الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-91029-3-0
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٩٢

الثالث : ما ذكره الشيخ الاصفهاني من ان عادة العقلاء جرت على انهم متى ما اخترعوا معنى جديدا وضعوا اللفظ لمجموع اجزائه دون شرائطه ، فاذا اجتمعت الاجزاء كان اللفظ موضوعا لها وان لم تكن الشرائط متوفرة معها ، فالطبيب اذا اخترع دواء الاسپرين مركبا من خمسة اجزاء وكان هذا الدواء لا يؤثر اثره الاّ اذا حصل تناوله قبل الطعام فهو يضع اللفظ لمجموع الاجزاء الخمسة وان حصل التناول بعد الطعام ، هذه سيرة العقلاء ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بما انه واحد منهم بل رئيسهم فلا بد وان تكون طريقته ذلك ايضا فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله قد وضع لفظ الصلاة لمجموع الاجزاء دون الشرائط ، وهذا معناه ان لفظ الصلاة موضوع للصحيح من حيث الاجزاء وللاعم من حيث الشرائط.

ويرد عليه :

أ ـ انا لا نجزم بمثل هذه السيرة.

ب ـ وعلى تقدير تسليمها لا نجزم بمتابعته صلى‌الله‌عليه‌وآله لها ، اذ لا يلزم من عدم متابعته لها محذور قبيح.

ج ـ ان الاصفهاني ذكر ان العقلاء لا يضعون اللفظ للشرائط التي يكون معها الدواء مؤثرا ونافعا ، وهذا وان كان تاما لكنه خارج عن محل الكلام ، اذ الكلام في شرائط نفس المعنى لا في شرائط تأثيره ، فمن قال ان الدواء لو كان له شرائط راجعة الى نفسه ـ ككونه ذا لون او طعم خاص ـ لا الى تأثيره فلا يضع الواضع اللفظ لها ، وهكذا في الصلاة فان القبلة والطهارة والستر وو ... شرائط لنفسها لا لتأثيرها فيلزم ان يكون اللفظ موضوعا لها ايضا. وباختصار حصل خلط بين شرائط التأثير وشرائط المعنى والكلام في الثاني دون الاول.

الرابع : واستدل على الوضع للاعم بالحديث الوارد « دعي الصلاة ايام

٢٦١

اقرائك » (١) فان الصلاة ايام القرء ـ اي الحيض ـ فاسدة ومع ذلك اطلق الحديث عليها كلمة الصلاة وقال : دعي الصلاة.

والجواب : ان النهي الوارد في هذا الحديث ليس مولويا حتى يقال : ان النهي عن الصلاة ايام الحيض دليل على صحة اطلاق كلمة الصلاة على الفاسدة ، بل هو ارشاد الى ان الصلاة ايام الحيض لم يؤمر بها وان الامر متعلق بالصلاة ايام الطهر فقط.

وقد تقول : ان الصلاة ايام الحيض وان كانت فاقدة للامر ولكنها بالتالي فاسدة ، فاطلاق الحديث كلمة الصلاة عليها مع انها فاسدة ـ لفقدان الامر ـ دليل على الوضع للاعم.

والجواب : من الممكن ان تكون كلمة الصلاة موضوعة لخصوص الصحيح ومع ذلك تطلق على الفاقدة للامر باعتبار انها ـ بناء على الوضع للصحيح ـ لم توضع للصلاة المقيدة بواجدية الامر ، فان واجدية الصلاة للامر هو من القيود الثانوية (٢) ، وهي لا يمكن اخذها في المسمى حتى عند الصحيحي فضلا عن الاعمي (٣).

الخامس : وقد يستدل على الوضع للاعم بان الصلاة يمكن تقسيمها الى

__________________

(١) الوسائل ٢ : باب ٧ من ابواب الحيض حديث ٢.

(٢) القيد الثانوي ، هو القيد الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد تعلق الامر مثل قصد امتثال الامر وواجدية الصلاة للامر ، وفي مقابل ذلك القيد الاوّلي وهو القيد الذي لا يتوقف حصوله على تعلق الامر مثل الركوع والسجود والقيام وو ... فان المصلي يمكنه الركوع وان لم يكن هناك امر بالصلاة بخلاف قصد امتثال الامر فانه لا يمكن حقيقة عند عدم الامر.

(٣) وكان من المناسب الجواب اضافة الى ذلك بان غاية ما يستفاد من هذا الحديث صحة استعمال كلمة الصلاة في الفاسدة ، وواضح ان الاستعمال اعم من الحقيقة.

٢٦٢

الصحيحة والفاسدة فيقال : الصلاة اما صحيحة او فاسدة ، وصحة التقسيم دليل على وضع المقسم للاعم والاّ يلزم تقسيم الشيء الى نفسه وغيره.

والجواب : ان اقصى ما تقتضيه صحة التقسيم استعمال كلمة الصلاة حالة التقسيم في الاعم ، والاستعمال اعم من الحقيقة ، فمن المحتمل ان كلمة الصلاة لم توضع للاعم ومع ذلك استعملت في الاعم حين التقسيم مجازا.

