الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-91029-3-0
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٩٢

المشتق لخصوص المتلبس ولا على وضعه للاعم فالاصل ماذا يقتضي؟ فهل يقتضي الوضع لخصوص المتلبس او للاعم؟ قد يقال انه يقتضي الوضع للاعم لوجهين :

١ ـ انا نشك ان الواضع للمشتقات هل لاحظ خصوصية التلبس او لا؟ والاصل يقتضي عدم ملاحظته لها فيثبت بذلك الوضع للاعم.

ويرده :

أ ـ ان استصحاب عدم لحاظ خصوصية التلبس (١) اقصى ما يثبت عدم ملاحظة خصوصية التلبس ولا يثبت ان المشتق موضوع للاعم الاّ بالاصل المثبت ، فان لازم عدم ملاحظة خصوصية التلبس ان المشتق موضوع للاعم ، وهذا اللازم ليس لازما شرعيا ـ اذ لا توجد آية ولا رواية تقول اذا لم تلحظ خصوصية التلبس فالمشتق موضوع للاعم ـ وانما هو لازم عقلي ، وقد مر عند شرح س ٩ من ص ٧٠ ان الاصل متى لم يرد به اثبات نفس مجراه او لازمه الشرعي فهو ليس بحجة ويسمى بالاصل المثبت نظير استصحاب حياة الولد لاثبات نبات لحيته.

ب ـ ان اصالة عدم ملاحظة الخصوصية اقصى ما تثبت عدم ملاحظة الخصوصية ، ومن الواضح ان هذا ليس بمهم ولا بحجة ، فان الحجة في نظر العقلاء هو الظهور ، فالعقلاء يقولون ان ظهور المشتق في الاعم هو الحجة ، ومن الجلي ان استصحاب عدم ملاحظة الخصوصية لا يثبت ان المشتق ظاهر في الاعم ، اذ الظهور لا ينشأ من عدم ملاحظة الخصوصية وانما ينشأ من وضع المشتق للاعم ، ونحن عرفنا من خلال ما تقدم ان اصالة عدم ملاحظة الواضع للخصوصية لا

__________________

(١) الاستصحاب والاصل شيء واحد ، ولذا قد يعبر بهذا تارة وبذاك اخرى.

٣٢١

يثبت وضع المشتق للاعم حتى يثبت له ظهور في الاعم بل اقصى ما يثبت عدم ملاحظة الخصوصية.

٢ ـ ان يقال : ان الشجرة اذا جفّت وشككنا في صدق عنوان المثمرة عليها بعد ذلك فنستصحب صدق عنوان المثمرة عليها ونقول : ان هذه الشجرة قبل ان تجف كان يصدق عليها عنوان المثمرة ، فاذا شككنا الآن في صدقه عليها استصحب بقاؤه فيثبت بذلك بقاء الكراهة.

وقد يشكل على الاستصحاب المذكور بكونه اصلا مثبتا ، اذ باستصحاب بقاء عنوان المثمرة يراد اثبات اللازم العقلي لذلك وهو ان كلمة « المثمرة » موضوعة للاعم.

ويرده : ان الاستصحاب المذكور ليس مثبتا ، اذ نحن لا نريد باستصحاب بقاء صدق عنوان المثمرة اثبات ان كلمة « مثمرة » موضوعة للاعم حتى يقال بانه مثبت ، بل نريد اثبات بقاء كراهة قضاء الحاجة تحتها ، ومن الواضح ان بقاء الكراهة يكفي فيه بقاء صدق عنوان المثمرة من دون حاجة الى اثبات الوضع للاعم.

اذن من هذه الناحية لا اشكال ، وانما الاشكال يرد من ناحية اخرى وهي ان الاستصحاب المذكور استصحاب في الشبهة المفهومية وهو لا يجري كما يأتي انشاء الله تعالى في مبحث الاستصحاب.

وتوضيحه باختصار : ان الشبهة المفهومية هي الشبهة الناشئة من الشك في سعة المفهوم وضيقه كالشك في ان الصعيد يراد به مطلق وجه الارض او خصوص التراب. وكالشك في مقامنا في مفهوم كلمة « مثمرة » هل هو وسيع يشمل حالة ما بعد الجفاف او ضيق لا يشمل ذلك ، واستصحاب بقاء صدق عنوان المثمرة في

٣٢٢

الحالة المذكورة استصحاب في الشبهة المفهومية وهو لا يجري (١).

ومن خلال كل هذا اتضح ان الاستصحاب بكلا شكليه السابقين لا يجري.

