، فمن بال صار محدثا واذا بال ثانية او نام لا يصير محدثا ثانيا او ثالثا. ولكن رغم ان الحكم لا يتعدد في مثل النهي المذكور يبقى الفارق بين الامر والنهي ثابتا ، فاذا قيل « لا تحدث » فالحرمة وان كانت واحدة الا ان امتثالها لا يحصل الا بترك الحدث بجميع افراده واسبابه بان يترك البول والنوم والجنابة وغير ذلك بينما اذا قيل « احدث » كفى

٤٢٠