السادس : وذهب السيد الخوئي دام ظله الى ان كلمة الصلاة (١) وضعت في التشريع الاسلامي لاربعة اجزاء ـ التكبير والركوع والسجود والطهارة من الحدث ـ دون بقية الاجزاء والشرائط ، فمتى ما اجتمعت هذه الاربعة كان استعمال كلمة الصلاة حقيقيا وفي المعنى الموضوع له سواء كانت بقية الاجزاء والشرائط ثابتة ام لا. فله دام ظله اذن دعويان :

أ ـ ان كلمة الصلاة موضوعة للاجزاء الاربعة : ولنسمّ هذه الدعوى بالجانب الايجابي.

ب ـ ان كلمة الصلاة لم توضع لبقية الاجزاء ، ولنسمّ هذه الدعوى بالجانب السلبي.

واستدل دام ظله على الدعوى الاولى بانه ورد في حديث الحلبي « ان الصلاة ثلاثة اثلاث : ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود » (٢). وورد ايضا في حديث آخر ان افتتاح الصلاة يحصل بالتكبير (٣). واذا ضمنا الحديث الثاني الى

__________________

(١) هذه الدعوى تختص بكلمة الصلاة دون غيرها.

(٢) الوسائل ٤ : ٩٣١.

(٣) ففي حديث ناصح المؤذن عن ابي عبد الله عليه‌السلام « ... مفتاح الصلاة التكبير » ، الوسائل ٤ : ٧١٤.

٢٦٣

الاول كانت النتيجة ان الصلاة موضوعة لاربعة : التكبير والركوع والسجود والطهور.

واضاف دام ظله قائلا : ومن اجل ان كلمة الصلاة موضوعة لهذه الاربعة كان فقدان اي واحد منها ولو نسيانا موجبا لبطلان الصلاة ، بينما لمّا لم تكن بقية الاجزاء مأخوذة في المسمى لم يكن فقدانها نسيانا موجبا للبطلان.

يبقي شيء وهو ان الصلاة اذا كانت ثلاثة اثلاث ثلثها الركوع وثلثها السجود وثلثها الطهور فكيف يكون التكبير جزء والحال ان لازم ذلك صيرورة الصلاة اربعة اثلاث.

ويمكن توجيه ذلك بان المقصود من كون الصلاة ثلاثة اثلاث انها ثلاثة اثلاث بعد حصول افتتاحها بالتكبير ، فالتكبير بما انه يحصل الافتتاح به لم يعد واحدا من الاثلاث اذ المقصود من الاثلاث الاثلاث بعد افتتاح الصلاة. هذا حصيلة ما افاده دام ظله. ويرده : ان كلتا الدعويين قابلة للمناقشة :

اما الدعوى الاولى : فلانه استدلّ عليها بالحديثين السابقين ـ اي بحديث الصلاة ثلاثة اثلاث وبحديث افتتاح الصلاة بالتكبير ـ ومن الواضح ان هذين الحديثين ناظران الى عالم الامتثال ، اي ان هذه الاجزاء الاربعة اجزاء مهمة في مقام الامتثال فمن دونها لا يحصل الامتثال وليسا ناظرين الى عالم التسمية وانه هل يصدق اسم الصلاة بدونها اولا. ولئن سلّمنا نظرها الى عالم التسمية فيلزم ان تكون الفاتحة والقيام مأخوذين في المسمى ايضا اذ ورد في احاديث اخرى ـ لها لسان يشابه لسان الحديثين السابقين ـ انه « لا صلاة الا بفاتحة الكتاب » (١) و « لا

__________________

(١) ففي حديث محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته قال : لا صلاة له الا ان يقرأ بها. الوسائل ٤ ـ ٧٣٢.

٢٦٤

صلاة لمن لم يقم صلبه » (١) ، فلو كان لسان الحديثين السابقين يستفاد منه مدخلية الاجزاء الاربعة في المسمى فيلزم ان يستفاد من هذه الاحاديث مدخلية الفاتحة والقيام في المسمى ايضا.

وباختصار ان الحديثين السابقين ان كانا ناظرين الى عالم الامتثال فهما اجنبيان عن بيان مدخلية الاجزاء الاربعة في المسمى ، وان كانا ناظرين الى عالم التسمية فيلزم مدخلية مثل الفاتحة والقيام في المسمى ايضا.

واما الدعوى الثانية : فالدليل عليها اما ما اشار اليه قدس‌سره في آخر كلامه ـ حيث ذكر ان عدم بطلان الصلاة بترك بقية الاجزاء نسيانا يدل على عدم مدخليتها في المسمى ـ واما باعتبار ان المستفاد من الحديثين السابقين ان الاجزاء الاربعة هي التي لها المدخلية في المسمى دون غيرها.

فان كان الدليل هو الاول فيرده : ان عدم بطلان الصلاة بترك بقية الاجزاء نسيانا لا يدل على عدم مدخليتها في المسمى اذ الاجزاء حينما تؤخذ في المسمى تؤخذ بشكلها الخاص في مقام التأثير فان كان فقدانها العمدي والنسياني يستوجب بطلان الصلاة فيلزم اخذها في المسمى اجزاء حالة التذكر والنسيان معا ، وان كان فقدانها العمدي فقط يوجب البطلان فيلزم اخذها في المسمى حالة التذكر فقط وتكون النتيجة وضع كلمة الصلاة للاجزاء الاربعة مطلقا ولبقية الاجزاء في خصوص حالة التذكر.