اجل يمكن اجراء الاستصحاب في نفس الحكم ـ اي الكراهة ـ فنقول : انه كان يكره قضاء الحاجة سابقا تحت هذه الشجرة فاذا شككنا الآن في بقاء الكراهة استصحبنا بقاءها ، ومثل هذا الاستصحاب يسمى بالاستصحاب الحكمي لانه استصحاب في نفس الحكم ، وهذا بخلافه في الشكلين السابقين فانه استصحاب موضوعي ، اذ يراد باجرائه احراز الموضوع وهو الوضع للاعم او صدق عنوان المثمرة بعد الجفاف.

والخلاصة : ان الاستصحاب الموضوعي بكلا شكليه لا يمكن جريانه بخلاف الاستصحاب الحكمي فانه يجري بلا محذور.

قوله ص ٤٧٧ س ٢ وهو مسبب تكويني :

اي حقيقي وخارجي.

قوله ص ٤٧٧ س ٣ باجراء الاستصحاب فيما هو المعنى المتصور :

اي وان الواضع حين الوضع لم يلحظ خصوصية التلبس الفعلي قيدا في

__________________

(١) والوجه في ذلك انه يشترط في جريان الاستصحاب وجود يقين سابق وشك لاحق ، وفي الشبهات المفهومية لا يوجد يقين سابق وشك لاحق ليجري الاستصحاب اذ انت حينما تقول عندي يقين بصدق عنوان المثمرة قبل ان تجف الشجرة هل تريد ان عنوان المثمرة بمعنى المتلبسة بالاثمار فعلا كنت على يقين منه او تريد ان عنوان المثمرة بالمعنى الاعم من المتلبس والمنقضي كنت على يقين منه؟ فان كنت تريد الاول فاليقين بصدق عنوان المثمرة وان كان ثابتا الا ان الشك في البقاء غير ثابت ، اذ المثمرة بمعنى الاثمار الفعلي منتف جزما بعد الجفاف ، وان كنت تريد الثاني فاليقين بصدق عنوان المثمرة غير ثابت منذ البداية حتى يجري استصحابه.

٣٢٣

المعنى الذي تصوره ووضع اللفظ له.

قوله ص ٤٧٧ س ٥ نتيجة الوضع للاعم :

اي الكراهة ، فان المقصود من ثبوت الوضع للاعم اثبات الكراهة ، وما دام المقصود اثبات نتيجة الوضع للاعم لا نفس الوضع للاعم فلا يلزم كون الاصل مثبتا.

قوله ص ٤٧٧ س ٦ لترتيب اثره الشرعي :

وهو بقاء الكراهة في المثال السابق.

قوله ص ٤٧٧ س ٨ والاثر الشرعي :

عطف تفسير على « الحكم ».

قوله ٤٧٧ س ٩ ابتداء :

اي من دون اجراء الاستصحاب الموضوعي ، بل يجري الاستصحاب في الكراهة مباشرة.

٣٢٤

المعاني الحرفيّة

٣٢٥
٣٢٦

المعاني الحرفيّة :

قوله ص ٩٣ س ١ المعنى الحرفي مصطلح اصولي ... الخ :

ليس المقصود من المعنى الحرفي خصوص النسبة المدلول عليها بالحروف بل يراد به في المصطلح الاصولي كل نسبة سواء كانت مدلولة للحرف ام للهيئة كهيئة المشتق الدالة على نسبة المبدأ الى الذات.

ثم ان الوجدان العرفي قاض بوجود فرق بين معنى كلمة « من » ومعنى كلمة « ابتداء » فمعنى كلمة « من » لا يمكن لحاظه مستقلا بخلاف معنى كلمة « ابتداء ».

ومن هنا اتجه الاصوليّون الى بيان الفارق الاساسي بين معاني الحروف ومعاني الاسماء ، وقد وجد في هذا الصدد اتجاهان :

١ ـ ما ذهب اليه الآخوند قدس‌سره من عدم الفرق بين ذات المعنى الحرفي وذات المعنى الإسمي بل ذاتهما واحدة والاختلاف ليس الاّ من ناحية اللحاظ كما سيتّضح.

٢ ـ ما ذهب اليه من تأخر عن الآخوند وهو ان معنى الحرف يباين من حيث ذاته معنى الاسم ، فالاختلاف بينهما ليس من حيث اللحاظ فقط بل من حيث الذات واللحاظ معا كما سيتجلى.

٣٢٧

توضيح الاتجاه الأوّل.