وان كان الدليل هو الثاني فيرده ما تقدم من ان الحديثين ليسا ناظرين الى عالم التسمية حتى يدلاّ على عدم مدخلية بقية الاجزاء في المسمى بل هما ناظران لبيان ركنية الاجزاء الاربعة بلحاظ عالم الامتثال وتفريغ الذمة.

__________________

(١) ورد ذلك في حديث ابي بصير. الوسائل ٤ : ٩٣٩.

٢٦٥

قوله ص ٤٦٣ س ١٠ والاجزاء :

بكسر الهمزة عطف تفسير على الامتثال.

قوله ص ٤٦٣ س ١٥ والذي هو المهم ... الخ :

اذ الاعمي يدعي ان اسم الصلاة يصدق حتى عند فقدان بعض الاجزاء ، وواضح ان المناسب لهذه الدعوى هو الجانب السلبي الذي يقول ان اسم الصلاة يصدق وان لم يتوفر باقي الاجزاء غير الاربعة ، ولا تناسب له مع الجانب الايجابي.

قوله ص ٤٦٣ س ٢٠ حالة الاختيار او الذكر :

الاختيار يقابل الاضطرار ، والذكر يقابل النسيان.

قوله ص ٤٦٣ س ٣٢ بلحاظ الوجوب :

المناسب : بلحاظ الامتثال كما عبّر بذلك قبل أسطر.

مختار السيد الشهيد.

قوله ص ٤٦٤ س ٢ والتحقيق ان يقال ... الخ :

وبعد الاطلاع على ادلة القولين نشير الى الرأي المختار وهو ان الفاظ العبادات موضوعة للاعم.

والدليل عليه : ان الاحتمالات في المسألة ثلاثة ، وعلى تقدير جميعها يلزم الوضع للاعم ، والاحتمالات هي :

١ ـ ان يكون معنى كلمة الصلاة مثلا ثابتا قبل الاسلام وتكون ـ كلمة الصلاة ـ موضوعة له.

٢ ـ ان يكون معنى كلمة الصلاة حادثا بعد الاسلام ويفرض انها ـ كلمة

٢٦٦

الصلاة ـ وضعت له وضعا تعينيا ناشئا بسبب كثرة الاستعمال.

٣ ـ ان يكون المعنى حادثا بعد الاسلام ويفرض ان كلمة الصلاة وضعها صلى‌الله‌عليه‌وآله بالوضع التعييني له.

اما بناء على الاحتمال الاول فيلزم ان تكون كلمة الصلاة موضوعة للاعم لان الصلاة الصحيحة هي الفعل الواجد لجميع الاجزاء والشرائط ، ومن الواضح ان جميع اجزاء الصلاة وشرائطها لم يكن ثابتا قبل الاسلام ليكون لفظ الصلاة موضوعا للمجموع ، بل كثير منها جاء به الاسلام بعد ما لم يكن ثابتا قبلا.

واما على الاحتمال الثاني ـ وهو كون كلمة الصلاة موضوعة للمعنى الشرعي بالوضع التعيّني ـ فيلزم الوضع للاعم ايضا لان الوضع التعيّني يحصل بواسطة كثرة الاستعمال ، ومن الواضح ان الذي يمكن الجزم به هو كثرة استعمال كلمة الصلاة في الاعم واما استعمالها في خصوص الصحيح فلا يجزم بكثرته ، بل يمكن ان يدّعى ان كلمة الصلاة لا يجزم باستعمالها حتى مرة واحدة في خصوص الصلاة الصحيحة ، فانا وان جزمنا في كثير من الاستعمالات بارادة خصوص الصلاة الصحيحة ولكن لا يلزم استعمال كلمة الصلاة في ذلك بل من المحتمل ارادة خصوص الصحيح منها من دون ان تستعمل فيه كما هو الحال في كلمة « ماء رمان » فان المقصود من هذه الكلمة هو السائل المعروف بدون ان تستعمل كلمة ماء ولا كلمة رمان في ذلك بل كلمة ماء مستعملة في طبيعي الماء وكلمة رمان مستعملة في طبيعي الرمان ، وبعد اجتماعهما يفهم ان مقصود المتكلّم هو السائل المعروف. وكلمة الصلاة لعلها من هذا القبيل ، فحينما يقال مثلا : تجب الصلاة مع الركوع والسجود فالمراد واقعا وان كان هو الصلاة الصحيحة ولكن لا يلزم ان تكون كلمة الصلاة مستعملة في ذلك ، فلعلها مستعملة في طبيعي الصلاة الاعم ،

٢٦٧

وكلمة الركوع والسجود مستعملة في طبيعي الركوع والسجود ايضا ، وبعد اجتماعهما يفهم ان المقصود واقعا هو خصوص الصلاة الصحيحة.

واما على الاحتمال الثالث ـ اي وضع كلمة الصلاة للمعنى الشرعي بالوضع التعييني ـ فقد يقال : لا يمكن الجزم باحد الاحتمالين ، فكما يحتمل وضع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة للاعم يحتمل وضعها لخصوص الصحيحة. هذا ولكن المناسب هو الوضع للاعم لوجهين :

أ ـ ان اصل احتمال الوضع التعييني ضعيف للغاية ، اذ لو كان صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قال : وضعت كلمة الصلاة للمعنى الشرعي الصحيح او الاعم لنقل التأريخ ذلك كما مرّ سابقا.

ب ـ لو سلمنا وضعه صلى‌الله‌عليه‌وآله كلمة الصلاة للمعنى الشرعي تعيينا فيمكن الجزم بعدم وضعها للمعنى الشرعي الصحيح ، اذ الصلاة الصحيحة هي الجامعة لجميع الاجزاء والشرائط ، ومن الواضح ان كلمة الصلاة قد استعملها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ اليوم الاول من بعثته المباركة ، ومجموع الاجزاء والشرائط بيّن بعد ذلك خلال خمس وعشرين سنة ، ومعه فكيف تكون كلمة الصلاة قد وضعها صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ بداية بعثته لمجموع الاجزاء والشرائط ، ان هذا احتمال بعيد جدا.

هذا مضافا الى ان الوضع لجميع الاجزاء والشرائط وضع لمعنى مجهول وغير محدد وهو بعيد ايضا ، اذ المقصود من الوضع تفهيم المعنى للناس ، فلو كان المعنى الموضوع له مجهولا يلزم نقض الغرض من الوضع.

ان قلت : لماذا لا نقول ان كلمة الصلاة قد وضعها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بداية بعثته للصحيح لكن لا بمعنى واقع الصحيح الذي هو عبارة عن مجموع

٢٦٨

الاجزاء والشرائط حتى يقال انه مجهول بل بمعنى مفهوم الصحيح ، وواضح ان مفهوم الصحيح ليس فيه اي اجمال.

قلت : ان الوضع لمفهوم الصحيح بعيد جدا كما مر سابقا اذ لازمه الترادف بين كلمة الصلاة ومفهوم الصحيح بحيث اذا قيل : الصلاة واجبة كان المعنى : الصحيح واجب.

وباختصار : وضع الصلاة للصحيح بعيد جدا اذ الوضع لمفهوم الصحيح غير محتمل كما ان الوضع لواقعه ـ بمعنى جميع الاجزاء والشرائط ـ غير محتمل ايضا لما تقدم.

قوله ص ٤٦٤ س ٢ كحقائق عرفية :

اي لفظ الصلاة موضوع للمعنى العبادي لدى العرف ـ وهم الناس ـ قبل الاسلام.

قوله ص ٤٦٤ س ٩ بخلاف الصحيح بالخصوص :

اي ان كلمة الصلاة وان استعملت في الصحيح حين استعمالها في الاعم باعتبار ان الصحيح فرد من الاعم الاّ ان استعمالها في الصحيح بخصوصه غير معلوم.

قوله ص ٤٦٤ س ١٦ فان بيان تلك الاجزاء ... الخ :

هذا ليس تعليلا لقوله : « مستبعد جدا » بل لقوله : « غير معروفة للمخاطبين ومجهولة لديهم » ، اي ان الوضع للاجزاء بعيد لكونها مجهولة ، والوجه في جهالتها ان بيانها كان متأخرا وبنحو التدريج خلال خمس وعشرين سنة عن طريق استعمال كلمة الصلاة مقرونة بتلك الاجزاء والحال ان استعمال كلمة الصلاة كان ثابتا قبل تشريع تمام هذه الاجزاء وبيانها.

٢٦٩

ومن خلال هذا اتضح ان المقصود من كلمة الشارع في عبارة الكتاب ليس معناها المصطلح بل بمعنى التشريع ، اي تشريع الاجزاء وبيانها.

ومع كل هذا لا تخلو العبارة من غموض وابهام على عكس عبارة التقرير حيث جاءت واضحة ، ونصها : « وعلى الثالث يشكل احراز اي من الوضعين التعيينين من قبل الشارع الاّ ان هذا المبنى كان بلا مأخذ في المسألة السابقة سيّما اذا لاحظنا ان تداول الاسامي في استعمالات الشارع كان سابقا على تبيان الاجزاء والشرائط والتي اقتضت المصلحة ان يتدرج في بيانها ، فلو كان هناك وضع تعييني من قبل الشارع فالارجح انه كان في الاعم لان الوضع للصحيح بما هو صحيح غير محتمل ولواقع الاجزاء والشرائط التي هي مبهمة لم تعرف بعد لا يناسب غرض الوضع » (١).

(٢) اسماء المعاملات.

قوله ص ٤٦٤ س ٢١ والبحث عن وضعها ... الخ :

والحديث السابق كان ناظرا لاسماء العبادات ومن الآن يقع في اسماء المعاملات مثل كلمة البيع والاجارة وو ....