وفي البداية نأخذ بتوضيح اتجاه الآخوند ، وحاصله ان كلمة « من » وكلمة « ابتداء » كلتيهما تدلان على معنى واحد وهو مفهوم الابتداء ، وهذا المعنى الواحد وضع له لفظان : من وابتداء. اجل كلمة « من » وضعت لمفهوم الابتداء فيما اذا لوحظ باللحاظ الآلي بخلاف كلمة « ابتداء » فانها موضوعة لمفهوم الابتداء فيما اذا لوحظ باللحاظ الاستقلالي.

بيان ذلك : ان الابتداء الثابت في الخارج وان كان متقوما دائما بطرفين ولا يمكن ان يوجد مستقلا فالابتداء من البصرة يوجد خارجا متقوما بالسير والبصرة ولا يمكن وجوده مستقلا عن السير والبصرة الاّ انه في الذهن يمكن ان يوجد بشكلين ، فيوجد مرة متقوما بطرفين ـ كما لو تصورنا السير من البصرة ، فانه ضمن تصورنا لهذا المجموع نتصور الابتداء المتقوم بالسير والبصرة ـ ويوجد اخرى مستقلا وغير متقوم بطرفين ، وذلك كما لو تصورنا مفهوم كلمة « ابتداء » بقطع النظر عن كلمة السير والبصرة ، ويسمى الابتداء المتقوم بالطرفين بالابتداء الملحوظ باللحاظ الآلي (١) بينما الابتداء الملحوظ مستقلا يسمى بالابتداء الملحوظ باللحاظ الاستقلالي.

والآخوند يدعي ان كلمة « من » موضوعة لمفهوم الابتداء الملحوظ بالشكل الاول ، اي الملحوظ متقوما بطرفين ، بينما كلمة « ابتداء » موضوعة لمفهوم الابتداء الملحوظ بالشكل الثاني اي الملحوظ مستقلا.

ثم اضاف قدس‌سره قائلا : ولا يتوهمن متوهم ان مقصودنا وضع كلمة « من » لمفهوم الابتداء المقيد باللحاظ الآلي او وضع كلمة « ابتداء » لمفهوم الابتداء

__________________

(١) اللحاظ الآلي لحاظ المعنى متقوما بغيره.

٣٢٨

المقيد باللحاظ الاستقلالي ، ان هذا باطل ، اذ لو كان اللحاظ الآلي او الاستقلالي جزء من المعنى يلزم صيرورة معنى كلمة « من » و « ابتداء » امرا ذهنيا فان اللحاظ (١) امر ذهني ، والمقيد بالامر الذهني ذهني ، وبالتالي يلزم عدم امكان الامتثال لو قيل : سر من البصرة ، لان الابتداء الذي يحصل من الشخص المأمور ابتداء خارجي وليس ذهنيا والحال انه لا اشكال في حصول الامتثال بالابتداء الخارجي ، وهذا يكشف عن عدم كون معنى كلمة « من » ذهنيا.

يبقى شيء وهو انه اذا لم يكن اللحاظ الآلي او الاستقلالي قيدا في المعنى الموضوع له فلأي شيء يكون قيدا اذن؟ اجاب الآخوند عن هذا السؤال بان اللحاظ قيد في نفس الوضع او بالاحرى في العلاقة الوضعية الحاصلة بسبب الوضع وليس قيدا في المعنى الموضوع له ، بل المعنى الموضوع له هو مفهوم الابتداء لا غير ، واللحاظ الآلي والاستقلالي قيد في الوضع ، وهذا نظير ان يكون للانسان ولد عزيز ، ولحبه الشديد وضع له اسمين فقال : اني وضعت لولدي في الليل كلمة « زيد » وفي النهار كلمة « عمرو » ، فانه في هذا المثال يكون المعنى الموضوع له في كلمة « زيد » و « عمرو » واحدا وهو ذات الولد من دون اخذ الليل والنهار قيدين في المعنى ، وانما هما قيدان في الوضع ، اي ان وضع كلمة زيد مقيد بالليل لا انها وضعت لزيد المقيد بالليل ، وهكذا بالنسبة الى وضع كلمة « عمرو ».

وفي نهاية كلامه ذكر قدس‌سره : يتجلى ان المتكلم لو استعمل كلمة « من » بدل كلمة « ابتداء » بان قال هكذا : سرت ابتداء البصرة ولم يقل : سرت من البصرة كان استعماله هذا استعمالا حقيقيا وفي المعنى الموضوع له ، اذ المعنى الموضوع له في كلمتي « من » و « ابتداء » واحد وهو مفهوم الابتداء وانما

__________________

(١) يقال : لاحظ هذا الشيء اي تصوره في ذهنك واوجده فيه.