والبحث عن ذلك يقع في جهات :

الجهة الاولى :

ذهب السيد الخوئي دام ظله الى ان كلمة البيع لو قيل بانها موضوعة للبيع الصحيح فلا يمكن ان يكون المقصود من الصحيح البيع الصحيح شرعا بل لا بد

__________________

(١) مباحث الدليل اللفظي ١ : ٢٠٩.

٢٧٠

وان يكون المقصود الصحيح عند العقلاء ، اذ لو كان المقصود الصحيح شرعا تلزم اللغوية في دليل الامضاء اي مثل قوله تعالى : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ، ) لصيرورة المعنى هكذا : البيع الصحيح شرعا محكوم بالصحة شرعا (١) ، ومثل هذه القضية واضحة لا يحتاج بيانها الى نزول آية قرآنية في شأنها بل ذاك لغو نظير ان يقال : زيد الكاتب كاتب وزيد الشاعر شاعر وغير ذلك من القضايا التي يصطلح عليها بالضرورية بشرط المحمول ، ومن هنا اختار دام ظله ان المقصود من الصحيح الصحيح العقلائي ، ومعنى الآية حينئذ : البيع الصحيح بنظر العقلاء صحيح شرعا.

ويرده :

أ ـ ان غاية ما يثبته هذا البيان ان كلمة البيع في خصوص الآية الكريمة مستعملة في الصحيح العقلائي ولا يثبت انها مستعملة في جميع الموارد في ذلك.

ب ـ ان البيان المذكور يتم لو فرض ان كلمة البيع موضوعة لمفهوم الصحيح الشرعي اذ يصير المعنى : البيع الصحيح الشرعي صحيح شرعا ، اما لو كان المقصود من الصحيح مصداق الصحيح وواقعة ، فلا يلزم محذور اللغوية اذ يصير المعنى هكذا : التمليك بعوض معلوم مع بلوغ المتعاقدين والقدرة على التسليم صحيح شرعا ، وهذا كما هو الحال في العبادات ، فكما ان كلمة الصلاة يعقل ان تكون موضوعة للصحيح الشرعي ويكون تعلق الوجوب بها ـ اي بالصلاة الصحيحة شرعا ـ معقولا ولم يستشكل دام ظله هناك كذلك يعقل في باب المعاملات وضع كلمة البيع للصحيح الشرعي.

قوله ص ٤٦٥ س ١ والذي قد يكون اوسع :

__________________

(١) فان معنى « احلّ » : حكم الشارع بالصحة ، والبيع حسب الفرض موضوع للصحيح شرعا ، وبضم هذا لذاك تكون النتيجة ما ذكرناه.

٢٧١

اذ الشارع يعتبر في البيع الصحيح اجزاء وشرائط اكثر مما يعتبره العقلاء ، فمثلا العقلاء لا يعتبرون القدرة على التسليم او البلوغ مع ان الشارع يعتبرهما ، وبذلك تصير دائرة الصحيح الشرعي اضيق ، فانه بكثرة قيود الشيء تضيق دائرته.

قوله ص ٤٦٥ س ٦ وهي قضية ضرورية بشرط المحمول :

المحمول هو قولنا صحيح شرعا ، وهذا المحمول اخذ قيدا في الموضوع فصارت القضية ضرورية بسبب اخذ المحمول شرطا في الموضوع.

قوله ص ٤٦٥ س ٨ اريد به الاعم :

اي الاعم من النظر الشرعي.

قوله ص ٤٦٥ س ٨ ولو باعتبار وروده :

اي ان ورود هذا الاستعمال في مقام الامضاء يصير قرينة على ان المقصود من الصحيح الصحيح العقلائي والاّ يلزم ان تصير القضية ضرورية بشرط المحمول.

قوله ص ٤٦٥ س ٩ مدّعي الصحيحي :

الصحيح : مدّعي الصحيحي.

قوله ص ٤٦٥ س ١٠ ومنشأ انتزاعه :

عطف تفسير لواقعه.

قوله ص ٤٦٥ س ١٢ ان الاول :

اي الوضع لمفهوم الصحيح غير محتمل لانه يلزم تبادر مفهوم الصحيح من كلمتي الصلاة والبيع.

٢٧٢

الجهة الثانية :

قوله ص ٤٦٥ س ١٦ المعروف ان النزاع ... الخ :

من الواضح ان كل معاملة تتركب من امرين : سبب ومسبّب ، والسبب عبارة عن المجموع من الايجاب والقبول والعربية والماضوية وو ... ، وبتحقيق هذا المجموع تتحقق الملكية ، وتسمى بالمسبب.

والسؤال المطروح في هذه الجهة هو : هل كلمة البيع موضوعة للسبب او للمسبّب؟ فحينما نقول « احل الله البيع » هل المراد احل الله الايجاب والقبول اللذين هما سبب للملكية او المراد احل الله الملكية التي هي مسببة عن الايجاب والقبول؟ وكلا الاحتمالين وجيه.

وقد ذكر المشهور انها لو كانت موضوعة للسبب فالنزاع في وضعها للصحيح او للاعم وجيه ، اذ قد يكون السبب واجدا لجميع الشرائط فيكون صحيحا وقد يكون فاقدا لبعضها فيكون فاسدا ، اما اذا قلنا انها موضوعة للمسبب ـ اي للملكية ـ فالنزاع في الوضع للصحيح او للاعم غير وجيه ، اذ الملكية يدور امرها بين الوجود والعدم فهي اما موجودة او معدومة ولا يمكن ان توجد بشكل فاسد لعدم المعنى للملكية الفاسدة (١).

هذا ما ذكره المشهور ، ولكن السيد الخوئي دام ظله ذكر ان النزاع في الوضع للصحيح او للاعم يجري ولو كان لفظ البيع موضوعا للمسبب. ولتوضيح ذلك ذكر ان في المسبب في باب البيع ثلاثة احتمالات :

__________________

(١) والنكتة في ذلك ان الملكية امر بسيط فإما ان تتحقق او لا تتحقق ، وهذا بخلاف السبب فانه مركب من عدة اشياء فلعلها تجتمع فيكون صحيحا ولعلها لا تجتمع فيكون فاسداً.

٢٧٣

أ ـ ان يكون المسبب عبارة عن الملكية التي يحكم بها الشارع ويعتبرها ، ولنسمها بالملكية الشرعية.

ب ـ ان يكون المسبب عبارة عن الملكية التي يحكم بها العقلاء ويعتبرونها ، ولنسمها بالملكية العقلائية.

ج ـ ان يكون المسبب عبارة عن اعتبار البائع والمشتري للملكية والتزامهما بها في نفسهما.

والمسبب في الاحتمالين الاولين لا يتصف بالصحة والفساد بل بالوجود والعدم فان الملكية الشرعية والعقلائية اما ان توجد او لا توجد ، ووجودها بشكل فاسد لا معنى له ، واما المسبب في الاحتمال الثالث فهو قابل للاتصاف بالصحة والفساد ، اذ المتعاملان اذا اعتبرا الملكية والتزما بها فمع فرض ان الشارع والعقلاء يرتبون الاثر على ذلك الاعتبار ـ بمعنى انهم يحكمون بالملكية ايضا ـ فالمسبب صحيح وان لم يرتبوا الاثر على ذلك فالمسبب فاسد (١).

وبعد هذا اضاف دام ظله : ان كلمة البيع لو قلنا بوضعها للمسبب فهي ليست موضوعة للمسبب الشرعي او العقلائي اذ الملكية الشرعية او العقلائية فعل الشارع او العقلاء وليست فعلا للمتعاقدين والحال ان عملية البيع ننسبها الى المتعاقدين حيث نقول : باع زيد او اشترى ولا نقول باع الشارع واشترى او باع العقلاء واشتروا ، ومن هنا يتعين ان تكون كلمة البيع موضوعة للمسبب باحتماله الثالث الذي هو فعل للمتعاملين ، ومعه يكون النزاع في الوضع للصحيح او الاعم

__________________

(١) ولا يتوهمنّ متوهم ان هذا البيان يأتي في الملكية الشرعية ايضا فلماذا اذن لا تتصف بالصحة والفساد؟ والجواب : ان الشارع حينما يحكم بالملكية فمن الذي يكون اعلى منه حتى يحكم بترتب الاثر وعدمه وبالتالي حتى يتصور الصحة والفساد.

٢٧٤

وجيها ، اذ المسبب بالاحتمال الثالث يمكن اتصافه بالصحة والفساد كما تقدم. هذا حصيلة ما افاده دام ظله.

ويرده : ان المسبب ليس فيه ثلاثة احتمالات بل فيه احتمالان فقط وهما الاول والثاني ـ اذ المسبب بالمعنى الثالث ليس مسببا بحسب الحقيقة بل هو جزء من السبب فانه سيأتي ص ٤٦٧ من الحلقة ان السبب يتركب من ثلاثة عناصر والثاني منها هو التزام المتعاملين بالملكية ـ والمفروض انهما لا يتصفان بالصحة والفساد بل بالوجود والعدم فقط فلا يتم ما ذكره دام ظله.

يبقى ان نوضح ان المسبب في الاحتمالين الاولين هو فعل للشارع او العقلاء فكيف يكون الايجاب والقبول سببا له؟ والجواب : ان فعل الشارع هو الجعل الكلي اي الحكم الكلي بتحقق الملكية الكلية على تقدير تحقق السبب التام ـ كما هو الحال في وجوب الحج ، فان الجعل هو الحكم بالوجوب على تقدير حصول الاستطاعة ـ والايجاب والقبول ليسا سببا لايجاد هذا الجعل الكلي بل هما سبب لايجاد صغرى هذا الجعل الكلي اي لايجاد الملكية الشرعية الخاصة بين هذا العوض الخاص والعوض الخاص الآخر او بين هذا البايع الخاص وذاك المشتري الخاص ، فالمتعاملان يريدان بالايجاب والقبول ايجاد الملكية الشرعية الجزئية وهو امر معقول نظير الاستطاعة الفعلية التي هي سبب للوجوب الشرعي الفعلي الخاص ، وبما ان الملكية الشرعية يدور امرها بين الوجود والعدم فلا يتصور اذن النزاع في الصحيح والاعم بناء على وضع كلمة البيع للمسبب كما ذكر المشهور.