٣٢٩

الاختلاف في كيفية اللحاظ الذي هو قيد في الوضع ، وما دام الاستعمال استعمالا في المعنى الموضوع له فيكون حقيقيا وان كان ذلك بلا وضع نظير استعمال كلمة « زيد » بدل كلمة « عمرو » في المثال السابق فانه استعمال حقيقي وفي المعنى الموضوع له ـ وهو ذات الولد ـ غايته بلا وضع.

هذا حصيلة ما ذكره الآخوند ، ويمكننا تلخيصه في النقاط التالية :

أ ـ ان معنى كلمة « من » و « ابتداء » واحد وهو مفهوم الابتداء ، وليس الاختلاف الاّ في اللحاظ الآلي والاستقلالي.

ب ـ ان اللحاظ ليس جزء من المعنى بل هو قيد في الوضع.

ج ـ ان استعمال كلمة « من » بدل كلمة « ابتداء » او بالعكس استعمال حقيقي وفي المعنى الموضوع له غايته بلا وضع.

الاتجاه الثاني.

والاتجاه الثاني يقول : ان المعنى الحرفي يختلف عن المعنى الاسمي من حيث الذات وليس من حيث اللحاظ فقط ، فالاختلاف باللحاظ وان كان موجودا ولكنه ليس هو الفارق الجوهري ، وانما الفارق الجوهري هو الاختلاف من حيث الذات ، فذات المعنى الحرفي تباين ذات المعنى الاسمى ، واختلافهما من حيث اللحاظ ناشىء من الاختلاف الذاتي بينهما. هذا مجمل الاتجاه الثاني ، ويأتي توضيح معالمه بعد قليل.

مناقشة الاتجاه الاول.

ويمكن ان يقال في رد الاتجاه الاول : ان بالامكان اقامة البرهان على

٣٣٠

التباين بين ذاتي المعنى الحرفي والمعنى الاسمي ، وليست الذات واحدة والاختلاف في مجرد اللحاظ. وتوضيحه يتم ضمن اربع نقاط :

١ ـ انا حينما نسمع جملة « سار زيد من البصرة الى الكوفة » مثلا نجد ان المعنى المستفاد منها معنى مترابط يرتبط بعضه ببعض وليس فيه تفكيك كالتفكيك الذي نشعر به حينما نسمع هذه الكلمات ـ سير ، بصرة كوفة ـ بدون ضم كلمتي « من والى ».

٢ ـ ما دمنا نشعر بالترابط بين اجزاء الجملة المذكورة فلا بد من اشتمالها على معاني وظيفتها الربط والنسبة بين السير والبصرة والكوفة.

٣ ـ ان المعاني الرابطة بين السير والبصرة والكوفة لا بد وان يكون الربط لها ذاتيا لا عارضيا ، اي لا بد وان تكون تلك المعاني عين الربط ونفسه لا شيئا لها الربط ، اذ لو كانت اشياء اخرى غير الربط وكان الربط عارضا عليها ـ كما في الغرفة المنيرة فانها ليست عين النور وانما هي شيء له النور ـ لكان من اللازم الانتهاء في النهاية الى معان يكون الربط لها ذاتيا اي تكون عين الربط ، اذ لو لم ننته الى ذلك يلزم التسلسل كما في الغرفة المنيرة فان نورها لما كان عارضا عليها احتيج الى شيء آخر تكتسب منه النور ، وذلك الشيء ان لم يكن نوره ذاتيا احتيج الى شيء ثالث وهكذا حتى ينتهى الى شىء يكون النور له ذاتيا ـ اي يكون عين النور ـ كى لا يلزم التسلسل ، ومن هنا قيل : كل ما بالعرض لا بد من انتهائه الى ما بالذات.

والخلاصة : ان جملة « سرت من البصرة الى الكوفة » لا بد وان تحتوى على معان تكون عين الربط دفعا للتسلسل وحفاظا على قاعدة « كل ما بالعرض لا بد من انتهائه الى ما بالذات ».

٣٣١

٤ ـ ان تلك المعاني التي يكون تمام حقيقتها الربط ليست هي الا معاني الحروف ، فان جملة « سرت من البصرة الى الكوفة » تحتوي على اسماء وحروف ، وحيث ان الاسماء لا يمكن ان تكون هي الدالة على تلك المعاني التي تكون عين الربط ـ والاّ يلزم عدم امكان تصور معاني الاسماء مستقلا ومن دون الطرفين لان ما يكون الربط له ذاتيا لا يمكن تصوره في حال من الحالات بدون تصور الطرفين ـ فبعد عزلها واستثنائها لا تبقى لدينا الا الحروف فتكون هي الدالة على الربط بين الاطراف المتفككة.

وبهذا يثبت بطلان ما اختاره الآخوند ، فانا اثبتنا من خلال هذا البيان ان معاني الحروف تختلف في ذاتها عن معاني الاسماء ، فمعاني الحروف ليست هي الا الربط بينما معاني الاسماء ليست هي الربط بل معاني اخرى مستقلّة تحتاج الى الربط الذي هو معنى الحرف.

وليس مقصودنا حينما نقول ان معاني الحروف هو الربط والنسبة ان الحروف تدل على مفهوم النسبة والربط وانما هو واقع الربط والنسبة ، فان مفهوم النسبة والربط ليس نسبة ولا ربطا في الحقيقة بل هو معنى اسمي يحتاج الى الربط.

ولئن كان مفهوم النسبة والربط يصدق على النسبة والربط فهو يصدق عليه بالحمل الاولي وليس بالحمل الشائع ، كما هو الحال في مفهوم الجزئي حيث يصدق عليه انه جزئي بالحمل الاولي ولا يصدق عليه ذلك بالحمل الشائع ، فان مفهوم الجزئي بنظرة اولى غير فاحصة وان كان جزئيا ولكنه بنظرة ثانية فاحصة كلي جيث انه يصدق على كل جزئي ، وهكذا الحال في مفهوم النسبة فانه بالنظرة الاولى وان كان نسبة الا انه بالنظرة الثانية الفاحصة ليس نسبة بل مفهوما اسميا.

ثم انه قدس‌سره اشار الى النقطة الاولى بقوله فى س ٥ : انه لا اشكال في ان

٣٣٢

الصورة الذهنية ... الخ.

واشار الى النقطة الثانية في س ٧ بقوله : فلا بد من افتراض معان رابطة ...

الخ.

واشار الى الثالثة في س ٩ بقوله : وهذه المعاني الرابطة ... الخ.

واشار الى الرابعة في س ١٣ بقوله : وليس شيء من المعاني الاسمية ... الخ.

قوله ص ٩٣ س ١٣ بما هو :

اي بما هو مستقل وغير متقوم بالطرفين.

قوله ص ٩٤ س ٥ المعنى الملحوظ فيها :

الصواب : فيهما ، اي في اللحاظين.

قوله ص ٩٤ س ٧ للمعنى الموضوع له او المستعمل فيه :

المعنى الذي يضع الواضع له كلمتي « من او ابتداء » يسمى بالمعنى الموضوع له ، والمعنى الذي يستعمل فيه اللفظ بعد تمامية الوضع يسمى بالمعنى المستعمل فيه ، والآخوند يرى ان اللحاظ كما انه ليس قيدا في المعنى الموضوع له كذلك ليس هو قيدا في المعنى المستعمل فيه.

قوله ص ٩٤ س ٧ وقيد فيه :

عطف تفسير على قوله « مقوم ».

قوله ص ٩٥ س ٤ والذاتي :

عطف تفسير لكلمة « السنخي ».

قوله ص ٩٥ س ١٠ وطارئة :

عطف تفسير لكلمة « عرضية ».

قوله ص ٩٥ س ١٤ ومقوما له :

٣٣٣

عطف تفسير لكلمة « ذاتيا ».

قوله ص ٩٦ س ٨ وهذا يعني أنهما :

المناسب عدم وضع هذا رأس السطر بل متّصلا بسابقه.

قوله ص ٩٦ س ١٠ وقد مر عليك في المنطق ... الخ :

قرأنا في المنطق ان الحمل على شكلين : اولي ذاتي وشايع صناعي. والفرق بينهما انه :

أ ـ تارة يكون المقصود اثبات الاتحاد بين الموضوع والمحمول في عالم المفهوم فكأنه يراد ان يقال : ان الموضوع والمحمول هما مفهوم واحد ، وهذا متداول في باب التعريفات ، فانه حينما يعرّف الانسان ويقال : هو حيوان ناطق يراد اثبات الاتحاد بينهما في عالم المفهوم ، اي يراد ان يقال : ان مفهوم الانسان ومفهوم الحيوان الناطق واحد ، ومثل هذا الحمل يسمى بالحمل الاولي الذاتي.