قوله ص ٤٦٦ س ١ المعنى الثاني :

اي المسبب بالاحتمال الثالث ، فان المسبب بالاحتمال الاول والثاني قد جعلا في العبارة السابقة احتمالا واحدا.

٢٧٥

قوله ص ٤٦٦ س ٢ على كلا التقديرين :

اي سواء قلنا بوضع كلمة البيع للسبب او للمسبب.

الجهة الثالثة :

قوله ص ٤٦٦ س ١٠ ثمرة هذا البحث نفس ما تقدم ... الخ :

تعرضنا فيما سبق لثمرة البحث في الصحيح والاعم في باب العبادات ، والآن نتعرض لبيانها في باب المعاملات.

وتشبه الثمرة هنا الثمرة المتقدمة في باب العبادات.

وتوضيحها : لو شككنا في اشتراط العربية او الماضوية او غير ذلك في البيع فهل يمكن التمسك باطلاق « احل الله البيع » لنفي الشرطية باعتبار ان الآية الكريمة قالت احل الله البيع ولم تقل احل الله البيع بشرط العربية او الماضوية او لا يصح ذلك؟ ان الثمرة تظهر في هذا المجال.

ولنتكلم مرة بناء على ان كلمة البيع اسم للسبب اي للايجاب والقبول واخرى بناء على انها اسم للمسبب اي الملكية.

اما اذا قلنا بانها اسم للسبب ـ ويصير معنى الآية : احل الله الايجاب والقبول ـ فتظهر الثمرة بين الصحيح والاعم فانه بناء على وضع كلمة البيع للبيع الصحيح شرعا لا يصح التمسك بالاطلاق ، اذ الايجاب والقبول من دون العربية او الماضوية لا يمكن الاشارة لهما والقول انهما سبب صحيح شرعا فيصدق عليهما البيع وبالتالي يشملهما اطلاق الآية الكريمة ، كلا انه غير تام ، اذ كلمة البيع ما دامت موضوعة للسبب الصحيح فمن دون العربية او الماضوية لا يجزم بصدق كلمة البيع وبالتالي فلا يصح التمسك باطلاق الآية الكريمة ، فان التمسك بالاطلاق

٢٧٦

فرع احراز صدق اللفظ المطلق على المشكوك.

واما اذا قلنا بان كلمة البيع موضوعة للسبب ولكن لا للسبب الصحيح شرعا بل للسبب الصحيح عند العقلاء او قلنا هي موضوعة للسبب الاعم من الصحيح والفاسد فيصح التمسك بالاطلاق لان الايجاب والقبول الفاقدين للعربية او الماضوية غاية ما فيهما انهما سبب فاسد والمفروض صدق كلمة البيع على الفاسد ايضا.

اجل هنا شيء وهو ان القيد المشكوك اذا فرض احتمال لزوم تواجده في البيع في نظر العقلاء فلا يصح التمسك بالاطلاق حتى بناء على الاعم او الوضع للصحيح العقلائي ، فمثلا لو شككنا هل يعتبر في صحة البيع شرعا وجود الثمن او لا فلا يصح التمسك بالاطلاق ، اذ المعاملة الفاقدة للثمن لا يجزم بصدق البيع عليها عند العقلاء ، وشرط التمسك بالاطلاق احراز صدق اللفظ المطلق على المشكوك كما تقدم.

هذا كله بناء على ان كلمة البيع اسم للسبب.

واما بناء على انها اسم للمسبب ـ اي للملكية ـ فلا يصح التمسك بالاطلاق لنفي العربية او الماضوية بلا فرق بين ان يبنى على ان كلمة البيع اسم للصحيح الشرعي او للصحيح العقلائي.

والوجه في ذلك على ما ذكره الميرزا النائيني قدس‌سره ان معنى الآية بناء على كون كلمة البيع اسما للمسبب هكذا : احل الله الملكية ، ومن الواضح ان تحليل الملكية لا يستلزم تحليل جميع اسبابها فلعل بعض اسبابها ممضى وبعضها الآخر غير ممضى ، وهذا نظير ما لو قيل السفر الى مكة المكرمة والتواجد فيها مباح بل مستحب فانه لا يستفاد منه ان جميع اسباب الوصول الى مكة بما فيها ركوب

٢٧٧

الطائرة المغصوبة حلال ، اذ يكفي في اباحة التواجد في مكة اباحة بعض اسبابه ولا يلزم اباحة جميعها ، وهكذا لو قيل اشباع الانسان بطنه مباح فانه لا يستفاد منه اباحة جميع اسباب اشباع البطن بما في ذلك تناول المسروق.

قوله ص ٤٦٦ س ١٢ الاّ انه ... الخ :

هذا بناء على وضع كلمة البيع للسبب كما سيأتي بعد ثلاثة أسطر التصريح بذلك.

قوله ص ٤٦٦ س ١٣ مطلقا :

اي حتى اذا كان القيد المشكوك مما نجزم بعدم اعتباره في الصحة العقلائية.