ب ـ واخرى يكون المقصود اثبات الاتحاد في عالم الخارج دون المفهوم ، ويسمى الحمل في هذه الحالة بالحمل الشايع الصناعي.

وعلى هذا الاساس يتضح انه بلحاظ الحمل بشكله الاول يمكننا ان نقول الجزئي جزئي اذ لا اشكال في ان مفهوم الجزئي في عالم المفهوم هو عين مفهوم الجزئي فانّ كل مفهوم في عالم المفاهيم يصدق على نفسه والا يلزم سلب الشيء عن نفسه ، ففي عالم المفاهيم الجزئي جزئي والكلي كلي والانسان انسان والنسبة نسبة والكتاب كتاب وهكذا كل شيء هو هو في عالم المفهوم.

واما بلحاظ الحمل بشكله الثاني فلا يصح ان نقول الجزئي جزئي فانه في عالم الخارج ليس مفهوم الجزئي جزئيا بل هو كلي يصدق على كثيرين ، فان كل مفهوم في عالم الخارج ليس هو ذلك المفهوم ، فمفهوم الانسان في عالم الخارج ليس

٣٣٤

انسانا ومفهوم الفرس في عالم الخارج ليس فرسا ، ومفهوم الكتاب في عالم الخارج ليس كتابا ، وهكذا.

ومن هنا يتّضح انه يمكننا ان نعبر عن الحمل الاولي بالحمل المفهومي وعن الحمل الشايع بالحمل الخارجي.

وتجلى ايضا ان الجزئي جزئي في عالم المفهوم اي بالحمل الاولي ، وليس جزئيا بل كليا في عالم الخارج اي بالحمل الشايع.

كما واتضح ان مفهوم النسبة والربط نسبة بالحمل الاولي وليس نسبة بالحمل الشايع.

ثم ان الحمل الاولي والحمل الشايع وصفان للحمل ، فالحمل تارة يكون اوليا واخرى شايعا صناعيا.

وهناك مصطلح آخر في الحمل الاولي والشايع قرأناه في المنطق ايضا ، وهو غير ناظر الى الحمل بل الى الموضوع ، فالموضوع مرة يلحظ بالحمل الاولي واخرى بالحمل الشايع ، فمثلا حينما يقال : الفعل لا يخبر عنه قد يشكل ويقال : كيف لا يخبر عنه مع انا اخبرنا عنه الآن بانه لا يخبر عنه؟ والجواب : ان المقصود من الفعل في هذه الجملة هو واقع الفعل ومصداقه ـ اي الفعل بالحمل الشايع ـ لا مفهوم الفعل الذي هو مفهوم اسمي ويعبر عنه الفعل بالحمل الاولي.

والحمل الاولي والشايع في هذا المصطلح وصف للموضوع لا للحمل بخلافه في المصطلح الاول فانه وصف للحمل لا للموضوع.

وهناك مصطلح ثالث في الحمل الاولي والشايع يظهر من كلمات السيد الشهيد ص ٤٤ وايضا ص ٩٧ من الحلقة ـ وقد يرجع الى المصطلح الاول ـ حيث ذكر ان الصور الذهنية للاشياء هي عين الخارج بنظرة اولى غير فاحصة وهي غير

٣٣٥

الخارج بنظرة ثانية فاحصة ، فصورة النار في الذهن هي عين النار الخارجية بنظرة اولى وهي غيرها بنظرة ثانية ، واصطلح على النظرة الاولى بالحمل الاولي ، وعلى النظرة الثانية بالحمل الشايع.

وعبارة الكتاب ناظرة الى المصطلح الاول بقرينة قوله قدس‌سره « وقد مر عليك في المنطق » حيث انه هو المصطلح الشايع في المنطق ، ولعلها ناظرة الى المصطلح الثالث ايضا بناء على اتحاده مع الاول.

وتكميلا للفائدة نذكر ان المراجع لمنطق المظفر قد يتوهم وجود تناقض في عبارته ، فهو في مبحث العنوان والمعنون يقول : « مفهوم الجزئي اي الجزئي بالحمل الاولي كلي لا جزئي » بينما في مبحث التناقض يقول : « الجزئي جزئي بالحمل الاولي » ، فمرة يقول الجزئي جزئي بالحمل الاولي واخرى يقول الجزئي ليس جزئيا بالحمل الاولي.

وعلى ضوء ما ذكرنا تجلى عدم التناقض ، فالعبارة الاولى ناظرة الى المصطلح الثاني للحمل الاولي : اي الحمل الاولي بلحاظ الموضوع ، ولذا نلاحظ اضافة الحمل الاولي الى الموضوع والاتيان بكلمة « الحمل الاولى » بعد الموضوع مباشرة لا بعد تمام القضية بينما العبارة الثانية ناظرة الى المصطلح الاول ولذا نلاحظ ذكر كلمة « الحمل الاولى » بعد تمام القضية.

البرهنة تفصيلا.

قوله ص ٩٦ س ١٤ وهذا البيان كما يبطل ... الخ :

اتضح من خلال البرهان السابق المركب من النقاط الاربع بطلان اتجاه الآخوند ، واتضح ايضا ـ وعلى سبيل الاجمال ـ ان الاتجاه الصحيح هو الاتجاه

٣٣٦

الثاني ، ومن اجل ان يتجلى ـ الاتجاه الثاني ـ اكثر وتكون خطوطه وتفاصيله اشد وضوحا قام السيد الشهيد بايضاح هذا الاتجاه في مراحل ثلاث :

المرحلة الاولى :

وفي هذه المرحلة قام قدس‌سره باثبات ان الحروف موضوعة لواقع النسبة والربط لا لمفهوم النسبة والربط ، وحاصل ما افاده انا لو وجدنا نارا في الموقد وقلنا : النار في الموقد حصلنا من خلال الجملة المذكورة على مفاهيم ثلاثة هي :

أ ـ مفهوم النار.

ب ـ مفهوم الموقد.

ج ـ مفهوم ثالث يقوم بالربط بين مفهومي النار والموقد.

واذا تأملنا قليلا وجدنا فارقا بين المفهومين الاولين من جهة والمفهوم الثالث من جهة اخرى ، فالمفهومان الاولان نذكرها في الجملة السابقة لكي يحضرا في ذهننا النار والموقد ، ولكن كيف هذا؟ كيف يمكن للمفهوم ان يحضر الشيء الخارجي؟ ان مفهوم النار امر ذهني وصورة ذهنية فكيف يمكنها احضار النار الخارجية؟ ان الجواب عن ذلك تقدم عند شرح ص ٤٤ حيث قلنا : ان الصورة الذهنية للنار هي عين النار الخارجية بنظرة اولى غير فاحصة واستشهدنا على ذلك بمنبه وجداني وهو انا عند تذكر صور مصاب الامام الحسين عليه‌السلام نأخذ بالحزن والبكاء ، وما ذاك الا من اجل ان تلك الصور نرى بها المصائب التي وقعت في الخارج على الامام عليه‌السلام.

وما دامت الصورة الذهنية عين الخارج بنظرة اولى غير فاحصة امكن ان نستعملها كوسيلة لاحضار النار الخارجية لنحكم عليها بانها في الموقد.

٣٣٧

ومن هذا يتجلى ان لكلمتي « النار والموقد » سنخ مفهوم يحصل الغرض منه ـ والغرض منه جعله وسيلة لاحضار النار الخارجية والموقد الخارجي ليحكم على النار بانها في الموقد ـ بكونه عين الخارج بنظرة اولى غير فاحصة اصطلح عليها قدس‌سره بالحمل الاولي ، هذا كله بالنسبة الى المفهومين الاولين.

واما المفهوم الثالث ـ اي الذي يقوم بالربط بين النار والموقد ـ فليس هو مفهوم النسبة والربط ، فان الغرض من احضار هذا المفهوم الثالث هو الربط بين مفهوم النار ومفهوم الموقد ، ومن الواضح ان الربط لا يحصل بواسطة مفهوم الربط والنسبة اذ هذا المفهوم كسائر المفاهيم الاسمية يحتاج هو الى رابط يربط بغيره ، اذن المفهوم الثالث لا بد وان تكون حقيقته عين الربط الخارجي بنظرة حقيقية فاحصة ليمكن بواسطته حصول الربط.

ومن خلال كل ما تقدم تجلى الفرق الاول والجذري بين معنى الاسم ومعنى الحرف ، فالاسم يدل على معنى هو عين الخارج بنظرة اولى غير فاحصة وان كان غير الخارج بنظرة فاحصة ، بينما الحرف يدل على معنى هو عين الربط الخارجي بنظرة فاحصة.

ايجادية الميرزا.

ولعل الميرزا حينما قال بان معاني الحروف ايجادية كان يقصد هذا المعنى فانه نسب له القول بان معاني الاسماء اخطارية وان معاني الحروف ايجادية ، وفسّر هذا في التقرير المطبوع لدرس الميرزا (١) بان معنى النار مثلا ثابت في الذهن قبل التلفظ بلفظ النار ، واللفظ يقوم باخطار ذلك المعنى الثابت في الذهن ، وهذا

__________________

(١) وهو فوائد الاصول للشيخ محمد علي الكاظمي واجود التقريرات للسيد الخوئي.