قوله ص ٤٦٦ س ١٣ وعلى القول بالوضع للصحيح العقلائي :

وهكذا بناء على الوضع للاعم من الصحيح والفاسد ، فان احتمال الوضع للاعم احتمال وجيه بل هو الرأي المختار كما سيأتي ص ٤٦٨ س ٦.

قوله ص ٤٦٦ س ١٥ مع احراز عدم دخله فيها عقلائيا :

واما مع احتمال دخل القيد بنظرهم ـ كما مثلنا بالبيع بلا ثمن ـ فلا يجزم حينئذ بصدق كلمة البيع حتى يتمسك بالاطلاق.

قوله ص ٤٦٦ س ١٨ على كل حال :

اي لا يصح التمسك بالاطلاق ولا تظهر الثمرة سواء قلنا ان كلمة البيع اسم للمسبب الصحيح الشرعي او للمسبب الصحيح العقلائي.

قوله ص ٤٦٦ س ٢٣ وحلّيته :

اي حلّية المسبب ، والمناسب : وحلّيتها ، اي حلّية المعاملة.

قوله ص ٤٦٧ س ١ المحققة له وشرائطها :

اي المحققة للمسبب وشرائط الاسباب.

٢٧٨

الجهة الرابعة :

قوله ص ٤٦٧ س ٢ لا اشكال في ان المعاملة ... الخ :

ذكرنا فيما سبق ان المعاملة تتركب من سبب ومسبب كما وذكرنا تفسير السيد الخوئي دام ظله للمسبب وانه اعتبار المتعاملين الملكية الخاصة في نفسهما واشرنا الى بطلانه وان الصحيح تفسيره بالملكية الشرعية او العقلائية ولكن لا الملكية الكلية المسماة بالجعل الكلي بل الملكية الشرعية او العقلائية الخاصة.

وبعد معرفة المراد من المسبب يبقى علينا في هذه الجهة تبيان المراد من السبب.

ان السبب عبارة من مجموع ثلاثة عناصر هي :

١ ـ الايجاب والقبول ، سواء كانا باللفظ كما في المعاملة اللفظية ام بالفعل والتعاطي كما في المعاطاة.

٢ ـ التزام البائع والمشتري بالملكية في نفسهما عن جد وقصد حقيقي لا عن هزل ، ويعبّر عن ذلك بالمدلول التصديقي للانشاء.

٣ ـ ان يقصد المتعاملان باعتبار الملكية في نفسهما الوصول الى الملكية الشرعية ، فالبايع مثلا يعتبر الملكية في نفسه ليحكم الشارع بالملكية ، وهذا ما يسمى بقصد التسبب اي يقصد البايع او المشتري من التزامه بالملكية الوصول الى حكم الشارع او العقلاء بالملكية.

هذه هي العناصر الثلاثة التي يتركب منها السبب ، ومتى ما اجتمعت كان السبب صحيحا واذا فقد واحد منها كان فاسدا ، وعليه فبناء على وضع كلمة البيع للسبب يصح النزاع في وضعها للسبب الصحيح او الاعم لانا قلنا ان السبب

٢٧٩

يتصور ان يكون صحيحا مرة وفاسدا اخرى ، واما بناء على وضعها للمسبب فقد تقدم ان النزاع في الصحيح والاعم لا يتصور.

وبهذا نكون قد عرفنا في هذه الجهة الرابعة لحد الآن شيئين : تركب السبب من عناصر ثلاثة وان كلمة البيع لو كانت موضوعة للسبب فالنزاع في وضعها للصحيح او الاعم وجيه بخلاف ما لو كانت موضوعة للمسبب.

ثم ان عبارة الكتاب تعرضت في ثنايا هذا البحث الى مطلب جابني حاصله : انه بعد تركب السبب من ثلاثة عناصر فمن اللازم عند تحققها تحقق المسبب وهو الملكية الشرعية او العقلائية لو فرض ان الشارع او العقلاء يحكمان بالملكية عند تحقق السبب.

وبكلمة اخرى عند اعتبار المتعاملين الملكية في قلبهما يلزم حكم الشارع او العقلاء بالملكية ، فما في قلب المتعاملين ـ وهو الملكية التي اعتبراها ـ يلزم ان يصير خارجيا ويتحقق في الخارج بسبب حكم الشارع او العقلاء.

ثم انه اتضح ان الملكية على قسمين : ملكية يعتبرها المتعاملان في قلبهما وملكية يحكم بها الشارع او العقلاء ، والملكية الاولى طريق لتحقيق الملكية الثانية ، فالمتعاملان يعتبران الملكية في قلبهما لكي يحكم الشارع او العقلاء بالملكية.

ثم انا وان قسمنا الملكية الى القسمين المذكورين لكنا نعترف ان هذا التقسيم ليس عرفيا ، فالعرف لا يرى ان الملكية على قسمين بل يرى انه بعد الايجاب والقبول تتحقق ملكية واحدة وهي الملكية القلبية التي يعتبرها العقلاء ، ولكن هذه الملكية الواحدة يمكن ان تنحل بالتحليل العقلي الى ملكيّتين بالشكل الذي ذكرنا.

٢٨٠