٣٣٨

بخلافه في الحرف فان معناه ليس ثابتا في الذهن قبل التلفظ به وانما يقوم الحرف بايجاد الربط بين لفظي النار والموقد حين التلفظ به.

وعلى ضوء هذا التفسير للايجادية اشكل على الميرزا بان معنى النار كما انه ثابت في الذهن قبل التلفظ بلفظ النار كذلك النسبة ثابتة قبل التلفظ بكلمة « في » ، وتقوم كلمة « في » باخطارها ، فكلاهما من هذه الناحية اخطاري لا ان معاني الاسماء اخطارية ومعاني الحروف ايجادية.

والسيد الشهيد قدس‌سره يقول : لعل المقصود من كون معاني الحروف ايجادية ليس هذا المعنى السطحي المذكور في تقرير الميرزا بل لعل المقصود المعنى الذي ذكرناه ، اي ان الحرف يدل على معنى هو عين الحقيقة الخارجية حقيقة وبالنظرة الفاحصة لا انه عين الخارج بالنظرة التصورية الاولى فقط.

المرحلة الثانية :

وفي هذه المرحلة يثبت قدس‌سره ان كل فرد من النسبة لو قسناه الى فرد ثان من النسبة كانت ذات كل منهما مباينة لذات الآخر ولا يوجد بين الذاتين ماهية واحدة مشتركة لتكون جامعا ذاتيا لهما ، فزيد وعمرو لا يوجد تباين ذاتي بينهما لوجود ماهية مشتركة بينهما تشكل الجامع الذاتي لهما وهي ماهية الانسان بخلاف ذلك في الحجر والانسان فان بينهما مباينة حيث لا يوجد جامع مشترك بينهما ، والمدعى في باب النسبة هو ذلك ، فبين الفردين من النسبة تباين تام ، وعلى سبيل المثال : النسبة في قولنا « النار في الموقد » مع النسبة في قولنا « الكتاب في المحفظة » يتباينان نباينا تاما وليسا فردين من حقيقة واحدة.

اذن المقصود في هذه المرحلة اثبات التباين التام بين الفردين من النسبة

٣٣٩

الواحدة ، وبتعبير آخر : اثبات عدم وجود جامع ذاتي بين الفردين من النسبة ، اذ لو لم يكن تباين تام بين النسبتين لكانت بينهما ماهية واحدة مشتركة تشكل الجامع الذاتي المشترك بينهما.

وقبل ان نقيم الدليل على هذه الدعوى نطرح السؤال التالي : متى تتعدد النسبتان بحيث نحصل على فردين من النسبة؟ والجواب : ان النسبة تتكثر باختلاف اطرافها ، فالنار والموقد طرفان للنسبة ، والكتاب والمحفظة طرفان للنسبة ايضا ، وحيث ان ذينك الطرفين غير هذين الطرفين تتعدد النسبة فنحصل على فردين منها ، فتكثر النسبة اذن بتكثر اطرافها ، ولكن بم تتكثر الاطراف؟ ان تكثر الاطراف يحصل مرة باختلافها اختلافا حقيقيا كما في مثل « الموقد والنار » و « الكتاب والمحفظة » ، ويحصل اخرى باختلافها موطنا وان لم تختلف حقيقة كما في قولنا « النار في الموقد » ، فان هذه النسبة في الخارج تختلف عن النسبة في ذهن المتكلم ، والنسبة في ذهن المتكلم تختلف عن النسبة في ذهن السامع ، وهذا الاختلاف لم ينشأ من الاختلاف في الاطراف حقيقة بل عن اختلاف موطن الاطراف.

وبعد تجلي هذا نرجع الى صلب الموضوع : وهو اقامة الدليل على التباين الذاتي بين افراد النسبة وعدم وجود جامع ذاتي بينها ، ان الدليل على ذلك يتركب من خطوات ثلاث هي :

١ ـ ان الجامع بين الافراد على قسمين ، فتارة يكون جامعا ذاتيا واخرى يكون جامعا عرضيا ، والجامع الذاتي عبارة عن المقومات الذاتية ، فالجامع الذاتي بين زيد وعمرو هو الحيوان الناطق حيث انه المقوم الذاتي لهما ، اما الجامع العرضي فهو الامر الخارج الذي يجمع بين الفردين كالابيض الذي هو شيء

٣٤٠